تفسير سورة المسد

فتح القدير
تفسير سورة سورة المسد من كتاب فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير المعروف بـفتح القدير .
لمؤلفه الشوكاني . المتوفي سنة 1250 هـ
سورة المسد
هي خمس آيات وهي مكية بلا خلاف. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير وعائشة قالوا : نزلت ﴿ تبت يدا أبي لهب ﴾ بمكة.

سورة المسد
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَائِشَةَ قَالُوا: نَزَلَتْ تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ بِمَكَّةَ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة المسد (١١١) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) مَا أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (٢) سَيَصْلى نَارًا ذاتَ لَهَبٍ (٣) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤)
فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥)
مَعْنَى تَبَّتْ: هَلَكَتْ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: خَسِرَتْ، وَقِيلَ: خَابَتْ. وَقَالَ عَطَاءٌ: ضَلَّتْ. وَقِيلَ:
صَفِرَتْ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَخَصَّ الْيَدَيْنِ بِالتَّبَابِ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْعَمَلِ يَكُونُ بِهِمَا. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْيَدَيْنِ نَفْسُهُ، وَقَدْ يُعَبَّرُ بِالْيَدِ عَنِ النَّفْسِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: بِما قَدَّمَتْ يَداكَ «١» أَيْ: نَفْسُكَ، وَالْعَرَبُ تُعَبِّرُ كَثِيرًا بِبَعْضِ الشَّيْءِ عَنْ كُلِّهِ، كَقَوْلِهِمْ: أَصَابَتْهُ يَدُ الدَّهْرِ، وَأَصَابَتْهُ يَدُ الْمَنَايَا، كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
لَمَّا أَكَبَّتْ يَدُ الرَّزَايَا عَلَيْهِ نادى ألا مجير
وَأَبُو لَهَبٍ اسْمُهُ: عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، وَقَوْلُهُ: وَتَبَّ أَيْ: هَلَكَ. قَالَ الْفَرَّاءُ:
الْأَوَّلُ دُعَاءٌ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي خَبَرٌ، كَمَا تَقُولُ: أَهْلَكَهُ اللَّهُ، وَقَدْ هَلَكَ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ مَا دَعَا بِهِ عَلَيْهِ. وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ: «وَقَدْ تَبَّ». وَقِيلَ: كِلَاهُمَا إِخْبَارٌ، أَرَادَ بِالْأَوَّلِ هَلَاكَ عَمَلِهِ، وَبِالثَّانِي هَلَاكَ نَفْسِهِ.
وَقِيلَ: كِلَاهُمَا دُعَاءٌ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ فِي هَذَا شَبَهٌ مِنْ مَجِيءِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ، وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةُ الْيَدَيْنِ غَيْرَ مُرَادَةٍ، وَذَكَرَهُ سُبْحَانَهُ بِكُنْيَتِهِ لِاشْتِهَارِهِ بِهَا، وَلِكَوْنِ اسْمِهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَبْدَ الْعُزَّى، وَالْعُزَّى: اسْمُ صَنَمٍ، وَلِكَوْنِ فِي هَذِهِ الْكُنْيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أنه ملابس للنار لأن اللهب هو لَهَبُ النَّارِ، وَإِنْ كَانَ إِطْلَاقُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ لِكَوْنِهِ كَانَ جَمِيلًا، وَأَنَّ وَجْهَهُ يَتَلَهَّبُ لِمَزِيدِ حُسْنِهِ كَمَا تَتَلَهَّبُ النَّارُ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: «لَهَبٍ» بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْهَاءِ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَحُمَيْدٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ بِإِسْكَانِ الْهَاءِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى فَتْحِ الْهَاءِ فِي قَوْلِهِ: ذاتَ لَهَبٍ وَرَوَى صَاحِبُ الْكَشَّافِ أَنَّهُ قُرِئَ «تَبَّتْ يَدَا أَبُو لَهَبٍ»، وَذَكَرَ وَجْهَ ذَلِكَ مَا أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ أَيْ: مَا دَفَعَ عَنْهُ مَا حَلَّ بِهِ مِنَ التَّبَابِ وَمَا نَزَلَ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مَا جَمَعَ مِنَ الْمَالِ وَلَا مَا كَسَبَ مِنَ الْأَرْبَاحِ وَالْجَاهِ أَوِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: مَالُهُ: مَا وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ، وَبِقَوْلِهِ: وَما كَسَبَ الَّذِي كسبه بنفسه. قال مجاهد:
(١). الحج: ١٠.
