تفسير سورة الفرقان

تفسير ابن أبي زمنين
تفسير سورة سورة الفرقان من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين .
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
وهي مكية كلها.

قَوْله: ﴿تبَارك﴾ [هُوَ مِنَ] الْبَرَكَةِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَعْنَى الْبَرَكَةُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ: الْكَثْرَةُ فِي كُلِّ ذِي خَيْرٍ. ﴿الَّذِي نزل الْفرْقَان﴾ يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَفُرْقَانُهُ: حَلَالُهُ وَحَرَامُهُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقِيلَ: سُمِّيَ فُرْقَانَا؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ يَحْيَى. ﴿على عَبده﴾ يَعْنِي: مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام ﴿ليَكُون للْعَالمين﴾ يَعْنِي: الْإِنْس وَالْجِنّ ﴿نذيرا﴾ يُنْذِرُهُمْ عَذَابَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِن لم يُؤمنُوا
(وَاتَّخذُوا
252
من دونه) ﴿من دون الله﴾ (آلِهَة} يَعْنِي: الأَوْثَانَ ﴿لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وهم يخلقون﴾ أَيْ: يَصْنَعُونَهَا بِأَيْدِيهِمْ كَقَوْلِهِ: ﴿أَتَعْبُدُونَ مَا تنحتون﴾ ﴿وَلَا يملكُونَ لأَنْفُسِهِمْ﴾ يَعْنِي: الأَوْثَانَ ﴿ضَرًّا وَلا نَفْعًا﴾ {الْآيَة
253
٢ - ! (إِنْ هَذَا} يعنون: الْقُرْآن ﴿إِلَّا أفك﴾ ﴿كذب﴾ (افتراه} اختلفه؛ يَعْنُونَ: مُحَمَّدًا ﴿وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ﴾ قَالَ الْكَلْبِيّ: يعنون عبد ابْن الْحَضْرَمِيِّ وَعَدَّاسًا غُلَامَ عُتْبَةَ. قَالَ: ﴿فقد جَاءُوا ظلما﴾ أَي: شركا ﴿وزورا﴾ كذبا.
(ل ٢٣٨) قَالَ مُحَمَّدٌ: نَصْبُ (ظُلْمًا وَزُورًا) عَلَى مَعْنَى: فَقَدْ جَاءُوا بِظُلْمٍ ويزور، فَلَمَّا سَقَطَتِ الْبَاءُ عُدِّيَ الْفِعْلُ فنصب.
﴿وَقَالُوا أساطير الْأَوَّلين﴾ أَي: أَحَادِيث الْأَوَّلين ﴿اكتتبها﴾ مُحَمَّد بن عبد ابْن الْحَضْرَمِيِّ وَعَدَّاسٍ ﴿فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بكرَة وَأَصِيلا﴾.
قَالَ مُحَمَّد: (أساطير) خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف؛ الْمَعْنى: وَقَالُوا: الَّذِي جَاءَ بِهِ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، وَوَاحِد الأساطير: أسطورة.
سُورَة الْفرْقَان من (آيَة ٧ آيَة ١١).
﴿وَقَالُوا مَال هَذَا الرَّسُول﴾ فِيمَا يَدَّعِي ﴿يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاق لَوْلَا﴾ هَلَّا ﴿أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَه نذيرا﴾ يصدقهُ بمقالته
﴿أَو يلقى إِلَيْهِ كنز﴾ فَإِنَّهُ فَقِيرٌ ﴿أَوْ تَكُونُ لَهُ جنَّة يَأْكُل مِنْهَا﴾.
قَالَ مُحَمَّدٌ: تَأْوِيلُ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ وَنصب (فَيكون) عَلَى الْجَوَابِ بِالْفَاءِ، وَلَا يَجُوزُ النصب فِي ﴿تكون لَهُ﴾ لِأَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ الْمَعْنَى: لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ أَو يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جنَّة.
﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ﴾ يَعْنِي: قَوْلَهُمْ: إِنْ هَذَا إِلا إفْك افتراه، وَقَوْلهمْ: ﴿أساطير الْأَوَّلين﴾ وَقَوْلهمْ: ﴿مَال هَذَا الرَّسُول﴾ إِلَى قَوْله: ﴿مسحورا﴾. ﴿فضلوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا﴾ يَعْنِي: مَخْرَجًا مِنَ الْأَمْثَالِ الَّتِي ضروا لَك؛ فِي تَفْسِير مُجَاهِد.
﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار﴾ وَإِنَّمَا قَالُوا: هِيَ جَنَّةٌ وَاحِدَةٌ ﴿وَيجْعَل لَك قصورا﴾ مَشِيدَةً فِي الدُّنْيَا، وَهَذَا عَلَى مقرإ مَنْ لَمْ يَرْفَعْهَا، وَمَنْ قَرَأَهَا بِالرَّفْعِ؛ فَالْمَعْنَى: وَسَيَجْعَلُ لَكَ قُصُورًا فِي الْآخِرَةِ.
254
قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ بِالْجَزْمِ، فَهُوَ عَلَى جَوَابِ الْجَزَاءِ؛ الْمَعْنَى: إِنْ يَشَأْ يَجْعَلْ لَكَ جَنَّاتٍ، وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا فِي الْآخِرَةِ.
سُورَة الْفرْقَان من (آيَة ١٢ آيَة ١٦).
255
﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ مَسِيرَةَ خَمْسِمَائَةِ سَنَةٍ ﴿سَمِعُوا لَهَا تغيظا﴾ عَلَيْهِم ﴿وزفيرا﴾ صَوتا
﴿وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقرنين﴾ تَفْسِير قَتَادَة: ذكر لنا أَن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَقُولُ: " إِنَّ جَهَنَّمَ لَتَضِيقُ عَلَى الْكَافِرِ؛ كَضِيقِ الزُّجِّ عَلَى الرَّمْحِ ". وَمعنى (مُقرنين): يُقْرَنُ هُوَ وَشَيْطَانُهُ الَّذِي كَانَ يَدْعُوهُ إِلَى الضَّلَالَةِ فِي سِلْسِلَةٍ وَاحِدَةٍ، يَلْعَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَيَتَبَرَّأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ ﴿دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا﴾ يَعْنِي: وَيْلًا وَهَلَاكًا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: (ثبورا) نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ؛ كَأَنَّهُمْ قَالُوا: ثبرنا ثبورا.
﴿لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادعوا ثبورا كثيرا﴾.
قَالَ مُحَمَّد: (ثبورا) لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ عَلَى لَفْظِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ مصدر.
﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ﴾ قَالَهُ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: أَنَّ جَنَّةَ الْخُلْدِ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ.
﴿كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولا﴾ سَأَلَ الْمُؤْمِنُونَ اللَّهَ الْجَنَّةَ؛ فَأَعْطَاهُمْ إِيَّاهَا.
سُورَة الْفرْقَان من (آيَة ١٧ آيَة ٢٠).
﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عبَادي هَؤُلَاءِ﴾ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يُضِلُّوهُمْ. قَالَ مُجَاهِدٌ: يقَوْلُهُ لِعِيسَى وَعُزَيْرٍ وَالْمَلَائِكَةِ ﴿أَمْ هُمْ ضلوا السَّبِيل﴾
﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ﴾ يُنَزِّهُونَ اللَّهَ عَنْ ذَلِكَ ﴿مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ من دُونك من أَوْلِيَاء﴾ أَيْ: لَمْ نَكُنْ نُوَالِيهِمْ عَلَى عِبَادَتِهِمْ إِيَّانَا ﴿وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ﴾ فِي عَيْشِهِمْ فِي الدُّنْيَا بِغَيْرِ عَذَاب ﴿حَتَّى نسوا الذّكر﴾ حَتَّى تَرَكُوا الذِّكْرَ لَمَّا جَاءَهُمْ فِي الدُّنْيَا ﴿وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا﴾ أَيْ: هُلْكًا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: رَجُلٌ بُورٌ، وَقُوْمٌ بُورٌ؛ لَا يُجْمَعُ وَلَا يُثَنَّى. هَذَا الِاخْتِيَارُ فِيهِ، وَأَصْلُ الْبَائِرِ: الْفَاسِدُ؛ يُقَالُ: أَرْضٌ بَائِرَةٌ؛ أَيْ: مَتْرُوكَةٌ مِنْ أَنْ يُزْرَعَ
256
فِيهَا شَيْءٌ، وَبَارَتِ الْأَيِّمُ: إِذَا لم يرغب فِيهَا.
