بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الفرقانمكية١
وقال الضحاك٢ : هي مدنية-وفيها آيتان مكيتان أو ثلاثة٣.
قوله٤ :﴿ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ﴾[ ٦٨ ]، الآيتان، وقيل إلى قوله :﴿ كراما ﴾[ ٧٢ ].
٢ انظر: القرطبي ١٣/١..
٣ ز: ثلاث..
٤ "قوله" سقطت من ز..
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الفرقانمكية
وقال الضحاك: هي مدنية - وفيها آيتان مكيتان أو ثلاثة.
قوله: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) [٦٨] الآيتان، وقيل إلى قوله (كِرَاماً) [٧٢].
قوله تعالى ذكره: ﴿تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان على عَبْدِهِ﴾ [١]، إلى قوله (رَجُلًا مَسْحُورًا) [٨].
قال ابن عباس تبارك من البركة.
وقال الفراء هي في العربية وتقدس واحد وهما العظمة.
وقيل: تبارك: تعالى عطاؤه، أي: زاد وكثر.
وقيل: معناه: دام وثبت إنعامه.
وقيل: معناه: دام بقاء ﴿الذي نَزَّلَ الفرقان على عَبْدِهِ﴾، وثبتت نعمه على عباده، وهو كله مشتق من برك الشيء: إذا ثبت ومنه برك الجمل.
وقال النحاس، تبارك: تفاعل من البركة. وهو حلول الخير، ومنه فلان: مبارك أي: ألخير يحل بحلوله، مشتق من البرك، والبركة وهما المصدر.
والفرقان: القرآن، سمي بذلك لأنه فرق بين الحق والباطل، والمؤمن والكافر.
وقوله ﴿لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً﴾، أي: الذي أنزل عليه الفرقان ليكون لجميع الجن والإنس.
وقيل: هو القرآن.
وقوله: ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ﴾ [فاطر: ٢٤] يدل على أنه: محمد ﷺ ومثله ﴿لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ﴾ [الأنعام: ١٩] وأنذركم بالوحي ونذير بمعنى: منذر ولكن تضمن بناء فعيل للتكثير.
قال: ﴿الذي لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض﴾، أي: سلطان ذلك كله وملكه. ﴿وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً﴾، هذا رد على من أضاف إليه الولد.
ثم قال: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ﴾، هذا رد وتكذيب لمن عبد مع الله غيره، ورد على قول العرب فب التلبية: (لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه
ثم قال: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾، أي: اخترعه ﴿فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾، أي: هيأه لما يصلح له، فلا خلل فيه ولا تفاوت.
وقيل: معناه: خلق الحيوان وقدَّر له ما يصلحه ويهيئه.
قال: ﴿واتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً﴾، أي: اتخذ مشركو قريش آلهة يعبدونها من دون الله يقرعهم بذلك، ويعجب أهل النهي من فعلهم وعبادتهم ما لايخلق شيئا وهو يُخلق، ولا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً أي: لا يملك الآلهة دفع ضر، ولا استجلاب نفع. ولا يملك إماتة حي، ولا إحياء ميت، ولا ينشره بعد مماته.
وتركوا عبادة من يملك الخير والنفع ويحيي ويميت، خلق كل شيء وهو
قال: ﴿وَقَالَ الذين كفروا إِنْ هذا إِلاَّ إِفْكٌ افتراه﴾،: أي: قال هؤلاء المشركون: ما هذا الذي أتى به محمد إلا كذب وبهتان إخترعه واختلقه ﴿وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ﴾، يعنون أن اليهود هم يعلمون محمداً ﷺ. ما يأتي به من القرآن قاله مجاهد.
وعن ابن عباس: أنهم عنوا بقولهم ﴿قَوْمٌ آخَرُونَ﴾، يسارا أبا فُكيهة مولى الحضرمي وعداساً وجبراً.
ثم قال: ﴿فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً﴾، أي: أتى هؤلاء القائلون: إن الذي أتى به محمد ﷺ إفك افتران بظلم، وهو وضع الشيء في غير موضعه، إذ وصفوا كلام الله بغير صفته. والزور أصله تحسين الباطل، والمعنى: فقد جاء هؤلاء القائلون: إن القرآن: إفك وزور بكذب مُحَسَّنٍ.
ويروى أن هذه الآية نزلت في النضر بن الحرث بن كلدة.
قال ابن عباس، كان النضر من شياطين قريش، وكان يؤذي النبي ﷺ، وكان قد قدم الحيرة وتعلم بها أحاديث ملوك فارس، وكان النبي ﷺ إذا جلس مجلساً
وقال ابن جريج ﴿أَسَاطِيرُ الأولين﴾، أشعارهم وكهانتهم.
وواحد الأساطير أسطورة مثل: أحدوثة وأحاديث.
وقيل واحدها: أسطار كأقوال وأقاويل. وأسطار جمع سطر، فهو جمع الجمع على هذا القول.
قال تعالى: ﴿قُلْ أَنزَلَهُ الذي يَعْلَمُ السر فِي السماوات والأرض﴾، أي: قل يا محمد
قال ابن جريج: يعلم ما يسر أهل الأرض وأهل السماء.
﴿إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً﴾، أي: لم يزل يصفح عن خلقه ويرحمهم.
قال: ﴿وَقَالُواْ مَالِ هذا الرسول يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِي فِي الأسواق﴾.
أي: ما له يأكل ويمشي، أنكروا عليه ذلك، ثم قالوا: ﴿لولا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً﴾، أي: هلا نزل معه ملك من السماء فينذرنا معه ﴿أَوْ يلقى إِلَيْهِ كَنْزٌ﴾، أي: يطلع على كنز من كنوز الأرض ﴿أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا﴾،. أي يحدث الله له جنة يأكل منها.
قال ابن عباس: اجتمع أشراف قريش بظهر الكعبة وعرضوا عليه أشياء يفعلها لهم من تسيير جبالهم، وإحياء آبائهم، والمجيء بالله والملائكة قبيلا، وما ذكر
ثم قال تعالى ذكره ﴿وَقَالَ الظالمون إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً﴾ أي: قال ذلك بعضهم لبعض.
وقيل، قالوه للمؤمنين، أي: تتبعون رجلا له سَحر، والسَّحْر: الرئة أي:
قوله تعالى ذكره: ﴿انظر كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمثال﴾.
أي: انظر يا محمد كيف شبه لك هؤلاء المشركون الأشياء بقولهم: هو مسحور، فضلوا بذلك عن قصد السبيل ﴿فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً﴾، أي: لا يجدون طريقاً إلى الحق الذي بعثتك به. قال ابن عباس.
وقال مجاهد: لا يجدون مخرجاً يخرجهم عن الأمثال التي ضربوا لك. ومعناه: إنهم ضربوا هذه الأمثال ليتوصلوا بها إلى تكذيب محمد ﷺ فضلوا بذلك عن سبيل الحق وعن بلوغ ما أرادوا.
قال ﴿تَبَارَكَ الذي إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذلك﴾، أي: خيراً ممّا قال المشركون لك هلا أوتيته. قاله مجاهد.
فقال: يجمع لي ذلك في الآخرة "، فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿تَبَارَكَ الذي إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ / خَيْراً مِّن ذلك﴾ الآية.
قال: مجاهد: قصوراً بيوتا مبنية مشيدة. وكانت قريش ترى البيت من حجارة قصراً كائناً ما كان.
قال تعالى: ﴿بَلْ كَذَّبُواْ بالساعة وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بالساعة سَعِيراً﴾، أي: ما فعل
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بالساعة سَعِيراً﴾، أي: ناراً تسعر عليهم وتتقد. ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾، أي: إذا رأت النار أشخاصهم من مكان بعيد. ﴿سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً﴾، أي: غلياناً وفواراً.
يقال، فلان يتغيظ على فلان: إذا غضب عليه فغلى صدره من الغضب عليه. وزفيراً: أي: صوتها حين تزفر، والتقدير سمعوا صوت التغيظ من التلهب والتوقد.
وقيل: معناه: سمعوا لمن فيها من المعذبين تغيظاً وزفيراً.
وقال المسيب بن رافع: يكون الناس في صعيد واحد ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي، فتخرج عنق من النار. فتقول: إني وكلت بثلاثة بمن دعا مع الله إلهاً آخر وبالعزيز الكريم، وبكل جبار عنيد. فتنطوي بهم فتدخلهم النار قبل
وقوله: ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ﴾، أتى على لفظ التأنيث، والسعير مذكر، فإنما ذلك: لأن التأنيث راجع إلى النار، لأن السعير هي النار وهذا كقول الشاعر:
إن تميما خلقت ملوما... فقال خلقت لأن تميما قبيلة، ثم رجع إلى لفظ تميم فقال: (مَلُومَاً) ثم رجع إلى الجماعة فقال:
قوما ترى واحدهم صهميما.... والصهميم: الجمل القوي الشديد النفس.
وقيل: معنى ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾، إذا رآه خزانها من مكان بعيد ﴿سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً﴾، حرصا على عذابهم رغضبا لله عليهم، فأخبر عن النار والسعير، والمراد خزان النار الموكلون بها، كما قال تعالى ﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا﴾ [الحج: ٤٨]، يريد أهل القرية، وكما قال ﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ التي أَخْرَجَتْكَ﴾ [محمد: ١٣]، يريد أهل القرية بدلالة قوله بعد ذلك ﴿أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ﴾ [محمد: ١٣] فرجع الخبر عن أهل القرية.
وقال ابن عباس: ثبوراً: ويلا، وأصل الثبور في اللغة: الانصراف عن الشيء، يقال: ما تبرك عن هذا الأمر؟ أي: ما صرفك عنه. والمثبور المصروف عن الخير.
وروي عن النبي ﷺ: أنه قال: " والذي نفسي بيده إنهم ليستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط ".
وقال بعضهم، إنها لتضيق عليهم كما يضيق الرمح في الزج، قال ابن عمر وغيره.
قال تعالى: ﴿قُلْ أذلك خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخلد﴾، أي قل يا محمد لهؤلاء المكذبين بالساعة أذلك خير، " وذا " إشارة إلى ما تقدم، من ذكر النار والسعير،
حكى سيبويه: عن العرب الشقاء أحب إليك أم السعادة؟ وقد علم أن الشقاء لا يحبه أحد وإنما جاء ذلك على التنبيه.