627
وَمَا كَسَبَ مِنْ وَلَدٍ، وَوَلَدُ الرَّجُلِ مِنْ كَسْبِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «مَا» فِي قَوْلِهِ: مَا أَغْنى اسْتِفْهَامِيَّةً، أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ أَغْنَى عَنْهُ؟ وَكَذَا يَجُوزُ فِي قَوْلِهِ: وَما كَسَبَ أَنْ تَكُونَ اسْتِفْهَامِيَّةً، أَيْ: وَأَيُّ شَيْءٍ كَسَبَ؟ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، أَيْ: وَكَسْبُهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا الْأُولَى نَافِيَةٌ، وَالثَّانِيَةَ مَوْصُولَةٌ. ثُمَّ أَوْعَدَهُ سُبْحَانَهُ بِالنَّارِ فَقَالَ: سَيَصْلى نَارًا ذاتَ لَهَبٍ قَرَأَ الْجُمْهُورُ: «سَيَصْلَى» بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ، أَيْ: سَيَصْلَى هُوَ بِنَفْسِهِ، وَقَرَأَ أَبُو رَجَاءٍ وَأَبُو حَيْوَةَ وَابْنُ مِقْسَمٍ والأشهب العقيلي وأبو السّمّال والأعمش ومحمد بن السّميقع بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ، وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَالْمَعْنَى سَيُصْلِيهِ اللَّهُ، وَمَعْنَى ذاتَ لَهَبٍ ذَاتَ اشْتِعَالٍ وَتَوَقُّدٍ، وَهِيَ نَارُ جَهَنَّمَ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي يَصْلَى، وَجَازَ ذَلِكَ لِلْفَصْلِ، أَيْ: وَتُصْلَى امْرَأَتُهُ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ، وَهِيَ أُمُّ جَمِيلٍ بِنْتُ حَرْبٍ أُخْتُ أَبِي سُفْيَانَ، وَكَانَتْ تَحْمِلُ الْغَضَى وَالشَّوْكَ، فَتَطْرَحُهُ بِاللَّيْلِ عَلَى طَرِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَذَا قَالَ ابْنُ زَيْدٍ وَالضَّحَّاكُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَمُرَّةُ الْهَمْدَانِيُّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: إِنَّهَا كَانَتْ تَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ بَيْنَ النَّاسِ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: فُلَانٌ يَحْطِبُ عَلَى فُلَانٍ إِذَا نَمَّ بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إِنَّ بَنِي الْأَدْرَمِ حَمَّالُو الحطب هم الوشاة في الرّضا وفي الغضب
عَلَيْهِمُ اللَّعْنَةُ تَتْرَى وَالْحَرْبُ وَقَالَ آخَرُ:
مِنَ البيض لم تصطد على ظهر لأمة ولم تمش بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَطَبِ الرَّطْبِ
وَجَعَلَ الْحَطَبَ فِي هَذَا الْبَيْتِ رَطْبًا لِمَا فِيهِ مِنَ التَّدْخِينِ الَّذِي هُوَ زِيَادَةٌ فِي الشَّرِّ، وَمِنَ الْمُوَافَقَةِ لِلْمَشْيِ بِالنَّمِيمَةِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَعْنَى حَمَّالَةَ الْحَطَبِ أَنَّهَا حَمَّالَةُ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ يَحْتَطِبُ عَلَى ظَهْرِهِ، كَمَا فِي قوله: وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ «١» وَقِيلَ: الْمَعْنَى: حَمَّالَةُ الْحَطَبِ فِي النَّارِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: «حَمَّالَةُ» بِالرَّفْعِ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ عَلَى أَنَّهَا جُمْلَةٌ مَسُوقَةٌ لِلْإِخْبَارِ بِأَنَّ امْرَأَةَ أَبِي لَهَبٍ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ، وَأَمَّا عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ عَطْفِ وَامْرَأَتُهُ عَلَى الضَّمِيرِ فِي تَصْلَى، فَيَكُونُ رَفْعُ حَمَّالَةُ عَلَى النَّعْتِ لِامْرَأَتِهِ، وَالْإِضَافَةُ حَقِيقِيَّةٌ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْمُضِيِّ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ هِيَ حَمَّالَةٌ. وَقَرَأَ عَاصِمٌ بِنَصْبِ «حَمَّالَةَ» عَلَى الذَّمِّ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنِ امْرَأَتِهِ. وَقَرَأَ أَبُو قِلَابَةَ: «حَامِلَةَ الْحَطَبِ» فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ الْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنَ امْرَأَتِهِ، وَالْجِيدُ: الْعُنُقُ، وَالْمَسَدُ: اللِّيفُ الَّذِي تُفْتَلُ مِنْهُ الحبال، ومنه قول النابغة:
