تفسير سورة العنكبوت

تفسير البغوي
تفسير سورة سورة العنكبوت من كتاب معالم التنزيل المعروف بـتفسير البغوي .
لمؤلفه البغوي . المتوفي سنة 516 هـ

تفسير سورة العنكبوت
[مكية وهي تسع وستون آية] [١]
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (٣) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ مَا يَحْكُمُونَ (٤)
مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥)
الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ، أَظَنَّ النَّاسُ، أَنْ يُتْرَكُوا بِغَيْرِ اخْتِبَارٍ وَلَا ابْتِلَاءٍ، أَنْ يَقُولُوا، أَيْ بِأَنْ يَقُولُوا، آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، لَا يُبْتَلَوْنَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ كلا لنختبرنهم ليتبين الْمُخَلِصَ مِنَ الْمُنَافِقِ وَالصَّادِقَ مِنَ الْكَاذِبِ، وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي أُنَاسٍ كَانُوا بِمَكَّةَ قَدْ أقروا بالإسلام فكتب إليهم أصحا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْكُمْ إِقْرَارٌ بِالْإِسْلَامِ حَتَّى تُهَاجِرُوا فَخَرَجُوا عامدين إلى المدينة فتبعهم الْمُشْرِكُونَ فَقَاتَلُوهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ وَمِنْهُمْ مَنْ نَجَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ هاتين الآيتين [٢].
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما [قال] [٣] : وأراد الناس الَّذِينَ آمَنُوا بِمَكَّةَ سَلَمَةَ بْنَ هشام وعياش بْنِ [أَبِي] [٤] رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَغَيْرَهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: نَزَلَتْ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ كَانَ يُعَذَّبُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
«١٦١٩» وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي مِهْجَعِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى عُمَرَ كَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بدر،
١٦١٩- خبر واه، والمتن منكر.
علقه المصنف هاهنا عن مقاتل وسنده إليه في أول الكتاب، ومقاتل روى مناكير، وقد تفرد به فهو لا شيء، بل هو من مناكيره.
- وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٦٦٧ عن مقاتل بدون إسناد.
(١) زيد في المطبوع.
(٢) أخرجه الطبر ٢٧٦٩٣ عن عامر الشعبي مرسلا، فهو ضعيف، وذكره الواحدي في «الأسباب» ٦٦٦ عن الشعبي بدون إسناد.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ مِهْجَعٌ» [١]، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَجَزِعَ أَبَوَاهُ وَامْرَأَتُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقِيلَ: وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، بِالْأَوَامِرِ، وَالنَّوَاهِي، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُمْ فِي الِابْتِدَاءِ بِمُجَرَّدِ الْإِيمَانِ ثُمَّ فَرَضَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَسَائِرَ الشَّرَائِعِ فَشَقَّ عَلَى بَعْضِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، ثُمَّ عَزَّاهُمْ فَقَالَ:
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، يَعْنِي الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُؤْمِنِينَ فَمِنْهُمْ مَنْ نُشِرَ بالمنشار ومنهم منقتل، وَابْتُلِيَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِفِرْعَوْنَ فَكَانَ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ، فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا، فِي قَوْلِهِمْ آمَنَّا، وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ، والله عالم بِهِمْ قَبْلَ الِاخْتِبَارِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: وليظهرنّ اللَّهُ الصَّادِقِينَ مِنَ الْكَاذِبِينَ حَتَّى يوجد معلومه [الذي في أزله] [٢]، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: فَلَيَرَيَنَّ اللَّهُ. وَقِيلَ: ليميّز اللَّهُ كَقَوْلِهِ: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [الْأَنْفَالِ: ٣٧].
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ، يَعْنِي الشِّرْكَ، أَنْ يَسْبِقُونا، يُعْجِزُونَا وَيَفُوتُونَا فَلَا نَقْدِرُ عَلَى الِانْتِقَامِ مِنْهُمْ، ساءَ مَا يَحْكُمُونَ، أَيْ بِئْسَ مَا حَكَمُوا حِينَ ظَنُّوا ذَلِكَ.
مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، وَمُقَاتِلٌ: مَنْ كَانَ يَخْشَى الْبَعْثَ وَالْحِسَابَ، وَالرَّجَاءُ بِمَعْنَى الْخَوْفِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ كَانَ يَطْمَعُ فِي ثَوَابِ اللَّهِ، فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ، يَعْنِي مَا وَعَدَ اللَّهُ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَكَائِنٌ.
وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ مَنْ يَخْشَى اللَّهَ أَوْ يَأْمُلُهُ فَلْيَسْتَعِدَّ لَهُ وَلْيَعْمَلْ لِذَلِكَ الْيَوْمِ، كَمَا قَالَ: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً [الكهف: ١١٠] الآية، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٦ الى ٨]
وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٧) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨)
وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ، لَهُ ثَوَابُهُ، وَالْجِهَادُ هُوَ الصَّبْرُ عَلَى الشِّدَّةِ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الْحَرْبِ وَقَدْ يَكُونُ عَلَى مُخَالَفَةِ النَّفْسِ. إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ، عَنْ أَعْمَالِهِمْ وَعِبَادَاتِهِمْ.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ، لَنُبْطِلَنَّهَا، يَعْنِي حَتَّى تَصِيرَ بمنزلة ما لم يفعل، فالتكفر إِذْهَابُ السَّيِّئَةِ بِالْحَسَنَةِ، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ، أَيْ بِأَحْسَنِ أَعْمَالِهِمْ وَهُوَ الطَّاعَةُ، وَقِيلَ: نُعْطِيهِمْ أَكْثَرَ مِمَّا عَمِلُوا وَأَحْسَنَ، كَمَا قَالَ: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها [الْأَنْعَامِ: ١٦٠].
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً أَيْ بِرًّا بِهِمَا وَعَطْفًا عَلَيْهِمَا، وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ أَنْ يَفْعَلَ بِوَالِدَيْهِ ما يحسن.
(١) زيد في المطبوع وحده «بن عبد الله».
(٢) زيادة عن المخطوط.
«١٦٢٠» نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَالَّتِي فِي سورة لقمان [١٤] والأحزاب [٧٢] في سعيد بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ [أَبُو] إِسْحَاقَ الزُّهْرِيُّ وَأُمُّهُ حَمْنَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ لَمَّا أَسْلَمَ، وَكَانَ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ وَكَانَ بَارًّا بِأُمِّهِ قَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي أَحْدَثْتَ وَاللَّهِ لَا آكُلُ وَلَا أَشْرَبُ حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى مَا كُنْتَ عَلَيْهِ أَوْ أَمُوتَ فَتُعَيَّرَ بِذَلِكَ أبد الدهر، فيقال: يَا قَاتِلَ أُمِّهِ، ثُمَّ إِنَّهَا مَكَثَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَمْ تَأْكُلْ وَلَمْ تَشْرَبْ وَلَمْ تَسْتَظِلَّ فَأَصْبَحَتْ وقد جَهَدَتْ ثُمَّ مَكَثَتْ يَوْمًا آخَرَ وَلَيْلَةً لَمْ تَأْكُلْ وَلَمْ تَشْرَبْ، فَجَاءَ سَعْدٌ إِلَيْهَا وَقَالَ: يَا أُمَّاهُ لَوْ كَانَتْ لَكِ مِائَةُ نَفْسٍ فَخَرَجَتْ نَفْسًا نَفْسًا مَا تركت ديني فلي وَإِنْ شِئْتِ فَلَا تَأْكُلِي، فَلَمَّا أَيِسَتْ مِنْهُ أَكَلَتْ وَشَرِبَتْ، فَأَنْزَلَ الّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَأَمَرَهُ بِالْبِرِّ بِوَالِدَيْهِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا وَأَنْ لَا تعطهما فِي الشِّرْكِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما.
«١٦٢١» وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الخالق» [١] ثُمَّ أَوْعَدَ بِالْمَصِيرِ إِلَيْهِ فَقَالَ: إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، أُخْبِرُكُمْ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ وَسَيِّئِهَا فأجازيكم عليها.