وقيل: إنما جاء ذلك في الآية لأن " خيراً " ليس هو أفعل، ولا تأويل فيه لإضمار من، وإنما هو كما يقال، عنده خير، وكما قال:
وقيل: المعنى: ﴿أذلك خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخلد﴾، على علمكم وما تعقلون. وقيل: إن قوله: ﴿أذلك خَيْرٌ﴾، مردود إلى قوله: ﴿أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ﴾ [الفرقان: ٧]، وما قالوا بعده.
وقيل: هو مردود إلى قوله ﴿إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذلك جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً﴾ [الفرقان: ١٠]، فذلك إشارة إلى هذا المذكور فقال: ﴿أذلك خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخلد﴾، فهذا يدل على أن قوله: ﴿إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذلك جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً﴾ [الفرقان: ١٠] يعني به في الدنيا التي ينقطع نعيمها، ثم فاضل بين ذلك وبين ما في الآخرة التي لا ينقضي نعيمها.
قال تعالى: ﴿لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ﴾، أي: في الجنة ﴿خَالِدِينَ﴾ أي: مقيمين فيها أبداً.
﴿كَانَ على رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً﴾، أي: كان إعطاء الله المؤمنين: جنة الخلد في الآخرة وعداً وعدهم على طاعتهم غياه ومسألتهم إياه ذلك، وذلك أن المؤمنين
وقال محمد بن كعب، وعدا مسؤولا: أي: بمسألة من الملائكة للمؤمنين، وهو قول الملائكة ﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدْتَّهُمْ﴾ [غافر: ٨].
وقيل معناه: وعداً واجباً، والعرب تقول: لا أعطينك ألفاً وعداً. ﴿مَّسْئُولاً﴾، أي: واجباً أي: هو واجب لك فاسأله.
قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله﴾، أي: واذكر يا محمد يوم نحشر هؤلاء المكذبين بالساعة. ﴿وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله﴾، من الملائكة والانس والجن.
وقيل: هي الأصنام والأوثان يحييها الله تعالى يوم القيامة فتجيبه بذلك.
قوله تعالى ذكره: ﴿قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ﴾،
أي قال عيسى ﷺ وعزيراً، الملائكة تنزيهاً لك يا ربنا وبراءةً مما
﴿مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ﴾ بل أنت ولينا من دونهم. ﴿ولكن مَّتَّعْتَهُمْ﴾ بالمال في الدنيا والصحة ﴿حتى نَسُواْ الذكر﴾ أي: ذكرك. ﴿وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً﴾ أي: هلكى.
قيل: إن أعمارهم طالت بعد موت الرسل فنسوا وهلكوا.
قال الحسن: البور الذي ليس فيه خير، وكذلك قال: ابن زيد، والعرب تقول لما فسد وهلك أو كسد: بائر ومنه بارت السوق / " ومن في ﴿مِنْ أَوْلِيَآءَ﴾ زائدة، زيدت للتوكيد بعد النفي، وأولياء في موضع نصب يتخذه، والمعنى: ما كان ينبغي لنا نتخذ من دونك أولياء، فكيف يتخذها أحد أولياء من دونك،
قال أبو عمرو: لو كانت نُتخذ لحُذفت " من " الثانية: فقلت أن نتخذ من
ويتمكن على هذه القراءة عند من جوزها أن يكون المحشورون المسؤولون هم: الأصنام والأوثان، يحييها الله فتقول ذلك. ثم قال
وقال ابن زيد معناه، فقد كذبكم أيها المؤمنون هؤلاء الكفار بما جاء به محمد ﷺ من عند الله أي: بما تقولون من الحق.
قال: أبو عبيد تقديره فقد كذبوكم فيما يقولون. هذا كله على قراءة من قرأ بالتاء، فأما من قرأ بالياء فمعناه: فقد كذبوكم بقولهم: ﴿سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ﴾ الآية، ﴿فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً﴾.
قال: ابن جريج: معناه: صرف العذاب عنهم ولا ينتصرون.
وقيل: معناه: فريضة ولا نافلة.
قال ابن زيد: ينادي منادٍ يوم القيامة: مالكم لا تناصرون، أي: من عُبد من دون الله لم ينصر اليوم من عَبده.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً﴾ أي: من يشرك بالله فقد ظلم نفسه بذلك.
قال الحسن وابن جريج: الظلم هنا: الشرك
قال تعالى: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المرسلين إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطعام﴾، الآية: رد على المشركين الذين قالوا: ﴿مَالِ هذا الرسول يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِي فِي الأسواق﴾ أي: لقد علموا يا محمد أنه ما أرسل من قبلك من رسول إلا أنه ليأكل الطعام لأنه بشر من بني آدم، ويمشي في الأسواق فليس عليك في ذلك لا نقص ولا حجة.
قال الحسن: في معنى الآية، يقول هذا الأعمى: لو شاء الله لجعلني بصيراً مثل فلان، ويقول السقيم: لو شاء الله لجعلني صحيحاً مثل فلان.
وقال ابن جريج: يمسك عن هذا، ويوسع على هذا فيقول: لم / يعطين مثل ما أعطى فلاناً، ويُبتلى بالوجع كذلك فيقول: لم يجعلني ربي صحيحاً مثل فلان في أشباه ذلك من البلاء، ليعلم من يصبر ممن يجزع وقيل في معنى الآية، إن الشريف كان يريد أن يسلم فيمنعه من ذلك أن من هو دونه قد أسلم قبله فيقول: أعيّر بسبقه إياي. وإنه بعض الزمنى والفقراء كان يقول لم أكن غنياً صحيحاً فأسلم. ثم
قال الضاحك: معناه أتصبرون على الحق.
وقيل: معناه: لنعلم أتصبرون، وبه يتم الجواب، لقوله ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً﴾.
ثم قال تعالى: ﴿وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً﴾، أي: إن ربكم لبصير بمن يصبر، ويجزع،
قوله تعالى ذكره: ﴿وَقَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا الملائكة﴾،
أي وقال المشركون الذين لا يخافون العذاب، ولا يؤمنون ببعث ولا حساب لمحمد ﷺ: هلا أنزل علينا الملائكة فتخبرنا أنك رسول حقا
غلطوا في صفات الله جل ثناؤه، ولم يعلموا أنه لا يُرى في الدنيا فسألوا ما لا يمكن كونه، كما غلط اليهود إذ قالوا ﴿أَرِنَا الله جَهْرَةً﴾ [النساء: ١٥٣] وهذا مثل قولهم في سورة " سبحان " ﴿أَوْ تَأْتِيَ بالله والملائكة قَبِيلاً﴾ [الإسراء: ٩٢] ثم قال جل ذكره: ﴿لَقَدِ استكبروا في أَنفُسِهِمْ﴾ أي: تعظموا إذ سألوا مثل هذا الأمر الجليل وقوله ﴿وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً﴾، أي: تقول الملائكة لهؤلاء المشركين: حراماً محراماً عليكم اليوم البشرى، قاله الضاحك وقتادة. وأصل الحجر المنع، ومنه حجر القاضي على فلان، ومنه حِجر الكعبة لأنه لا يدخل إليه في الطواف.
قال أبو عبيدة: في معنى الآية: كان الرجل من العرب في الجاهلية إذا لقي رجلا في الشهر الحرام وبينه وبينه تِرة أو طلب، قال: حجراً محجوراً: أي: حرام عليك دمي وأذاي، قال: فإذا رأى المشركون الملائكة يوم القيامة قالوا: حجراً محجوراً: أي: حرام دماؤنا يظنون أنهم في الدنيا، وأن ذلك ينفعهم. وعن ابن عمر أنه قال: إذا كان يوم القيامة تلقت الملائكة المؤمنين بالبشرى، فإذا رأى ذلك الكفار قالوا لهم بشرونا، فتقول لهم الملائكة: حجراً محجوراً أي: حراماً محرماً عليكم البشرى فيأسون من الخير.
وقيل: المراد بالقدوم الملائكة لما كان الله تعالى: هو يقدمهم إلى ذلك أخبر عن نفسه به.
وقوله: ﴿فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً﴾، أي: باطلاً لا ينتفعون به. لأنهم للشيطان عملوا، والهباء الذي يرى كهيئة الغبار إذا دخل ضوء الشمس من كوة يحسبه الناظر غباراً، وليس بشيء تقبض عليه الأيدي، ولا تمسه، ولا يرى ذلك في الظل. هذا قول علي بن أبي طالب رضي الله عنهـ، وابن عباس وعكرمة والحسن، ومجاهد.
وعن ابن عباس أيضاً أنه قال: هو ما تسفيه الرياح من التراب وتذروه من
وعن ابن عباس: هو الماء المهراق، وهو جمع هبأة فالمعنى أن الله أحبط أعمالهم فلا نفع لهم فيها، كما لا نفع في هذا الغبار.
قال تعالى: ﴿أَصْحَابُ الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً﴾، وإنما أتى أفعل في هذا وقد علم أنه لا خير عند أصحاب النار، على معنى أنكم لما كنتم تعملون عمل أصحاب النار صرتم كأنكم تقولون: إن في ذلك خيراً، فخوطبوا على ظاهر أحوالهم، وما يؤول إليه أمرهم.
وقيل: المعنى: خير مستقراً مما أنتم فيه، وقال نفطويه في كتاب التوبة له:
والوجه الثاني: أن يكون الكلام إثباتا للأول ونفياً للثاني.
كقوله تعالى ﴿أَصْحَابُ الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً﴾، فهذا فيه نفي الخير عن النار وأصحابها، هذا معنى كلامه.
ومذهب سيبويه: أنها لا تأتي إلا لتفضيل اثنين يكون أحدهما أزيد من الآخر، إما في فضل، وإما في شر لا بد عنده أن يكون في الذي معه " من " أو الذي يضاف إليه " أفعل " بعض ما في الأول.
تقول: زيد أفضل من عمرو، وعمرو أفضل القوم، فالثاني فيه بعض ما في الأول.
وقيل: خير ليست من أفعل، إنما هي خير التي في قولك: زيد فيه خير،
وقد روي: أن أهل الجنة لا يمر بهم في الآخرة إلا قدر ميقات النهار، من أوله إلى وقت القائلة حتى يسكنوا في الجنة مساكنهم، فذلك معنى قوله تعالى ﴿وَأَحْسَنُ مَقِيلاً﴾،.