مقذوفة بدخيس النّحض بازلها له صريف صريف القعو بالمسد «٢»
(١). الأنعام: ٣١.
(٢). «مقذوفة» : مرمية باللحم. «الدخيس» : الّذي قد دخل بعضه في بعض من كثرته. «النحض» : اللحم.
«البازل» : الكبير. «الصريف» : الصيح. «القعو» : ما يضم البكرة إذا كان خشبا.
628
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
يَا مَسَدَ الْخُوصِ تَعُوذُ مِنِّي إِنْ كُنْتَ لَدُنَّا لَيِّنًا فَإِنِّي
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْمَسَدُ: هُوَ الْحَبْلُ يَكُونُ مِنْ صُوفٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هِيَ حِبَالٌ تَكُونُ مِنْ شَجَرٍ يَنْبُتُ بِالْيَمَنِ تُسَمَّى بِالْمَسَدِ. وَقَدْ تَكُونُ الْحِبَالُ مِنْ جُلُودِ الْإِبِلِ أَوْ مِنْ أَوْبَارِهَا. قَالَ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ: هَذَا فِي الدُّنْيَا، كَانَتْ تُعَيِّرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَقْرِ، وَهِيَ تَحْتَطِبُ فِي حَبْلٍ تَجْعَلُهُ فِي عُنُقِهَا، فَخَنَقَهَا اللَّهُ بِهِ فَأَهْلَكَهَا، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ حَبْلٌ مِنْ نَارٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: هُوَ سِلْسِلَةٌ مِنْ نَارٍ تَدْخُلُ فِي فِيهَا وَتَخْرُجُ مِنْ أَسْفَلِهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ:
هُوَ قِلَادَةٌ مِنْ وَدَعٍ كَانَتْ لَهَا. قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّمَا كَانَ خَرَزًا فِي عُنُقِهَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ المسيب: كان لَهَا قِلَادَةٌ فَاخِرَةٌ مِنْ جَوْهَرٍ، فَقَالَتْ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَأُنْفِقَنَّهَا فِي عَدَاوَةِ مُحَمَّدٍ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَذَابًا فِي جَسَدِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَالْمَسَدُ: الْفَتْلُ، يُقَالُ: مَسَدَ حَبْلَهُ يَمْسُدُهُ مَسْدًا أَجَادَ فَتْلَهُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ «١» خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا، فَهَتَفَ: يَا صَبَاحَاهُ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا، قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ إِنَّمَا جَمَعْتَنَا لِهَذَا؟ ثُمَّ قَامَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ». قَالَ: خَسِرَتْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ ابْنَهُ مِنْ كَسْبِهِ، ثُمَّ قَرَأَتْ: مَا أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ قَالَتْ: وَمَا كَسَبَ وَلَدُهُ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَما كَسَبَ قَالَ: كَسْبُهُ وَلَدُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ قَالَ:
كَانَتْ تَحْمِلُ الشَّوْكَ فَتَطْرَحُهُ عَلَى طَرِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَعْقِرَهُ وَأَصْحَابَهُ، وَقَالَ: حَمَّالَةَ الْحَطَبِ نَقَّالَةَ الْحَدِيثِ حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ قَالَ: هِيَ حِبَالٌ تَكُونُ بِمَكَّةَ. وَيُقَالُ: الْمَسَدُ: الْعَصَا الَّتِي تَكُونُ فِي الْبَكَرَةِ.
