ﰡ
﴿ سبح لله ﴾ أي نزهه عن النقص وقدسه.
تفسير المعاني :
نزه الله وقدسه جميع ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم.
﴿ الذين كفروا من أهل الكتاب ﴾ يريد بهم طائفة من اليهود كانت تناصب النبي العداء فأجلاهم عن جزيرة العرب. ﴿ لأول الحشر ﴾ أي في أول حشرهم أي جمعهم من جزيرة العرب ؛ إذ لم يصبهم هذا الذل قبل ذلك. وقيل إن أول حشرهم هو حشرهم للقتال أو للجلاء إلى الشام، وآخر حشرهم إجلاء عمر إياهم من خيبر. ﴿ فأتاهم الله ﴾ أي عذابه. ﴿ من حيث لم يحتسبوا ﴾ أي من حيث لم يتخيلوا. ﴿ فاعتبروا يا أولي الأبصار ﴾ أي فاتعظوا بحالهم فلا تغدروا.
تفسير المعاني :
هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب " وهم بعض اليهود " من ديارهم لأول الحشر، ما كنتم تتخيلون أن يخرجوا. وظنوا أن حصونهم تحميهم من الله، فأتاهم عذاب الله من جهة لا يتخيلون مجيئه من جهتها. وألقى في قلوبهم الفزع يخربون بيوتهم بأيديهم لكيلا ينتفع بها، وبأيدي المؤمنين بسبب مقتضيات الحرب، فاتعظوا يا أولي الأبصار. والمراد بالكافرين من أهل الكتاب هنا بنو النضير من اليهود... كانوا قد عاهدوا النبي على ألا يكونوا له ولا عليه، فلما انهزم المسلمون يوم أحد، نكثوا عهدهم وذهب قائدهم كعب بن الأشرف إلى مكة وحالف قريشا على حزب رسول الله، فقاتلهم الرسول وانتصر عليهم وأجلاهم إلى سورية.
ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعدتهم في الدنيا بالقتل والسبي، ولهم في الآخرة عذاب النار.
﴿ شاقوا ﴾ أي خالفوا ونازعوا.
تفسير المعاني :
ذلك الإجلاء لهم كان سبب أنهم نازعوا الله ورسوله، ومن ينازع الله فإن الله شديد العقاب.
﴿ من لينة ﴾ أي من نخلة كريمة، جمعها أليان.
تفسير المعاني :
ما قطعتم من نخلة كريمة أو تركتموها قائمة على أصولها فبأمر الله، وقد أذن لكم في القطع ليخزي الفاسقين، نزلت هذه الآية لما قال له اليهود : كنت تنهى عن الفساد في الأرض فكيف بقطع النخيل ؟ فنزل القرآن يقول بأن ذلك كان بأمر الله لنكاية الكافرين.
﴿ وما أفاء الله على رسوله ﴾ أي وما أعاده عليه من مال الكافرين، كأن كل أموال الكافرين من حقها أن تكون للمؤمنين، فإذا غنم المؤمنون منها شيئا عبّر عن ذلك بأنه عاد إليهم، ثلاثيته فاء يفيء فيئا أي رجع. ﴿ فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ﴾ أي فما أجريتم في تحصيله، من الوجيف وهو سرعة السير، والركاب هو ما يركب من الإبل، غلب فيه كما غلب الراكب على راكبها.
تفسير المعاني :
والذي نلتموه من غنائمهم لم تجروا في تحصيله خيولا ولا إبلا، ﴿ ولكن الله يسلط رسله على من يشاء وهو على كل شيء قدير ﴾.
﴿ كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ﴾ أي كي لا يكون الفيء، أي الغنيمة، متداولا بين الأغنياء دون الفقراء.
تفسير المعاني :
وما أصبتم من الغنيمة فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، لكيلا تكون الغنائم دائرة بين الأغنياء دون الفقراء كما كان عليه الحال في الجاهلية. وما أعطاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا عنه، واتقوا الله إن الله شديد العقاب.
﴿ يبتغون ﴾ أي يطلبون. ﴿ ورضوانا ﴾ أي ورضاء.
تفسير المعاني :
وقد اختلف الأئمة في سهم النبي صلى الله عليه وسلم من الغنائم إلى من يئول، فقيل يئول للإمام، وقيل للجنود والمدافعين عن الدين، وقيل ينفق في مصالح المؤمنين. ﴿ للفقراء المهاجرين ﴾ بدل من ﴿ لذي القربى ﴾. أي أن الغنيمة يعطى منها خمس للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وسلبت أموالهم في سبيل طلبهم فضلا من الله رضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون.
﴿ تبوءوا الدار ﴾ أي سكنوها. يقال بوأه دارا فتبوأها. حاجة أي ما تحمل عليه الحاجة كالطلب والحسد والغيظ. ﴿ مما أوتوا ﴾ أي مما أعطوا من الغنيمة. ﴿ ويؤثرون على أنفسهم ﴾ أي ويقدمونهم على أنفسهم. ﴿ خصاصة ﴾ أي حاجة مأخوذ من خصاص الباب أي فرجه. ﴿ ومن يوق شح نفسه ﴾ أي ومن يحفظ من شح نفسه. والشح أشد البخل.
تفسير المعاني :
الذين هاجروا من قبلهم يحبون من يلحق بهم ولا يجدون في صدورهم حسدا مما أعطوه من الغنيمة بل يقدمونهم على أنفسهم ولو كانت بهم حاجة. ومن وقاهم الله شح نفوسهم فأولئك هم المفلحون.
﴿ غلا ﴾ أي حقدا.
