ﰡ
وقوله: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ [٤٣] يُقال عبد الله بن سَلَام. وَ (مِنْ عِنْدِه «٢» ) خفض مردود على الله عَزَّ وَجَلَّ. حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي شَيْخٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ رَفَعَهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ يُسْلِمُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتْلُو (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ وَحَدَّثَنِي شَيْخٌ عَنْ رَجُلٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكتاب) وَيَقْرَأُ (وَمِنْ عِنْدِهِ عِلْمُ الْكِتَابِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ من (من).
ومن سورة إبراهيم
قَوْل الله عَزَّ وَجَلَّ: إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [١] اللَّهِ الَّذِي [٢].
يُخْفض فِي الإعراب ويُرْفع «٣». الخفضُ على أن تُتبعه (الْحَمِيدِ) والرّفع عَلَى الاستئناف لانفصاله من الآية كقوله عَزَّ وَجَلَّ (إِنَّ «٤» اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) إلى آخر الآية، ثم قال (التَّائِبُونَ «٥» ) وفى قراءة عبد الله (التائِبينَ) كل ذَلِكَ صواب.
وقوله: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [٤].
يقول: ليفهمهم وتلزمَهم الْحُجَّة. ثُمَّ قَالَ عَزَّ وجلّ (فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ) فرفع لأن النيّة فِيهِ الاستئنَاف لا العطف عَلَى مَا قَبْلَه. ومثله (لِنُبَيِّنَ «٦» لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ مَا نَشاءُ) ومثله
(٢) هى قراءة الحسن والمطوعى، كما فى الإتحاف.
(٣) الرفع قراءة نافع وابن عامر وأبى جعفر. والخفض قراءة غيرهم.
(٤) الآية ١١١ سورة التوبة.
(٥) فى الآية ١١٢ سورة التوبة.
(٦) الآية ٥ سورة الحج.
فمن المنقطع ما أخبرتُكَ بِهِ. ومنه قول الله عَزَّ وَجَلَّ (وَاللَّهُ «٢» يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ) رفعت (وَيُرِيدُ الَّذِينَ) لأنها لا تشاكل (أَنْ يَتُوبَ) ألا ترى أَنَّ ضمّك إيَّاهُمَا لا يَجوز، فاستأنفت أو رددته عَلَى قوله (وَاللَّهُ يُرِيدُ) ومثله (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ «٣» ) فيأبَى فِي موضع رفع لا يَجوز إلا ذَلِكَ.
ومثله قوله:
والشعر لا يَسْطيعُه من يظلمه | يريد أن يعربه فيُعجِمُه «٤» |
وقوله: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [٥].
يقول: خوّفهم بأيَّام عادٍ وثَمُود وأشباههم بالعذاب وبالعفو عَن آخرين. وهو فِي المعنى كقولك:
خذهم بالشدّة واللين.
وقوله هاهنا: وَيُذَبِّحُونَ [٦] وفى موضع آخر (يذبحون «٥» ) بغير واو وفى موضع آخر
(٢) الآية ٢٧ سورة النساء.
(٣) الآية ٣٢ سورة التوبة.
(٤) هذا من رجز ينسب إلى الحطيئة قاله حين احتضاره. وانظر الخزانة فى الشاهد ١٤٩.
(٥) الآية ٤٩ سورة البقرة. [.....]
وقوله (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) يقول: فِيما كَانَ يَصْنعُ بكم فرعونُ مِنْ أصْنَافِ الْعَذَابِ بلاء عظيم من الْبَليَّة. ويُقال: فى ذلكم نعم من ربّكم عظيمة إذ أنجاكم منها. والبَلاء قد يكون نعمًا، وعذابًا. ألا ترى أنك تَقُولُ: إن فلانًا لحسن البلاء عندك تريدُ الإنعام عليك.
وقوله: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ [٧] معناهُ: أعلم ربّكم ورُبَّما قالت العرب فِي معنى أفعلت تفعَّلت فهذا من ذَلِكَ والله أعلم. ومثله: أوعدني وتوعَّدني وهو كَثِير.
