تفسير سورة السجدة

معاني القرآن للفراء
تفسير سورة سورة السجدة من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

أنفسهم كسر ثانية إِذَا جُمِعَ كما جمعوا ظُلمة ظلمات «١» فرفعوا ثانيها إتباعًا لرفعة أولها، وكما قالوا:
حسراتٌ فأتبَعُوا ثانيها أولها. فلمّا لزمهم أن يقولوا: بِنِعِمات استثقلوا أن تتوالى كسرتان فِي كلامهم لأنّا لَمْ نجد ذَلِكَ إلا فِي الإبل وحدها. وقد احتمله بعضُ العرب فقال: نِعِماتٌ وسِدِراتٌ.
قوله: كُلُّ خَتَّارٍ [٣٢] الختّار: الغدّار وقوله (مَوْجٌ كَالظُّلَلِ) فشبّهه بالظلل والموج واحد لأن الموج يركب بعضه بعضًا، ويأتي شيء بعد شيء فقال (كَالظُّلَلِ) يعنى السحاب.
وقوله: بِاللَّهِ الْغَرُورُ [٣٣] ما غَرّكَ فهو غَرُور، الشيطان غَرور، والدنيا غَرور. وتقول غررته غُرورًا ولو قرئت ولا يغرنّكم بالله الغرور يريد زينة الأشياء لكان صوابًا.
وقوله: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ [٣٤] فِيهِ تأويل جحد المعنى: ما يعلمه غيره (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً) خرج هَذَا عَلَى الجحد. والمعنى الظاهرُ والأوَّل معروف بالضمير للجحد.
وقوله (بِأَيِّ أَرْضٍ) وبأيّة أرض. فمن قال (بِأَيِّ أَرْضٍ) اجتزأ بتأنيث الأرض من أن يُظهِر فِي أيّ تأنيثًا آخر، ومن أنَّث قَالَ قد اجتزءوا بأي دون ما أضيفَ إِلَيْهِ، فلا بدّ من التأنيث كقولك: مررتُ بامرأة، فتقول: أيّة، ومررت برجلين فتقول أيّين:
ومن سورة السجدة
قوله: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [٧] يقول: أحسنه فجعله حسنًا. ويقرأ «٢» (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) قرأها «٣» أَبُو جَعْفَر المدني كأنه قَالَ: ألهم خَلْقه كل ما يحتاجون إِلَيْهِ فالخلق، منصوبون
(١) ا: «وظلمات».
(٢، ٣) القراءة الأولى لنافع وعاصم وحمزة والكسائي وخلف وافقهم الحسن والأعمش. والقراءة الأخيرة بسكون اللام للباقين، هذا وفى ش: «فقرأها».
بالفعل الَّذِي وقع عَلَى (كلّ) كأنك قلت أعلمهم كل شيء وأحسنهم. وقد يكون الخلق منصوبًا كما نُصب «١» قوله (أَمْراً مِنْ عِنْدِنا «٢» ) فِي أشباه لَهُ كثيرة من القرآن كأنك قغت: كلَّ شيء خَلْقًا منه وابتداء بالنعم.
وقوله: ضَلَلْنا [١٠] و (ضَلِلْنا «٣» ) لغتان. وقد ذكر عَن الْحَسَن وغيره أَنَّهُ قرأ (إِذَا صَلِلنا) حَتَّى لقد رُفعت «٤» إلى عليّ (صَلِلنا) بالصاد ولست أعرفها، إلا أن تكون لغةً لَمْ نسمعها إنما تَقُولُ العرب: قد صَلّ «٥» اللحمُ فهو يَصِلّ، وأصلّ يُصِلّ، وخَمّ يَخِمّ وأخمّ يُخمُّ. قَالَ الفراء: لو كانت:
صللنا بفتح اللام لكان صوابًا، ولكني لا أعرفها بالكسر.
والمعنى فِي (إذا ضللنا فى الأرض «٦» ) يقول: إِذَا صارت لحومنا وعظامنا ترابًا كالأرض. وأنت تَقُولُ: قد ضلّ الماء فِي اللبن، وضلّ الشيء فِي الشيء إِذَا أخفاهُ وغلبه.
