تفسير سورة الحشر

كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل
تفسير سورة سورة الحشر من كتاب كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل .
لمؤلفه أبو بكر الحداد اليمني . المتوفي سنة 800 هـ

﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ ؛ ظاهرُ المعنى.
قَولُهُ تَعَالَى :﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ ﴾ ؛ قال المفسِّرون :" نزَلت هذه الآيةُ والسُّورة بأَسرِها في بني النَّضير واليهودِ، وعاهدوهُ أن لا يكُونوا معَهُ ولا عليهِ، لا يُقاتِلون معه ولا يقاتلونَهُ، فكانوا على ذلكَ حتى كانت وقعةُ أحُدٍ، فأصابَتِ المسلمين يومئذٍ نَكْبَةٌ، فنقَضُوا العهدَ، ورَكِبَ كعبُ ابن الأشرَفِ في أربَعين راكباً إلى مكَّة، فأتَوا قُريشاً فطلَبُوا إلى أبي سُفيان وأصحابهِ فحالَفُوهم وعاقَدُوهم بين الكعبةِ والأستار على حرب النبيِّ ﷺ، وأنَّ كلمَتَهم واحدةٌ.
ثم رجعَ كعبُ بن الأشرف وأصحابهُ إلى المدينةِ. فنَزل جبريلُ عليه السلام على النبيِّ ﷺ وأخبرَهُ بأمرِهم وقال له :" إنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ بقَتْلِ كَعْب بْنِ الأَشْرَفِ " فَجَمَعَ النَّبيُّ ﷺ أصْحَابَهُ وَأخْبَرَهُمْ بمَا صَنَعَ كَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ وَقَالَ لَهُمْ :" إنَّ اللهَ أمَرَنِي بقَتْلِهِ، فَانْتَدِبُوا إلَى ذلِكَ ".
فَانْتَدَبَ رَهْطٌ مِنْهُمْ وَفِيْهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ مَسلَمَةَ، وَكَانَ أخَا كَعْبٍ مِنَ الرِّضَاعَةِ وَحَلِيفَهُ، فَانْطَلَقُوا فِي أوَّلِ اللَّيْلِ إلَى دَار كَعْبٍ، فَنَادَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَاسْتَنْزَلَهُ مِنْ دَارهِ، وَأوْهَمَهُ أنَّهُ يُكَلِّمُهُ فِي حَاجَةٍ، فَلَمَّا نَزَلَ أخَذ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ بنَاصِيَتِهِ وَكَبَّرَ، فَخَرَجَ أصْحَابُهُ وَكَانُواْ مِنْ وَرَاءِ الْحَائِطِ، فَضَرَبُوهُ حَتَّى بَرُدَ مَكَانُهُ، فَصَاحَتْ امْرَأتهُ وَتَصَايَحَتِ الْيَهُودُ، فَخَرَجُوا إلَيْهِمْ وَقَدْ رَجَعَ الْمُسْلِمُونَ.
فَجَاءَ الْمُسْلِمُونَ إلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَأخْبَرُوهُ بذلِكَ، فَلَمَّا أصْبَحَ النَّبيُّ ﷺ خَرَجَ إلَيْهِمْ غَازياً، فَتَحَصَّنُوا فِي دُورهِمْ فَوَجَدَهُمْ فِي قَرْيَةٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهَا (زَهْوَةُ) وَهُمْ ينُوحُونَ عَلَى كَعْبٍ وَكَانَ سَيِّدَهُمْ، فَقَالُوا : يَا مُحَمَّدُ ؛ بَاغِيَةٌ عَلَى إثْرِ نَاعِيَةٍ، وَبَاكِيَةٌ عَلَى إثْرِ بَاكيَةٍ ؟ قَالَ :" نَعَمْ " قَالُوا : ذرْنَا نَبْكِي شَجْواً عَلَى كَعْبٍ.
وَقَدْ كَانَ عَبْدُاللهِ بْنُ أبي سَلُولٍ الْمُنَافِقُ وَأصْحَابُهُ أمَرَ إلَى الْيَهُودِ سِرّاً بأَنْ لاَ تَخْرُجُوا مِنَ الْحِصْنِ، وَقَاتِلُواْ مُحَمَّداً وَأصْحَابَهُ، فَإنْ قَاتَلُوكُمْ فَنَحْنُ مَعَكُمْ وَلاَ نُخْذُلُكُمْ وَلَنَنْصُرَنَّكُمْ، وَلَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ. فَدَرَبُواْ عَلَى الأَزقَّةِ وَحَصَّنُوهَا، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ إحْدَى وَعِشْرِينَ لَيْلَةً.
فَلَمَّا عَجَزُوا عَنْ مُقَاوَمَةِ الْمُسْلِمِينَ وَآيَسُوا مِنْ نَصْرِ الْمُنَافِقِينَ لَهُمْ طَلَبُوا الصُّلْحَ، فَأَبَى رَسُولُ اللهِ ﷺ إلاَّ أنْ يَخْرُجُواْ مِنْ مَدِينَتِهِمْ عَلَى مَا يَأْمُرُهُمْ بهِ، فَقَبلُوا ذلِكَ، فَصَالَحَهُمْ عَلَى الْجَلاَءِ، وَعَلَى أنْ يَحْمِلَ كُلُّ أهْلِ ثَلاَثَةِ أبْيَاتٍ مِنْ مَتَاعِهِمْ عَلَى بَعِيرٍ وَاحِدٍ مَا شَاءَ، وَلِنَبيِّ اللهِ مَا بَقِيَ، وَيَخْرُجُوا، إلَى الشَّامِ، فَفَعَلُوا ذلِكَ وَخَرَجُواْ إلَى الشَّامِ إلَى أذْرُعَاتٍ وَأريحَا وَالْحِيرَةَ وَخَيْبَرَ.
فذلكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾ " يعني بني النَّضير من ديارهم التي كانت بيَثرِبَ وحصونِهم.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ ؛ وذلك أنَّ النَّبيَّ ﷺ لَمَّا نَزَلَ ببَنِي النَّضِير وَتَحَصَّنُوا فِي حُصُونِهِمْ، أمَرَ بقَطْعِ نَخِيلِهِمْ وَإحْرَاقِهَا، فَقَالَتِ الْيَهُودُ : مَا بُعِثَ نَبيٌّ إلاَّ بالصَّلاحِ، وَلَيْسَ فِي هَذا إلاَّ إفْسَادُ الْمَعِيشَةِ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ، وَقَالُواْ : يَا مُحَمَّدُ إنَّكَ تُرِيدُ الصَّلاَحَ، أفَمِنَ الصَّلاحِ قَطْعُ النَّخِيلِ وَالأَشْجَار ؟ وَهَلْ وَجَدْتَ فِيمَا زَعَمْتَ أنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ.
فَشُقَّ ذلِكَ عَلَى النَّبيِّ ﷺ وَوَجَدَ الْمُسْلِمُونَ فِي أنْفُسِهِمْ مِنْ ذلِكَ مَشَقَّةً، وَكَانَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ يُمْعِنُونَ فِي قَطْعِ النَّخْلِ، وَبَعْضُهُمْ يَنْهَى عَنْ ذلِكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ تَصْدِيْقاً لِلَّذِينَ نَهَوا عَنْ قَطْعِ النَّخِيلِ وَتَحْلِيْلاً لِمَنْ قَطَعَهُ، وَبَرَاءَةً لَهُمْ مِنَ الإثمِ وَتَصْوِيْباً لِلْفَرِيقَيْنِ، فَقَالَ تَعَالَى :﴿ مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ بيَّن أنَّ ما قُطِعَ منها قُطِعَ بإذنِ الله، وما تُرِكَ منها بإذنِ الله.
واللِّينَةُ هي النَّخلَةُ، قال ابنُ عبَّاس وقتادةُ :(اللِّينَةُ هِيَ كُلُّ نَخْلَةٍ مَا لَمْ تَكُنْ عَجْوَةً)، وَقِيْلَ : اللِّينَةُ : مَا خَلاَ العجوةَ والبرني وجمعه لِيَانٌ، ورُوي :" أنَّ النَّبيَّ ﷺ كَانَ يَقْطَعُ نَخِيلَهُمْ إلاَّ الْعَجْوَةَ " قال عكرمةُ :(وَالنَّخْلُ كُلُّهُ لِيَانٌ مَا خَلاَ الْعَجْوَةَ)، وقال سفيانُ :(اللَّينَةُ هِيَ كِرَامُ النَّخْلِ). وقال مقاتلُ :(هُوَ ضَرْبٌ مِنَ النَّخْلِ ثَمَرُهَا شَدِيدُ الصُّفْرَةِ يَغِيبُ فِيْهِ الضِّرْسُ عِنْدَ أكْلِهِ، وَكَانَ مِنْ أجْوَدِ ثَمَرِهِمْ وَأعْجَبهِ إلَيْهِمْ)، والعربُ تُسمِّي النخلَ كُله لِيَانٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ﴾ ؛ معناهُ : ولِيُهِينَ اللهُ ويُذِلَّ اليهودَ ويُخْزِيَهُمْ بأن يُرِيَهم أموالَهم يتحكَّمُ فيها المؤمنون كيف أحَبُّوا لأنَّهم نقَضُوا العهدَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ ﴾ ؛ معناهُ : وما ردَّ اللهُ على رسولهِ من غنائمِ بني النضيرِ، فمِمَّا لم تُوجِفُوا عليه أنتم خيلاً ولا ركَاباً ولكن مَشَيتُم إليه مَشياً ؛ لأن ذلك كان قَريباً من المدينةِ ؛ أي لم يحصُلْ ذلك بقتَالِكم، فلا شيءَ لكم مِن ذلك، ﴿ وَلَـاكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ؛ إنما كان ذلك بتسليطِ الله تعالى نَبيَّهُ ﷺ، واللهُ يُمَكِّنُ رُسُلَهُ صلواتُ الله عليهم من أعدائهِ بغيرِ قتالٍ، واللهُ على كلِّ شيءٍ من النَّصرِ والغنيمةِ قادرٌ.
والضميرُ في قوله ﴿ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ ﴾ أي على ما أفاءَ اللهُ، والإيجافُ الإسراعُ والإزعاجُ للسَّير، يقالُ : أوجفَ السَّيرَ، وأوْجَفْتُهُ أنَا، والوَجِيفُ : نوعٌ من السَّيرِ فوق التَّقريب، ويقال : وَجَفَ الفرسُ والبعير يَجِفُ وَجْفاً إذا أسرعَ السَّيرَ، وأوْجَفَهُ صاحبهُ إذا حملَهُ على السَّير السريعِ.
ومعنى الآية :﴿ وَمَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ﴾ من مالِ بني النَّضيرِ ﴿ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ ﴾ أي فما وضَعتُم عليه من خيلٍ ولا إبل ولم تنَالُوا فيه مشقَّةً ولم تلقَوا حَرباً وإنما مَشَيتُم إليه مَشْياً، إلاَّ النبيّ ﷺ فإنه رَكِبَ جَملاً فافتَتَحها النبيُّ ﷺ وأجْلاَهُم وأخذ أموالَهم.
