ﰡ
وأخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي عن عروة مرسلاً قال البيهقي : وهو المحفوظ.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال :« لم أجلى رسول الله ﷺ بني النضير قال :» هذا أوّل الحشر وأنا على الأثر « ».
وأخرج البزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث « عن ابن عباس قال : من شك أن المحشر بالشام فليقرا هذه الآية ﴿ هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ﴾ قال لهم رسول الله ﷺ يومئذ : اخرجوا، قالوا : إلى أين؟ قال : إلى أرض المحشر ».
وأخرج أحمد في الزهد عن قيس قال : قال جرير لقومه فيما يعظهم : والله إني لوددت أني لم أكن بنيت فيها لبنة ما أنتم إلا كالنعامة استترت، وإن أرضكم هذه خراب يسراها ثم يتبعها يمناها، وإن المحشر ههنا، وأشار إلى الشام.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله :﴿ لأول الحشر ﴾ قال : فتح الله على نبيه في أول حشر حشر عليهم في أول ما قاتلهم، وفي قوله :﴿ ما ظننتم ﴾ النبي ﷺ وأصحابه أن يخرجوا من حصونهم أبداً.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة قال :« أمر الله رسوله بإجلاء بني النضير، وإخراجهم من ديارهم، وقد كان النفاق كثيراً بالمدينة فقالوا : أين تخرجنا؟ قال : أخرجكم إلى المحشر، فلما سمع المنافقون ما يراد بإخوانهم وأوليائهم من أهل الكتاب أرسلوا إليهم فقالوا : إنا معكم محيانا ومماتنا، إن قوتلتم فلكم علينا النصر، وإن أخرجتم لا نتخلف عنكم، ومناهم الشيطان الظهور فنادوا النبي ﷺ : إنا والله لا نخرج، ولئن قاتلتنا لنقاتلنك، فمضى النبي ﷺ فيهم لأمر الله وأمر أصحابه، فأخذوا السلاح ثم مضى إليهم، وتحصنت اليهود في دورهم وحصونهم، فلما انتهى رسول الله ﷺ إلى أزقتهم أمر بالأدنى من دورهم أن يهدم، وبالنخل أن يحرق ويقطع، وكفّ الله أيديهم وأيدي المنافقين فلم ينصروهم وألقى الله في قلوب الفريقين الرعب، ثم جعلت اليهود كلما خلص رسول الله ﷺ من هدم ما يلي مدينتهم ألقى الله في قلوبهم الرعب فهدموا الدور التي هم فيها من أدبارها ولم يستطيعوا أن يخرجوا على النبي ﷺ، فلما كادوا أن يبلغوا آخر دورهم وهم ينتظرون المنافقين وما كانوا منوهم، فلما يئسوا مما عندهم سألوا رسول الله ﷺ الذي كان عرض عليهم قبل ذلك، فقاضاهم على أن يجليهم ولهم أن يتحملوا بما استقلت به الإِبل، من الذي كان لهم إلا ما كان من حلقة السلاح، فذهبوا كل مذهب، وكانوا قد عيروا المسلمين حين هدموا الدور وقطعوا النخل، فقالوا : ما ذنب شجرة وأنتم تزعمون أنكم مصلحون، فأنزل الله ﴿ سبح لله ما في السماوات وما في الأرض ﴾ إلى قوله :﴿ وليخزي الفاسقين ﴾ ثم جعلها نفلاً لرسول الله ﷺ، ولم يجعل منها سهماً لأحد غيره، فقال :﴿ وما أفاء الله على رسوله منهم ﴾ إلى قوله :﴿ قدير ﴾ فقسمها رسول الله ﷺ فيمن أراه الله من المهاجرين الأوّلين ».
وأخرج البغوي في معجمه عن محمد بن مسلمة أن النبي ﷺ بعثه إلى بني النضير، وأمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاثاً.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن المنذر وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ حرق نخل بني النضير، والجلاء، إخراجهم من أرضهم إلى أرض أخرى.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ حرق نخل بني النضير وقطع وهي البويرة ولها يقول حسان بن ثابت :
فهان على سراة بني لؤيّ | حريق بالبويرة مستطير |
وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قول الله :﴿ ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها ﴾ قال : اللينة النخلة ﴿ وليخزي الفاسقين ﴾ قال : استنزلوهم من حصونهم وأمروا بقطع النخل، فحاك في صدورهم فقال المسلمون : قد قطعنا بعضاً وتركنا بعضاً فلنسألن رسول الله ﷺ هل لنا فيما قطعنا من أجر وهل علينا فيما تركنا من وزر، فأنزل الله ﴿ ما قطعتم من لينة ﴾ الآية.
وأخرج ابن إسحق عن يزيد بن رومان قال : لما نزل رسول الله ﷺ ببني النضير تحصنوا منه في الحصون فأمر بقطع النخل والتحريق فيها فنادوه يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه فما بال قطع النخل وتحريقها؟ فنزلت ﴿ ما قطعتم من لينة.... ﴾.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن مجاهد قال : نهى بعض المهاجرين بعضاً عن قطع النخل، وقالوا : إنما هي من مغانم المسلمين، وقال الذين قطعوا : بل هي غيظ للعدوّ فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطعه وتحليل من قطعه من الإِثم، فقال : إنما قطعه وتركه بإذن الله.