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٩ الى ١٣]
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (٩) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (١٠) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ (١١) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٢) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ، في زمة الصَّالِحِينَ وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْأَوْلِيَاءُ، وَقِيلَ: فِي مَدْخَلِ الصَّالِحِينَ، وَهُوَ الْجَنَّةُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ، أَصَابَهُ بَلَاءٌ مِنَ الناس افتتن، جَعَلَ
١٦٢٠- أخرجه الواحدي في «الوسيط» ٣/ ٤١٤ من طريق مسلمة بن علقمة عن داود بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي عثمان النهدي أن سعد بن مالك قل: نزلت في هذه الآية وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ قَالَ: كنت رجلا برا بأمي فلما أسلمت قالت: يا سعد ما هذا الدين الذي قد أحدثت؟ لتدعن دينك هذا أو لَا آكُلُ وَلَا أَشْرَبُ حَتَّى أموت فتعيّر بي فيقال: يا قاتل أمه....» فذكره بتمامه.
- وأخرجه مسلم ص ١٨٧٧ ح ١٧٤٨ والترمذي ٣١٨٩ وأبو يعلى ٧٨٢ من حديث سعد قال: «حلفت أم سعد أن لا تكلمه أبدا حتى يكفر بدينه، ولا تأكل، ولا تشرب قالت: زعمت أن الله وصالك بوالديك، وأنا أمك آمرك بهذا قال:
مكثت ثلاثا حتى غشي عليها من الجهد، فام ابن لها يقال له عمارة، فسقاها فجعلت تدعو على سعد فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي القرآن هذه الآية وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ... »
وله تتمة.
١٦٢١- صحيح. أخرجه أحمد ٤/ ٤٢٦ و٤٣٢ و٤٣٦ وعبد الرزاق ٢٠٧٠٠ والطبراني في «الأوسط» ١٣٧٤ والقضاعي ٨٧٣ من طرق عن عمران بن حصين بألفاظ متقاربة وإسناده صحيح، رجاله ثقات.
- وله شاهد من حديث علي أخرجه البخاري ٧٢٥٧ ومسلم ١٨٤٠ وأبو داود ٢٦٢٥ والنسائي ٧/ ١٠٩ وأحمد ١/ ١٤٩ وابن حبان ٤٥٦٧ وفيه قصة.
- وفي الباب أحاديث كثيرة.
(١) في المخطوط «الله».
فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ، أَيْ جَعَلَ أَذَى النَّاسِ وَعَذَابَهُمْ كَعَذَابِ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ، أَيْ جَزِعَ من أذى [١] النَّاسِ وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَأَطَاعَ النَّاسَ كَمَا يُطِيعُ اللَّهَ مَنْ خاف [٢] [من] [٣] عَذَابَهُ، هَذَا قَوْلُ السُّدِّيِّ وَابْنِ زَيْدٍ، قَالَا هُوَ الْمُنَافِقُ: إِذَا أوذي في الله جع عن الدين فكفر، وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ، أَيْ فَتْحٌ وَدَوْلَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيَقُولُنَّ، يَعْنِي هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ، إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ، عَلَى عَدُوِّكُمْ وَكُنَّا مُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا أُكْرِهْنَا حَتَّى قُلْنَا ما قلنا فكذّبهم الله فقال: أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ، مِنَ الْإِيمَانِ وَالنِّفَاقِ.
وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا، صَدَقُوا فَثَبَتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ عِنْدَ الْبَلَاءِ، وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ، بِتَرْكِ الْإِسْلَامِ عِنْدَ نزول البلاء، وَاخْتَلَفُوا فِي [سَبَبِ] [٤] نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةُ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي ناس كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ فَإِذَا أَصَابَهُمْ بَلَاءٌ مِنَ النَّاسِ أَوْ مُصِيبَةٌ في أنفسهم افتنوا.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ أَخْرَجَهُمُ الْمُشْرِكُونَ معهم إلى بدر، وهم الدين نَزَلَتْ فِيهِمْ: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ [النِّسَاءِ: ٩٧].
وَقَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي الْقَوْمِ الَّذِينَ ردهم المشركون إلى مكة، قال الشعبي: وهذه الْآيَاتُ الْعَشْرُ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى هَاهُنَا مَدَنِيَّةٌ وَبَاقِي السُّورَةِ مَكِّيَّةٌ.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا، قَالَ مُجَاهِدٌ: هذا من قول فار مَكَّةَ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: قَالَهُ أَبُو سُفْيَانَ لِمَنْ آمَنَ مِنْ قُرَيْشٍ اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا دِينَنَا وَمِلَّةَ آبَائِنَا وَنَحْنُ الْكُفَلَاءُ بِكُلِّ تَبِعَةٍ مِنَ اللَّهِ تُصِيبُكُمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ أَوْزَارَكُمْ، قَالَ الْفَرَّاءُ: لَفْظُهُ أَمْرٌ ومعناه خير، مَجَازُهُ: إِنِ اتَّبَعْتُمْ سَبِيلَنَا حَمَلْنَا خَطَايَاكُمْ، كَقَوْلِهِ: فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ [طه: ٣٩]، وَقِيلَ: هُوَ جَزْمٌ عَلَى الْأَمْرِ كَأَنَّهُمْ أَمَرُوا أَنْفُسَهُمْ بِذَلِكَ فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ، أي فِيمَا قَالُوا مِنْ حَمْلِ خَطَايَاهُمْ.
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ، أَوْزَارَ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوهَا بِأَنْفُسِهِمْ، وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ، أَيْ أَوْزَارَ مَنْ أَضَلُّوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ أَوْزَارِهِمْ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ [النمل: ٢٥]. وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ، سؤال توبيخ وتقريع.
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ١٤ الى ١٨]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١٤) فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ (١٥) وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٨)
(١) في المطبوع «عذاب». [.....]
(٢) في المطبوع «يخاف».
(٣) زيدة عن «الوسيط» ٣/ ٤١٤.
(٤) زيادة عن المخطوط.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ، فَغَرِقُوا، وَهُمْ ظالِمُونَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مُشْرِكُونَ.
فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ، يَعْنِي مِنَ الْغَرَقِ، وَجَعَلْناها، يَعْنِي السَّفِينَةَ آيَةً، أَيْ عِبْرَةً، لِلْعالَمِينَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ بَاقِيَةً عَلَى الْجُودِيِّ مُدَّةً مَدِيدَةً. وَقِيلَ: جَعَلْنَا عقوبتهم بالغرق عبرة [لمن بعدهم] [١]. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: بُعِثَ نُوحٌ لِأَرْبَعِينَ سَنَةً وَبَقِيَ فِي قَوْمِهِ يَدْعُوهُمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا وَعَاشَ بَعْدَ الطُّوفَانِ سِتِّينَ سَنَةً حَتَّى كَثُرَ النَّاسُ وَفَشُوا وَكَانَ عُمْرُهُ ألفا وخمسين سنة.
قوله تعالى: وَإِبْراهِيمَ، أَيْ وَأَرْسَلْنَا إِبْرَاهِيمَ، إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ، أطيعوه وَخَافُوهُ، ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً أَصْنَامًا، وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً، تقولون كذبا، قال مقاتل [٢] :
تصنعون أصناما بأيديكم فَتُسَمُّونَهَا آلِهَةً، إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً، لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَرْزُقُوكُمْ، فَابْتَغُوا، فَاطْلُبُوا، عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ، مِثْلَ عَادٍ وَثَمُودَ وَغَيْرِهِمْ فَأُهْلِكُوا، وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ.
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ١٩ الى ٢٤]
أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (١٩) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠) يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (٢١) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٢٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٣)
فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٤)
أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ، كَيْفَ يَخْلُقُهُمُ ابْتِدَاءً نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً ثُمَّ يُعِيدُهُ فِي الْآخِرَةِ عِنْدَ الْبَعْثِ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ.
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ فَانْظُرُوا إِلَى دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ كَيْفَ بَدَأَ خَلْقَهُمْ، ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ، أَيْ ثُمَّ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَهَا يُنْشِئُهَا نَشْأَةً ثَانِيَةً بَعْدَ الْمَوْتِ، فَكَمَا لَمْ يَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ إِحْدَاثُهَا مبدئا لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إِنْشَاؤُهَا مُعِيدًا، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: «النَّشَأَةَ» بِفَتْحِ الشِّينِ مَمْدُودَةً حَيْثُ وَقَعَتْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِسُكُونِ الشِّينِ مَقْصُورَةً نَظِيرُهَا الرَّأْفَةُ وَالرَّآفَةُ، إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ، تردون، تُرَدُّونَ.
وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ، فَإِنْ قِيلَ مَا وَجْهُ قَوْلِهِ: وَلا فِي السَّماءِ وَالْخِطَابُ مَعَ الْآدَمِيِّينَ وَهُمْ لَيْسُوا فِي السَّمَاءِ؟ قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ وَلَا مَنْ فِي السماء بمعجر كقول حسان بن ثابت:
فن يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ مِنْكُمْ وَيَمْدَحُهُ وينصره سواء
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع- ب- «مجاهد».
أَرَادَ مَنْ يَمْدَحُهُ وَمَنْ يَنْصُرُهُ فَأَضْمَرَ مَنْ، يُرِيدُ لَا يُعْجِزُهُ أَهْلُ الْأَرْضِ فِي الْأَرْضِ وَلَا أَهْلُ السَّمَاءِ فِي السَّمَاءِ. وَقَالَ قُطْرُبٌ: مَعْنَاهُ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ لَوْ كُنْتُمْ فِيهَا، كَقَوْلِ الرَّجُلِ [١] [للرجل] [٢] لا يفوتني فلان هننا وَلَا بِالْبَصْرَةِ أَيْ وَلَا بِالْبَصْرَةِ لَوْ كَانَ بِهَا، وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ، أَيْ مِنْ وَلِيٍّ يَمْنَعُكُمْ مِنِّي وَلَا نَصِيْرٍ يَنْصُرُكُمْ مِنْ عَذَابِي.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ بِالْقُرْآنِ وَبِالْبَعْثِ، أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي، جنتي، وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، فَهَذِهِ الْآيَاتُ فِي تَذْكِيرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَتَحْذِيرِهِمْ، وَهِيَ مُعْتَرَضَةٌ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ ثم عاد إلى قصة إبراهيم، فال جَلَّ ذِكْرُهُ:
فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ، وَجَعَلَهَا عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، يصدقون.
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٢٥ الى ٢٩]
وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٥) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٢٨) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٩)
وَقالَ، يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ لِقَوْمِهِ، إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ: «مَوَدَّةُ» رَفْعًا بِلَا تَنْوِينٍ، «بَيْنِكُمْ» خَفْضًا بِالْإِضَافَةِ عَلَى مَعْنَى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا هِيَ مَوَدَّةُ بَيْنِكُمْ، فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، ثم هي تَنْقَطِعُ وَلَا تَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ، وقرأ حمزة وحفص: «مودة» نصبا بغى تَنْوِينٍ عَلَى الْإِضَافَةِ بِوُقُوعِ الِاتِّخَاذِ عليها، وقرأ الباقون «مودة» منصوبة منونة بِالنَّصْبِ، مَعْنَاهُ إِنَّكُمْ [إِنَّمَا] [٣] اتَّخَذْتُمْ هَذِهِ الْأَوْثَانَ مَوَدَّةً بَيْنَكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا تَتَوَارَدُونَ عَلَى عِبَادَتِهَا وَتَتَوَاصَلُونَ عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، تَتَبَرَّأُ الْأَوْثَانُ مِنْ عَابِدِيهَا وَتَتَبَرَّأُ الْقَادَةُ مِنَ الأتباع ويلعن الْأَتْبَاعُ الْقَادَةَ، وَمَأْواكُمُ، جَمِيعًا الْعَابِدُونَ وَالْمَعْبُودُونَ، النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ.
فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ، يَعْنِي صَدَّقُهُ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَ إِبْرَاهِيمَ وَكَانَ ابْنَ أَخِيهِ، وَقالَ يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي، فَهَاجَرَ مِنْ كُوثَى وَهُوَ أول [٤] سَوَادِ الْكُوفَةِ إِلَى حَرَّانَ ثُمَّ إِلَى الشَّامِ، وَمَعَهُ لُوطٌ وَامْرَأَتُهُ سَارَّةُ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ، قَالَ مُقَاتِلٌ: هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
(١) في المطبوع «القائل».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «من».
554
وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ، يُقَالُ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مِنْ نَسْلِهِ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا، وَهُوَ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ فَكُلُّ أَهْلِ الْأَدْيَانِ يَتَوَلَّوْنَهُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ الْوَلَدُ الصَّالِحُ، وَقِيلَ: هُوَ أَنَّهُ رَأَى مَكَانَهُ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ، أَيْ فِي زُمْرَةِ الصَّالِحِينَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلَ آدَمَ وَنُوحٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ: «أَئِنَّكُمْ» بِالِاسْتِفْهَامِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِلَا اسْتِفْهَامٍ، وَاتَّفَقُوا عَلَى اسْتِفْهَامِ الثَّانِيَةِ، لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ، وَهِيَ إِتْيَانُ الرِّجَالِ، مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ.
أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ الْفَاحِشَةَ بِمَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنَ الْمُسَافِرِينَ، فَتَرَكَ النَّاسُ الْمَمَرَّ بِهِمْ، وَقِيلَ: تَقْطَعُونَ سَبِيلَ النَّسْلِ بِإِيثَارِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ، وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ، النَّادِي وَالنَّدَى وَالْمُنْتَدَى مَجْلِسُ الْقَوْمِ وَمُتَحَدَّثُهُمْ.
«١٦٢٢» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سَهْلِ بْنِ محمد المروزي أنا جَدِّي لِأُمِّي أَبُو الْحَسَنِ الْمَحْمُودِيُّ أنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّ بِشْرَ بْنَ مُعَاذٍ حَدَّثَهُمْ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ أَبِي صالح مولى أم هانىء بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أُمِّ هانىء قَالَتْ:
سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ: وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ، قُلْتُ: مَا الْمُنْكَرُ الَّذِي كَانُوا يَأْتُونَهُ؟
قَالَ: «كَانُوا يَحْذِفُونَ أَهْلَ الطُّرُقِ ويسخرون بهم».
وروي أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي مَجَالِسِهِمْ وَعِنْدَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ قَصْعَةٌ فيها حَصًى فَإِذَا مَرَّ بِهِمْ عَابِرُ سَبِيلٍ حَذَفُوهُ فَأَيُّهُمْ أَصَابَهُ كَانَ أَوْلَى بِهِ [١]. وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مَا مَعَهُ وَيَنْكِحُهُ وَيُغَرِّمُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، وَلَهُمْ قَاضٍ بِذَلِكَ، وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: كَانُوا يَتَضَارَطُونَ فِي مَجَالِسِهِمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ يُجَامِعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي مَجَالِسِهِمْ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: كَانَ يَبْزُقُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. وَعَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: ان مِنْ أَخْلَاقِ قَوْمِ لُوطٍ مَضْغُ الْعِلْكِ وَتَطْرِيفُ الْأَصَابِعِ بِالْحِنَّاءِ وَحَلُّ الإزار والصفير والحذف
١٦٢٢- إسناده ضعيف جدا، والمتن منكر.
- إسناده ضعيف جدا، سماك بن حرب تغير حفظه بأخرة لذا ضعفه غير واحد، وأبو صالح ضعفه غير واحد، وتركه آخرون، وهو ضعيف جدا، روى عن ابن عباس تفسير موضوعا.
- أبو صالح اسمه باذام، ويقال: باذان.
- وأخرجه الواحد في «الوسيط» ٣/ ٤١٨ من طريق بشر بن معاذ بهذا الإسناد.
- وأخرجه الطبراني ٢٤/ (١٠٠١) من طريق يزيد بن زريع به.
- وأخرجه الترمذي ٣١٩٠ وأحمد ٦/ ٣٤١ و٤٢٤ والطبري ١٢٧٧٤٣ والحاكم ٢/ ٤٠٩ والطبراني ١٤/ (١٠٠١) وابن أبي الدنيا في «المصت» ٢٨٢ من طرق عن أبي أسامة عن حاتم بن أبي صفيرة به.
- وقال الترمذي: هذا حديث حسن، إنما نعرفه من حديث حاتم عن سماك.
- وأخرجه الطيالسي ١٦١٧ والطبراني ٢٤/ (١٠٠٢) من طريق قيس بن الربيع عن سماك به.
- وأخرجه الطبري ٢٧٧٤٥ والطبراني ٢٤/ (١٠٠٠) من طريق أبو يونس القشيري عن سماك به.
- والخلاصة: الإسناد ضعيف جدا، والمتن منك، فإن المنكر المراد في الآية أعظم من حذف المارة والسخرية منهم، بل يشمل اللوط وغيره.