257
﴿فقد كذبوكم بِمَا تَقولُونَ﴾ أَنهم آلِهَة ﴿فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صرفا وَلَا نصرا﴾ لَا تَسْتَطِيعُ لَهُمْ آلِهَتُهُمْ صَرْفًا للعذاب وَلَا نصرا.
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاق﴾ وَهَذَا جَوَاب للْمُشْرِكين (ل ٢٣٩) حِينَ قَالُوا: مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ؟! ﴿وَجَعَلنَا بَعْضكُم لبَعض فتْنَة﴾ تَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ: يَعْنِي: الْأَنْبِيَاءَ وَقَوْمَهُمْ ﴿أَتَصْبِرُونَ﴾ يَعْنِي: الرُّسُلَ عَلَى مَا يَقُولُ لَهُمْ قَوْمُهُمْ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: فِي هَذَا إِضْمَارٌ: أَتَصْبِرُونَ اصْبِرُوا؛ كَذَلِكَ قَالَ ابْن عَبَّاس.
سُورَة الْفرْقَان من (آيَة ٢٢ آيَة ٢٦).
﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا﴾ يَعْنِي: لَا يَخْشَوْنَ الْبَعْثَ ﴿لَوْلا﴾ هلا ﴿أنزل علينا الْمَلَائِكَة﴾ فَيَشْهَدُوا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ﴿أَوْ نرى رَبنَا﴾ مُعَايَنَةً؛ فَيُخْبِرُنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ: ﴿لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أنفسهم﴾ الْآيَة.
﴿يَوْم يرَوْنَ الْمَلَائِكَة﴾ وَهَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ ﴿لَا بُشْرَى يَوْمئِذٍ للمجرمين﴾ للْمُشْرِكين بِالْجنَّةِ ﴿وَيَقُولُونَ حجرا محجوزا﴾ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: حَرَامًا مُحَرَّمًا عَلَى الْكَافِرِينَ الْبُشْرَى يَوْمَئِذٍ بِالْجَنَّةِ.
257
قَالَ مُحَمَّد: (يَوْم يرَوْنَ) مَنْصُوبٌ عَلَى مَعْنَى: يَقُولُونَ يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ، ثُمَّ أَخْبَرَ فَقَالَ: ﴿لَا بشرى﴾ الْآيَةُ، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْحَرَامِ: حِجْرٌ؛ لِأَنَّهُ حُجِرَ عَلَيْهِ بِالتَّحْرِيمِ، ثُمَّ يُقَالُ: حَجَّرْتُ حِجْرًا، وَاسْمُ مَا حجرت عَلَيْهِ حجر.
258
﴿وَقدمنَا﴾ أَيْ: عَمِدْنَا ﴿إِلَى مَا عَمِلُوا من عمل﴾ أَيْ: حَسَنٍ ﴿فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ فِي الْآخِرَةِ. تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: هُوَ الشُّعَاعُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْكُوَّةِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَاحِدُ الْهَبَاءِ: هَبَاءَةٌ، وَالْهَبَاءُ: الْمُنْبَثُّ مَا سَطَعَ مِنْ سَنَابِكِ الْخَيْلِ، وَهُوَ مِنَ الْهُبْوَةِ والهبوة: الْغُبَار.
﴿وَأَصْحَاب الْجنَّة يَوْمئِذٍ خير مُسْتَقرًّا﴾ مِنْ مُسْتَقَرِّ الْمُشْرِكِينَ ﴿وَأَحْسَنُ مَقِيلا﴾
﴿وَيَوْم تشقق السَّمَاء بالغمام﴾ هَذَا بَعْدَ الْبَعْثِ فَتَرَاهَا وَاهِيَةً مُتَشَقِّقَةً كَقَوْلِهِ: ﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أبوابا﴾ وَيَكُونُ الْغَمَامُ سُتْرَةً بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْض ﴿وَنزل الْمَلَائِكَة تَنْزِيلا﴾ مَعَ الرَّحْمَن
﴿الْملك يَوْمئِذٍ الْحق للرحمن﴾ يَقُولُ: تَخْضَعُ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَئِذٍ لِمُلْكِ الله، والجبابرة لجبروت الله.
