ﰡ
﴿ حم ﴾ الأحرف التي تبدأ بها بعض السور، قيل إنها رموز إلهية، وقيل أقسام من الله، وقيل إنها أسماء لله، وقيل إنها إشارة لابتداء كلام وانتهاء كلام، وقيل إنها أسماء لتلك السور.
تفسير المعاني :
حم.
إنزال الكتاب من الله العزيز الحكيم.
إن في السماوات والأرض لآيات باهرات للمؤمنين إذ يتأملونها ويستشرفون أسرارها، ولا يدعون العادة تحجب عنهم بدائعها ؛ فإنها كثيرا ما تحرم الإنسان من الشعور بما حوله من العجائب فيعيش في وسطها هو والحيوانات سواء.
﴿ يبثّ ﴾ أي ينشر. يقال بث الخبر يبثه نشره وأذاعه. ﴿ دابة ﴾ الدابة كل ما دب على الأرض ومنها الإنسان، جمعها دواب.
تفسير المعاني :
وفي خلقكم وما يبث في الأرض من دابة بعد إمتاعها بكل ما تحتاج إليه من أعضاء وإلهامات، آيات لقوم يعتقدون.
ومن الآيات كذلك للذين يعقلون اختلاف الليل والنهار في خصائصهما، وما أنزل الله من السماء من رزق أي مطر فأحيا به الأرض بعد موتها. وتصريف الرياح بتوجيهها إلى جهات مختلفة.
﴿ نتلوها ﴾ أي نقرؤها. يقال تلا الكتاب يتلوه تلاوة. وأما تلا صاحبه يتلوه تلوا فمعناه عقبه. ﴿ بعد الله وآياته ﴾ أي بعد آيات الله. وتقديم اسم الله على آياته للمبالغة والتعظيم، وقيل معناه بعد حديث الله أي القرآن، وآياته أي دلائله.
تفسير المعاني :
تلك آيات الله نقرؤها عليك ملتبسة بالحق، فبأي حديث بعد آيات الله يؤمنون ؟
﴿ ويل ﴾ أي عذاب وهلاك. ﴿ أفاك ﴾ أي كذاب. وأصله أفك الشيء يأفكه أفكا أي صرفه عن وجهه. والكذب قول مصروف عن وجهه.
تفسير المعاني :
هلاك وعذاب لكل كذاب كثير الآثام.
﴿ يصر ﴾ أي يقيم ويثبت، من الإصرار.
تفسير المعاني :
يسمع آيات الله تقرأ عليه ثم يقيم مصرا على كفره مستكبرا كأنه لم يسمعها فبشره بعذاب أليم.
﴿ اتخذها ﴾ الضمير لآياتنا.
تفسير المعاني :
وإذا عرف من آياتنا شيئا جعله هزوا، وأولئك لهم في الآخرة عذاب مهين.
﴿ أولياء ﴾ أي نصراء.
تفسير المعاني :
من ورائهم جهنم، ولا يدفع عنهم ما كسبوه من الأموال من عذاب الله شيئا، ولا ما اتخذوهم من دون الله من النصراء، ولهم عذاب عظيم.
﴿ رجز ﴾ الرجز أشد العذاب
تفسير المعاني :
هذا القرآن هدى من الله والذين كفروا به لهم أشد العذاب جزاء لهم على كفرهم.
﴿ الفلك ﴾ السفن، وهذا اللفظ لا يتغير في المفرد والجمع.
تفسير المعاني :
هو الله الذي ذلل لكم البحر يحمل على ظهره السفن لتجري فيه بأمره، ولتبتغوا من فضله بالتجارة والصيد ولعلكم تشكرون.
وسخر لكم جميع ما في السماوات وما في الأرض بأن خلقها نافعة لكم في معاشكم ومعادكم، إن في هذا التسخير لآيات لقوم يتفكرون في صنائع الله.
﴿ أيام الله ﴾ أي وقائعه بأعدائه.
تفسير المعاني :
قل للذين آمنوا : اغفروا للذين لا يتوقعون وقائع الله، يغفروا لهم ليتولى الله نفسه جزاءهم بما كانوا يكسبون من الآثام. " قيل نزلت هذه الآية في كافر شتم عمر فهم أن يبطش به فأمره الله بالعفو عنه ".