(١) في المطبوع «بهم».
555
واللوطية، فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ، لَمَّا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ لُوطٌ مَا يَأْتُونَهُ مِنَ الْقَبَائِحِ، إِلَّا أَنْ قالُوا، لَهُ اسْتِهْزَاءً ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ، أَنَّ الْعَذَابَ نَازِلٌ بِنَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ:
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٣٠ الى ٣٦]
قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (٣٠) وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (٣١) قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٢) وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لَا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٣) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٣٤)
وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٣٥) وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦)
قالَ، لُوطٌ، رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ، بِتَحْقِيقِ قَوْلِي فِي الْعَذَابِ.
وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى، مِنَ اللَّهِ بِإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ، يَعْنِي قَوْمَ لُوطٍ، وَالْقَرْيَةُ سَدُومُ، إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ.
قالَ، إبراهيم، إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا، قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ ويعقوب: «لننجيه» بِالتَّخْفِيفِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ، وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ، أَيِ الْبَاقِينَ فِي الْعَذَابِ.
وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً، ظَنَّ أنهم من الإنس، سِيءَ بِهِمْ، [حزن بِهِمْ] [١]، وَضاقَ بِهِمْ، بِمَجِيئِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لَا تَخَفْ، مِنْ قَوْمِكَ عَلَيْنَا، وَلا تَحْزَنْ، بِإِهْلَاكِنَا إِيَّاهُمْ، إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَيَعْقُوبُ: «مُنْجُوكَ» بِالتَّخْفِيفِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّشْدِيدِ.
إِنَّا مُنْزِلُونَ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ بِالتَّشْدِيدِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ، عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً، عَذَابًا، مِنَ السَّماءِ، قَالَ مُقَاتِلٌ: الْخَسْفُ وَالْحَصْبُ، بِما كانُوا يَفْسُقُونَ.
وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها، مِنْ قَرْيَاتِ لُوطٍ، آيَةً بَيِّنَةً، عِبْرَةً ظَاهِرَةً، لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ، يَتَدَبَّرُونَ الْآيَاتِ تَدَبُّرَ ذَوِي الْعُقُولِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الآية البينة هي آثَارُ مَنَازِلِهِمُ الْخَرِبَةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ الْحِجَارَةُ الَّتِي أُهْلِكُوا بِهَا أَبْقَاهَا اللَّهُ حَتَّى أَدْرَكَهَا أَوَائِلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ ظُهُورُ الْمَاءِ الْأَسْوَدِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ.
وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً، أَيْ وَأَرْسَلَنَا إِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا، فَقالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ، أَيْ واخشوا الْيَوْمَ الْآخِرَ، وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ.
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٣٧ الى ٤٠]
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨) وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (٣٩) فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٠)
(١) زيد في المطبوع.
وَعاداً وَثَمُودَ، أَيْ وَأَهْلَكْنَا عَادًا وثمود، وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ، يَا أَهْلَ مَكَّةَ، مِنْ مَساكِنِهِمْ، مَنَازِلِهِمْ بِالْحِجْرِ وَالْيَمَنِ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ [أي] [١] عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ.
قَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ وَقَتَادَةُ: كَانُوا مُعْجَبِينَ فِي دِينِهِمْ وَضَلَالَتِهِمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى هُدًى، وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ مُسْتَبْصِرِينَ، قَالَ الْفَرَّاءُ: كَانُوا عُقَلَاءَ ذَوِي بَصَائِرَ.
وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ، أي وأهلكنا هَؤُلَاءِ، وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ، بِالدَّلَالَاتِ، فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ، أَيْ فَائِتِينَ مِنْ عَذَابِنَا.
فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً، وَهُمْ قَوْمُ لُوطٍ، وَالْحَاصِبُ الرِّيحُ الَّتِي تحمل الحصا وَهِيَ الْحَصَا الصِّغَارُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، يَعْنِي ثَمُودَ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ، يَعْنِي قَارُونَ وَأَصْحَابَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا، يَعْنِي قَوْمَ نُوحٍ وَفِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٤١ الى ٤٥]
مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢) وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ (٤٣) خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٤) اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (٤٥)
مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ، أي الْأَصْنَامَ يَرْجُونَ نَصْرَهَا وَنَفْعَهَا، كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً، لِنَفْسِهَا تَأْوِي إِلَيْهِ، وَإِنَّ بَيْتَهَا فِي غَايَةِ الضَّعْفِ وَالْوَهَاءِ [٢]، لَا يَدْفَعُ عَنْهَا حرا ولا بردا، فكذلك الْأَوْثَانُ لَا تَمْلِكُ لِعَابِدِيهَا نَفْعًا وَلَا ضَرًّا. وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ.
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢)، قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَعَاصِمٌ يَدْعُونَ بِالْيَاءِ لِذِكْرِ الْأُمَمِ قَبْلَهَا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ.
وَتِلْكَ الْأَمْثالُ الْأَشْبَاهُ، وَالْمَثَلُ كَلَامٌ سَائِرٌ يَتَضَمَّنُ تَشْبِيهَ الْآخِرِ بِالْأَوَّلِ يُرِيدُ أَمْثَالَ الْقُرْآنِ الَّتِي شَبَّهَ بِهَا أَحْوَالَ كُفَّارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَحْوَالِ كُفَّارِ الْأُمَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ، نَضْرِبُها، نُبَيِّنُهَا، لِلنَّاسِ، قال [٣] :
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «والوهن». [.....]
(٣) زيد في المطبوع «عطاء».
557
«١٦٢٣» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنِي ابْنُ فنجويه أنا ابن برزة [١] أنا [٢] ابن أبي أسامة أنا داود بن المحبّر أنا عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ (٤٣)، قَالَ: «الْعَالِمُ مَنْ عَقِلَ عَنِ اللَّهِ فعمل بطاعته واجتنب سخطه».
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ، أَيْ لِلْحَقِّ وَإِظْهَارِ الْحَقِّ، إِنَّ فِي ذلِكَ، فِي خَلْقِهَا، لَآيَةً، لَدَلَالَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، عَلَى قُدْرَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ.
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ، يَعْنِي الْقُرْآنَ، وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ، الْفَحْشَاءُ مَا قُبِّحَ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْمُنْكَرُ مَا لَا يُعْرَفُ فِي الشَّرْعِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ:
فِي الصَّلَاةِ مُنْتَهَى وَمُزْدَجَرٌ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ فَمَنْ لَمْ تَأْمُرْهُ صَلَاتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَمْ تَنْهَهُ عَنِ الْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ بِصَلَاتِهِ، مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ فَصَلَاتُهُ وَبَالٌ عَلَيْهِ.
«١٦٢٤» وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ يُصَلِّي الصلوات المس مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لَا يَدَعُ شَيْئًا مِنَ الْفَوَاحِشِ إِلَّا رَكِبَهُ فَوُصِفَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالُهُ فَقَالَ: «إِنَّ صَلَاتَهُ تَنْهَاهُ يَوْمًا» فَلَمْ يَلْبَثْ أن تاب وحسن حاله، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: «أل مأقل لكم إن صلاته تنهاه يوما».
وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى صَاحِبَهَا عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ مَا دَامَ فِيهَا. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالصَّلَاةِ الْقُرْآنَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ [الإسراء: ١١٠] أي بقراءتك. وقيل: أراد أَنَّهُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي الصَّلَاةِ فَالْقُرْآنُ يَنْهَاهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ.
«١٦٢٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [٣] الْمَلِيحِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ البغوي أنا
١٦٢٣- موضوع. إسناد مصنوع، والمتهم به داود بن المحبر.
قال الذهبي في «الميزان» ٢/ ٢٠ بعد أن ذكر كلام العلماء في دادو، وروى عبد الغني بن سعيد عن الدار ققطني قال:
كتاب العقل وضعه ميسرة بن عبد ربه، ثم سرقه منه دادو بن محبر، فركبه بأسانيد غير أسانيد ميسرة، وسرقه عبد العزيز بن أبي رجاء.....
- وأخرجه الحارث بن أبي أسامة في «مسنده» كما في «المطالب العالية» ٣/ ٢١٤.
- وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٣/ ٤٢٠ من طريق الحارث بن أبي أسامة بهذا الإسناد.
وانظر «الموضوعات» لابن الجوزي ١/ ١٧- ١٧٦ فقد ذكر أحاديث العقل، وبين أنها موضوعة، وانظر «الكشاف» ٨٢٦ للزمخشري بتخريجي.