وأخرج ابن إسحق وابن مردويه عن ابن عباس أن سورة الحشر نزلت في النضير، وذكر الله فيها الذي أصابهم من النعمة وتسليط رسول الله ﷺ عليهم حتى عمل بهم الذي عمل بإذنه، وذكر المنافقين الذين كانوا يراسلونهم ويعدونهم النصر فقال :﴿ هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأوّل الحشر ﴾ إلى قوله :﴿ وأيدي المؤمنين ﴾ من هدمهم بيوتهم من تحت الأبواب ثم ذكر قطع رسول الله ﷺ النخل وقول اليهود له يا محمد قد كنت تنهىعن الفساد فما بال قطع النخل؟ فقال :﴿ ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين ﴾ يخبرهم أنها نعمة منه، ثم ذكر مغانم بني النضير فقال :﴿ وما أفاء الله على رسوله منهم ﴾ إلى قوله :﴿ قدير ﴾ أعلمهم أنها لرسول الله ﷺ يضعها حيث يشاء، ثم ذكر مغانم المسلمين مما يوجف عليه الخيل والركاب ويفتح بالحرب فقال :﴿ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله واللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ﴾ فذا مما يوجف عليه الخيل والركاب، ثم ذكر المنافقين عبد الله بن أبيّ بن سلول ومالكاً وداعساً ومن كان على مثل رأيهم فقال :﴿ ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإِخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أُخْرِجْتُمْ لنخرجن معكم ﴾ إلى ﴿ كمثل الذين من قبلهم قريباً ﴾ يعني بني قينقاع الذين أجلاهم رسول الله ﷺ.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله :﴿ هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم ﴾ قال : النضير إلى قوله :﴿ وليخزي الفاسقين ﴾ قال : ذلك ما بين ذلك كله.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : من شك أن المحشر إلى بيت القدس فليقرأ هذه الآية ﴿ هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ﴾ فقد حشر الناس مرة وذلك حين ظهر النبي ﷺ على المدينة أجلى اليهود.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو داود وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النبي ﷺ أن كفار قريش كتبوا إلى عبد الله بن أبيّ بن سلول ومن كان يعبد الأوثان معه من الأوس والخزرج، ورسول الله ﷺ يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر يقولون : إنكم قد آويتم صاحبنا وإنكم أكثر أهل المدينة عدداً، وإنا نقسم بالله لنقاتلنه أو لنخرجنه ولنستعدين عليكم العرب، ثم لنسيرن إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم ونستبيح نساءكم وأبناءكم. ، فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبيّ ومن معه من عبدة الأوثان تراسلوا واجتمعوا وأجمعوا لقتال النبي ﷺ وأصحابه. فلما بلغ ذلك النبي ﷺ لقيهم في جماعة من أصحابه، فقال : لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت لتكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم، فأنتم هؤلاء تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم. فلما سمعوا ذلك من النبي ﷺ تفرقوا فبلغ ذلك كفار قريش، وكانت وقعة بدر بعد ذلك فكتبت كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود : إنكم أهل الحلقة والحصون، وإنكم لتقاتلن صاحبنا أو لنفعلن كذا وكذا ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء، وهي الخلاخيل. فلما بلغ كتابهم اليهود اجتمعت بنو النضير بالغد وأرسلوا إلى النبي ﷺ أن اخرج إلينا في ثلاثين من أصحابك وليخرج إليك منا ثلاثون حبراً حتى نلتقي بمكان نصف بيننا وبينك، ويسمعوا منك، فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا كلنا. فخرج النبي ﷺ في ثلاثين من أصحابه وخرج إليه ثلاثون حبراً من اليهود حتى إذا برزوا في براز من الأرض قال بعض اليهود لبعض : كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون رجلاً من أصحابه كلهم يحب أن يموت قبله؟ فأرسلوا : كيف نفهم ونحن ستون رجلاً؟ أخرج في ثلاثة من أصحابك ونخرج إليك في ثلاثة من علمائنا فيسمعوا منك، فإن آمنوا بك آمنا كلنا وصدقناك فخرج النبي ﷺ في ثلاثة من أصحابه وخرج ثلاثة من اليهود واشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك برسول الله ﷺ، فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها وهو رجل مسلم من الأنصار، فأخبرته خبر ما أراد بنو النضر من الغدر برسول الله ﷺ، فأقبل أخوها سريعاً حتى أدرك النبي ﷺ فسارّه بخبرهم قبل أن يصل إليهم، فرجع النبي ﷺ، فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله ﷺ بالكتائب فحصرهم فقال لهم : إنكم والله لا تأمنون عندي إلا بعهد تعاهدونني عليه، فأبوا أن يعطوه عهداً، فقاتلهم يومه ذلك هو والمسلمون، ثم غدا الغد على بني قريظة بالكتائب وترك بني النضير ودعاهم إلى أن يعاهدوه فعاهدوه فانصرف عنهم إلى بني النضير بالكتائب فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أن لهم ما أقلت الإِبل إلا الحلقة، والحلقة السلاح، فجلت بنو النضير، واحتملوا ما أقلت الإِبل من أمتعتهم وأبواب بيوتهم وخشبها، وكانوا يخربون بيوتهم فيهدمونها فيحتملون ما وافقهم من خشبها، وكان جلاؤهم ذلك أول حشر الناس إلى الشام، وكان بنو النضير من سبط من أسباط بني إسرائيل لم يصبهم جلاء منذ كتب الله الجلاء على بني إسرائيل، فلذلك أجلاهم رسول الله ﷺ فلولا ما كتب الله عليهم من الجلاء لعذبهم في الدنيا كما عذبت بنو قريظة، فأنزل الله ﴿ سبح لله ما في السماوات وما في الأرض ﴾ حتى بلغ ﴿ والله على كل شيء قدير ﴾ فكان نخيل بني النضير لرسول الله ﷺ خاصة، فأعطاه الله إياها وخصّه بها، فقال :﴿ وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ﴾ يقول : بغير قتال فأعطى النبي ﷺ أكثرها المهاجرين، وقسمها بينهم، وقسم منها لرجلين من الأنصار كانا ذوي حاجة لم يقسم لأحد من الأنصار غيرهما، وبقي منها صدقة رسول الله ﷺ التي في أيدي بني فاطمة.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن مقاتل بن حيان في قول الله تعالى :﴿ يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ﴾ قال : كان رسول الله ﷺ يقاتلهم، فإذا ظهر على درب أو دار هدم حيطانها ليتسع المكان للقتال، وكانت اليهود إذا غلبوا على درب أو دار نقبوها من أدبارها ثم حصنوها ودربوها فيقول الله تعالى :﴿ فاعتبروا يا أولي الأبصار ﴾ وقوله :﴿ ما قطعتم من لينة ﴾ إلى قوله :﴿ وليخزي الفاسقين ﴾ يعني باللينة النخل، وهي أعجب إلى اليهود من الوصف، يقال لثمرها اللون، فقالت اليهود عند قطع النبي ﷺ نخلهم وعقر شجرهم : يا محمد زعمت أنك تريد الإِصلاح، أفمن الإِصلاح عقر الشجر وقطع النخل والفساد؟ فشق ذلك على النبي ﷺ ووجد المسلمون من قولهم في أنفسهم من قطعهم النخل خشية أن يكون فساداً، فقال بعضهم لبعض : لا تقطعوا فإنه مما أفاء الله علينا، فقال الذين يقطعونها : نغيظهم بقطعها، فأنزل الله ﴿ ما قطعتم من لينة ﴾ يعني النخل فبإذن الله وما تركتم قائمة على أصولها فبإذن الله فطابت نفس النبي ﷺ وأنفس المؤمنين ﴿ وليخزي الفاسقين ﴾ يعني يهود أهل النضير. وكان قطع النخل وعقر الشجر خزياً لهم.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الزهري في قوله :﴿ يخربون بيوتهم بأيديهم ﴾ قال : ما صالحوا النبي ﷺ كانوا لا يعجبهم خشبة إلا أخذوها فكان ذلك تخريبها.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله :﴿ يخربون بيوتهم ﴾ من داخل الدار لا يقدرون على قليل ولا كثير ينفعهم إلا خربوه وأفسدوه لئلا يدعوا شيئاً ينفعهم إذا رحلوا، وفي قوله :﴿ وأيدي المؤمنين ﴾ ويخرب المؤمنون ديارهم من خارجها كيما يخلصوا إليهم، وفي قوله :﴿ ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ﴾ قال : لسلط عليهم فضربت أعناقهم وسبيت ذراريهم، ولكن سبق في كتابه الجلاء لهم ثم أجلوا إلى أذرعات وأريحا.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة قال : الجلاء خروج الناس من البلد إلى البلد.