من عمل صالحا عاد نفعه على نفسه، ومن أساء وقع ضرر إساءته عليها. ثم إلى ربكم ترجعون.
﴿ والحكم ﴾ أي الحكمة أو فصل الخصومات. ﴿ من الطيبات ﴾ أي من الأغذية الطيبات، وهذه من الصفات التي جرت مجرى الأسماء كالصالحات والحسنات.
تفسير المعاني :
ولقد آتينا بني إسرائيل التوراة والحكمة والنبوة.
﴿ وآتيناهم بينات من الأمر ﴾ أي أدلة في أمر الدين. البينات جمع بينة وهي الدليل. ﴿ بغيا بينهم ﴾ أي عداوة وحسدا.
تفسير المعاني :
ورزقناهم من طيبات الأغذية وفضلناهم على أقوام زمانهم، وآتيناهم دلائل من أمر الدين فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم ؛ لأن العلم بطبيعته مثير للخلاف، والدين لا يصح أن يكون محلا للنزاع ؛ لأنه بسيط موافق لبداهة العقل. فلا يجوز خلطه بمسائل العلم فيعتريه ما يعتريها من الشكوك والإشكالات، وكان ذلك الخلاف منهم عداوة وحسدا بينهم، إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون.
﴿ على شريعة ﴾ أي على طريقة. ﴿ أهواء ﴾ جمع هوى وهو ما تميل إليه النفس من الشهوات.
تفسير المعاني :
ثم جعلناك يا محمد على طريقة من أمر الدين فاتبعها ولا تتبع أهواء الجاهلين.
﴿ أولياء بعض ﴾ أي بعضهم يتولى بعضا.
تفسير المعاني :
إن هؤلاء الجاهلين لن يدفعوا عنك من مؤاخذة الله شيئا، وإن الظالمين يتولى بعضهم بعضا، والله يتولى المتقين فيأخذ بيدهم ولا يدعهم يهلكون.
﴿ بصائر ﴾ أي بينات تبصرهم وجوه النجاة. ﴿ يوقنون ﴾ أي يطلبون اليقين.
تفسير المعاني :
هذا القرآن فيه دلائل تبصر الناس بوجوه الفلاح وهدى ورحمة لقوم يطلبون اليقين.
﴿ اجترحوا ﴾ أي اكتسبوا، مشتق من الجارحة وهي العضو. ﴿ محياهم ومماتهم ﴾ أي حياتهم وموتهم وهما اسمان.
تفسير المعاني :
أم ظن الذين يكتسبون الأعمال السيئات أن نسوي بينهم وبين الذين آمنوا في حياتهم ومماتهم ؟ فما أسوأ حكمهم وأبعده عن التحقيق !
وخلق الله الوجود متلبسا بالحق ليدل به على قدرته، ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون.
﴿ وختم ﴾ أي وطبع. والختم والطبع لا يكونان إلا بعد الإغلاق، فيكون معناهما وأغلق سمعه وقلبه. ﴿ غشاوة ﴾ هي ما يغشى العين أي يغطيها فلا تبصر. ﴿ تذكرون ﴾ تتذكرون، حذفت إحدى التاءين تخفيفا.
تفسير المعاني :
أفرأيت من جعل إلهه هواه وأضله الله وهو عالم بفساد جوهر نفسه، وأغلق سمعه عن السماع وقلبه عن الفهم، وجعل على بصره حجابا عن النظر.. فمن يهديه من بعد الله ؟ أفلا تتعظون ؟
﴿ الدهر ﴾ أي مرور الأيام. والدهر في الأصل مدة بقاء العالم، من دهره يدهره أمر نزل به مكروه.
تفسير المعاني :
وزعموا أن وجودهم مقصور على حياتهم الدنيا، وأنه ما يهلكهم إلا مر الأيام، وليس لهم بذلك من علم، فما هم إلا يظنون ذلك بلا دليل.
﴿ بينات ﴾ أي واضحات.
تفسير المعاني :
وإذا تقرأ عليهم آياتنا واضحات ما كان لهم من حجة إلا أن قالوا : هاتوا لنا آباءنا الذين ماتوا إن كنتم صادقين بأن هنالك بعثا بعد الموت.
