ﰡ
قمت إِلَيْهِ قيامًا، وقاومتك قِوَامًا طويلًا. وقوله: (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) يقول: لا تَدْعوه يا مُحَمَّد كما يدعو بعضكم بعضًا. ولكن وقِّروه فقولوا: يا نبي اللَّه يا رَسُول اللَّه يا أبا القاسم.
ومن سورة الفرقان
قوله: تَبارَكَ [١] : هُوَ من البركة. وهو فِي العربية كقولك تقدَّس ربُّنا. البركة والتقدس «٣» العظمة وهما بعد سواء.
وقوله: لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ [٧] جواب بالفاء لأن (لولا) بمنزلة هلّا.
(٢) ا: «ذا بذا».
(٣) ا: «التقديس».
وقوله: فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا [٩] يقول: لا يستطيعونَ فِي أمرك حيلةً.
وقوله: تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ [١٠] جزاء (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) مجزومة مردودة على (جعل) و (جعل) فِي معنى جَزْمِ، وقد تكون رفعًا وهي فى ذلك مجزومة لأنها لام لقيت لام فسكنت. وإن رفعتها «٣» رفعًا بيّنًا فجائز (ونصبها «٤» جائز على الصّرف).
وقوله: تَغَيُّظاً وَزَفِيراً [١٢] هُوَ كتغيظ الآدميّ إِذَا غضب فَغَلَى صَدْرُه وظهر فى كلامه.
وقوله: ثُبُوراً واحِداً [١٣] الثبور مصدر، فلذلك قال (ثُبُوراً كَثِيراً) لأن المصادر لا تُجمع:
ألا ترى أنك تَقُولُ: قعدت قُعُودًا طويلًا، وضربته ضربًا كثيرًا فلا تُجمع. والعربُ تَقُولُ: ما ثَبَرَك عَن ذا؟ أي ما صَرفك عَنْهُ. وكأنهم دَعَوا بما فعلوا، كما يقول الرجل: وا ندامتاه.
وقوله: كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا [١٦] يقول: وعدهم الله الجنة فسألوها إيّاهُ فِي الدُّنْيَا إذ قالوا (رَبَّنا «٥» وَآتِنا مَا وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) يريدُ عَلَى ألسنة رسلك، وهو يوم القيامة غير مسئول. وقد يكون فِي الكلام أن تَقُولَ: لأعطينَّكَ ألفًا وعدًا مسئولًا أي هُوَ واجبٌ لك فتسأله لأن المسئول واجب، وإن لَمْ يُسْأَلْ كالدَّين.
وقوله: سُبْحانَكَ مَا كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ [١٨].
(٢) فى ا: «نأكل بالنون ويأكل بالياء». وقد قرأ حمزة والكسائي وخلف بالنون وافقهم الأعمش، وقرأ الباقون بالياء.
(٣) والرفع قراءة أبى بكر وابن كثير وابن عامر.
(٤) فى ا: «قال قيل للفراء: فهل تجيز (ويجعل) بالنصب على الصرف؟ قال: نعم». والنصب على الصرف هنا هو عند البصريين النصب بأن مضمرة بعد واو المعية.
(٥) الآية ١٩٤ سورة آل عمران.
وقوله (قَوْماً بُوراً) والبور مصدر واحد وجمع والبائر الَّذِي لا شيء فِيهِ. تَقُولُ: أصبحت منازلهم بورًا أي لا شيء فيها. فكذلك أعمال الكفار باطل. ويُقال: رجل بُور وقوم بُور.
وقوله: إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ [٢٠] (لَيَأْكُلُونَ) صلة لاسم «٤» متروك اكتفى بِمن المرسلين منه كقيلك فِي الكلام: ما بعثت إليك من الناس إلا من إنه ليطيعُكَ، ألا ترى أن (إنه ليطيعَكَ) صلة لمن. وجازَ ضميرها «٥» كما قَالَ (وَما مِنَّا «٦» إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) معناه- والله أعلم- إلا من له مقام وكذلك قوله (وَإِنْ «٧» مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) ما منكم إلا من يردها، ولو لَمْ تكن اللام جوابا لإنّ كانت إنّ مكسورة أيضا، لأنها مبتدأة، إذ كانت صلة.