وأخرج الفريابي وابن المنذر وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن ابن عباس ﴿ ما قطعتم من لينة ﴾ قال : هي النخلة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير مثله.
وأخرج عبد بن حميد عن عطية وعكرمة ومجاهد وعمرو ابن ميمون مثله.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ من لينة ﴾ قال : نوع من النخل.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال : اللينة ما دون العجوة من النخل.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الزهري قال : اللينة ألوان النخل كلها إلا العجوة.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ﴿ ما قطعتم من لينة ﴾ قال : نخلة أو شجرة
وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش أنه قرأ « ما قطعتم من لينة أو تركتموها قواماً على أصولها ».
وأخرج عبد بن حميد عن ابن شهاب قال : يلغني أن رسول الله ﷺ أحرق بعض أموال بني النضير فقال قائل :
فهان على سراة بني لؤيّ | حريق بالبويرة مستطير |
وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ قسم بين قريش والمهاجرين، النضير فأنزل الله ﴿ ما قطعتم من لينة ﴾ قال : ما هي العجوة والفنيق والنخيل، وكانا مع نوح في السفينة، وهما أصل التمر، ولم يعط رسول الله ﷺ من الأنصار أحداً إلا رجلين أبا دجانة وسهل بن حنيف.
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن الأوزاعي قال :« أتى النبي ﷺ يهودي فسأله عن المشيئة قال : المشيئة لله، قال : فإني أشاء أن أقوم، قال : قد شاء الله أن تقوم، قال : فإني أشاء أن أقعد، قال : فقد شاء الله أن تقعد، قال : فإني أشاء أن أقطع هذه النخلة، قال : فقد شاء الله أن تقطعها، قال : فإني أشاء أن أتركها، قال : فقد شاء الله أن تتركها، قال : فأتاه جبريل عليه السلام فقال : قد لقنت حجتك كما لقنها إبراهيم عليه السلام، قال : ونزل القرآن ﴿ ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين ﴾ ».
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن المنذر عن عمر بن الخطاب قال : كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول الله ﷺ خاصة فكان ينفق على أهله منها نفقة سنتهم، ثم يجعل ما بقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد ﴿ فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ﴾ قال : يذكرهم ربهم أنه نصرهم وكفاهم بغير كراع ولا عدة في قريظة وخيبر.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ﴾ قال : أمر الله رسوله بالسير إلى قريظة والنضير، وليس للمؤمنين يومئذ كثير خيل ولا ركاب، فجعل رسول الله ﷺ يحكم فيه ما أراد، ولم يكن يومئذ خيل ولا ركاب يوجف بها. قال : والايجاف أن يوضعوا السير وهي لرسول الله ﷺ، فكان من ذلك خيبر وفدك وقرى عربية، وأمر الله رسوله أن يعد لينبع، فأتاها رسول الله ﷺ فاحتواها كلها، فقال أناس : هلا قسمها فأنزل الله عذره فقال :﴿ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ﴾ إلى قوله :﴿ شديد العقاب ﴾.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله :﴿ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ﴾ قال : من قريظة جعله الله لمهاجرة قريش خصوا به.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الزهري في قوله :﴿ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ﴾ قال : بلغني أنها الجزية والخراج.
وأخرج أبو داود وابن مردويه عن عمر بن الخطاب قال : كان لرسول الله ﷺ صفايا بني النضير وخيبر وفدك، فأما بنو النضير فكانت حبساً لنوائبه، وأما فدك فكانت لابن السبيل، وأما خيبر فجزأها ثلاثة أجزاء فقسم منها جزأين بين المسلمين، وحبس جزءاً لنفسه ولنفقة أهله، فما فضل عن نفقة أهله رده على فقراء المهاجرين.
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن الأعمش قال : ليس بين مصحف عبدالله وزيد بن ثابت خلاف في حلال وحرام إلا في حرفين في سورة الأنفال ﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسة وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ﴾ [ الأنفال : ٤١ ] وفي سورة الحشر ﴿ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والمهاجرين في سبيل الله ﴾.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ﴿ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ﴾ قال : كان الفيء بين هؤلاء، فنسختها الآية التي : في الأنفال فقال ﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ﴾ [ الأنفال : ٤١ ] فنسخت هذه الآية ما كان قبلها في سورة الحشر فجعل الخمس لمن كان له الفيء وصار ما بقي من الغنيمة لسائر الناس لمن قاتل عليها.
وأخرج أبو عبيد في كتاب الأموال وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأبو عوانة وابن حبان وابن مردويه عن مالك بن أوس بن الحدثان قال : بعث إليّ عمر بن الخطاب في الهاجرة، فجئته فدخلت عليه فإذا هو جالس على سرير ليس بينه وبين رمل السرير فراش، متكىء على وسادة من آدم، فقال : يا مالك إنه قدم علينا أهل أبيات من قومك، وإني قد أمرت فيهم برضخ فخذه فأقسمه بينهم، فقلت : يا أمير المؤمنين إنهم قومي وأنا أكره أن أدخل بهذا عليهم فمر به غيري فإني لأراجعه في ذلك إذ جاءه يرفا غلامه فقال : هذا عثمان بن عفان وطلحة بن عبيدالله والزبير وعبد الرحمن بن عوف، فأذن لهم فدخلوا، ثم جاءه يرفا فقال : هذا علي وعباس قال : ائذن لهما في الدخول فدخلا، فقال عباس : ألا تعديني على هذا فقال القوم : يا أمير المؤمنين اقض بين هذين وأرح كل واحد منهما من صاحبه، فإن في ذلك راحة لك ولهما.
وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيدة وابن زنجويه معاً في الأموال وعبد بن حميد وأبو داود وفي ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في سننه عن مالك بن أوس بن الحدثان قال : قرأ عمر بن الخطاب ﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين ﴾ حتى بلغ ﴿ عليم حكيم ﴾ ثم قال : هذه لهؤلاء ثم قرأ ﴿ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ﴾ حتى بلغ ﴿ للفقراء المهاجرين ﴾ إلى آخر الآية فقال : هذه للمهاجرين، ثم تلا ﴿ والذين تبوّءو الدار والإِيمان من قبلهم ﴾ إلى آخر الآية فقال : هذه للأنصار، ثم قرأ ﴿ والذين جاؤوا من بعدهم ﴾ إلى آخر الآية ثم قال : استوعبت هذه المسلمين عامة وليس أحد إلا له في هذا المال حق، ألا ما تملكون من وصيتكم ثم قال : لئن عشت ليأتين الراعي وهو يسير حمره نصيه منها لم يعرق فيه جبينه.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن مردويه والبيهقي عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : اجتمعوا لهذا المال فأنظروا لمن ترونه، ثم قال لهم : إني أمرتكم أن تجتمعوا لهذا المال فتنظروا لمن ترونه، وإني قرأت آيات من كتاب الله فكفتني، سمعت الله يقول :﴿ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ﴾ إلى قوله :﴿ أولئك هم الصادقون ﴾ والله ما هو لهؤلاء وحدهم ﴿ والذين تبوّءُو الدار والإِيمان ﴾ إلى قوله :﴿ المفلحون ﴾ والله ما هو لهؤلاء وحدهم ﴿ والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ﴾ إلى قوله :﴿ رحيم ﴾ والله ما أحد من المسلمين إلا له حق في هذا المال أعطي منه أو منع عنه حتى راع بعدن.
وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن أبي شيبة وابن زنجويه في الأموال وعبد بن حميد وابن المنذر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : ما على وجه الأرض مسلم إلا وله في هذا المال حق إلا ما ملكت أيمانكم.
وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في سننه عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال : قسم عمر ذات يوم قسماً من المال، فجعلوا يثنون عليه، فقال : ما أحمقكم لو كان لي ما أعطيتكم منه درهماً.
وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن أبي نجيح رضي الله عنه قال : المال ثلاثة : مغنم، أو فيء، أو صدقة. فليس منه درهم إلا بيّن الله موضعه.
وأخرج ابن سعد عن السائب بن يزيد سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : والذي لا إله إلا هو ثلاثاً ما من الناس أحد إلا له حق في هذا المال أعطيه أو منعه، وما أحد أحق به من أحد إلى عبد مملوك، وما أنا فيه إلا كأحدكم، ولكنا على منازلنا من كتاب الله وقسمنا من رسول الله ﷺ، فالرجل وبلاؤه في الإِسلام، والرجل وقدمه في الإِسلام، والرجل وغناه في الإِسلام، والرجل وحاجته في الإِسلام، والله لئن بقيت ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو مكانه.
وأخرج ابن سعد عن الحسن رضي الله عنه قال : كتب عمر إلى حذيفة أن أعط الناس أعطيتهم وأرزاقهم، فكتب إليه إنا قد فعلنا وبقي شيء كثير، فكتب إليه عمر : إن فيأهم الذي أفاء الله عليهم، ليس هو لعمر ولا لآل عمر اقسمه بينهم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال : وجدت المال قسم بين هذه الثلاثة الأصناف : المهاجرين والأنصار والذين جاؤوا من بعدهم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن رضي الله عنه مثل ذلك.
قوله تعالى :﴿ وما آتاكم الرسول فخذوه ﴾ الآية.
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه ﴿ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ﴾ قال : كان يؤتيهم الغنائم وينهاهم عن الغلول.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه في قوله :﴿ وما آتاكم الرسول فخذوه ﴾ قال : من الفيء ﴿ وما نهاكم عنه فانتهوا ﴾ قال : من الفيء
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي اله عنه ﴿ وما آتاكم الرسول ﴾ من طاعتي وأمري ﴿ فخذوه وما نهاكم عنه ﴾ من معصيتي فانتهوا.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والنسائي وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ألم يقل الله ﴿ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ﴾ قالوا : بلى، قال : ألم يقل الله :﴿ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ﴾ [ الأحزاب : ٣٦ ] الآية قال : فإني أشهد أن رسول الله ﷺ نهى عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أنه سمع ابن عمر وابن عباس يشهدان على رسول الله ﷺ أنه نهى عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت، ثم تلا رسول الله ﷺ هذه الآية ﴿ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ﴾.
قوله تعالى :﴿ والذين تبوّءُو الدار والإِيمان ﴾.
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله :﴿ والذين تبوءُو الدار والإِيمان ﴾ إلى آخر الآية، قال : هم هذا الحي من الأنصار أسلموا في ديارهم، وابتنوا المساجد قبل قدوم النبي ﷺ بسنتين، وأحسن الله عليهم الثناء في ذلك وهاتان الطائفتان الأولتان من هذه الآية أخذتا بفضلهما ومضتا على مهلهما، وأثبت الله حظهما في هذا الفيء، ثم ذكر الطائفة الثالثة، فقال :﴿ والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإِخواننا ﴾ إلى آخر الآية. قال : إنما أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي ﷺ ولم يؤمروا بسبهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد ﴿ والذين تبوّءُو الدار والإِيمان من قبلهم ﴾ قال : الأنصار نعت سخاوة أنفسهم عندما رأى من ذلك وإيثارهم إياهم ولم يصب الأنصار من ذلك الفيء شيء.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن يزيد بن الأصم « أن الأنصار قالوا : يا رسول الله أقسم بيننا وبين إخواننا المهاجرين الأرض نصفين، قال :» لا ولكن يكفونكم المؤنة وتقاسمونهم الثمرة، والأرض أرضكم « قالوا : رضينا فأنزل الله ﴿ والذين تبوّءُو الدار والإِيمان من قبلهم ﴾ إلى آخر الآية.
أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن قال : فضل المهاجرين على الأنصار فلم يجدوا في صدورهم حاجة قال : الحسد.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن مردويه عن عمر أنه قال : أوصي الخليفة بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم، ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار الذين تبوّءُو الدار والإِيمان من قبل أن يهاجر النبي ﷺ أن يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم.
وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن زيد بن أسلم قال : قال رسول الله ﷺ :» للمدينة عشرة أسماء هي المدينة وهي طيبة وطابة ومسكينة وجابرة ومجبورة وتبدد ويثرب والدار «.
قوله تعالى :﴿ ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ﴾.
أخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه البيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
وأخرج مسدد في مسنده وابن أبي الدنيا في كتاب قري الضيف وابن المنذر عن أبي المتوكل الناجي رضي الله عنه « أن رجلاً من المسلمين مكث صائماً ثلاثة أيام، يمسي فلا يجد ما يفطر فيصبح صائماً حتى فطن له رجل من الأنصار يقال له ثابت بن قيس رضي الله عنه، فقال لأهله : إني ساجيء الليلة بضيف لي فإذا وضعتم طعامكم فليقم بعضكم إلى السراج كأنه يصلحه فليطفئه ثم اضربوا بأيدكم إلى الطعام كأنكم تأكلون فلا تأكلوا حتى يشبع ضيفنا، فلما أمسى ذهب به فوضعوا طعامهم فقامت امرأته إلى السراج كأنها تصلحه فأطفأته، ثم جعلوا يضربون أيديهم في الطعام كأنهم يأكلون ولا يأكلون حتى شبع ضيفهم، وإنما كان طعامهم ذلك خبزة هي قوتهم، فلما أصبح ثابت غدا إلى رسول الله ﷺ فقال :» يا ثابت لقد عجب الله البارحة منكم ومن ضيفكم « فنزلت فيه هذه الآية ﴿ ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ﴾.
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمر رضي الله عنه قال : أهدي لرجل من أصحاب رسول الله ﷺ رأس شاة فقال : إن أخي فلاناً وعياله أحوج إلى هذا منا فبعث به إليهم، فلم يزل يبعث به واحداً إلى آخر حتى تداولها أهل سبعة أبيات حتى رجعت إلى الأول فنزلت ﴿ ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل رضي الله عنه في قوله :﴿ ولو كان بهم خصاصة ﴾ قال : فاقة.