سُورَة الْفرْقَان من (آيَة ٢٧ آيَة ٣٢).
﴿وَيَوْم يعَض الظَّالِم﴾ يَعْنِي: أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ ﴿عَلَى يَدَيْهِ﴾ أَيْ: يَأْكُلُهَا نَدَامَةً.
قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ يَحْضُرُ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَزَجَرَهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ عَنْ ذَلِكَ، فَهُو قَوْلُ أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ فِي الْآخِرَةِ. ﴿يَا لَيْتَني اتَّخذت مَعَ الرَّسُول﴾ يَعْنِي: مُحَمَّدًا ﴿سَبِيلا﴾ إِلَى الله باتباعه
﴿يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فلَانا خَلِيلًا﴾ يَعْنِي: عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ
﴿لقد أضلني عَن الذّكر﴾ يَعْنِي: الْقُرْآنَ ﴿بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي﴾ قَالَ اللَّهُ: ﴿وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خذولا﴾ يَأْمُرُهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، ثُمَّ يَخْذُلُهُ فِي الْآخِرَة
﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قومِي﴾ يَعْنِي: مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ ﴿اتَّخذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُورًا﴾ تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: يَقُولُ: يَهْجُرُونَ بِالْقَوْلِ فِيهِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ: جَعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ الْهَجْرِ، وَالْهَجْرُ: الْهَذَيَانُ وَمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنَ الْقَوْلِ؛ يُقَالُ: فُلَانٌ يَهْجُرُ فِي مَنَامه؛ أَي: يهذي.
﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا من الْمُجْرمين﴾ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ يُعَزِّي نَبِيَّهُ ﴿وَكَفَى بِرَبِّك هاديا﴾ إِلَى دينه ﴿ونصيرا﴾ للْمُؤْمِنين على أعدائهم
﴿وَقَالَ الَّذين كفرُوا لَوْلَا﴾ هلا ﴿نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن جملَة وَاحِدَة﴾ أَيْ: كَمَا نَزَلَ عَلَى مُوسَى وَعَلَى عِيسَى، قَالَ اللَّهُ: ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا﴾ يَعْنِي: وبيناه تبيينا.
259
سُورَة الْفرْقَان من (آيَة ٣٣ آيَة ٣٩).
260
قَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَ فِي ثَلَاثٍ وَعشْرين سنة ﴿وَلَا يأتوك بِمثل﴾ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ فِيمَا كَانُوا يُحَاجُّونَهُ بِهِ ﴿إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرا﴾ تبيينا
﴿أُولَئِكَ شَرّ مَكَانا﴾ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ﴿وَأَضَلُّ سَبِيلا﴾ طَرِيقًا فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ طَرِيقَهُمْ إِلَى النَّارِ وَطَرِيقُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْجنَّة
﴿وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا﴾ أَيْ: عَوْنًا وَعَضُدًا وَشَرِيكًا فِي الرسَالَة.
﴿فدمرناهم﴾ أَي: فكذبوهما ﴿فدمرناهم تدميرا﴾ أهلكناهم إهلاكا
﴿وَقوم نوح﴾ أَيْ: وَأَهْلَكْنَا قَوْمَ نُوحٍ ﴿لَمَّا كذبُوا الرُّسُل﴾ يَعْنِي: نوحًا
﴿وعادا وثمودا﴾ أَي: وأهلكنا عادا وثمودا ﴿وَأَصْحَاب الرس﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: الرَّسُّ بِئْرٌ كَانَ عَلَيْهَا نَاسٌ.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي أَنَّ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْهُمْ شُعَيْبٌ [وَأَنَّهُ] أُرْسِلَ إِلَى أَهْلِ مَدْيَنَ، وَإِلَى [أهل] الرُّسُل جَمِيعًا.
