تفسير سورة سورة الفرقان من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن
.
لمؤلفه
حسنين مخلوف
.
المتوفي سنة 1410 هـ
مكية، وآياتها سبع وسبعون
بسم الله الرحمان الرحيم
اشتملت هذه السورة على التوحيد ؛ لأنه المقصد الأسنى. وعلى شأن النبوة ؛ لأنها الواسطة بين الله تعالى وخلقه. وعلى أحوال المعاد ؛ لأنه الخاتمة. وعلى حكاية أباطيل الكافرين المتعلّقة بالقرآن وبالرسول صلى الله عليه وسلم وإبطالها.
ﰡ
﴿ تبارك الذي نزل ﴾ أي تعالى على كل شيء وتعاظم [ آية ٥٤ الأعراف ص ٢٦٤ ]. ﴿ الفرقان ﴾ أي القرآن ؛ لفرقه بين الحق والباطل.
﴿ فقدره تقديرا ﴾ فهيأه لما أراد به من الخصائص والأفعال اللائقة به، تهيئة بديعة بحكمته وفق إرادته.
﴿ واتخذوا من دونه آلهة ﴾ أصناما، وقد وصفها الله بسبع صفات، آخرها قوله : " ولا نشورا ".
﴿ ولا يملكون موتا... ﴾ لا يقدرون على إماتة الأحياء، ولا على إحياء الموتى في الدنيا، ولا على بعثهم في الآخرة.
﴿ إفك افتراه... ﴾ كذب وبهتان اختلقه وتخرّصه من تلقاء نفسه [ آية ١١ النور ص ٧٧ ].
﴿ وأعانه عليه ﴾ على افترائه﴿ قوم آخرون ﴾ من أهل الكتاب. والقائلون صناديد المشركين كالنضر بن الحارث وأشياعه. ﴿ ظلما وزورا ﴾ أي بظلم عظيم، وكذب فظيع انحرفوا به عن جادة الحق والإنضاف. والزور في الأصل : تحسين الباطل ؛ مأخوذ من الزور وهو الميل في الزّور. وأطلق على الكذب زور لما فيه من الميل عن الصدق والانحراف عن الحق.
﴿ أساطير الأولين ﴾ أكاذيبهم وأباطيلهم التي سطّروها في كتبهم. ﴿ اكتتبها ﴾ أي أمر غيره بكتابتها له، أو جمعها. ﴿ فهي تملى عليه ﴾ أي تلقى عليه بعد اكتتابها ليحفظها﴿ بكرة وأصيلا ﴾ غدوة وعشيّا. ومرادهم أنها تملى عليه خفية.
﴿ وقالوا ما لهذا الرسول ﴾ اشتمل قولهم على ست قبائح، آخرها قوله : " إلا رجلا مسحورا ". وقد رد الله تعالى عليها إجمالا في البعض وتفصيلا في البعض.
﴿ أو يلقى إليه كنز ﴾ أو ينزل عليه من السماء مال عظيم يغنيه عن التماس المعاش بالأسواق كسائر الناس. وأصل الكنز : جعل المال بعضه على بعض وحفظه ؛ من كنز التمر في الوعاء : حفظه. ﴿ أو تكون له جنة... ﴾ بستان ذو شجر بدر عليه الخير، وسمى جنة لستره الأرض بأشجاره ؛ من الجن وهو ستر الشيء عن الحاسة. ﴿ مسحورا ﴾ مغلوبا على عقله بالسحر. والسحر عندهم معروف بتأثيره في العقول.
﴿ إن شاء جعل لك خيرا من ذلك ﴾ أي إن شاء وهب لك في الدنيا خيرا مما اقترحوه من الجنة ؛ بأن يعجل لك فيها مثل ما وعدك في الآخرة من الجنات والقصور المشيدة.
﴿ بل كذبوا بالساعة ﴾ انتقال من حكاية جناياتهم السابقة المتعلقة بأمر التوحيد والنبوة، إلى حكاية نوع آخر من جناياتهم متعلق بأمر المعاد، وما يترتب عليه من فنون العذاب لكفرهم وجحودهم.
﴿ إذا رأتهم ﴾ أي قابلتهم تلك النار المستعرة، وهي جهنم﴿ سمعوا لها تغيظا ﴾ أي صوت غليان وفوران شديد. والتغيّظ في الأصل : إظهار الغيظ، وهو شدة الغضب الكامن في القلب.