قوله تعالى :﴿ ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ﴾.
أخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً قال له : إني أخاف أن أكون قد هلكت، قال : وما ذاك؟ قال : إني سمعت الله يقول :﴿ ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ﴾ وأنا رجل شحيح لا يكاد يخرج مني شيء، فقال له ابن مسعود رضي الله عنه : ليس ذاك بالشح، ولكنه البخل، ولا خير في البخل، وإن الشح الذي ذكره الله في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلماً.
وأخرج ابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه قال : النظر إلى المرأة، لا يملكها من الشح.
وأخرج ابن المنذر عن طاووس رضي الله عنه قال : البخل أن يبخل الإِنسان بما في يديه، والشح أن يشح على ما في أيدي الناس.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن عساكر عن عبد الرحمن بن عوف أنه كان يطوف بالبيت يقول : اللهم قني شح نفسي لا يزيد على ذلك فقيل له فقال : إذا وقيت شح نفسي لا أسرق ولا أزني ولم أفعل شيئاً.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ ومن يوق شح نفسه ﴾ قال : إدخال الحرام ومنع الزكاة.
وأخرج ابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال : من أدى زكاة ماله فقد وقي شح نفسه.
وأخرج الخرائطي في مساوىء الأخلاق عن ابن عمرو قال : الشح أشد من البخل لأن الشحيح يشح على ما في يديه فيحبسه ويشح على ما في أيدي الناس حتى يأخذه، وإن البخيل إنما يبخل على ما في يديه.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب ذم البخل عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« خلق الله جنة عدن ثم قال لها : انطقي، فقالت :﴿ قد أفلح المؤمنون ﴾ [ المؤمنون : ١ ] فقال الله :» وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل « ثم تلا رسول الله ﷺ ﴿ ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ﴾.
وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه : سمعت رسول الله ﷺ يقول :» ثلاث من كن فيه فقد برىء من الشح، من أدى زكاة ماله، وقرى الضيف، وأعطى في النوائب «.
وأخرج الحكيم الترمذي وأبو يعلى وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :» ما محق الإِسلام محق الشح شيء قط « وأخرج ابن مردويه عن أبي زرعة قال : قال رسول الله ﷺ :» من كان الفقر في قلبه فلا يغنيه ما أكثر له في الدنيا وإنما يضر نفسه شحها «.
وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :« لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبداً، ولا يجتمع الشح والإِيمان في قلب عبد أبداً ».
وأخرج الترمذي والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ﷺ :« خصلتان لا يجتمعان في جوف مسلم البخل وسوء الظن ».
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال :« شر ما في رجل شح هالع وجبن خالع ».
وأخرج أحمد والبخاري في الأدب ومسلم والبيهقي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ قال :« اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ».
وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال :« إياكم والشح والبخل، فإنه دعا من قبلكم إلى أن يقطعوا أرحامهم فقطعوها، ودعاهم إلى أن يستحلوا محارمهم فاستحلوها، ودعاهم إلى أن يسفكوا دماءهم فسفكوها ».
وأخرج الترمذي والبيهقي عن أنس رضي الله عنه « أن رجلاً توفي فقالوا : ابشر بالجنة، فقال رسول الله ﷺ :» أولا تدرون فلعله قد تكلم بما لا يعنيه أو بخل بما لا ينفعه « ».
وأخرج البيهقي من وجه آخر عن أنس رضي الله عنه قال :« أصيب رجل يوم أحد فجاءت امرأة فقالت : يا بني لتهنك الشهادة فقال لها رسول الله ﷺ :» وما يدريك لعله كان يتكلم بما لا يعنيه ويبخل بما لا يغنيه « ».
وأخرج البيهقي عن ابن عمرو رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« خلقان يحبهما الله وخلقان يبغضهما الله. فأما اللذان يحبها الله فالسخاء والسماحة، وأما اللذان يبغضهما الله فسوء الخلق والبخل، فإذا أراد الله بعبد خيراً استعمله على قضاء حوائج الناس ».
وأخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« برىء من الشح من أدى الزكاة وقرى الضيف وأدى في النائبة ».
وأخرج البيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« صلاح أوّل هذه الأمة بالزهد والتقوى وهلاك آخرها بالبخل والفجور ».
وأخرج البيهقي وضعفه عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله ﷺ :« السخيّ قريب من الله قريب من الجنة بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة قريب من النار، والجاهل السخي أحب إلى الله من العابد البخيل ».
وأخرج البيهقي عن جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله ﷺ :« السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار، ولَجَاهل سخيٌ أحب إلى الله من عابد بخيل ».
وأخرج ابن عدي في الكامل والبيهقي وضعفه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :« السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار، ولفاجر سخيّ أحبّ إلى الله من عابد بخيل، وأي داء أدوأ من البخل ».
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« يا بني سلمة من سيدكم اليوم؟ قالوا : الجد بن قيس ولكنا نبخله، قال : وأي داء أدوأ من البخل؟ ولكن سيدكم عمرو بن الجموح ».
وأخرج البيهقي عن جابر رضي الله عنه قال : لما قدم رسول الله ﷺ قال :« يا بني سلمة من سيدكم؟ قالوا : الجد بن قيس وإنا لنبخله. قال : وأي داء أدوأ من البخل بل سيدكم الخير الأبيض عمرو بن الجموح » قال : وكان على أضيافهم في الجاهلية قال : وكان يولم على رسول الله ﷺ إذا تزوّج.
وأخرج البيهقي من طريق الزهري عن عبد الرحمن بن عبدالله بن كعب بن مالك رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال :« من سيدكم يا بني سلمة؟ قالوا : الجد بن قيس. قال : وبم تسوّدونه؟ قالوا : بأنه أكثرنا مالاً وإنا على ذلك لنزنه بالبخل، فقال رسول الله ﷺ : وأي داء أدوأ من البخل، ليس ذاك سيدكم. قالوا : فمن سيدنا يا رسول الله؟ قال : سيدكم البراء بن معرور » قال البيهقي مرسل.
وأخرج الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :
وأخرج البيهقي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« لا يدخل الجنة بخيل ولا خب ولا خائن ولا سيء الملكة، وأول من يقرع باب الجنة المملوكون وإذا أحسنوا فيما بينهم وبين الله وبين مواليهم ».
وأخرج البيهقي عن أبي سهل الواسطي رفع الحديث قال :« إن الله اصطنع هذا الدين لنفسه وإنما صلاح هذا الدين بالسخاء وحسن الخلق فاكرموه بهما ».
وأخرج البيهقي من طرق وضعفه عن جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله ﷺ :« قال لي جبريل : قال الله تعالى : إن هذا الدين ارتضيته لنفسي ولا يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق فأكرموه بهما ما صحبتموه ».
