تفسير سورة العنكبوت

كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل
تفسير سورة سورة العنكبوت من كتاب كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل .
لمؤلفه أبو بكر الحداد اليمني . المتوفي سنة 800 هـ

﴿ الـم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ﴾ ؛ قد تقدَّمَ تفسيرُ (ألم). فمَن جعلَ هذه الحروفَ التي في أوائلِ السُّورة قَسَماً، احتملَ أن يكون جوابُ القَسَمِ في قولهِ :﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾[العنكبوت : ٣] ؛ واحتملَ أن يكون﴿ فَلَيَعْلَمَنَّ ﴾[العنكبوت : ٣].
وقولهُ تعالى :﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ ﴾ لفظةُ استخبارٍ، ومعناهُ التوبيخُ والتقرير، كأنه قالَ : أظَنُّوا أن نقنَعَ منهم بأنْ يقولُوا آمَنَّا فقط ولا يُمتَحَنُونَ بالأوامرِ والنَّواهي والتَّكليفِ، ولا يُختَبَرُونَ بما يعلم أنه صِدْقُ إيْمانِهم.
قال الحسنُ رضي الله عنه :(سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ أنَّهُ لَمَّا أُصِيْبَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَانَتِ الْكَرَّةُ عَلَيْهِمْ، عَيَّرَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بذلِكَ، فَشُقَّ ذلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِيْنَ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ). قال السديُّ وقتادة ومجاهدُ :(مَعْنَاهُ : أحَسِبَ النَّاسُ أنْ يُتْرَكُواْ أنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ) فِي أمْوَالِهِمْ وَأنْفُسِهِمْ بالْقَتْلِ وَالتَّعْذِيْب).
وقال مقاتلُ :( " نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي مَهْجَعِ بْنِ عَبْدِاللهِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّاب رضي الله عنه وَكَانَ أوَّلَ قَتِيْلٍ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ يَوْمَ بَدْرٍ، رَمَاهُ عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ بسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّبيُّ :" سَيِّدُ الشُّّهَدَاءِ مَهْجَعُ، وَهُوَ أوَّلُ مَنْ يُدْعَى إلى بَاب الْجَنَّةِ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ " فَجَزِعَ عَلَيْهِ أبَوَاهُ وَامْرَأتَهُ "، فَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةَ وَأخْبَرَ أنَّهُ لاَ بُدَّ لَهُمْ مِنَ الْبَلاَءِ وَالْمَشَقَّةِ فِي ذاتِ اللهِ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ ؛ فيه تَسْلِيَةٌ للمؤمنينَ، معناهُ : ولقد امْتَحَنَّا الذين مِن قَبْلِهم، ﴿ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾، فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الصادقَ بوقوعِ صِدْقِهِ منه بالصَّبرِ على ما يُؤْمَرُ به، والكاذبَ بوقُوعِ كَذِبٍ منهُ وَالْجَزَعِ والمخالفةِ في القِتَالِ الذي يُؤمَرُ به، فاللهُ تعالى قد عَلِمَ الصادقَ مِن الكاذب قَبْلَ أنْ يخلُقَهم، ولكن القصدَ من الآية قصدُ وُقُوعِ العلمِ بما يُجازَى عليه ؛ لأنَّ عِلْمَ الشَّهادةِ هو الذي يجبُ به الجزاء، فأما عِلْمُ الغيب قَبْلَ وقُوعهِ فلا يحلُّ به الجزاءُ.
وقال ابنُ عبَّاس رضي الله عنه :(وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْهُمْ إبْرَاهِيْمُ الْخَلِيلُ عليه السلام ابْتُلِيَ بالنَّمْرُودِ، وَمِنْهُمْ قَوْمٌ بَعْدَهُ نُشِرُواْ بالْمَنَاشِيْرِ عَلَى دِيْنِ اللهِ فَلَمْ يَرْجِعُواْ عَنْهُ). وقال بعضُهم : يعني بَنِي إسرائيلَ ابْتُلُوا بفرعونَ فكان يسُومُهم سوءَ العذاب.
قولهُ :﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ معناهُ : أظَنُّوا ﴿ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ﴾ يعني الشِّركَ، قال ابنُ عبَّاس :(يَعْنِي الْوَلِيْدَ بْنَ الْمُغِيْرَةِ وَأبَا جَهْلٍ وَالأَسْوَدَ وَالْعَاصَ بْنَ هِشَامٍ وَغَيْرَهُمْ). ﴿ أَن يَسْبِقُونَا ﴾ أي أن يَفُوتُونَا ويُعجِزُونا ﴿ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ أي بئْسَ ما حَكَمُوا لأنفُسِهم حين ظَنُّوا ذلك.
وَقِيْلَ : إنَّ هذه الآية نزلت في عُتْبَةَ بنِ رَبيْعَةَ وأخيهِ شَيْبَةَ، وفي الوليدِ بن عُتبةَ وغير الذين بَارَزُوا عَلِيّاً وحمزةَ وعُبيدةَ بن الحارثِ يومَ بَدْرٍ، فقُتِلُوا على أيديهم يومئذٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ مَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ اللَّهِ ﴾ ؛ أي مَن كان يطمعُ في الثَّواب ويخشَى العقابَ ويخافُ الحسابَ، فَلْيُبَادِرْ إلى طاعةِ الله قبلَ الموتِ، ﴿ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ ﴾ ؛ أي فإن أجلَ الموت لآتٍ لِمن يرجُو، ولِمن لا يرجو، وإنَّ ثوابَ العملِ الصالح لقريبٌ ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ ﴾ ؛ لِمقالَةِ الكُفَّار والمؤمنين، ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ ؛ بما يستحقُّه كلُّ واحد منهم وَقِيْلَ : إنَّ النَّبيَّ ﷺ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيةُ قَالَ :" يَا عَلِيَّ ؛ يَا فَاطِمَةَ : إنَّ اللهَ قَدْ أنْزَلَ : مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللهِ فَإنَّ أجَلَ اللهِ لآتٍ، وََإنَّ حَقِيْقَةَ رَجَاءِ لِقَاءِ اللهِ أنْ يَسْتَعِدَّ الإنْسَانُ لأَجَلِ اللهِ إذا كَانَ آتِياً باتِّبَاعِ طَاعَتِهِ وَاجْتِنَاب مَعَاصِيهِ ".
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ﴾ ؛ أي مَن يعملُ الخيرَ فإنَّما يعملُ لنفسهِ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ ؛ أي عن أعمَالِهم وعبادتِهم، ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾ ؛ بالإيْمانِ والتوبةِ، ومعنى ﴿ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾ أي لنبطلنَّها حتى كأنَّها لَم تُعْمَلْ، ﴿ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ ؛ أي نَجزيهم بأحْسَنِ أعمالِهِم وهي الطاعةُ، ولا نَجزيهم بمساوئ أعمَالِهم.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ ﴾ ؛ نزلت هذه الآيةُ في سعدِ بن أبي وقَّاص، وكان بارّاً بأُمه، فلما أسْلَمَ قَالَتْ لَهُ أُمُّهُ حُمْنَةُ بنتُ أبي سُفيانَ بنِ أُميَّة : يَا سَعْدَ ؛ بَلَغَنِي أنَّكَ قَدْ صَبَأْتَ! فَوَاللهِ لاَ يُظِلُّنِي سَقْفُ بَيْتٍ، وَإنَّ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ عَلَيَّ حَرَامٌ حَتَّى تَكْفُرَ بمُحَمَّدٍ ﷺ فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ.
فَأَبَى سَعْدٌ عَلَيْهَا، وَبَقِيَتْ هِيَ لاَ تَأْكُلُ وَلاَ تَشْرَبُ وَلاَ تَسْتَظِلُّ بشَيْءٍ، فَمَكَثَتْ يَوْماً وَلَيْلَةً لاَ تَأْكُلُ، فَأَصْبَحَتْ قَدْ جَهِدَتْ ثُمَّ مَكَثَتْ يَوْماً وَلَيْلَةً أُخْرَى لاَ تَأْكُلُ وَقَالَتْ : يَا سَعْدَ لَتَدَعَنَّ دِيْنِكَ هَذِهِ أوْ لاَ آكُلَ وَلاَ أشْرَبَ حَتَّى أمُوتَ فَتُعَيَّرُ بي، فَيُقَالُ : يَا قَاتِلَ أُمِّهِ! فَقَالَ سَعْدٌ : يَا أُمَّاهُ لَوْ كَانَتْ لَكِ مِائَةُ نَفْسٍ فَخَرَجَتْ نَفْساً نَفْساً مَا تَرَكْتُ دِيْنِي هَذا لِشَيْءٍ، فَإنْ شِئْتِ أنْ تَأْكُلِي، وَإنْ شِئْتِ فَلاَ تَأْكُلِي. فَلَمَّا رَأتْ ذلِكَ أكَلَتْ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ.