فسألَ المسملون النبيَّ ﷺ في القِسْمَةِ في تلك الأموالِ، فأنزلَ اللهُ تعالى هذه الآيةَ، فجعلَ أموالَ بني النضير خاصَّة لرسولِ اللهِ يضعُها حيث يشاء، فقسَمَها رسولُ الله ﷺ بين المهاجرِين ولم يُعْطِ الأنصارَ منها شيئاً، إلاَّ ثَلاثةَ نفرٍ كانت لهم حاجةٌ، وهم : أبُو دُجَانَةَ ؛ وسَهلُ بن حنيف ؛ والحارثُ بن الصِّمَّةِ.
وعن عمرَ رضي الله عنه :(أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يُنْفِقُ عَلَى أهْلِهِ مِنْ مَالِ بَنِي النَّضِيرِ نَفَقَةَ سَنَةٍ، وَمَا بَقِيَ جَعَلَهُ فِي الْكِرَاعِ وَالسِّلاَحِ عُدَّةً فِي سَبيلِ الله ؛ لأَنَّهُ مِمَّا أفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَلَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ بخَيْلٍ وَلاَ ركَابٍ، فَكَانَ خَالِصاً لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم).
وأرادَ بهذا ما كان يحصلُ من غُلَّةِ أراضِيهم في كلِّ سنةٍ. وفي هذه الآيةِ دلالةٌ على أنَّ كلَّ مالٍ من أموالِ أهلِ الشِّرك لم يغلِبْ عليه المسلمون عُنوَةً وإنما أُخِذ صُلْحاً أنْ يُوضَعَ في بيتِ مالِ المسلمين ويُصرَفَ إلى الوجُوهِ التي تُصرَفُ فيها الجزيةُ والْخَرَاجُ ؛ لأن ذلك بمنْزِلَة أموالِ بني النضيرِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ مَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ ؛ اختلفَ أهلُ اللغة في الفَيْءِ ما هُوَ ؟ فقالَ بعضُهم : هو مما مَلَّكَهُ اللهُ المسلمين من أموالِ المشرِكين بغيرِ قتالٍ أو بقتالٍ، فالغنيمةُ فَيْءٌ والخراجُ فَيْءٌ.
قال بعضُهم : الْغَنِيمَةُ اسمٌ لِمَا أخذهُ المسلمون من الكفَّار غُنوةً وقهراً، والفَيْءُ ما صالَحُوا عليهِ، فبيَّن اللهُ تعالى في هذه الآيةِ حُكمَ الفيءِ، فقالَ تعالى :﴿ مَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ﴾ أي من غنائمِ قُرَى المدنيةِ في قريظةَ وبني النضير وفدَكٍ، فإنَّ ذلك خاصَّة للنبيِّ ﷺ دون الغانِمين، وكان أمرُ النبيِّ ﷺ في ذلك جَائزاً، فكان النبيُّ ﷺ يصرِفُها بأمرِ الله تعالى إلى قرائب نفسه وفُقراءِ قَرَابَتهِ ويتامَى الناسِ عامَّة والمساكين عامَّة، يعني المحتاجِين وأبناءِ السَّبيل والفُقَراء المهاجرِين.
واختلفَ العلماءُ في حُكمِ هذه الآيةِ، فقالَ بعضُهم : أرادَ بقولهِ ﴿ مَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ﴾ الغنائمَ التي يأخذُها المسلمون من أموالِ الكفَّار عُنوةً وغَلبةً، وكانت في بدءِ الإسلام لعامة الغانِمين المسلمين دون الغانِمين الْمُوجِفين عليها، ثم نَسَخَ اللهُ ذلك بقولهِ تعالى في سورة الأنفال﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ﴾[الأنفال : ٤١] والآيةُ التي قبلَ هذه الآية في بيانِ حُكم أموالِ بني النضير خاصَّة، وهذه الآيةُ في بيان حُكمِ جلب الأموال التي أُصيبت بغيرِ قتالٍ ولم يوجَفْ عليها بالخيلِ والجمالِ.
وقال آخَرُون : هما واحدٌ، والثانيةُ بيان قسمِ المالِ الذي ذكر اللهُ تعالى في هذه الآيةِ الأُولى، والغنائمُ كانت في بدءِ الإسلام لرسولِ الله ﷺ يصنَعُ بها ما يشاءُ، كما قال تعالى﴿ قُلِ الأَنفَالُ للَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾[الأنفال : ١] ثم نُسِخَ ذلك بقوله﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ ﴾[الأنفال : ٤١] الآيةُ، فجَعَلَ أربعةَ أخماسِها للغانِمين يُقسَمُ بينهم، وأما الْخُمْسُ الباقي فيقسمهُ على خمسةِ أسهُمٍ : سهمٌ لرسولِ الله ﷺ، وسهمٌ لذوي القُربَى، وسهمٌ لليتَامَى، وسهمٌ للمساكين، وسهمٌ لبني السَّبيلَ.
وقولهُ تعالى :﴿ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَآءِ مِنكُم ﴾ ؛ معناه : كَي لا يكون الفَيءُ مُتدَاولاً بين الأغنياءِ منكم، والفرقُ بين الدُّولَةِ والدَّوْلَةِ بفتحِ الدال عبارةٌ عن المدَّة من الاستيلاءِ والغَلبَةِ، والدُّولَةُ اسمٌ للشيءِ المتداوَل، والمعنى : كي لا يتداولهُ الأغنياءُ منكم، يكون لِهذا مرَّة ولهذا مرة، كما يُعمَلُ في الجاهليَّة، وكانوا إذا أخَذُوا غنيمةً أخذ الرئيسُ رُبعَها وهو الرِّبَاعُ، والأغنياءُ والرُّؤساء، وقال مقاتل :(كَيْ لاَ يَغْلِبَ الأَغْنِيَاءُ الْفُقَرَاءَ فَيَقْسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ).