(٢) سقط فى ا.
(٣) أي يكون هو المفعول الثاني.
(٤) يريد من الموصولة.
(٥) أي حذفها.
(٦) الآية ١٦٤ سورة الصافات.
(٧) الآية ٧١ سورة مريم. [.....]
وقوله: لا يَرْجُونَ لِقاءَنا [٢١].
لا يَخافونَ لقاءنا وهي لغة تِهامية: يضعونَ الرجاء فِي موضع الخوف إِذَا كَان معه جحد «١». من ذَلِكَ قول الله (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ «٢» لِلَّهِ وَقاراً) أي لا تخافون له عظمة. وأنشدنى بعضهم:
لا ترتجِي حِينَ تلاقي الذائدا | أسَبْعَةً لاقَتْ مَعًا أم وَاحِدَا «٣» |
إِذَا لسعته النحل لَمْ يَرْج لَسْعَهَا | وحَالَفَها فِي بيتِ نُوب عَوَامِلِ «٤» |
وقوله (وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) جاء الْعُتُوُّ بالواو لأنه مصدر مصرح. وقال فِي مريم (أَيُّهُمْ أَشَدُّ «٦» عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) فَمَن جَعَله بالواو كَانَ مصدرًا محضًا. ومن جعله بالياء قَالَ: عاتٍ وعُتِيّ فلمّا جَمَعُوا بُني جمعهم عَلَى واحدهم. وجازَ أن يكون المصدر بالياء أيضًا لأن المصدر والأسماء تتفق فِي هَذَا المعنى: ألا ترى أنهم يقولون: قاعد وقوم قعود، وقعدت قعودًا. فلمّا استويا هَاهُنَا فِي الْقُعُود لَمْ يبالوا أن يستويا فى العتو والعتىّ.
(٢) الآية ١٣ سورة نوح
(٣) انظر ص ٢٨٦، من الجزء الأول
(٤) ش: «حالفها» وا: خالفها» وهما روايتان وانظر ص ٢٨٦ من الجزء الأول
(٥) المعروف فى كتب اللغة ضم النون ولم أقف على فتحها للنحل، وكذا لم أقف على الأوب فيه
(٦) الآية ٦٩ من سورة مريم
وقوله: (وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) حَرَامًا محرّمًا أن يكون لَهم البشرى. وَالْحِجْرُ: الحرام، كما تَقُولُ: حَجَر التاجر عَلَى غُلامه، وحجر عَلَى أهله. وأنشدني بعضهم:
فهممتُ أن ألقى إليها مَحْجَرًا | وَلِمثلِها يُلْقى إِلَيْهِ المحجرُ «٣» |
وقوله: وَقَدِمْنا إِلى ١٣١ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ [٢٣] عمدنا بفتح العين: (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) أي باطلا، والهباء ممدود غير مهموز فِي الأصل يصغر هُبَيٌّ كما يصغر الكساء كُسَيّ. وجُفَاء الوادي مهموز فِي الأصل إن صغرته قلت هذا جفىء. مثل جُفَيع ويُقاس عَلَى هذين كلُّ ممدود من الْهَمْز ومن الياء ومن الواو «٥».
وقوله: أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [٢٤] قَالَ: بعض المحدثين يُرَون أَنَّهُ يفرغ من حساب الناس فِي نصف ذَلِكَ اليوم فيقيل أهل الجنة فِي الجنة وأهل النار فِي النار. فذلك قوله (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا) وأهل الكلام إِذَا اجتمع لَهُم أحمق وعاقل لَمْ يستجيزوا أن يقولوا: هَذَا أحمق الرجلين ولا أعقل الرجلين، ويقولون لا نَقُولُ: هَذَا أعقل الرجلين إلا
(٢) سقط فى ا
(٣) هو لحميد بن ثور والرواية فى الديوان ٨٤: «أغشى» و «يغشى»
(٤) يريد أن بعض العرب يكسر حرف المضارعة فيقول: إلقى
(٥) سقط من ا
وقوله: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ [٢٥] ويقرأ (تَشَقَّقُ) بالتشديد وقرأها الأعمش «١» وَعَاصِم (تَشَقَّقُ السَّماءُ) بتخفيف الشِّين فمن قَرَأ تَشَّقق أراد تتشقق بتشديد الشِّين والقاف فأدغم كما قَالَ (لا يَسَّمَّعُونَ «٢» إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) ومعناهُ- فيما ذكروا- تشُّقق السماء (عَن الغمام «٣» ) الأبيض ثُمَّ تنزل «٤» فِيهِ الملائكة وَعَلَى وعن والياء فِي هَذَا الموضع (بمعنى «٥» واحد) لأن العرب تَقُولُ:
رميت عَن القوس وبالقوس وَعَلَى القوس، يُراد بِهِ معنًى واحد.