وقوله فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ [٩] جاء فيها أقاويل. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ:
حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانُوا إِذَا جَاءَهُمُ الرَّسُولُ قَالُوا لَهُ:
اسْكُتْ وَأَشَارُوا بِأَصَابِعِهِمْ إِلَى أَفْوَاهِ أَنْفُسِهِمْ كَمَا تُسَكِّتُ أَنْتَ- قَالَ: وأشار لنا الفراء بأصبعه السبابة عَلَى فِيهِ- ردًّا عليهم وتكذيبًا. وقال بعضهم: كانوا يكذّبونهم ويردّونَ القول بأيديهم إلى أفواهِ الرسل وأشار لنا الفراء هكذا بظهر كفه إلى من يُخاطبه. قَالَ: وأرانا ابن عبد الله الإشارة فى الوجهين (وأرانا «٤» الشيخ ابن العباس بالإشارة بالوجهين) وقال بعضهم: فردّوا
(٢) الآية ٦٨ سورة الفرقان.
(٣) الآية ٦٩ سورة الفرقان.
(٤) سقط ما بين القوسين فى ا
فِي الجنة. قَالَ: وأنشدني بعضهم:
وأرغب فيها عَن لَقِيطٍ ورَهْطه | ولكنني عَن سِنْبِس لستُ أرغبُ |
وقوله: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا [١٣] قال (أَوْ لَتَعُودُنَّ) فجعل فيها لا ما كجواب اليمين وهي فِي «٢» معنى شرط، مثله من الكلام أن تَقُولَ: والله لأضربنّك أو تُقِرَّ لي: فيكون معناهُ معنى حَتَّى أو إلا، إِلَّا أنَّها جاءت بِحرف نَسَق. فمن العرب من يَجعل الشرط مُتْبعًا للذي قبله، إن كانت فِي الأول لام كَانَ فِي الثاني لام، وإن كَانَ الأول منصوبًا أو مجزومًا نَسَقوا عَلَيْهِ كقوله: (أَوْ لَتَعُودُنَّ) ومن العرب من ينصب ما بعد أوْ ليُؤذن نصبُه بالانقطاع عمّا قبله. وقال الشاعر «٣» :
لَتقعُدِنَّ مَقعدَ الْقَصِيِّ | مِنِّي ذي القاذُورة الْمَقْلِيّ |
أَوْ تحلفي بربِّك العليِّ | أَنِّي أَبُو ذيَّالِكِ الصبيّ |
بكى صاحبي لَمَّا رأى الدرب دونه | وأيقنَ أنّا لاحقان بقيصرا «٤» |
(٢) سقط فى ا.
(٣) هو بعض العرب، قدم من سفر فوجد امرأته قد ولدت غلاما فانكره. وانظر اللسان (ذا) فى حرف الألف اللينة فى أواخر الجزء العشرين وفى ب: «ليقعدن».
(٤) من قصيدة له قالها حين ذهب إلى قيصر. وانظر الديوان ص ٦٥ وما بعدها.
فقلت له لا تبك عينك إما | نُحاولُ مُلْكًا أَوْ نَموتَ فَنُعْذرا |
لا أستطيعُ نُزوعًا عَن مودّتها | أَوْ يصنعَ الحبُّ بي غير الَّذِي صَنَعا |
وقوله: ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي [١٤] معناهُ: ذَلِكَ لمن خاف مقامه بين يَدَيّ ومثله قوله:
(وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ «٣» ) معناهُ: رزقي إِيَّاكُم أنكم تكذِّبُون والعرب تُضيف أفعالها إلى أنفسها وإلى ما أوقعت عَلَيْهِ، فيقولون: قد ندمت عَلَى ضربي إيّاك وندمت عَلَى ضربك فهذا من ذَلِكَ وَاللَّهُ أعلم.
وقوله: وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ [١٧] فهو يُسيغه. والعربُ قد تجعل (لا يَكادُ) فيما قد فُعل وفيما لَمْ يُفعل. فأمَّا ما قد فُعِل فهو بَيّن هنا من ذَلِكَ لأن الله عَزَّ وَجَلَّ يقول لَمَّا جعله لهم طعاما
(٢) هو الأحوص.
(٣) الآية ٨٢ سورة الواقعة.
وقوله: ويأتيه الموت من كلّ مكان: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ: قَالَ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (يأتيه الموت) يَعْنِي: يَأْتِيهِ الْعَذَابُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ. حَدَّثَنِي هشيم عَن العوام بن حوشب عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ قَالَ: من كل شَعَرة.