ومعناها : ووصَّينا الإنسانَ بالبرِّ والإحسانِ إلى وَالِدَيهِ وقُلنا له : وإنْ طَلَبَا منكَ أن تُشْرِكَ بي ما ليسَ لك بهِ عِلْمٌ فلا تُطِعْهُمَا، فإنَّ طاعتَهما في الإشْرَاكِ والمعصيةِ " ليس " من باب الحسن، بل هي قبيحةٌ. قال رسولُ اللهِ ﷺ :" لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ ".
وقولهُ تعالى :﴿ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ﴾ ؛ مُنْقَلَبُكُمْ في الآخرةِ، ﴿ فَأُنَبِّئُكُم ﴾ ؛ فأُخبرُكم، ﴿ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ ؛ في الدُّنيا من الخيرِ والشرِّ والبرِّ والعُقوقِ.
واختلفَ النُّحاةُ في نصب قولهِ ﴿ حُسْناً ﴾، فقال البصرِيُّون : بنَزْعِ الخافضِ ؛ تقديرهُ : ووصَّينا الإنسانَ بالْحُسْنِ، كما يقالُ : وَصِّيهِ خَيْراً ؛ أي بخَيْرٍ، وقال الكوفِيُّون : ووصَّينا الإنسانَ أن يفعلَ حُسناً، فحذفَهُ لدلالةِ الكلام عليه. وَقِيْلَ : هو مثلُ قولهِ﴿ فَطَفِقَ مَسْحاً ﴾[ص : ٣٣] أي يمَسْحُ مَسْحاً. وَقِيْلَ : معناهُ : ألْزَمْنَاهُ حُسناً. وقرأ أبو رجَاءٍ :(حَسَناً) بفتح الحاء والسين، وفي مُصحَفِ أُبَيٍّ :(إحْسَاناً).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ ﴾ أي في زُمرَةِ الأنبياءِ والأولياء، وَقِيْلَ : خواصِّ أصحاب مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
قولهُ :﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ﴾ ؛ رُوي أنَّ هذه الآيةَ نزلت في عيَّاشِ بنِ أبي ربيعةَ، كَانَ أسْلَمَ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَكَانَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ أُمِّهِ وَأخَوَيْهِ لأُمِّهِ وَهُمَا أبُو جَهْلٍ وَالْحَارثِ.
فَخَرَجَ عَيَّاشُ بَعْدَ مَا أعْلَنَ إسْلاَمَهُ هَارباً إلَى الْمَدِيْنَةِ قَبْلَ هِجْرَةِ النَّبيِّ صلى الله عيله وسلم، وَبَلَغَ أُمَّهُ الْخَبَرَ فَجَزِعَتْ جَزَعاً شَدِيْداً، وَامْتَنَعَتْ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرََاب، فَخَرَجَ أخَوَاهُ وَقَوْمَهُ فِي طَلَبهِ، فَأَخَذُوهُ وَقَيَّدُوهُ، وَحَلَفَتْ أُمُّهُ أسْمَاءُ بنْتُ مَخْرَمِ بْنِ أبي جَنْدَلٍ باللهِ : لاَ أحُلُّكَ مِنْ وثَاقِكَ حَتَّى تَكْفُرَ بمُحَمَّدٍ، ثُمَّ أقْبَلَتْ تَجْلِدُهُ بالسِّيَاطِ وَتُعَذِّبُهُ حَتَّى كَفَرَ جَزَعاً مِنَ الضَّرْب، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ.
قال مقاتلُ والكلبيُّ :(لَمَّا هَاجَرَ عَيَّاشُ إلَى الْمَدِيْنَةِ خَوْفاً مِنْ أُمِّهِ وَأخَوَيْهِ، حَلَفَتْ أُمُّهُ أسْمَاءُ بنْتُ مَخْرَمِ بْنِ أبي جَنْدَلٍ ألاَّ تَأْكُلَ وَلاَ تَشْرَبَ وَلاَ تَغْسِلَ رَأسَهَا وَلاَ تَدْخُلَ بَيْتاً حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهَا ابْنُهَا، فَلَمَّا رَأى ابْنَاهَا أبُو جَهْلٍ وَالْحَارثُ ابْنَا هِشَامٍ - وَهُمَا أخَوَا عَيَّاشٍ لأُمِّهِ - جَزَعَهَا، فرَكِبَا فِي طَلَبهِ حَتَّى أتَيَا الْمَدِيْنَةَ فَلَقِيَاهُ.
فَقَالَ لَهُ أبُو جَهْلٍ : قَدْ عَلِمْتَ أنَّكَ أحَبَّ إلَى أُمِّكَ مِنْ جَمِيْعِ أوْلاَدِهَا، وَكُُنْتَ بَارّاً بهَا، وَقَدْ حَلَفَتْ لاَ تَأْكُلُ وَلاَ تَشْرَبُ وَلاَ تَدْخُلُ كِنّاً حَتَّى تَرْجِعَ إلَيْهَا، وَأنْتَ تَزْعُمُ أنَّ فِي دِيْنِكَ برَّ الْوَالِدَيْنِ، فَارْجِعْ إلَيْهَا فَإنَّ رَبَّكَ الَّذِي تَعْبُدُهُ بالْمَدِيْنَةِ هُوَ رَبُّكَ بمَكَّةَ فَاعْبُدْهُ بهَا. فَلَمْ يَزَالاَ بهِ حَتَّى أخَذ عَلَيْهِمَا الْمَوَاثِيْقَ أنْ لاَ يُحَرِّكَانِهِ وَلاَ يَصْرِفَانِهِ عَنْ دِيْنِهِ، فَأَعْطَيَاهُ الْمَوَاثِيْقَ فَتَبعَهُمَا، فَلَمَّا خَرَجُواْ بهِ مِنَ الْمَدِيْنَةِ أخَذاهُ وَأوْثَقَاهُ وَضَرَبَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ حَتَّى تَبْرَّأ مِنْ دِيْنِ مُحَمَّدٍ ﷺ جَزَعاً مِنَ الضَّرْب.
وَكَانَ الْحَارثُ أشَدَّهُمَا عَلَيْهِ وَأسْوَأهُمَا قَوْلاً فِيهِ، فَحَلَفَ عَيَّاشُ باللهِ لَئِنْ قَدِرَ عَلَيْهِ لَيَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ، فَلَمَّا رَجَعُواْ إلَى مَكَّةَ مَكَثُواْ حِيْناً، ثُمَّ هَاجَرَ النَّبيُّ ﷺ وَالْمُؤْمِنُونَ إلَى الْمَدِيْنَةِ، فَهَاجَرَ عَيَّاشُ وَأسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلاَمُهُ.
ثُمَّ إنَّ اللهَ تَعَالَى وَفَّقَ الْحَارثَ بْنَ هِشَامٍ فَهَاجَرَ إلَى الْمَدِيْنَةِ وَبَايَعَ النَّبيَّ ﷺ عَلَى الإسْلاَمِ، وَلَمْ يَحْضُرْ عَيَّاشُ، فلَقِيَهُ عَيَّاشُ يَوْماً بظَهْرِ قِبَاء وَلَمْ يَعْلَمْ بإسْلاَمِهِ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ يَظُنُّ أنَّهُ كَافِرٌ، فَقِيْلَ لَهُ : إنَّهُ قَدْ أسْلَمَ، فَنَدِمَ وَاسْتَرْجَعَ وَبَكَى، ثُمَّ أتَى النَّبيَّ ﷺ فَأَخْبَرَهُ بذلِكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى :﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً ﴾[النساء : ٩٢].
ومعنَى الآيةِ : ومِن الناسِ مَن يقولُ آمَنَّا باللهِ، فإذا عُذِّبَ في طاعةِ الله جَعَلَ تعذيبَ الناسِ كتعذيب الله، فأطاعَ الناسَ خوفاً منهم، كما يطيعُ الله مَن خافَ عذابَهُ.