وَيُقَالُ الْمَسَدُ: قِلَادَةٌ مِنْ وَدَعٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ «لَمَّا نَزَلَتْ تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ أَقْبَلَتِ الْعَوْرَاءُ أُمُّ جَمِيلٍ بِنْتُ حَرْبٍ وَلَهَا وَلْوَلَةٌ، وَفِي يَدِهَا فِهْرٌ «٢»، وَهِيَ تَقُولُ:
مُذَمَّمًا أَبَيْنَا وَدِينَهُ قَلَيْنَا
وَأَمْرَهُ عَصَيْنَا
وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ في المسجد ومعه أبو بكر، فلما رآه أَبُو بَكْرٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَقْبَلَتْ، وَأَنَا أَخَافُ أَنْ تَرَاكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهَا لَنْ تَرَانِي وَقَرَأَ قُرْآنًا، اعْتَصَمَ بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً «٣» فأقبلت حتى وقفت على أبي
(١). الشعراء: ٢١٤.
(٢). «الفهر» : الحجر.
(٣). الإسراء: ٤٥.
629
بَكْرٍ وَلَمْ تَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ إِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ صَاحِبَكَ هَجَانِي، قَالَ: لَا وَرَبِّ الْبَيْتِ مَا هَجَاكَ، فَوَلَّتْ وَهِيَ تَقُولُ: قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي ابْنَةُ سَيِّدِهَا» وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى بِأَحْسَنَ مِنْ هذا الإسناد.
630
سورة الإخلاص
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَجَابِرٍ، وَمَدَنِيَّةٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ وَالسُّدِّيِّ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي السُّنَّةِ، وَالْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُحَمَّدُ انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ- اللَّهُ الصَّمَدُ- لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. لَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ إِلَّا سَيَمُوتُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يَمُوتُ إِلَّا سَيُورَثُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمُوتُ وَلَا يُورَثُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ قَالَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلَا عَدْلٌ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ مُرْسَلًا وَلَمْ يَذْكُرْ أُبَيًّا، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ. وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ» وَحَسَّنَ السُّيُوطِيُّ إِسْنَادَهُ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ عَدِيٍّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْيَهُودَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ صِفْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ- اللَّهُ الصَّمَدُ- لَمْ يَلِدْ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْوَلَدُ وَلَمْ يُولَدْ فيخرج من شيء». وأخرج أبو عبيدة فِي فَضَائِلِهِ، وَأَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَابْنُ مَنِيعٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ». وَأَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ وَالْبَزَّارُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مِائَتَيْ مَرَّةٍ غَفَرَ لَهُ ذَنْبَ مِائَتَيْ سَنَةٍ».
قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ إِلَّا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ وَالْأَغْلَبُ بْنُ تَمِيمٍ، وَهُمَا يَتَقَارَبَانِ فِي سُوءِ الْحِفْظِ.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الضُّرَيْسِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ هَذِهِ السُّورَةَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ».
وَأَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ وَأَبُو يَعْلَى، وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي الْمَصَاحِفِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول:
«أَمَا يَسْتَطِيعُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي لَيْلَةٍ؟ فَإِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَأَبُو يَعْلَى عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ خَمْسِينَ مَرَّةً غُفِرَ لَهُ ذُنُوبُ خَمْسِينَ سَنَةً» وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنِ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مِائَتَيْ مَرَّةٍ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ ذُنُوبَ خَمْسِينَ سَنَةً، إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ» وَفِي إِسْنَادِهِ حَاتِمُ بْنُ مَيْمُونٍ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ
631
وَغَيْرُهُ، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: «مَنْ قَرَأَ فِي يَوْمٍ مِائَتَيْ مَرَّةٍ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، مُحِيَ عنه ذنوب خمسين سنة، إلا أن يكون عَلَيْهِ دَيْنٌ»، وَفِي إِسْنَادِهِ حَاتِمُ بْنُ مَيْمُونٍ الْمَذْكُورُ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ عَدِيٍّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ عَلَى فِرَاشِهِ مِنَ اللَّيْلِ فَنَامَ عَلَى يَمِينِهِ، ثُمَّ قَرَأَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مِائَةَ مَرَّةٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَقُولُ لَهُ الرَّبُّ: يَا عَبْدِي ادْخُلْ عَلَى يَمِينِكَ الْجَنَّةَ» وَفِي إِسْنَادِهِ أَيْضًا حَاتِمُ بْنُ مَيْمُونٍ الْمَذْكُورُ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ثَابِتٍ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عَنْهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ سعد وَابْنُ الضُّرَيْسِ وَأَبُو يَعْلَى، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشَّامِ، - وَفِي لَفْظٍ: بِتَبُوكَ- فَهَبَطَ جبريل فقال: «يا محمد إن معاوية ابن مُعَاوِيَةَ الْمُزَنِيَّ هَلَكَ، أَفَتُحِبُّ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ الْأَرْضَ فَتَضَعْضَعَ لَهُ كل شيء ولزق بالأرض ورفع سَرِيرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أُوتِيَ مُعَاوِيَةُ هَذَا الْفَضْلَ، صَلَّى عَلَيْهِ صَفَّانِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِي كُلِّ صَفٍّ سِتَّةُ آلَافِ مَلَكٍ؟ قَالَ: بِقِرَاءَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ كَانَ يَقْرَؤُهَا قَائِمًا وَقَاعِدًا وَجَائِيًا وَذَاهِبًا وَنَائِمًا»، وَفِي إِسْنَادِهِ الْعَلَاءُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، وَهُوَ مُتَّهَمٌ بِالْوَضْعِ. وَرُوِيَ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا، وَفِي إِسْنَادِهِ هَذَا الْمُتَّهَمُ. وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَغَيْرِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ من غير هذا الْوَجْهِ أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، وَفِيهَا مَا هُوَ صَحِيحٌ وَفِيهَا مَا هُوَ حَسَنٌ فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْشُدُوا فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثُمَّ دَخَلَ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ القرآن، ثم خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إني سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، أَلَا وَإِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ». وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» يَعْنِي قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ؟ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ:
اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ»
. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ نَحْوَهُ. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَحَدِيثِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ بِأَسَانِيدَ بَعْضُهَا حَسَنٌ وَبَعْضُهَا ضَعِيفٌ، وَلَوْ لَمْ يَرِدْ فِي فَضْلِ هَذِهِ السُّورَةِ إِلَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا فِي سَرِيَّةٍ، فَكَانَ يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ» ؟
فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ: «أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّهُ» هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، فَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً فَقَرَأَ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ مِمَّا يَقْرَأُ به افتتح بقل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: إِنَّكَ تفتتح
632
﴿ مَا أغنى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾ أي ما دفع عنه ما حلّ به من التباب وما نزل به من عذاب الله ما جمع من المال ولا ما كسب من الأرباح والجاه ؛ أو المراد بقوله :﴿ ماله ﴾ ما ورثه من أبيه، وبقوله :﴿ وَمَا كَسَبَ ﴾ الذي كسبه بنفسه. قال مجاهد : وما كسب من ولد، وولد الرجل من كسبه، ويجوز أن تكون «ما » في قوله :﴿ مَا أغنى ﴾ استفهامية : أي أيّ شيء أغنى عنه ؟ وكذا يجوز في قوله :﴿ وَمَا كَسَبَ ﴾ أن تكون استفهامية : أي وأيّ شيء كسب ؟ ويجوز أن تكون مصدرية : أي وكسبه. والظاهر أن «ما » الأولى نافية، والثانية موصولة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس قال :«لما نزلت :
﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين ﴾ [ الشعراء : ٢١٤ ] خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف :«يا صباحاه، فاجتمعوا إليه، فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدّقيّ ؟ قالوا : ما جربنا عليك كذباً، قال : فإني نذير لكم بني يدي عذاب شديد فقال أبو لهب : تباً لك إنما جمعتنا لهذا ؟ ثم قام فنزلت هذه السورة :﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾». وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ﴾. قال : خسرت. وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة قالت : إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ابنه من كسبه. ثم قرأت :﴿ مَا أغنى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾ قالت : وما كسب ولده. وأخرج عبد الرزاق والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا كَسَبَ ﴾ قال : كسبه ولده. وأخرج ابن جرير والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ابن عباس في قوله :﴿ وامرأته حَمَّالَةَ الحطب ﴾ قال : كانت تحمل الشوك فتطرحه على طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم ليعقره وأصحابه، وقال :﴿ حَمَّالَةَ الحطب ﴾ نقالة الحديث. ﴿ حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ ﴾ قال : هي حبال تكون بمكة. ويقال : المسد العصا التي تكون في البكرة. ويقال : المسد قلادة من ودع. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو زرعة عن أسماء بنت أبي بكر، قالت :«لما نزلت :﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ﴾ أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة، وفي يدها فهر، وهي تقول :
مذمماً أبينا *** ودينه قلينا *** وأمره عصينا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، ومعه أبو بكر فلما رآها أبو بكر قال :«يا رسول الله قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها لن تراني، وقرأ قرآناً اعتصم به، كما قال تعالى :﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ القرءان جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالأخرة حِجَابًا مَّسْتُورًا ﴾ [ الإسراء : ٤٥ ] فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت : يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني، قال : لا وربّ البيت ما هجاك، فولت وهي تقول : قد علمت قريش أني ابنة سيدها». وأخرجه البزار بمعناه، وقال : لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد.

ثم أوعده سبحانه بالنار فقال :﴿ سيصلى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ ﴾. قرأ الجمهور :﴿ سَيَصْلَى ﴾ بفتح الياء وإسكان الصاد وتخفيف اللام : أي سيصلى هو بنفسه، وقرأ أبو رجاء وأبو حيوة وابن مقسم والأشهب العقيلي وأبو السماك والأعمش ومحمد بن السميفع بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام، ورويت هذه القراءة عن ابن كثير، والمعنى سيصليه الله، ومعنى ﴿ ذَاتَ لَهَبٍ ﴾ ذات اشتعال وتوقد، وهي : نار جهنم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس قال :«لما نزلت :
﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين ﴾ [ الشعراء : ٢١٤ ] خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف :«يا صباحاه، فاجتمعوا إليه، فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدّقيّ ؟ قالوا : ما جربنا عليك كذباً، قال : فإني نذير لكم بني يدي عذاب شديد فقال أبو لهب : تباً لك إنما جمعتنا لهذا ؟ ثم قام فنزلت هذه السورة :﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾». وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ﴾. قال : خسرت. وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة قالت : إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ابنه من كسبه. ثم قرأت :﴿ مَا أغنى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾ قالت : وما كسب ولده. وأخرج عبد الرزاق والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا كَسَبَ ﴾ قال : كسبه ولده. وأخرج ابن جرير والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ابن عباس في قوله :﴿ وامرأته حَمَّالَةَ الحطب ﴾ قال : كانت تحمل الشوك فتطرحه على طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم ليعقره وأصحابه، وقال :﴿ حَمَّالَةَ الحطب ﴾ نقالة الحديث. ﴿ حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ ﴾ قال : هي حبال تكون بمكة. ويقال : المسد العصا التي تكون في البكرة. ويقال : المسد قلادة من ودع. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو زرعة عن أسماء بنت أبي بكر، قالت :«لما نزلت :﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ﴾ أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة، وفي يدها فهر، وهي تقول :
مذمماً أبينا *** ودينه قلينا *** وأمره عصينا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، ومعه أبو بكر فلما رآها أبو بكر قال :«يا رسول الله قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها لن تراني، وقرأ قرآناً اعتصم به، كما قال تعالى :﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ القرءان جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالأخرة حِجَابًا مَّسْتُورًا ﴾ [ الإسراء : ٤٥ ] فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت : يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني، قال : لا وربّ البيت ما هجاك، فولت وهي تقول : قد علمت قريش أني ابنة سيدها». وأخرجه البزار بمعناه، وقال : لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد.