١٦٢٤- لم أقف على إسناده. ذكره الزمخشري في «الكشاف» ٣/ ٤٠٢ وقال الحافظ في تخريجه: لم أجده. فالخبر لا أصل له، إنما الوارد في هذا الباب هو ما يأتي.
١٦٢٥- حديث حسن. إسناده ضعيف، وله علتان: عنعنة الأعمش، فإنه مدلس، وضعف قيس بن الربيع بسبب سوء حفظه وتلقّنه، لكن توبع، ولحدايثه شاهد.
- الأعمش هو سليمان بن مهران أبو سفيان هو طلحة بن نافع.
- وأخرج هالبزار ٧٢١ و٧٢٢ من طريقين عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عن جابر.
(١) في المطبوع وحده «بردة».
(٢) تصحف في المطبوع «الحرب».
(٣) زيادة عن المخطوط.
558
علي بن الجعد أنا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلًا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ اللَّيْلَ كُلَّهُ فَإِذَا أَصْبَحَ سَرَقَ، قَالَ: «سَتَنْهَاهُ قِرَاءَتُهُ».
وَفِي رِوَايَةٍ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَلَانَا يُصَلِّي بِالنَّهَارِ ويسرق باليل فَقَالَ: «إِنَّ صَلَاتَهُ لَتَرْدَعُهُ».
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، أَيْ ذِكْرُ اللَّهِ أَفْضَلُ الطَّاعَاتِ.
«١٦٢٦» أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنٍ الْقُشَيْرِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بشران [١] ببغداد أنا أَبُو عَلِيِّ الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ البرادعي أَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا أنا هارون بن معروف أنا أبو علي الضرير أنا أنس بن عياض ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ أبي زياد مولى ابن عياش [٢] عن أبي بحريّة [٣] عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أنبئكم بخبر أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إعطاء الذهب والورق و، أن تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ» ؟ قَالُوا: وَمَا ذَاكَ [يَا رَسُولَ اللَّهِ] [٤] قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ».
«١٦٢٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [٥] الْمَلِيحِيُّ أَنَا [أَبُو] [٦] مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ [مُحَمَّدِ بْنِ] [٧] سَمْعَانَ أَنَا
وقال البزار: اختلف فيه عن الأعمش فقيل عنه أيضا عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرِ.
- وقال الهيثمي في «المجمع» ٢/ ٢٥٨: رجاله ثقات.
قلت: فيه عنعنة الأعمش وهو مدلس.
- وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه أحمد ٢/ ٤٤٧ والبزار ٧٢٠ «كشف» وابن حبان ٢٥٦٠ «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ فلانا يصلّي بالليل، فإذا أصبح سرق، قال: إنه سينهاه ما يقول».
- وإسناد أحمد رجاله رجال الصحيح، وقد صرح الأعمش عند أحمد بالتحديث، وانظر «الكشاف» ٨٢٨ بتخريجي.
١٦٢٦- صحيح. أبو علي الضرير، قد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال الصحيح غير أبي بحرية، وهو ثقة مخضرم.
- أبو بحرية هو عبد الله بن قيس.
- وهو في «شرح السنة» ١٢٣٧ بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ٣٣٧٦ وابن ماجه ٣٧٩٠ والحاكم ١/ ٤٩٦ وأحمد ٥/ ١٩٥ والبيهقي في «الشعب» ٥١٩ من طرق عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أبي هند بهذا السناد.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
- وأخرجه أحمد ٦/ ٤٤٧ من طريق مونسى بن عقبة عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ به.
وإسناده صحيح.
- وأخرجه مالك ١/ ٢١١ والطبري ٢٧٨٠١ عن أبي الدرداء موقوفا عليه، وهو صحيح أيضا لكنه لا يعلل الموصول، فرواته ثقات.
- وله شاهد من حديث ابن عمر أخرجه البيهقي في «الشعب» ٥١٨، ورجاله ثقات.
- وله شواهد أخرى، انظر «تفسير ابن كثير» سورة الأحزاب، آية: ٣٥، وانظر الآتي.
١٦٢٧- إسناده ضعيف، وله علتان: ضعف ابن لهيعة، ودرّاج في أبي الهيثم خاصد، لكن يصلح هذا الحديث شاهدا لما قبله.
- أبو الأسود هو النضر بن عبد الجبار، ابن لهيعة عبد الله، درّاج بن سمعان، أبو الهيثم سليمان بن عمرو بن عبيد.
(١) تصحف في المطبوع «بشر أن».
(٢) تصحف في المطبوع «عباس».
(٣) تصحف في المطبوع «مخرمة».
(٤) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة». [.....]
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) زيادة عن المخطوط.
559
أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَانِيُّ أَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ أَنَا أَبُو الْأُسُودِ أَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ دَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ عَنْ [أَبِي] [١] الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [أَنَّهُ] [٢] سُئِلَ أَيُّ الْعِبَادِ أَفْضَلُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا [٣] »، فقالوا: يا رسول الله و [من] [٤] الغازي في سبيل الله؟
قال: «لو ضرب بسيفه الكفارو، المشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكر لله [كَثِيرًا] [٥] أَفْضَلَ مِنْهُ دَرَجَةً».
«١٦٢٨» وَرُوِّينَا أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَنْ تُفَارِقَ الدُّنْيَا وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ».
«١٦٢٩» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ أنا محمد بن عيسى اللجودي أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ القشيري أن أمية بن بسطام العيشي [٦] أنا يزيد بن
- وهو في «شرح السنة» ١٢٣٩ بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ٣٥٧٦ من طريق قتيبة بن سعيد أحمد ٣/ ٧٥ وأبو يعلى ١٤٠١ من الحسن بن موسى كلاهما عن ابن لهيعة به.
وقال الترمذي: هذا حديث غريب، إنما نعرفه من حديث درّاج.
١٦٢٨- صحيح. أخرجه الترمذي ٣٣٧٥ وابن ماجه ٣٧٩٣ وأحمد ٤/ ١٩٠ والحاكم ١/ ٤٩٥ وأحمد ٤/ ١٩٠ وابن أبي شيبة ١٠/ ٣٠١ وابن حبان ٨١٤ والبيهقي في «الشعب» ٥١٥ من طرق عن معاوتية بن صالح أن عمرو بن قيس الكندي حدثه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ وإسناده صحيح.
«أن رجل قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به قال: لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله» لفظ الترمذي، وهو صحيح.
- وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه.
- وله شاهد من حديث معاذ بن جبل أخرجه ابن السني (٢) وابن بان ٨١٨ والطبراني ١٠/ (٢١٢) و (١٨١) و (٢١٣) وإسناد هحسن في الشواهد.
١٦٢٩- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- العلاء هو ابن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة.
- وهو في «صحيح سلم» ٢٦٧٦ عن أمية بن بسطام بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن حبان ٨٥٨ عن الحسن بن سفيان والبيهقي في «الشعب» ٥٠٤ من طريق أبي عبد الله البوشنجي كلاهما عن أمية به.
- وأخرجه أحمد ٢/ ٣٢٣ والحاكم ١/ ٤٩٥ والبيهقي في «الشعب» ٥٠٥ من طريق أبي عامر العقدي حدثنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول:
قال رسول الله: سبق المفردون قالوا: يا رسول الله، ومن المفردون؟ قال: الذين يهترون في ذكر الله عزّ وجلّ» وإسناده صحيح.
- وأخرجه الترمذي ٣٥٩٦ من وجه آخر عن أبي سلمة عن أبي هريرة بنحوه.
وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
كذا قال مع أن في إسناده عمر بن رشاد، وهو ضعيف.
(١) سقط من المطبوع.
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) سقط من المطبوع.
(٦) تصحف في المطبوع «العيسي».
560
زريع أنا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ، فَقَالَ: «سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ»، قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: «الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ».
«١٦٣٠» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الهاشمي أنا خلاد بن أسلم ثنا النضر أنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعَتُ الْأَغَرَّ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا حفتهم الملائكة وغشيتمه الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ».
وَقَالَ قَوْمٌ: مَعْنَى قَوْلِهِ: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ أَيْ «ذِكْرُ اللَّهِ إِيَّاكُمْ أَفْضَلُ مِنْ ذَكْرِكُمْ إِيَّاهُ». وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ مجاهد وعكرمة وسعيد بن بير.
