ﰡ
قوله: ﴿ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا ﴾ أي يحبونها ويألفونها زيادة على الآخرة، والمعنى يقدمون الحياة الدنيا على الآخرة. قوله: ﴿ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾ أي يمنعون الناس عن الدين الحق. قوله: ﴿ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً ﴾ أي يطلبون العدول والانحراف عنها، والمعنى أنهم يضلون غيرهم، ويضلون في أنفسهم. قوله: ﴿ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ ﴾ أي كفر مبعد لهم عن الرحمة والخير. قوله: ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ ﴾ أي محمداً أو غيره فظاهر. إن قلت: إن كان المراد بقومه الذين نشأ فيهم، وإن كان المراد الذين أرسل لهم، فرسول الله أرسل لكافة الخلق، مع أنه لم يظهر منه إلا اللسان العربي، وهو لسان بعض قومه أجيب: بأن الله علمه جميع اللغات، فكان يخاطب كل قوم بلغتهم، وإن لم يثبت أنه تكلم باللغة التركية، لأنه لم يتفق أنه خاطب أحداً من أهلها، ولو خاطبه لكلمه بها. قوله: ﴿ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ ﴾ استئناف مفصل لقوله: ﴿ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾ ﴿ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾ أي الغالب على أمره وهو كالعلة لقوله: ﴿ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ ﴾ الخ قوله: ﴿ ٱلْحَكِيمُ ﴾ أي الذي يضع الشيء في محله. قوله: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ ﴾ تفصيل لما أجمل في قوله: ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ ﴾ الآية قوله: (التسع) تقدم منها ثمانية في الأعراف، والتاسعة في يونس قوله: (وقلنا له) لا حاجة لتقديره، بل المناسب أن يفسر أن بأي التفسيرية، لأن ضابطها موجود، وهو تقدم جملة فيها معنى القول دون حروفه وهو ﴿ أَرْسَلْنَا ﴾، ويصح جعلها مصدرية أي بإخراج قومك، وهذه الباء للتعدية، وفي ﴿ بِآيَاتِنَآ ﴾ للحال قوله: (بنعمه) أي فالمراد بالأيام النعم، وعبر عنها بالأيام لحصولها فيها قوله: ﴿ لِّكُلِّ صَبَّارٍ ﴾ أي كثير الصبر وقوله: ﴿ شَكُورٍ ﴾ أي كثير الشكر، وخصوا بالذكر لأنهم المنتفون بها.
قوله: (في الريبة) أي وهي عدم اطمئنان النفس إلى الشيء قوله: ﴿ قَالَتْ رُسُلُهُمْ ﴾ أي جواباً لقول الأمم ﴿ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ ﴾.
قوله: ﴿ أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ ﴾ الهمزة للاستفهام، والجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره أثبت، و ﴿ شَكٌّ ﴾ فاعل بالجار والمجرور لاعتماده على الاستفهام، والجار والمجرور خبر مقدم، و ﴿ شَكٌّ ﴾ مبتدأ مؤخر، والأولى لسلامته من الفصل بين الصفة وهو ﴿ فَاطِرِ ﴾، والموصوف وهو لفظ الجلالة بأجنبي وهو المبتدأ. قوله: (للدلائل الظاهرة) أي العقلية والنقلية. قوله: ﴿ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ هذا من جملة أدلة توحيده. قوله: ﴿ يَدْعُوكُمْ ﴾ الجملة حالية قوله: ﴿ لِيَغْفِرَ لَكُمْ ﴾ أي لا ليتكمل بطاعتكم، بل ثمرة امتثالكم وطاعتكم عائدة عليكم قوله: (من زائدة) هذا مبني على مذهب الأخفش، من أنها تزاد في الإثبات، وهي طريقة ضعيفة، فلا يناسب تخريج القرآن عليها، وقوله: (أو تبعيضية) فيه أنه ظاهر في المسلم الأصلي، وأما الكافر إذا أسلم فلا يظهر، لأن الإسلام يجب ما قبله، ولو حقوق العباد، وحينئذ فالجواب الأتم، أن تجعل ﴿ مِّن ﴾ بمعنى بدل، أي يغفر لكم بدل عقوبة ذنوبكم، أو ضمن يغفر معنى يخلص، ومن على بابها للتعدية، والتقدير: ليخلصكم من ذنوبكم، ولعل هذا الجواب هو الأقرب. قوله: ﴿ وَيُؤَخِّرَكُمْ ﴾ معطوف على يغفر، والمعنى يدعوكم إلى طاعته