تفسير المعاني :
والذين جاءوا من بعدهم مهاجرين مثله يقولون : ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا حقدا للذين آمنوا، ربنا إنك رءوف رحيم.
﴿ ولا نطيع فيكم أحدا ﴾ أي ولا نطيع أحدا يأمرنا بقتالكم أو خذلكم.
تفسير المعاني :
ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب : لئن أخرجكم محمد من دياركم لنخرجن معكم ولا نطيع أحدا يأمرنا بقتالكم أو خذلكم، وإن قاتلوكم فلنمدنكم بنصر منا، والله يشهد إنهم لكاذبون. وإنما كانوا يقولون لهم ذلك تشجيعا لهم على موقفهم العدائي ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم وضد أصحابه. وقد ثبت أنهم أجلوا ولم يفعل المنافقون أقل شيء لنصرتهم.
﴿ ليولن الأدبار ﴾ أي لينهزمن. الدبر، والدبر مؤخر الإنسان، وتوليه الدبر كناية عن النكوص والهزيمة.
تفسير المعاني :
لئن أخرج اليهود من ديارهم لا يخرج معهم المنافقون كما يدعون لهم، ولئن قوتلوا لا ينصرونهم، ولئن نصروهم ليهزمن ثم لا ينصرون بعد ذلك.
﴿ لا يفقهون ﴾ أي لا يفهمون.
تفسير المعاني :
إنكم لأشد رهبة في قلوبهم من الله نفسه. ذلك بسبب أنهم قوم لا يفهمون عظمة الله حتى يخشوه حق خشيته.
﴿ جميعا ﴾ أي مجتمعين. ﴿ جدر ﴾ جمع جدار. ﴿ شتى ﴾ أي متفرقة، وهو جمع شتيت أي مفرق.
تفسير المعاني :
لا يجرءون على قتالكم إلا في قرى محصنة أو من وراء أسوار، بأسهم بينهم شديد من شدة النزاع والشقاق، تظنهم أنهم مجتمعون على كلمة واحدة والحال أن قلوبهم متفرقة ؛ ذلك بسبب أنهم لا يعقلون ما يضرهم وما ينفعهم.
﴿ كمثل الذين من قبلهم ﴾ أي مثل اليهود كمثل أهل بدر. ﴿ قريبا ﴾ أي في زمان قريب. ﴿ وبال أمرهم ﴾ أي سوء عاقبة أمرهم. يقال : العمل السيئ وبال على صاحبه، أي سيء العاقبة عليه. يقال وبل المرتع يوبل وبالا ووبولا وخم، ومنه وبلت الأرض أي صارت وخيمة. والوبيل الشديد.
تفسير المعاني :
مثل هؤلاء اليهود كمثل الذين من قبلهم، وهم أهل بدر، لم يلبثوا أن ذاقوا وبال أمرهم، أي سوء عاقبة أمرهم، ولهم عذاب أليم.
ومثل المنافقين في إغراء اليهود على القتال كمثل الشيطان إذ قال للإنسان : اكفر، فلما كفر تبرأ منه قائلا : إني أخاف الله رب العالمين.
فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها، وذلك جزاء الظالمين.
يا أيها المؤمنون خافوا الله ولتنظر نفس ما قدمت ليوم القيامة.
﴿ نسوا الله ﴾ أي نسوا حقه. ﴿ الفاسقون ﴾ الخارجون العاصون. يقال فسق يفسق فسقا، خرج وعصى.
تفسير المعاني :
ولا تكونوا كالذين نسوا حق الله فأنساهم أنفسهم من شدة الغفلة، أولئك هم الخارجون العاصون.
لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة، أصحاب الجنة هم الفائزون.
﴿ خاشعا ﴾ أي متذللا. ﴿ متصدعا ﴾ أي متشققا، من تصدع أي تشقق، ثلاثيه صدعه يصدعه أي شقه.
تفسير المعاني :
لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته متذللا متشققا من خشية الله، لكثرة ما فيه من الزواجر والعبر، وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون.
﴿ عالم الغيب والشهادة ﴾ أي عالم ما خفي وغاب، وعالم ما شهد ورئي.
تفسير المعاني :
ثم ذكر الله عددا من أسمائه.
﴿ القدوس ﴾ أي البليغ في النزاهة عما يوجب نقصانا، وقرئ بفتح القاف القدوس وهو لغة فيه. وهو مشتق من القدس أي الطهر. وقدس يقدس قدسا وقدسا أي طهر. وقدس الله نزهه عن النقص. ﴿ السلام ﴾ أي ذو السلامة من كل نقص، وهو مصدر وصف به. ﴿ المؤمن ﴾ أي واهب الأمن. ﴿ المهيمن ﴾ الرقيب الحافظ لكل شيء، وأصل لفظ المهيمن " مؤأمن "، ليّنت الهمزة الثانية وقلبت ياء كراهة اجتماع الهمزتين، وقلبت الأولى هاء كما قالوا أراق الماء وهراقه. ﴿ الجبار ﴾ أي الذي جبر خلقه على ما أراده، أو جبر حالهم بمعنى أصلحه.
تفسير المعاني :
ثم ذكر الله عددا من أسمائه.
﴿ البارئ ﴾ أي الخالق. يقال برأ الله الخلق يبرؤه برءا أي خلقه. والبرية الخليقة. أصلها البريئة حذفت همزتها. ﴿ المصور ﴾ خالق الصور للكائنات. ﴿ الأسماء الحسنى ﴾ الحسنى مؤنث الأحسن.
تفسير المعاني :
ثم ذكر الله عددا من أسمائه، ثم قال : له الأسماء الحسنى ؛ لأن صفاته العلية لا يحصرها عدد. يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم.