مدنية
ﰡ
مدنية
قوله: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض﴾ إلى قوله: (شَدِيدُ الْعِقَابِ) الآيات [١ - ٧].
أي: صلى وسجد لله ما في السماوات وما في الأرض من خلقه، وهو العزيز في انتقامه من أعدائه، الحكيم في تدبير خلقه.
ثم قال: ﴿هُوَ الذي أَخْرَجَ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الحشر﴾ يعني: بني النضير حاصرهم النبي ﷺ في منصرفه من أحد، لأنهم أعانوا المشركين على المسلمين ونقضوا العهد، فلما ضيق عليهم صالحهم على أن لهم ما حملت الأبل من رحالتهم سوى الحلقة، والحلقة: السلاح، وأجلاهم إلى الشام، وذلك أول
قال عكرمة: إن شككتم أن الشام أرض المحشر فاقرأوا أول الحشر.
وقال ابن عباس: لأول الحشر، أنهم أول من حشر من أهل الكتاب وأخرج من ديارهم.
﴿وظنوا أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ الله﴾ روي أن المنافقين بعثوا إليهم من المدينة لما حاصرهم النبي ﷺ يأمروهم بالثبات في حصونهم ويعدونهم النصرة، وهو قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب﴾ [الحشر: ١١] الآية.
وقوله: ﴿لأَوَّلِ الحشر﴾ هو إخراج النبي بني النضير من المدينة إلى خيبر، وآخر الحشر هو إخراجهم من خيبر إلى أريحا وأذرعات، وذلك على يد عمر رضي الله عنهـ. وقيل آخر حشرهم يوم القيامة.
ثم قال: ﴿فَأَتَاهُمُ الله مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ﴾ أي: فجاءهم أمر الله، فقذف في قلوبهم الرعب عند نزول النبي ﷺ وأصحابه بهم، فذهب ما كانوا يظنون أن حصونهم مانعة لهم من النبي عليه السلام وأصحابه.
وروى ابن عباس عن النبي ﷺ أنه قال: " نصرت بالرعب على مسيرة شهر ".
ومعنى ﴿يَحْتَسِبُواْ﴾: يظنوا. وقيل: يعلموا، من قول الناس: حسبه الله: أي: العالم بخبره الله، وهو الذي يجازيه.
وقيل: معناه: كافي إياك الله. من قولهم: أحسب الشيء: إذا كفاه وقيل حسبك الله: معناه: محاسبك، كشريب بمعنى شارب. وقيل: حسبك الله معناه،
[النساء: ٨٦] أي: مقتدرا.
ثم قال: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ﴾. من خفف فمعناه: [يتركونها معطلة، والبيت المعطل خراب، وقيل معناه يهدمونها، ومن يشدَّد فمعناه: يهدمونها أياً: كأذكرت الرجل وذكرته (وأبلغته)، ومعناه: أن المؤمنين كانوا يهدمون الحصون ليدخلوا عليهم البيوت واليهود [يهدمون بيوتهم ويبنون ما هدم المؤمنون من الحصن فهم والمؤمنون يهدمون] مساكنهم وبيوتهم قاله ابن عباس والضحاك.
وقيل: إنهم / لما صولحوا على ما حملت إبلهم كان أحدهم ينظر إلى الخشبة في منزله فيستحسنها والعمود والباب. فينزع ذلك ويهدمه فيحمله معه، والمؤمنون يهدمون ما بقي.
قال قتادة: كان المسلمون يخربون من خارج ليدخلوا على اليهود، واليهود يخربون من داخل.
ثم قال ﴿فاعتبروا يا أولي الأبصار﴾ أي: فاتعظوا يا معشر ذوي الأفهام بما أحل الله بهؤلاء اليهود.
وقيل معناه: يا من أبصر بعينه، والأول أحسن.
والاعتبار اشتقاقه من عبر إلى كذا: إذا جاوز إليه، والعبرة منه لأنها متجاوزة من العين إلى الخد.
ثم قال ﴿وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ الله عَلَيْهِمُ الجلاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدنيا﴾ أي: لولا أن الله تعالى ( قضى وحتم على هؤلاء اليهود الجلاء) لعذبهم في الدنيا بالسيف [والسبي]، ولهم مع ذلك في الآخرة عذاب النار.
قال الزهري: كان النضير من سبط لم يصبهم جلاء قط فيما مضى، وكان الله تعالى قد كتب عليهم الجلاء، فأتم فيهم قضاءه، ولولا ذلك لعذبهم بالسيف والسبي في الدنيا.
وحكى غيره: جلوا عن منازلهم يجلون، قال ابن عباس كان النبي عليه السلام قد حاصرهم حتى بلغ بهم كل مبلغ فأعطوا ما أراد منهم، فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم، وأن يخرجهم من أرضهم ويسيرهم إلى أذرعات الشام، وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرا وسقاء.
