ﰡ
مكيّة وآياتها اثنان وخمسون ربّ يسّر وتمّم بالخير «١» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر هذا كِتابٌ اى هذه السورة او القران كتاب أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ صفة لكتاب لِتُخْرِجَ النَّاسَ متعلق بانزلنا يعنى أنزلناه لتخرجهم بدعائك إياهم الى ما تضمنه وتعليمك إياهم ما لهم وما عليهم مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ (٥) اى من انواع الضلال الى الهدى بِإِذْنِ رَبِّهِمْ اى بتوفيقه وتسهيله- مستعار من الاذن الّذي هو تسهيل الحجاب- هو صلة لتخرج او حال من فاعله او مفعوله إِلى صِراطِ بدل من قوله الى النور بتكرير العامل- او استيناف على انه جواب لمن يسئل عنه الْعَزِيزِ الغالب الْحَمِيدِ (١) المحمود الّذي لا يستحق الحمد الا هو- واضافة الصراط الى الله اما لانه مقصده او لانه مظهر له- وتخصيص الوصفين للتنبيه على انه لا يزلّ سالكه ولا يخيب سابله.
اللَّهِ قرا اكثر القراء بالجر على انه عطف بيان للعزيز وقال ابو عمرو فيه تقديم وتأخير مجازه الى (صراط الله العزيز الحميد) - وقرا ابو جعفر ونافع وابن عامر بالرفع على انه مبتدا خبره ما بعده- او خبر مبتدا محذوف وما بعده صفته الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ملكا وحلقا وَوَيْلٌ اى حلول شرّ وقال البيضاوي هو نقيض الواو وهو النجاة وأصله النصب لانه مصدر كالهلاك الا انه لم يشتق منه لكنه رفع لافادة الثبات
وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ اى بلغة قَوْمِهِ الّذي هو منهم وبعث فيهم- اخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال بلسان قومه اى بلغتهم ان كان عربيا فعربيا- وان كان أعجميا فاعجميا- وان كان سريانيا فسريانيا لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ما أمروا به فيفقهوه عنه بيسر وسرعة- ويتخذ الرسول بذلك حجة عليهم وقد كان الرسل من قبل النبي ﷺ مبعوثين كل واحد منهم الى قومه فبينوا لهم- وبعث النبي ﷺ الى الناس كافة- لكنه امر اولا بدعوة قومه حيث قال الله تعالى وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ- قال الله تعالى لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها- وقال لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ- فارسل بلسان عربى مبين لاهل الحجاز والناس كافة تبع لهم حيث تعلّموا من رسول الله ﷺ ثم نقلوه وترجموه ولذلك قال رسول الله ﷺ الناس تبع لقريش فى الخير والشر- رواه احمد ومسلم فى الصحيح عن جابر يعنى سائر الكفار تبع لكفار قريش فى الكفر حيث كفروا اولا ثم كفر غيرهم فعليهم اثمهم أجمعين والمؤمنون كلهم تبع لمؤمنى قريش حيث أمنوا اولا فلهم اجر كلهم- عن جرير قال قال
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا التسع أَنْ أَخْرِجْ ان مفسرة لان فى الإرسال معنى القول- او مصدرية بتقدير حرف الجر فان صيغ الافعال فى الدلالة على المصدر سواء فيجوز إدخال ان المصدرية على كلها اى بان اخرج قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ (٥) وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ قال ابن عباس وأبيّ بن كعب ومجاهد
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ الظرف اعنى قوله إِذْ أَنْجاكُمْ متعلق بنعمة الله اى بنعمة الله وقت انجائه إياكم- او بعليكم ان جعلت مستقرة صفة للنعمة غير صلة له واريدت بالنعمة العطية دون الانعام- ويجوز ان يكون بدل اشتمال من نعمة الله يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ احوال من ال فرعون او من
وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ يا بنى إسرائيل وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً من الثقلين ولا تشكروا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عن شكركم حَمِيدٌ (٨) مستحق للحمد فى ذاته- محمود بحمد صدر من ذاته لذاته ازلا وابدا- وبحمد صادر عن الملائكة ومن كل ذرة من ذرات المخلوقات- والتقدير ولان كفرتم أضررتم أنفسكم بتعريضها للعذاب الشديد وتحريمها عن مزيد الانعام دون الله تعالى فانه غنى حميد-.