260
﴿وقرونا بَين ذَلِك كثيرا﴾ أَيْ: وَأَهْلَكْنَا قُرُونًا يَعْنِي: أُمَمًا. قَالَ قَتَادَةُ: الْقَرْنُ: سَبْعُونَ سَنَةً
261
﴿وكلا﴾ يَعْنِي: مَنْ ذُكِرَ مِمَّنْ مَضَى (ل ٢٤٠) ﴿ضربنا بِهِ الْأَمْثَال﴾ أَيْ: خَوَّفْنَاهُمُ الْعَذَابَ ﴿وَكُلًّا تَبَّرْنَا﴾ أهلكنا ﴿تتبيرا﴾ إهلاكا بتكذيبهم رسلهم.
سُورَة الْفرْقَان: من (آيَة ٤٠ ٤٣).
﴿وَلَقَد أَتَوا﴾ يَعْنِي: مُشْرِكِي الْعَرَبِ ﴿عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أمْطرت مطر السوء﴾ يَعْنِي: قَرْيَةَ قَوْمِ لُوطٍ، وَمَطَرُ السَّوْءِ: الْحِجَارَةُ الَّتِي رُمِيَ بِهَا مِنَ السَّمَاءِ مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَأَهْلُ السَّفَرِ مِنْهُمْ قَالَ: ﴿أفلم يَكُونُوا يرونها﴾ فَيَتَفَكَّرُوا وَيَحْذَرُوا أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِهِمْ؛ أَيْ: بَلَى قَدْ أَتَوْا عَلَيْهَا وَرَأَوْهَا. ﴿بَلْ كَانُوا لَا يرجون﴾ لَا يخَافُونَ ﴿نشورا﴾ بعثا وَلَا حسابا.
﴿لَوْلَا أَن صَبرنَا عَلَيْهَا﴾ عَلَى عِبَادَتِهَا، قَالَ اللَّهُ: ﴿وَسَوْفَ يعلمُونَ حِين يرَوْنَ الْعَذَاب﴾ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ ﴿مَنْ أضلّ سَبِيلا﴾ أَيْ: مَنْ كَانَ أَضَلَّ سَبِيلًا فِي الدُّنْيَا؛ أَيْ: سَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَضَلَّ سَبِيلًا مِنْ مُحَمَّدٍ
﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾.
261
قَالَ مُحَمَّدٌ: يَقُولُ: يَتَّبِعُ هَوَاهُ وَيَدَعُ الْحَقَّ؛ فَهُوَ لَهُ كَالْإِلَهِ ﴿أفأنت تكون عَلَيْهِ وَكيلا﴾ حَفِيظًا تَحْفَظُ عَلَيْهِ عَمَلَهُ حَتَّى تُجَازِيَهُ بِهِ؛ أَيْ: أَنَّكَ لَسْتَ بِرَبّ، إِنَّمَا أَنْت نَذِير.
سُورَة الْفرْقَان من (آيَة ٤٤ آيَة ٤٩).
262
﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَو يعْقلُونَ﴾ يَعْنِي: جَمَاعَةَ الْمُشْرِكِينَ ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كالأنعام﴾ فِيمَا يَعْبُدُونَهُ ﴿بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا﴾ يَعْنِي: أَخطَأ طَرِيقا
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مد الظل﴾ مَدَّهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ ﴿وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنا﴾ أَيْ: دَائِمًا لَا يَزُولُ ﴿ثُمَّ جعلنَا الشَّمْس عَلَيْهِ﴾ أَي: على الظل ﴿دَلِيلا﴾ أَيْ: تَتَلُوهُ وَتَتْبَعُهُ حَتَّى تَأْتِي عَلَيْهِ [كُله]
﴿ثمَّ قبضناه﴾ يَعْنِي: الْظِلَّ ﴿إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا﴾ أَي: يَسِيرا علينا
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لباسا﴾ يَعْنِي: سَكَنًا يَسْكُنُ فِيهِ الْخَلْقُ ﴿وَالنَّوْم سباتا﴾ يُسَبِتُ النَّائِمَ حَتَّى لَا يَعْقِلَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: أَصْلُ السَّبْتِ: الرَّاحَةُ. ﴿وَجعل النَّهَار نشورا﴾ يُنْشَرُ فِيهِ الْخَلْقُ لِمَعَايِشِهِمْ وَحَوَائِجِهِمْ
(وَهُوَ الَّذِي
262
أَرْسَلَ الرِّيَاحَ نُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} يَعْنِي: الْمَطَرَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: (نُشُرًا) بِالضَّمِّ جَمْعُ: نَشُورٍ؛ مِثْلَ: رَسُولٌ وَرُسُلٌ. ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاء﴾ يَعْنِي: الْمَطَر ﴿طهُورا﴾ لِلْمُؤْمِنِينَ يَتَطَهَّرُونَ بِهِ مِنَ الْأَحْدَاثِ والجنابة
263
﴿لنحيي بِهِ بَلْدَة مَيتا﴾ يَعْنِي: الْيَابِسَ الَّتُي لَا نَبَاتَ فِيهَا.
قَالَ مُحَمَّد: (مَيتا) وَلَفْظُ (الْبَلْدَةِ) مُؤَنَّثٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْبَلَدِ وَالْبَلْدَةِ وَاحِدٌ. ﴿وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خلقنَا أنعاما وأناسي كثيرا﴾
قَالَ مُحَمَّد: (أناسي) جَمْعُ إِنْسِيٍّ؛ مِثْلُ: كُرْسِيٍّ وَكَرَاسِيَّ.
سُورَة الْفرْقَان من (آيَة ٥٠ آيَة ٥٥).
﴿وَلَقَد صرفناه بَينهم﴾ أَيْ: قَسَمْنَاهُ؛ يَعْنِي: الْمَطَرَ؛ مَرَّةً لِهَذِهِ الْبَلْدَةِ، وَمَرَّةً لِبَلْدَةٍ أُخْرَى ﴿لِيذكرُوا﴾ بِهَذَا الْمَطَرِ؛ فَيَعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ الْمَطَرِ الَّذِي
263
يَعِيشُ بِهِ الْخَلْقُ، وَيَنْبُتُ بِهِ النَّبَاتُ فِي الْأَرْضِ الْيَابِسَةِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴿فَأَبَى أَكثر النَّاس إِلَّا كفورا﴾ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: يَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا.
264
﴿وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَة نذيرا﴾ رَسُولا
﴿فَلَا تُطِع الْكَافرين﴾ فِيمَا يَنْهَوْنَكَ عَنْهُ مِنْ طَاعَةِ الله ﴿وجاهدهم بِهِ﴾ بِالْقُرْآنِ، وَهَذَا الْجِهَادُ بِاللِّسَانِ مِنْ قبل أَن يُؤمر بقتالهم.
﴿وَهُوَ الَّذِي مرج الْبَحْرين﴾ أَيْ: أَفَاضَ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ ﴿هَذَا عذب فرات﴾ أَيْ: حُلْوٌ ﴿وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾ أَيْ: مُرٌّ ﴿وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا﴾ أَيْ: حَاجِزًا لَا يُرَى؛ لَا يَغْلِبُ الْمَالِحُ عَلَى الْعَذْبِ، وَلَا الْعَذْبُ عَلَى الْمَالِحِ.
﴿وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾ حَرَامًا مُحَرَّمًا أَنْ يَغْلِبَ أَحَدُهُمَا على الآخر.
﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بشرا﴾ خَلَقَ مِنَ النُّطْفَةِ إِنْسَانًا ﴿فَجَعَلَهُ نسبا وصهرا﴾.
قَالَ مُحَمَّدٌ: يَعْنِي: قَرَابَةَ النَّسَبِ وقرابة النِّكَاح.
﴿وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا﴾ أَيْ: عَوِينًا؛ يَقُولُ: يُظَاهِرُ الشَّيْطَانَ على ترك أَمر ربه.
سُورَة الْفرْقَان من (آيَة ٥٦ آيَة ٦٢).