﴿ وزفيرا ﴾ هو في الأصل : ترديد النفس من شدة الغم حتى تنتفخ منه الضلوع ؛ فإذا اشتد كان له صوت يسمع.
﴿ مقرنين ﴾ قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم بالأغلال. أو مقرنين في السلاسل والأصفاد، بعضهم مع بعض، أو مع الشياطين الذين أضلوهم.
﴿ دعوا هنالك ثبورا ﴾ هلاكا ؛ فقالوا : واثبوراه ! يقال : ثبر يثبر ثبورا. وثبره الله : أهلكه هلاكا لا ينتعش.
﴿ وعدا مسئولا ﴾ جديرا بأن يسأل ويطلب لعظم شأنه.
﴿ وما يعبدون من دون الله ﴾ من الملائكة وعزير وعيسى، وسائر العقلاء المعبودين الذين لم يقع منهم ضلال لأولئك الجهلة العابدين. وإطلاق " ما " على العقلاء حقيقة أو مجاز.
﴿ سبحانك ﴾ تنزيها لك وتبرئة مما زعمه المشركون من الأنداد لك. ﴿ ما كان ينبغي لنا... ﴾ أي ما استقام لنا ونحن عبادك المطيعون لك أن نتخذ متجاوزين إياك أولياء نعبدهم ؛ فكيف يتصور أن نحمل غيرنا على أن يتخذ وليا يعبده من دونك. ؟ ! ﴿ نسوا الذكر ﴾ أي غفلوا عن ذكرك والإيمان بك. أو عن التذكر لآيات ألوهيتك ووحدتك. ﴿ وكانوا قوما بروا ﴾ هلكى، غلب عليهم الشقاء والخذلان. جمع بائر ؛ من البوار وهو الهلاك. وأصله فرط الكساد. يقال : بارت السوق، إذا خلت من المشترين. وبار الطعام : إذا لم يكن له طالب. وأطلق على الهلاك لكون البائر كالهالك.
﴿ فما تستطيعون صرفا ﴾ فما تملكون دفعا للعذاب عن أنفسكم قبل حلوله. وأصل الصرف : رد الشيء من حالة إلى أخرى. ﴿ ولا نصرا ﴾ من أي جهة بعد حلوله.
﴿ وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ﴾ ابتلاء وامتحانا. كل واحد مختبر بضده ؛ فالأغنياء امتحان للفقراء ؛ ليظهر هل يصبرون ؟ والفقراء امتحان للأغنياء ؛ ليظهر هل يشكرون ؟ وهو تسلية له صلى الله عليه وسلم عن قولهم : " أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة ".
﴿ لا يرجون لقاءنا... ﴾ كناية عن إنكارهم البعث والحشر. أولا يؤملون لقاء جزائنا بالخير ؛ لإنكارهم ذلك. ﴿ وعتوا عتوا كبيرا ﴾ جاوزوا الحد في الظلم والطغيان تجاوزا بالغا. مصدر عتا يعتو عتوّاً وعِتِيًّا.
﴿ لا بشرى يومئذ للمجرمين ﴾ أي يقول لهم الملائكة ذلك يوم القيامة. ﴿ ويقولون حجر محجورا ﴾ أي ويقول الملائكة للمجرمين : حراما محرما عليكم البشرى في هذا اليوم. والحجر- بالكسر ويفتح - : الحرام ؛ وأصله المنع. و " محجورا " صفة مؤكدة للمعنى ؛ كما في : موت مائت. أو يقول المجرمون حين يرون الملائكة : حجرا محجورا ؛ أي حراما محرما عليكم التعرض لنا.
وكان الرجل في الجاهلية يقول ذلك إذا لقي من يخافه في شهر حرام أو في الحرم فيأمن شره ؛ فقالوها يوم القيامة ظانين أنها تنفعهم فيه كما كانت تنفعهم في الدنيا.
﴿ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل... ﴾ وعمدنا إلى ما عمله الكافرون في الدنيا من أعمال الخير والبر ؛ كصلة رحم وإغاثة ملهوف وقري ضيف مع كفرهم وجحودهم، فجعلناه يوم القيامة باطلا لا ثواب له ولا جدوى ؛ كالهباء المنثور. والهباء : ما يخرج من الكوة مع ضوء الشمس شبيها بالغبار. والمنثور : المتفرق الذاهب كل مذهب، الذي لا يتأتى جمعه. شبهت به هذه الأعمال يوم القيامة مع الكفر في عدم الجدوى ؛ وتقدم أنهم يجازون بها في الدنيا. وهو مثل قوله تعالى : " والذين كفروا أعمالُهم كسَرابٍ بِقِيعةٍ " وقوله تعالى : " مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدّت به الريحُ في يومٍ عاصفٍ " .