ثُم قالَ :﴿ وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُولُ ﴾ ؛ من الفَيءِ والغنيمةِ، ﴿ فَخُذُوهُ ﴾ ؛ فهو حلالٌ لكم، ﴿ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ ﴾ ؛ أي عن أخذهِ، ﴿ فَانتَهُواْ ﴾ ؛ وهذا نازلٌ في أمرِ الفيءِ، ثم هو عامٌّ في كلِّ ما أمَرَ اللهُ به النبيَّ ﷺ ونَهى عنه، قال الحسنُ في قولهِ :﴿ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ ﴾ :(يَعْنِي مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنَ الْغَلُولِ). وقولهُ تعالى :﴿ وَاتَّقُواْ اللَّهَ ﴾ ؛ معناهُ : اتَّقوا عذابَ اللهِ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ ؛ إذا عاقبَ فعقوبتهُ شديدةٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ﴾ ؛ معناه : كَي لا يكون دُولَةً بين الأغنياءِ، ولكن يكون للفُقراء المهاجرين الذين أُخرِجُوا من ديارهم، يعني أنَّ كفارَ مكَّةَ أخرَجُوهم، ﴿ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ ﴾ ؛ أي رزْقاً يأتيهم، ﴿ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ ؛ رضَى ربهم حين خرَجُوا إلى دار الهجرة ينصرون الله ورسوله، ﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ ؛ في إيمانِهم.
والمعنى بقوله ﴿ لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ ﴾ بيانُ المحتاجِين المذكورين في الآيةِ التي قبلَ هذه الآيةِ، كأنَّهُ قال : لهؤلاءِ الفقراء المحتاجِين ما تقدَّمَ ذِكرهُ من الفَيءِ، وكانوا نحواً من مائةِ رجُلٍ، وكانوا شَهِدُوا بَدراً أجمعين، ولذلك أثْنَى اللهُ عليهم بقوله ﴿ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً ﴾ أي يطلُبون بتلك الهجرةِ ثوابَ الله ورضوانَهُ، وينصُرون بالسِّيف والجهادِ أولياءَ اللهِ وأولياءَ رسُولهِ، ﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ في الإيمان وطلب الثَّواب.
وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ﴾ ؛ قال الكلبيُّ :( ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ ﴾ مُبْتَدَأ، وَخَبَرُهُ ﴿ يُحِبُّونَ ﴾ ). وَهَذا ثناءٌ على الأنصار، " وذلك أنَّ النَّبيَّ ﷺ لَمَّا أعْطَى الْمُهَاجِرِينَ مَا قَسَمَ لَهُمْ مِنْ فَيْءِ بَنِي النَّضِيرِ لَمْ يَأْمَنْ عَلَى غَيْرِهِمْ أنْ يَحْسِدَهُمْ إذْ لَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ.
فَقَالَ لِلأَنْصَار :" إنْ شِئْتُمْ قَسَمْتُمْ لَهُمْ مِنْ دُوركُمْ وَأمْوَالِكُمْ، وَقَسَمْتُ لَكُمْ مَا قَسَمْتُ لَهُمْ، وَإمَّا أنْ يَكُونَ لَهُمُ الْقَسْمُ وَلَكُمْ دِيَارُكُمْ وَأمْوَالُكُمْ " فَقَالُواْ : لاَ ؛ بَلْ نَقْسِمُ لَهُمْ مِنْ دِيَارنَا وَأمْوَالِنَا وَلاَ نُشَاركُهُمْ فِي قَسْمِهِمْ. فَأَثْنَى اللهُ تعالَى عليهم بهذه الآيةِ ".
والمعنى : لَزِمُوا دارَ الهجرةِ ولَزِمُوا الإيمانَ من قبلِ هجرةِ المهاجرِين ووَطَنُوا منازلَ أنفُسِهم، فهم يحبُّون مَن هاجرَ إليهم من مكَّة من أصحاب النبيِّ ﷺ، ﴿ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً ﴾ ؛ ضِيقاً وحسَداً، ﴿ مِّمَّآ أُوتُواْ ﴾ ؛ مما أُعطِيَ المهاجرين من الغنائِم.
ومعنى الآيةِ :﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ ﴾ يعني المدينةَ، وهي دارُ الهجرةِ، وتبَوَّأها الأنصارُ قبلَ المهاجرِين. وتقديرُ الآية : والَّذين تَبوَّءوا الدارَ مِن قبلِهم والإيمانَ ؛ لأن الأنصارَ لم يُؤمِنوا قبلَ المهاجرِين، وعطفُ (الإيْمَانَ) على (الدَّارَ) في الظاهرِ لا في المعنى ؛ لأنَّ الإيمان ليس بمكانِ تَبَوَّءٍ. والتقديرُ : وآثَرُوا الإيمانَ واعتقَدُوا الإيمانَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ ؛ معناهُ : ويُؤثِرُون المهاجرِين على أنفُسِهم بأموالِهم ومنازلهم، ولو كان بهم فقرٌ وحاجة إلى الدار والنَّفقةِ، بيَّن اللهُ أن إيثارَهم لم يكن عن غِنًى عن المالِ ولكن عن حاجةٍ، فكان ذلك أعظمَ لأجرِهم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :" جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ : إنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي ؟ فَبَعَثَ النَّبيُّ ﷺ إلَى أحَدِ أزْوَاجِهِ :" هَلْ عِنْدَكُنَّ شَيْءٌ ؟ " فَكُلُّهُنَّ قُلْنَ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بالْحَقِّ مَا عِنْدَنَا إلاَّ الْمَاءُ، فَقَالَ ﷺ :" مَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ مَا يُطْعِمُكَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ " ثُمَّ قَالَ :" مَنْ يُضِيفُ هَذا هَذِهِ اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللهُ ؟ ".
فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ : أنَا يَا رَسُولَ اللهِ، - قالَ في صحيحِ مُسلم : هُوَ أبُو طَلْحَةَ، وَقِيْلَ : أبُو أيُّوبٍ، والضَّيْفُ أبُو هريرةَ - فَمَضَى بهِ إلَى مَنْزِلِهِ، فَقَالَ لأَهْلِهِ : هَذا ضيْفُ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَأَكْرِمِيهِ وَلاَ تَدَّخِرِي عَنْهُ شَيْئاً، فَقَالَتْ : مَا عِنْدَنَا إلاَّ قُوتُ الصِّبْيَةِ، قَالَ : قُومِي فَعَلِّلِيهِمْ عَنْ قُوتِهِمْ حَتَّى يَنَامُوا، ثُمَّ أسْرِجِي وَأحْضِرِي الطَّعَامَ، فَإذا قَامَ الضَّيْفُ لِيَأْكُلَ قُومِي كَأَنَّكِ تُصْلِحِينَ السِّرَاجَ فَأَطْفِئِيهِ، وَتَعَالَي نَمْضُغْ الْسِنَتَنَا لِضَيْفِ رسُولِ اللهِ ﷺ حَتَّى يَشْبَعَ.
فَقَامَتْ إلَى الصِّبْيَةِ فَعَلَّلَتْهُمْ حَتَّى نَامُوا وَلَمْ يَطْعَمُوا شَيْئاً، ثُمَّ قَامَتْ فَأَسْرَجَتْ، فَلَمَّا أخَذ الضَّيْفُ لِيَأْكُلَ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ السِّرَاجَ فَأَطْفَأَتْهُ، وَجَعَلاَ يَمْضُغَانِ ألْسِنَتَهُمَا، فَظَنَّ الضَّيْفُ أنَّهُمَا يَأْكُلاَنِ مَعَهَُ، فَأَكَلَ الضَّيْفُ حَتَّى شَبعَ، وَبَاتَا طَوِيَّيْنِ. فَلَمَّا أصْبَحَا غَدَوا إلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهِمَا تَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ :" لَقَدْ عَجِبَ اللهُ مِنْ فُلاَنٍ وَفُلاَنَةٍ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ ".
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَالَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ ﴾ ؛ يعني التَّابعين وهمُ الذين جاءُوا بعدَ المهاجرِين والأنصار إلى يومِ القيامة، قال ابنُ عمر :(هَؤُلاَءِ هُمُ التَّابعِينَ بالإحْسَانِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ). قال ابنُ أبي ليلى :(النَّاسُ عَلَى ثَلاَثَةِ منَازلَ : الْفُقَرَاءُ، وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيْمَانَ، وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ، فَاجْهَدْ أنْ لاَ تَكُونَ خَارجاً مِنْ هَذِهِ الْمَنَازلِ).
ثم ذكرَ اللهُ تعالى أنَّ هؤلاء التابعين يدعُون لأنفُسِهم وللسَّلَفِ الذين سبَقُوهم، فقالَ تعالى ﴿ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ ﴾ ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ ؛ أي لا تجعَلْ في قُلوبنا غِشّاً وحسَداً وبُغْضاً وحِقْداً للمؤمنين، فكلُّ مَن لم يترحَّمْ على جميعِ الصَّحابة وكان في قلبهِ غِلٍّ لَهم على أحدٍ منهم كان خَارجاً من أقسامِ المؤمنين ؛ لأنَّ اللهَ رتَّبَ المؤمنين على ثلاثِ مراتب : الهاجرين، والأنصار، والتابعين إلى يومِ القيامة.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُواْ ﴾ ؛ يعني عبدَالله بنَ أُبَيٍّ وأصحابَهُ، ومعنى ﴿ نَافَقُواْ ﴾ أي أظهَرُوا خلافَ ما أضمَرُوا، ﴿ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾ ؛ وهم بنُو قريظةَ وبنو النضِير، سَمَّاهم إخوَانَهم لأنَّهم كفارٌ مثلَهم.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ ﴾ ؛ أي لئن أخرِجتُم من دياركم ؛ أي لغربة ﴿ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ ﴾ ؛ أي لا نُسَاكِنُ مُحَمَّداً، ﴿ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً ﴾ ؛ ولا نطيعهُ على قتالِكم، ﴿ وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ ﴾ ؛ فإنْ قاتَلَكم مُحَمَّدٌ وأصحابهُ، لنُعاونَنَّكم عليه حتى تكون أيدِينا يَداً واحدةً في المقاتَلة حتى نغلِبَهم، وعَدُوهُمْ أنَّهم ينصرونَهم، فكذبَهم اللهُ في ذلك بقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ في مُقاتَلتِهم، وقد بانَ كذِبهُم في ما نزلَ ببني النَّضيرِ من الجلاءِ وفيما أصابَ بني قريظةَ من القتلِ.