وقوله: لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ [٢٩] يُقال: النَّبِيّ ويُقال: القرآن. فِيهِ قولان.
وقوله: وَقالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً [٣٠] مَتروكًا.
ويُقال: إنهم جعلوهُ كالهَذيان والعربُ تَقُولُ (هَجَر «٦» الرجل) فِي منامه إِذَا هَذَى أو رَدَّدَ الكلمة.
وقوله: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا [٣١] يقول: جعلنا بعض أمة كل نبي أشدَّ عَلَيْهِ من بعض وَكَانَ الشديد العداوة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو جهل بن هشام.
وقوله: لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ [٣٢] يُقال: إنها «٧» من قول المشركين.
أي هلا أنزل عَلَيْهِ القرآن جملةً، كما أنزلت التوراة على موسى. قال الله (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا) لنثبّت به فؤادك. كان ينزّل الآية والآيتين فمكان بَيْنَ نُزول أوله وَآخره عشرون سنة (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا)
(٢) الآية ٩ سورة الصافات
(٣) ش: «بالغمام» [.....]
(٤) ا: «تتنزل»
(٥) ا: «كالواحد»
(٦) ا: «الرجل يهجر»
(٧) يريد قوله: «كذلك» فى التلاوة
وقوله: وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [٣٣] بمنزلة قوله (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا) فِي معنى الكلام والنصب.
وقوله: فَقُلْنَا اذْهَبا [٣٦] وَإِنَّما أُمِر موسَى وحده بالذهاب فِي المعنى، وهذا بمنزله قوله (نَسِيا «١» حُوتَهُما)، وبمنزلة قوله (يَخْرُجُ «٢» مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) وإنَّما يَخرج من أحدهما وقد فُسِّرَ شأنه.
وقوله: وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ [٣٧] نصبتهم بأغرقناهم وإن شئت بالتدمير المذكور قبلهم.
وعادا وثمود وأصحاب الرّسّ وقرونا [٣٨] منصوبون بالتدمير قَالَ الفراء يُقال: إن الرس بئر.
وقوله: وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً [٣٩] أهلكناهم وأبدناهم إبادَةً.
وقوله: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [٤٣] كَانَ أحدهم يَمرُّ بالشيء الْحَسَن من الحجارة فيعبده فذلك قوله (اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ).
وقوله: كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ [٤٥] ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. وقوله (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) يقول دائمًا. وقوله (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا) يقول: إذا كان فى موضع ١٣١ ب شمس كَانَ فِيهِ قبل ذَلِكَ ظِلّ، فجعلت الشمس دليلًا عَلَى الظل.
ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قبضا يسيرا [٤٦] يعني الظل إِذَا لحقته الشمس قُبِضَ الظل قبضا يسيرا، يقول: هيّنا خفيّا.
(٢) الآية ٢٢ سورة الرحمن
منها حرفان فِي قراءتنا، وحرف فِي النحل وليس فِي قراءتنا، مكان قوله (وَالنُّجُومَ «١» مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) (والرياح مُسَخَّراتٍ بأمرِهِ) وَهذَا وَاحدٌ يعني «٢» الَّذِي فِي الفرقان. والآخر فِي الروم (الرِّياحَ «٣» مُبَشِّراتٍ) وَكَانَ عَاصِم يقرأ ما كَانَ من رحمة الرياح «٤» وما كَانَ من عذاب «٥» قرأه ريح.