قال عكرمة : إن شككتم أن الشام أرض المحشر فاقرأوا ٣ أول الحشر ٤.
وقال ابن عباس : لأول الحشر، أنهم ٥ أول من حشر من أهل الكتاب وأخرج من ديارهم ٦.
ثم قال :﴿ ما ظننتم أن يخرجوا ﴾ يقوله للمؤمنين، لم تظنوا أيها المؤمنون أنهم يخرجون من ديارهم/ لشدتهم واجتماع كلمتهم.
﴿ وظنوا ٧ أنهم مانعتهم حصونهم من الله ﴾ روي أن المنافقين بعثوا إليهم من المدينة لما حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم ٨ يأمرونهم بالثبات في حصونهم ويعدونهم النصرة ٩، وهو قوله :﴿ ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب ﴾ ١٠ الآية ١١.
وقوله :﴿ لأول الحشر ﴾ هو إخراج النبي ١٢ بني النضير من المدينة إلي خيبر، وآخر الحشر هو إخراجهم من خيبر إلى أريحا وأذارعات، وذلك على يد عمر رضي الله عنه ١٣ ١٤. وقيل آخر ١٥ حشرهم يوم القيامة ١٦.
ثم قال :﴿ فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ﴾ أي : فجاءهم أمر الله، فقذف في قلوبهم الرعب عند نزول النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بهم، فذهب ما كانوا يظنون أن حصونهم مانعة لهم ١٧ من النبي عليه السلام ١٨ وأصحابه.
وقال أبو صالح : معنى :﴿ فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ﴾ : هو قتل كعب ابن الأشرف ١٩ ٢٠.
وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ٢١ أنه قال : " نصرت بالرعب على مسيرة شهر " ٢٢.
ومعنى ﴿ يحتسبوا ﴾ : يظنوا ٢٣. وقيل : يعلموا، من قول الناس : حسبه الله : أي : العالم بخبره الله، وهو الذي يجازيه ٢٤.
وقيل : معناه : كافي إياك الله. من قولهم : أحسب الشيء : إذا كفاه ٢٥ وقيل حسبك ٢٦ الله : معناه : محاسبك، كشريب بمعنى شارب ٢٧. وقيل : حسبك ٢٨ الله معناه، المقتدر عليك الله، ومنه قوله :﴿ كان على كل شيء حسيبا ﴾ ٢٩ أي : مقتدرا ٣٠.
ثم قال :﴿ يخربون ديارهم بأيديهم ﴾ ٣١. من خفف فمعناه :[ يتركونها معطلة، والبيت المعطل خراب، وقيل معناه يهدمونها، ومن يشدد ] ٣٢ فمعناه : يهدمونها أيضا ٣٣ : كأذكرت الرجل ٣٤ وذكرته ( وأبلغته ) ٣٥ ٣٦، ومعناه : أن المؤمنين كانوا يهدمون الحصون ليدخلوا عليهم البيوت واليهود [ يهدمون بيوتهم ويبنون ما هدم المؤمنون من الحصن فهم والمؤمنون يهدمون ] ٣٧ مساكنهم وبيوتهم قاله ابن عباس والضحاك ٣٨.
وقيل : إنهم/ لما صولحوا على ما حملت إبلهم كان أحدهم ينظر إلى الخشبة في منزله فيستحسنها والعمود ٣٩ والباب. فينزع ذلك ويهدمه فيحمله معه، والمؤمنون يهدمون ما بقي ٤٠.
قال قتادة : جعل المؤمنون يخربون من ظاهر وجعلوا هم يخربون من داخل ٤١.
قال الزهري لما صالحوا كانوا لا تعجبهم خشبة إلا أخذوها، فكان ذلك خرابهم لبيوتهم، وهو معنى قول ابن زيد ٤٢.
قال قتادة : كان المسلمون يخربون من خارج ليدخلوا على اليهود، واليهود يخربون من داخل ٤٣.
ثم قال ﴿ فاعتبروا يا أولي الأبصار ﴾ أي : فاتعظوا يا معشر ذوي الأفهام بما أحل الله بهؤلاء اليهود.
وقيل معناه : يا من أبصر بعينه، والأول أحسن.
والاعتبار اشتقاقه من عبر إلى كذا : إذا جازوا إليه، والعبرة منه لأنها متجاوزة من العين إلى الخد ٤٤.
ثم قال ﴿ ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ﴾ أي : لولا أن الله عز وجل ٤٥ ( قضى وحتم على هؤلاء اليهود الجلاء ) ٤٦ لعذبهم في الدنيا بالسيف [ والسبي ] ٤٧، ولهم مع ذلك في الآخرة عذاب النار.
قال الزهري : كان النضير من سبط لم يصبهم جلاء قط فيما مضى، وكان الله عز وجل ٤٨ قد كتب عليهم الجلاء، فأتم فيهم قضاءه، ولولا ذلك لعذبهم بالسيف والسبي في الدنيا ٤٩.
والجلاء : الانتقال من مكان إلى مكان، يقال جلا القوم من منازلهم وأجليتهم ٥٠. وحكى أحمد بن ٥١يحيى : أجلي ٥٢ القوم من منازلهم. بمعنى : جلوا ٥٣.
وحكى غيره : جلوا عن منازلهم يجلون ٥٤، قال ابن عباس ٥٥ كان النبي عليه السلام ٥٦ قد حاصرهم حتى بلغ بهم كل مبلغ فأعطوا ما أراد منهم، فصالحهم على أن يحقن ٥٧ لهم دماءهم ٥٨، وأن يخرجهم من ٥٩ أرضهم ويسيرهم ٦٠ إلى أذرعات الشام، وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرا وسقاء ٦١ ٦٢.
٢ ذكره ابن جرير في جامع البيان ٢٨/٨٠، وابن كثير ٤/٣٣٣، والسيوطي في الدر المنثور ٨/٩٨ فقال: أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن، ولم أعثر عليه فيما رجعت إليه من كتب التخريج..
٣ ع، ج: "فأقروا": وهو تحريف..
٤ انظر: تفسير القرطبي ٢/١٨..
٥ ع: "هم"..
٦ ع: "عن دياره"..
٧ ع، ج: "وظنوا هم أنهم"..
٨ ساقط من ع..
٩ ع، ج: "والنمر"..
١٠ ساقط من ع..
١١ ع: "الآيات"، سورة الحشر: ١١..
١٢ ساقط من ع، ج..
١٣ ساقط من ع..
١٤ انظر: تفسير القرطبي ١٧/٢..
١٥ ع: "إلى خيبر"..
١٦ انظر: تفسير القرطبي ١٨/٣..
١٧ ساقط من ع..
١٨ ساقط من ع. ج..
١٩ كعب بن الأشرف الطائي، من بني نبهان، شاعر جاهلي، كانت أمه من بني النضير، أدرك الإسلام ولم يسلم، وأكثر من هجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتشبيب بنسائهم. انظر: الكامل لابن الأثير ٢/١٤٣، والمحبر ١١٧..
٢٠ انظر: تفسير القرطبي ٣/١٨..
٢١ ع: "عليه السلام"..
٢٢ أخرجه البخاري في كتاب التيمم ١/٨٦، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة ٥/٣ ٤ -٥ وأحمد في المسند ١/٣٠١ و ٢/٢٢٢ ٢٦٤ و ٣١٤و٣٩٦و٤١٢و٤٥٥. والنسائي كتاب الغسل – باب: التيمم بالصعيد ١/٢٠٩ والدارمي كتاب السير – باب: الغنيمة لا تحل لأحد قبلنا ٢/٢٢٤. والبغوي في شرح السنة كتاب الفضائل باب: فضائل سيد الأولين والآخرين محمد صلوات الله عليه وعلى آله أجمعين وشمائله ١٣/١٩٦..
٢٣ انظر: إعراب النحاس ٤/٣٨٥..
٢٤ انظر: إعراب النحاس ٤/٣٨٦..
٢٥ انظر: إعراب النحاس ٤/٣٨٦..
٢٦ ح: "حسيبك"..
٢٧ انظر: إعراب النحاس ٤/٣٨٦..
٢٨ ح: "حسبك"..
٢٩ النساء: ٨٥..
٣٠ انظر: إعراب النحاس ٤/٣٨٦، والصحاح ١/١١٠، واللسان ١/٦٢٩ وتاج العروس ١/٢١١..
٣١ ساقط من ع، ج..
٣٢ ساقط من ح..
٣٣ انظر: هنا التوجيه في الكشف ٢/٣١٦، وحجة القراءات ٧٠٥، وهي قراءة أبو عمرو في النشر ٢/٣٨٦..
٣٤ ح: "الويل" وهو تحريف..
٣٥ ع: وبلغته وأبلغته"..
٣٦ وهو قول سيبويه في إعراب النحاس ٤/٣٨٦..
٣٧ ساقط من ح..
٣٨ انظر: جامع البيان ٢٨/٢١..
٣٩ ح: "العود"..
٤٠ انظر: جامع البيان ٢٨/٢٠..
٤١ انظر: جامع البيان ٢٨/٢٠..
٤٢ انظر: جامع البيان ٢٨/٢٠، وتفسير القرطبي ١٨/٤..
٤٣ انظر: تفسير القرطبي ١٨/٤..
٤٤ انظر: إعراب النحاس ٤/٣٨٦، ومفردات الراغب ٣٢٠. واللسان ٢/٦٦٨..
٤٥ ساقط من ع. ج..
٤٦ ع، ج: "وقضى على هؤلاء اليهود أنهم يجلون عن ديارهم"..
٤٧ ساقط من ح..
٤٨ ساقط من ع، ج..
٤٩ انظر: جامع البيان ٢٨/٢٢، وابن كثير ٤/٣٣٣..
٥٠ انظر: جامع البيان ٢٨/٢١، وإعراب النحاس ٤/٢٨٩..
٥١ أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار الشيباني بالولاء، أبو العباس المعروف بثعلب إمام الكوفيين في النحو واللغة، كان رواية للشعر محدثا مشهورا بالحفظ وصدق اللهجة، ثقة حجة، من كتبه "الفصيح" وقواعد الشعر" و "شرح ديوان زهير" و "معاني القرآن" و "إعراب القرآن" وكتب أخرى. أخذ عن محمد بن زياد الأعرابي، وعنه الأخفش وابن عرفة وابن الأنباري. انظر: وفيات الأعيان ١/١٠٢، ونزهة الألباء ٢٢٨، وإنباه الرواة ١/١٣٨ وبغية الوعاة ١/٣٩٦، وتاريخ بغداد ٥/٢٠٤...
٥٢ ع: "جلاء" وفي ج: "أجلا"، وح :"أجل"..
٥٣ نظر: إعراب النحاس ٤/٣٨٩..
٥٤ انظر: البحر المحيط ٨/٢٤٤..
٥٥ ع، ج: "ابن زيد"..
٥٦ ع، ج: "صلى الله عليه وسلم"..
٥٧ ع، ج: "يخقن" وفي ح "يخفي"..
٥٨ ح، ج : "دماؤهم"..
٥٩ ع : (إلى من)، وج "إلى"..
٦٠ ح: "ولسيدهم" وهو تحريف..
٦١ ح: "وسقا"..
٦٢ انظر: جامع البيان ٢٨/٢٢، وابن كثير ٤/٣٣٤، والدر المنثور ٨/٩١..
ثم قال تعالى: ﴿وَمَن يُشَآقِّ الله فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب﴾ أي: ومن يخالف الله في أمره فإن الله شديد العقاب له في الآخرة.
قال: ﴿مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً على أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ الله﴾.
أي: ما قطعتم من ألوان النخل أو تركتموها قائمة فلم تقطعوها. واللينة
وقال مجاهد: اللينة: النخل كله من العجوة وغيرها، وقال: نهى بعض المهاجرين بعضاً عن قطع النخل، وقال: إنما هي مغانم المسلمين، فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطعه وتحليل قطع من قطع، فاعلموا أن ما قطع منه وما ترك بإذن الله كان.
وقال ابن زيد اللينة: النخلة عجوة كانت أو غير عجوة.
وعن سفيان الثوري: اللينة: كرام النخل.
وقال أبو عبيدة: هي ألوان النخل ما لم تكن العَجْوَةُ واُلْبَرْنِي.
وروي: " أن النبي ﷺ لما حاصرهم فتحصنوا [وأبوا أن يخرجوا، قطع نخلهم وأحرقها، فقالوا يا محمد أنت تنهى عن الفساد] فما معنى هذا؟ فوقع في قلوب المسلمين من ذلك شيء فأنزل الله تعالى ﴿ مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ﴾ " الآية ".
وروى: أن أبا بكر نهى المسلمين عن قطع النخل [حين] وجه بهم لفتح الشام، وإنما ذلك لأن النبي ﷺ [ أعلمهم] أن الشام ستفتح عليهم، فلما تيقن
والياء في " لينة " منقلبة عن واو / لأنها من اللون، وقيل هي مشتقة من لأن يلين، فتكون الياء أصلية غير منقلبة.
ومعنى: ﴿فَبِإِذْنِ الله﴾ أي: فبأمر الله قطعت نقمة من أعدائه وخزياً لهم وهو قوله: ﴿وَلِيُخْزِيَ الفاسقين﴾ ليذلهم، وهم بنو النضير.
قال: ﴿وَمَآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ﴾ أي: الذي رد الله على رسوله ﷺ من أموال بني النضير فلم توجفوا على غنيمته وأخذه خيلاً ولا إبلاً، أي: لم تلقوا في ذلك حرباً ولا مئونة، لأنهم معكم في بلدكم. قال قتادة: ما قطعتم إليهم وادياً، ولا سرتم مسيراً، إنما كانت حوائط بين النضير طعمة لكم من عند الله. / (وقد قيل إنما عني بذلك) أموال بني قريظة، إذ قتلهم النبي ﷺ، وسباهم لما استولى عليهم، قاله الضحاك. وأكثر المفسرين على أنهم بنو النضير، لأنهم
قال مجاهد: في قوله ﴿فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ﴾ ذكرهم ربهم تعالى أنه نصرهم وكفاهم.