قولهُ :﴿ وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ﴾ ؛ أي إذا جاء فَتْحٌ مِِن ربكَ ﴿ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ﴾ وهذه صفةُ المنافقين، يقولُ اللهُ تعالَى :﴿ أَوَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ ﴾ ؛ أي بما في قلُوب الْخَلْقِ من الطُّمأنينَةِ بالإيْمانِ والانشراحِ بالكُفرِ، ﴿ وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ ؛ أي لِيَجْزِيَ اللهُ المؤمنين، ﴿ وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ﴾ ؛ ولَيُمَيِّزَنَّ المنافقينَ.
قولهُ :﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ اتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا ﴾ ؛ معناهُ : قال كفارُ مكَّة أبو جهلٍ وغيرهُ، لِمَنْ آمَنَ مِن قريشٍ، واتَّبعَ مُحَمَّداً ﷺ : إتَّبعُوا دِينَنَا وَمِلَّةَ آبَائِنَا، ﴿ وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ ﴾، ونحنُ الكفلاءُ بكُلِّ تَبعَةٍ تصيبُكم من اللهِ في ذلك، ونحملُ عنكم خطَايَاكم، إنْ كان عليكم فيهِ إثْمٌ ووزْرٌ، فنحنُ نحملهُ عنكم. قال الفرَّاء :(قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلْنَحْمِلْ ﴾ لَفْظُهُ لَفْظُ الأَمْرِ، وَمَعْنَاهُ : الْجَزَاءُ ؛ أيْ إن اتَّبَعْتُمْ سَبيْلَنَا حَمَلْنَا خَطَايَاكُمْ). قولهُ :﴿ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ ؛ فيما ضَمِنوا من حَمل خطاياهم، ولا يحفظُونَ العذابَ عنهم.
قولهُ :﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾ ؛ معناهُ : أوْزَاراً مع أوزَارهم، وذلك أنَّهم يُعاقَبون على كُفرِهم وعلى دُعاءِ غيرِهم إلى الكفرِ، وهذا موافقٌ لقولهِ ﷺ :" مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وزْرُهَا وَوزْرُ مَنْ عَمِلَ بهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لاَ يَنْقُصُ مِنْ أوْزَارهِمْ شَيْءٌ ".
ومعنى الآيةِ : وَلْيَحْمِلُنَّ أوزَارَهُم التي حَملُوها، وأوْزَاراً مع أوزَارهم لقولِهم للمؤمنينَ :(اتَّبعُوا سبيلَنا " وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ) وهم كاذبون فيما قالوا لهم ووعدوهم "، وليَحْمِلُوا أوزَارَهم كاملةً يومَ القيامةِ.
وقولهُ :﴿ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾ ؛ أرادَ به سؤالَ تَوبيخٍ لا سؤالَ استعلامٍ، يقالُ لَهم : هل كانَ عندَكم من الغيب شيءٌ ؟ ومِن أين قُلْتُمْ إنَّكم تحمِلُوا أوزَارَ غيرِكم؟.
قولهُ :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً ﴾ ؛ أي مَكَثَ بين أظهرهم يدعُوهم إلى الإيْمَانِ ألفَ سَنَةٍ إلاّ خَمسين عاماً، فلم يُجِبْهُ إلى الإيْمانِ منهم إلاَّ قليلٌ، ﴿ فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾، فأهلَكَ اللهُ المكذِّبين بالطُّوفانِ وهو الغرقُ (وَهُمُ الظَّالِمُونَ) أي مُشرِكون.
وفي الحديث :" أنَّ نُوحاً عليه السلام أرْسَلَ إلَيْهِمْ بَعَدَ مَا أتَى عَلَيْهِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ سَنَةً، وَعَاشَ بَعْدَ الطُّوفَانِ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً " وسُمي الغرقُ طُوفَاناً لأنَّ الماءَ في ذلك اليومِ طَافَ في جميعِ الأرض.
قولهُ :﴿ فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ السَّفِينَةِ ﴾ ؛ أي أنْجَيْنَا نُوحاً من الغَرَقِ ومَن كان معهُ من المؤمنين في السَّفينة، ﴿ وَجَعَلْنَاهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ ؛ أي جعلنا السَّفينةَ عِبْرَةً لمن بعدَهم من الناسِ إنْ عَصَوا رسولَهم فَعَلْنَا بهم مثلَ ذلك.
قوله :﴿ وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ﴾ ؛ انتصبَ (إبْرَاهِيْمَ) عَطفاً على نُوحٍ، معناهُ : وأرسَلنا إبراهيمَ أيضاً، ﴿ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُواْ اللَّهَ ﴾ أي وَحِّدُوا اللهَ وأطيعوهُ واخشَوهُ، ﴿ ذالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ ؛ أي عبادةُ اللهِ خيرٌ لكم من عبادةِ الأوثان، ﴿ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ ؛ ذلكَ.
قَوله :﴿ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً ﴾ ؛ أي أصْنَاماً تتَّخِذونَها من الحجارةِ والخشب، ﴿ وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً ﴾ ؛ أي وتَخْتَرِعُونَ على الله كَذِباً في قولِكم : إنَّها آلِهةٌ. ويجوزُ أن يكون معنى ﴿ وَتَخْلُقُونَ ﴾ أي تَنْحَتُونَ أصْنَاماً.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً ﴾ أي إنَّ الذين تعبدُونَ من الأصنامِ لاَ يَقْدِرُونَ أنْ يرزقُوكم. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَابْتَغُواْ عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُواْ لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ ؛ أي اطْلُبُوا الرِّزقَ مِنِّي، فأنا القادرُ على ذلكَ، ﴿ وَاعْبُدُوهُ ﴾ أي اعبدُوا مَن يَمِلكُ أرزاقَكم، ﴿ وَاشْكُرُواْ لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ في الآخرةِ فيَجزِيَكم بأعمالِكم.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِن تُكَذِّبُواْ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ﴾ ؛ يعني كذبُوا أنبياءَهم كما كذبتُم نبيَّكُم فأهلَكَهم اللهُ تعالى، ﴿ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ﴾ ؛ أي مَا عليهِ إلاّ تبليغُ الرسالةَِ عن اللهِ بلُغَةِ الَّذين أرسَلَهم إليهم.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾ ؛ أي أوَلَمْ يعلَمْ ويعتبرْ أهلُ مكَّة كيفَ يُبدِئُ اللهُ الْخَلْقَ في أرحامِ الأُمَّهاتِ مِن النُّطفةِ ثُم مِن العلقةِ ثُم مِن الْمُضْغَةِ إلى تَمامِ الخلقِ، ثُم يُميتُهُ ثُم يعيدهُ بعدَ الموتِ للبعثِ خَلْقاً جَديداً. وقولهُ تعالى :﴿ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ ؛ أي إنَّ بَدْأ الخلقِ وإعادتهِ هَيِّنٌ على اللهِ، فإنه القادرُ على الاختراعٍِ مِن غير ابتداء على مثالٍ، قادرٌ على الإعادةِ، وكانوا يُقِرُّونَ بأنَّ اللهَ هو الذي خلَقَهم.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ﴾ ؛ أي سَافِروا في الأرضِ وابحثوا وانظرُوا هل تَجِدُونَ خَالِقاً غيرَ اللهِ، واعتَبروا كيفَ خَلَقَ اللهُ مَن قبلَكم ثُم أهلَكَهم بعدَ ذلك.
وقولهُ تعالى :﴿ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِىءُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ ﴾ ؛ أي ثُم إنَّ اللهَ يبعثُ الخلقَ ثانيةً يومَ القيامةِ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ؛ من الإحياءِ والإمَاتَةِ قادرٌ. قرأ ابنُ كثير وأبو عمرو والحسنُ :(النَّشَاءَةَ) بالمدِّ، وقرأ الباقون :(النَّشْأَةََ) بإسكانِ الشِّين والقصْرِ وهما لُغتان.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ ﴾ ؛ أي يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ مَن كان أهْلاً للتعذيب، وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ مَن كان أهلاً للرحمةِ، وقولهُ تعالى :﴿ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ﴾ ؛ أي تُرَدُّونَ في الآخرةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَآءِ ﴾ ؛ أي ما أنتم يا أهلَ مكَّة بفَائِتينَ من عذاب الله هَرباً، ولا في السَّماء، فلا تغتَرُّوا لطُولِ الإمهَالِ.