قال ابن عباس: قالوا في الغرف في الجنة، وكان حسابهم أن عرضوا على
وقال: الأعمش: عن ابراهيم في الآية: كانوا يرون أنه يفرغ من حساب الناس يوم القيامة إلى نصف النهار، فيقيل هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار.
وقال ابن جريرج، لم ينتصف النهار حتى قضي بينهم، فقال أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار.
وروى ابن جبير عن ابن مسعود وابن عباس: أنه قال: لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار ثم قرأ: ﴿أَصْحَابُ الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً﴾.
وفي بعض الروايات عن النبي ﷺ أنه قال: " إن يوم القيامة يقصر على المؤمن
قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السمآء بالغمام﴾، الآية أي: تشقق عن الغمام كما يقال: رميت / بالقوسى، وعن القوس، وعلى القوس بمعنى واحد.
قيل: ذلك غمام أبيض، مثل الغمام الذي ظل على بني إسرائيل.
وقال مجاهد هذا الغمام هو قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغمام﴾ [البقرة: ٢١٠].
وقال ابن جريج: الغمام الذي يأتي الله فيه هو غمام في الجنة. وقال ابن عباس: إن هذه السماء إذا انشقت نزل منها من الملائكة أكثر من الجن والإنس وهو يوم التلاق، يلتقي أهل السماوات وأهل الأرض، فيقول أهل الأرض: جاء
وصف الله جل ذكره وثناؤه بالمجيء، والإتيان ليس على جهة الانتقال من مكان إلى مكان، إنما هو ثفة له تعالى، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١].
وقد قيل: إن معناه: يأتي أمره، ويجيء أمره، والله أعلم بحقيقة ذلك فلا ينبغي لأَحدٍ أن يعتقد في صفات الله جل ذكره ما يعتقد في صفات المحدثين، وعليه أن يتذكر قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١] ويسلم الأمر إليه، ولا يتعدى في صفات الله
قال: ﴿الملك يَوْمَئِذٍ الحق للرحمن﴾، أي: الملك الذي هو حق لا دَخَل فيه، للرحمن يوم القيامة، إذ الملك الزائِلُ كلا مُلكٍ. وأجاز الزجاج، " الحق " بالنصب على معنى أحق الحق وأعني الحق، ولم يقرأ به أحد.
قوله: ﴿وَكَانَ يَوْماً عَلَى الكافرين عَسِيراً﴾، أي: كان يوم تشقق فيه السماء بالغمام، وتنزل الملائكة على الكافرين، يوماً ضيقاً شديداً صعباً.
قوله تعالى ذكره: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ﴾.
أي: واذكر يا محمد يوم يعض الظالم نفسه، المشرك بربه على يديه، تندما وأسفا على فرط في جنب الله يقول: يا ليتني اتخذت في الدنيا مع الرسول سبيلاً،
وقال: الشعبي: كان عقبة بن أبي معيط خليلا لأمية بن خلف. فأسلم عقبة، فقال أمية، وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمداً فكفر، فهو الذي قال: ﴿ياويلتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً﴾ يعني أمية بن خلف.
وقال: مقسم: اجتمع عقبة بن أبي معيط، وأبي بن خلف وكانا خليلين، فقال أحدهما: بلغني أنك أتيت محمداً، فاستمعت منه، والله لا أرض عنك حتى تتفل
وقال مجاهد دعا عقبة بن أبي معيط مجلساً فيهم النبي ﷺ لطعام، فأبى النبي عليه السلام أن يأكل فقال: لا آكل حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فقالها، فلقيه أمية بن خلف، فقال: صبوت، فقال، إن أخاك على ما تعلم، ولكني صنعت طعاماً، فأبى أن يأكل حتى أقول ذلك فقتله، وليس من نفسي، فأما
روي: أنه يعض على يديه يوم القيامة، أسفاً على ما فاته من الإسلام، وما فعل من الكفر، فيأكلها حتى يبلغ إلى المرافق ثم تنبت، فلا يزال هكذا كلما أكلها تنبت، ندامة على ما فرط ويقول: ﴿ياويلتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً﴾ يعني: أبي بن خلف الذي رده عن الإيمان.
وقال مجاهد: عني بفلان: الشيطان. وهو قول: أبي رجاء، فالظالم كل من كفر بالله، واتبع خطوات الشيطان فيندم على ذلك يوم القيامة، ويعض على
أي : واذكر يا محمد يوم يعض الظالم نفسه٢، المشرك بربه على يديه، تندما وأسفا على ما فرط٣ في جنب الله يقول : يا ليتني اتخذت في الدنيا مع الرسول سبيلا، أي : طريقا إلى الجنة وإلى النجاة٤ من عذاب الله. والظالم هنا٥ : عقبة ابن أبي معيط٦، وأبي بن خلف وكانا خليلين، فقال أحدهما : بلغني أنك أتيت محمدا، فاستمعت منه، والله لا أرض عنك حتى تتفل في وجهه، وتكذبه، فلم يسلطه الله على ذلك، فقتل عقبة يوم بدر صبرا٧، وأما أبي بن خلف فقتله النبي٨ يوم أحد٩ في القتال، وهما١٠ اللذان ذكرا في هذه الآية.
وقال مجاهد١١ دعا عقبة بن أبي معيط مجلسا فيهم النبي صلى الله عليه وسلم لطعام١٢، فأبى النبي عليه١٣ السلام أن يأكل فقال١٤ : لا آكل حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فقالها، فلقيه١٥ أمية بن خلف، فقال : صبوت، فقال، إن١٦ أخاك على ما تعلم، ولكني صنعت طعاما، فأبى أن يأكل حتى أقول١٧ ذلك فقلته، وليس من نفسي، فأما عقبة فكان في الأسرى١٨ يوم بدر١٩، فأمر النبي صلى٢٠ الله عليه وسلم بقتله فقال : أقتل دونهم، فقال : نعم بكفرك وعتوك، فقال من للصبية ؟ فقال : النار، فقام٢١ علي / بن أبي طالب فقتله، وأما أبي بن خلف، فقتله النبي صلى الله عليه وسلم٢٢ بيده، وكان قد قال : والله لأقتلن محمدا، بلغ ذلك النبي عليه السلام٢٣ فقال : أنا أقتله إن شاء الله، فالعاض على يديه هو عقبة.
روي٢٤ : أنه يعض على يديه يوم القيامة، أسفا على ما فاته من الإسلام، وما فعل من الكفر، فيأكلها حتى يبلغ إلى مرافق ثم تنبت، فلا يزال هكذا كلما أكلها تنبت، ندامة٢٥ على ما فرط ويقول٢٦ :﴿ يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ﴾[ ٢٨ ] يعني : أبي بن٢٧ خلف الذي رده عن الإيمان٢٨.
وقيل٢٩، عني٣٠ بالظالم٣١ : كل ظالم ظلم نفسه بالكفر بالله، ولذلك قال ﴿ يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا٣٢ ﴾[ ٢٨ ]، فأتى بلفظ فلان الذي يصلح أيضا لكل إنسان، فالظالم٣٣ اسم عام، وفلان٣٤ اسم عام، فالندم والتحسر٣٥ يكون من كل ظالم لنفسه بالكفر. ومعنى ﴿ لقد أضلني٣٦ ﴾ لقد أضللت٣٧ بقوله ومساعدته على الكفر واتباعي له.
وقال مجاهد : عني بفلان : الشيطان. وهو قول٣٨ : أبي رجاء٣٩، فالظالم٤٠ كل من كفر بالله، واتبع خطوات الشيطان فيندم٤١ على ذلك يوم القيامة، ويعض على يديه ويقول :﴿ لقد أضلني عن الذكر ﴾[ ٢٩ ] أي : أضلني الشيطان عن الإيمان بالقرآن بعد إذ٤٢ جاءني من عند الله، ودل على هذا التأويل قوله، بعقب٤٣ الآية.
﴿ وكان الشيطان للإنسان خذولا ﴾[ ٢٩ ]، أي : يسلمه٤٤ لما ينزله٤٥ به من البلاء ويخذله٤٦ فلا ينجيه منه٤٧.
وقالت٤٨ : الرافضة٤٩ لعنها الله : هما رجلان معروفان، وذكروا رجلين من أجلّ٥٠ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كذبا منهم وبهتانا.
٢ ز: لنفسه..
٣ ز: فرضت..
٤ ز: النجات..
٥ انظر: أبو السعود ٤/١٣٢..
٦ هو عقبة بن أبان بن ذكوان بن أمية بن عبد شمس: من مقدمي قريش في الجاهلية. كنيته: أبو الوليد، وكنية أبيه، أبو معيط كان شديدا الأذى للمسلمين عند ظهور الدعوة، فأسروه يوم بدر، وقتلوه ثم صلبوه، وهو أول مصلوب في الإسلام. وذلك سنة٢هـ انظر: نهاية الأرب ص٢٩٧، وابن الأثير ٢/٢٧، وأعلام ٥/٣٦..
٧ انظر: اللسان ٤/٤٣٨ مادة: صبر..
٨ بعده في ز "عليه السلام"..
٩ أحد: بضم أوله وثانيه معا، اسم الجبل الذي كانت عنده غزوة أحد، وهو جبل أحمر، وبينه وبين المدينة قرابة ميل في شماليها، وعنده كانت الوقعة العظيمة التي قتل فيها حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم، وسبعون من المسلمين، وكسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم، وشج وجهه الشريف، وكان يوم بلاء، وتمحيض، وذلك لسنتين وتسعة أشهر وسبعة أيام من مهاجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
١٠ ز: وهذان..
١١ انظر: ابن جرير ١٩/٢، وزاد المسير ٦/٨٥، والرازي٢٤/٧٥، والخازن ٥/٩٩، والدر المنثور١٩/٢٥٢، وأبو السعود٤/١٣٢، وروح المعاني١٩/١١..
١٢ ز: بطعام..
١٣ "عليه السلام" سقطت من ز..
١٤ ز: وقال..
١٥ ز: فلقيت..
١٦ ز: إنني..
١٧ ز: أقل..
١٨ ز: الأسر..
١٩ غزوة بدر أول غزوة كبرى بين المسلمين والمشركين من أهل مكة، حدثت في السابع من رمضان في العام الثاني للهجرة، وبدر هذه بئر تقع في الجنوب الغربي للمدينة، وكانت محطا للقوافل..
٢٠ ز: عليه السلام..
٢١ ز: فقال..
٢٢ ز: عليه السلام..
٢٣ صلى الله عليه وسلم..
٢٤ ز: وروي..