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا مبشرا﴾ بِالْجنَّةِ ﴿وَنَذِيرا﴾ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِن لم يُؤمنُوا
﴿قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ﴾ عَلَى الْقُرْآنِ ﴿مِنْ أَجْرٍ إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى ربه سَبِيلا﴾ يَقُولُ: إِنَّمَا جِئْتُكُمْ بِالْقُرْآنِ لِيَتَّخِذَ بِهِ مَنْ آمَنَ بِرَبِّهِ سَبِيلًا بِطَاعَتِهِ
﴿الرَّحْمَن فاسأل بِهِ خَبِيرا﴾ أَيْ: خَبِيرًا [بِالْعِبَادِ].
قَالَ مُحَمَّدٌ: من قَرَأَ (الرَّحْمَن) بِالرَّفْعِ فَعَلَى الِابْتِدَاءِ (وَالْخَبَرُ ﴿فَاسْأَلْ بِهِ﴾.
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرنَا وَزَادَهُمْ نفورا﴾ أَيْ: زَادَهُمْ قَوْلُهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ) (ل ٢٤١) نفورا عَن الْقُرْآن.
﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بروجا﴾ (أَيْ: نُجُومًا؛ يَعْنِي: نَفْسَهُ جَلَّ وَعز) ﴿وَجعل فِيهَا سِرَاجًا﴾ يَعْنِي: الشَّمْس ﴿وقمرا منيرا﴾ مضيئا
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَو أَرَادَ شكُورًا﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَقُولُ: مَنْ عَجَزَ فِي اللَّيْلِ كَانَ لَهُ فِي النَّهَارِ مُسْتَعْتَبٌ، وَمَنْ عَجَزَ فِي
265
النَّهَارِ كَانَ لَهُ فِي اللَّيْلِ مُسْتَعْتَبٌ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: ﴿خِلْفَةً﴾ يَعْنِي: يخلف هَذَا هَذَا، وَمِثْلُهُ قَوْلُ زُهَيرٍ:
(بِهَا الْعِينُ وَالْآرَامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً وَأَطْلَاؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلِّ مَجْثَمِ)
الرِّيمُ: وَلَدُ الظَّبْيِ، وَجَمْعُهُ آرَامُ، يَقُولُ: إِذَا ذهب فَوْج جَاءَ فَوْج.
سُورَة الْفرْقَان من (آيَة ٦٣ آيَة ٦٧).
266
﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْض هونا﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: مَدَحَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَذَمَّ الْمُشْرِكِينَ؛ فَقَالَ: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا﴾ أَيْ: حِلْمًا، يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ لَسْتُمْ بِحُلَمَاءَ، وَالْهَوْنُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: اللَّيِنُ وَالسَّكِينَةُ. ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾ تَفْسِير مُجَاهِد قَالُوا: سدادا
﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ يَعْنِي: يُصَلُّونَ، وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ لَا تُصَلُّونَ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ صَلَّى مِنَ اللَّيْلِ رَكْعَتَيْنِ، فَهُوَ مِنَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لرَبهم سجدا وقياما
﴿إِن عَذَابهَا كَانَ غراما﴾ أَيْ: لِزَامًا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: الْغَرَامُ فِي اللُّغَةِ: أَشَدُّ الْعَذَابِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ مُغْرَمٌ بِالنِّسَاءِ؛ أَيْ: مهلك بِهن.
﴿إِنَّهَا ساءت مُسْتَقرًّا ومقاما﴾ أَيْ: بِئْسَ الْمُسْتَقَرُّ هِيَ وَالْمَنْزِلُ.
قَالَ مُحَمَّد: (مُسْتَقرًّا ومقاما) مَنْصُوبَانِ عَلَى التَّمْيِيزِ؛ الْمَعْنَى: أَنَّهَا ساءت فِي المستقر وَالْمقَام.
﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلم يقترُوا﴾ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: الْإِسْرَافُ: النَّفَقَةُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، والإِقْتَارُ: الْإِمْسَاكُ عَنْ حَقِّ اللَّهِ. ﴿وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قواما﴾ وَهِذِهِ نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ.
سُورَة الْفرْقَان من (آيَة ٦٨ آيَة ٧١).