ثم ذكرَ اللهُ أنَّهم يُخلِفُونَهم ما وَعَدُوهم من الخروجِ والنصرِ، فقال تعالى :﴿ لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ ﴾ ؛ فكان الأمرُ على ما ذكرَ اللهُ تعالى ؛ لأنَّهم أُخرِجُوا من ديارهم لم يخرُجْ معهم المنافقون، وقُوتِلُوا فلم يَنصُرونهم أظهرَ اللهُ كَذِبَهم وأبانَ صِدْقَ ما قَالَ اللهُ تَعَالَى.
وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ﴾ ؛ معناهُ : ولئن قُدِّرَ وجودُ نصرِهم ؛ لأن ما نفاهُ الله لا يجوزُ وجودهُ، قال الزجَّاجِيُّ :(مَعْنَاهُ : لَوْ قَصَدُوا نَصْرَ الْيَهُودِ لَوَلَّوا الأَدْبَارَ مَهْزُومِينَ). ﴿ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ﴾ يَعْنِي بَنِي النَّضير لا يُصِيرون مَنصُورين إذا انْهزَمَ ناصِرُوهم.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ اللَّهِ ﴾ ؛ معناهُ : لأَنتم يا معشرَ المسلمين أهْيَبُ في قُلوب المنافقين واليهودِ من عذاب الله، وخَوفُهم منكم أشدُّ من خوفِهم اللهَ لعِلمِهم بكم وصفاتِكم، وجَهلِهم باللهِ وعظَمَتهِ، ﴿ ذَلِكَ ﴾ ؛ الخوفُ الذي بهم منكم دونَ اللهِ، ﴿ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ ﴾ ؛ لاَ يعرِفُون اللهَ تعالى، ولو عَرفوهُ لعَلِمُوا أنَّ عقوبةَ اللهِ أعظمُ مما عساهُ يقع بهم من فعلِ المؤمنين.
وفي هذه الآيةِ بيانُ أنَّهُ لا ينبغِي لأحدٍ أنْ يكون خَوفهُ من الناسِ أزيَدُ من خوفهِ من اللهِ تعالى، وإنَّ من زادَ خوفهُ من أحدٍ من الناسِ على خوفهِ من اللهِ فليس بفَقِيهٍ، إنما الفقيهُ من يخشَى اللهَ كما في آيةٍ أخرى﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾[فاطر : ٢٨]، والفقهُ : الْعِلْمُ بمفهومِ الكلامِ في إدراكِ ظَاهرهِ بمضمونهِ، والناسُ يتفَاضَلون في الإدراكِ لاختلافِهم في جَوْدَةِ القريحةِ وسُرعَةِ الفطنةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ ﴾ ومعناهُ : لا يُقاتِلُونَكم بنو قُريظةَ إلاَّ في حُصُونٍ موَثَّقةٍ أو من خَلفِ جِدَارٍ، لِمَا قذفَ اللهُ في قلوبهم الرُّعبَ، ولا يُقاتونَكم مبارزةً.
قرأ ابنُ عبَّاس ومجاهدُ وابن كثير وأبو عمرٍو (أوْ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ) بالألفِ على الواحد. ويَروي بعضُ أهلِ مَّكة (جَدْرٍ) بفتحِ الجيم وجزمِ الدال وهي لغةٌ في الجدار، وقرأ يحيى بن وثَّاب (جُدْرٍ) بضم الجيم وجزمِ الدال، وقرأ الباقون بضَمِّهما.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ﴾ ؛ يعني بُغْضُهم وعداوةُ بعضِهم لبعضٍ شديدٌ، وبينهم مخالفةٌ وعداوة عظيمةٌ، ﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً ﴾ ؛ أي تحسَبُهم متَّفقين على أمرٍ واحد بنِيَّات مجتمعةٍ إذا قاتَلُوا المؤمنين، ﴿ وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ﴾ ؛ أي متفرِّقةٌ لا يتعاوَنون لمعاداةِ بعضهم بعضاً، وإنْ أظهَرُوا الموافقةَ، والمعنى : أنَّهم مختَلِفُون لا تستوِي قلوبُهم ولا نيَّاتُهم لأنَّ اللهَ خذلَهم، ﴿ ذَلِكَ ﴾ ؛ الاختلافُ، ﴿ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ ﴾ ؛ ما فيه الحظُّ لهم ولا يعقِلُون الرُّشدَ من الغيِّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ ﴾ ؛ معناهُ : مَثَلُ هؤلاءِ اليهود كمَثلِ الذين مِن قَبلِهم وهم كفارُ مكَّة، يعني : مثَلُهم في ما ينْزِلُ من العقوبةِ كمَثَلِ مُشرِكي مكَّة، وقوله تعالى :﴿ قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ ﴾ يعني القتلَ والأسرَ ببدرٍ، وكان ذلك قبلَ غزوةِ بني النَّضير بستَّة أشهُرٍ، ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ؛ في الآخرةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ ﴾ ؛ أي مثَلُ الكافرِين في غُرورهم لبني النضير وخِلاَّنِهم، كمثَلِ الشَّيطانِ في غُرورهِ لابنِ آدمَ إذ دعاهُ إلى الكُفرِ بما زَيَّنَهُ له من المعاصِي، فلمَّا كَفَرَ الآدميُّ تَبَرَّأ الشيطانُ منه ومن دينهِ في الآخرة.