وقد اختلف القراء فِي الرحمة فمنهم من قرأ الريح ومنهم من قرأ الرياح ولم يختلفوا فِي العذاب بالريح ونرى أنهم اختاروا الرياح للرحمة لأن رياح الرحمة تكون من الصبا والجنوب والشمال من الثلاث) «٦» المعروفة. وأكثر ما تأتي بالعذاب وما لا مطر فِيهِ الدَّبُورُ لأن الدَّبُور لا تكاد تُلْقِح فسميت ريحًا موحدة لأنها لا تدور كما تدور اللواقح.
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي قيس بْن الربيع عَن أَبِي إِسْحَاقَ عَن الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ ومسروق بن الأجدع أنهما قرءا (نَشْرًا «٧» ) وقد قرأت القراء (نُشُرًا «٨» ) و (نُشْرًا «٩» ) وقرأ عاصم (بُشْراً) حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْس عَن أبي إسحاق عَن أبي عبد الرحمن أَنَّهُ قرأ (بُشُرًا) كأنه بشيرة وبُشُر.
وقوله: وَأَناسِيَّ كَثِيراً [٤٩] واحدهم إنْسِيّ وإن شئت جعلته إنسانًا ثُمَّ جَمَعته أناسيّ فتكون الياء عوضًا من النون والإنسان فِي الأصل إنْسِيَان لأن العرب تصغره أنيسيان. وإذا قالوا: أناسين
(٢) الذي قرأ بالإفراد ابن كثير
(٣) الآية ٤٦
(٤) ا: «بالرياح».
(٥) ا: «العذاب»
(٦) ش، ب: «الثلاثة».
(٧) ضبط فى ابفتح النون وسكون الشين. وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف
(٨) هذه قراءة نافع وابن كثير وأبى عمرو وأبى جعفر ويعقوب. [.....]
(٩) هذه قراءة ابن عامر.
وقوله: وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً [٥٣] البرزخ: الحاجز، جعل بينهما حاجزًا لئلا تغلب الملوحة العذوبة.
وقوله: (وَحِجْراً مَحْجُوراً) (من ذَلِكَ «٢» أي) حرامًا مُحرّمًا أن يغلب أحدهما صاحبه.
وقوله: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً [٥٤] فأما النسب فهو النَّسَب الَّذِي لا يحل نكاحه، وأما الصهر فهو النسب الَّذِي يحل نكاحه كبنات العم والخال وأشباههن من القرابة التي يَحل تزويجها.
وقوله: وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً [٥٥] المظاهر المعاون والظهير الْعَوْن.
وقوله: قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ [٦٠] ذكروا أن مسيلمة كَانَ يُقالُ لَهُ الرحمن، فقالوا: ما نعرفُ الرحمن إلا الَّذِي باليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب، فأنزلَ الله (قُلِ ادْعُوا «٣» اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى).
وقوله: (أَنَسْجُدُ لِما يأمُرُنا) و (تَأْمُرُنا «٤» ) فمن قرأ بالياء أراد مُسيلمة: ومن قرأ بالتاء جاز أن يريد (مسيلمة أيضًا) ويكون للأمر أنَسْجُدُ لأمرك إيّانا ومن قرأ بالتاء والياء يُراد بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وهو بِمنزلة قوله «٥» ) (قُلْ لِلَّذِينَ «٦» كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ) و (سَيغلبونَ) والمعنى لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم.
(٢) سقط فى ا.
(٣) الآية ١١٠ سورة الإسراء.
(٤) قرأ بالياء حمزة والكسائي وافقهما الأعمش. وقرأ الباقون بالتاء.
(٥) ا: «ذلك المذهب».
