ﰡ
قولُه تعالى: ﴿وإذَا خَاطَبَهُم الجاهِلونَ قَالُوا سَلاَماً﴾:
أَكثرُ الناس على أن هذا منسوخ بالأمر بالقتال والقتل، وكان هذا بمكةَقبل أن يؤمروا بالقتال. وليس قولُهم: سلاماً، من السلام الذي هوالتحية، إنما هو من السلام الذي هو التَّبَرُّأ، فالمعنى أنهم كانوا إذاخاطبهم الكفار قالوا: (سلاماً) منكم، أي: براءةً منكم.
فإن قيل: إن لفظ هذا خبر فكيف أجزتَ فيه النسخ؟
فالجواب: أن هذا ليس من الخبر الذي لا يجوز نسخُه، لأنه ليس فيهخبرٌ من الله لنا عن شيء يكون أو شيء كان فَنُسِخَ بأنه لا يكون، أو بأنه لميكن - هذا الذي لا يجوز فيه النسخ - وإنما هذا خبرٌ من الله لنا أن هذا الأمرَكان مِن فعل هؤلاء الذين هُم عبادُ الرَّحمن قبل أن يؤمروا بالقتال، وأَعْلَمَنافي موضعٍ آخر نزل بعد فعلهم ذلك، أَنه أَمَر بقتالِهم وقتلِهِم فنسخَاللهُ ما كانوا عليه، ولو أَعْلَمَنا الله في موضع آخر عن عباد الله أنهملم يكونوا يقولون للجاهلين سلاماً، لكان ذلك نسخاً للخبر الأول، وهذا لايجوز وهو نسخ الخبر بعينه، والله يتعالى عن ذلك. فإذا كان الخبر (بعينه)حكايةً عن فعل قومٍ جازَ نسخُ ذلك (الفعل) الذي أخبرنا الله تعالى بهعنهم بأن يأمرنا أن لا نَفْعَلَه، ولا يجوز نسخُ الخبر والحكايةِ بعينها، بأنهالم تكن أو (كانت) على خلاف ما (أخبرنا به) أولاً، فاعرف الفرق في ذلك.
قال أبو محمد: وقد تقدَّمَ القول (في ذلك) في قوله تعالى:﴿إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ﴾، وذكرنا قولَ من قال: إنه منسوخٌ بقوله تعالى:﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً﴾ - الآية - وقولُ مَنْ قال: إنه مُحْكَم، وبيَّنا ذلككُلَّه في سورة النساء، عند قوله: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً﴾. الآية -.