٢٥ ز: ندامت..
٢٦ ز: ويقول..
٢٧ ز: أمية بن خلف..
٢٨ انظر: زاد المسير٦/٨٦، والبحر٦/٤٩٥، والدر المنثور١٩/٢٥٢، وروح المعاني ١٩/١٢..
٢٩ انظر: التسهيل ٣/١٦٧، ومجمع البيان ١٩/١٠٢..
٣٠ ز: عن..
٣١ ز: "الظالم"..
٣٢ بعدها في ز: خليلا..
٣٣ ز: والظالم..
٣٤ "النوع" من و"فلان" سقطت من ز..
٣٥ ز: التخسير..
٣٦ بعده في ز: "عن الذكر" وبعده: "أي"..
٣٧ ز: ظللت..
٣٨ انظر: القرطبي١٣/٢٦..
٣٩ هو رجاء بن حيوة بن جرول الكندي، أبو المقدام: شيخ أهل الشام في عصره، من الوعاظ الفصحاء العلماء، كان ملازما لعمر بن عبد العزيز في عهد الإمارة والخلافة، واستكتبه سليمان بن عبد الملك وهو الذي أشار على سليمان باستخلاف عمر. انظر: تذكرة الحفاظ ١/١١١، وتهذيب التهذيب ٣/٢٦٥، وحلية الأولياء ٥/١٧٠، وابن خلكان١/٨٧ والأعلام٣/٤٣-٤٤..
٤٠ ز: والظالم..
٤١ ز: فندم..
٤٢ ز: إذا..
٤٣ ز: يعقب..
٤٤ ز: سلمه..
٤٥ ز: ينزل..
٤٦ ز: ويتخذ..
٤٧ "منه" سقطت من ز..
٤٨ انظر: الرازي ٢٤/٧٥-٧٦..
٤٩ انظر: الفر بين الفرق لعبد القاهر البغدادي ص٢٢، ومقالات الإسلاميين ص١٠١..
٥٠ "أجل" سقطت من ز..
أي : واذكر يا محمد يوم يعض الظالم نفسه٢، المشرك بربه على يديه، تندما وأسفا على ما فرط٣ في جنب الله يقول : يا ليتني اتخذت في الدنيا مع الرسول سبيلا، أي : طريقا إلى الجنة وإلى النجاة٤ من عذاب الله. والظالم هنا٥ : عقبة ابن أبي معيط٦، وأبي بن خلف وكانا خليلين، فقال أحدهما : بلغني أنك أتيت محمدا، فاستمعت منه، والله لا أرض عنك حتى تتفل في وجهه، وتكذبه، فلم يسلطه الله على ذلك، فقتل عقبة يوم بدر صبرا٧، وأما أبي بن خلف فقتله النبي٨ يوم أحد٩ في القتال، وهما١٠ اللذان ذكرا في هذه الآية.
وقال مجاهد١١ دعا عقبة بن أبي معيط مجلسا فيهم النبي صلى الله عليه وسلم لطعام١٢، فأبى النبي عليه١٣ السلام أن يأكل فقال١٤ : لا آكل حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فقالها، فلقيه١٥ أمية بن خلف، فقال : صبوت، فقال، إن١٦ أخاك على ما تعلم، ولكني صنعت طعاما، فأبى أن يأكل حتى أقول١٧ ذلك فقلته، وليس من نفسي، فأما عقبة فكان في الأسرى١٨ يوم بدر١٩، فأمر النبي صلى٢٠ الله عليه وسلم بقتله فقال : أقتل دونهم، فقال : نعم بكفرك وعتوك، فقال من للصبية ؟ فقال : النار، فقام٢١ علي / بن أبي طالب فقتله، وأما أبي بن خلف، فقتله النبي صلى الله عليه وسلم٢٢ بيده، وكان قد قال : والله لأقتلن محمدا، بلغ ذلك النبي عليه السلام٢٣ فقال : أنا أقتله إن شاء الله، فالعاض على يديه هو عقبة.
روي٢٤ : أنه يعض على يديه يوم القيامة، أسفا على ما فاته من الإسلام، وما فعل من الكفر، فيأكلها حتى يبلغ إلى مرافق ثم تنبت، فلا يزال هكذا كلما أكلها تنبت، ندامة٢٥ على ما فرط ويقول٢٦ :﴿ يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ﴾[ ٢٨ ] يعني : أبي بن٢٧ خلف الذي رده عن الإيمان٢٨.
وقيل٢٩، عني٣٠ بالظالم٣١ : كل ظالم ظلم نفسه بالكفر بالله، ولذلك قال ﴿ يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا٣٢ ﴾[ ٢٨ ]، فأتى بلفظ فلان الذي يصلح أيضا لكل إنسان، فالظالم٣٣ اسم عام، وفلان٣٤ اسم عام، فالندم والتحسر٣٥ يكون من كل ظالم لنفسه بالكفر. ومعنى ﴿ لقد أضلني٣٦ ﴾ لقد أضللت٣٧ بقوله ومساعدته على الكفر واتباعي له.
وقال مجاهد : عني بفلان : الشيطان. وهو قول٣٨ : أبي رجاء٣٩، فالظالم٤٠ كل من كفر بالله، واتبع خطوات الشيطان فيندم٤١ على ذلك يوم القيامة، ويعض على يديه ويقول :﴿ لقد أضلني عن الذكر ﴾[ ٢٩ ] أي : أضلني الشيطان عن الإيمان بالقرآن بعد إذ٤٢ جاءني من عند الله، ودل على هذا التأويل قوله، بعقب٤٣ الآية.
﴿ وكان الشيطان للإنسان خذولا ﴾[ ٢٩ ]، أي : يسلمه٤٤ لما ينزله٤٥ به من البلاء ويخذله٤٦ فلا ينجيه منه٤٧.
وقالت٤٨ : الرافضة٤٩ لعنها الله : هما رجلان معروفان، وذكروا رجلين من أجلّ٥٠ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كذبا منهم وبهتانا.
٢ ز: لنفسه..
٣ ز: فرضت..
٤ ز: النجات..
٥ انظر: أبو السعود ٤/١٣٢..
٦ هو عقبة بن أبان بن ذكوان بن أمية بن عبد شمس: من مقدمي قريش في الجاهلية. كنيته: أبو الوليد، وكنية أبيه، أبو معيط كان شديدا الأذى للمسلمين عند ظهور الدعوة، فأسروه يوم بدر، وقتلوه ثم صلبوه، وهو أول مصلوب في الإسلام. وذلك سنة٢هـ انظر: نهاية الأرب ص٢٩٧، وابن الأثير ٢/٢٧، وأعلام ٥/٣٦..
٧ انظر: اللسان ٤/٤٣٨ مادة: صبر..
٨ بعده في ز "عليه السلام"..
٩ أحد: بضم أوله وثانيه معا، اسم الجبل الذي كانت عنده غزوة أحد، وهو جبل أحمر، وبينه وبين المدينة قرابة ميل في شماليها، وعنده كانت الوقعة العظيمة التي قتل فيها حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم، وسبعون من المسلمين، وكسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم، وشج وجهه الشريف، وكان يوم بلاء، وتمحيض، وذلك لسنتين وتسعة أشهر وسبعة أيام من مهاجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
١٠ ز: وهذان..
١١ انظر: ابن جرير ١٩/٢، وزاد المسير ٦/٨٥، والرازي٢٤/٧٥، والخازن ٥/٩٩، والدر المنثور١٩/٢٥٢، وأبو السعود٤/١٣٢، وروح المعاني١٩/١١..
١٢ ز: بطعام..
١٣ "عليه السلام" سقطت من ز..
١٤ ز: وقال..
١٥ ز: فلقيت..
١٦ ز: إنني..
١٧ ز: أقل..
١٨ ز: الأسر..
١٩ غزوة بدر أول غزوة كبرى بين المسلمين والمشركين من أهل مكة، حدثت في السابع من رمضان في العام الثاني للهجرة، وبدر هذه بئر تقع في الجنوب الغربي للمدينة، وكانت محطا للقوافل..
٢٠ ز: عليه السلام..
٢١ ز: فقال..
٢٢ ز: عليه السلام..
٢٣ صلى الله عليه وسلم..
٢٤ ز: وروي..
٢٥ ز: ندامت..
٢٦ ز: ويقول..
٢٧ ز: أمية بن خلف..
٢٨ انظر: زاد المسير٦/٨٦، والبحر٦/٤٩٥، والدر المنثور١٩/٢٥٢، وروح المعاني ١٩/١٢..
٢٩ انظر: التسهيل ٣/١٦٧، ومجمع البيان ١٩/١٠٢..
٣٠ ز: عن..
٣١ ز: "الظالم"..
٣٢ بعدها في ز: خليلا..
٣٣ ز: والظالم..
٣٤ "النوع" من و"فلان" سقطت من ز..
٣٥ ز: التخسير..
٣٦ بعده في ز: "عن الذكر" وبعده: "أي"..
٣٧ ز: ظللت..
٣٨ انظر: القرطبي١٣/٢٦..
٣٩ هو رجاء بن حيوة بن جرول الكندي، أبو المقدام: شيخ أهل الشام في عصره، من الوعاظ الفصحاء العلماء، كان ملازما لعمر بن عبد العزيز في عهد الإمارة والخلافة، واستكتبه سليمان بن عبد الملك وهو الذي أشار على سليمان باستخلاف عمر. انظر: تذكرة الحفاظ ١/١١١، وتهذيب التهذيب ٣/٢٦٥، وحلية الأولياء ٥/١٧٠، وابن خلكان١/٨٧ والأعلام٣/٤٣-٤٤..
٤٠ ز: والظالم..
٤١ ز: فندم..
٤٢ ز: إذا..
٤٣ ز: يعقب..
٤٤ ز: سلمه..
٤٥ ز: ينزل..
٤٦ ز: ويتخذ..
٤٧ "منه" سقطت من ز..
٤٨ انظر: الرازي ٢٤/٧٥-٧٦..
٤٩ انظر: الفر بين الفرق لعبد القاهر البغدادي ص٢٢، ومقالات الإسلاميين ص١٠١..
٥٠ "أجل" سقطت من ز..
﴿وَكَانَ الشيطان لِلإِنْسَانِ خَذُولاً﴾، أي: يسلمه لما ينزله به من البلاء ويخذله فلا ينجيه منه.
وقالت: الرافضة لعنها الله: هما رجلان معروفان، وذكروا رجلين من أجلّ أصحاب النبي ﷺ، كذباً منهم وبهتاناً.