أَلَمْ يَأْتِكُمْ استفهام تقرير من كلام موسى لبنى إسرائيل- او كلام مبتدا من الله تعالى خطا بالامة محمّد ﷺ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ (٥)... وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مثل قوم ابراهيم نمرود وغيره وقوم لوط واصحاب الرس واصحاب مدين واصحاب الايكة وقوم
قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ الاستفهام للانكار- وشكّ مرفوع بالظرف وادخلت الهمزة على الظرف لان الكلام فى المشكوك فيه دون الشك- يعنى انما ندعوكم الى الله وحده وهو امر لا يحتمل الشك لدلالة كل شيء من المحسوسات والمعقولات على وجوده ووحدته واشاروا الى ذلك بقولهم فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ صفة او بدل يَدْعُوكُمْ الى نفسه والى الايمان به ببعثة إيانا إليكم لِيَغْفِرَ لَكُمْ او المعنى يدعوكم الى المغفرة كقولك دعوته لينصرنى مِنْ ذُنُوبِكُمْ قيل من زائدة لقوله صلى الله عليه وسلم
قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ بالنبوة وغير ذلك- بينوا وجه اختصاصهم بالنبوة انه فضل الله تعالى وإحسانه بعد تسليمهم مشاركتهم فى الجنس وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ اى لا يمكن لنا إتيان الآيات باختيارنا واستطاعتنا حتّى نأتى بما اقترحتموه- انما هو امر متعلق بمشية الله تعالى- فيعطى كل نبى نوعا من المعجزات ما فيه كفاية للاستدلال على صحة دعوى النبوة وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) كانّه ارشاد لمن أمنوا بهم واتّبعوهم بالصبر والتوكل على الله فى معاندة الكفار- وقصدوا به أنفسهم قصدا اوليّا كانهم قالوا من حقنا التوكل على الله- وفيه
وَما لَنا اى للمؤمنين أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ يعنى اىّ عذر لنا فى عدم التوكل وَقَدْ هَدانا الله سُبُلَنا الّتي بها نعرف ونعلم ان الأمور كلها بيد الله لا غير فامنا به وَلَنَصْبِرَنَّ نحن وجميع اتباعنا عَلى ما آذَيْتُمُونا ايها الكفار جواب قسم محذوف اى والله لنصبرن- أكدوا بالقسم توكلهم وعدم مبالاتهم بما يفعل بهم الكفار وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢) يعنى فليثبت على توكلهم الّذي اقتضاه ايمانهم-.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا جمع الكفار بانكارهم دعوى الرسالة وعيدهم بالإخراج- وحلفوا ان يكون أحد الامرين اما إخراجهم الرسل أو عودهم- يعنى صيرورة الرسل الى ملتهم- فان الرسل ما كانوا على ملة الكفار قط- ويجوز ان يكون الخطاب لكل رسول ولمن أمن معه فغلبوا الجماعة على الواحد او كان الترديد للتوزيغ يعنى لنخرجن من لم يعد ولنبقين من عاد منكم الى ملتنا- وجاز ان يكون او بمعنى الّا ان- او الى ان يعنون والله لنخرجنكم الا ان ترجعوا او الى ان ترجعوا الى ملتنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ اى الى الرسل رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) على إضمار القول او اجراء الإيحاء مجراه لكونه نوعا منه.
وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ ايها الرسل ومن أمن معكم الْأَرْضَ اى ارض الكفار وديارهم مِنْ بَعْدِهِمْ اى بعد إهلاكهم ذلِكَ اشارة الى الموحى وهو إهلاك الأعداء وتسليطهم على الأرض لِمَنْ خافَ مَقامِي اى قيامه بين يدىّ يوم القيامة- نظيره قوله تعالى لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ- فاضاف قيام العبد الى نفسه- او المعنى لمن خاف موقفى وهو الموقف الّذي يقيم فيه العباد للحكومة يوم القيامة- او قيامى عليه وحفظى اعماله- وقيل المقام مقحم والمعنى لمن خافنى وَخافَ وَعِيدِ (١٤) اثبت الياء ورش فى الوصل فقط والباقون يحذفونها فى الحالين اى خاف وعيدي بالعذاب او عذابى الموعود للكفار-.
مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ اى امامه بين يديه كانه مرصد بها واقف على شفيرها فى الدنيا- مبعوث إليها فى الاخرة وقيل مِنْ وَرائِهِ اى وراء حيوته يعنى بعده- قال مقاتل مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ اى بعده- قال ابو عبيدة هو من الاضداد اى يكون بمعنى الامام والخلف وحقيقته ما يوارى عنك وَيُسْقى عطف على محذوف تقديره من ورائه جهنّم يلقى فيها ويسقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦) وهو ما يسيل من جلود اهل النار وأجوافهم مختلطا بالقيح والدم عطف بيان لماء- قال محمّد بن كعب ما يسيل من فروج الزناة يسقاه الكافر- واخرج البيهقي عن مجاهد فى قوله تعالى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ قال القيح والدم- روى احمد والترمذي والنسائي
يَتَجَرَّعُهُ اى يتكلف فى شربه يشربه جرعة جرعة وهو صفة لماء او حال من ضمير فى يسقى وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ اى لا يقارب ان يسيغه فكيف يسيغه بل يغصّ به فيطول عذابه- والسوغ جواز الشرب عن الحلق بسهولة وقبول النفس- فى القاموس ساغ الشراب سوغا اى سهل مدخله وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ اى أسبابه من الشدائد وانواع العذاب مِنْ كُلِّ مَكانٍ اى من جميع جوانبه فيحيط به او يأتيه شدائد الموت والامه من كل موضع من جسده- اخرج ابن الى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن ابراهيم التيمي حتّى يأتيه من موضع كل شعرة من جسده وَما هُوَ بِمَيِّتٍ فيستريح- قال ابن جريج تعلق نفسه أعلى حنجرته فلا يخرج من فيه ولا يرجع الى مكانها من جسده- واخرج ابن المنذر عن فضيل بن عياض رضى الله عنه انه حبس الأنفاس وَمِنْ وَرائِهِ اى بعد ذلك العذاب وبين يديه عَذابٌ غَلِيظٌ (١٧) أشدّ مما سبق وقيل هو الخلود فى النار- قيل الاية منقطعة عن قصة الرسل نازلة فى اهل مكة- طلبوا الفتح الّذي هو المطر فى سنينهم الّتي أرسل الله عليهم بدعوة رسوله صلى الله عليه وسلم- فخيب رجاؤهم ووعد لهم انهم يسقون فى جهنم صديد اهل النار بدل سقياهم-.
مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ اى صفتهم الّتي هى فى الغرابة مثل مبتدا خبره محذوف اى فيما يتلى عليكم وقوله أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ جملة مستأنفة لبيان مثلهم او هذه الجملة خبر لمثل- وقيل أعمالهم بدل من المثل والخبر كرماد اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ اى حملته وأسرعت الذهاب به قرأ نافع الرّياح على الجمع والباقون على الافراد فِي يَوْمٍ عاصِفٍ العصوف اشتداد الرياح وصف به زمانه
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ قرا حمزة والكسائي خالق السّموت وفى سورة النور خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ على وزن فاعل مضافا- والباقون خلق على الماضي وَالْأَرْضَ قرأ حمزة والكسائي بالجر والباقون بالنصب بِالْحَقِّ اى بالحكمة البالغة والوجه الّذي يحق ان يخلق له- وذلك ان يكون دليلا على وجود الصانع مرشدا للناس الى الحق والايمان إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ اى يعدمكم وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) اى يخلق خلقا اخر أطوع منكم- رتب ذلك على كونه خالقا للسموات والأرض مستدلّا به عليه- فان من خلق ذلك يقدر على «٢» ان يبدّلهم بخلق اخر- ولم يمتنع ذلك كما قال.
وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (٢٠) متعذر ومتعسر فانه قادر لذاته لا اختصاص له بمقدور دون مقدور- ومن هذا شأنه كان حقيقا لان يعبد ويطاع ولا يعصى رجاء لثوابه وخوفا من عقابه-.
وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً اى يبرزون من قبورهم يوم القيامة لامر الله ومحاسبته- وانما ذكر لفظ الماضي لتحقق وقوعه فَقالَ الضُّعَفاءُ اى الاتباع- جمع ضعيف يريد به ضعاف الحال فى الدنيا لقلة متاع الدنيا- او ضعاف الرأى لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا اى تكبروا على الناس وهم القادة والرؤساء الذين منعوهم عن اتباع الرسل إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً جمع تابع كحارس وحرس يعنى اتبعناكم فى تكذيب
(٢) فى الأصل يقدر ان يبدلهم
إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ فلمّا سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم- فنودوا لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ- فنادوا الثانية رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ- فرد عليهم وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها الآيات- فنادوا الثالثة رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ- فرد عليهم أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ الآيات- ثم نادوا الرابعة رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ- فرد عليهم أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ- فمكث عنهم ما شاء الله ثم ناداهم أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ- فلما سمعوا ذلك قالوا الا يرحمنا ربنا ثم نادوا عند ذلك رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ- فقال عند ذلك اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ- فانقطع الرجاء والدعاء منهم فاقبل بعضهم على بعض ينيح «١» بعضهم فى وجوه بعض وأطبقت عليهم النار قوله عزّ وجلّ- وَقالَ الشَّيْطانُ إبليس لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ اى احكم وفرغ عنه ودخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار- قال مقاتل يوضع له منبر فى النار فيجتمع الكفار بالائمة فيقول خطيبا فى الأشقياء من الثقلين- اخرج الطبراني فى الكبير وابن المبارك وابن جرير وابن مردوية وابن ابى حاتم والبغوي الثلاثة فى تفاسيرهم عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله ﷺ إذا جمع الله بين الأولين والآخرين وقضى بينهم وفرغ من القضاء- يقول المؤمنون قد قضى بيننا ربنا وفرغ فمن يشفع لنا الى ربنا- فيقولون آدم خلقه بيده وكلّمه- فيأتونه فيقولون قضى بيننا ربنا وفرغ من القضاء
وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ والمدخلون هم الملائكة تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (٢٣) يسلّم بعضهم على بعض ويسلّم الملائكة عليهم- وقيل المحىّ بالسلام هو الله عزّ وجلّ-.
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كيف وضع الله مثلا والمثل قول سائر لتشبيه شيء بشيء كَلِمَةً طَيِّبَةً هى قول لا اله الا الله بالإخلاص كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ اى جعل كلمة طيبة كشجرة قوية مرتفعة فى السماء باقية طيبة الثمر وهو تفسير لقوله ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا- ويجوز ان «١» يكون كلمة بدلا من مثلا- وكشجرة صفتها او خبر مبتدا محذوف- اى هى كشجرة طيّبة وان يكون كلمة اولى مفعولى ضرب اجراء له مجرى جعل أَصْلُها ثابِتٌ فى الأرض مستحكم ضارب بعروقه فيها وَفَرْعُها أعلاها فِي السَّماءِ (٢٤) ويجوز ان يريد فروعها اى اقناؤها على الاكتفاء بلفظ
تُؤْتِي أُكُلَها تعطى ثمرها كُلَّ حِينٍ وقّته الله لاثمارها بِإِذْنِ رَبِّها اى بارادة خالقها وتكوينه- كذلك اصل هذه الكلمة راسخ فى قلب المؤمن بالمعرفة والتصديق فاذا تكلمت بها عرجت فلا تحجب حتّى تنتهى الى الله عزّ وجلّ- قال الله تعالى إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ- عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله ﷺ التسبيح نصف الميزان والحمد لله يملؤه ولا اله الا الله ليس لها حجاب دون الله- رواه الترمذي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ ما قال عبد لا اله الا الله مخلصا قط الا فتحت له أبواب السماء حتّى يفضى الى العرش ما اجتنب الكبائر- رواه الترمذي بسند حسن واخرج الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه من حديث انس انه ﷺ قال الشجرة الطيبة النخلة والشجرة الخبيثة الحنظلة- والحين فى اللغة الوقت فقال مجاهد وعكرمة الحين هاهنا سنة كاملة لان النخلة يثمر كل سنة- وقال سعيد بن جبير وقتادة والحسن ستة الشهر من وقت اطلاعها الى صرامها- وروى ذلك عن ابن عباس وقيل اربعة أشهر من حين ظهورها الى إدراكها- وقال سعيد بن المسيب شهر ان من حين يؤكل الى الصرام وقال الربيع بن انس كل حين اى كل غدوة وعشية- لان ثمر النخل يؤكل ابدا ليلا ونهارا صيفا وشتاء اما تمرا او رطبا او بسرا- كذلك عمل المؤمن يصعد أول النهار وأوسطه وآخره وكذلك أول الليل وأوسطه وآخره- وبركة الايمان لا ينقطع ابدا بل يصل اليه فى كل وقت- عن ابن عمر قال قال رسول الله ﷺ ان من الشجرة شجرة لا يسقط ورقها وانها مثل المسلم فحدثونى ما هى- قال عبد الله فوقع الناس فى شجر البوادي ووقع فى نفسى انها النخلة فاستحييت- ثم قالوا حدثنا ما هى يا رسول الله قال هى النخلة- قال البغوي لا يكون شجرة الا بثلاثة أشياء عرق راسخ واصل قائم وفرع عال- كذلك الايمان لايتم الا بثلاثة أشياء تصديق وقول باللسان وعمل بالأركان- وقال ابو ظبيان عن ابن عباس انه قال الشجرة الطيبة هى شجرة فى الجنة وعن جابر قال قال رسول الله ﷺ من قال سبحان الله العظيم وبحمده
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ قلت الظاهر ان المراد بها ما قيل بالنفاق ولم يرد به وجه الله بدليل قوله تعالى كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ يعنى غير نافعة ولا مستقرة فى الأرض اجْتُثَّتْ اى انتزعت واقتلعت مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ لان عروقها قريبة منه ما لَها مِنْ قَرارٍ (٢٦) استقرار كذلك الكلمة الّتي لم يرد بها وجه الله ليس لها منفعة ابدا- اخرج ابن مردوية من طريق حبان بن شعبة عن انس بن مالك فى هذه الاية قال هى الشربانة- قيل لانس ما الشربانة قال الحنظلة- قلت الظاهر ان الشجرة الطيبة تعم النخلة وغيرها وكذا الخبيثة تعم الحنظلة وغيرها وما ورد فى الحديث انما هو ذكر بعض افراده على سبيل التمثيل-.
يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ يعنى بكلمة التوحيد المقرونة بالإخلاص فان لها ثبات وتمكن فى القلوب ولثوابها ثبات عند الله فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فلا يزالون عن دينهم إذا فتنوا فى دينهم كزكريا ويحيى وجرجيس وشمعون واصحاب الأخدود وخبيب وأصحابه واصحاب بئر معونة وَفِي الْآخِرَةِ يعنى إذا سئلوا فى القبور وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ اى المنافقين والكافرين فلا يثبتهم على القول الثابت فى مواقف الفتن- وتزل أقدامهم أول كل شيء وهم فى الاخرة أضل وازل- اخرج الائمة الستة عن البراء بن عازب عن النبي ﷺ قال المسلم إذا سئل فى القبر يشهد ان لا اله الا الله وان محمّدا رسول الله- فذلك قوله تعالى يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ- وفى رواية عن النبي ﷺ قال يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ نزلت فى عذاب القبر- يقال له من ربك فيقول ربى الله ونبىّ محمّد صلى الله عليه وسلم- متفق عليه ورواه احمد وابو داود وغيرهما بلفظ قال رسول الله ﷺ يأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربى الله- فيقولان له ما دينك فيقول دينى
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً اى شكر نعمته كفرا بان وضعوا مكانه او بدلوا نفس النعمة كفرا- فانهم لما كفروا سلبت النعمة منهم فصاروا تاركين لها مختارين الكفر بدلها- روى البخاري فى الصحيح عن ابن عباس انه قال هم والله كفار قريش قال عمرو هم قريش ومحمّد ﷺ نعمة الله- واخرج ابن جرير عن عطاء بن يسار قال نزلت هذه الاية فى الذين قتلوا يوم بدر يعنى اهل مكة خلقهم الله وأسكنهم حرما يجبى اليه ثمرات كل شيء- ودفع عنهم اصحاب الفيل وجعلهم قوام بيته ووسع عليهم أبواب رزقه بالفهم رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ- وبعث محمّدا ﷺ رسولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ
جَهَنَّمَ عطف بيان لها يَصْلَوْنَها حال منها او من القوم اى داخلين فيها مقاسين لحرها وجاز ان يكون جهنم منصوبا بفعل مضمر يفسرها ما بعدها وَبِئْسَ الْقَرارُ (٢٩) اى بئس المقر جهنم- اخرج ابن مردوية عن ابن عباس انه قال لعمر يا أمير المؤمنين هذه الاية الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً قال هم الا فجران من قريش بنوا المغيرة وبنوا امية- اما بنوا مغيرة فكفيتموه يوم بدر واما بنوا امية فمتعوا حتّى حين- وكذا ذكر البغوي قول عمر رضى الله عنه- واخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم والطبراني فى الأوسط والحاكم وصححه وابن مردوية من طرق عن على بن ابى طالب رضى الله عنه فذكر مثله- قلت اما بنوا امية فمتعوا بالكفر حتّى اسلم ابو سفيان ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم- ثم كفر يزيد ومن معه بما أنعم الله عليهم وانتصبوا العداوة ال النبي ﷺ وقتلوا حسينا رضى الله عنه ظلما وكفر يزيد بدين محمّد ﷺ حتّى انشد أبياتا حين قتل حسينا رضى الله عنه- مضمونها اين أشياخي ينظرون انتقامي بال محمّد وبنى هاشم واخر الأبيات
ولست من جندب ان لم انتقم | من بنى احمد ما كان فعل |
مدام كنز فى اناء كفضة | وساق كبد مع مدام كانجم |
وشمسه كرم برجها قعرها | ومشرقها الساقي ومغربها فهى |
فان حرمت يوما على دين احمد | فخذها على دين المسيح بن مريم |
وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً اى أمثالا فى العبادة او التسمية مع انه ليس له ند لِيُضِلُّوا اللام لام العاقبة إذ ليس غرضهم من اتخاذ الانداد
قُلْ يا محمّد لِعِبادِيَ قرا ابن عامر وحمزة والكسائي بإسكان الياء والباقون بفتحها الَّذِينَ آمَنُوا خصهم للامر بالخطاب ووصفهم بالعبودية وأضافهم الى نفسه تشريفا- وتنبيها على انهم هم المقيمون لحقوق العبودية أهلا للخطاب الممتثلون بما يقال لهم- ومفعول قل محذوف يدل عليه جوابه تقديره قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا اقيموا الصلاة وأنفقوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ مجزوم على جواب الأمر يعنى قل- جزاء الشرط مقدر يعنى ان تقل لهم اقيموا يقيموا- وفيه إيذان بانهم لفرط مطاوعتهم الرسول ﷺ لا ينفك فعلهم عن امره وانه كالسبب الموجب له- ويجوز ان يقدر بلام الأمر فيكون مفعولا للقول سِرًّا وَعَلانِيَةً منصوبان على المصدر اى انفاق سر وعلانية مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ فيبتاع المقصر ما يتدارك به تقصيره او يفدى به نفسه وَلا خِلالٌ (٣١) اى مجالة وصداقة ليشفع له خليله- فان قيل الخلة يوم القيامة ثابتة للمتقين بقوله تعالى الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ وشفاعة بعض المؤمنين لبعض ايضا ثابتة فما وجه نفى الجنس- قلت الأمر باقامة الصلاة وإيتاء الزكوة امر بالتقوى فالمراد بالآية نفى جنس الخلة عند عدم التقوى والمعنى ان لم يتقوا باقامة الصلاة وإيتاء الزكوة لا يكون لهم يومئذ خليل- قرأ ابن كثير وابو عمرو ويعقوب بالفتح فيهما على اعمال لا الّتي لنفى الجنس- والباقون
