تفسير سورة المسد

الهداية الى بلوغ النهاية
تفسير سورة سورة المسد من كتاب الهداية الى بلوغ النهاية المعروف بـالهداية الى بلوغ النهاية .
لمؤلفه مكي بن أبي طالب . المتوفي سنة 437 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة تبت( ١ ) مكية( ٢ )
١ كذا بهذا الاسم في المختصر لابن خالويه: ١٨٢ والكاشف ٤/٢٦٥ وزاد المسير ٩/٢٥٨ وفتح القدير ٥/٥١١ والذي عند البخاري في كتاب التفسير: "سورة تبت يدا أبي لهب وتب" (الفتح ٨/٧٣٦). وهذه سورة تسمى أيضا المسد، انظر: روح المعاني ٣٠/٣٣٢..
٢ ساقط من م. وانظر: الإجماع على مكيتها في تفسير الماوردي ٤/٥٣٨ والمحرر ١٦/٣٧٨ وزاد المسير ٩/٢٥٨ والدر ٨/٦٦٥ وروح المعاني ٣٠/٣٣٢..

النبي - ﷺ -، وكان أبو لهب وامرأته من أشد قريش عداوة للنبي - ﷺ -.
وقيل: عتيبة هو الذي أكله الأسد بدعاء رسول الله - ﷺ - وعتبة أسلم وأبلى.
قوله تعالى: ﴿تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ إلى آخرها.
أي: خسرت يدا أبي لهب، وقد خسر. فالأول [دعاء] والثاني [خبر]، كما تقول: [أهلكه] الله وقد هلك وفي قراءة عبد الله: " وقد تب " ووقع الإخبار والدعاء عن اليدين على طريق المجاز، والمراد صاحبهما، يدل على ذلك قوله: ﴿وَتَبَّ﴾ ولم يقل: وتبتا.
وقيل: هو حقيقة، وذلك أن أبا لهب أراد أن [يرمي] رسول الله ﷺ فمنعه الله من ذلك، ونزلت: ﴿تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾، فالأولى على الحقيقة لليدين، والثانية لأبي لهب، لأنه إذا خسرت يداه فقد خس هو.
8482
(قال ابن زيد: التب الخسران) قال ابن زيد: قال أبو لهب للنبي ﷺ: وماذا أعطى - يا محمد - إن آمنت بربك؟ قال: ما يعطى المسلمون. قال [فمالي] عليكم فضل! قال: تبًّا وأي شيء [تبتغي]؟ قال: تبا لهذا من دين، (تباً) أن أكون أنا وهؤلاء سواءً، فأنزل الله ﴿تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾، فعلى هذا يكون مجازا، والمرد به عين أبي لهب لاَ يَدَاهُ.
وروي أن النبي ﷺ خص عشيرته بالدعوة إذ نزل عليه: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين﴾ [الشعراء: ٢١٤] فجمعهم ودعاهم وأنذرهم، فقال له أبو لهب: تباً لك سائر اليوم ألهذا دعوتنا، فأنزل الله ﴿تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾.
قال ابن عباس: " صعد النبي ﷺ ذات يوم [الصفا]، فقال: يا صاحباه، فاجتمعت إليه قريش فقالوا: ما لك؟ فقال: أرأيتكم إن (أخبرتكم) أن العدو
8483
[مصبحكم]) أو ممسيكم، أما كنتم تصدقونني؟ قالوا: بلى. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. قال [أبو] لهب: تباً لك: ألهذا دعوتنا؟ فأنزل الله: ﴿تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ إلى آخر السورة ".
وكان اسم أبي لهب: عبد العزى، فذلك ذُكَِ بكنيته في القرآن.
وقوله: ﴿مَآ أغنى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾ إن جعلت ما أستفهاما كانت في موضع (نصب) بأغنى، وإن جعلتها نفيا كانت حرفا، وقدَّرْتَ مفعولاً محذوفاً، أي: ما أغنى عنه ماله شيئاً.
والمعنى: ما يغني عنه ماله في الآخرة وفي الدنيا إذا جاءه الموت.
وقوله: ﴿مَآ أغنى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾، يعني ما اقتنى من الموال والأغراض.
8484
وقيل: ﴿وَمَا كَسَبَ﴾ عني به ولده، أي ما أغنى عنه ماله وما ولد. وروى أبو الطفيل أن أولاد أبي لهب جاؤوا يختصمون في البيت، فقام ابن عباس يحجز بينهم (وقد كفّ بصرُهُ)، [فدفعه] بعضهم حتّى وَقَع عَلَى الفِرَاشِ فغَضِبَ وَقَالَ: أَخْرِجُوا عنّي الكَسْبَ الخَبِيثَ.
قال مجاهد: " وَمَا كسَبَ ولده ". وقيل: معناه: وما كسب من مال وجاه.