قال تعالى: ﴿وَقَالَ الرسول يارب﴾، الآية: أي: يقول الرسول يوم يعض الظالم على يديه: يا رب إن قومي الذين بعثتني إليهم بالقرآن: اتخذوه مهجوراً.
قال مجاهد: يهجرون فيه بالقول فيقولون هو سحر.
قال تعالى ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً﴾ الآية، أي: وكما جعلنا لك يا محمد أعداء من مشركي قومك، كذلك جعلنا لكل نبي عدوا، فلم نخصصك بذلك من بينهم، فعلم النبي أنه جاعل له عدوا من المجرمين كما جعل لمن قبله.
قال ابن عباس، يراد به: أبو جهل.
ثم قال: ﴿وكفى بِرَبِّكَ هَادِياً﴾ فمن نصب هادياً على الحال أو على البيان، ومعناه، كفاك ربك هادياً يهديك إلى الحق، ويبصرك الرشد، ﴿وَنَصِيراً﴾، أي: وناصراً على إهدائك.
قال تعالى: ﴿وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ﴾ أي: قال
قال الله تعالى وجل ذكره: ﴿لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾، أي: فرقنا نزوله، لنثبت به فؤادك فلا بد من إضمار فعلٍ إذا وقفت على كذلك.
وقيل، الوقف على " واحدة "، ثم تبتدئ ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ﴾.
أي نزل متفرقاً لنثبت به فؤادك.
وقيل، إن " ذا " من كذلك: إشارة إلى التوراة. أي: لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة مثل ذلك أي: مثل التوراة، فتقف على ﴿كَذَلِكَ﴾، وتبتدئ ﴿لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾، أي: فعلنا ذلك لنثبت، أي: ونزلناه متفرقا لنثبت، فتضمر ما يتعلق به اللام، ويكون الكاف في موضع نصب نعت لجملة. ومن ابتدأ بكذلك جعل الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف أي: نزلناه تنزيلاً
فكان ذلك تثبيتا لفؤاده وأفئدتهم، وبين الله هذا المعنى بقوله: ﴿وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بالحق وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً﴾ [الفرقان: ٣٣]، فكان في نزوله متفرقاً الصلاح، والرشد، ولو نزل جملة لكان قد سبق الحوادث التي ينزل فيها القرآن، ولو نزل جملة واحدة بما فيه من الفرائض لثقل ذلك عليهم، فعلم الله جل ثناؤه ما فيه من الصلاح، فأنزله متفرقاً، ولو نزل جملة لزال معنى التثبيت، ولم يكن فيه ناسخ ولا منسوخ، إذ لا يجوز أن يأتي في مرة واحدة افعلوا كذا ولا تفعلوا.
وقيل معنى: ﴿لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ لتعيه. لأنه لم يكن ﷺ: يكتب، فلو نزل مرة واحدة، لصعب عليه حفظه مرة واحدة، ولشق ذلك عليه، فأنزله الله متفرقاً شيئاً بعد شيء، ليسهل عليه حفظه، وليعيه على وجهه.
و" ذا " من كذلك إشارة إلى التفريق، والمعنى أنزلناه متفرقاً ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾، فالوقف على هذا على ﴿وَاحِدَةً﴾،. وقيل: ذا: إشارة إلى التوراة والإنجيل: قاله الفراء وغيره. فيكون الوقف " كذلك "، وفيه بعدٌ لأنه إشارة إلى ما لم يجر له ذكر، فأما القول الاول: فإن معنى التفريق قد تضمنه قولهم: ﴿لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾، لأن معناه لم نزل متفرقا؟ فقال الله تعالى نزل: ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾، أي: نزل متفرقاً لنثبت به فؤادك يا محمد.
وقيل: إن " ذا " إشارة إلى التثبيت، أي: تثبيتا كذلك التثبيت.
قال ابن زيد ﴿وَرَتَّلْنَاهُ﴾، بيناه، وفسرناه.
قوله تعالى ذكره: ﴿وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بالحق﴾.
أي: ليس يأتيك يا محمد هؤلاء المشركون بمثل يضربونه لك، ليحتجوا به عليك إلا جئناك من الحق أي: من القرآن بما يُبْطِلُ ما جاءوا به. ﴿وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً﴾، أي: أحسن تفصيلاً.
قال: ﴿الذين يُحْشَرُونَ على وُجُوهِهِمْ إلى جَهَنَّمَ﴾، أي: الذين يساقون يوم القيامة على وجوههم إلى جهنم شر مستقراً في الدنيا والآخرة، من أهل الجنة في الجنة، وأضل منهم طريقاً في الدنيا.
قال مجاهد: الذي أمشاهم على أرجلهم، قادر أن يمشيهم على وجوههم إلى جهنم.
قال أبو هريرة: يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف. صنف على الدواب، وصنف على أقدامهم، وصنف على وجوههم. فقيل له: كيف يمشون على وجوههم قال: إن الذي أمشاهم على أقدامه قادر أن يمشيهم على وجوههم.
وقيل: إن هذا تمثيل. كما تقول: ستمضي على وجهك أي: كارهاً.
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب﴾، الآية، اي: آتينا موسى التوراة. كما آتيناك يا محمد القرآن ﴿وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً﴾ أي: معيناً وظهيراً
وقال الفراء: المأمور بالذهاب في المعنى موسى وحده، بمنزلة قوله تعالى: ﴿فَنَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ [الكهف: ٦١] والناسي يوشع وحده. وبمنزلة ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ﴾ [الرحمن: ٢٢] وإنما يخرجان من الملح. وهذا قول مردود لأنه قد كرر في كثير من الآيات إرسال هارون مع موسى إلى فرعون، فلا يحتاج فيه إلى هذا المجاز.
والوقف ﴿بِآيَاتِنَا﴾، وقرئت ﴿فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً﴾، على الخبر عن موسى وهارون. وقرئت ﴿فدمِّرانِهم﴾، على الأمر لموسى وهارون
قال تعالى: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ الرسل أَغْرَقْنَاهُمْ﴾، أي: واذكر قوم نوح.
وقيل: هو معطوف على المفعول في ﴿فَدَمَّرْنَاهُمْ﴾ [الفرقان: ٣٦].
وقيل: التقدير: وأغرقنا قوم نوح، لما كذبوا الرسل أغرقناهم وهذا حسن. والمعنى: وأغرقنا قوم نوح من قبل قوم فرعون لما كذبوا الرسل ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً﴾.
وقوله: ﴿لَّمَّا كَذَّبُواْ الرسل﴾، قيل: إنهم كذبوا رسلاً قبل نوح فلذلك جمع.
وقيل: إن من كذَّب نبياً، فقد كذب جميع الأنبياء. فجمع على المعنى.
قال: ﴿وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ الرس﴾، كل هذا معطوف على قوم نوح أي: واذكر.
وقيل: ذلك معطوف على الضمير في ﴿جَعَلْنَاهُمْ﴾.
وقيل: التقدير: وأعتدنا للظالمين عذاباً أليماً، وعبنا عاداً وثموداً.
وقوله: ﴿وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً﴾، أي: وتبرنا كلاً، أي: أهلكنا كلاً وقوله: ﴿وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الأمثال﴾، أي: وذكرنا كلاً، ووعظنا كلاً ﴿ضَرَبْنَا لَهُ الأمثال﴾، فتضمر هذا ونحوه، لأن ضرب الأمثال وعظ وتذكير. وقيل: وعاداً وما بعده معطوف على المفعول في ﴿فَدَمَّرْنَاهُمْ﴾، أي: دمرنا عاداً وثموداً
قال ابن عباس: أصحاب الرس قرية من ثمود.
وقال قتادة الرس: قرية من اليمامة يقال لها الفلج.
وعن ابن عباس وعكرمة: الرس: بئر. وقاله مجاهد.
قال أبو عبيدة الرس: المعدن، وصاحب الرس: نبي يقال له: حنظلة بن صفوان: قتلوه وطرحوه في البئر.
والرس عند جماعة من أهل اللغة: الركية التي لم تصلو.
، وقد حكى الله عن أصحاب الرس أنه دمرهم، إلآ أن يكونوا أحدثوا حدثاً بعد نبيهم.
وقوله: ﴿وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً﴾، أي: ودمرنا قروناً بين أضعاف هذه الأمم التي ذكرنا.
قال قتادة: القرن سبعون سنة.
وقيل: القرن أربعون سنة.
قوله تعالى ذكره: ﴿وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى القرية التي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السوء﴾.
أي ولقد أتى هؤلاء الذين اتخذوا القرآن مهجوراً على القرية التي أمطرت
وقال ابن عباس خمس قريات أهلك الله أربعا، وبقيت الخامسة واسمها سفن كان أهلها لا يعملون ذلك العمل، وكانت سدوم أعظمها وهي التي نزل لوط، ومنها بعث، وكان إبراهيم صلى الله عليه [وسلم]، ينادي نصيحة لهم يا سدوم يوم لكم من الله أنهاكم أن تتعرضوا للعقوبة من الله، وكان لوط ابن أخي إبراهيم.
ثم قال ﴿أَفَلَمْ يَكُونُواْ / يَرَوْنَهَا﴾، أي: أفلم يكن هؤلاء المشركون يرون تلك القرية وما نزل بها، فيحذروا أن ينزل بهم مثل ذلك.
وقيل: المعنى: بل كانوا لا يرجون ثواب الله عند النشور، فاجترأوا على المعاصي.
قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً﴾، أي: وإذا رآك يا محمد هؤلاء المشركون ما يتخذونك إلا هزؤاً، أي: سخرياً يسخرون منك يقولون: ﴿أهذا الذي بَعَثَ الله رَسُولاً﴾، من بين خلقه، احتقارا له. ﴿إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا﴾، أي: قد كاد يضلنا ﴿عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا﴾، أي: على عبادتها.
قال الله جل ذكره: ﴿وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ العذاب مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾ أي: سيتبين لهم حين يعاينون عذاب الله، ويحل بهم، من السالك سبيل الردى والراكب طريق الهدى أنت أم هم.
قال تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ﴾، أي: جعل إلهه ما يشتهي،
وقيل: معناه: أفأنت تكون عليه حفيظاً، في أفعاله مع عظيم جهله.