﴿ وأحسن مقيلا ﴾ منزلا ومأوى للاسترواح. والمقيل في الأصل : مكان القيلولة، وهي الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن هناك نوم ؛ ومنه " أو هم قائلون " . والمراد : أنهم في أقصى ما يكون من حسن المقيل.
﴿ ويوم تشقق السماء بالغمام ﴾ واذكر يوم تنفتح السماء عن الغمام، وهو سحاب أبيض رقيق مثل الضباب. فالباء بمعنى عن ؛ كقوله تعالى : " يوم تشقق الأرض عنهم " . وهو مثل : انشقت الأرض عن النبات ؛ أي ارتفعت تربتها عنه عند طلوعه.
﴿ ويوم يعض الظالم على يديه ﴾ واذكر يوم يندم الظالم لنفسه – الذي فارق طريق الرسول صلى الله عليه وسلم والحق الذي جاء به، وسلك الطريق متبعا هواه – أشد ندم ولا أسف. وعض اليدين والأنامل وأكل البنان ونحوها : كنايات عن شدة الغيظ والحسرة لحصولها عندها غالبا ؛ وذلك شأن كل ظالم. ويدخل في ذلك عقبة بن أبي معيط وغيره من الأشقياء، وقد أطاع في الكفر خليله أبي بن خلف ؛ وهو المكنى عنه بفلان في الآية التالية.
﴿ يا ويلتا ﴾ دعاء بالويل والثبور [ آية ٣١ المائدة ص ١٩٠ ].
﴿ اتخذوا هذا القرآن مهجورا ﴾ متروكا فلم يؤمنوا به ولم يرفعوا إليه رأسا، ولم يتأثروا بوعده ووعيده ؛ من الهجر بمعنى الترك، نظير قوله تعالى : " وهم ينهون عنه وينأون عنه " أي يصدون ويبعدون عنه. أو قالوا فيه هجرا وباطلا من القول ؛ كما قال تعالى : " مستكبرين به سامرا تهجرون " .
﴿ وكذلك جعلنا ﴾ تسلية له صلى الله عليه وسلم ؛ أي كما جعلنا قومك يعادونك ويكذبونك جعلنا﴿ لكل نبي عدوا من المجرمين ﴾.
﴿ كذلك لنثبت به فؤادك ﴾ لما قال المشركون : هلا أنزل القرآن على محمد – صلى الله عليه وسلم – دفعة واحدة غير مفرق كما أنزلت الكتب السابقة ؟ – رد الله تعالى عليهم بقوله :
" كذلك " أي تنزيلا مثل ذلك التنزيل الذي اقترحتم خلافه، نزلناه فجعلناه مفرقا منجما ؛ لنقوي له قلبك وقلوب المؤمنين بتيسير حفظه وضبطه وفهم معانيه، والوقوف على تفاصيل ما روعي فيه من الحكم والمصالح، وتجدد عجز الطاعنين فيه وغير ذلك. ﴿ ورتلناه ﴾ فرقناه آية بعد آية ؛ كما قال تعالى : " كتاب أحكمت آياته ثم فصلت " . أو قرأناه عليك بلسن جبريل شيئا فشيئا على تؤدة وتمهل ؛ من قولهم : ثغر مرتل ؛ أي مفلّج الأسنان غير متلاصقها.
﴿ ولا يأتونك بمثل... ﴾ أي بكلام عجيب هو مثل في البطلان ؛ يريدون به القدح في رسالتك ويجابهونك به. ﴿ وأحسن تفسيرا ﴾ أي وبما هو أحسن معنى من مثلهم.
﴿ فدمرناهم تدميرا ﴾ أهلكناهم أشد الإهلاك.
﴿ وجعلناهم للناس آية ﴾ علامة ظاهرة على قدرتنا، يعتبر بها من شاهدها أو سمعها.
﴿ وأصحاب الرس ﴾ الرس : بئر كانت لبقية من ثمود ؛ وأصحابها قوم كذبوا نبيهم ورسوه أي دسوه في البئر ؛ فأهلكهم الله كما أهلك القرون السابقة.