وأخرج البيهقي وضعفه عن عبدالله بن جراد قال : قال رسول الله ﷺ :« إذا ابتغيتم المعروف فابتغوه في حسان الوجوه، فوالله لا يلج النار إلا بخيل، ولا يلج الجنة شحيح، إن السخاء شجرة في الجنة تسمى السخاء، وإن الشح شجرة في النار تسمى الشح ».
وأخرج البيهقي وضعفه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله ﷺ :« السخاء شجرة من شجر الجنة أغصانها متدليات في الدنيا من أخذ بغصن منها قاده ذلك الغصن إلى الجنة، والبخل شجرة من شجر النار أغصانها متدليات في الدنيا من أخذ بغصن منها قاده ذلك الغصن إلى النار ».
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« السخاء شجرة في الجنة فمن كان سخياً أخذ بغصن منها، فلم يتركه الغصن حتى يدخله الجنة، والشح شجرة في النار فمن كان شحيحاً أخذ بغصن منها فلم يتركه الغصن حتى يدخله النار ».
وأخرج البيهقي وضعفه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :« كنت قاعدا مع النبي ﷺ فجاء ثلاثة عشر رجلاً عليهم ثياب السفر فسلموا على رسول الله ﷺ، ثم قالوا : من السيد من الرجال يا رسول الله قال : ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم. قالوا : ما في أمتك سيد؟ قال : بلى، رجل أعطي مالاً حلالاً ورزق سماحة فأدنى الفقير فقلت شكايته في الناس ».
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة قال :« ضرب رسول الله ﷺ مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما فجعل كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه، حتى تغشى أنامله وتعفو أثره، وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة مكانها فهو يوسعها ولا تتسع ».
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال : الناس على ثلاثة منازل قد مضت منزلتان وبقيت منزلة، فأحسن ما أنتم كائنون عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت، ثم قرأ ﴿ للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ﴾ الآية، ثم قال : هؤلاء المهاجرون وهذه منزلة وقد مضت ثم قرأ ﴿ والذين تبوّءُو الدار والإِيمان من قبلهم ﴾ الآية ثم قال : هؤلاء الأنصار وهذه منزلة وقد مضت، ثم قرأ ﴿ والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإِخواننا الذين سبقونا بالإِيمان ﴾ فقد مضت هاتان المنزلتان وبقيت هذه المنزلة فأحسن ما أنتم كائنون عليه أن تكونوا بهذه المنزلة.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك رضي الله عنه ﴿ والذين جاؤوا من بعدهم ﴾ الآية قال : أمروا بالاستغفار لهم، وقد علم ما أحدثوا.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت : أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي ﷺ فسبوهم ثم قرأت هذه الآية ﴿ والذين جاؤوا يقولون ربنا اغفر لنا ولإِخواننا الذين سبقونا بالإِيمان ﴾.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر أنه سمع رجلاً وهو يتناول بعض المهاجرين، فقرأ عليه ﴿ للفقراء المهاجرين ﴾ الآية، ثم قال : هؤلاء المهاجرون فمنهم أنت؟ قال : لا ثم قرأ عليه ﴿ والذين تبوّءُو الدار والإِيمان ﴾ الآية، ثم قال : هؤلاء الأنصار أفأنت منهم؟ قال : لا. ثم قرأ عليه ﴿ والذين جاؤوا من بعدهم ﴾ الآية، ثم قال : أفمن هؤلاء أنت؟ قال : أرجو. قال : لا ليس من هؤلاء من يسب هؤلاء.
وأخرج ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عمر أنه بلغه أن رجلاً نال من عثمان، فدعاه فأقعده بين يديه، فقرأ عليه ﴿ للفقراء المهاجرين ﴾ الآية قال : من هؤلاء أنت؟ قال : لا. ثم قرأ ﴿ والذين جاؤوا من بعدهم ﴾ الآية، قال : من هؤلاء أنت؟ قال : أرجو أن أكون منهم. قال : لا والله ما يكون منهم من يتناولهم وكان في قلبه الغل عليهم.
وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش أنه قرأ ﴿ ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ﴾.
وأخرج الحكيم الترمذي والنسائي عن أنس رضي الله عنه قال :« بينا نحن عند رسول الله ﷺ فقال : يطلع الآن رجل من أهل الجنة فأطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته ماء من وضوئه، معلق نعليه في يده الشمال، فلما كان من الغد؛ قال رسول الله ﷺ : يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فاطلع ذلك الرجل على مثل مرتبته الأولى، فلما كان من الغد قال رسول الله ﷺ مثل ذلك، فأطلع ذلك الرجل، فلما قام الرجل أتبعه عبدالله بن عمرو بن العاص فقال : إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثاً فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تحل يميني فعلت. قال : نعم، قال أنس : فكان عبدالله بن عمرو يحدث أنه بات معه ليلة فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه كان إذا تقلب على فراشه ذكر الله وكبر، حتى يقوم لصلاة الفجر فيسبغ الوضوء غير أني لا أسمعه يقول إلا خيراً، فلما مضت الليالي الثلاث وكدت احتقر عمله قلت : يا عبدالله إنه لم يكن بيني وبين والدي غضب ولا هجرة ولكني سمعت رسول الله ﷺ يقول لك ثلاث مرات في ثلاث مجالس يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فأطلعت أنت تلك المرات الثلاث، فأردت أن آوي إليك فأنظر ما عملك، فإذا ما هو إلا ما رأيت فانصرفت عنه فلما وليت دعاني فقال : ما هو إلاّ ما قد رأيت غير أني لا أجد في نفسي غلاً لأحد من المسلمين، ولا أحسده على خير أعطاه الله إياه، فقال له عبدالله بن عمرو : هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق ».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس ﴿ ألم تر إلى الذين نافقوا ﴾ قال عبدالله بن أبيّ بن سلول ورفاعة بن تابوت وعبدالله بن نبتل وأوس بن قيظي وإخوانهم بنو النضير.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : قد أسلم ناس من أهل قريظة والنضير، وكان فيهم منافقون، وكانوا يقولون لأهل النضير : لئن أخرجتم لنخرجن معكم، فنزلت فيهم هذه الآية ﴿ ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإِخوانهم ﴾ الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله :﴿ ألم تر إلى الذين نافقوا ﴾ قال : عبدالله بن أبيّ بن سلول ورفاعة بن تابوت وعبدالله بن نبتل وأوس بن قيظي ﴿ يقولون لإِخوانهم ﴾ قال : النضير ﴿ بأسهم بينهم شديد ﴾ قال : بالكلام ﴿ تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ﴾ قال : المنافقون يخالف دينهم دين النضير ﴿ كمثل الذين من قبلهم قريباً ﴾ قال : كفار قريش يوم بدر.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ﴾ قال : كذلك أهل الباطل مختلفة شهادتهم، مختلفة أهواؤهم، مختلفة أعمالهم، وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق ﴿ كمثل الذين من قبلهم قريباً ﴾ قال : هم بنو النضير.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس ﴿ تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ﴾ قال : هم المشركون.