قال ابن عباس: " أمر الله تعالى رسوله ﷺ بالمسير إلى قريظة والنضير، وليس للمسلمين يومئذ كبير خيل ولا ركاب يوجف عليها فملكوا من ذلك خيبر وفدك
ولكني أقره على ما كان في (عهد رسول الله) ﷺ فقال ناس: هلا قسمها النبي ﷺ، فأنزل الله تعالى ﴿ مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ﴾.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا﴾.
ثم قال: ﴿والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي: ذو قدرة على كل شيء، لا يعجزه شيء، وبقدرته سلط محمدا ﷺ على بني النضري وغيرهم.
قال: ﴿مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القربى﴾.
أي: الذي رد الله تعالى على رسوله ﷺ من أموال مشركي القرى [فلله وللرسول يعني القرى] التي غنمت بقتال وإيجاف خيل وركاب، ثم نسخ ذلك في سورة الأنفال بقوله: ﴿واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ﴾ [الانفال: ٤١] الآية.
وقيل: أي: هذا فيما غنمتم بصلح من غير إيجاف خيل أو ركاب فيكون مثل الأول في المعنى، إلا أن الأول مخصوص في (بني النضير) خاصة يتفرد به
وقيل: أن هذا غير الأول لأن هذا إنما هو في ما كان من الجزية. والخراج يكون لهؤلاء الأصناف المذكورين، والأول للنبي عليه السلام خاصة، وما في الأنفال هو ما غنم بإيجاف خيل وركاب وقتال يكون للأصناف المذكورين، وهذا القول قاله معمر.
ثم قال: ﴿كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغنيآء مِنكُمْ﴾ أي: فعلنا ذلك في هذه الغنائم كي لا يقتسمه الأغنياء منكم ويتداولوه بينهم دون من ذكر الله تعالى.
ثم قال: ﴿واتقوا الله﴾ أي: اتقوه أن تخالفوا رسوله.
أي ولكن يكون ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى للفقراء المهاجرين، يعني مهاجرة قريش.
قال مجاهد: / جعل / الله تعالى ما أفاء الله على رسوله من قريظة لمهاجرة قريش الذين أخرجهم المشركون من ديارهم وأموالهم، فخرجوا ملتمسين فضلاً، أي: ثوابا من الله ورضونا منه عليهم، وناصرين دين الله تعالى ورسوله ﷺ.
﴿ أولئك هُمُ الصادقون﴾ أي: صدقوا في فعلهم وقولهم.
قال: ﴿والذين تَبَوَّءُوا الدار والإيمان مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ﴾ أي: الذين سكنوا الدار، وهي المدينة، أي: اتخذوها مسكناً، واتخذوا الإيمان دينا من قبل إتيان المهاجرين، يعني الأنصار يحبون من هاجر إليهم، يعني من مكة وغيرها.
ثم قال: ﴿وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ﴾ أي: ولا يجد الأنصار في قلوبهم حسداً
روي: أن النبي ﷺ قسم أموال بني النضير بين المهاجرين الأولين دون / الأنصار إلا رجلين من الأنصار أحدهما سهل بن حنيف والآخر أبو دجانة سماك بن خرشة ذكرا فقراً فأعطاهما النبي ﷺ لفقرهما، وإنما فعل ذلك رسول الله ﷺ، لأن الله كان قد أعطاه أموالهم يفعل فيها ما يشاء، وقد تقدم ذكر ذلك، قاله عبد الله بن أبزى.
وقال رسول الله ﷺ: إن إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم، فقالوا أموالنا بينهم قطائع، فقال رسول الله ﷺ: أو غير ذلك قالوا وما ذلك يا رسول الله قال هم قوم لا يعرفون العمل فتكفونهم وتقاسمونهم الثمر فقالوا نعم يا رسول الله ".
قال الحسن: ﴿وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ﴾ [يعني الحسنة. ثم قال تعالى:] ﴿وَيُؤْثِرُونَ على أَنفُسِهِمْ﴾ هذا من صفة الأنصار، وصفهم الله تعالى أنهم يعطون المهاجرين أموالهم إيثاراً لهم بها على أنفسهم.
﴿وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ أي: يؤثرون المهاجرين على أنفسهم بما عندهم، وإن كان بهم فاقة وحاجة.
روى أبو هريرة: " أن رجلاً جاء إلى النبي ﷺ ليضيفه، فلم يكن عنده ما
ثم قال: ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فأولئك هُمُ المفلحون﴾.
أي: ومن وقاه الله تعالى شح نفسه، فهو من الباقين المخلدين في الجنة.
والشح في اللغة: البخل ومنع الفضل من المال.
وقيل: الشح هنا: أكل أموال الناس بغير حق، قاله ابن مسعود.
قال: ﴿والذين جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغفر لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الذين سَبَقُونَا بالإيمان﴾.
أي والذين جاؤوا من بعد الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبل المهاجرين الأولين، يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا [بالإيمان] من الأنصار وغيرهم.