وقيل: معناه أفأنت يمكنك صرفه عن كفره، ولا يلزمك ذلك، إنما عليك البلاغ والبيان. أي: لست بمأخوذ بكفرهم، ادع إلى الله وبين ما أرسلت به فهذا ما يلزمك لا غير.
قال تعالى: ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ﴾، أي: يسمعون ما يتلى عليهم، فيعون أو يعقلون، ما يعاينون من حجج الله فيفهمون ﴿إِنْ هُمْ إِلاَّ كالأنعام﴾، أي ما هم إلا كالأنعام التي لا تعقل ما يقال لها: ﴿بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾،
وقيل، لأن الأنعام تسيح وتجتنب مضارها.
وقيل: لما كانوا لا ينتفعون بما يسمعون، كا، وا كأنهم لم يسمعوا ولم يعقلوا.
قال: ﴿أَلَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظل﴾،. مد الظل هو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
وقيل له ممدود، لأنه لا شمس معه، ولذلك قال في ظل الجنة: ﴿وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ﴾ [الواقعة: ٣٠] أي ليس معه شمس قاله ابن عباس، وابن جبير، وعكرمة
ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً﴾، أي: دائما لا تذهبه الشمس ولا تنقصه. قاله ابن عباس، وقتادة، وابن زيد يعنون كظل الجنة الذي لا تذهبه شمس.
وقال مجاهد: لا تيصبه الشمس ولا يزول. وقال الحسن: لو شاء لتركه ظلاً كما هو.
وقيل: هو من غيبوبة الشمس إلى طلوعها. لأن الظل في هذه المدة يعم الأرض ومن عليها ﴿وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً﴾، أي: لأقامه أبداً بمنع طلوع الشمس بعد غيبوبتها، فلما طلعت الشمس دلت على زوال الظل، وبدا فيها
وقوله: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا الشمس عَلَيْهِ دَلِيلاً﴾، أي: ثم دللناكم بنسخ الشمس إياه عند طلوعهما / عليه، أنه خلق من خلق ربكم يوجده إذا شاء، ويغيبه إذا أراد، أي: ثم جعلنا الشمس على الظل دليلاً.
وقوله: جل ذكره: ﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً﴾، أي: قبضنا ذلك الدليل من الشمس على الظل إلينا قبضاً خفياً سريعاً بالشمس الذي يأتي فتنسخه.
قال مجاهد ثم قبضناه: جري الشمس إياه.
وقيل: إن الهاء في ﴿قَبَضْنَاهُ﴾، عائدة على الظل، فمعنى الكلام ثم قبضنا الظل إلينا بعد غروب الشمس، وذلك أن الظل إذا غربت الشمس يعود فيقبضه الله بدخول الظلمة عليه قبضاً خفياً، ليس يذهبه مرة واحدة، بل يذهب قليلاً قليلاً.
وقال مجاهد: يسيراً: خفياً.
قال ابن جريج: مثل قول مجاهد وزاد: إنما بين الشمس والظل مثل الخيط.
وقال: ﴿دَلِيلاً﴾ والشمس مؤنثة لأنه ذهب إلى الضوء.
وقيل: ذكر لأن الشمس لا علامة فيها للتأنيث.
وذهب أبو عبيدة: أن العرب تقول: هي عديلي للتي تعادله، وهي وحي.
قوله تعالى ذكره: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اليل لِبَاساً﴾.
أي: والذي مد الظل، ثم جعل الشمس عليه دليلاً، هو الذي جعل لكم الليل لباساً أي: ستراً وجُنة تسكنون فيه: فصار ستراً تستترون في ظلمته، كما
وقوله: ﴿والنوم سُبَاتاً﴾، أي: راحة تستريح به أبدانكم، وتهدأ جوارحكم.
وقوله: ﴿وَجَعَلَ النهار نُشُوراً﴾، أي: يقظة وحياة من قولهم نشر الميت إذا حيي.
قال تعالى: ﴿وَهُوَ الذي أَرْسَلَ الرياح بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾، أي: أرسل الرياح الملقحة حياة أمام رحمته، وهي المطر، ثم قال: ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً طَهُوراً﴾، الطهور فعول من أبنية المبالغة، والفرق بين طهور وطاهر: أن الطهور يكون طاهراً مطهراً لما فيه من المبالغة، لأن بناء فعول للمبالغة وضع، ولولا معنى المبالغة التي أحدثت بنيته، مما جاز أن يدل على أنه مطهر لغيره، لأن فعله: طَهَر أو طَهُر وكلاهما غير
قال: ﴿لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً﴾، إنما جاء ميتاً على التذكير لأن البلدة والبلد سواء.
وقيل: إنه رده على الموضع لأن البلدة موضع ومكان.
ثم قال تعالى: ﴿وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً﴾، أي: نسقي هذا الماء الذي أنزلنا من السماء ﴿أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً﴾.
قال الأخفش: واحد الأناسي: إنسي، ككرسي، وكراسي. قاله المبرد،
قال تعالى ذكره ": ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ﴾، أي: قسمنا هذا الماء بين الخلق ليذكروا نعم الله عليهم ويشكروا ﴿فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُوراً﴾، أي: فأبى أكثرهم إلا جحوداً لنعم الله تعالى عليهم.
وقال ابن عباس: ما عام أكثر من عام مطرا، ولكن الله يصرفه بين خلقه في الأرضين كيف يشاء. ثم قرأ الآية.
وقال ابن مسعود ليس عام أمطر من عام، ولكن الله يصرفه، ثم قرأ الآية.
وقوله: ﴿فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُوراً﴾، يقولون مطرنا بنوء كذا.
قال تعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً﴾، أي: لو شئنا لأرسلنا إلى أهل كل مصر نذيراً ينذرهم بأمر الله / فيخف عنك يا محمد كثير من عبء ما
وقيل " به " : الإسلام٤، قاله ابن زيد٥.
وقيل : معناه :﴿ وجاهدهم ﴾[ ٥٠ ]، بترك الطاعة لهم، لقوله :﴿ فلا تطع الكافرين ﴾[ ٥٢ ].
٢ ز: شأنا..
٣ ز: كثيرا من تعب..
٤ ز: القرا..
وقيل " به ": الإسلام، قاله ابن زيد.
وقيل: معناه: ﴿وَجَاهِدْهُمْ﴾، بترك الطاعة لهم، لقوله: ﴿فَلاَ تُطِعِ الكافرين﴾.
قوله تعالى ذكره: ﴿وَهُوَ الذي مَرَجَ البحرين هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ﴾.
أي: والله الذي خلط البحرين الحلو والملح في رأي: العين، ومرج بمعنى خلط.
وقيل: معناه: خلى.
وقال ابن زيد: ستراً.
﴿وَحِجْراً مَّحْجُوراً﴾ أي: منعاً لئلا يفسد العذب المالح، فبينهما حاجز من قدرة الله تعالى وجلّ ثناؤه.
قال ﴿وَهُوَ الذي خَلَقَ مِنَ المآء بَشَراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً﴾، أي: النطفة: خلق منها الإنسان ﴿فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً﴾.
قال ابن عباس: النسب سبع وهي في قوله تعالى ذكره:
﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أمهاتكم﴾، إلى ﴿وَبَنَاتُ الأخت﴾ [النساء: ٢٣] والصهر سبع وهي في قوله: ﴿وأمهاتكم الاتي أَرْضَعْنَكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] إلى آخر ذكر الصهر.
وقيل: النسب الذكور من الأولاد، والصهر: الإناث من الأولاد لأن المصاهرة من جهتهن تكون.
وقال الأصمعي: الختّن كل شيء من قبل المرأة مثل ابن المرأة وأخيها، والأصهار يجمع هذا كله يقال: صاهر فلان إليهم وأصهر.
وقال ابن الأعرابي: الأَختَان: أبو المرأة وأخوها وعمها، والصهر: زوج
وقيل: عني بقوله: ﴿خَلَقَ مِنَ المآء بَشَراً﴾، آدم خلقه من الأرض التي أصلها مخلوقة من ماء. وقد أخبرنا الله جلّ ذكره أنه خلق جميع الحيوان من ماء: فقال: ﴿خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ﴾ وقال: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: ٣٠].
قال: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ﴾، أي: يعبد هؤلاء المشركون من دون الله ما لا يحب لهم نفعاً، ولا يدفع عنهم ضرراً.
ثم قال تعالى: ﴿وَكَانَ الكافر على رَبِّهِ ظَهِيراً﴾، أي: معيناً للشيطان على ربه
قال ابن جريج: هو أبو جهل ظاهر الشيطان على ربه. وقاله ابن عباس.
وقال عكرمة: الكافر: إبليس وعن ابن عباس أن الكافر يستظهر بعبادة الأوثان على أوليائه. وعنه أنه قال: هو أبو جهل، كان عوناً لمن عادى الله ورسوله.
وقيل معناه: إن الكافر يستظهر بعبادته الأوثان، وبمن يعبدها معه من الكفار على الله تعالى لأنهم يطمعون أن يغلبوا رسول الله صلى الله عليه [وسلم]، والكافر اسم لجنس جميع الكفار.
وقيل: معناه: وكان الكافر على ربه هيّنا، من قولهم ظهرت به، فلم ألتفت
أي: لم نرسلك يا محمد إلا لتبشر أهل الطاعة بالجنة، وتنذر أهل المعصية بالنار.
قال ﴿قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾، أي: ما أطلبكم على إنذاري لكم بأجر، فتقولون: إنما تطلب أموالنا فيما تدعونا إليه فلا نتبعك.
وقوله: ﴿إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾، هو استثناء منقطع أي: من شاء منكم أن يتخذ إلى ربه طريقاً بإنفاقه من ماله في سبيل ربي، فتعطوني من أموالكم وما ينفقه في ذلك، فتتخذوا بذلك طريقاً إلى رحمة ربكم، وقيل ثوابه.
قال تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الحي الذي لاَ يَمُوتُ﴾، أي: توكل يا محمد على
قال تعالى: ﴿الذي خَلَقَ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾، أي: اخترع ذلك في ستة أيام، وقال: ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾، فأتى بلفظ التثنية وقد تقدم ذكر جمع، لأنه أراد النوعين، والستة الأيام أولها يوم الأحد، وآخرها الجمعة. ﴿ثُمَّ استوى عَلَى العرش﴾، وذلك يوم السبت فيما قيل، ولا يجوز أن يتوهم أحد في ذلك: جلوساً ولا حركة ولا نقلة، ولكنه استوى [على]، العرش كما شاء، لا يمثل ذلك، جلوساً ولا يظن له انتقال من مكان إلى مكان، لأن ذلك لمن صفة المحدثات. وقد قال تعالى ذكره: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١] فلا يحل لأحد أن يمثل صفات ربه - الذي ليس كمثله شيء - بصفات المخلوقين الذين لهم أمثال وأشباه - فكما أنه تعالى لا يشبهه شيء، كذلك صفاته ليست كصفات المخلوقين. فالاستواء معلوم، والكيف لا نعلمه، فعلينا التسليم لذلك.