﴿ وامرأته حَمَّالَةَ الحطب ﴾ معطوف على الضمير في «يصلى ». وجاز ذلك للفصل : أي وتصلى امرأته ناراً ذات لهب. وهي أمّ جميل بنت حرب أخت أبي سفيان، وكانت تحمل الغضى والشوك فتطرحه بالليل على طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم، كذا قال ابن زيد والضحاك والربيع بن أنس ومرّة الهمداني. وقال مجاهد وقتادة والسديّ : إنها كانت تمشي بالنميمة بين الناس. والعرب تقول : فلان يحطب على فلان : إذا نمّ به، ومنه قول الشاعر :
إن بني الأدرم حمالوا الحطب *** هم الوشاة في الرضا والغضب
عليهم اللعنة تترى والحرب ***. . .
وقال آخر :
من البيض لم يصطد على ظهر لأمة *** ولم يمش بين الناس بالحطب الرطب
وجعل الحطب في هذا البيت رطباً لما فيه من التدخين الذي هو زيادة في الشرّ، ومن الموافقة للمشي بالنميمة. وقال سعيد بن جبير : معنى حمالة الحطب أنها حمالة الخطايا والذنوب، من قولهم : فلان يحتطب على ظهره، كما في قوله :﴿ وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ ﴾ [ الأنعام : ٣١ ]. وقيل : المعنى حمالة الحطب في النار. قرأ الجمهور :﴿ حَمَّالَةُ ﴾ بالرفع على الخبرية على أنها جملة مسوقة للإخبار بأن امرأة أبي لهب حمالة الحطب، وأما على ما قدّمنا من عطف ﴿ وامرأته ﴾ على الضمير في «تصلى »، فيكون رفع حمالة على النعت لامرأته، والإضافة حقيقية لأنها بمعنى المضيّ، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف : أي هي حمالة. وقرأ عاصم بنصب :﴿ حَمَّالَةَ ﴾ على الذمّ، أو على أنه حال من امرأته. وقرأ أبو قلابة ( حاملة الحطب ).
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس قال :«لما نزلت :
﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين ﴾ [ الشعراء : ٢١٤ ] خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف :«يا صباحاه، فاجتمعوا إليه، فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدّقيّ ؟ قالوا : ما جربنا عليك كذباً، قال : فإني نذير لكم بني يدي عذاب شديد فقال أبو لهب : تباً لك إنما جمعتنا لهذا ؟ ثم قام فنزلت هذه السورة :﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾». وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ﴾. قال : خسرت. وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة قالت : إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ابنه من كسبه. ثم قرأت :﴿ مَا أغنى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾ قالت : وما كسب ولده. وأخرج عبد الرزاق والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا كَسَبَ ﴾ قال : كسبه ولده. وأخرج ابن جرير والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ابن عباس في قوله :﴿ وامرأته حَمَّالَةَ الحطب ﴾ قال : كانت تحمل الشوك فتطرحه على طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم ليعقره وأصحابه، وقال :﴿ حَمَّالَةَ الحطب ﴾ نقالة الحديث. ﴿ حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ ﴾ قال : هي حبال تكون بمكة. ويقال : المسد العصا التي تكون في البكرة. ويقال : المسد قلادة من ودع. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو زرعة عن أسماء بنت أبي بكر، قالت :«لما نزلت :﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ﴾ أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة، وفي يدها فهر، وهي تقول :
مذمماً أبينا *** ودينه قلينا *** وأمره عصينا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، ومعه أبو بكر فلما رآها أبو بكر قال :«يا رسول الله قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها لن تراني، وقرأ قرآناً اعتصم به، كما قال تعالى :﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ القرءان جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالأخرة حِجَابًا مَّسْتُورًا ﴾ [ الإسراء : ٤٥ ] فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت : يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني، قال : لا وربّ البيت ما هجاك، فولت وهي تقول : قد علمت قريش أني ابنة سيدها». وأخرجه البزار بمعناه، وقال : لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد.