وقوله: (وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) العربُ إذا كَانَ الشيء قد مات قالوا: ميْت وميِّت. فإن قالوا:
هُوَ ميت إن ضربته قالوا: مائت وميّت. وقد قرأ بعضُ القراء (إِنَّكَ «٣» مَائِتٌ وَإِنَّهُمْ مَائِتُون) وقراءة العوام عَلَى (ميّت). وكذلك يقولون هَذَا سيّد قومه وما هُوَ بسائدهم عَن قليل، فيقولون:
بسائدهم وسيّدهم، وكذلك يفعلونَ فِي كل نعت مثل طمع، يقال: طَمِعٌ إذا وُصف بالطمع، ويُقال هُوَ طامع أن «٤» يُصيب منك خيرًا، ويقولون: هُوَ سكران إذا كَانَ فِي سكره، وما هُوَ ساكر عَن كثرة الشراب، وهو كريم إذا كَانَ موصوفًا بالكرم، فإن نويت كَرَمًا يكون منه فيما يُستقبل قلت: كارم.
وقوله: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ [١٨].
أضافَ الْمَثَلَ إليهم ثُمَّ قَالَ (أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ) والمثل للأعمال والعرب تفعل
(٢) الآية ٤٠ سورة النور
(٣) فى الآية ٣٠ سورة الزمر. وهذه القراءة قراءة الحسن وابن محيصن، كما فى الإتحاف [.....]
(٤) ا: «إذ»
فلو خفض قارئ الأعمال فقال (أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ) كَانَ جائزًا ولم أسمعه في القراءة. وقد أنشدني بعضهم:
ما للجمَالِ مَشْيِهَا وئيدًا | أجندلًا يحملن أَمْ حديدًا «٤» |
ذرِيني إِن أمركِ لن يُطاعا | وما ألفيتني حِلْمِي مُضَاعَا |
وقال (فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) فجعل العصوف تابعًا لليوم فِي إعرابه، وإنَّما العصُوف للريح. وَذَلِكَ جائز عَلَى جهتين، إحداهما أن العصوفَ وإن كَانَ للريح فإن اليوم يوصف بِهِ لأن الريح فِيهِ تكون، فجاز أن تَقُولَ يوم عاصف كما تَقُولُ: يوم بارد ويوم حار. وقد أنشدني بعضهم:
يومين غيمين ويوما شمسا
(٢) الآية ٣٣ سورة الزخرف
(٣) الآية ٢١٧ سورة البقرة
(٤) من رجز للزباء فى قصة لها. ووئيدا: له صوت شديد يريد شدة وطئها الأرض من ثقل ما تحمله فيسمع لوقعها صوت. وانظر شواهد العيني على هامش الخزانة ٢/ ٤٤٨.
(٥) هو عدى بن زيد العبادي، كما فى شواهد العيني فى البدل.
فيضحكُ عرفانَ الدروع جلودُنا | إذا جاء يوم مظلمُ الشمس كاسفُ |
قَالَ الشاعر:
كأَنَّما ضربت قدّام أعينِها | قُطْنا بِمستحصِد الأوتارِ محلوج «١» |
تريكَ سُنَّة وجه غيرِ مُقرفَةٍ | مَلْسَاءَ لَيْسَ بِهَا خال وَلَا نَدَبُ |
وإيَّاكم وَحَيَّةَ بطنِ وادٍ | هَمُوزِ النابِ ليسَ لكم بِسِيّ |
سُنَّةَ وجه غيْرَ مقرفة، وحَيَّةَ بطنِ واد هَموزَ النابِ، وهذا جُحْرٍ ضبّ خربٌ. وقد ذكر عن
(٢) هو ذو الرمة فى بائيته المشهورة. والسنة: الصورة. والمقرفة. التي دنت من الهجنة، وهو عيب. والندب الأثر من الجراح. وانظر الديوان ٤
(٣) هو الحطيئة كما فى اللسان (سوا) والهمز: العض. وسى: مساو وانظر الخصائص ٣ هما ٢٢
والوجه أن يرفع (المتين) أنشدني أَبُو الْجَرّاح الْعُقَيْلي:
يا صاحِ بَلِّغ ذَوِي الزوجَاتِ كُلِّهم | أن لَيْسَ وصلٌ إذا انحلّت عُرا الذَّنْب «٢» |
وقوله: مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ [٢٢] أي الياء منصوبة لأن الياء من المتكلم تسكن إذا تَحرك ما قبلها وتُنصب إرادة الْهَاء «٣» كما قرئ (لَكُمْ «٤» دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (ولي دين) فنصبت وجُزِمت. فإذا سَكن ما قبلها رُدّت إلى الفتح الَّذِي كَانَ لَهَا. والياء من (مُصْرِخِيّ) ساكنة والياء بعدها من المتكلم سَاكنة فحرِّكت إلى حَركة قد كانت لَهَا. فهذا مُطَّرِد فِي الكلام.
ومثله (يَا بَنِيَّ «٥» إِنَّ اللَّهَ) ومثله (فَمَنْ تَبِعَ «٦» هُدايَ) ومثله (مَحْيايَ «٧» وَمَماتِي).
وقد خفض الياء من قوله (بِمُصْرِخِيّ) الأعمش «٨» ويحيى بن وثَّاب جَميعًا. حَدَّثَنِي القاسم بن مَعْن عَن الْأَعْمَش عَن يَحْيَى أَنَّهُ خفض الياء. قَالَ الفراء: ولعلها من وَهْم القراء طبقة يَحْيَى فإنه قل من سلم منهم من الوهم. ولعله ظَنَّ أن الباء فِي (بِمصرخي) خافضة للحرف كله، والياء من المتكلم خارجة من ذَلِكَ. ومِمّا نرى أنَّهم أوهموا فِيهِ قوله (نُوَلِّهِ «٩» مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ) ظنّوا- والله
(٢) هو لأبى الغريب وهو أعرابى أدرك دولة العباسيين. وانظر الخزانة ٢/ ٣٢٥.
(٣) أي هاء السكت كأن تقول فى غلامى: غلاميه
(٤) الآية ٦ سورة الكافرين. وهو يريد القراءة بالياء (دينى) وهى قراءة سلام كما فى البحر المحيط، وهى من الشواذ
(٥) الآية ١٣٢ سورة البقرة [.....]
(٦) الآية ٣٨ سورة البقرة
(٧) الآية ١٦٢ سورة الأنعام
(٨) وقرأ به حمزة كما فى الإتحاف
(٩) الآية ١١٥ سورة النساء. وهو يريد قراءة تسكين الهاء فى (نوله) و (نصله) وهى قراءة أبى عمرو وأبى بكر وحمزة كما فى الإتحاف
ومِمّا أوهموا فِيهِ قوله (وَمَا «١» تَنَزَّلَتْ بِهِ الشّياطونُ) وحدث مَنْدَلُ بن عَليّ الْعَنْزِيّ عَن الأعمش قَالَ: كنتُ عند إِبْرَاهِيم النَّخَعيّ وطلحة بن مُصَرِّف [يقرأ] (قَالَ «٢» لِمَنْ حوله ألا تستمعون) بنصب اللام من (حوله) فقال إبراهيم: ما تزال تأتينا بحرف أشنع، إنما هي (لِمَنْ حَوْلَهُ) قال قلت: لا، إنما هي (حوله) قال: فقال إِبْرَاهِيم يا طلحة كيف تَقُولُ؟ قَالَ: كما قلتَ (لِمَنْ حَوْلَهُ) قَالَ الأعمش. قلت: لحنتما لا أجالسكما اليوم. وقد سمعت بعض العرب يُنشد:
قَالَ لَهَا هَلْ لك يا تافيّ | قالت لَهُ مَا أنتَ بالمرضِيّ «٣» |
وقوله (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ) هَذَا قول إبليس. قَالَ لَهُم: إني كنت كفرت بِما أشركتمون يعني بالله عَزَّ وَجَلَّ (مِنْ قَبْلُ) فجعل (ما) فِي مذهب ما يؤدي عَن الاسم ٨٩ ب.
وقوله: وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ [٢٧] رفعَت المثل بالكاف التي فِي شجرة.
ولو نصبت المثل «٤». تُريد: وضرب الله مثلَ كلمةٍ خبيثة. وهي فِي قراءة أُبَيّ (وضربَ مَثَلًا كَلِمَةً خَبِيثَةً) كشجرة خبيثة وكل صواب.
(٢) الآية ٢٥ سورة الشعراء
(٣) من أرجوزة للأغلب العجلى، وانظر الخزانة ٢/ ٢٥٧
(٤) الجواب محذوف أي لجاز. وفى الكشاف أنها قراءة
وقوله: جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها [٢٩] منصوبة على تفسير (دارَ الْبَوارِ) فردّ عليها ولو رفعت على الائتناف إذا انفصلت من الآية كَانَ صوابًا. فيكون الرفعُ عَلَى وجهين: أحدهما الابتداء. والآخر أن ترفعها بعائِد ذِكْرها كما قَالَ (بِشَرٍّ «٣» مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا).
وقوله: قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ [٣١] جُزِمَتْ (يُقِيمُوا) بتأويل الجزاء.