ولا يجوزُ أن يكون معناهُ : وَلاَ مَنْ فِي السَّمَاءِ بمُعْجِزِيْنَ ؛ أي ما أنتم يا كفارَ مكَّة بفَائِتِي اللهِ في الأرضِ كُنتم أو فِي السَّماء كنتم، أينَما تكونُوا يأتِ بكمُ الله فيجزِيَكم بأعمالِكم السيِّئة، ﴿ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ ﴾ ؛ يتولَّى أمرَكم وحِفظَكم، ﴿ وَلاَ نَصِيرٍ ﴾ ؛ يَمنعُ العذابَ عنكم.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَآئِهِ ﴾ ؛ أي الذين يَجحَدوا بآياتِ الله والقُرْآنِ والبعثِ بعد الموتِ، ﴿ أُوْلَئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي ﴾ ؛ أي مِن جَنَّتِي في الآخرةِ باعتقادِهم أنَّها لا يقعُ بهم، ﴿ وَأُوْلَـائِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ ﴾ ؛ أي ما كان جوابُ قومِ إبراهيمَ حيث دعَاهُم إلى اللهِ، إلاَّ أن قالوا : اقتلُوهُ أو حرِّقوهُ بالنار، ثُم " اتفقوا على تحريقه " فقذفوهُ في النار، ﴿ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ ﴾ ؛ سَالِماً، وجعلَها بَرْداً وسَلاماً ولَم تحرِقْ منه إلاَّ وثاقه، ﴿ إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ بالله ورسُلهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً ﴾ ؛ أي قال إبراهيمُ : إنَّ ما عبَدتُم مِن دون اللهِ أوثَاناً هي مودَّةٌ بينَكم، أو تلك مودَّةٌ بينكم، والمعنى : أي أُلْفَتُكُمْ واجتماعُكم على الأصنامِ ﴿ مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ ﴾ ؛ ثُم تنقطعُ عن قريبٍ، وتنقلبُ تلك المودَّةُ عداوةً بعد الموتِ، يَتَبَرَّأُ بعضُكم من بعضٍ، ويلعنُ العابدُ المعبودَ، لذلك يلعَنُ العابدونَ بعضَهم بعضاً، ويكون مصيرُهم في الآخرةِ النار، وما لكم مِن مانعٍ يَمنعُكم من عذاب الله.
ويجوزُ أن تكون (مَا) في قوله تعالى ﴿ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ ﴾ بمعنى (الذِي) كأنه قالَ : إنَّ الذي اتَّخذتُموه من دونِ الله أوثَاناً مودَّةُ بينِكم ما دُمتم في الحياةِ الدُّنيا، فيكون (مَوَدَّةٌ) رفعاً لأنَّها خبرُ (إنَّ)، وقرأ حمزةُ وحفص (مَوَدَّةَ) بالنصب (بَيْنِكُمْ) بالخفضِ على الإضافة ؛ بوقوعِ الاتِّحادِ عليه، وجعل (إنَّمَا) حَرفاً واحداً، وقرأ الباقون نَصباً منَوَّناً (بَيْنَكُمْ) بالنصب على أنه مفعولٌ أيضاً، ومعناه : اتَّخذتُم هذه الأوثانَ مَوَدَّةً بينَكم تتوادُّون وتحابُّون على عبادتِها وتتواصَلون عليها.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ﴾ ؛ أي صَدَّقَ لوطُ بإبرَاهِيمَ، وهو أوَّلُ مَن صدَّقَ به، ﴿ وَقَالَ ﴾ ؛ إبراهيم :﴿ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي ﴾ ؛ أي إلى الموضعِ الذي أمرَنِي رَبي بالهجرةِ إليه، وكان مأْمُوراً بالهجرةِ من كوثى وهو سوادُ العراقِ إلى الشَّام.
وَقِيْلَ : إن كوثى من سوادِ الكوفة، فهاجرَ إبراهيمُ ومعه لوطُ وهو ابنُ أخيهِ ومعه سَارَةُ. قال مقاتلُ :(هَاجَرَ إبْرَاهِيْمُ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ سَنةً). وقولهُ تعالى :﴿ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ ؛ أي الْمُنْتَقِمُ مِمَّنْ عَصَاهُ، الْحَكِيْمُ فيما حَكَمَ علينا من الهجرةِ.
قًَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ ﴾ ؛ أي لإبراهيمَ، ﴿ إِسْحَاقَ ﴾ ؛ من امرأتهِ سارَةَ، ﴿ وَيَعْقُوبَ ﴾ ؛ ابنُ ابنهِ، وقولهُ تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ﴾ ؛ وذلك أنَّ الله لَم يَبْعَثْ نبيّاً مِن بعد إبراهيمَ إلاّ من صُلْبهِ، وقولهُ تعالى ﴿ وَالْكِتَابَ ﴾ أي وجعلنَا التَّوراةَ والإنجيلَ والقُرْآنَ في وَلَدِهِ.
وقولهُ تعالى :﴿ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا ﴾ ؛ أرادَ به الثَّناءَ الحسنَ، وموالاةَ جميعِ الأُمَمِ إيَّاهُ ؛ لأن جميعَ أهلِ الأديان يُحِبُّونَهُ. وقال السديُّ :(إنَّهُ أُريَ مَكَانَهُ فِي الْجَنَّةِ) ثُمَّ أعْلَمَهُ اللهُ أنَّ لَهُ مَعَ مَا أعْطَاهُ فِي الدُّنْيَا الدَّرَجَاتِ الْعُلَى لقولهِ :﴿ وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ ؛ أي إنهُ في الآخرةِ مع آبائه الْمُرسَلين في الجنَّة مثلَ آدمَ ونوحٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلُوطاً ﴾ ؛ أي وأرسَلْنا لُوطاً بالنبُوَّة، ﴿ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ ﴾ ؛ يعني عمَلَهم الخبيثَ الذي لَم يكن يَعْمَلُهُ أحدٌ قبلَهم.
وقولهُ تعالى :﴿ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ ﴾ ؛ وذلك أنَّهم كانوا يفعلونَ الفاحشةَ بمن يَمُرُّ بهم مِن المسافرين، فلما فَعَلُوا ذلك شَاعَ الخبرُ، فتركَ الناسُ المرورَ بهم وانقطعَ السبيلُ.
وقولهُ تعالى :﴿ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ﴾ ؛ النادِي الْمَجْلِسُ وَالْْمُتَحَدَّثُ ؛ أي تأتُونَ في مجالسِكم الفسقَ، قِيْلَ : إنَّهم كانوا يفعلُ بعضُهم ببعضٍ الفاحشةَ في الْمَجَالِسِ. وَقِيْلَ : إنَّهم كانوا يصَفِّقون بأيديهم ويصَفِّرُونَ بأفواهِهم، وقال القاسمُ بن محمَّدٍ :(هُوَ أنَّهُمْ كَانُواْ يَتَضَارَطُونَ فِي مَجَالِسِهِمْ) وَيَضْرِبُونَ بالْعُودِ وَالْمَزَامِيْرِ (وَيَلْعَبُونَ بالْحَمَامِ). وقِيْلَ : في معنَى قولهِ تعالى ﴿ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ﴾ قال مجاهدُ :(كَانَ يُجَامِعُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً فِي الْمَجَالِسِ).
وسُئِلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنِ الْمُنْكَرِ الَّذِي كَانُواْ يَأْتُونَهُ قَوْمُ لُوطٍ، فَقَالَ :" كَانُواْ يَجْلِسُونَ وَعِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِصْعَةُ حَصَى، فَإذا مَرَّ بهِمْ عَابرُ سَبيْلٍ خَذفُوهُ، فَأَيُّهُمْ أصََابَهُ كَانَ أوْلَى بهِ "، قال ﷺ :" إيَّاكُمْ وَالْخَذْفَ، فَإنَّهُ لاَ يَنْكَأُ الْعَدُوَّ وَلاَ يُصِيْبُ الصَّيْدَ، وَلَكِنْ يَفْقَأَُ الْعَيْنَ وَيَكْسِرُ السِّنَّ ".
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ﴾ ؛ أي فلمَّا أنكرَ لوطُ على قومهِ ما كانوا يفعلون من القَبَائِحِ قالُوا استهزاءً :﴿ ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ ؛ أنَّ العذابَ نازلٌ، فعندَ ذلك ؛ ﴿ قَالَ ﴾ ؛ لوطُ عيله السلام :﴿ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ ﴾ ؛ أي انْصُرْنِي بتحقيقِ قَوْلِي في العذاب على القومِ المفسدين العاصِين.