(٦) الآية ١٢ سورة آل عمران وقد قرأ بالياء حمزة والكسائي وخلف وافقهم الأعمش، وقرأ الباقون بالتاء
بِها العينُ والآرام يَمْشِينَ خِلْفَةً | وأطلاؤهَا يَنْهَضْنَ من كل مَجْثَم «٦» |
وقوله: (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ) وهي فِي قراءة أُبَيّ (يَتَذكَّر) حجة لِمن شدّد وقراءة أصحاب عبد الله وَحَمْزَة وكثير من الناس (لِمَنْ أراد أن يَذْكُرَ) بالتخفيف، ويَذْكُر ويتذكر يأتيان بِمعنى واحدٍ، وَفِي قراءتنا (وَاذْكُرُوا «٧» ما فِيهِ) وَفِي حرف عبد الله (وتَذكَّروا ما فِيهِ).
وقوله: عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً [٦٣] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي
(٢) ا: «المغيرة»
(٣) الآية ١٦ سورة نوح
(٤) ا: «السراج»
(٥) الآية ٣٥ سورة النور.
(٦) هذا البيت من معلقته. وقوله: «بها» أي بديار من يتغزل بها، والعين: البقر واحدها أعين وعيناء أطلق عليها هذا لسعة عيونها، والآرام: الظباء الخوالص البياض، والأطلاء الصغار من البقر والظباء، والمجثم ما تربض فيه وترقد.
(٧) الآية ٦٣ سورة البقرة. [.....]
بالسكينة والوقار.
وقوله (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) كَانَ أهل مكة إِذَا سَبُّوا المسلمين رَدُّوا عليهم رَدًّا جَميلًا قبل أن يؤمروا بقتالِهم.
وقوله: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً [٦٤] جاء فِي التفسير أن من قرأ شيئًا من القرآن فِي صلاة وإن قلت، فقد بات ساجدًا وقائمًا. وذكروا أنَّهما الركعتان بعد المغرب وبعد العشاء ركعتان.
وقوله: إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً [٦٥] يقول مُلِحًّا دائمًا. والعرب تَقُولُ: إن فلانًا لَمُغْرَم بالنِّسَاء إِذَا كَانَ مولعًا بهنّ، وإني بك لمغرمٌ إِذَا لَمْ تصبر عَن الرجل ونُرَى أن الغريم إنما سُمّي غريمًا «١» لأنه بطلب حَقّه ويُلح حَتَّى يقبضه.
وقوله: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا [٦٧] بكسر التاء. قرأ أَبُو عبد الرحمن وَعَاصِم «٢» (ولم يُقْتِروا) من أقترت. وقرأ الْحَسَن (وَلَمْ يَقْتُرُوا) وهي من قَتَرت كقول من قرأ يَقْتُروا بضم الياء. واختلافهما كاختلاف قوله (يَعْرِشُونَ «٣» ) و (يعرشون) و (يَعْكُفُونَ) و (يعكفون) ومعناهُ (لَمْ يُسْرِفُوا «٤» ) فيجاوزوا فِي الإنفاق إلى المعصية (وَلَمْ يَقْتُرُوا) : لَمْ يقصروا عمّا يَجب عليهم (وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) ففي نصب القوام وجهان إن شئت نصبت القوام بضمير اسم فِي كَانَ (يكون ذَلِكَ «٥» الاسم من الإنفاق) أي وَكَانَ الإنفاق «٦» (قَوَامًا بين ذلك) كقولك:
(٢) الذي فى الإتحاف أن هذه قراءة نافع وابن عامر وأبى جعفر. وفيه أن (يقتروا) بفتح الياء وكسر التاء قراءة ابن كثير وأبى عمرو ويعقوب وافقهم ابن محيصن والحسن واليزيدي. وقرأ بضم التاء الباقون ومنهم عاصم.
(٣) الآية ١٣٧ سورة الأعراف والآية ٦٨ سورة النحل.
(٤) الآية ١٣٨ سورة الأعراف
(٥) سقط فى ش
(٦) ا: «انفاقهم».
كَانَ دونَ هذا كافيًا لك، تريد: أقلُّ من هَذَا كَانَ كافيًا لك، وتجعل (وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ) كَانَ الوسط من ذَلِكَ قَوَامًا. والقوَام قَوَام الشيء بين الشيئين. ويُقال للمرأة: إنَّها لحسنة الْقَوَام فِي اعتدالها. ويُقال: أنت قِوَام أهلِكَ أي بك يَقوم أمرُهم وشأنهم وقيَام وَقِيَمٌ وَقَيِّمٌ فِي معنى قِوَامٍ.