﴿ في جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ ﴾ الجملة في محل نصب على الحال من ﴿ امرأته ﴾. والجيد العنق، والمسد الليف الذي تفتل منه الحبال، ومنه قول النابغة :
مقذوفة بدخيس النحض نازلها له صريف صريف القعواء بالمسد
وقول الآخر :
يا مسد الخوص تعوّذ مني إن كنت لدنا لينا فإني
وقال أبو عبيدة : المسد هو الحبل يكون من صوف. وقال الحسن : هي حبال تكون من شجر ينبت باليمن تسمى بالمسد. وقد تكون الحبال من جلود الإبل أو من أوبارها. قال الضحاك وغيره : هذا في الدنيا، كانت تعير النبيّ صلى الله عليه وسلم بالفقر وهي تحتطب في حبل تجعله في عنقها فخنقها الله به فأهلكها، وهو في الآخرة حبل من نار. وقال مجاهد وعروة بن الزبير : هو سلسلة من نار تدخل في فيها وتخرج من أسفلها. وقال قتادة : هو قلادة من ودع كانت لها. قال الحسن : إنما كان خرزاً في عنقها. وقال سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة فاخرة من جوهر، فقالت : واللات والعزّى لأنفقنها في عداوة محمد، فيكون ذلك عذاباً في جسدها يوم القيامة. والمسد الفتل يقال : مسد حبله يمسده مسداً : أجاد فتله ا ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس قال :«لما نزلت :
﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين ﴾ [ الشعراء : ٢١٤ ] خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف :«يا صباحاه، فاجتمعوا إليه، فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدّقيّ ؟ قالوا : ما جربنا عليك كذباً، قال : فإني نذير لكم بني يدي عذاب شديد فقال أبو لهب : تباً لك إنما جمعتنا لهذا ؟ ثم قام فنزلت هذه السورة :﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾». وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ﴾. قال : خسرت. وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة قالت : إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ابنه من كسبه. ثم قرأت :﴿ مَا أغنى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾ قالت : وما كسب ولده. وأخرج عبد الرزاق والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا كَسَبَ ﴾ قال : كسبه ولده. وأخرج ابن جرير والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ابن عباس في قوله :﴿ وامرأته حَمَّالَةَ الحطب ﴾ قال : كانت تحمل الشوك فتطرحه على طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم ليعقره وأصحابه، وقال :﴿ حَمَّالَةَ الحطب ﴾ نقالة الحديث. ﴿ حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ ﴾ قال : هي حبال تكون بمكة. ويقال : المسد العصا التي تكون في البكرة. ويقال : المسد قلادة من ودع. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو زرعة عن أسماء بنت أبي بكر، قالت :«لما نزلت :﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ﴾ أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة، وفي يدها فهر، وهي تقول :
مذمماً أبينا *** ودينه قلينا *** وأمره عصينا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، ومعه أبو بكر فلما رآها أبو بكر قال :«يا رسول الله قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها لن تراني، وقرأ قرآناً اعتصم به، كما قال تعالى :﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ القرءان جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالأخرة حِجَابًا مَّسْتُورًا ﴾ [ الإسراء : ٤٥ ] فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت : يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني، قال : لا وربّ البيت ما هجاك، فولت وهي تقول : قد علمت قريش أني ابنة سيدها». وأخرجه البزار بمعناه، وقال : لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد.

Icon