﴿وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ﴾ أي: غمراً وضغناً، يعني به الذين أسلموا من بعد الذين تبوءوا الدار.
قال قتادة: ذكر الله جل ذكره الطائفة الثالثة فقال: ﴿والذين جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ...﴾ الآية.
ثم قال: أُمِروا أن يستغفروا لأصحاب النبي ﷺ ولم يؤمروا بسبهم.
قال ابن أبي ليلى كان الناس / على ثلاث منازل: (المهاجرون الأولون) والذين اتبعوهم بإحسان و (الذين جاءوا من بعدهم).
ثم قال: ﴿رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ أي: ذو رأفة ورحمة لمن أطاعك.
قال: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً﴾.
يعني: منافقي المدينة يقولون لبني النضير حين نزل بهم رسول الله ﷺ وحاصرهم أثبتوا وتمنعوا، فإنا لن نسلمكم، فإن قوتلتم قاتلنا معكم وإن أخرجتم خرجنا معكم، فتربصوا وانتظروا نصرهم، فلم يفوا لهم، وقذف الله في قلوبهم الرعب (فسألوا النبي ﷺ) أن يجليهم ويكف عن دعائهم على أن لهم ما
قال ابن عباس: الذين نافقوا هنا هم عبد الله بن أبي وأصحابه وعدوا بني النضير بالنصر والخروج معهم، وأنهم لا يطيعون فيهم أحداً أبداً، فأعلمنا الله تعالى أنهم كاذبون، وأنهم لا يقاتلون معهم، ولا يخرجون معهم، وأنهم / حتى لو نصروهم لولوا الأدبار منهزمين.
﴿ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ﴾ أي: ثم لا ينصر الله تعالى بني النضير على نبيه ﷺ وأصحابه، بل يخذلهم.
وقال أبو صالح: ﴿لإِخْوَانِهِمُ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب﴾، هم بنو قريظة.
وقيل معنى: ﴿وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأدبار﴾ أي: ولئن نصر اليهود المنفقون، ومعنى لا ينصرونهم: طائعين، ولئن نصروهم: مكرهين، ليولن الأدبار منهزمين.
وقيل معنى: لا ينصرونهم: أي: لا يدومون على نصرهم كما يقال: فلان لا يصوم ولا يصلي، أي: لا يدوم على ذلك، ورفع (يخرجون وينصرون) وقبله
قال: ﴿لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ الله﴾ أي: لأنتم أيها المؤمنون أشد رهبة في صدور اليهود بني النضير من الله سبحانه: أي: هم يرهبونكم أشد من رهبتهم من الله تعالى.
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ﴾ [أي: ذلك الخوف الذي حل بهم، من أجل أنهم قوم لا يفقهون] قدر عظمة الله تعالى، فهم لذلك يخافونكم أعظم من خوفهم الله (عز وجهه وتعالى جدُّه)، ولذلك ارتكبوا معاصي الله وخالفوه في نقض عهد النبي ﷺ وأصحابه ومعونتهم للمشركين بأُحد.
قال تعالى: ﴿لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ﴾.
أي: من خوفهم منكم لا يقاتلونكم إلا في قرى قد حصنت، ولا يبرزون إليكم أو يقاتلونكم إلا من وراء جدر، أي: إلا من وراء حيطان.
﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شتى﴾.
يعني: المنافقين واليهود، أي: تحسبهم يا محمد مؤتلفي الكلمة مجتمعين على محبة بعضهم بعضاً، وقلوبهم شتى: أي: مفترقة (ببعض بعضهم لبعض).
ثم قال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ﴾ أي: ذلك الذي وصفه الله تعالى من أمر اليهود والمنافقين من عداوة بعضهم بعضاً في الباطل، من أجل أنهم قوم لا يعقلون ما فيه الحظ لهم مما عليهم فيه الضرر.
وقال قتادة: لما قرأ هذه الآية: كذا أهل الباطل مختلفة شهادتهم، مختلفة أهواؤهم، مختلفة أعمالهم، وهم مجتمعون في عداوة الحق.
وقال مجاهد: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شتى﴾: هم المنافقون يخالف دينهم دين اليهود.
وقال سفيان: هم المشركون وأهل الكتاب.
قال: ﴿كَمَثَلِ الذين مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
وقال مجاهد: عنى به كفار قريش يوم بدر.
وقيل: هو عام في كل من انتقم منه على كفره قبل بني النضير.
ومعنى: ﴿ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ﴾ أي: نالهم عقاب الله تعالى على كفرهم به، " والوبال ": ثقل المكروه، ومنه: " طعام وبيل ": أي: ثقيل وخم.
قوله: ﴿كَمَثَلِ الشيطان﴾.
قد ذكرنا الكاف في ﴿كَمَثَلِ الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ والمعنى: مثل هؤلاء المنافقين في وعدهم اليهود بالنصر، وإخلافهم إياهم وتبريهم منهم لما أجلوا من ديارهم، كمثل الشيطان الذي غر الإنسان ووعده على كفره النصر ثم تبرأ منه لما كفر وأسلمه.
