ﰡ
﴿ الم ﴾ انظر تفسيرها في السورة السابقة.
تفسير الألفاظ :
الم.
إنزال القرآن لا شك فيه من رب العالمين.
أم يقولون اختلقه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أرسلنا إليهم من نذير قبلك لعلهم يهتدون.
﴿ ثم استوى على العرش ﴾ أي ثم جلس على العرش، وهذا كناية عن أنه استولى على الملك يدبره.
تفسير المعاني :
الله هو الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما من العوالم، ثم استولى على الملك يدبره، ما لكم من دونه من مولى ولا شفيع، أفلا تتذكرون بمواعظه ؟
﴿ ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة ﴾ أي يدبر أمر الدنيا بأسباب سماوية نازلة آثارها إلى الأرض، ثم يصعد إليه ذلك الأمر ويثبت في علمه في برهة من الزمان متطاولة، يريد بذلك بعد ما بين التدبير ووقوع أثره، أي يدبره ويحسب حسابه قبل وقوعه بزمن طويل. وقيل يدبر الأمر من يوم خلق الأرض إلى قيام ساعتها، ثم يرجع إليه الأمر كله جملة في يوم هو يوم القيامة طويل الأمد مقداره ألف سنة.
تفسير المعاني :
يدبر أمر الأرض من سماء جلاله من يوم وجودها إلى ساعة تلاشيها، ثم يصعد إليه الأمر كله ليحكم فيه في يوم هو يوم القيامة مقداره ألف سنة مما تعدون.
﴿ والشهادة ﴾ أي عالم الشهادة، وهو عالم المحسوسات.
تفسير المعاني :
ذلك هو الله عالم ما بطن وغاب من الأمور وما ظهر منها.
الذي أجاد كل شيء خلقه وبدأ تكوين الإنسان الأول من طين.
ثم جعل نسله يخرج منه في ماء ممتهن.
فيسويه هو وينفخ فيه من روحه، وقد جعل لكم السمع والأعين والقلوب لتسمعوا وتروا وتفهموا، ولكنكم قليلا ما تشكرون الله على هذه النعم.
﴿ ضللنا في الأرض ﴾ أي تاهت أجزاء أجسادنا فيها بعد.
تفسير المعاني :
وقالوا : أإذا متنا وتحللت أجسادنا فصارت رميما، واختلطت بتراب الأرض، وتاهت فيها أإنا لمخلوقون من جديد ؟ ولكنهم بلقاء ربهم يجحدون.
قل : نعم يتوفاكم ملك الموت الموكل بقبض أرواحكم ثم إلينا ترجعون، فإننا وقد قدرنا على إنشائكم من عدم نقدر أن نعيدكم مرة ثانية.
﴿ ناكسو رءوسهم ﴾ أي مطأطئو رءوسهم، يقال نكس رأسه ينكسه نكسا طأطأه.
تفسير المعاني :
ولو ترى إذ المجرمون مطأطئو رءوسهم يوم يلقون ربهم ويقولون : ربنا قد رأينا بأعيننا، وسمعنا بآذاننا ما كنا ننكره، فأعدنا إلى الدنيا نعمل صالحا إنا معتقدون، لرأيت أمرا فظيعا.
﴿ حق القول ﴾ أي ثبت ووجب. يقال حق يحق، ويحق حقا أي ثبت ووجب. ﴿ الجنة ﴾ أي الجن.
تفسير المعاني :
ولو شئنا لمنحنا كل نفس هداها، ولكن ثبت القول مني لحكمة أعلمها بأن أملأ جهنم من الجن والإنس معا.
﴿ عذاب الخلد ﴾ أي عذاب الخلود.
تفسير المعاني :
ونقوله لهم : ذوقوا العذاب بسبب نسيانكم المصير إلى يومكم هذا إنا نسيناكم، وذوقوا العذاب الخالد بما كنتم تعملون.
﴿ خروا ﴾ أي سقطوا. يقال خر السقف يخر خرا سقط. ﴿ وسبحوا بحمد ربهم ﴾ أي ونزهوا ربهم عن النقص حامدين له نعمه.
تفسير المعاني :
إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا ساجدين، ونزهوا ربهم حامدين له نعمه وهم لا يستكبرون.
﴿ تتجافى جنوبهم ﴾ أي ترتفع وتتنحى. ﴿ المضاجع ﴾ أي الفرش ومواضع الاضطجاع.
تفسير المعاني :
تتنحى جنوبهم من مواضع اضطجاعهم، يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون.