وقوله: إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً [١٥] كَانَ المنافقونَ إِذَا نودي بالصلاة فإنْ خَفُوا عَن أعين المسلمين تركوها، فأنزل الله. (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها) إِذَا نودوا إلى الصلاة أتوها فركعوا وسَجدوا غير مستكبرين..
وقوله: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ [١٦] يُقال: هُوَ النوم قبل العشاء. كانوا لا يضعون جنوبَهم بين المغرب والعِشَاء حَتَّى يُصلّوها. ويُقال: إنَّهم كانوا فِي ليلهم كلِّه (تَتَجافى «٧» ) : تقلق (عَنِ الْمَضاجِعِ) عَن النوم فِي الليل/ ١٤٦ اكلّه (خَوْفاً وَطَمَعاً).
(١) ا: «نصبت».
(٢) الآية ٥ سورة الدخان.
(٣) كسر اللام قراءة يحيى بن يعمر وابن محيصن وأبى رجاء وطلحة وابن وثاب كما فى البحر ٧/ ٢٠٠ وهى قراءة شاذة.
(٤) أي نسبت إليه.
(٥) أي أنتن. وسقط (قد) فى ب
(٦) هذه قراءة ابن عامر وأبى جعفر فى قوله تعالى: «إذا» وفى قراءة غيرهما. «أئذا».
(٧) أي جنوبهم.
وقوله: ما أُخْفِيَ [١٧] وكلّ ينصب بالياء لأنه فعل ماض كما تَقُولُ: أُهلِكَ الظالِمون.
وقرأها حَمْزَةُ (ما أُخْفِيَ لَهم من قُرَّةِ أَعْيُنٍ) بإرسال «١» الياء. وَفِي قراءة عبد الله (ما نُخْفِي لَهُمْ من قُرَّةِ أَعْيُنٍ) فهذا اعتبار وقوّة لِحمزة. وكل صواب. وإذا قلت (أخفى لهم) وجعلت (ما) فِي مذهب «٢» (أي) كانت (ما) رفعًا بِمَا لَمْ تُسَمّ فاعله. ومن قرأ (أُخْفِيَ لَهم) بإرسال الياء وجعل (ما) فِي مذهب (أيّ) كانت نصبًا فِي (أُخْفِيَ) و (نُخْفِي) ومن جعلها بمنزلة الشيء أوقعَ عليها (تَعْلَمُ) فكانت نصبًا فِي كل الوجوه. وقد قرئت (قُرَّاتِ أَعْيُنٍ) ذُكرت عَن أبي هريرة.
وقوله: أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ [١٨] ولم يقل: يستويان لأنها عام، وإذا كان الاثنان غير مصمود «٣» لهما ذَهَبَا مذهب الجمع تَقُولُ فِي الكلام: ما جعل الله المسلم كالكافر فلا تسوّينّ بينهم، وبينما. وكل صواب.
[قوله: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى [٢١]] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ الله عَن منصور عَن إِبْرَاهِيم أو عَن مجاهد- شك الفراء- فِي قوله (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى) قَالَ مصائبُ تصيبهم فِي الدُّنْيَا دون عذاب الله يوم القيامة.
[قوله: وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا [٢٤]] القراء جَميعًا عَلَى (لَمَّا صَبَرُوا) بتشديد الميم ونصب اللام. وهي فِي قراءة عبد الله (بِما صَبَروا) وقرأها الْكِسَائي وَحَمْزَة (لِمَا صَبروا) عَلَى ذَلِكَ. وموضع (ما) خَفض إِذَا كسرت اللام. وإذا فتحت وشدَّدت فلا موضع لَهَا إنما هى أداة.
(١) أي إطلاقها وإسكانها.
(٢) أي جعلتها استفهامية. [.....]
(٣) أي غير مقصودين، يقال: صمده وصمد إليه: قصده.
Icon