فاستجابَ اللهُ دعاءَهُ، وبعثَ جبريل ومعه الملائكةُ لتعذيب قومه وهو قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى ﴾ ؛ أي بالبُشْرَى بإسحق ومِن وراءِ اسحق يعقوبُ، ﴿ قَالُواْ إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَـاذِهِ الْقَرْيَةِ ﴾ ؛ يعني سدوم قريةُ لوطٍ، ﴿ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ ﴾ ؛ بالشِّركِ والعملِ الخبيثِ، ﴿ قَالَ ﴾ ؛ إبراهيمُ :﴿ إِنَّ فِيهَا لُوطاً ﴾ ؛ فكيفَ تُهلِكُونَهم؟! ﴿ قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ ﴾ ؛ وأهلَ دِينه وابنَتَيْهِ زَعُورا وزَنْبَا، ﴿ إِلاَّ امْرَأَتَهُ ﴾ واعِلَةَ، ﴿ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ﴾ ؛ أي مِن الباقينَ في الْمُهْلَكِيْنَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ ﴾ ؛ أي سَاءَ مَجيئَهم خَوفاً عليهم مِن قومهِ ؛ لأنَّهم جاؤهُ على هيئة الغِلْمَانِ، ﴿ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً ﴾ ؛ أي ضَاقَ عليهم بسَبَبهم، ﴿ وَقَالُواْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرينَ ﴾ وَمُنَجُّوا ؛ قال المبَرِّدُ :(الْكَافُ فِي (مُنَجُّوكَ) مَخْفُوضَةٌ وَلَمْ يَجُزْ عَطْفُ الظَّاهِرِ عَلَى الْمُضْمَرِ الْمَخْفُوضِ، فَمَا جُعِلَ الثَّانِي عَلَى الْمَعْنَى، فََصَارَ التَّقْدِيْرُ : وَنُنَجِي أهْلَكَ، أو مُنْجُونَ أهْلَكَ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَـاذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ السَّمَآءِ ﴾ ؛ أي عَذاباً بالحجارةِ، وَقِيْلَ : الخسفَ والحصَبَ، ﴿ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ﴾ ؛ أي بسَبَب فِسقِهم، يروى أنَّ تلكَ القريةِ كانت مشتملةً على سبعمائةِ ألفِ رجُلٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً بَيِّنَةً ﴾ ؛ أي آثارُ منَازلِهم الْخَرِبَةِ، وهي تركُ ديارهم منكوسةً عِظَةً وعبرةً، وأظهرَ اللهُ فيها ماء أسوداً نتناً يتأذى الناسُ برائحتهِ، وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ ؛ أي يتفكَّرُون فيما فَعَلَ اللهُ بهم فلا يفعلونَ مِثْلَ فعلِهم.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً ﴾ ؛ أي وأرسَلنا إلى أهل مدينَ أخاهم شُعيباً، ﴿ فَقَالَ ياقَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَارْجُواْ الْيَوْمَ الأَخِرَ ﴾ ؛ أي وَاخْشَوا البعثَ الذي فيه جزاءُ الأعمال، ﴿ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ ؛ أي لا تَعْثُوا في الأرضِ بالفسادِ، ﴿ فَكَذَّبُوهُ ﴾ ؛ بالرِّسالةِ، ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ﴾ ؛ أي الزَّلزَلَةُ، ﴿ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ ؛ أي مَيِّتِيْنَ بَاركِينَ على رُكَبهم.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَعَاداً وَثَمُودَاْ ﴾ ؛ أي وأهلكنا عَاداً وثَمُوداً، ﴿ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ ﴾ ؛ أي ظَهَرَ لكم يا أهلَ مكَّة مِن منازلِهم والحجر واليمن في هلاكِهم حيث تَمرُّون بها، ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ﴾ ؛ القبيحةَ، ﴿ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ﴾ ؛ أي فصَرَفَهم عن طريقِ الحقِّ، ﴿ وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ ﴾ ؛ أي عُقلاءَ يُمكِنُهم تَمييزُ الحقِّ من الباطلِ، ويقالُ كانوا مُعجَبين بضَلالِهم يَرَونَ أنَّهم على الحقِّ، ولَم يكونوا كذلكَ، والمعنى : أنَّهم كانوا عندَ أنفُسِهم مستَبْصِرين فيما عَمِلُوا من الضَّلالةِ، يحسَبُون أنَّهم على هُدَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَآءَهُمْ مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُواْ فِي الأَرْضِ ﴾ ؛ أي وأهلَكْنا قارونَ وفرعون وهامانَ بعدَ ما جاءَهم مُوسَى بالمعجزاتِ فَتَعَظَّمُوا عن الإيْمانِ به، ﴿ وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ ﴾ ؛ أي لَم يكونوا فَائِتين من عذاب الله.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ﴾ ؛ أي كلَّ هؤلاءِ القوم الذين ذكرنَاهم عاقَبْنَاهم بذنوبهم، ﴿ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً ﴾ ؛ يعني الحجارةَ وهم قومُ لُوطٍ، وَقِيْلَ : الحاصِبُ الريِّحُ التي تأتِي بالْحَصْبَاءِ، وهي الْحَصَى الصِّغار، ﴿ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ ﴾ ؛ وهم قومُ صالح وشُعيب، ﴿ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ ﴾ ؛ يعني قارونَ وأصحابَهُ، ﴿ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا ﴾ ؛ يعني قومَ نوحٍ وفرعونَ، ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾ ؛ بإهلاكهِ إيَّاهم، ﴿ وَلَـاكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ ؛ بالكُفرِ والمعاصِي.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَآءَ ﴾ ؛ يعني الأصنامَ يتَّخذونَها أولياءَ يَرْجَوْنَ نصرَها ونفعَها، ﴿ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً ﴾، وبيتُها لا يُغنِيها عن الحرِّ والبردِ والمطر، كذلكَ آلِهتُهم لا تَرزُقهم شيئاً، ولا تَملِكُ لَهم ضَرّاً ولا نفعاً.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ﴾ أي لاَ بيتَ أضعفَ منهُ مما يتَّخذهُ الهوامُ، ﴿ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ﴾ ؛ إنَّ اتِّخاذهم الأولياءَ سِوَى اللهِ كاتِّخاذِ العنكبوتِ بيتاً في قلَّة النفعِ ما اتَّخذُوهم أولياءَ.
وقولهُ تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ﴾ ؛ قرأ أبو عمرٍو (يَدْعُونَ) بالياءِ لذِكْرِ الأُممِ قبلَها، وقرأ الباقون بالتاء، ومعنى الآيةِ، أنهُ عالِمٌ بما عبدتُموه من دونهِ فهو يُجازيكم على كُفرِكم، ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾.
وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ ﴾ ؛ يعني أمْثَالَ القُرْآنِ، ﴿ نَضْرِبُهَا ﴾، نبيِّنُها، ﴿ لِلنَّاسِ ﴾. قال مقاتلُ :(يَعْنِي لِكُفَّار مَكَّةَ) ﴿ وَمَا يَعْقِلُهَآ ﴾ ؛ الأمثالُ، ﴿ إِلاَّ الْعَالِمُونَ ﴾ ؛ أي العلماءُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾ ؛ أي للحَقِّ واظهرَ الحقَّ خلْقَها، ﴿ إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ ؛ أي لدلالةً على قُدرةِ الله وتوحيدهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ اتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ ﴾ ؛ أي إقْرَأ عليهم يا مُحَمَّدُ ما أُنْزِلَ عليكَ مِن القُرْآنِ، وأقِمِ الصَّلواتِ الخمسِ في مواقِيتِها بشرائطِها وسُنَنِها.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ ؛ وذلكَ أنَّ في الصَّلاةِ تكبيراً وتَسْبيحاً وقراءةً ووُقوفاً للعبادةِ على وجهِ الذُّلِّ والخشُوعِ، وكلُّ ذلك يدعُو إلى شَكلِهِ ويصرفُ عن ضدِّهِ وهي الآمرُ والنَّاهي بالقولِ. والفَحْشَاءُ : ما قَبُحَ من العملِ، والْمُنْكَرُ : ما لا يعرَفُ في شريعةٍ ولا سُنَّةٍ.
قال ابنُ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا :(فِي الصَّلاَةِ مُنْتَهًى وَمُزْدَجَرٌ عَنْ مَعَاصِي اللهِ) (فَمَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلاَتُهُ عَنِ الْمَعَاصِي لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللهِ إلاَّ بُعداً)، وعن أنسٍ رضي الله عنه قالَ : قال رسولُ اللهِ ﷺ :" مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلاَتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللهِ إلاَّ بُعْداً ".
وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ ؛ أي ولَذِكْرُ اللهِ إيَّاكم بالتوفيقِ والمغفرةِ والثواب أكْبَرُ من ذِكْرِكم إياهُ بالطاعةِ، وَقِيْلَ : ذِكْرُ اللهِ في المنعِ من الفحشاءِ والمنكرِ أكبرُ مِن الصَّلاة، ويجوزُ أن يكون أكبر في معنى الكِبَرِ في الجزاءِ والثَّواب، كما قال عَزَّ وَجَلَّ :﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾[البقرة : ٤٥].
قالتِ الحكماءُ : ذِكْرُ اللهِ للعبدِ أكبرُ من ذكرِ العبد للهِ ؛ لأنَّ ذِكْرَ اللهِ للعبدِ على حدِّ الاستغناءِ، وذِكرُ العبدِ إياه على حدِّ الافتقار، ولأنَّ ذِكْرَ العبدِ يجَرِّ نَفْعٍ أو دَفْعَ ضُرِّ، وذِكرُ اللهِ للعبدِ للفَضْلِ والكَرَمِ، ولأنَّ ذكرَ العبدِ مخلوقٌ، وذكرَ اللهِ غيرُ مخلوقٍ.
وقال ﷺ فِي قولهِ تعالى ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ :" أيْ ذِكْرُ اللهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ أحْسَنُ وَأَفْضَلُ، وَالذِّكْرُ أنْ تَذْكُرَهُ عِنْدَ مَا حَرَّمَ، فَتَدَعُ مَا حَرَّمَ، وَعِنْدَمَا أحَلَّ فَتَأْخُذُ مَا أَحََلَّ " وقال ﷺ :" مَنْ أحَبَّ أنْ يَرْتَعَ فِي ريَاضِ الْجَنَّةِ فَلْيُكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ".
وقال أبُو الدَّردَاءِ رضي الله عنه :(ألاَ أُخْبرُكُمْ بخَيْرِ أعْمَالِكُمْ وَأحَبهَا إلَى مَلِيْكِكُمْ وَأَتَمِّهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أنْ تَغْزُوا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُواْ رقَابَهُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إعْطَاءِ الدَّنَانِيْرِ وَالدَّرَاهِمِ؟) قَالُواْ : وَمَا هُوَ؟! قَالَ :(ذِكْرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى :﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾.
وقال معاذُ بنُ جَبَلٍ :" سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ أيُّ الأَعْمَالِ أحَبُّ إلَى اللهِ تَعَالَى ؟ قَالَ :" أنْ تَمُوتَ وَلِسَانُكَ رَطِبٌ مِنْ ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " وقال ﷺ :" مَا مِنْ قَوْمٍ جَلَسُواْ فِي مَجْلِسٍ يَذْكُرُونَ اللهَ فِيْهِ ؛ إلاَّ حَفَّتْ بهِمُ الْمَلاَئِكَةُ ؛ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ ؛ وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيْمَنْ عِنْدَهُ ".
ورُويَ أنَّ رجُلاً أعتقَ أربَعَ رقابٍ، وآخَرَ قالَ : سُبْحَانَ اللهِ ؛ وَالْحَمْدُ للهِ ؛ وَلاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ ؛ وَاللهُ أكْبَرُ، ثُم إنَّ الذي لَم يعتِقْ سألَ حبيبَ سرّاً وفي أصحابه فقالَ : ما تقولونَ فيمَن أعتقَ أربعَ رقابٍ وأنَا قُلْتُ : سُبْحَانَ اللهِ ؛ وَالْحَمْدُ للهِ ؛ وَلاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ ؛ وَاللهُ أكْبَرُ، فأيُّهما أفضلُ ؟ فنظَرُوا هُنَيْهَةً وقالوا : ما نعلمُ شيئاً أفضلَ مِن ذكرِ الله.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ ؛ أي ما تعملونَ من الخيرِ والشرِّ، لا يخفَى عليه شيءٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلاَ تُجَادِلُواْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ ؛ أي لا تُخاصِمُوا أهلَ الكتاب إلاّ بالطريقةِ التي هي أحسنُ، وهي أن تَعِظُوهم بالقُرْآنِ على وجهِ النُّصحِ لَهم والاستمالةِ إلى دِين الإسلامِ وتعظيمِ الله تعالى وطلب ثوابه، ﴿ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ ﴾ ؛ أي إلاَّ مَن ظَلَمَ من أهلِ الكتاب فمَنَعَ الجزيةَ أو نَقَضَ العهدَ، وعادَ حَرْباً لكم، فجادِِلُوهم باللِّسان والسَِّنَانِ، وأغْلِظُوا عليهم حتى يُسلِِمُوا، ﴿ وَقُولُواْ ﴾ ؛ لِمن قَبلَ الجزيةَ منهم إذا أخبَرُوكم بشيءٍ من كُتبهم :﴿ آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ ﴾ ؛ أي آمَنَّا بالقُرْآنِ والتوراةِ والإنجيل والزبور، ﴿ وَإِلَـاهُنَا وَإِلَـاهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ ؛ أي مُخلِصُونَ بالعبادةِ والتوحيد، وهذه صفةُ الْمُجادَلةِ الحسَنةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ ﴾ ؛ أنزلنا إليكَ يا مُحَمَّدُ القُرْآنَ كما أنزَلْنَا إليهم الكُتبَ، ﴿ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ أي الذين أكْرَمْنَاهم بعلمِ التَّوراة وهم عبدُاللهِ بن سلام وأصحابهُ يؤمنونَ بالقُرْآنِ بدلالةِ التَّوراةِ. وقولهُ :﴿ وَمِنْ هَـاؤُلاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ ﴾ ؛ أرادَ به من كُفَّارِ مكَّةَ من يؤمنَ به، يعني يُسْلِمُ منهم.
وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ الْكَافِرونَ ﴾ ؛ أي مَا يجحدُ بمُحَمَّدٍ ﷺ وبالقُرْآنِ بعدَ المعرفةِ إلاَّ الكافرونَ من اليهودِ، وذلك أنَّهم عَرَفُوا أنَّ مُحَمَّداً نَبيٌّ والقُرْآنَ حَقٌّ فجَحَدوا وأنكَرُوا.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ ﴾ ؛ أي ما كُنْتَ يا مُحَمَّدُ تقرأُ مِن قبلِ القرْآنِ ﴿ مِن كِتَابٍ ﴾ أي ما كُنتَ قَارئاً قبلَ الوحي ولا كَاتِباً، وقولهُ :﴿ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ ؛ ولا تكتبهُ بيمِينِكَ، ولو كُنْتَ تقرأهُ وتكتبُ لوجدَ الْمُبْطِلُونَ طريقاً إلى التَّشكيكِ في أمرِكَ والارتياب في نُبوَّتكَ، ويقولون إنهُ يقرأهُ من الكُتُب الماضيةِ، فلمَّا كان مَعْلُوماً عندَهم أنه عليه السَّلامُ كان لا يقرأُ ولا يكتبُ، ثُم أتَى بالْقُرْآنِ الذي عَجَزُوا عنِ الإتيان بسورةٍ مثله، دلَّهُم ذلك على أنه مِن عند اللهِ، ولأنَّهُ كانت صفتهُ في التَّوراةِ والإنجيل : أُمِّيٌّ لا يقرأُ ولا يكتبُ، ولو كُنْتَ قارئاً كاتباً لشَكَّ اليهودُ فيكَ، وقالوا : إنَّ الذي نجدهُ في التوراةِ أُمِّيٌّ لا يقرأُ ولا يكتبُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ ﴾ ؛ قال الحسنُ :(يَعْنِي الْقُرْآنَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُور الَّّذِيْنَ أُوتُواْ الْعِلْمَ يَعْنِي الْمُؤْمِنِيْنَ الَّذِيْنَ حَمَلُواْ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ ﷺ وَحَمَلُوهُ بَعْدُ).