﴿وَالَّذين لَا يدعونَ﴾ أَيْ: لَا يَعْبُدُونَ ﴿مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخر﴾ قَالَ الْحَسَنُ: خَافَ قَوْمٌ أَنْ يُؤْخَذُوا بِمَا عَمِلُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ وَذَكَرُوا الْفَوَاحِشَ، وَقَالُوا: قَدْ قَتَلْنَا وَفَعَلْنَا؛ فَأَنْزَلَ الله ﴿وَالَّذين لَا يدعونَ﴾ أَيْ: لَا يَعْبُدُونَ ﴿مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ﴾ يَعْنِي:
267
بعد إسْلَامهمْ ﴿وَلَا يزنون﴾ يَعْنِي: بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِك يلق أثاما﴾ قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: نكالا
268
﴿يُضَاعف لَهُ الْعَذَاب﴾.
قَالَ مُحَمَّدٌ: تَأْوِيلُ الْأَثَامِ فِي اللُّغَةِ: الْمُجَازَاةُ عَلَى الشَّيْءِ، يُقَالُ: قَدْ لَقِيَ أَثَامَ ذَلِكَ؛ أَيْ جَزَاءَ ذَلِكَ، وَمَنْ قَرَأَ ﴿يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَاب﴾ بِالْجَزْمِ فَلِأَنَّ مُضَاعَفَةَ الْعَذَابِ لَقْيُ الْأَثَامِ. وَمَنْ قَرَأَ: (يُضَاعَفُ) بِالرَّفْعِ فَعَلَى مَعْنَى التَّفْسِيرِ؛ كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ: مَا لَقْيُ الْأَثَامِ، فَقِيلَ: يُضَاعف للآثم الْعَذَاب.
﴿إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عملا صَالحا﴾ قَالَ قَتَادَةُ: ﴿إِلا مَنْ تَابَ﴾ أَيْ: رَجَعَ مِنْ ذَنْبِهِ ﴿وَآمَنَ﴾ بربه ﴿وَعمل صَالحا﴾ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ﴿فَأُولَئِكَ يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات﴾ فَأَمَّا التَّبْدِيلُ فِي الدُّنْيَا: فَطَاعَةُ اللَّهِ بَعْدَ عِصْيَانِهِ، وَذِكْرُ اللَّهِ بعد نسيانه
﴿وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوب إِلَى الله متابا﴾ أَيْ: يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ إِذَا تَابَ قبل الْمَوْت.
سُورَة الْفرْقَان من (آيَة ٧٢ آيَة ٧٧).
﴿وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور﴾ الشّرك ﴿وَإِذا مروا بِاللَّغْوِ﴾ الْبَاطِلِ وَهُو مَا فِيهِ الْمُشْرِكُونَ ﴿مروا كراما﴾ أَي: لَيْسُوا من أَهله
﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ يَعْنِي: الْقُرْآنَ ﴿لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صمًّا وعميانا﴾ أَيْ: لَمْ يَصُمُّوا عَنْهَا،
268
وَلم يعموا عَنْهَا.
269
﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ أَيْ: يَرَوْنَهُمْ مُطِيعِينَ لِلَّهِ ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتقين إِمَامًا﴾ يؤتم بِنَا فِي الْخَيْر.
﴿أُولَئِكَ يجزون الغرفة﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾. ﴿ويلقون فِيهَا تَحِيَّة وَسلَامًا﴾ التَّحِيَّة: السَّلَام.
﴿قل مَا يعبؤا بكم﴾ مَا يَفْعَلُ بِكُمْ ﴿رَبِّي لَوْلا دعاؤكم﴾ لَوْلَا توحيدكم ﴿فقد كَذبْتُمْ﴾ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ ﴿فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا﴾ أَيْ: أَخْذًا بِالْعَذَابِ يَعِدُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ؛ فَأَلْزَمَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ عُقُوبَةَ كُفْرِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ فَعَذَّبَهُمْ بِالسَّيْفِ.
269
تَفْسِيرُ سُورَةِ طسم الشُّعَرَاءِ وَهِيَ مَكِّيَّة كلهَا

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

سُورَة الشُّعَرَاء من (آيَة ١ آيَة ٩).
270
Icon