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مبتدا وخبر وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ تعيشون به وهو يشتمل المطعوم والملبوس رزقا مفعول لأخرج ومن الثّمرات بيان له حال منه- ويحتمل عكس ذلك- ويجوز ان يكون رزقا منصوبا على المصدرية لانّ اخرج بمعنى رزق- او على العلية وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بالركوب والحمل بِأَمْرِهِ اى بمشيته تعالى الى حيث توجهتم وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (٣٢) ذللها لكم تخرجونها حيث شئتم وتنتفعون بمياهها وتتخذون عليها جسرا وقناطير.
وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ جاريين فيما يعود الى مصالح العباد لا يفتران دائِبَيْنِ فى القاموس داب فى عمله كمنع دأبا ويحرك ودءوبا بالضم جدّ وتعب- والدائبان الجديد ان- والسّوق الشديد يعنى مسرعين فى السير قال ابن عباس دونهما فى طاعة الله وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (٣٣) يتعاقبان فجعل لكم الليل لتسكنوا فيه من تعب العمل والنهار مبصرا للاشياء فتكسبوا فيه معاشكم-.
وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ اى بعض جميع ما سالتموه يعنى أتاكم شيئا كائنا من كل شيء سالتموه- فحذف شيئا اكتفاء بدلالة الكلام على التبعيض- قال البيضاوي ولعل المراد بما سالتموه ما كان حقيقا لان يسئل لاحتياج الناس اليه سال اولم يسئل- وما يحتمل ان يكون موصولة او موصوفة او مصدرية ويكون المصدر بمعنى المفعول- وجاز ان يكون للبيان او زائدة- ولفظة كل للتكثير نحو قولك فلان يعلم كل شيء وأتاه كل انسان وقوله تعالى فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ- وقرا الحسن من كلّ بالتنوين والمعنى من كل شيء ما احتجتم له وسالتموه بلسان الحال- ويجوز ان يكون ما نافية فى موضع الحال يعنى أتاكم من كل شيء والحال انكم ما سالتموه يعنى اعطاكم أشياء ما طلبتموها ولا سالتموها وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ اى نعم الله تعالى فيه دليل على ان المفرد يفيد الاستغراق بالاضافة لا تُحْصُوها اى لا تحصروا ولا تطيقوا عد أنواعها فضلا من افرادها فانها غير متناهية فكيف تطيقون إذا شكرها- لكن الله تعالى بفضله جعل الاعتراف بالعجز عن الشكر
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ يعنى مكة آمِناً اى ذا أمن لمن فيها فالمسئول من هذا القول ازالة الخوف وجعل مكة أمنا- واما فى قوله تعالى اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً جعل تلك الوادي بلدا من البلاد الامنة وَاجْنُبْنِي بعّدنى وَبَنِيَّ من أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥) اى اجعلنا منها فى جانب- وفيه دليل على ان عصمة الأنبياء بتوفيق الله تعالى وحفظه إياهم ولفظ بنىّ لا يشتمل الأحفاد وإطلاقها على ما يعم الأحفاد فى قوله تعالى يا بَنِي آدَمَ... - يا بَنِي إِسْرائِيلَ من قبيل عموم المجاز فلا يشكل بانه قد عبد كثير من أولاد إسماعيل عليه السلام الأصنام- واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عيينة ان أولاد إسماعيل لم يعبدوا الصنم محتجا بهذه الاية- وقال انما كانت لهم حجارة يدورون بها ويسمون الدوار- ويقولون البيت حجر فحيثما نصبنا حجرا فهو بمنزلته- وزاد فى الدر المنثور قيل وكيف لم يدخل ولد إسحاق وسائر ولد ابراهيم عليه السلام- قال لانه دعا لاهل هذه البلدان لا يعبدوا إذ أسكنهم وقال اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً- ولم يدع لجميع البلدان بذلك- قال وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ فيه وقد خص اهله- وقال رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي- وقول ابن عيينة هذا مردود بالكتاب
رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ نسب الإضلال إليهن بالمجاز باعتبار السببية يعنى ضل بهن كثير من الناس عن طريق الهدى حين عبدوهن فَمَنْ تَبِعَنِي فى الدين فَإِنَّهُ مِنِّي اى بعضى لا ينفك عنى فى الدنيا والاخرة حتّى يدخل معى الجنة وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦) تقديره فاغفر له ذا رحمه فانك غفور رحيم- قال السدّى معناه من عصانى ثم تاب- وقال مقاتل بن حبان من عصانى فيما دون الشرك- والظاهر انه قال ذلك قبل ان يعلمه الله انه تعالى لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ- فلما علم ذلك قال وارزقهم مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ- زعما منه ان الله تعالى ينتقم من المشرك فى الدنيا ايضا- فقال الله تعالى وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وبِئْسَ الْمَصِيرُ....