ويقال : إنَّ المرادَ بهذه الآيةِ إنسانٌ بعَينهِ يقالُ له بَرصِيصَا، عَبَدَ اللهَ تعالى في صَومعَةٍ له سَبعين سنةً، وكان من بنِي إسرائيلَ، فعالَجهُ إبليس فلم يقدِرْ عليه، فجمعَ ذاتَ يومٍ مَرَدَةَ الشياطين وقال لَهم : ألاَ أحدٌ منكم يكفِيني أمرَ برصيصا ؟ فقال له الأبيضُ : أنا أكفِيكَهُ، وكان من شدَّة تَمرُّد هذا الأبيضِ أنه اعترضَ النبيَّ ﷺ ليُوَسوِسَ إليه، فدفعَهُ جبريلُ دفعةً هيِّنة فوقعَ في أقصى أرضِ الهند.
فقالَ الأبيضَ لإبليسَ : أنا أُزَيِّنُ له، فتزيَّنَ بزينةِ الرُّهبان ومضَى حتى أتَى صومعةَ برصيصا، فأقبلَ على العبادةِ في أصلِ الصَّومعة فانفتلَ برصيصا فاذا هو يراهُ قائم يصلِّي في هيئةِ حسَنةٍ من هيئة الرُّهبان، فأقبلَ إليه وقالَ : يا هذا ما حاجَتُكَ ؟ فقال : أحبُّ أن أكون معكَ فأتعلَّمَ منكَ وأقتبسَ عِلمَكَ، فتدعُو لي وأدعُو لكَ، فقال برصيصا : إنِّي لفِي شُغلٍ عنكَ، فإن كُنتَ مُؤمِناً فسيجعلُ الله لكَ نَصيباً مما أدعوهُ للمؤمنين والمؤمناتِ.
ثم أقبلَ على صلاتهِ وتركَ الأبيضَ، وقامَ الأبيضُ يصَلِّي فلم يلتَفِتْ برصيصا إلاَّ بعد أربعين يَوماً، فلمَّا التفتَ بعد الأربعين رآهُ قائماً يصلِّي، فلما رأى برصيصا شدَّةَ اجتهادهِ وكثرةَ ابتهالهِ وتضرُّعه أقبلَ إليهِ، وقالَ : اطلُبْ حاجتَكَ، قال حاجَتي أن تأذنَ لي فارتفعَ إليك فأكونَ في صَومَعَتِكَ، فأَذِنَ له فارتفعَ اليهِ.
فأقامَ في صَومعتهِ حَوْلاً كاملاً يتعبَّدُ، لا يفطرُ إلاّ في كلِّ أربعينَ يَوماً يوماً، ولا ينفتِلُ إلاّ في كلِّ أربعين يوماً يَوماً، فلما رأهُ بَرصِيصا ورأى شدَّةَ اجتهادهِ أعجبَهُ شأنهُ، وتقاصَرت عندهُ عبادةُ نفسهِ.
فلمَّا حالَ الحولُ قال الأبيضُ لبَرصِيصَا : إنِّي منطلقٌ إلى صاحبٍ لِي غيرك أشدُّ اجتهاداً منكَ، وإنه قد كان بلَغَني عنكَ من العبادةِ والاجتهاد غيرَ الذي أرَى منكَ، فدخلَ على برصِيصا من كلامهِ ذلك أمرٌ عظيم وكَرِهَ مفارقتَهُ لِمَا رأى من شدَّة اجتهادهِ في العبادةِ.
فلمَّا ودَّعَهُ قالَ له الأبيضُ : إنَّ عندي دَعَواتٍ أُعلِّمُكَها تدعو بها، فهي خيرٌ لكَ مما أنتَ فيه، يَشفَى بها السقيمُ، ويُعافَى بها الْمُبتَلى والمجنون، فقال بَرصِيصا : إنِّي أكرهُ هذه المْنزِلَةَ، وإنَّ لي في نفسي شُغلاً، وإنِّي أخافُ إنْ عَلِمَ الناسُ بذلك شغَلونِي عن العبادةِ. فلَم يزَلْ به الأبيضُ حتى علَّمَهُ.
وانطلقَ الأبيضُ حتى أتَى إبليسَ وقالَ له : قد واللهِ أهلكتُ الرجلَ. ثم انطلقَ الأبيضُ إلى رجلٍ فخنقَهُ، ثم جاءَ إلى أهلهِ في صُورَةِ طبيبٍ فقالَ لَهم : إنَّ بصاحبكم جُنوناً، فقالُوا له : عَالِجْهُ لنا وَدَاوهِ، فقالَ : إنِّي لا أقوَى على جِنِّيَّتِهِ! ولكن أرشِدُكم إلى مَن يدعُو له فيُعافَى، قالوا : دُلَّنَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ ؛ معناهُ : فكان عاقبةُ الشَّيطانِ والذي كفَرَ أنَّهما في النار مُقِيمِين دائمين، ﴿ وَذَلِكَ جَزَآءُ الظَّالِمِينَ ﴾ ؛ أي وذلكَ عاقبةُ الكافرِين، فَلْيَحْذر امرِؤٌ أن يقعَ في مثلِ ما وقعَ فيه هذا الكافرُ، وقال مقاتلُ :(مَعْنَى الآيَةِ : فَكَانَ عَاقِبَةُ الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودِ أنْ صَارُواْ إلَى النَّار وَذلِكَ جَزَاؤُهُمْ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ ﴾ ؛ معناهُ : واتَّقُوا اللهَ بأداءِ فرائضهِ واجتناب مَعاصيه، ﴿ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾ ؛ أي ليومِ القيامةِ عَملاً صَالِحاً يُنجِيها أم عَملاً سَيِّئاً يُوبقُها، قال الحسنُ :(مَا زَالَ اللهُ يُقَرِّبُ السَّاعَةَ حَتَّى جَعَلَهَا كَغَدٍ). ﴿ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ نَسُواْ اللَّهَ ﴾ ؛ أي ترَكُوا حقَّ اللهِ وأمرَهُ حتى صارَ كالْمَنْسِيِّ عندَهم، ﴿ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ﴾ ؛ أي فخذلَهم حتى لم يَعْمَلُوا للهِ طاعةً، ويُقدِّموا خيراً لأنفسهم، قال ابنُ عبَّاس :(يُرِيدُ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ) وباقِي الآيتَين، ﴿ أُولَـائِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَآئِزُونَ ﴾، ظاهرُ المعنى.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَـاذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ ؛ معناهُ : لو جُعِلَ في الجبلِ تَمييزٌ وعقلٌ مِثلَكم، وعَلِمَ من القرآنِ كما تعلَمُون أنتم لرأيتَهُ يخشَعُ ويتصدَّعُ خَوفاً من عذاب اللهِ، وكبرهُ وصلابتهُ فأنتم مع ضَعفِكم وصِغَرِكم أولَى بالخشُوعِ والعملِ على مقتضَى الدِّين في تمييزِ الحقِّ من الباطلِ.