«١٦٣١» وَيُرْوَى ذَلِكَ مَرْفُوعًا عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [١]، وَقَالَ [٢] عَطَاءٌ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، قَالَ: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ تَبْقَى مَعَهُ مَعْصِيَةٌ. وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ، قَالَ عطاء: يريد ل أيخفى عليه شيء.
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٤٦ الى ٤٩]
وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٤٦) وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ (٤٧) وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨) بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ (٤٩)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ، لَا تُخَاصِمُوهُمْ، إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، أي بالقرآن
١٦٣٠- صحيح. خلّاد ثقة، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجالا لبخاري ومسلم غير الأغرّ، فقد تفرد عنه مسلم.
- النضر بن شميل، شعبة بن الحجاج، أبو إسحاق عمرو بن عبد الله، الأغر هو أبو مسلم.
- وهو في «شرح السنة» ١٢٣٣ بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٧٠٠ والترمذي ٣٣٧٨ وأحمد ٢/ ٤٤٧ وابن حبان ٨٥٥ من طرق عن أبي إسحاق به.
- وورد بنحوه من وجه آخر عن الأعمش ع نأبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا أخرجه مسلم ٢٦٩٩ وأبو داود ١٤٥٥ والترمذي ٢٩٤٥ وابن ماجه ٢٢٥ وابن حبان ٧٦٨ وأحمد ٢/ ٢٥٢ و٤٠٧.
١٦٣١- المرفوع ضعيف جدا، والصحيح موقوف.
- أخرجه ابن الديلمي في «زهر الفردوس» ٤/ ١٦٥ من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن موسى بن عقبة به.
- وإسناده ضعيف جدا، إسماعيل ضعفه غير واحد، وعنه مجاهيل، والصحيح موقوف على ابن عمر وابن عباس وغيرهما.
- وأثر ابن عباس، أخرجه عبد الرزاق في «التفسير» ٢٢٥٦ وابن أبي شيبة ٣٥٦٤٠ والطبري ٢٧٧٩ و٢٧٧٩٢ و٢٧٧٩٣ و٢٧٧٩٤ و٢٧٧٩٧ و٢٧٧٩٩ من طرق متعدة عنه موقوفا، وهو الصحيح. [.....]
(١) هو الآتي.
(٢) زيد في المخطوطتين «ابن» وهو إقحام.
561
وَالدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ بِآيَاتِهِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى حُجَجِهِ، وَأَرَادَ مَنْ قَبِلَ الْجِزْيَةَ مِنْهُمْ، إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ، أَيْ أَبَوْا أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وَنَصَبُوا الْحَرْبَ، فَجَادِلُوهُمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُسَلِمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، ومجاز الآي إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوكُمْ لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ ظَالِمٌ بِالْكُفْرِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جبيرهم: أَهْلُ الْحَرْبِ وَمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ. قَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: صَارَتْ مَنْسُوخَةً بِقَوْلِهِ: قاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [التَّوْبَةِ: ٢٩]. وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ، يُرِيدُ إِذَا أَخْبَرَكُمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ممن قَبِلَ الْجِزْيَةَ بِشَيْءٍ مِمَّا فِي كتبهم فلا تجادلوهم عليه و، لا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.
«١٦٣٢» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [١] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ [٢] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف أنا محمدبن إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونه بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أنزل إلينا [٣] ».
«١٦٣٣» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بن أحمد الطاهري أنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لابزار أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّيْرِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عن الزهري أنا ابْنُ أَبِي نَمْلَةَ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ أَبَاهُ أَبَا نَمْلَةَ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَيْنَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم [إذ] [٤] جَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ وَمُرَّ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ هَلْ تَتَكَلَّمُ هَذِهِ الْجِنَازَةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ»، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: إِنَّهَا
١٦٣٢- إسناد هصحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف.
- وهو في «شرح السنة» ١٢٥ بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» ٤٤٨٥ و٧٣٦٢ و٧٥٤٢ عن محمد بن بشار بهذا الإسناد.
- وأخرجه النسائي في «التفسير ٤٠٧ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَثْنَى عَنْ عثما نبن عمر بهذا الإسناد.
وانظر ما بعده.
١٦٣٣- إسناده لين لأجل ابن أبي نملة، فقد وثقه ابن حبا ن، وروى عنه جمع منهم الزهري وعاصم ويعقوب ابنا عمر بن قتادة، وضمرة بن سعيد، ومروان بن أبي سعيد، وعلى هذا تزول جهالته حيث روى عنه أكثر من واحد، وقال عنه الحافظ في «التقريب»
: مقبول.
- عبد الرزاق بن همام، معمر بن راشد، الزهري محمد بن مسلم، ابن أي نملة اسمه نملد.
- وهو في «شرح السنة» ١٢٤ بهذا الإسناد.
- هو في «المصنف» لعبد الرزاق ٢٠٠٥٩ عن معمر به.
- وأخرجه أبو داود ٣٦٤٤ وأحمد ٤/ ١٣٦ وابن حبان ٦٢٥٧ والطبراني ٢٢/ (٨٧٤) و (٨٧٥) و (٨٧٨) و (٨٧٩) والبيهقي ٢/ ١٠ والمزي في «تهذيب الكمال» في ترجمة أبي نملة من طرق عن الزهري به.
- وتقدم أن إسناده لين لكن لأكثره شواهد، وقد حكم الألباني بضعفه في «ضعيف الجامع» ٥٠٥٢ وكأنه ضعفه بسبب لفظ «إنها تتكلم» وإلّا فللحديث شواهد دونها، في حين قال الشيخ شعيب: إسناد هقوي، رجاله ثقات رجال الشيخين غير نملة، فقد روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في «الثقات».
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) تصحف في المطبوع «محمد».
(٣) زيد في المطبوع «وما أنزل إليكم».
(٤) زيادة عن المخطوط.
562
تَتَكَلَّمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تَصْدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، فَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُ وَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تكذبوه».
قوله تعالى: وَكَذلِكَ يعني كَمَا أَنْزَلْنَا إِلَيْهِمُ الْكُتُبَ [١]، أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ، يَعْنِي مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ وَأَصْحَابَهُ، وَمِنْ هؤُلاءِ، يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ، مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، وَهُمْ مؤمنو أَهْلِ مَكَّةَ، وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ وأهل مكة عَرَفُوا أَنَّ مُحَمَّدًا نَبِيٌّ وَالْقُرْآنَ حق فجحدا. وقال قَتَادَةُ: الْجُحُودُ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ المعرفة.
وَما كُنْتَ تَتْلُوا، يَا مُحَمَّدُ، مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ، يعني من قبل ما أنزلنا [٢] إلى الكتاب، وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ، يعني ولا تكتبه يعني لَمْ تَكُنْ تَقْرَأُ وَلَا تَكْتُبُ قَبْلَ الْوَحْيِ، إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ، يعني لو كنت تقرأ أو تكتب فبل الْوَحْيِ لَشَكَّ الْمُبْطِلُونَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَقَالُوا: إِنَّهُ يَقْرَؤُهُ مِنْ كُتُبِ الْأَوَّلِينَ وَيَنْسَخُهُ مِنْهَا، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْمُبْطِلُونَ هُمُ الْيَهُودُ، وَمَعْنَاهُ إِذًا لَشَكُّوا فِيكَ وَاتَّهَمُوكَ، وَقَالُوا إِنَّ الَّذِي نَجِدُ نَعْتَهُ فِي التَّوْرَاةِ أُمِّيٌّ لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ وَلَيْسَ هَذَا عَلَى ذَلِكَ النَّعْتِ.
بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ، قَالَ الْحَسَنُ يَعْنِي الْقُرْآنَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ، فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ، يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ حَمَلُوا الْقُرْآنَ، وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَتَادَةُ: بَلْ هُوَ يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُو آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، لِأَنَّهُمْ يَجِدُونَهُ بِنَعْتِهِ وَصِفَتِهِ فِي كُتُبِهِمْ، وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ.
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٥٠ الى ٥٣]
وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٥٢) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٣)
وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ، كَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلُ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ آيَةٌ عَلَى التَّوْحِيدِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ آيَاتٌ مِنْ ربه. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ، وهو القادر على إسالها إِذَا شَاءَ أَرْسَلَهَا، وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ، أُنْذِرُ أَهْلَ الْمَعْصِيَةِ بِالنَّارِ، وَلَيْسَ إِنْزَالُ الْآيَاتِ بِيَدِي.