رَبَّنا إِنِّي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي تقديره أسكنت ولدا من ذريتى فحذف المفعول- او المعنى أسكنت بعض ذريتى وهم إسماعيل ومن ولد منه- فان إسكانه متضمن لاسكانهم بِوادٍ هو فى الأصل موضع يسيل فيه الماء فسمى بالوادي مفرج بين جبال او تلال او اكام- وكان الموضع الّذي هناك مكة واديا بين الجبال غَيْرِ ذِي زَرْعٍ لانها حجرية لا تنبت عِنْدَ بَيْتِكَ الّذي كان قبل الطوفان الْمُحَرَّمِ قال رسول الله ﷺ يوم فتح مكة ان هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض- فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة- وانه لن يحل القتال فيه لاحد- ولا يحل لى الا ساعة من نهار- فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة- لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته الا من عرفها ولا يختلى خلاها- قال العباس يا رسول الله الا الاذخر فانه لقينهم ولبيوتهم- فقال الا الأفخر- متفق عليه من حديث ابن عباس اخرج الواقدي وابن عساكر من طريق عامرين سعيد عن أبيه بلفظ كانت
رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ من أمورنا وأحوالنا ومصالحنا- وارحم بنا منا لانفسنا فلا حاجة لنا الى الطلب لكنا ندعوك إظهارا لعبوديتك وافتقارا الى رحمتك واستعجالا لنيل ما عندك- قال ابن عباس ومقاتل ما نخفى وما نعلن من الوجد بإسماعيل وامه حيث اسكنتهما بواد غير ذى زرع- وقيل ما نخفى من وجد الفرقة وما نعلن من التضرع وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨) لانه عالم بعلم ذاتى يستوى نسبته الى كل معلوم ومن للاستغراق- قيل هذا من قول ابراهيم عليه السلام والأكثرون على انه من الله عز وجل-.
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ اى وهب لى وانا كبير ايس عن الولد قيد الهبة بحال الكبر استعظاما للنعمة وإظهارا لما فيها من الاية إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ قال ابن عباس رضى الله عنهما ولد إسماعيل لابراهيم عليهما السلام وهو ابن تسع وتسعين سنة- وولد إسحاق عليه السلام وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة- وقال سعيد بن جبير بشر ابراهيم بإسحاق عليهما السلام وهو ابن مائة وسبع عشرة سنة كذا اخرج ابن جرير إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩) يعنى مجيب الدعاء من قولك سمع الملك الكلام إذا اعتد به- قال سيبويه هو من ابنية المبالغة العاملة عمل الفعل أضيف الى مفعوله او الى فاعله على اسناد السماع الى دعاء الله على المجاز- وفيه اشعار بانه دعا ربه تعالى وسال منه الولد فاجابه ووهب له سواله حين الإياس منه
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ معدّلا لها بأركانها وآدابها محافظا ومواظبا عليها وَمِنْ ذُرِّيَّتِي عطف على المنصوب فى اجعلنى يعنى واجعل بعض ذريتى من يقيمون الصلاة أورد من التبعيضية لعلمه باعلام الله تعالى انه يكون فى ذريته كفار حيث قال الله تعالى لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ... رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠) قرا البزي دعائى بإثبات الياء فى الحالين وورش وابو عمرو اثبتاها «١» فى الوصل فقط- والباقون يحذفونها فى الحالين- والمعنى استجب دعائى او تقبل عبادتى- روى الترمذي عن انس واحمد والبخاري فى الأدب واصحاب السنن الاربعة وابن حبان والحاكم عن النعمان بن بشير وابو يعلى عن البراء بن عازب عن النبي ﷺ قال الدعاء هو العبادة- وروى الترمذي عن انس عن النبي ﷺ الدعاء مخ العبادة.
رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ هذه الاية تدل على ان والديه عليه السلام كانا مسلمين- وانما كان آزر عمّا له وكان اسم ابى ابراهيم تارخ كما ذكرنا فى سورة البقرة- ولاجل دفع توهم آذر قال والدي يعنى من ولداني حقيقة ولم يقل أبوي- فان الأب يطلق على العم مجازا وعلى تقدير كون آذر أبا له كما قيل- فقد ذكر الله عذره فى سورة التوبة وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ- يعنى قبل ان يتبين له امره فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ... وَاغفر لِلْمُؤْمِنِينَ كلهم أجمعين يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (٤١) اى يثبت او يبدوا ويظهر مستعار من القيام على الرحل- كقولهم قامت الحرب على ساق- او المعنى يوم يقوم اهل الحساب فحذف المضاف وأسند الفعل الى المضاف اليه مجازا- كما فى قوله تعالى وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ- وقيل أراد يوم يقوم الناس للحساب فاكتفى بذكر الحساب لكونه مفهوما-.
وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ (٥) الغفلة عدم الاطلاع على حقيقة الأمور والاية خطاب لرسول الله ﷺ والمراد به تثبيته على ما هو عليه من انه مطلع على أحوالهم وأفعالهم لا يخفى عليه خافية معاقب على الكثير والقليل لا محالة- او لكل من يتوهم غفلته جهلا بصفاته واغترارا
مُهْطِعِينَ اى مسرعين لا يلتفتون يمينا وشمالا ولا يعرفون مواطن أقدامهم- قال قتادة مسرعين الى الداعي- وقال مجاهد مديمى النظر وفى القاموس هطع هطوعا اسرع مقبلا خائفا او اقبل ببصره على الشيء لا يقلع عنه ومهطع كمحسن من ينظر فى ذل وخضوع لا يقلع بصره او الساكت المنطلق الى مرهتف به مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ قال القتيبي المقنع الّذي يرفع راسه ويقبل ببصره ما بين يديه وقال الحسن وجوه الناس يوم القيامة الى السماء لا ينظر أحد الى أحد لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ اى لا يرجع إليهم نظرهم فينظروا الى أنفسهم بل يبقى عيونهم شاخصة لا تطرف وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (٤٣) خلاء اى خالية عن العقل والفهم لفرط الحيزة والدهشة ومنه يقال للاحمق قلبه هواء لا رأى فيه ولا قوة- قال قتادة خرجت قلوبهم من صدورهم فصارت فى حناجرهم لا تخرج من أفواههم ولا تعود الى أماكنها- فالافئدة هواء اى لا شيء فيها ومنه سمى ما بين السماء والأرض هواء لخلوه- وقال سعيد بن جبير اى قلوبهم مترددة تمور فى أجوافهم ليس لها مكان يستقر فيه- قال البغوي حقيقة المعنى ان القلوب زائلة عن أماكنها والابصار شاخصة من هول ذلك اليوم-.