وأخرج الديلمي عن علي قال : المؤمنون بعضهم لبعض نصحاء وادّون وإن افترقت منازلهم، والفجرة بعضهم لبعض غششة خونة وإن اجتمعت أبدانهم.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد ﴿ كمثل الذين من قبلهم قريباً ﴾ قال : هم كفار قريش يوم بدر.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة ﴿ كمثل الذين من قبلهم قريباً ﴾ قال : هم بنو النضير.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله :﴿ كمثل الشيطان ﴾ الآية، قال : كان راهب من بين إسرائيل يعبد الله فيحسن عبادته، وكان يؤتي من كل أرض فيسأل عن الفقه، وكان عالماً، وإن ثلاثة إخوة لهم أخت حسناء من أحسن الناس، وإنهم أرادوا أن يسافروا، وكبر عليهم أن يدعوها ضائعة، فعمدوا إلى الراهب، فقالوا : إنا نريد السفر، وإنا لا نجد أحد أوثق في أنفسنا ولا آمن عندنا منك، فإن رأيت جعلنا أختنا عندك، فإنها شديدة الوجع، فإن ماتت، فقم عليها، وإن عاشت فأصلح إليها حتى ترجع، فقال : أكفيكم إن شاء الله، فقام عليها فداواها حتى برئت وعاد إليها حسنها، وإنه اطلع إليها فوجدها متصنعة، ولم يزل به الشيطان حتى وقع عليها فحملت، ثم ندمه الشيطان فزين له قتلها وقال : إن لم تفعل افتضحت وعرف أمرك، فلم يكن لك معذره، فلم يزل به حتى قتلها، فلما قدم إخوتها سألوه ما فعلت؟ قال : ماتت، فدفنتها. قالوا : أحسنت. فجعلوا يرون في المنام ويخبرون أن الراهب قتلها وأنها تحت شجرة كذا وكذا، وأنهم عمدوا إلى الشجرة فوجدها قد قتلت، فعمدوا إليه فأخذوه فقال الشيطان : أنا الذي زينت لك الزنا وزينت لك قتلها، فهل لك أن تطيعني وأنجيك؟ قال : نعم، قال : قال فاسجد لي سجدة واحدة فسجد له ثم قتل فذلك قول الله :﴿ كمثل الشيطان إذ قال للإِنسان اكفر ﴾ الآية.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في هذه الآية قال : كانت امرأة ترعى الغنم وكان لها أربعة إخوة، وكانت تأوي بالليل إلى صومعة راهب فنزل الراهب ففجر بها، فأتاه الشيطان فقال : اقتلها ثم ادفنها، فإنك رجل مصدق يسمع قولك، فقتلها ثم دفنها، فأتى الشيطان إخوتها في المنام، فقال لهم : إن الراهب فجر بأختكم، فلما أحبلها قتلها ثم دفنها في مكان كذا وكذا، فلم أصبح قال رجل منهم : لقد رأيت البارحة كذا وكذا فقال الآخر : وأنا والله لقد رأيت كذلك فقال الآخر : وأنا والله لقد رأيت كذلك قالوا : فوالله ما هذا إلا لشيء، فانطلقوا فاستعدوا ملكهم على ذلك الراهب فأتوه فأنزلوه، ثم انطلقوا به، فلقيه الشيطان فقال : إني أنا الذي أوقعتك في هذا، ولن ينجيك منه غيري فاسجد لي سجدة واحدة وأنجيك مما أوقعتك فيه، فسجد له فلما أتوا به ملكهم تبرأ منه وأُخِذَ فقُتِل.
وأخرج ابن المنذر والخرائطي في اعتلال القلوب من طريق عدي بن ثابت عن ابن عباس في الآية قال : كان راهب في بني إسرائيل متعبداً زماناً حتى كان يؤتى بالمجانين فيقرأ عليهم ويعودهم حتى يبرؤوا فأتى بامرأة في شرف قد عرض لها الجنون، فجاء إخوتها إليه ليعوذها، فلم يزل به الشيطان يزين له حتى وقع عليها فحملت، فلما عظم بطنها لم يزل الشيطان يزين له حتى قتلها ودفنها في مكان، فجاء الشيطان في صورة رجل إلى بعض إخوتها فأخبره، فجعل الرجل يقول لأخيه : والله لقد أتاني آت فأخبرني بكذا وكذا حتى أفضى به بعضهم إلى بعض حتى رفعوه إلى ملكهم، فسار الملك والناس حتى استنزله فأقر واعترف فأمر به الملك فصلب، فأتاه الشيطان وهو على خشبته فقال : أنا الذي زينت لك، هذا وألقيتك فيه، فهل أنت مطيعي فيما آمرك به وأخلصك؟ قال : نعم. قال : فاسجد لي سجدة واحدة، فسجد له وكفر، فقتل في تلك الحال.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن طاووس قال : كان رجل من بني إسرائيل عابداً وكان ربما داوى المجانين وكانت امرأة جميلة أخذها الجنون فجيء بها إليه فتركت عنده، فأعجبته، فوقع عليها، فحملت، فجاءه الشيطان، فقال : إن علم بهذا افتضحت فاقتلها وادفنها في بيتك، فقتلها فجاء أهلها بعد زمان يسألونه عنها، فقال : ماتت، فلم يتهموه لصلاحه فيهم ورضاه، فجاءهم الشيطان فقال : إنها لم تمت ولكنه وقع عليها فحملت فقتلها ودفنها في بيته في مكان كذا وكذا، فجاء أهلها فقالوا : ما نتهمك، ولكن أخبرنا أين دفنتها ومن كان معك ففتشوا بيته فوجدوها حيث دفنها، فأخذ فسجن، فجاءه الشيطان فقال : إن كنت تريد أن أخرجك مما أنت فيه فأكفر بالله، فأطاع الشيطان وكفر، فأخذ وقتل فتبرأ منه الشيطان حينئذ.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود في الآية قال : ضرب الله مثل الكفار والمنافقين الذين كانوا على عهد النبي ﷺ ﴿ كمثل الشيطان إذ قال للإِنسان اكفر ﴾.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه ﴿ كمثل الشيطان إذ قال للإِنسان اكفر ﴾ قال : عامة الناس.
وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش أنه كان يقرأ « فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدان فيها » والله أعلم.
قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ﴾ الآية.
أخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي وابن ماجة وابن مردويه عن جرير قال :« كنت جالساً عند رسول الله ﷺ فأتاه قوم مجتابي النمار متقلدي السيوف عليهم أزر ولا شيء غيرها، عامتهم من مضر، فلما رأى النبي ﷺ الذي بهم من الجهد والعري والجوع تغير وجه رسول الله ﷺ ثم قام فدخل بيته، ثم راح إلى المسجد، فصلى الظهر ثم صعد منبره، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال :» أما بعد ذلكم فإن الله أنزل في كتابه ﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون، لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ﴾ تصدقوا قبل أن لا تصدقوا، تصدقوا قبل أن يحال بينكم وبين الصدقة، تصدق امرؤ من ديناره تصدق امرؤ من درهمه، تصدق امرؤ من بره، من شعيره، من تمره، لا يحقرن شيء من الصدقة ولو بشق التمرة « فقام رجل من الأنصار بصرة في كفه فناولها رسول الله ﷺ، وهو على منبره فعرف السرور في وجهه، فقال : من سن في الإِسلام سنة حسنة فعمل بها كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن سن سنة سيئة فعمل بها كان عليه وزرها ومثل وزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيئاً » فقام الناس فتفرقوا فمن ذي دينار، ومن ذي درهم، ومن ذي طعام، ومن ذي، ومن ذي فاجتمع فقسمه بينهم «.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله :﴿ ما قدمت لغد ﴾ قال : يوم القيامة.