وقال مقاتلُ :﴿ بَلْ هُوَ ﴾ يَعْنِي مُحَمَّداً ﷺ ﴿ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ ﴾ أي ذُو آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فِي صُدُور أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أهْلِ الْكِتَاب ؛ لأنَّهُمْ يَجِدُونَهُ بنَعْتِهِ وَصِفَتِهِ). ﴿ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ الظَّالِمُونَ ﴾، يعني كفار اليهود.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ ﴾ ؛ أي قالَ كُفَّارُ مكَّة : هَلاَّ أُنْزِلَ على مُحَمَّدٍ آيَةٌ من ربهِ كما كانت الأنبياءُ تَجيءُ بها إلى قومِهم، أرادوا بها الآياتِ التي كانوا يقتَرِحُونَها عليهِ مِن قولِهم :﴿ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعاً ﴾[الإسراء : ٩٠] الآية.
قرأ ابنُ كثيرٍ وحمزة والكسائيُّ وخلف :(آيَةٌ) على التوحيدِ، وقرأ الباقونَ بالجمعِ.
وقولهُ تعالى :﴿ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ ﴾ أي في حُكْمِ اللهِ إنْ شاءَ أنزلَها، ﴿ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ ؛ أي رسولٌ مُخَوِّفٌ لكم بلُغَةٍ تعرِفونَها، وليس إنزالُ الآياتِ بيدهِ.
وقولهُ :﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ﴾ ؛ معناهُ : أوَلَمْ يكن لَهم كفايةً في معرفةِ نُبوءَتِكَ أنَّا أنْزَلْنَا علَيْكَ القُرْآنَ الذي تقرأهُ عليهم بلُغَتهم مما فيه أخبارُ الأُممِ الماضيةِ مع عجزِهم عن الإتيانِ بحديثٍ مثلهِ، ﴿ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً ﴾ ؛ أي في إنْزَالِ القُرْآنِ لَرَحْمَةً لِمن آمَنَ به وعَمِلَ بما فيهِ، ﴿ وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾، أي وذكرى وموعظة لهم.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً ﴾ ؛ أي قُل لَهم يا مُحَمَّدُ : كَفَى اللهُ شَهيداً بأنِّي رسولٌ إليكم، ﴿ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾. وقولهُ تعالى :﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُواْ بِاللَّهِ ﴾ ؛ أي صدَّقُوا بالأصنامِ وجَحَدوا وحدَانيَّةَ اللهِ، ﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ ؛ بالعقوبةِ وفَوْتِ الْمَثُوبَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ ﴾ ؛ أي يستعجِلُكَ كفارُ مكَّة بالعذاب قبلَ وقتهِ استهزاءً وتَكذيباً منهم بذلكَ، ﴿ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ الْعَذَابُ ﴾ ؛ أي لَولاَ أنَّ الله جعلَ لعذابهِ أجَلاً مسمَّى قد سَمَّاهُ وهو يومُ القيامةِ. وقيل يعنِي مدَّة أعمارهم ؛ لأنَّهم إذا ماتُوا صارُوا إلى العذاب لعَجَّلَ لَهم العذابَ في الحالِ، ﴿ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ ؛ بإتيانهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ﴾ ؛ فيه تَعْجِيْبٌ باستعجَالِهم مع أنَّ جهنَّمَ محيطةٌ بهم في الآخرةِ، جامعةٌ لَهم، ﴿ يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾ ؛ فلاَ يبقَى جزءٌ منهم إلاَّ وهو مُعَذبٌ في النار جزاءً، ويقالُ لهم :﴿ وَيِقُولُ ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾.
قرأ الكوفِيُّون ونافع :(وَيَقُولُ) بالياء، يعني الموَكَّلُ بعذابهم يقولُ لَهم ذلكَ، وقرأ الباقون بالنُّونِ ؛ لأنه لَمَّا كان بأمرهِ سُبْحَانَهُ جازَ أن يُنسَبَ إليهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ياعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ﴾ ؛ قالَ مقاتلُ :(نَزَلَتْ فِي ضُعَفَاءِ مُسْلِمِي مَكَّةَ، تَقُولُ : إنْ كُنْتُمْ فِي ضِيْقٍ بمَكَّةَ مِنْ إظْهَار الإيْمَانِ) فَاخْرُجُواْ مِنْهَا وَأُمِرُوا بالْهِجْرَةِ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي لاَ يُمْكِنُهُمْ فِيْهِ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ، وَكَذلِكَ يَجِبُ عَلَى كُلِّ بَلَدٍ، مَنْ كَانَ فِي بَلَدٍ فَعُمِلَ فِيْهَا بالْمَعَاصِي، وَلاَ يُمْكِنُهُ تَغْييْرُ ذلِكَ أنْ يُهَاجِرَ إلَى حَيْثُ يَتَهَيَّأُ لَهُ أنْ يَعْبُدَ اللهَ حَقَّ عِبَادَتِهِ.
ثُم خوَّفَهم بالموتِ لتَهُونَ عليهم الهجرةُ ؛ فقالَ :﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ ؛ أي كُلُّ أحدٍ مَيِّتٌ أينَما كانَ، فلا تُقِيمُوا بدار الشِّرك خوفاً من الموتِ، ﴿ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾، بعدَ الموتِ فيجزِيَكم بأعمَالِكم. وقال سعيدُ بن جبير :(مَعْنَى الآيَةِ : إذا عُمِلَ فِي أرْضٍ بالْمَعَاصِي فَاخْرُجُواْ مِنْهَا، فَإنَّ أرْضِي وَاسِعَةٌ)، وقال عطاءُ :(إذا أُمِرْتُمْ بالْمَعَاصِي فَاهْرُبُواْ مِنْهَا، فَإنَّ أرْضَ اللهِ وَاسِعَةٌ)، وقال مجاهدُ :(إنَّ أرْضِي وَاسِعَةٌ فَهَاجِرُواْ وَجَاهِدُواْ).
وقال الكلبيُّ :(نَزَلَتْ فِي الْمُسْتَضْعَفِيْنَ مِنَ الْمُؤْمِنِيْنَ الَّذِيْنَ كَانُواْ بمَكَّةَ لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى إظْهَار الإيْمَانِ وَعِبَادَةِ الرَّحْمَنِ، فَحَثَّهُمْ عَلَى الْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِيْنَةِ، فَشُقَّ عَلَيْهِمْ وَقَالُواْ : كَيْفَ يَكُونُ حَالُنَا إذا انْتَقَلْنَا إلَى دَار الْغُرْبَةِ وَلَيْسَ بهَا أحَدٌ يَعْرِفُنَا فَيُوَاسِيْنَا، وَلاَ نَعْرِفُ وُجُوهَ الاكْتِسَاب فِيْهَا، فَقَطَعَ اللهُ عُذْرَهُمْ بهَذِهِ الآيَاتِ).
ومعناها : إنَّ أرضِي واسعةٌ آمِنَةٌ، وَقِيْلَ :﴿ وَاسِعَةٌ ﴾ أي رزْقِي لكم واسعٌ، فاخرجُوا من هذه الأرضِ التي أنتم فيها. وعن الحسنِ قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ :" مَنْ فَرَّ بدِيْنِهِ مِنْ أرْضٍ إلَى أرْضٍ وَإنْ كَانَ شِبْراً مِنَ الأَرْضِ اسْتَوْجَبَ الْجَنَّةَ، وَكَانَ رَفِيْقَ إبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ ".
ثُم ذكرَ ثوابَ مَن هاجرَ، فقال :﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ﴾ ؛ يعني الْمُهَاجِرِيْنَ، ﴿ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفَاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ﴾ ؛ قال ابنُ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عََنْهُمَا :(لَنُسْكِنَنَّهُمْ غُرْفَ الدُّرَّةِ وَالزُّبُرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ، وَلَنُنْزِلَنَّهُمْ قُصُورَ الْجَنَّةِ)، وقرأ حمزةُ والكسائيُّ :(لَنُثْوِيَنَّهُمْ) يقالُ : ثَوَى الرجلُ إذا أقامَ، وأثْوَيْتُهُ إذا أنزلتهُ منْزِلاً يقيمُ فيهِ، والمعنى : والذينَ آمَنُوا لنُنْزِلنَّهُمْ من الجنَّة غُرَفاً عَوالِي تَجرِي من تحتِ قصورها وأشجارها الأنَهارَ، ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ ؛ للهِ.
ثُم وصَفَهم فقالَ :﴿ الَّذِينَ صَبَرُواْ ﴾ ؛ أي على دِينِهم فلم يتركوهُ لشدَّةِ لَحِقَتهُمْ، ﴿ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ ؛ قال ابنُ عبَّاس :(وَذلِكَ أنَّ الْمُهَاجِرِيْنَ تَوَكَّلُواْ عَلَى اللهِ وَتَرَكُواْ دُورَهُمْ وَأمْوَالَهُمْ). وَقِيْلَ : معناهُ :﴿ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ في أرزاقِهم وجهادِ أعدائهم ومهمَّات أُمورهم.
قال مقاتلُ :(إنَّ أحَدَهُمْ كَانَ يَقُولُ بمَكَّةَ : كَيْفَ أُهَاجِرُ إلَى الْمَدِيْنَةِ وَلَيْسَ لِي بهَا مَالٌ وَلاَ مَعِيْشَةٌ). فقالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا ﴾ ؛ أي وَكَمْ من دابَّةٍ في الأرضِ ؛ وهي كلُّ حيوان يدبُّ على الأرضِ مما يعقل ومما لا يعقلُ.
والمعنى : كَم مِن نفسٍ دابَّةٍ لا تحملُ رزقَها ؛ أي لا ترفعُ رزقَها معها ولا تَدَّخِرُ شيئاً لِغَدٍ، ﴿ اللَّهُ يَرْزُقُهَا ﴾ ؛ حيثُ توجَّهت، ﴿ وَإِيَّاكُمْ ﴾ ؛ يرزقُكم إن أُخرِجتُم إلى المدينةِ، وإنْ لَم يكن لكم زادٌ ولا نفقةٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾ ؛ يعني لَئِنْ سألتَ مُشِركي مكَّة : مَنْ خَلَقَ السَّمَواتِ، ﴿ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ ؛ أي يُصْرَفونَ عن عبادةِ الله الذي هذه صفتهُ إلى عبادةِ جَماداتٍ لا تنفعُ ولا تضرُّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ﴾ ؛ أي يبسطُ الرِّزقَ على قومٍ، ويُضَيِّقُ على قومٍ، يفعلُ ذلك عن عِلْمٍ وحكمةٍ، لا عن غَلَطٍ وخطأ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾ ؛ يعني كفَّارَ مكَّة أيضاً، ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ ؛ أي الحمدُ للهِ على إقرارهم ؛ لأن ذلكَ يُلْزِمُهُمْ الْحُجَّةَ، ويوجبُ عليهم التوحيدَ. وَقِيْلَ : معناهُ : الحمدُ للهِ على هذه النِّعَمِ، وعلى ما تَفَضَّلَ به جَلَّ ذِكْرُهُ من الإنعَامِ على العبادِ، ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ ؛ بتوحيدِ ربهِم مع إقرارهم بأنه خَلَقَ السَّمواتِ والأرضَ وأنزلَ المطرَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَا هَـاذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ ﴾ أي باطلٌ وغُرُورٌ وعَبَثٌ تنقضِي عن قريبٍ بسرعةٍ، ﴿ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ﴾ ؛ يعني الْجَنَّةَ هي الْحَيَوَانُ ؛ أي الحياةُ والدَّوامُ والبقاءُ الذي لا نَفَاذَ له، والْحَيَوَانُ والحياةُ وأحدٌ. وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ﴾ ؛ أي لو كانوا يَعْلَمُونَ الفرقَ بين الحياةِ الدَّائمةِ والحياة الفَانِيَةِ لرَغِبُوا في الباقِي الدائمِ عن الفانِي الزَّائلِ، ولكنَّهم لا يعلمونَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الْفُلْكِ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ ؛ يعني المشرِكينَ إذا رَكِبُوا في السَّفينةِ وهَاجَتِ الرياحُ واضطربَتِ الأمواجُ، وخَافُوا الغرقَ والهلاكَ، ﴿ عَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ أي دَعَوُا اللهَ مُُفْرِدِيْنَ بالدُّعاءِ، وتَرَكُوا شُركاءَهم وأصنامَهم فلا يدعُونَهم لإنجائِهم، ﴿ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ ﴾ ؛ أي فلمَّا خَلَّصَهُمْ من تلك الأهوالِ، وأخرجَهم إلى البرِّ ؛ ﴿ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ ﴾ ؛ أي عَادُوا إلى شُركائِهم لكي يَكْفُرُوا بما أعطينَاهُم، ﴿ وَلِيَتَمَتَّعُواْ ﴾ ؛ فِي كُفرِهم، ﴿ فَسَوْفَ يَعلَمُونَ ﴾ ؛ جزاءَ فِعْلَتِهِمْ. قال عكرمةُ :(كَانَ أهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إذا رَكِبُواْ فِي الْبَحْرِ حَمَلُواْ مَعَهُمْ الأَصْنَامَ، فَإذا اشْتَدَّتْ بهِمْ الرِّيْحُ ألْقَواْ تِلْكَ الأَصْنَامَ فِي الْبَحْرِ، وَصَاحُواْ : يَا اللهَ يَا اللهَ).
وَقِيْلَ : إنَّ (اللام) في قوله (لِيَكْفُرُوا) لامُ الأمرِ، ومعناها : التهديدُ والوعيدُ، كقولهِ﴿ اعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ ﴾[فصلت : ٤٠]﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ﴾[الإسراء : ٦٤]، وكذلك عَقَّبَهُ بقولهِ، ﴿ فَسَوْفَ يَعلَمُونَ ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ﴾ أي ألَم يَرَ كفارُ مكَّة ﴿ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً ﴾ يعني مكَّة، ويُسْلَبُ الناسُ من حولِهم فيقتلونَ ويُؤسَرُونَ وتؤخذًُ أموالُهم، وأهلُ مكَّة آمِنُونَ من ذلكَ، ﴿ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ ﴾ ؛ أي فيقرُّون ويصدِّقون بالباطلِ وهي الأصنامُ بعد قيامِ الْحُجَّةِ، ﴿ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ﴾ ؛ أي بمُحَمَّدٍ والإسلامِ يَجْحَدُونَ. والتَّخَطُّفُ : هو تناولُ الشيءِ بسُرعَةٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ﴾ ؛ أي لا أجدُ أظْلَمَ مِمَّن زعمَ أنَّ للهِ شريكاً، ﴿ أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُ ﴾ ؛ يعني مُحَمَّداً والقُرْآن، ﴿ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ ﴾ ؛ أي أمَا لِهذا الكافرٍِ المكذِّب مأوًى في جهنَّم، وهو استفهامٌ، ومعناهُ : التقريرُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ ؛ أي الذين جَاهَدُوا الكفارَ لابتغاءِ مَرْضَاتِنَا لنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا إلَى الجنَّة ؛ أي لنُوفِّقَنَّهُمْ لإصابةِ الطريقِ المستقيمة. وَقِيْلَ : معناهُ : والذين قًاتَلُوا لأجْلِنَا أعدَاءَنا لنَهْدِيَنَّهُمْ سبيلَ الشَّهادةِ والمغفرةِ.
وقال الفُضَيْلُ :(مَعْنَاهُ : وَالَّذِيْنَ جَاهَدُواْ فِيْنَا فِي طَلَب الْعِلْمِ بالْعَمَلِ بهِ)، وقال أبو سُليمان الدَّارَانِيُّ :(مَعْنَاهُ : الَّذِيْنَ يَعْمَلُون بمَا يَعْلَمُونَ يَهْدِيهِمْ اللهُ إلَى مَا لاَ يَعْلَمُونَ). وعنِ ابنِ عبَّاس :(أنَّ مَعْنَاهُ : وَالَّذِيْنَ جَاهَدُواْ فِي طَاعَتِنَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَ ثَوَابنَا).
وَقِيْلَ : معناهُ : والذينَ جاهَدُوا بالصَّبرِ على المصائب والنَّوائب لنهدينهم سُبُلَ الوصُولِ للمواهب. وََقِيْلَ : والذين جَاهَدُوا بالثَّباتِ على الإيْمَانِ لنَهْدِيَنَّهُمْ دُخولَ الجنانِ. وقال سَهْلُ بن عبدِالله :(وَالَّذِيْنَ جَاهَدُواْ فِي إقَامَةِ السُّنَّةِ لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَ دُخُولِ الْجَنَّةِ). قََوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ ؛ أي مَنَّ بالنَّصرِ على أعدائِهم، والمعونةِ في دُنياهم والثواب والمغفرة في عُقبَاهم.
وعن رسولِ اللهِ ﷺ أنه قال :" مَنْ قَرَأ سُورَةَ الْعَنْكَبُوتِ كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ عَشْرُ حَسَنَاتٍ بعَدَدِ الْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُنَافِقِيْنَ ".
Icon