ثم قال: ﴿الرحمن فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً﴾، الرحمن مرفوع على البدل من المضمر في استوى أو على: هو الرحمن، أو على الابتداء والخبر: ﴿فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً﴾، ويجوز الخفض على النعت للحي، ويجوز النصب على المدح، ومعناه: فاسأل عنه خبيراً. الباء بمعنى: عن.
كما قال جلّ ذكره: ﴿سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ [المعارج: ١]، أي: عن عذاب، ومعناه
وقال علي بن سليمان: الباء على بابها. والتقدير: فاسأل بسؤالك الذي تريد أن تسأل عنه: خبيراً، فخبير مفعول به مثل الأول.
وقيل: خبيراً: حال من الهاء في به: والتقدير: إذا أخبرتك شيئاً يا محمد فاعلم أنه كما أخبرتك أنا الخبير: وهو قول ابن جريج.
قال: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسجدوا للرحمن﴾، أي: إذا قيل للكفار اسجدوا للرحمن خالصاً قالوا: ﴿أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا﴾، وزادهم هذا القول نفوراً من الإيمان، وعن إخلاص السجود لله. ومعنى نفوراً فراراً. وقيل: إنما عتوا هنا بالرحمن: رحمان أليمامة: مسليمة الكذاب لأنه يسمى الرحمن. وقد كانوا مقرين بالرحمن الذي خلقهم. قال الله تعالى عنهم: ﴿لَوْ شَآءَ الرحمن مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ [الزخرف: ٢٠]، وعلى هذا القول يحسن
وقيل: إن قراءة الياء على معنى: قول بعضهم لبعض: ﴿أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا﴾ محمد صلى الله عليه [وسلم].
قال تعالى ذكره: ﴿تَبَارَكَ الذي جَعَلَ فِي السمآء بُرُوجاً﴾، أي: قصوراً. كما قال ﴿وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: ٧٨].
وقيل: البروج: منازل الشمس والقمر؛ قاله مجاهد وقتادة، والنجوم كلها هي في البروج.
ثم قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً﴾، يعني الشمس ﴿وَقَمَراً مُّنِيراً﴾ أي:
ويكون السراج يؤدي على الجمع كما قال: ﴿يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً﴾ [غافر: ٦٧] / أي جعل فيها مضيئة.
وقرأ الأعمش و " قُمرا " بضم القاف وإسكان الميم، جعله جمعاً وهي قراءة شاذة.
قوله تعالى ذكره: ﴿وَهُوَ الذي جَعَلَ اليل والنهار خِلْفَةً﴾. إلى قوله
أي: جعل كل واحد من الليل والنهار خلقاً من الآخر ما فات في أحدهما من عمل الله أدرك قضاؤه في الآخر. قاله عمر رضي الله عنهـ، وابن عباس والحسن قال مجاهد: معناه أنه جعل كل واحد منهما مخالفاً لصاحبه جعل هذا أسود وهذا أبيض.
وعن مجاهد أيضاً: أن المعنى: أنه جعل كل واحد منهما يخلف صاحبه، إذا ذهب هذا جاء هذا، وكذلك قال ابن زيد، وخلفة: مصدر ولذلك وحد.
وقيل: المعنى: جعل الليل يخلف النهار، والنهار يخلف الليل، لمن أراد أن يتذكر نعم الله عليه في ذلك. ويشكره على ما فعل بمعاقبة الليل والنهار، إذ لو كان الدهر كله ليلاً لبطلت المعائش والتصرف فيها، ولم يتم زرع ولا ثمر. ولو كان الدهر كله نهاراً لبطلت الأجساد عند عدم الراحة، ولبطلت الزراع والثمار: لدوام الشمس عليها، فجعل كل واحد يخلف الآخر لمن أراد أن يتذكر نعمة الله في ذلك على خلقه، وحسن تدبيره لهم في منامهم.
وقال الزجاج وغيره: الخبر ﴿أولئك يُجْزَوْنَ الغرفة﴾ [الفرقان: ٥٧].
وقيل: الخبر ﴿الذين يَمْشُونَ﴾، ﴿سَلاَماً﴾، منصوب على المصدر، وإن شئت " تعالوا ".
وقوله: ﴿قَالُواْ سَلاَماً﴾، منسوخ بالأمر بالقتال: إنما كان هذا قبل أن يؤمروا بالقتال ولم يتكلم سيبويه في شيء من الناسخ والمنسوخ إلا في هذه الآية، وهو من التسليم، لا من التسليم تقول: " سلاماً منك " أي: تسلماً منك.
قال سيبويه في الآية: ولم يؤمر المسلمون يومئذٍ أن يسلموا على المشركين،
ومعنى ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً﴾، أي: إذا خاطبهم أهل الجهل من العصاة والكفار بالقبيح صانوا أنفسهم عن مساواتهم في القبيح، قالوا قولاً حسناً يسلمون به من مساواتهم في القبيح.
قال أبو هريرة: هم الذين لا يتجبرون ولا يتكبرون.
وقيل معنى: ﴿يَمْشُونَ على الأرض هَوْناً﴾، أي بالسكينة والوقار، وغير مستكبرين، ولا متجبرين، ولا ساعين بفساد.
قال ابن عباس: يمشون بالطاعة والعفاف والتواضع.
وقال مجاهد: يمشون بالسكينة والقوقار والحلم.
وقال زيد بن أسلم: التمست تفسير هذه الآية فلم أجدها عند أحد، فأتيت في النوم فقيل لي: هم الذين لا يريدون يفسدون في الأرض.
وقال ابن زيد هم الذين لا يتكبرون في الأرض، ولا يتجبرون ولا يفسدون،
وقال الحسن يمشون حلماء علماء، لا يجهلون، وإن جهل عليهم لم يجهلوا.
﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً﴾، إذا خاطبهم الجاهلون بالله بما / يكرهون من القول أجابوهم بالمعروف والسداد من الخطاب، فقالوا: تسلماً منكم وبراءة بيننا وبينكم.
قال الحسن: إن المؤمنين قوم ذلل، ذلت والله منهم الأسماع، والأبصار، والجوارح، حتى يحسبهم الجاهل مرضى، وما بالقوم من مرض وإنهم لأصحاب القلوب، ولكن دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم، ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة، فلما وصلوا إلى بغيتهم قالوا: ﴿الحمد للَّهِ الذي أَذْهَبَ عَنَّا الحزن﴾ [فاطر: ٣٤] والله ما حزنهم حزن الدنيا، ولا تعاظم في أنفسهم بما طلبوا به الجنة: أبكاهم الخوف من النار، وإنه
أي يبيتون يصلون.
قال فضيل: هم قوم إذا جنّهم الليل قاموا على أطرافهم تسيل دموعهم على خدودهم.
قال: ﴿عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ﴾، أي: يدعون الله أن يصرف عنهم عذابه حذاراً منه. ﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً﴾، أي: دائماً لا ينقطع.
قال محمد بن كعب القرطبي: إن الله جلّ ثناؤه سأل الكفار ثمن نعمه فلم يؤدوها فأغرمهم فأدخلهم النار.
وقال الحسن: قد علموا أن كل غريم يفارق غريمه إلا غريم جهنم. فيكون
أي: ساءت من المستقرات مستقراً.
قال تعالى: ﴿والذين إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ﴾، أي: لم يزيدوا في النفقة، ويبذروا ولم يضيقوا.
حكى الأصمعي: قَتَر يَقْتُر ويقتر وقَتّر يُقَتّر، وأقتر يُقتر: إذا ضيق وقد أنكر أبو حاتم على من جعله من أقتر. وقال: إنما يقال: أقتر إذا افتقر. كما قال:
﴿وَعَلَى المقتر قَدَرُهُ﴾ وقد غاب عنه وجه ما حكى الأصمعي وغيره.
ثم قال: ﴿وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾، أي: وكان الإنفاق قواماً بين الإسراف والإقتار أي: عدلاً.
قال ابن عباس: الإسراف: النفقة في معصية الله، والإقتار منع حقوق الله. وقاله مجاهد وابن جريج.
وقال إبراهيم: لا يجيع عياله بالتقتير ولا يغرنهم، ولا يوسع حتى يقول الناس: قد أسرف.
وقال يزيد بن أبي حبيب: كانوا يريدون من الثياب ما يستر عورتهم،
وقال عون بن عبد الله الإسراف أن تأكل مال غيرك بغير حق. وقيل: الإقتار: التقصير عما يجب عليك ﴿وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾، النفقة بالعدل.
وقال مجاهد: لو أنفق رجل ماله كله في حلال، أو طاعة الله لم يكن مسرفاً، ولو أنفق درهماً في حرام لكان مسرفاً.
قال سفيان الثوري: لم يضعوه في غير حقه، ولم يقصروا به عن حقه، وكل نفقة في معصية الله فهي سرف، وإن قلت، وكل نفقة في غير معصية الله فليست بسرف، وإن كثرت.
قوله تعالى: ﴿والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ﴾.
أي: والذين يخلصون لله العبادة، والدعاء، ولا يقتلون النفس التي حرم الله قتلها
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَاماً﴾، أي: من يفعل / العبادة لغير الله أو يقتل نفساً بغير حق، أو يزني يلق عذاب الآثام أي: عقابها، وعقابها: مضاعفة العذاب، والتخليد في النار مهاناً. قال مجاهد وعكرمة: الآثام: واد في جهنم. وسيبويه وغيره من النحويين: يقدرونه بمعنى يلق جزاء الآثام.
قال تعالى: ﴿إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فأولئك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً﴾، الآية وروي: أن هذه الآية نزلت في قوم من المشركين، أرادوا الدخول في الإسلام، وقد عملوا في الكفر أشياء من هذه الذنوب فخافوا ألا ينفعهم مع ما سلف من ذنوبهم. فنزلت هذه
وقيل: هذه الآية منسوخة بالتي في النساء قاله زيد بن ثابت وذكر أن آية النساء التي نزلت بعد آية الفرقان بستة أشهر.