وقوله: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً [٦٨] يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ [٦٩] قرأت القراء بِجزم (يُضاعَفْ) ورفعه عَاصِم «١» بن أبي النجود. والوجه الجزم. وَذَلِكَ أن كُلّ مجزوم فسَّرته ولم يكن فعلًا «٢» لِما قبله فالوجه فِيهِ الجزم، وما كَانَ فعلًا لِما قبله رَفَعْته. فأما المفسر للمجزوم فقوله (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) ثُمَّ فسر الأثام، فقال (يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ) ومثله فِي الكلام:
إن تكلمني تُوصِني بالخير والبِرّ أقبل منك ألا ترى أنك فسّرت الكلام بالبر ولم يكن فعلًا لَهُ، فلذلك جزمت. ولو كَانَ الثاني فِعلًا للأوّل لرفعته، كقولك إن تأتنا تطلب الخير تَجده ألا ترى أنك تجد «٣» (تطلب) فعلا للاتيان ١٣٢ ب كقيلك: إن تأتنا طالبًا للخير تَجده.
قَالَ الشاعر «٤» :
مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إلى ضَوْءِ نَارِهِ | تَجِد خير نار عندَهَا خَيْرُ موقِد |
وقوله: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [٧٢] يقول: لا يحضرون مجالس الكذب والمعاصي.
(٢) يريد ألا يكون مطلوبا لما قبله فى المعنى، ومن المطلوب لما قبله أن يكون حالا كما فى الشواهد الآتية.
(٣) ا: «أن تطلب فعل للإتيان».
(٤) أي الخطيئة. ويقال: عشا إلى النار: رآها ليلا من بعيد فقصدها مستضيئا.
وقوله: (لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً) [٧٣] يُقال: إِذَا تُلي عليهم القرآن لَمْ يقعدوا عَلَى حالِهم الأولى كأنهم لَمْ يسمعُوه. فذلك الخرور. وسمعتُ العرب تَقُولُ: قَعَدَ يشتمني، وأقبلَ يشتمني.
وأنشدني بعض العرب:
لا يُقنع الجارية الْخِضَابُ | ولا الوشاحَان ولا الْجِلْبَابُ |
من دون أن تلتقِيَ الأرْكَابُ | وَيَقْعُدَ الْهَنُ لَهُ لُعَابُ |
وقوله: وَذُرِّيَّاتِنا [٧٤] قرأ أصحابُ عبد الله (وَذُرِّيَّتِنَا) والأكثر (وَذُرِّيَّاتِنَا) وقوله (قُرَّةَ أَعْيُنٍ) ولو قيل: (عَيْنٍ) كَانَ صَوَابًا كما قالت (قُرَّتُ عَيْنٍ «٢» لِي وَلَكَ) ولو قرئت: قُرَّاتِ أَعْيُن لأنَّهم كَثِير كَانَ صَوَابًا. والوجه التقليل (قُرَّةَ أَعْيُنٍ) لأنه فعلٌ والفِعْلُ لا (يَكاد يجمع «٣» ) ألا ترى أَنَّهُ قَالَ (لا تَدْعُوا «٤» الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) فلم يجمعه وهو كثيرٌ.
والقُرَّة مَصْدَرٌ. تَقُولُ: قرّت عينك قرّة.
وقوله (لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) ولم يقل: أئمةً وهو واحد يَجوز فِي الكلام أن تَقُولَ: أصحاب مُحَمَّد أئمة الناس وإمام الناس كما قالِ نَّا رَسُولُ
«٥» بِّ الْعالَمِينَ) للاثنين ومَعناهُ: اجعلنا أئمة يُقتدى بنا. وقال مجاهد: اجعلنا يقتدى بِمن قبلنا حَتَّى يَقْتَدِي بنا من بعدنا.
(٢) الآية ٩ سورة القصص.
(٣) ا: «يكادون يجمعونه».
(٤) الآية ١٤ سورة الفرقان. [.....]
(٥) الآية ١٦ سورة الشعراء.