﴿ من قرة أعين ﴾ أي من سرور وارتياح. والقرة إما مشتقة من القرار باعتبار أن العين تقر على ما يسرها أي تثبت عليه، وإما من القر وهو البرد باعتبار أن دمعة السرور باردة.
تفسير المعاني :
فلا يعلم إنسان ما أخفى لأهل الجنة مما ترتاح إليه نفوسهم، وتسر به قلوبهم جزاء لهم على حسن أعمالهم.
﴿ فاسقا ﴾ أي خارجا. يقال فسق يفسق فسقا، أي خرج عن حدود الشرع. تفسير المعاني :
أفمن كان مؤمنا بالله قائما بحق خلافته في الأرض، عاملا على تقرير العدل والنظام بين الخلق، كمن كان فاسقا خارجا على قوانين الآداب، معتديا على الحقوق ؟ لا، لا يستوون.
﴿ جنات المأوى ﴾ المأوى معناه المسكن، من أوى إلى المكان يأوي إليه أويا. ومعنى جنات المأوى أنها المأوى الحقيقي، أما الدنيا فمنزل مترحل لا محالة. ﴿ نزلا ﴾ النزل ما يقدم للضيف.
تفسير المعاني :
أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات السكنى الخالدة تقدمة من الله لهم جزاء ما كانوا يعملون.
وأما الذين فسقوا فمنزلهم في الحياة الآخرة النار، كلما شاءوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها، وقيل لهم : ذوقوا العذاب الذي كنتم به تكذبون.
﴿ العذاب الأدنى ﴾ أي العذاب الأقرب، وهو عذاب الدنيا.
تفسير المعاني :
ومع هذا فلنذيقنهم من عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة لعلهم يرجعون إلى رشدهم فيؤمنون.
ومن أظلم ممن ذكّر بآيات الله ثم أعرض عنها لاهيا أو مستكبرا، إنا من المجرمين لمنتقمون.
﴿ في مرية ﴾ أي في شك. يقال امترى أي شك.
تفسير المعاني :
ولقد آتينا موسى التوراة فلا تك في شك من لقائك القرآن، فإن تلقيك إياه هو كما تلقى موسى كتابه إذ جعلناه هدى لبني إسرائيل.
وجعلنا منهم أئمة يهدون الناس بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يعتقدون.
﴿ يفصل ﴾ أي يقضي.
تفسير المعاني :
إن ربك هو يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون فيه من أمر الدين فيجازي الضالين على ضلالهم، والمهتدين على هدايتهم.
﴿ أو لم يهد لهم ﴾ أي أو لم يتبين لهم. ﴿ من القرون ﴾ أي من أجيال الناس. القرن ثمانون سنة، وفي اصطلاحنا الآن مائة سنة.
أو لم يتبين لهم مما رأوا من الآثار ومروا به من الأطلال كم أهلكنا قبلهم من أجيال الناس، يمشون اليوم في مساكنهم الخالية منهم، ولقد كانت آهلة بهم، عامرة بوجودهم ؟ إن في ذلك لدلالات واعظة للنفوس لو كانوا ممن يسمعون القول سماع تدبر واتعاظ.
﴿ الأرض الجرز ﴾ أي الأرض التي جرز نباتها، أي قطع وأزيل. يقال جرز النبات يجرزه جرزا قطعه.
تفسير المعاني :
أو لم يروا بأعينهم أننا نسوق الماء إلى الأرض التي قطع نباتها وأصبحت يابسة قاحلة، فنخرج به زرعا جديدا كالذي كان عليها من قبل، فتأكل منه بهائمهم، ويأكلون منه هم أنفسهم، أفلا يبصرون ؟
﴿ الفتح ﴾ أي النصر أو الفصل في الحكم. يقال فتح يفتح فتحا أي حكم. والفتاح الحاكم.
تفسير المعاني :
ويقولون : إنكم تعدوننا بأن الله سيحكم بيننا فمتى هذا الحكم الفاصل بين الحق والباطل إن كنتم صادقين ؟
﴿ ولا هم ينظرون ﴾ أي ولا هم يمهلون. يقال أنظره ينظره إنظارا أي أمهله.
تفسير المعاني :
قل : يوم صدور هذا الحكم لا ينفع الذين كفروا إيمانهم، ولا هم يمهلون إلى موعد آخر ليتداركوا ما فاتهم.
فأعرض عنهم واتركهم فيما هم فيه من غرورهم، وانتظر إنهم منتظرون.