وَأَنْذِرِ اى خوف يا محمّد عليه السلام النَّاسَ يَوْمَ بيوم يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ يعنى يوم القيامة او يوم الموت فانه أول ايام عذابهم او يوم يأتيهم العذاب العاجل للاستيصال فى الدنيا فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا بالشرك والتكذيب رَبَّنا أَخِّرْنا اى أمهلنا فى الدنيا او المعنى اخر العذاب عنا وردّنا الى الدنيا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ اى الى حد من الزمان قريب وابقنا مقدار ما نؤمن بك ونجب دعوتك نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ جواب للامر نظيره لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ- فيجابون أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ حلفتم مِنْ قَبْلُ فى دار الدنيا ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (٤٤) جواب للقسم جاء بلفظ الخطاب على المطابقة دون الحكاية- والمعنى
وَسَكَنْتُمْ فى الدنيا فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بالكفر والمعاصي ممن كان قبلكم قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم وَتَبَيَّنَ لَكُمْ من مشاهدة اثار منازلهم وسماع اخبار ما نزل بهم- وفاعل تبيّن مضمر دل عليه الكلام اى تبين لكم حالهم- وكيف فى قوله كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ منصوب بقوله فعلنا فلم ينزجروا وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (٤٥) من أحوالهم اى بيّنّا لكم على السنة المرسلين المؤيدين بالمعجزات انكم فى الكفر واستحقاق العذاب او المعنى بيّنّا صفات ما فعلوا وما فعل بهم الّتي هى فى الغرابة كالامثال المضروبة- او بيّنّا لكم الأمثال فى القران-.
وَقَدْ مَكَرُوا يعنى كفار مكة بالنبي ﷺ حيث أرادوا حبسه او إخراجه او قتله مَكْرَهُمْ قال المفسرون الضمير المجرور فى مكرهم راجع الى ما يرجع اليه الضمير المرفوع فى مكروا- والمعنى انهم مكروا مكرهم البليغ المستفرغ فيه جهدهم لابطال الحق وتقرير الباطل- وحينئذ لا تعلق لهذا الكلام بما سبق- وعندى ان الجملة معطوفة على قوله وسكنتم- والضمير المجرور راجع الى الموصول- والمراد الكفار السابقون «١» - والمرفوع الى الناس اى كفار هذه الامة- وفى الكلام التفات من الخطاب الى الغيبة- والمعنى سكنتم فى مساكن من قبلكم وتبين لكم ما فعلنا بهم وقد مكرتم مثل مكر السابقين وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ اى مكتوب عنده فعلهم فهو مجازيهم عليه- او عنده ما يمكرهم به جزاء لمكرهم وابطالا له وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ قرا علىّ وابن مسعود رضى الله عنهما وان كاد مكرهم بالدال وقراءة العامة بالنون لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (٤٦) قرا الكسائي وابن جريج بفتح اللام للتأكيد فى لتزول والرفع- على انّ ان مخففة من الثقيلة واللام هى الفاصلة والمعنى انه كان مكرهم يعنى شركهم عظيما شديدا بحيث تزول منه الجبال بمعنى قوله تعالى تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً- قال البغوي حكى عن علىّ بن ابى طالب رضى الله عنه
فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ بالنصر لاوليائه وهلاك
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ بدل من يوم يأتيهم او ظرف للانتقام او مقدر با ذكر او بقوله لا يخلف وعده- ولا يجوز ان ينتصب بمخلف لان ما قبل انّ لا يعمل فيما بعده وَالسَّماواتُ عطف على الأرض وتقديره والسموات غير السموات فحذف لدلالة ما قبله عليه- والتبديل يكون فى الذات كقولك بدلت الدراهم بالدنانير وعليه قوله تعالى بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها- وفى الصفة كقولك بدلت الحلقة خاتما إذا اذبتها وغيرت شكلها- وفى تبديل الأرض والسموات أحاديث بعضها تدل على التبديل فى الذات وبعضها على التبديل فى الصفات- اخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن ابى حاتم فى تفاسيرهم والبيهقي بسند صحيح عن ابن مسعود فى هذه الاية انه قال تبدل الأرض أرضا كانها فضة لم يسفك فيها دم حرام ولم تعمل عليها خطيئة واخرج البيهقي عن ابن مسعود مرفوعا وقال الموقوف أصح- قلت والموقوف فى الباب له حكم المرفوع- واخرج ابن جرير والحاكم من وجه اخر عنه قال أرضا بيضا كانها سبيكة فضة- واخرج احمد وابن جرير وابن ابى حاتم عن ابى أيوب وابن جرير عن انس بن مالك فى هذه الاية قال يبدلها الله تعالى يوم القيامة بأرض من فضة لم يعمل عليها الخطاء- واخرج من طريق ابى حمزة عن زيد عن النبي ﷺ فى الاية قال انها تكون بيضاء مثل الفضة- واخرج ابن ابى الدنيا فى صفة الجنة عن على بن ابى طالب فى هذه الاية قال الأرض من فضة والسماء من ذهب- واخرج ابن جرير عن مجاهد قال الأرض كانها فضة والسماء كذلك- واخرج عبد ابن حميد عن عكرمة قال بلغنا ان الأرض تطوى والى جنبها اخرى يحشر الناس منها إليها- وفى الصحيحين عن سهل بن سعد قال سمعت رسول الله ﷺ يقول يحشر الناس
فى الاية قال تصير السموات جنانا وتصير مكان
وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ اى الكافرين يَوْمَئِذٍ اى يوم إذ برزوا مُقَرَّنِينَ مشددين قرينا بعضهم مع بعض بحسب مشاركتهم فى العقائد والأعمال- اخرج سعيد بن منصور عن عمر بن الخطاب قال يقرّن الرجل الصالح مع الصالح فى الجنة ويقرّن بين الرجل السوء مع السوء فى النار- او قرينا مع شياطينهم- او مع ما اكتسبوا من العقائد الزائغة والملكات الباطلة- او قرينا أيديهم وأرجلهم الى رقابهم بالاغلال فِي الْأَصْفادِ (٤٩) اى فى القيود والاغلال واحدها صفد- وكل من شدتّه شدا وثيقا فقد صفدتّه.
سَرابِيلُهُمْ جمع سربال وهو القميص مِنْ قَطِرانٍ وهو عصارة الأبهل تطبخ فتهنا به الإبل الجربى فيحرق الجرب لحدته وهو اسود منتن يشتعل فيه النار بسرعة يطلى به جلود اهل النار حتّى يكون طلاوة لهم كالقميص ليجتمع عليهم لدغ القطران ووحشة لونه ونتن ريحه مع اسراع النار
لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مجرمة ما كَسَبَتْ اللام اما متعلق بقوله مُقَرَّنِينَ- او بالظرف المستقر اعنى من قطران او بقوله تغشى- او بفعل مقدر يعم ذلك تقديره يفعل ذلك ليجزى- وجاز ان يكون المعنى ليجزى كل نفس مطيعة وعاصية بما كسبت- لانه إذا بين ان المجرمين يعاقبون باجرامهم علم ان المطيعين يثابون بطاعتهم واللام حينئذ متعلق ببرزوا إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١) لا يشغله حساب عن حساب- قال السيوطي فى الجلالين يحاسب جميع الخلائق فى قدر نصف نهار من ايام الدنيا لحديث بذلك- واخرج ابن المبارك وابو نعيم عن النخعي قال كانوا يرون انه ليفرغ من حساب الناس يوم القيامة فى مقدار نصف يوم يقيل هؤلاء فى الجنة وهؤلاء فى النار- واخرج ابن المبارك وابن ابى حاتم عن ابن مسعود قال لا ينتصف النهار من ذلك اليوم حتّى يقيل هؤلاء وهؤلاء ثم قرا أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا... - ثمّ انّ مقيلهم «١» لالى الجحيم- واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال انما هى ضخوة فيقيل اولياء الله على الاسرة مع الحور العين ويقيل اعداء الله مع الشياطين مقرنين- قلت لكن هذه الآثار تدل على ان المراد نصف نهار الاخرة والله اعلم-.
هذا القران او السورة او ما فيها من الوعظ والتذكير من قوله وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ... بَلاغٌ لِلنَّاسِ كفاية لهم فى الموعظة وَلِيُنْذَرُوا بِهِ اى ليخوفوا عطف على محذوف اى لينصحوا ولينذروا بهذا البلاغ واللام متعلق بالبلاغ- ويجوز ان يتعلق بمحذوف تقديره ولينذروا به انزل او تلى- وقيل معنى الاية هذا القران انزل لتبليغ الناس احكام الله تعالى ولينذروا به وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ لانهم
فهرس تفسير سورة الحجر من التفسير المظهرى
مضمون صفحه مضمون صفحه ما ورد فى ان الكفار يعيّرون العصاة من المؤمنين عند دخولهم النار معهم فيغضب الله تعالى ويخرج من النار من قال لا اله الا الله- ٣ ما ورد فى استراق الشياطين السمع والقائها على الكهنة- ٧ ماخذ القول بالأعيان الثابتة وعالم المثال ٨ حديث ما هبت ريح قط إلا جثى رسول الله ﷺ وقال اللهم اجعلها رحمة الحديث- ٩ حديث من مات على شيء بعثه عليه- ١٠ تحقيق الروح العلوي وهى خمسة والروح السفلى وكيفية سريانها ونفخها- ١٢ ما ورد فى أبواب جهنم ١٦ باب لمن سلّ السيف على المسلمين- ١٦ باب لا يدخله اى جهنم الا من شفى غيظه بسخط الله وأشدها غما للزناة- ١٦ حديث كان لا ينام حتّى يقرا تبارك وحم السجدة ١٧ أحاديث الخوف والرجاء ١٨ حديث ان الله خلق مائة- رحمة الحديث ١٩ ما ورد فى السبع المثاني قيل هى الفاتحة وقيل سبع سور- ٢٤ حديث ان الله أعطاني السبع الطوال مكان التورية والرّاءات الى الطواسين مكان الإنجيل وما بينهما الى الحواميم مكان الزبور وفضلنى بالحواميم والمفصل ٢٥ حديث ليس منا من لم يتغنّ بالقران- ٢٦ حديث لا تغبطن فاجرا بنعمة- ٢٦ حديث انظروا الى من هو أسفل منكم لا الى من هو فوقكم- ٢٦ الأحاديث الواردة فيما يسئل عنه يوم القيامة ٢٨ حديث ان رسول الله ﷺ إذا خزبه امر فزع الى الصلاة- ٣٣ حديث ما اوحى الىّ ان اجمع المال وأكون من التاجرين ولكن اوحى الىّ ان سبح بحمد ربّك وكن من الساجدين- ٣٣ حديث فى منقبة مصعب بن عمير- ٣٣ تمّت.