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ، هذا لاجواب لقولهم: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قَالَ: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ، يَعْنِي أو لم يَكْفِهِمْ مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنُ يُتْلَى عَلَيْهِمْ، إِنَّ فِي ذلِكَ، فِي إِنْزَالِ الْقُرْآنِ، لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، أَيْ تَذْكِيرًا وَعِظَةً لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ بِهِ.
قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً، أَنِّي رَسُولُهُ وَهَذَا الْقُرْآنُ كِتَابُهُ، يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بغير الله. وقال قتادة: بِعِبَادَةِ الشَّيْطَانِ، وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.
(١) في المطبوع «الكتاب».
(٢) في المطبوع «أنزل».
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ، نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ حِينَ قَالَ: فَأَمْطِرْ علينا حجارة من السماء، وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا وَعَدْتُكَ أَنِّي لَا أُعَذِّبُ قَوْمَكَ وَلَا أَسْتَأْصِلُهُمْ وَأُؤَخِّرُ عَذَابَهُمْ [إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَ بل الساعة موعدهم وقال الضحاك مدة أعمالهم] [١] لِأَنَّهُمْ إِذَا مَاتُوا صَارُوا إِلَى الْعَذَابِ، وَقِيلَ: يَوْمَ بَدْرٍ، لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ، يَعْنِي الْعَذَابَ وَقِيلَ الْأَجَلُ، بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، بإتيانه.
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٥٤ الى ٦٠]
يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٥٤) يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٥) يَا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (٥٦) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٥٨)
الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٥٩) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٠)
يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ، أَعَادَهُ تَأْكِيدًا، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ، جَامِعَةٌ لَهُمْ لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا دخلها.
يَوْمَ يَغْشاهُمُ، يصيبهم، الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ، يَعْنِي إِذَا غَشِيَهُمُ الْعَذَابُ أَحَاطَتْ بِهِمْ جَهَنَّمُ كَمَا قَالَ لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فوقهم غواش، وَيَقُولُ ذُوقُوا، قَرَأَ نَافِعٌ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ:
«وَيَقُولُ» بِالْيَاءِ أَيْ وَيَقُولُ لهم الموكل بعذابهم، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنُّونِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ بِأَمْرِهِ نُسِبَ إِلَيْهِ، مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، أَيْ جَزَاءَ مَا كنتم تعملون.
بِالْيَاءِ أَيْ وَيَقُولُ لَهُمُ الْمُوَكَّلُ بعذابهم، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنُّونِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ بِأَمْرِهِ نُسِبَ إِلَيْهِ، مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، أَيْ جَزَاءَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. يَا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (٥٦)، قَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي ضُعَفَاءِ مُسْلِمِي مَكَّةَ يَقُولُ إِنْ كُنْتُمْ فِي ضِيقٍ بِمَكَّةَ مِنْ إِظْهَارِ الْإِيمَانِ فَاخْرُجُوا مِنْهَا إِلَى أَرْضِ الْمَدِينَةِ إِنَّ أَرْضِيَ [يَعْنِي الْمَدِينَةَ] [٢] وَاسِعَةٌ آمِنَةٌ، قَالَ مجاهد: إنّ أرضي وَاسِعَةٌ فَهَاجِرُوا وَجَاهِدُوا فِيهَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِذَا عُمِلَ في الأرض بِالْمَعَاصِي فَاخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّ أَرْضِيَ وَاسِعَةٌ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا أُمِرْتُمْ بِالْمَعَاصِي فَاهْرُبُوا فَإِنَّ أَرْضِيَ وَاسِعَةٌ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ فِي بَلَدٍ يُعْمَلُ فِيهَا بِالْمَعَاصِي وَلَا يُمْكِنُهُ تَغْيِيرُ ذَلِكَ أَنْ يُهَاجِرَ إِلَى حَيْثُ يَتَهَيَّأُ لَهُ الْعِبَادَةُ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ تَخَلَّفُوا عَنِ الْهِجْرَةِ بِمَكَّةَ وَقَالُوا نَخْشَى إِنْ هَاجَرْنَا مِنَ الْجُوعِ وَضِيقِ الْمَعِيشَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ وَلَمْ يَعْذُرْهُمْ بِتَرْكِ الْخُرُوجِ. وَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ الله: [إن] [٣] أَرْضِيَ وَاسِعَةٌ أَيْ رِزْقِي لَكُمْ وَاسِعٌ فَاخْرُجُوا.
كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ، خوّفهم بالموت لتهون عَلَيْهِمُ الْهِجْرَةَ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مَيِّتٌ أَيْنَمَا كَانَ فَلَا تُقِيمُوا بِدَارِ الشِّرْكِ خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ، ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ، فَنَجْزِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ، وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ: «يُرْجَعُونَ» بِالْيَاءِ.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالثَّاءِ سَاكِنَةً مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ يُقَالُ [٤] :
ثَوَى الرَّجُلُ إِذَا أَقَامَ وَأَثْوَيْتُهُ إِذَا أَنْزَلْتُهُ مَنْزِلًا يُقِيمُ فِيهِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وهمزة
(١) سقط من المطبوع.
(٢) زيد في المطبوع.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «فقال». [.....]
564
بَعْدَهَا أَيْ لَنُنْزِلَنَّهُمْ، مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً، عَلَالِيَ، تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ.
الَّذِينَ صَبَرُوا، عَلَى الشَّدَائِدِ وَلَمْ يَتْرُكُوا دِينَهُمْ لِشِدَّةٍ لَحِقَتْهُمْ، وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، يَعْتَمِدُونَ.
وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا.
«١٦٣٤» وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ كَانُوا بِمَكَّةَ وَقَدْ آذَاهُمُ الْمُشْرِكُونَ: «هَاجَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ»، فَقَالُوا: كَيْفَ نَخْرُجُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَيْسَ لَنَا بِهَا دَارٌ وَلَا مَالٌ، فَمَنْ يُطْعِمُنَا بِهَا وَيَسْقِينَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ:
وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ، ذَاتِ حَاجَةٍ إِلَى غِذَاءٍ، لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا أَيْ لَا تَرْفَعُ رِزْقَهَا مَعَهَا وَلَا تَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ مِثْلَ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ، اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ، حَيْثُ كُنْتُمْ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، السَّمِيعُ لِأَقْوَالِكُمْ لَا نَجِدُ مَا نُنْفِقُ بِالْمَدِينَةِ، الْعَلِيمُ بِمَا فِي قُلُوبِكُمْ، وَقَالَ سُفْيَانُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ: «وَكَأَيْنٍ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا»، قَالَ: لَا تَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ. قَالَ سُفْيَانُ: وليس شيء من خلق الله يخبّئ إِلَّا الْإِنْسَانُ وَالْفَأْرَةُ وَالنَّمْلَةُ.
«١٦٣٥» أَخْبَرَنَا [أَبُو سَعِيدٍ] [١] أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدُ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيَّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عبد الرحمن الدقاق أنا محمد بن عبد العزيز أنا إسماعيل بن زرارة الرقي أنا أبو العطوف الجراح [٢] بن المنهال عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَائِطًا مِنْ حَوَائِطِ الْأَنْصَارِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْقُطُ الرُّطَبَ بِيَدِهِ وَيَأْكُلُ، فَقَالَ كُلْ يَا ابْنَ عُمَرَ، قُلْتُ: لا أشتهيه يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لَكِنِّي أَشْتَهِيهِ وَهَذِهِ صُبْحٌ رَابِعَةٌ مُنْذُ لَمْ أُطْعَمْ طَعَامًا وَلَمْ أَجِدْهُ، فَقُلْتُ إِنَّا لِلَّهِ، اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، قَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ لَوْ سَأَلْتُ رُبِّيَ لَأَعْطَانِي مِثْلَ مُلْكِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً، وَلَكِنْ أَجُوعُ يَوْمًا وَأَشْبَعُ يَوْمًا فَكَيْفَ بِكَ يَا ابْنَ عُمَرَ إِذَا عَمَّرْتَ وَبَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ يُخَبِّئُونَ رِزْقَ سَنَةٍ وَيَضْعُفُ اليقين، فنزلت هذه الآية: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا.