لأمرين: غفران ذنوبكم، وتأخير العذاب إلى أجل مسمى، بأن تعيشوا في الدنيا سالمين من الخزي، كالخسف والمسخ، فإذا متم على الإيمان دخلتم الجنة ففزتم بالسعادتين. قوله: ﴿ قَالُوۤاْ ﴾ أي الأمم، جواباً لمقالة الرسل. قوله: ﴿ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ﴾ أي فلا مزية لكم علينا، فلم اختصصتم بالنبوة دوننا. قوله: ﴿ أَن تَصُدُّونَا ﴾ ﴿ أَن ﴾ مصدرية، وتصدوا منصوب بأن، وعلامة نصبه حذف النون، والواو فاعل، ونا مفعوله. قوله: (من الأصنام) بيان لما قوله: (حجة ظاهرة) أي غير ما جئتم به. قوله: ﴿ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ ﴾ أي جواباً لمقالتهم. قوله: ﴿ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ ﴾ أي فإننا وإن كنا بشراً مثلكم، إلا أن الله فضلنا عليكم بالنبوة، وأعطانا المعجزات على مراده، فإن آمنتم فهو خير لكم، وإن كفرتم فهو شر لكم، فلا قدرة لنا على إتيان ما تطلبونه، لأننا عبيد مقهورون. قوله: (بأمره) المناسب أن يقول بإرادته. قوله: ﴿ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾ أي يفوضوا أمورهم إليه، ويصبروا على ما أصابهم.
قوله: ﴿ وَمَا ذٰلِكَ ﴾ أي الإذهاب والإتيان بشديد على الله، قال تعالى:﴿ مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾[لقمان: ٢٨].
قوله: (أنه غير كائن) قدره إشارة إلى أن مفعول وعد الثاني محذوف. قوله: ﴿ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾ أي تبين خلافه. قوله: (لكن) أشار بذلك إلى الاستثناء منقطع، لأن دعوته ليست من جنس السلطان. قوله: ﴿ فَلاَ تَلُومُونِي ﴾ أي على وسوستي لكم. قوله: ﴿ وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ﴾ أي وبخوها على اتباعي، فإني لم أكن مكرها لكم على اتباعي، بل جاءتكم البينات والرسل، وسمعتم الدلائل الظاهرة على توحيد الله، فتركتموها واتبعتوني. قوله: (على اجابتي) أي ومخالفة ربكم. قوله: (بمغيثكم) أي من العذاب. قوله: (بفتح الياء وكسرها) أي فهما قراءتان سبعيتان، والأصل بمصرخين لي، حذفت اللام للتخفيف، والنون للإضافة، فاجتمع مثلان، أدغم أحدهما في الآخر، فحركت ياء الإضافة بالفتح طلباً للخفة على إحدى القراءتين، وكسرت على أصل التخلص من التقاء الساكنين على الأخرى. قوله: ﴿ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ ﴾ أي تبرأت وأنكرت إشراككم إياي مع الله، حيث اطعتموني في وسوستي لكم بالشرك، فكأنهم أشركوه مع الله. قوله: (قال تعالى) أشار بذلك إلى أنه ليس من كلام إبليس، وقيل من كلامه. قوله: ﴿ وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ لما ذكر أحوال الأشقياء، شرع في ذكر أحوال السعداء. قوله: (حال مقدرة) أي مقدرين الخلود فيها وتقدير الخلود عند الدخول من تمام النعيم. قوله: ﴿ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ﴾ متعلق بأدخل. قوله: (من الله) قال تعالى:﴿ سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ﴾[يس: ٥٨].
قوله: (ومن الملائكة) قال تعالى:﴿ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم ﴾[الرعد: ٢٣-٢٤].
قوله: ﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾ الخطاب إما للنبي، أو لكل من يتأتى منه الخطاب. قوله: ﴿ مَثَلاً ﴾ المثل تشبيه مجهول بمعلوم ليقاس عليه. قوله: (أي لا إله إلا الله) خصها بالذكر لأنها مفتاح الجنة، ولم يقبل من أحد الإيمان إلا بها، وقيل كل كلمة حسنة، كالتسبيح والتحميد والاستغفار وغير ذلك. قوله: ﴿ أَصْلُهَا ثَابِتٌ ﴾ أي عروقها ثابتة في الأرض ماكثة فيها، حتى أنها لا تحتاج لسقي، بل تشرب من عروقها. قوله: ﴿ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ ﴾ أي لجهة العلو.