فقل لهم في الرد عليهم : الله يحييكم من العدم الأول ثم يميتكم بعد انقضاء آجالكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة، ومن كان في قدرته الإبداء كان في قدرته الإعادة، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك لقلة تفكرهم وقصر نظرهم.
ولله الملك المطلق على السماوات والأرض، ويوم تقوم الساعة يخسر أهل الباطل أنفسهم لتماديهم في الضلال في حياتهم الدنيا.
﴿ جاثية ﴾ أي مجتمعة، من الجثوة وهي الجماعة، أو باركة على ركبها. ﴿ تدعى إلى كتابها ﴾ أي إلى صحائف أعمالها.
تفسير المعاني :
وترى كل أمة باركة على ركبها خشوعا وخضوعا منتظرة أمر الله فيها، تدعى كل منها إلى صحيفة أعمالها، ويقال لها اليوم تجزون ما كنتم تعملون.
﴿ هذا كتابنا ﴾ أضاف صحائف أعمالهم إلى نفسه ؛ لأنه هو الذي أمر الكتبة بكتابتها. ﴿ نستنسخ ﴾ أي نستكتب الملائكة.
تفسير المعاني :
هذا كتابنا الذي أمرنا بتسجيله عليكم ينطق عليكم بالحق، إنا كنا نستكتب ما كنتم تعملون.
فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات في دنياهم فيدخلهم ربهم في رحمته وذلك هو الفوز المبين.
﴿ أفلم تكن آياتي تتلى عليكم ﴾ أي يقال لهم ذلك.
تفسير المعاني :
وأما الذين كفروا فيقال لهم ألم تكن آياتي تقرأ عليكم فاستكبرتم عن قبولها وكنتم قوما مجرمين ؟
﴿ لا ريب فيها ﴾ أي لا شك فيها. يقال رابني هذا الأمر يريبني ريبا أي حدث لي منه شك، ومثله أرابني.
تفسير المعاني :
وإذ قيل لكم : إن وعد الله حق، أي كائن لا محالة والساعة آتية لا شك فيها، قلتم : لا نعرف ما الساعة ؟ ما نقول ذلك إلا من قبيل الظن، وما نحن بمستيقنين ذلك، أي ليس لدينا عليها علم يقين.
نقول : لو صدقوا في أنهم لا يأخذون إلا بما كان لهم عنه علم يقين في مرتبة المحسوسات لما اتخذوا هذه الآلهة.
﴿ وحاق بهم ﴾ أي وأحاط بهم.
تفسير المعاني :
وظهرت للكافرين سيئات أعمالهم على ما كانت عليه فعرفوا قبحها وعاينوا بأنفسهم شناعتها وما جرّت إليه من جرّائها، وأحاط بهم وبال ما كانوا به يستهزئون.
﴿ ومأواكم ﴾ أي ومحل إقامتكم. يقال أوى إلى المكان يأوي أويا أي أقام فيه.
تفسير المعاني :
وقيل لهم : اليوم ننساكم ونهملكم كما نسيتم المصير إلى يومكم هذا بعد أن بالغت الرسل في تذكيركم به، ومحل إقامتكم اليوم النار وما لكم من ناصرين يدفعون عنكم عذابها.
﴿ ولا هم يستعتبون ﴾ أي ولا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم، أي أن يرضوه. يقال عتب عليه فأعتبه، أي لامه فأرضاه بإزالة ما لامه من أجله. والعتبى هي الرضا.
تفسير المعاني :
ذلكم بسبب أنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا، فاليوم لا يخرون منها ولا هم يطلب إليهم أن يسترضوا ربهم.
﴿ الكبرياء ﴾ أي العظمة، وهي من الله ممدوحة ؛ لأنه العظيم الذي لا يدرك الخيال لعظمته حدا، وليس المراد بها أنه متصف بصفة المتكبرين.. من احتقار الناس وامتهانهم.
تفسير المعاني :
له العظمة المطلقة في السماوات والأرض تذوب كل عظمة بجانب عظمته، وهو العزيز الذي لا يغلب، الحكيم فيما قدره وقضاه، فاعبدوه وقفوا عند حدوده، واتبعوا النور الذي يدعوكم إليه لنجاتكم.