وَقِيْلَ : معناهُ : لو شَعَرَ الجبلُ مع صَلابتهِ وشدَّتهِ بالقرآنِ لخشَعَ تَعظيماً للقرآنِ ولصَدعَ من خشيةِ الله، فالإنسانُ أحقُّ بهذا منه، وهذا وصفٌ للكافرِ بالقسوَةِ حين لم يَلِنْ قلبهُ بمواعظِ القرآن الذي لو أُنزِلَ على جبلٍ لخشعَ.
قَوُْلُهُ تَعَالَى :﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَـانُ الرَّحِيمُ ﴾ ؛ قِيْلَ : إنَّ هذه الآياتِ مردودةٌ إلى أوَّلِ السُّورة، والمعنى : هو الذي أخرجَ الذين كفَرُوا وهو اللهُ الذي تَحِقُّ له العبادةُ، ولا يشركهُ في ذلك غيرهُ، وهو العالِمُ بكلِّ شيءٍ مما غابَ عن العبادِ ومما علموهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ ؛ القُدُّوسُ : هو الظاهرُ على كلِّ عيبٍ، المنَزَّهُ عن كلِّ ما لا يليقُ به. والسَّلاَمُ : هو الذي سَلِمَ من كلِّ نقصٍ وعيب، وَقِيْلَ : هو الذي سَلِمَ العبادُ من ظُلمهِ.
والْمُؤْمِنُ : هو الذي أمِنَ أولياؤهُ عذابَهُ. والْمُهَيْمِنُ : هو الشهيدُ على عبادهِ بأعمالهم، ومنه قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ﴾[المائدة : ٤٨] أي شَاهِداً عليه، ويقالُ : هَيْمَنَ يُهَيْمِنُ فهو مُهَيْمِنٌ، إذا كان رَقِِيباً على الشيءِ.
والْعَزِيزُ : الممتنعُ الذي لا يغلِبهُ شيءٌ ولا يُمنَعُ من مُرادهِ. والْجَبَّارُ : هو العظيمُ، وجَبَرُوتُ اللهِ عَظَمَتهُ، ويجوزُ أن يكون فَعَّالاً من جَبَرَ إذا أغنَى الفقيرَ وأصلحَ الكسيرَ. ويجوزُ أن يكون من جَبَرَهُ على كذا اذا أكرهَهُ على ما أرادَ. قال السديُّ ومقاتل :(هُوَ الَّذِي يَقْهَرُ النَّاسَ وَيُجْبرُهُمْ عَلَى مَا يَشَاءُ). والْمُتَكَبرُ : هو المستحقُّ لصفاتِ التعظيمِ وهو من الكِبْرِيَاءِ، وإنما تُذمُّ صفةُ المتكبر في الناسِ لأنه يُنْزِلْ نفسَهُ منْزِلَةً لا يستحقُّها.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِىءُ الْمُصَوِّرُ ﴾ ؛ الْخَالِقُ : هو الْمُنْشِئُ للأعيانِ. والبَارئُ : الْمُقَدِّرُ والْمُسَوِّي لها، والبَرِيَّةُ : الْخَلْقُ، وبَرَيْتُ القلمَ إذا سوَّيتهُ. والْمُصَوِّرُ : النَّاقِشُ كيف يشاءُ، يعني الْمُمَثِّلُ للمخلوقاتِ بالعلاماتِ المميَّزة والهيئاتِ المتفرِّقة.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لَهُ الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾، والأسماءُ الْحُسنَى هي الصفاتُ العُلَى.
وعن أنسٍ رضي الله عنه قالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ :" مَنْ قَرَأ سُورَةَ الْحَشْرِ، غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذنْبهِ وَمَا تَأَخَّرَ ".
وقال ﷺ :" وَمَنْ قَرَأ حِينَ يُصْبحُ الثَّلاَثَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ الْحَشْرِ وَكَّلَ اللهُ بهِ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْسِي، فَإنْ مَاتَ مِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ مَاتَ شَهِيداً، وَمَنْ قَرَأهَا حِينَ يُمْسِي كَانَ بتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ ".
وعن أبي هُريرة رضي الله عنه قال :" سَأَلْتُ حَبيبي رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنِ اسْمِ اللهِ الأَعْظَمِ، فَقَالَ :" عَلَيْكَ بآخِرِ سُورَةِ الْحَشْرِ، فَأَكْثِرْ قِرَاءَتَهَا " فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ فَأَعَادَ عَلَيَّ، فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ، فَأَعَادَ عَلَيَّ ".
Icon