«١٦٣٦» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [٣] الْمُلَيْحِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سعيد أَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ [٤] عَنِ ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ لا يدخر شيئا لغد.
١٦٣٤- لم أقف عليه مسندا. وذكر الواحدي في «الوسيط» ٤٢٤ نحوه عن مقاتل بدون إسناد، فهو لا شيء، ومقاتل إن كان ابن حيان، فقد روى مناكير، وإن كان ابن سليمان، فهو كذاب.
١٦٣٥- باطل. إسناده ضعيف جدا، وعلته الجراح بن منهال، فإنه متروك الحديث، واتهمه ابن حبان، وهو كما قال، فحديثه باطل، لأن السورة مكية كما ذكر المؤلف نفسه.
- وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٣/ ٤٢٥ وفي «الأسباب» ٦٧٣ من طريق يزيد بن هارون عن الجرّاح بن منهال به.
- وأخرجه عبد بن حميد في «المنتخب» ٨١٦ وابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» ٣/ ٣١٨ من طريق يزيد بن هارون عن الْجَرَّاحُ بْنُ مِنْهَالٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عن رجل عن ابن عمر به، وهذه الطريق فيها علة أخرى، وهي من لم يسمّ في الإسناد.
- وقال الحافظ ابن كثير ٣/ ٥١٨: أبو العطوف الجزري ضعيف.
١٦٣٦- إسناده حسن، لأجل جعفر بن سليمان، فهو وإن روى له مسلم فقد ضعفه غير واحد، ووثقه آخرون، وفي الباب أحاديث.
- وهو في «شرح السنة» ٣٥٨٤ بهذا الإسناد.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المخطوط «الخراج».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) تصحف في المخطوط «سليم».
565
«١٦٣٧» وَرُوِّينَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا».
«١٦٣٨» أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ أَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْفَقِيهُ أنا أَبُو [١] نَصْرِ بْنُ حَمْدُوَيْهِ الْمُطَّوِّعِيُّ أَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عمرو أنا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ هُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا زُبَيْدُ الْيَامِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ إِلَّا وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يُقَرِّبُكُمْ إِلَى النَّارِ وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، وَإِنَّ الرُّوحَ الْأَمِينَ قَدْ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ وَلَا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يُدْرَكُ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا بِطَاعَتِهِ».
وَقَالَ هُشَيْمٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عن زبيد [اليامي] [٢] عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ.
- وأخرجه الترمذي ٢٣٦٢ وابن عدي ٢/ ١٤٩ وابن حبان ٦٣٥٦ والخطيب في «تاريخ بغداد» ٧/ ٩٨ من طريق قتيبة بن سعيد به.
- وأخرجه ابن عدي ٦/ ٥٢ من طريق قطن بن نسير عن جعفر بن سليمان به.
- وقال الترمذي: هذا حديث غريب، وقد روي هذا الحديث عن جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مرسلا.
- قلت: رواه غير واحد عن جعفر موصولا، فالمرسل لا يعلل الموصول فهو حسن إن شاء الله، وفي الباب أحاديث تشهد له.
١٦٣٧- تقدم في تفسير سورة آل عمران عند آية: ١٦٠، وهو قوي.
١٦٣٨- صحيح بطرقه وشواهده. إسناده ضعيف، رجاله ثقات لكنه منقطع، زبيد اليامي لم يدرك ابن مسعود، والراوي الآخر لم يسمّ، وقد سماه البغوي في الرواية الثانية، وللحديث شواهد.
- عبدان هو عبد الله بن عثمان بن جبلة، أبو حمزة محمد بن ميمون، زبيد هو ابن الحارث.
- وهو في «شرح السنة» ٤٠٠٦ بهذا الإسناد.
- وكرره ٤٠٠٨ عن إسماعيل عن زبيد وعبد الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ مسعود، وهذا منقطع كلاهما لم يدرك.
- وأخرجه الحاكم ٢/ ٤/ ٢١٣٦ من طريق خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن سعيد بن أبي أمية عن يونس بن بكير عن ابن مسعود به.
- سكت عليه الحاكم، وكذا الذهبي، ورجاله ثقات غير سعيد بن أبي أمية وشيخه، وكلاهما مجهول.
- وللحديث شواهد منها:
- مرسل المطلب بن حنطب أخرجه البغوي في «شرح السنة» ٤٠٠٥ والشافعي في «الرسالة» ٢٨٩ و٣٠٦ والخطيب في «الفقيه والمتفقه» ١/ ٩٣ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٤٢٧ و «الشعب» ١١٨٥.
- وحديث أبي أمامة الباهلي أخرجه الطبراني في «الكبير» ٨/ (٧٦٩٤) وأبو نعيم في «الحلية» ١٠/ ٢٧، وفي إسناده عفير بن معدان، وهو واه.
- وحديث جابر أخرجه ابن ماجه ٢١٤٤ والحاكم ٢/ ٤ وابن حبان ٣٢٣٩ والبيهقي ٥/ ٢٦٤- ٢٦٥ وفي «الشعب» ١١٨٦ وأبو نعيم ٢/ ١٥٦- ١٥٧.
- وحديث الحسن بن علي أخرجه الطبراني ٣/ (٢٧٣٧) وقال الهيثمي في «المجمع» ٤/ ٧٢: فيه عبد الرحمن بن عثمان الحاطبي ضعفه أبو حاتم.
- الخلاصة: هو حديث صحيح بمجموع طرقه وشواهده.
(١) زيد في المخطوط- ب- «بكر» وليس في سائر النسخ و «شرح السنة».
(٢) زيادة عن «شرح السنة».
566

[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٦١ الى ٦٤]

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٢) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٦٣) وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ، يَعْنِي كفار مكة، مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ.
اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ، وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٢).
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، عَلَى أَنَّ الْفَاعِلَ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ هُوَ اللَّهُ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ، وَقِيلَ: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِقْرَارِهِمْ ولزوم الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ، ينكرون لا توحيد مع إقراره مبأنه الخالق لهذه الأشياء. قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ، اللَّهْوُ هُوَ الِاسْتِمْتَاعُ بِلَذَّاتِ الدُّنْيَا، وَاللَّعِبُ العبث سميت بها لِأَنَّهَا فَانِيَةٌ، وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ، أَيْ الْحَيَاةُ الدَّائِمَةُ الباقية، والحيوان بِمَعْنَى الْحَيَاةِ أَيْ فِيهَا الْحَيَاةُ الدَّائِمَةُ، لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ، فَنَاءَ الدنيا وبقاء الآخرة.
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٦٥ الى ٦٩]
فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٦٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (٦٧) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٦٨) وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (٦٩)
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ، وَخَافُوا الْغَرَقَ، دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وَتَرَكُوا الْأَصْنَامَ، فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ، هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ عِنَادِهِمْ وَأَنَّهُمْ عِنْدَ الشَّدَائِدِ يُقِرُّونَ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى كَشْفِهَا هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ، فَإِذَا زَالَتْ عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ، قَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا رَكِبُوا الْبَحْرَ حَمَلُوا مَعَهُمُ الْأَصْنَامَ فَإِذَا اشْتَدَّتْ بِهِمُ الرِّيحُ أَلْقَوْهَا ف ٠ البحر وقالوا: يا رب يا رب.
لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ، هذه [١] لَامُ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ التَّهْدِيدُ وَالْوَعِيدُ، كَقَوْلِهِ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ [فُصِّلَتْ: ٤٠]، أَيْ لِيَجْحَدُوا نِعْمَةَ اللَّهِ فِي إِنْجَائِهِ إِيَّاهُمْ، وَلِيَتَمَتَّعُوا، قَرَأَ حَمْزَةُ والكسائي [وابن كثير وقالون] [٢] ساكنة اللام، وقر. الْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا نَسَقًا عَلَى قَوْلِهِ: «ليكفروا»، فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ، قيل: من كسر اللام جعلها لامه كَيْ وَكَذَلِكَ فِي «لِيَكْفُرُوا»، وَالْمَعْنَى لَا فَائِدَةَ لَهُمْ فِي الْإِشْرَاكِ إلا الكفر والتمتع بما يستمتعون بِهِ فِي الْعَاجِلَةِ [٣] مِنْ غَيْرِ نصيب في الآخرة.
(١) في المطبوع وط- «هذا» والمثبت عن المخطوطتين.
(٢) سقط من المطبوع. [.....]
(٣) تصحف في المطبوع «العاجلة».
Icon