﴿ وكلا تبرنا تتبيرا ﴾ أهلكنا إهلاكا هائلا ؛ لعدم تأثرهم بما ضربنا من الأمثال، ولتماديهم في الكفر والطغيان. التتبير : التفتيت. وكل شيء فتتته وكسرته فقد تبرته. ومنه التبر : لفتات الذهب والفضة.
﴿ أمطرت مطر السوء ﴾ أي رميت بالحجارة من السماء فهلكت. وهي سذوم، أعظم قرى قوم لوط، وكذلك أهلكت سائر قراهم. والسوء – بالفتح - : مصدر ساءه ؛ أي فعل به ما يكره. السوء – بالضم - : اسم منه. ﴿ لا يرجون نشورا ﴾ أي يتوقعون بعثا أصلا.
﴿ أرأيت من اتخذ... ﴾ أخبرني ! من جعل هواه إلها لنفسه معرضا عن استماع الحجة الباهرة.
﴿ أفأنت تكون عليه وكيلا ﴾ حفيظا وكفيلا حتى ترده إلى الإيمان، وتخرجه من هذا الضلال ! [ آية ٤٠ الأنعام ٢٢٢ ].
﴿ ألم تر إلى ربك ﴾ ألم تنظر إلى صنع ربك فتعلم﴿ كيف مد الظل ﴾ وقد اشتملت هذه الآية والآيات التسع بعدها على ستة أدلة محسوسة على توحيده تعالى، وانفراده بالإيجاد والقدرة الباهرة والصنع العجيب - : الظلال بسطا وقبضا. والليل والنهار راحة ونشورا. والرياح بشرا، والأمطار حياة ومرج البحرين العذب والملح. وخلق الإنسان من نطفة مهينة وتناسله.
﴿ والنوم سباتا ﴾ أي قطعا لأعمالكم. أو راحة لأبدانكم. والسبات – كما قال الزجاج - : أن ينقطع عنا الحركة والروح في بدنه ؛ من السبت وهو القطع، أو الراحة والسكون. ﴿ وجعل النهار نشورا ﴾ ذا نثور، ينتشر فيه الناس لطلب المعاش ؛ وهو كقوله تعالى : " وجعلنا النهار معاشا " .
{ ولقد صرفنا... أي صرفنا المطر بينهم في البلدان المختلفة، والأوقات المتغايرة، وعلى الصفات المتفاوتة ؛ فنزيد منه في بعض البلدان، وننقص منه في بعض آخر منها على حسب الحاجة. أو ولقد كررنا هذا القول بين الناس في القرآن وما سبقه من الكتب، وهو ذكر إنشاء السحاب وإنزال المطر ؛ ليعتبروا ويذعنوا بكمال قدرتنا، فأبى أكثرهم إلا كفران النعمة وجحودهما.
﴿ مرج البحرين... ﴾ أرسل البحرين : العذب والملح في مجاريهما متجاورين ؛ كما ترسل الخيل في المرج. يقال : مرج الدابة يمرجها، أرسلها ترعى. أو خلطهما فأمرج أحدهما في الآخر وأفاضه فيه ؛ من المرج وأصله الخلط. يقال : مرج أمرهم يمرج، اختلط ؛ ومنه قيل للمرعى : مرج ؛ لاجتماع أخلاط من الدواب فيه. ﴿ عذب فرات ﴾ شديد العذوبة، مائل إلى الحلاوة وهو ماء الأنهار. وسمي فراتا لأنه يفرت العطش، أي يقطعه ويكسره. ﴿ ملح أجاج ﴾ شديد الملوحة والمرارة، وهو ماء البحار. سمي أجاجا من الأجيج وهو تلهب النار، لأن شر به يزيد العطش. ﴿ برزخا ﴾ حاجزا عظيما من الأرض، يمنع بغي أحدهما على الآخر ؛ لحفظ حياة الإنسان والنبات ؛ كما قال تعالى : " بينهما برزخ لا يبغيان " . ﴿ وحجرا محجورا ﴾ أي وجعل كل واحد منهما حراما محرما على الآخر أن يفسده. والمراد : لزوم كل منهما صفته ؛ فلا ينقلب العذب في مكانه ملحا، ولا الملح في مكانه عذبا.
﴿ فجعله نسبا وصهرا ﴾ أي جعل من جنس البشر ذوي نسب : ذكورا ينسب إليهم، وذوات صهر : أناثا يصاهر بهن ؛ كقوله تعالى :﴿ فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ﴾ . والصهر : يطلق على قرابات النساء ذوي المحارم وذوات المحارم ؛ كالأبوين والأخوة وأولادهم، والأعمام والأخوال
والخالات ؛ فهؤلاء أصهار زوج المرأة. وعلى من كان من قبل الزوج من ذوي قرابته المحارم ؛ فهم أصهار المرأة أيضا.