وفي العنكبوت في قوله:﴿ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ ﴾[العنكبوت: ٥٦].
وقوله في سبأ﴿ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ ﴾[سبأ: ١٣].
وقوله في سورة الزمر﴿ قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ﴾[الزمر: ٥٣].
والإضافة في عبادي للتشريف، ولذا قال العارف: ومما زادني شرفاً وتيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريادخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبياًقوله: ﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ أي اتصفوا بالإيمان، وفي ذلك إشارة إلى أن الصلاة والزكاة وغيرهما من وجوه البر، لا تكون إلى لمن اتصف بالإيمان، فلا تنفع الكافر في حال كفره، فلا ينافي أنه مخاطب بفروع الشريعة، لكن لا تصح منه إلا الإسلام، وفائدة خطابه بها، أنه يعذب عليها زيادة على عذاب الكفر، بدليل قوله تعالى:﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ ﴾[المدثر: ٤٢-٤٤] الآية. قوله: ﴿ وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ﴾ أي النفقة الواجبة كالزكاة، والمندوبة كالتطوعات، وقوله: ﴿ سِرّاً وَعَلانِيَةً ﴾ أي فالإنسان مخير في الاتفاق، إما سراً، أو جهراً، لكن الأفضل في الوادبة الجهر، لئلا يتهم بقلة الدين، وفي التطوعات السر، لكونه أقرب إلى الاخلاص. قوله: (فداء) مشى المفسر على أن المراد بالبيع الفداء، مشى غيره على إبقاء البيع على ظاهره، أي لا شيء يباع فيه للفداء. قوله: (مخالة) أشار المفسر إلى أن قوله: ﴿ خِلاَلٌ ﴾ مصدر بمعنى المخالة، وقال غيره إن خلال جمع خلة، كقلال جمع قلة. قوله: (أي صداقة تنفع) هذا محمول على الكفر بدليل آية الزخرف﴿ ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾[الزخرف: ٦٧]، فالمتقون لهم الأخلاء يوم القيامة، وفي القبور، وفي كل موطن مخوف، والكفار قد تقطعت بهم الأسباب، فليس لهم أخلاء نافعون أصلاً.
قوله: (ولا يصاد صيده) أي يحرم صيد البر في الحرم، على كل شخص محرماً أو غيره. قوله: (ولا يختلي خلاه) أي لا يقطع حشيشه النابت بنفسه، واستثنى العلماء من ذلك الاذخر والسنا والسواك والعصا وقطع الشجر للبناء محله، لأنه ينبغي توسعته. إن قلت: إن قوله: ﴿ ءَامِناً ﴾ يعارضه ما روي: أن ذا السويقتين يخرب البيت، ويخيف أهله في آخر الزمان. أجيب: بأن معنى الأمن الطمأنينة، ظاهراً وباطناً، من سطوات الخالق والمخلوق، للحيوان العاقل، وغيره غالباً، فلا ينافي حدوث النوادر من بعض الجبابرة. وأجيب أيضاً: بأن المراد الأمن من الخراب إلى قرب الساعة، فإن ذا السويقتين، يخرب الكعبة قرب الساعة، بعد موت عيسى عليه السلام. فائدة: قول ابراهيم ﴿ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ﴾ الخ، يقتضي أن دأبه الدعاء، وما ورد من قوله حين ألقي في النار: حسبي من سؤالي علمه بحالي، يقتضي أنه لم يكن دأبه الدعاء، فما السر في ذلك؟ أجيب: بأنه كان في زمن إلقائه في النار، في مقام الفناء والسكر، وهو الغيبة عن شهود الخلق بشهود الحق، فلا يشهد أثراً، وفي زمن دعائه في مقام البقاء وجمع الجمع، وهو البقاء بالله بمعنى شهود الآثار بعد شهود مؤثرها، فمقامه في حال دعائه، أعلى وأجل من مقامه في حال تركه له، ولا يقاس بمقامات الأنبياء مقام، بل بدايتهم أعلى وأجل من نهاية غيرهم، فالأولياء وإن عظموا، لا يصلون لأدنى رتب الأنبياء، وأما قول أبي الحسن الشاذلي: واقرب مني بقدرتك قرباً تمحق به عني كل حجاب محقته عن إبراهيم خليلك الخ، فمعناه قرباً يليق بي، لا كقرب الخليل، فقد طلب من الله أن يذيقه قطرة من بحار تجلياته التي تجلى بها على الخليل حتى أسكره، فلم يشهد شيئاً سواه. قوله: ﴿ وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ ﴾ المراد أولاده وأولاد أولاده، كإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط. إن قلت: إن الأنبياء معصومون من الشرك، ففي دعائه تحصيل الحاصل. والجواب الأتم: أن دعاءه تشريع وتعليم وتذلل وتواضع، مع كونه يعلم عصمة نفسه، ويقال مثل هذا في دعوات باقي الأنبياء بالنجاة، مما هم معصومون منه، كعذاب النار، وغضب الجبار، ونحو ذلك. قوله: ﴿ رَّبَّنَآ ﴾ كرر النداء تأكيداً. قوله: (بعبادتهم لها) أشار بذلك إلى أن نسبة الإضلال للأصنام مجاز، لأنها سبب في الضلال بسبب عبادتها. قوله: ﴿ فَإِنَّهُ مِنِّي ﴾ أي منسوب لي وملحق بي. قوله: (هذا قبل علمه) الخ. جواب عما يقال: إن الله لا يغفر الشرك، فكيف يقول ﴿ فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾؟ وأجيب أيضاً: بأن قوله: ﴿ وَمَنْ عَصَانِي ﴾ أي بغير الكفر، وبأن طلب الغفران لذريته الكفار إن ماتوا على الإسلام. قوله: (وهو إسماعيل مع أمه هاجر) وسبب ذلك الاسكان، أن هاجر كانت جارية لسارة، فوهبتها لإبراهيم، فولدت منه إسماعيل، فغارت سارة منها، لأنها لم تكن قد ولدت قط، فأنشدته بالله أن يخرجهما من عندها، فأمره الله تعالى بالوحي أن ينقلها إلى أرض مكة، وأتى له بالبراق، فركب عليه هو وهاجر والطفل، فأتى من الشام ووضعهما في مكة عند البيت مكان زمزم، وليس بمكة أحد، ولا بناء ولا ماء، ثم قام إبراهيم منطلقاً، فتبعته هاجر وقالت: أين تذهب وتتركني بهذا الوادي الذي ليس به أنيس ولا شيء؟ فلم يلتفت، فقالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذا لا يضيعني ثم رجعت، فانطلق إبراهيم، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: ﴿ رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ ﴾ الخ. قوله: ﴿ بِوَادٍ ﴾ أي في واد، والوادي هو المنخفض بين الجبلين. قوله: ﴿ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ﴾ أي لا يصلح للزرع به، لكونه أرضاً حجرية لا تنبت شيئاً. قوله: (الذي كان قبل الطوفان) أشار بذلك، إلى أن تسميته بيتاً محرماً، فيه مجاز باعتبار ما كان، ويصح أن يكون مجازاً، باعتبار ما يؤول إليه الأمر، لأن الله أوحى إليه وأعلمه، أن هناك بيتاً حراماً، وأنه سيعمره. قوله: ﴿ رَبَّنَا ﴾ كرر النداء، لأن الدعاء ينبغي فيه الأطناب وكثر الابتهال. قوله: ﴿ لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ ﴾ اللام لام متعلقة بأسكنت، والمعنى أسكنتهم بهذا الوادي الخالي من كل مرتفق، ليشتغلوا بأشراف العبادات في أشرف الأماكن، والمراد من الدعاء بإقامة الصلاة، توفيقهم لأدائها على الوجه الأكمل. قوله: ﴿ تَهْوِىۤ ﴾ القراء السبعة على كسر الواو، أي تسرع وتطير شوقاً إليهم، وقرىء شذوذاً بفتح الواو، وخرجت على زيادة إلى، أي تهواهم، وخص الأفئدة بالذكر، لأن القلوب سلاطين الأعضاء، فإذا حنت إليهم القلوب، سعت لهم الأجساد قهراً. قوله: (تميل وتحن) أشار بذلك إلى أنه ضمن تهوي معنى تميل، فعداه بإلى، وإلا فهو يتعدى باللام، وفي هذا دعاء للمؤمنين، بأن يرزقهم الله حج البيت، ودعاء لسكان مكة من ذريتهم بميل الناس إليهم، ليرتفقوا وينتفعوا بهم، فقد جمع في هذا الدعاء، بين أمر الدين والدنيا للناس ولذريته. قوله: (لو قال أفئدة الناس) الخ، أي ولكنه لم يقل ذلك، فلم يحصل لسابقة علم الله تعالى، أنه لا يحن إليهم جميع الناس لوجود الكفار منهم، فإبراهيم دعا بما سيحصل في الخارج، المطابق لما علمه الله. قوله: ﴿ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ أي يصرفون النعم في مصارفها. قوله: (وقد فعل بنقل الطائف إليه) أي وهو قطعة من أرض الشام، من مكان يقال له حوران، بدلت بقطعة من الحجاز، فصارت العيون والأشجار بالطائف، والحجارة والحصا والقفر بأرض حوران، يشاهده كل من رآه، وهو إجابة قوله: ﴿ وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ ﴾، وأما قوله: ﴿ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ ﴾ الخ، فقد حصل مبدأ إجابته بجرهم، وذلك أن إبراهيم لما وضع إسماعيل وأمه، تركهما ومعهما جراب من تمر وسقاء من ماء، فلما نفد الماء، عطشت هي وولدها، فصعدت على الصفا لتنظر هل ترى أحداً؟ فلم تر أحداً، فهبطت ثم أتت المروة، فقامت عليها فنظرت، هل ترى أحداً؟ فلم تر أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات، ولذلك شرع السعي بينهما سبعاً فعند ذلك جاء جبريل، وضرب زمزم بجناحه فخرج الماء فجعلت تحوط عليه وتقول زمي زمي، وفي الحديث" يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم لكانت عيناً معيناً "فجعلت تشرب منه، فمكثوا كذلك، حتى مرت بهم قبيلة من جرهم، كانوا ذاهبين إلى الشام، فعطشوا فرأوا الماء عندها فقالوا لها: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ فقالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء، فقالوا لها: أشركينا في مائك، نشركك في ألباننا، ففعلت، فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم، فلما شب إسماعيل، تعلم منهم العربية وكان أنفسهم، فزوجوه بامرأة منهم، وماتت أمه وما تزوج.
قوله: ﴿ وَسَكَنتُمْ ﴾ معطوف على ﴿ أَقْسَمْتُمْ ﴾.
قوله: ﴿ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ ﴾ المراد بمساكنهم دار الدنيا، لا خصوص منازل الذين ظلموا، فإن كفار قريش لم يسكنوا ديار الكفار الذين هلكوا قبلهم. قوله: (السابقة) أي كقوم نوح وعاد وثمود ولوط وغيرهم. قوله: ﴿ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ ﴾ أي حالهم وخبرهم. قوله: (من العقوبة) بيان لقوله: ﴿ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ ﴾.
قوله: ﴿ وَقَدْ مَكَرُواْ ﴾ أي أهل مكة. قوله: (حيث أرادوا قتله) الخ، أي حين اجتمعوا بدار الندوة يتشاورون في شأنه، وقد تقدم ذلك في الأنفال في قوله تعالى:﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾[الأنفال: ٣٠] الخ. قوله: (ما) ﴿ كَانَ ﴾ فسر إن بما، لأن اللام في لتزول لام الجحود، وهي لا تقع إلا بعد كون منفي بما أو لم. قوله: (لا يعبأ به) أي لا يلتفت إليه. قوله: (والمراد بالجبال هنا) أي ففيها قولان: قيل المراد حقيقتها، وقيل شرائع الإسلام، فهي مستعملة في مجازها. قوله: (في القرار والثبات) هذا هو وجه الشبه بينهما. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: (فإن مخففة) أي واللام في لتزول فارقة. قوله: (والمراد تعظيم مكرهم) أي على هذه الثانية فتحصل أن المعنى على القراءة الأولى: ما كان مكرهم مزيلاً للجبال، لضعفه وعدم العبرة به، وعلى الثانية: والحال أن مكرهم، لتزول منه الجبال لعظمه وشدته، والمكر على القراءتين، قيل تشاورهم في شأن النبي، وقيل كفرهم، ولكن القول الثاني، يوافق القراءة الثانية، بدليل آية﴿ تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً ﴾[مريم: ٩٠-٩١].
قوله: (وعلى الأولى) أي القراءة الأولى وهي النافية. قوله: (ما قرىء) أي الذي قرىء وهي قراءة شاذة.
قوله: (لتبليغهم) أي توصيلهم إلى ما فيه صلاحهم ورشدهم.