ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٤٤]أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٤)
فشبه أكثر الناس بالأنعام، والجامع بين النوعين التساوي في عدم قبول الهدى والانقياد له، وجعل الأكثرين أضل سبيلا من الأنعام، لأن البهيمة يهديها سائقها فتهتدي، وتتبع الطريق، فلا تحيد عنها يمينا ولا شمالا، والأكثرون يدعوهم الرسل ويهدونهم السبيل فلا يستجيبون، ولا يهتدون ولا يفرقون بين ما يضرهم وبين ما ينفعهم.
والأنعام تفرق بين ما يضرها من النبات والطريق فتتجنبه، وما ينفعها فتؤثر.
والله تعالى لم يخلق للأنعام قلوبا تعقل بها، ولا ألسنة تنطق بها، وأعطى ذلك لهؤلاء، ثم لم ينتفعوا بما جعل لهم من العقول والقلوب والألسنة والأسماع والأبصار. فهم أضل من البهائم. فإن من لا يهتدي إلى الرشد وإلى الطريق مع الدليل إليه هو أضل وأسوأ حالا ممن لا يهتدي حيث لا دليل معه.
[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٤٥]
أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (٤٥)أخبر تعالى أنه بسط الظل ومدّه، وأنه جعله متحركا تبعا لحركة الشمس، ولو شاء لجعله ساكنا لا يتحرك، إما بسكون المظهر له والدليل عليه، وإما بسبب آخر.
[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٤٦]
ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦)
ثم أخبر أنه قبضه بعد بسطه قبضا يسيرا وهو شيء بعد شيء، لم يقبضه جملة.
فهذا من أعظم آياته الدالة على عظيم قدرته وكمال حكمته.
فندب سبحانه إلى رؤية صنعته وقدرته وحكمته في هذا الفرد من مخلوقاته. ولو شاء ربنا لجعله لاصقا بأصل ما هو ظل له، من جبل وبناء وشجر وغيره، فلم ينتفع به أهله، فإن كمال الانتفاع به تابع لمده وبسطه وتحوله من مكان إلى مكان.
وفي مده وبسطه، ثم قبضه شيئا فشيئا: من المصالح والمنافع ما لا يخفى ولا يحصى. فلو كان ساكنا دائما، أو قبض دفعة واحدة، لتعطلت مرافق العالم ومصالحه به وبالشمس، فمدّ الظل وقبضه شيئا فشيئا لازم لحركة الشمس على ما قدرت عليه من مصالح العالم.
وفي دلالة الشمس على الظلال: ما تعرف به أوقات الصلوات، وما مضى من اليوم، وما بقي منه.
وفي تحركه وانتقاله: ما يبرد ما أصابه حر الشمس، وينفع الحيوانات والشجر والنبات، فهو من الآيات الدالة عليه.
وفي الآية وجه آخر: وهو أنه سبحانه مدّ الظل حين بنى السماء كالقبة المضروبة، ودحا الأرض من تحتها، فألقت القبة ظلها عليها. فلو شاء
وفيها وجه آخر: وهو أن يكون المراد قبضه عند قيام الساعة بقبض أسبابه، وهي الأجرام التي تلقي الظلال، فيكون قد ذكر إعدامه بإعدام أسبابه، كما ذكر إنشاءه بإنشاء أسبابه.
وقوله: قَبَضْناهُ إِلَيْنا كأنه يشعر بذلك.
وقوله: قَبْضاً يَسِيراً يشبه قوله: ٥٠: ٤٤ ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ.
وقوله: قَبَضْناهُ بصيغة الماضي لا ينافي ذلك، كقوله تعالى:
١٦: ١ أَتى أَمْرُ اللَّهِ والوجه في الآية: هو الأول.
[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٥٥]
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (٥٥)
هذا من ألطف خطاب القرآن، وأشرف معانيه، وأن المؤمن دائما مع الله على نفسه وهواه وشيطانه وعدو ربه. وهذا معنى كونه من حزب الله وجنده وأوليائه. فهو مع الله على عدوه الداخل فيه والخارج عنه، يحاربهم ويعاديهم ويبغضهم له سبحانه، كما يكون خواص الملك معه على حرب أعدائه، والبعيدون منه فارغون من ذلك غير مهتمين به.
والكافر مع شيطانه ونفسه وهواه على ربه.
وعبارات السلف على هذا تدور. ذكر ابن أبي حاتم عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير قال: عونا للشيطان على ربه بالعداوة والشرك.
وقال ليث ومجاهد: يظاهر الشيطان على معصية الله، يعينه عليها وقال زيد بن سلم: ظهيرا أي مواليا.
والمعنى: أنه يوالي عدوه على معصيته والشرك به، فيكون مع عدوه
ولهذا صدر الآية بقوله: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وهذه العبادة: هي الموالاة والمحبة والرضى بمعبوديهم المتضمنة لمعيتهم الخاصة لهم فظاهر أعداء الله على معاداته ومخالفته، ومساخطه.
بخلاف وليه سبحانه. فإنه معه على نفسه وشيطانه وهواه.
وهذا المعنى من كنوز القرآن لمن فهمه وعقله. وبالله التوفيق.
[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٧٣]
وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (٧٣)
قال مقاتل: إذا وعظوا بالقرآن لم يقعوا عليه صما، لم يسمعوه، وعميانا: لم يبصروه، ولكنهم سمعوا وأبصروا وأيقنوا به.
وقال ابن عباس: لم يكونوا عليها صما وعميانا: بل كانوا خائفين خاشعين.
وقال الكلبي: يخرون عليها سمعا وبصرا.
وقال الفراء: وإذا تلى عليهم القرآن لم يقعدوا على حالهم الأولى، كأنهم لم يسمعوه. فذلك الخرور، وسمعت العرب تقول: قعد يشتمني، كقولك: قام يشتمني وأقبل يشتمني.
والمعنى على ما ذكر: لم يصيروا عندها صما وعميانا.
وقال الزجاج: المعنى إذا تليت عليهم آيات ربهم خروا سجدا وبكيا سامعين، مبصرين. كما أمروا به.
وقال ابن قتيبة: أي لم يتغافلوا عنها، كأنهم صم لم يسمعوها، وعمى لم يروها.