وأخرج ابن المنذر عن مالك بن دينار قال : أقسم لكم لا يؤمن عبد بهذا القرآن إلا صدع قلبه.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ لو أنزلنا هذا القرآن ﴾ الآية قال : يقول : لو أني أنزلت هذا القرآن على جبل حملته إياه تصدع وخشع من ثقله ومن خشية الله فأمر الله الناس إذا نزل عليهم القرآن أن يأخذوه بالخشية الشديدة والتخشع قال :﴿ كذلك يضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتفكرون ﴾.
وأخرج الديلمي عن ابن مسعود وعليّ مرفوعاً في قوله :﴿ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل ﴾ إلى آخر السورة، قال : هي رقية الصداع.
وأخرج الخطيب البغدادي في تاريخه قال :« أنبأنا أبو نعيم الحافظ أبنأنا أبو الطيب محمد بن أحمد بن يوسف بن جعفر المقري البغدادي، يعرف بغلام ابن شنبوذ، أبنأنا إدريس بن عبد الكريم الحداد قال : قرأت على خلف فلما بلغت هذه الآية ﴿ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل ﴾ قال : ضع يدك على رأسك فإني قرأت على سليم فلما بلغت هذه الآية قال : ضع يدك على رأسك فإني قرأت على الأعمش، فلما بلغت هذه الآية قال : ضع يدك على رأسك، فإني قرأت على يحيى بن وثاب، فلما بلغت هذه الآية قال : ضد يدك على رأسك، فإني قرأت على علقمة والأسود، فلما بلغت هذه الآية قال : ضع يدك على رأسك، فإنا قرأنا على عبدالله، فلما بلغنا هذه الآية قال : ضعا أيديكما على رؤوسكما فإني قرأت على النبيّ ﷺ، فلما بلغت هذه الآية قال لي :» ضع يدك على رأسك فإن جبريل لما نزل بها إليّ قال لي : ضع يدك على رأسك فإنها شفاء من كل داء إلا السأم والسأم الموت « ».
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : اسم الله الأعظم هو الله.
وأخرج ابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري أنه كان له مربد للتمر في بيته، فوجد المربد قد نقص، فلما كان الليل أبصره، فإذا بحس رجل فقال له : من أنت؟ قال : رجل من الجن، أردنا هذا البيت فأرملنا من الزاد فأصبنا من تمركم، ولا ينقصكم الله منه شيئاً، فقال له أبو أيوب الأنصاري : إن كنت صادقاً فناولني يدك فناوله يده، فإذا بشعر كذراع الكلب، فقال له أبو أيوب : ما أصبت من تمرنا فأنت في حل، ألا تُخبرني بأفضل ما تتعوّذ به الإِنس من الجن؟ قال : هذه الآية آخر سورة الحشر.
وأخرج ابن السني في عمل يوم وليلة وابن مردويه عن أنس « أن رسول الله ﷺ أمر رجلاً إذا أوى إلى فراشه أن يقرأ آخر سورة الحشر، وقال :» إن متَّ متَّ شهيداً « ».
وأخرج أبو علي عبد الرحمن بن محمد النيسابوري في فوائده عن محمد بن الحنفية أن البراء بن عازب قال لعلي بن أبي طالب : سألتك بالله إلا ما خصصتني بأفضل ما خصك به رسول الله ﷺ، مما خصه به جبريل، مما بعث به إليه الرحمن، قال : يا براء إذا أردت أن تدعو الله باسمه الأعظم فاقرأ من أول الحديد عشر آيات وآخر سورة الحشر، ثم قل : يا من هو هكذا وليس شيء هكذا غيره أسألك أن تفعل بي كذا وكذا، فوالله يا براء لو دعوت عليّ لخسف بي.
وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة قال : قال رسول الله ﷺ :« من تعوذ بالله من الشيطان ثلاث مرات ثم قرأ آخر سورة لحشر بعث الله إليه سبعين ألف ملك يطردون عنه شياطين الإِنس والجن إن كان ليلاً حتى يصبح، وإن كان نهاراً حتى يمسي ».
وأخرج ابن مردويه عن أنس عن النبي ﷺ مثله إلا أنه قال :« يتعوذ الشيطان عشر مرات ».
وأخرج أحمد والدارمي والترمذي وحسنه وابن الضريس والبيهقي في شعب الإِيمان عن معقل بن يسار عن النبي ﷺ قال :« من قال حين يصبح عشر مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ثم قرأ الثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي، وإن مات ذلك اليوم مات شهيداً، ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة ».
وأخرج ابن عدي وابن مردويه والخطيب والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي أمامة قال : قال رسول الله ﷺ :« من قرأ خواتيم الحشر في ليل أو نهار فمات في يومه أو ليلته فقد أوجب له الجنة ».
وأخرج ابن الضريس عن عتيبة قال : حدثنا أصحاب رسول الله ﷺ أنه من قرأ خواتيم الحشر حين يصبح أدرك ما فاته من ليلته وكان محفوظاً إلى أن يمسي، ومن قرأها حين يمسي أدرك ما فاته من يومه وكان محفوظاً إلى أن يصبح، وإن مات أوجب.
وأخرج الديلمي عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ :« اسم الله الأعظم في ستة آيات من آخر سورة الحشر ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ عالم الغيب والشهادة ﴾ قال : السر والعلانية، وفي قوله :﴿ المؤمن ﴾ قال : المؤمن خلقه من أن يظلمهم وفي قوله :﴿ المهيمن ﴾ قال : الشاهد.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله :﴿ عالم الغيب ﴾ قال : ما يكون وما هو كائن وفي قوله :﴿ القدوس ﴾ قال : تقدسه الملائكة.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة في قوله :﴿ القدوس ﴾ قال : المبارك ﴿ السلام المؤمن ﴾ قال : المؤمن من آمن به ﴿ المهيمن ﴾ الشهيد عليه ﴿ العزيز ﴾ في نقمته إذا انتقم ﴿ الجبار ﴾ جبر خلقه على ما يشاء المتكبر عن كل سوء.
وأخرج ابن المنذر عن زيد بن علي قال : إنما سمي نفسه ﴿ المؤمن ﴾ لأنه آمنهم من العذاب.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن محمد بن كعب قال : إنما تسمى ﴿ الجبار ﴾ أنه يجبر الخلق على ما أراده.