ومعناهُ- والله أعلم- معنى أمر كقولك: قل لعبد الله يذهب عنا، تريد: اذهب عنا فجُزِمَ بِنيّة الجواب للجزم، وتأويله الأمر، ولم يجزم عَلَى الحكاية. ولو كَانَ جَزمُه عَلَى مَحْض الحكاية لَجَازَ أن تَقُولَ: قلت لكَ تذهبْ يا هَذَا «٤» وإِنَّما جزمَ كما جُزِمَ قوله: دَعْهُ يَنَمْ، (فَذَرُوها «٥» تَأْكُلْ) والتأويل- والله أعلم- ذَروهَا فَلْتَأْكُل. ومثله (قُلْ «٦» لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ) ومثله (وَقُلْ «٧» لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
وقوله- تبارك وتعالى-: وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ [٣٤] تضيف (كلّ) إلى (ما) وهي قراءة العامة. وقد قرأ بعضهم «٨» (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ) وكأنَّهم ذهبوا إلى أنا لَمْ نسأل الله
(٢) ش، ب «قوة»
(٣) الآية ٧٢ سورة الحج
(٤) ا: «فتى»
(٥) الآية ٧٣ سورة الأعراف، والآية ٦٤ سورة هود
(٦) الآية ١٤ سورة الجاثية [.....]
(٧) الآية ٥٣ سورة الإسراء
(٨) هى قراءة الحسن والأعمش كما فى الإتحاف
وقوله: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ [٣٥] أَهلُ الحجاز يقولون: جَنبني «١»، هي خفيفة.
وأهل نَجد يقولون: أَجنبني شرَّه وجَنِّبني شرَّه. فلو قرأ «٢» قارئ: (وَأَجْنِبْنِي وَبَنِيَّ) لأصابَ ولم أسمعه من قارئ.
[قوله: إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي.. [٣٧]] وقال (إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) ولم يأت منهم بشيء يقع عَلَيْهِ الفعل. وهو جائز: أن تَقُولَ: قد أصَبنا من بني فلان، وقتلنا من بني فلان وإن لم تقل: رجالًا، لأن (مِن) تؤدي عَن بَعض القوم كقولك: قد أصبنا من الطعام وشربنا من الماء. ومثله (أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ «٣» الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ).
وقوله (تَهْوِي إِلَيْهِمْ) يقول: اجعل أَفئِدَةً من الناس تريدهم كقولك: رأيتُ فلانًا يَهْوِي نَحوك أي يريدك. وقرأ بعضُ القرّاء (تَهْوِي إِلَيْهِم) بنصب الواو، بِمعنى تهواهم كما قال (رَدِفَ «٤» لَكُمْ) يريدُ ردفكم، وكما قالوا: نَقدت لَهَا مائة أي نَقدتها.
وقوله: لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ [٤٣] رفعت الطرف بيرتد واستأنفت الأفئدة فرفعتها بِهواء كما قَالَ فِي آل عمران (وَما يَعْلَمُ «٥» تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) استأنفتهم فرفعتهم بيقولون لا بيعلم.
(٢) فى الكشاف أنه قرئ بها
(٣) الآية ٥٠ سورة الأعراف
(٤) الآية ٧٢ سورة النمل
(٥) الآية ٧ سورة آل عمران
يَا ناقَ سِيرِي عَنَقًا فسِيحا | إلى سليمان فنستريحا |
وقوله: وَتَبَيَّنَ لَكُمْ [٤٥] وأصْحَابُ عبد الله: (وَنُبَيِّنْ «٢» لَكُمْ).
وقوله: وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ [٤٦].
فأكثر القراء عَلَى كسر اللام ونصب الفعل من قوله (لِتَزُولَ) يريدونَ: ما «٣» كانت الجبالُ لتزول من مكرهم. وقرأ عبد الله بن مسعود (وَمَا كانَ مكرُهم لتزولَ منه الجبال) حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي جاز لَنَا مِنَ الْقُرَّاءِ يُقَالُ لَهُ غَالِبُ بْنُ نَجِيحٍ- وَكَانَ ثِقَةً وَرِعًا- أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَقْرَأُ: (وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ) بِنَصْبِ «٤» اللامِ الأُولَى وَرَفْعِ الثَّانِيَةِ. فَمَنْ قَرَأَ:
(وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ) فَعَلَى مَعْنَى قِرَاءَةِ عَلِيٍّ أَيْ مَكَرُوا مَكْرًا عَظِيمًا كَادَتِ الْجِبَالُ تَزُولُ مِنْهُ.