ثم قال تعالى: ﴿سيصلى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ﴾ روي عن أبي بكر عن عاصم أنه قرأ " سَيُصْلَى " بضم الياء والمعنى: سَيُقَاسِي حرَّ نارٍ ذاتِ توقُّدٍ وتَلَهُّبٍ.
8485
يقال: صلَيْتُ بالأمْرِ أَصْلَى: إذَا قاسَيْتَ حَرَّهُ وَشِدَّتَهُ، وَصَلَيْتُهُ: شَوَيْتُهُ وفي الحديث " شَاة مَصْلِيَّة أي: مَشْويَّة والمعنى: سيصلى أبو لهب ناراً ذات له وامراته، وجاز العطف على المضمر المرفوع، [لأنه قد فرق] بينهما فقام التفريق مقام التأكيد.
وقوله: ﴿حَمَّالَةَ الحطب﴾ نعت للمرأة وهي أم جميل أخت أبي سفيان بن حرب عَمَّةُ معاوية، نعتت بهذا لأنه قد كان له زوجات غيرها.
وقيل: نعتت به على طريق [التخسيس] [لها] عقوبة لأذَاها رسول الله ﷺ.
ويجوز أن تكون ﴿وامرأته﴾ [متبدأ] و ﴿حَمَّالَةَ الحطب﴾ نعت، وفي ﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ﴾ ابتداء وخبر في موضع خبر (لامرأة، ويجوز أن يكون
8486
﴿حَمَّالَةَ الحطب﴾ خبراً " لامرأة " و ﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ﴾ ابتداء وخبر في موضع خبر ثان، [أو في موضع] الحال.
ويجوز أن ترتفع " حَمَّالةُ الحطب " على البدل من [﴿وامرأته﴾ وتكون (معنى) الخبر ﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ﴾ الجملة إن جعلت ﴿وامرأته﴾ [مبتدا].
ويجوز أن يكون ﴿حَمَّالَةَ الحطب﴾ / نكرة [يراد] به الاستقبال على ما سنذكره من قول المفسرين في معناه. ويجوز أن يكون معرفة يراد به الماضي على ما سنذكره من قول المفسرين.
فإن جعلت " المرأة " عطفاً على المضمر في ﴿سيصلى﴾ كان ﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ﴾ في موضع الحال من المرأة.
ومن [نصب] (حمَّالة) [نصبه] على الذم.
8487
قال ابن عباس: كانت تحمل الشوك فتجره على طريق النبي ﷺ ليعقره وأصحابه، فلذلك ننعتت " بحمالة الحطب ". وهو قول الضحاك وابن زيد. وقال عكرمة: " كانت تمشي بالنميمة ". وعن مجاهد مثله، وقاله قتادة.
[وقيل إن ﴿حَمَّالَةَ الحطب﴾ تمثيل لأذاها رسول الله ﷺ، والعرب تقول: فلان] يحطب على فلان، أي [يُغْري به] [وَيُؤذِيهِ] فشبه الحطب [بالعداوة].
وقيل: معنى ﴿حَمَّالَةَ الحطب﴾ أي: [الخطايا و] الذنوب والفواحش، كما
8488
يقال: فلان يحطب على نفسه، إذا كان كثير الاكتساب الذنوب.
وقوله: ﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ﴾ أي: في عنقها، والجيد: العُنُقُ.
قال الضحاك: " هو حبل من شجر، وهو الحبل الذي كانت تحتطب به، [وقاله] ابن عباس. وقال ابن زيد: هي حبال من شجر [ينبت] باليمن يقال لها: مسد.
وقيل: ﴿حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ﴾، أي: " حبل من نار في رقبتها ". وقال السدي: المسد: الليف.
وقال عروة: " هو سلسلة من حديد ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً ". (وقال سفيان:
8489
" حبل في عنقها من النار مثل طوق طوله سبعون ذراعاً " وعن مجاهد ﴿مِّن مَّسَدٍ﴾ " من حديد ".
وقال عكرمة: ﴿مِّن مَّسَدٍ﴾ هي: " [الحدِيدَةُ] التي في وسط البكرة " وروي ذلك أيضا عن مجاهد.
وقال قتادة: ﴿حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ﴾: " [قِلاَدَة] " من ودع.
فمن جعل هذا إخبار عما يكون في النار من حالها كانت ﴿حَمَّالَةَ الحطب﴾ نكرة لأنه يراد به الاستقبال، فلا يحسن أن يكون صفة ل ﴿امرأته﴾.
ومن جعله بمعنى قد مضى مثل [مشيها] بالنمائم وحَمْلِها الشوك لطريق رسول الله ﷺ، ف ﴿حَمَّالَةَ الحطب﴾ معرفة يحسن أن [تكون] صفة ل ﴿امرأته﴾. والوقف في هذه السورة على مقدار ما تَقَّدَّرَ مما تَقَدَّمَ ذكره من النعت والخبر.
8490
Icon