وقال الضحاك: بين السورتين ثماني حجج. وذكره تعالى للإيمان مع التوبة يدل على أنه محكم في الكفار، وآية النساء إنما هي في المؤمنين: يقتلون المؤمنين
وعن ابن عباس أنه قال: قرأنا هذه الآية: ﴿والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق﴾، الآية، بسنتين حتى نزلت: ﴿إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً﴾، الآية قال: فما علمت رسول الله ﷺ فرح بشيء فرحه بها، وبسورة: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا﴾ [الفتح: ١].
ثم قال تعالى: ﴿فأولئك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾، قال ابن عباس: معناه: كانوا قبل إيمانهم على السيئات، فرعب الله بهم عن ذلك، فحولهم إلى الحسنات، فأبدلهم الله مكان السيآت حسنات. أي: مكان عمل الحسنات.
وعن ابن عباس أنه قال: يبدل بكل مكان سيئة عملها حسنة يعملها في الدنيا.
وقيل معناه: أولئك يبدل الله قبائح أعمالهم في الشرك بمحاسن الأعمال في
قال ابن جبير: نزلت في وحشي وأصحابه. قالوا: كيف لنا بالتوبة، وقد عبدنا الأوثان وقتلنا المؤمنين، ونكحنا المشركات؟ فأنزل الله تعالى ﴿إِلاَّ مَن تَابَ﴾، الآية.
فأبدلهم الله بعبادة الأوثان عبادة الله، وبقتالهم المؤمنين: قتالهم المشركين، وينكاح المشركات نكاح المؤمنات.
وروي عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ قال: " يعطى العبد كتابه بيمينه، فيقرأ سيآته، ويقرأ الناس حسناته ثم يحول صحيفته، فيحول الله سيآته حسنات، فيقرأ هو حسناته ويقرأ الناس من سيئاته حسنات، فيقول الناس: ما كان لهذا العبد من سيئة، قال: ثم يعرف بعمله، ثم يغفر الله له ".
وعن ابن عباس: أبدلوا بالشرك إيماناً، وبالقتل إمساكاً، وبالزنا إحصاناً.
وروى أبو ذر: أن النبي ﷺ قال: " إني لأعرف آخر أهل النار خروجاً من النار، وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة. ثم ثال: يؤتى برجل يوم القيامة فيقال: نَحُّوا كِبارَ ذنوبه، وسلوه عن صغارها، قال: فيقال له: عملت كذا في يوم كذا، وعملت كذا في يوم كذا، قال: فيقول: يا رب لقد عملت أشياء ما أراها هنا، قال: فضحك رسول الله ﷺ حتى بدت نواجذه. قال: فيقال له: فإن لك مكان كل سيئة حسنة ".
قال الزجاج: ليس يجعل مكان السيئة حسنة، ولكن يجعل مكان السيئة التوبة.
واختار الطبري: أن يكون المعنى: يبدل الله أعمالهم في الشرك حسنات في الإسلام ينقلهم عن ما / يسخطه إلى ما يرضاه.
ثم قال تعالى: ﴿وَكَانَ الله غَفُوراً﴾، أي: ذا غفر عن ذنوب من تاب من عباده، وراجع طاعته، وذا رحمة به أن يعاقبه على ذنوبه بعد توبته منها.
أي: ومن تاب من الشرك
قال تعالى: ﴿والذين لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾، يعني الشرك، قاله الضحاك.
وقيل: المعنى: فإنه يرجع إلى الله رجوعاً فيجازيه على توبته وعمله. والثاني ليس من الأول لأنه يراد به العبث، والأول يراد به الرجوع عن الكفر، والمعاصي.
وقال مجاهد الزور: الغناء، أي: لا يسمعون الغناء، وهو قول محمد بن الحنفية.
وقال ابن جريج: هو الكذب.
وقيل: إنهم كانوا إذا ذكروا النكاح كَنَّوا عنه.
وعن ابن عباس: أن الزور هنا أعياد المشركين وكنائسهم. والزور الباطل.
وعن ابن مسعود أنه قال: عدلت شهادة الزور بالشرك بالله. ثم قرأ الآية، وروي
وقيل: الزور: الكذب والخنا والسفه، فهو في المعنى: لا يشهدون كل مشهد يكون فيه ذلك، أي: لا يحضرونه، وأصل الزور تحسين الشيء ووصفه بغير صفته، حتى يخيل إلى من سمعه أو رآه أنه بخلاف ما هو به، فالشرك يحسن عند متبعه، والغناء كذلك، وكذلك الكذب. فمعنى الآية على هذا المعنى: والذين لا يحضرون شيئاً من الباطل.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً﴾، أي: إذا مروا بمن يلغو عليهم من المشركين ويؤذيهم مروا كراماً، أي: أعرضوا عنهم وصفحوا.
وقيل معناه: إذا مروا في كلامهم بذكر النكاح كنوا عنه، قاله مجاهد.
وقيل: المعنى: إذا مروا بما كان المشركون فيه من الباطل مروا منكرين له.
وقال الحسن: اللغو هنا المعاصي كلها، واللغو في كلام العرب: كلُّ ما يجب أن يلغى ويطرح من كلام، أو فعل باطل.
وقيل: هذه الآية منسوخة بقتال المشركين، لأنه أمرهم بعد ذلك إذا مروا باللغو الذي هو الشرك أن يقاتلوا أهله، وإذا مروا باللغو الذي هو معصية أن يغيروه، ولم يكونوا أمروا بذلك بمكة. ومعنى ﴿مَرُّوا كِراماً﴾، أي: أكرموا أنفسهم عن الجلوس والخوض مع من يلغو.
أي: والذين إذا ذكرهم مذكر بحجج رهم وأدلته، لم يقفوا على تلك الحجج صمّاً لا يسمعونها، وعمياً لا يبصرونها. ولكنهم أيقاظ القلوب فهماء العقول.
والكافر بخلاف ذلك لأنه لا ينتفع بما يسمع وما يبصر، فصار بمنزلة من لا يسمع ولا يبصر، ومعنى ﴿يَخِرُّواْ﴾ يقيموا على ذلك، كما يقال: شتمت فلاناً فقام يبكي، أي: فظ يبكي، ولا قيام هناك، ولعله كان مضطجعاً. ويقول: نهيت فلاناً
وقيل المعنى: لم يسجدوا صماً وعمياناً بل سجدوا سامعين، فيكون بمنزلة قول الشاعر:
بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم | ولم تكثر القتلى بها حين سلت |
وقيل المعنى: إنهم إذا أمروا بمعروف، أو نهوا عن منكر لم يتغافلوا عن ذلك وقبلوه.
قوله تعالى: ذكره ﴿والذين يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا / مِنْ أَزْوَاجِنَا﴾.
أي: والذين يرغبون إلى الله في دعائهم، ومسألتهم أن يهب لهم قرة أعين، من
قال الحسن: ذلك في الدنيا وهو المؤمن يرى زوجه وولده مطيعين لله، وأي شيء أقر لعين المؤمن أن يرى زوجته وولده مطيعين لله.
قال ابن جريج: معناه: يعبدونك فيحسنون عبادتك.
وقال ابن زيد: يسألون لأزواجهم وذرياتهم الإسلام.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿واجعلنا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾، أي: اجعلنا يقتدي بنا من بعدنا في الخير، قاله ابن عباس، وعنه أيضاً: المعنى اجعلنا أئمة هدى يهتدى بنا، ولا تجعلنا أئمة ضلالة لأنه قال في السعادة ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ [الأنبياء: ٧٣]، وقال في أهل الشقاء: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النار﴾ [القصص: ٤١].
وقوله ﴿إِمَاماً﴾ وحد لأنه مصدر كالقيام والصيام.
وقيل: هو واحد يدل على الجمع كالعدو.
وقيل: هو جمع آثم وإمام كقائم وقيام.
قال تعالى ذكره: ﴿أولئك يُجْزَوْنَ الغرفة بِمَا صَبَرُواْ﴾، أي: هؤلاء الذين تقدم ذكرهم يجزون الغرفة أي يثابون على أعمالهم: الغرفة، وهي منزل من منازل الجنة.
﴿وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً * خَالِدِينَ فِيهَا﴾، أي: دائمين المقام، ماكثين فيها.
﴿حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً﴾، أي: حسنت تلك الغرفة مستقراً، أي: قراراً ﴿وَمُقَاماً﴾، أي: إقامة.
قال تعالى: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ﴾، أي: قل يا محمد لهؤلاء
قال ابن عباس: لولا دعاؤكم: لولا إيمانكم، فأخبر جلّ ذكره الكفار أنه لا حاجة له بهم إذ لم يجعلهم مؤمنين، ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حببه إلى المؤمنين.
وقال مجاهد: لولا دعاؤكم: أي: لولا دعاؤكم إلى الله لتعبدوه وتطيعوه.
قال الفراء: لولا دعاؤكم: لولا دعاؤه إياكم إلى الإسلام. ومعنى: ما يعبأ أي: ما يصنع بكم
قال الزجاج: لولا دعاؤكم. أي لولا توحيدكم إياه. ومعنى: ما يعبأ
قال: وأصل العبء في اللغة: الثقل.
وقوله: ﴿فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً﴾، هو يوم بدر.
وقيل: هو ما لوزم بين القتلى يوم بدر. والتقدير: فسوف يكون عاقبة تكذيبهم اللزام.
وعن مجاهد أنه قال في معناه: لولا دعاؤه إياكم لتطيعوه فقد كذبتم فسوف يكون عذابكم لزاماً وقد مضى اللزام وهو يوم بدر.
وقال القتيبي: المعنى: ما يعبأ بعذابكم ربي لولا دعاؤكم غيره، أي: لولا شرككم به.
وقال الضحاك: لولا عبادتكم إياه.
ثم قال تعالى: ﴿فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً﴾، أي: فقد كذبتم رسولكم فسوف يكون عقاب تكذيبكم لرسولكم لزاماً، أي: ملازماً لكم، أي: عذاباً ملازماً وهو ما حل بكم يوم بدر.
وقال ابن مسعود: اللزام: يوم بدر.
وقال أبي بن كعب: هو القتل يوم بدر: وهو قول مجاهد والضحاك، وقال ابن زيد: اللزام: القتل يوم بدر.
وقال أبو عبيدة: فسوف يكون لزاماً أي: جزاء يلزم كل عامل يعمله من خير أو شر.