ﰡ
﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ الآية، قرىء: نحشرهم وفنقول بالنون والياء فيهما * قال ابن عطية: وقرأ الأعرج نحشرهم بكسر الشين وهي قليلة في الاستعمال قوية في القياس لأن يفعل بكسر العين في المتعدي أقيس من يفعل بضم العين " انتهى " هذا ليس كما ذكر بل فعل المتعدي الصحيح جميع حروفه إذا لم يكن للمبالغة ولا حلقي عين ولا لام فإِنه جاء على يفعل ويفعل كثيراً فإِن شهر أحد الاستعمالين اتبع وإلا فالخيار حتى أن بعض أصحابنا خير فيهما سمعا للكلمة أولم يسمعا * وقال الجمهور: من عبد من يعقل ممن لم يأمر بعبادته كالملائكة وعيسى وعزير وهو الأظهر: لقوله:﴿ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي ﴾ وما بعده من المحاورات التي ظاهرها أنها لا تصدر إلا من العقلاء جاء ما يشبه ذلك خصوصاً وفي قوله:﴿ ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ﴾[سبأ: ٤٠]، و﴿ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي ﴾[المائدة: ١١٦] وسؤاله تعالى وهو عالم بالمسؤول عنه ليجيبوا بما أجابوا به فيبكت عبدتهم بتكذيبهم إياهم فتزيد حسرتهم وجاء الاستفهام مقدماً فيه الاسم على الفعل ولم يأت التركيب أضللتم ولا أم ضلوا لأن كلاً من الضلال والإِضلال واقع والسؤال إنما هو عن فاعله وتقدم نظير هذا في قوله:﴿ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا ﴾[الأنبياء: ٦٢].
و ﴿ سُبْحَانَكَ ﴾ تنزيه لله تعالى أن يشرك معه في العبادة أحد أو يفرد بعبادة.﴿ مِنْ أَوْلِيَآءَ ﴾ مفعول على زيادة من وحسن زيادتها انسحاب النفي على أن يتخذ لأنه معمول لينبغي وإذا انتفى الابتغاء لزم منه انتفاء متعلقة وهو اتخاذ ولي من دون الله ولما تضمن قولهم: ما كان ينبغي لنا انا لم نضللهم ولم نحملهم على الامتناع من الإِيمان صلح أن يستدرك بلكن والمعنى لكن أكثرت عليهم وعلى آبائهم النعمة وأطلت أعمارهم وكان يجب عليهم شكرها والإِيمان بما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام فكان ذلك سبباً للإِعراض عن ذكر الله تعالى.﴿ بُوراً ﴾ البور مصدر يوصف به الواحد والجمع وقيل جمع بائر كعائد وعود وقيل فسدي وهو لغة الأزد يقولون أمر بائر أي فاسد وبارت البضاعة فسدت ومنه قولهم أرض بوار أي متعطلة لا نبات فيها.﴿ فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ ﴾ هذا من قول الله تعالى بلا خلاف وهي مفاجأة بالاحتجاج والإِلزام والخطاب للمعبودين من العقلاء عيسى والملائكة وعزير وهو الظاهر لتناسق الخطاب مع قوله: أنتم أضللتم أي كذبكم المعبودون.﴿ بِمَا تَقُولُونَ ﴾ أي بقولهم انكم أضللتموهم وزعمهم أنكم أولياؤهم من دون الله تعالى.﴿ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً ﴾ لأنفسهم عما هم عليه وما يستطيعون صرفكم عن الحق الذي أنتم عليه.﴿ وَلاَ نَصْراً ﴾ لأنفسهم من البلاء الذي استوجبوه بتكذيبهم.﴿ وَمَن يَظْلِم ﴾ الظاهر أنه عام والظلم هنا الشرك ومفعول أرسلنا محذوف تقديره رسولاً من المرسلين والجملة بعد إلا في موضع الحال ولما تقدم طعنهم على الرسول عليه الصلاة والسلام بأكل الطعام والمشي في الأسواق أخبر تعالى أن هذه عادة مستمرة في كل رسله عليهم السلام.﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً ﴾ هو عام للمؤمن والكافر فالصحيح فتنة للمريض والغني فتنة للفقير والفقير الشاكر فتنة للغني والرسول المخصوص بكرامة النبوة فتنة لأشراف الناس الكفار في عصره وكذلك العلماء وحكام العدل وقد تلا ابن القاسم هذه الآية حين رأى أشهب والتوقيف بـ﴿ أَتَصْبِرُونَ ﴾ خاص للمؤمنين المحقين فهو لأمة محمد عليه الصلاة والسلام كأنه جعل إمهال الكفار فتنة للمؤمنين أي اختباراً ثم وقفهم هل تبصرون أم لا ثم أعرب قوله:﴿ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً ﴾ عن الوعد للصابرين والوعيد للعاصين.﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ﴾ الآية لا يرجون أي لا يخافون.﴿ لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ ﴾ فتخبرنا أنك رسول حقاً.﴿ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا ﴾ فيخبرنا بذلك وهذا كله على سبيل التعنت وإلا فما جاءهم به من المعجزات كاف لو وفقوا. و ﴿ لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ ﴾ أي تكبروا.﴿ فِيۤ أَنفُسِهِمْ ﴾ أي عظموا أنفسهم بسؤال رؤية الله تعالى وهم ليسوا بأهل لها واللام في لقد جواب قسم محذوف. و ﴿ وَعَتَوْا ﴾ تجاوزوا الحد في الظلم ووصف بكبيراً مبالغة في إفراطه أي لم يجسروا على هذا القول إلا لأنهم بلغوا غاية الاستكبار وأقصى العتو وجاء هنا عتواً على الأصل وفي مريم عتياً على استثقال اجتماع الواوين والقلب لمناسبة الفواصل قال ابن عباس: عتواً كفروا أشد الكفر وأفحشوا.﴿ يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ ﴾ يوم منصوب باذكر وهو أقرب أو بفعل يدل عليه.﴿ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ ﴾ أي يمنعون البشرى ولا يعمل فيه لا بشرى لأنه مصدر ولأنه منفي بلا التي لنفي الجنس لأنه لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ودخول لا على بشرى لانتفاء أنواع البشرى وهذا اليوم الظاهر أنه يوم القيامة لقوله: بعد وقدمنا إلى ما عملوا من عمل، والظاهر عموم المجرمين فيندرج هؤلاء القائلون فيهم والظاهر أن الضمير في ويقولون عائد على القائلين لأنهم المحدث عنهم كأنهم يطلبون نزول الملائكة ثم إذا رأوهم كرهوا لقاءهم وفزعوا منهم لأنهم لا يلقونهم إلا بما يكرهون فقالوا عند رؤيتهم ما كانوا يقولون عند لقاء العدو ونزول الشدة.﴿ حِجْراً مَّحْجُوراً ﴾ عوذا يستعيذون من الملائكة وقال أبو عبيدة: هاتان اللفظتان عوذة للعرب يقولها من خاف آخر في الحرم أو في شهر حرام إذا لقيه وبينهما ترة.﴿ وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ ﴾ القدوم الحقيقي مستحيل في حق الله تعالى فهو عبارة عن حكمه بذلك وإنفاذه قيل أو على حذف مضاف أي قدمت ملائكتنا أسند ذلك إليه لأنه عن أمره وحسنت لفظة قدمنا لأن القادم على شىء مكروه لم يقرره ولا أمر به مغير له ومذهب ومثلت حال هؤلاء وأعمالهم التي عملوها في كفرهم من صلة رحم وإغاثة ملهوف وقرىء: ضيف ومنّ على أسير وغير ذلك من مكارمهم بحال قوم خالفوا سلطانهم فقصد إلى ما تحت أيديهم فمزقها بحيث لم يترك لها أثراً وفي أمثالهم أقل من الهباء ومنثوراً صفة للهباء شبه بالهباء لقلته وأنه لا ينتفع به ثم وصفه بمنثوراً لأن الهباء تراه منتظماً مع الضوء فإِذا حركته الريح رأيته قد تناثر وذهب.﴿ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً ﴾ المستقر مكان الاستقرار في أكثر الأوقات والمقيل المكان الذي يأوون إليه في الاسترواح إلى الأزواج والتمتع ولا نوم في الجنة فسمي مكان استرواحهم إلى الحور.﴿ مَقِيلاً ﴾ على طريق التشبيه إذ المكان المتخير للقيلولة يكون أطيب المواضع وفي لفظ أحسن رمز إلى ما يتزين به مقيلهم من حسن الوجوه وملاحة الصور إلى غير ذلك من التحاسين.
﴿ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ﴾ هي القرآن.﴿ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً ﴾ النفي متوجه إلى القيد الذي هو صم وعميان لا للخرور الداخل عليه وهذا الأكثر في لسان العرب ان النفي يتسلط على القيد والمعنى أنهم إذا ذكروا بها أكبوا عليها حرصاً على استماعها وأقبلوا على المذكر بها بآذان واعية وأعين راعية بخلاف غيرهم من المنافقين وأشباههم فإِنهم إذا ذكروا بها كانوا مكبين عليها مقبلين على من يذكر بها في ظاهر الأمر وكانوا صماً وعمياناً حيث لا يعونها ولا يتبصرون ما فيها.﴿ قُرَّةَ أَعْيُنٍ ﴾ كناية عن السرور والفرح وهو مأخوذ من القر وهو البرد يقال: دمع السرور بارد ودمع الحزن سخن ويقال أقر الله عينك وأسخن الله عين العدو وقال الشاعر: فأما عيون العاشقين فاسخنت وأما عيون الشامتين فقرتوقال الزمخشري: وجاء أعين بصيغة جمع القلة دون عيون الذي هو صيغة جمع الكثرة لأنه أريد أعين المتقين وهي قليلة بالإِضافة إلى غيرهم " انتهى ". ليس بجيد لأن أعين ينطلق على العشرة فما دونها من الجمع والمتقون لبست أعينهم عشرة بل هي عيون كثيرة جداً وإن كانت عيونهم قليلة بالنسبة إلى عيون غيرهم فهي من الكثرة بحيث تفوت العدو قرىء: ذريتنا على الإِفراد وذرياتنا على الجمع.﴿ أُوْلَـٰئِكَ ﴾ إشارة إلى الموصوفين بهذه الصفات العشرة * والغرفة اسم معرف بال فيعم أي الغرف كما جاء وهم في الغرفات آمنون وهي العلالي قال ابن عباس: هي بيوت من زبرجد ودر وياقوت والباء في بما صبروا للسبب والتحية دعاء بالتعمير والسلام دعاء بالسلامة أي تحييهم الملائكة أو يحيي بعضهم بعضاً.﴿ حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً ﴾ معادل لقوله: في جهنم ساءت مستقراً ومقاماً، والظاهر أن قوله: قل ما يعبأ بكم ربي خطاب لكفار قريش القائلين أنسجد لما تأمرنا أي لا يحفل ربكم ربي لولا تضرعكم إليه واستغاثتكم إياه في الشدائد.﴿ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ﴾ بما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام فتستحقون العقاب.﴿ فَسَوْفَ يَكُونُ ﴾ العقاب وهو ما أنتجه تكذيبكم ونفس لهم في حلوله بلفظة فسوف يكون ﴿ لِزَاماً ﴾ أي لازماً لكم لا تنفكون منه.