وقوله: فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ [٤٧] أضفت (مُخْلف) إلى الوعد ونصبت الرسل عَلَى التأويل «٥». وإذا كَانَ الفعل يقع عَلَى شيئين مختلفين مثل كسوتك الثوب وأدخلتك الدار فابدأ
(٢) أي بالجزم، وقد نسب القرطبي هذه القراءة إلى أبى عبد الرحمن السلمى. انظر تفسيره ٩/ ٣٧٩ والجزم بالعطف على قوله: «أو لم تكونوا» وفى البحر المحيط ٥/ ٤٣٦ أنه روى عنه أيضا الرفع
(٣) أي أن «إن» نافية
(٤) هى قراءة الكسائي
(٥) جعله على التأويل إذا كان الأصل تقديمه على «وعده»
ترى الثور فيها مُدخلَ الظلِّ رأسَه | وَسائره بادٍ إلى الشمس أجمعُ «٢» |
رُبّ ابن عمَّ لسُلَيمى مشمعلّ | طبَّاخَ ساعَاتِ الكرى زاد الكسلْ «٣» |
فرِشْني بخير لا أكونَنْ ومِدْحتي | كناحت يوم صخرةً بعَسِيل «٤» |
يا سارقَ الليلةِ أهلَ الدار «٥»
فأضافَ سَارقًا إلى الليلة ونصب (أهل الدار) وَكَانَ بعض النحويين ينصب (الليلة) ويَخفض (أهل) فيقول: يا سارق اللَّيْلَةَ أهلِ الدار.
وكناحت يومًا صخرةٍ
(٢) يصف هاجرة ألجأت الثيران إلى كنسها، فترى الثور قد أدخل رأسه فى ظل كناسه لما يجده من شدة الحرارة وسائر جسده بارز للشمس وانظر سيبويه ١/ ٩٢ [.....]
(٣) من رجز لجبار بن جزء ابن أخى الشماخ. والمشمعل: الجاد فى الأمور الخفيف فيما يأخذ فيه. والكرى النوم. وهو يصف عمه الشماخ وسلمى امرأة الشماخ وكان ابن عمها. يمدح الشماخ بخفته فى خدمة إخوانه فهو يطبخ زاد الكسلان فى وقت النوم ويكفيه أمره. وانظر ديوان الشماخ ١٠٩، وكتاب سيبويه ١/ ٩٠ والخزانة ٢/ ١٧٢-
(٤) راشه: نفعه وأصلح حاله والعسيل: مكنسة العطار، وهو شعر يكنس به الطيب، والمراد أنه لا فائدة فيه كمن ينحت الصخرة بهذه المكنسة.
(٥) رجز ورد فى كتاب سيبويه ١/ ٨٩.
تَرَّوَحَ فِي عِمِّيَّةٍ وأَغاثه | عَلَى الماء قوم بالهراوات هُوجُ «٢» |
مؤخِّر عَن أنيابه جلدِ رأسه | لَهُنّ كأشباه الزِّجَاج خُرُوج «٣» |
وكرَّار دونَ الْمجْحَرِينَ جَوادِه | إذا لَمْ يُحام دون أنثى حليلُهَا |
فَزَجَجَتُها مُتَمكِّنًا | زَجَّ الْقَلوصَ أبي مزاده «٧» |
(٢) العمية: الضلالة والكبر. والهراوات العصى. و «هوج» ضبط في ا: «هوج» وهو لا يستقيم مع البيت الذي بعده «خروج» فالظاهر أن يضبط «هوج» بسكون الواو جمع أهوج، ويراد به المتسرع العجل.
(٣) كأنه يريد بتأخير جلد رأسه عن أنيابه أنه كالأسد يكشر عن أسنانه ويبديها ولا يطبق رأسه على أسنانه فيخفيها.
وبذكر أن أنيابه لها خروج أي بروز وظهور كأطراف الزجاج. والزجاج جمع زج، وهو الحديدة فى أسفل الرمح.
(٤) هو الأخطل يمدح همام بن مطرف التغلبي. والمحجر: الملجأ الذي غشيه عدوه. يصفه بالشجاعة والإقدام، فاذا فر الرجال عن أزواجهم منهزمين وأسلموهن للعدو كر جواده يدافع عنهم. وانظر كتاب سيبويه ١/ ٩٠.
(٥) هذه قراءة ابن عامر.
(٦) انظر ص ٣٥٧ من الجزء الأول.
(٧) انظر ص ٣٥٨ من الجزء الأول من هذا الكتاب، وشرح المفصل ٣/ ١٩.