روي عن علي رضي الله عنهـ أنه قال: " إن راهباً تعَبَّد ستين سنة وأن الشيطان أراده وأعياه، فعَمَد إلى امرأة فأجَنَّها ولها إخوة، فقال لإخوتها عليكم بهذا القس فيداويها، قال فجاءوا به إليها فداواها، وكانت عنده، فبينما هو يوماً عندها إذ أعجبته فأتاها فحملت، فعمد إليها فقتلها، فجاء إخوتها، فقال الشيطان للراهب أنا صاحبك، إنك أعييتني، أنا صنعت هذا بك، فأطِعني أُنجك ممّا صنعت بك، أسجد لي سجدة،
وعن ابن مسعود أنه قال: كانت امراة ترعى غنماً، كان لها أربعة إخوة، وكانت تأوي بالليل إلى صومعة راهب، فنزل الراهب ففجر بها، فحملت، فأتاه الشيطان فقال: اقتلها ثم ادفنها، فإنك رجل مصدق يقبل قولك، فقتلها ثم دفنها. قال: فأتى الشيطان إخواتها في المنام، فقال لهم: إن الراهب صاحب الصومعة فجر بأختكم، فلما أحبلها قتلها ثم دفنها في مكان كذا وكذا، فلما أصبحوا قال رجل منهم: والله لقد رأيت البارحة رؤيا ما أدري أقصها عليكم أم أترك، فقالوا: لاَ بَلْ قُصَّها علينا، فَقَصَّهَا، فقال الآخر: وأنا والله لقد رأيت ذلك، وقال الآخر مثل ذلك، فقالوا: والله ما هذا إلا لشيء. فانطلقوا فاستعدوا ملكهم على ذلك الراهب، فقالوا: والله ما هذا إلا لشيء. فانطلقوا فاستعدوا ملكهم على ذلك الراهب، فأتوه فأنزلوه ثم انطلقوا به، فلقيه الشيطان، فقال: إني أنا الذي أوقعتك في هذا ولن
وقول الشيطان: ﴿إني أَخَافُ الله (رَبَّ العالمين)﴾ إنما هو على طريق التبرؤ من الإنسان، لأنه لا يخاف الله على الحقيقة، لأنه لو خافه ما عصاه، ولو خافه لكان ذلك مدحاً له.
وعن ابن عباس: أن راهباً من بني إسرائيل تعبد فأحسن عبادته، وكان يُؤتى من كل أرض فيُسأل عن الفقه، وكان عالماً، وأن ثلاثة أخوة كانت لهم أخت حسنة من أحسن النساء، وأنهم أرادوا سفراً، فكبر عليهم أن يخلفوها ضائعة، فجعلوا يأتمرون ما يفعلون بها، فقال أحدهم أنا أدلكم على من تتركونها عنده، قالوا من هو، قال راهب بني إسرائيل إن ماتت قام عليها وإن عاشت حفظها حتى ترجعوا إليها، فعمدوا إليه، فقالوا: إنا نريد السفر، ولا نجد أحداً أوثق منك في أنفسنا، ولا أحفظ لها ولي منك ولما جعل عندك فإن رأيت أن نجعل أختنا عندك، فإنها ضائعة شديدة الوجع، فإن ماتت فقم عليهم، وإن عاشت فأصلح إليها حتى نرجع.
وقال مجاهد: الإنسان هنا عنى به الإنسان كلهم في غرور الشيطان إياهم وتبريه منهم، كما غر المنافقون اليهود ووعدوهم بالنصر، ثم (تبرءوا) منهم وأسلموهم.
أي اتقوه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، ولينظر أحدكم ما قدم لمماته من العمل الصالح والعمل السيء.
قال قتادة: ما زال ربكم يقرب الساعة حتى جعله كغد، فغد يوم القيامة.
وقاله الضحاك وابن زيد وقالا: الأمس الدنيا، وغداً الآخرة.
ثم قال: ﴿واتقوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أي وخافوه بإداء فرائضه واجتناب معاصيه، إنه خبر بجميع أعمالكم، فيجازيكم عليها، وكرر هذا اللفظ للتأكيد.
قال: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كالذين نَسُواْ الله﴾ أي تتركوا أمره ونهيه، فتعدوا حدوده.
﴿فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ﴾ أي أنساهم حظوظ أنفسهم / من عمل الخيرات، فعلى هذا القول الأول يكون النسيان الأول من الترك، والثاني من النسيان المعروف، وقيل مما من الترك، والمعنى تركوا أمر الله فتركه ثوابهم، وهو عند بعض أهل اللغة غلط، لا يقال أنسي عن الترك، وإنما يصح مثل هذا في قوله ﴿نَسُواْ الله فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة: ٦٧].