﴿ وكان الكافر على ربه ظهيرا ﴾ معينا للشيطان على معصية الله بالشرك والعداوة. والظهير : المعين.
﴿ ثم استوى على العرش ﴾ [ آية ٥٤ سورة الأعراف ص ٢٦٣ ].
﴿ تبارك الذي... ﴾ [ آية ٥٤ الأعراف ٢٦٤ ]. ﴿ بروجا ﴾ منازل رفيعة، اثني عشر منزلا للكواكب السيارة. وأصلها القصور العالية ؛ وسميت بها هذه المنازل لعلوها وارتفاعها.
﴿ جعل الليل والنهار خلفة ﴾ يخلف كل منهما الآخر. والخلفة : كل شيء بعد شيء ؛ ومنه خلفة النبات، وهو ورق يخرج بعد الورق الأول في الصيف.
﴿ يمشون في الأرض هونا ﴾ مشيا لينا رفيقا. أو يمشون هيّنين في تؤدة وسكينة ووقار وحسن سمت. والهون : مصدر بمعنى اللين والرفق، صفة لمصدر محذوف، أو حال من ضمير " يمشون ".
﴿ قالوا سلاما ﴾ أي تسلما منكم ومتاركة، لا خير بيننا وبينكم ولا شر ؛ فيتحملون ما ينالهم من أذى الجهلاء والسفهاء.
﴿ إن عذابها كان غراما ﴾ لازما غير مفارق في حق الكفار، وغير دائم في حق عصاة المؤمنين. والغرام : الولوع بالشيء، والشر الدائم والهلاك. يقال : فلان مغرم بكذا، أي لازم له مولع به ؛ ومنه الغريم لملازمته.
﴿ ولم يقتروا... ﴾ لم يضيقوا تضييق الشحيح ؛ من قتر بمعنى ضيق. يقال : قتر يقتر ويقتر قترا وقتورا، وقتر وأقتر : ضيق في النفقة. ﴿ وكان بين ذلك قواما ﴾ وسطا بين سيئتين. والقوام : الشيء بين الشيئين. وقوام الرجل : قامته وحسن طوله.
﴿ يلق أثاما ﴾ جزاء الإثم وهو العقوبة. يقال : أثمه الله يأثمه إثما وأثاما، جازاه جزاء الإثم، فهو مأثوم، أي مجزي جزاء إثمه.
﴿ ويخلد فيه ﴾ لضمه معصيته إلى كفره.
﴿ لا يشهدون الزور... ﴾ لا يحضرون الباطل، شركا أو كذبا أو غيرهما. وأصل الزور : تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته ؛ حتى يخيل أنه خلاف ما هو به. ﴿ وإذا مروا باللغو ﴾ أي بكل ما يجب أن يلغى ويطرح من قول أو فعل لا خير فيه﴿ مروا كراما ﴾ معرضين عنه منكرين له، لا يرضونه ولا يمالئون عليه ولا يجالسون أهله. يقال : تكرم فلان عما يشينه، أي تنزه وأكرم نفسه عنه،
﴿ لم يخروا عليها صم وعميانا ﴾ لم يسقطوا عليها صما وعميانا ؛ بل أكبوا عليها سامعين مبصرين بآذان واعية، وعيون راعية، منتفعين بها.
﴿ قرة أعين ﴾ ما تقر به أعيننا، أي ما تسر وتفرح به [ آية ٢٦ مريم ص ٦ ].
﴿ يجزون الغرفة ﴾ أعلى منازل الجنة وأفضلها.
﴿ ما يعبأ بكم... ﴾ أي أيّ اعتداد يعتدّ بكم ربي، لولا عبادتكم له تعالى. يقال : ما عبأت به، أي ما عددته من همي ومما يكون عبأ علي ؛ كما تقول : ما اكترثت له، أي ما عددته من كوارثي ومما يهمني. ثم خاطب الكافرين من عباده بقوله :﴿ فقد كذبتم فسوف يكون ﴾ جزاء التكذيب﴿ لزاما ﴾ عذابا دائما ملازما لكم. مصدرا لازم، كقاتل قتالا. والمراد به هنا : اسم الفاعل. والله أعلم.