وقيل معنى فأنساهم (وجدهم كذلك)، كما يقال أحمدته، فيكون " أنفسهم "
ثم قال ﴿أولئك هُمُ الفاسقون﴾ أي الخارجون عن طاعة الله ( تعالى).
قال ﴿لاَ يستوي أَصْحَابُ النار وَأَصْحَابُ الجنة﴾ أي لا يعتدلون في الجزاء وفي النعيم.
﴿أَصْحَابُ الجنة هُمُ الفآئزون﴾ أي الناجون مما حذروا.
﴿فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي النار خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي: فكانت عقبى الشيطان والإنسان: الخلود في نار جهنم.
﴿وَذَلِكَ جَزَآءُ الظالمين﴾ أي: فالخلود في النار جزاء الظالمين المنافقين واليهود [من] بني النضير ومن كان مثلهم.
والنصب في " خالدين " والرفع سواء عند سيبويه، لا يغلب النصب على الرفع لأجل تكرير الظرف.
ومذهب الفراء أن النصب أحسن، لئلا يلغى الظرف مرتين.
وألزم سيبويه من اعتل بتكرير الظرف أن يجيز النصب في قوله " عَلَيْكَ زَيْدٌ حَرِيصٌ عَلَيْكَ " فينصب حريص لتكرير الظرف، وهذا لا يجوز. /
أي: لو أنزل الله تعالى هذا القرآن على جبل وهو حجر أصم لرأيته يا محمد على قساوته وشدته متذللاً متضرعاً حذراً من الآ يؤدي حق الله تعالى المفترض عليه، وقد ا، زل على ابن آدم وَمعه فهم وإدراك وهو مستخف بحقه لاه عما فيه.
قال / قتادة: فعذر الله تعالى الجبل الأصم ولم يعذر أشقياء بني آدم، فهل رأيتم أحداً تصدعت جوارحه من خشية الله سبحانه.
وقيل: المعنى: لو أنزلنا هذا القرآن (على جبل) على عظمته وشدته وجعلنا فيه ما يميز: لذل وخضع.
ثم قال: ﴿وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي: نمثل لهم لعلهم يتفركون فيها فيعتبروا ويزدجروا.
قال: ﴿هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الغيب والشهادة﴾ أي: (الذي يتصدع
قال: ﴿هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ﴾ أي: لا معبود بحق غيره.
﴿الملك القدوس﴾ أي: الذي لا ملك فوقه، والقدوس في قول قتادة: المبارك.
وقيل: ﴿القدوس﴾ القدوس: المطهر مما نسبه إليه المشركون (والقدس: الطهر).
والأرض المقدسة: المطهرة.
وقرأ أبو الدينار الأعرابي: القَدوس بفتح القاف كسَمُّور وشَبُّوط.
وقوله: ﴿السلام﴾ أي: ذو السلامة من جميع الآفات.
وقيل: معناه: اليذ يصدق عباده المؤمنين إذا شهدوا على الناس.
وقوله: ﴿المهيمن﴾ قال ابن عباس: هو الأمين، وعنه: الشهيد.
وقال أبو عبيدة: الرقيب الحفيظ.
وقال المبرد: أصله المؤيمن ثم أبدل من الهمزة هاء.
وقله: ﴿العزيز الجبار﴾ أي: ذو العزة والمنع، الذي يجبر خلقه على ما يشاء من " أجبر "، وهذا قول مردود، لأن " فعالاً " لا يكون من " أفعل " ولكنه من " جَبَرَ الله خلْقَه: إذا نَعَشَهُم ".
وقيل: هو من جبرت العظم: فجبر.
وقوله: ﴿المتكبر﴾ معناه العلي فوق خلقه.
وقال قتادة: المتكبر: تكبر عن كل سوء.
وقوله: ﴿سُبْحَانَ الله عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أي: تنزيهاً / له، وبراءة مما يقول المشركون.
قال: ﴿هُوَ الله الخالق البارىء﴾ أي: هو الله الذي خلق الخلق، وبرأهم فأوجدهم. ﴿المصور﴾ أي: الذي صورهم في الأرحام كيف يشاء.
وقيل: معنى خلق الخلق: قدره وبرأهم: سواهم وعدلهم، وصورهم بعد ذلك.
ثم قال: ﴿لَهُ الأسمآء الحسنى﴾ وهي تسعة وتسعون اسماً قد اختلف الناس فيها.
ثم قال: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السماوات والأرض﴾ أي: يصلي ويسجد له طوعاً وكرهاً كل ما في السماوات والأرض من الخلق.
﴿وَهُوَ العزيز الحكيم﴾ أي: العَزِيزُ في انتقامه من أعدائه، الحكيم في تدبيره خلقه، وقيل حكيم بمعنى حاكم، وقيل بمعنى محكم.