تفسير سورة سورة الدخان من كتاب كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل
.
لمؤلفه
أبو بكر الحداد اليمني
.
المتوفي سنة 800 هـ
ﰡ
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ حـم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾ ؛ أوَّلُ السورةِ قَسَمٌ، وجوابهُ :﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ ﴾ ؛ وَقِيْلَ : جوابهُ :﴿ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾ لأنه ليس من عادةِ العرب أن يُقسِمُوا بنفسِ الشيء الذي يُخبرُونَ عنه، فعلَى هذا يكون قولهُ :﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ ﴾ مُعتَرِضاً بين القسَمِ والجواب، ﴿ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾، والليلةُ المباركَةُ : هي ليلةُ القَدْرِ، ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾، أنزلَ اللهُ فيها القرآنَ إلى السَّفَرَةِ في السَّماءِ الدُّنيا، فوضعوهُ في بيت العِزَّةِ، ثُم كان جبريلُ يَنْزِلُ به على النبيِّ ﷺ شيئاً بعدَ شيءٍ على مقدار الحاجة، هكذا رُوي عن ابنِ عبَّاس، وقد قدمنا ذلكَ في قولهِ تعالى﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾[البقرة : ١٨٥].
وسُمِّيت هذه الليلةُ مباركةً لأنَّ فيها الرحمةُ ومغفرةُ الذنوب، وفيها يقدِّرُ اللهُ الأشياءَ من أرزاقِ العباد وآجالِهم وغيرِ ذلك من الأمُور. ويقالُ : إنما سُمِّيت مباركةً لأنه لا يُقدِّرُ فيها شيئاً من الْمَكَارهِ، كما قالَ تعالى :﴿ سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾[القدر : ٥].
وعن عكرمةَ أنه كان يقولُ :(اللَّيْلَةُُ الْمُبَارَكَةُ هِيَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فِيهَا يُقْضَى كُلُّ أمْرٍ فِيْهِ حِكْمَةٌ، وَفِيهَا يُنْسَخُ لِجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإسْرَافِيلَ وَمَلَكُ الْمَوْتِ جَمِيعَ مَا هُمْ مُوَكَّلُونَ بهِ مِنْ سَنَةٍ إلَى سَنَةٍ). وكان ابنُ عبَّاس يقولُ :(إنَّكَ لَتَلْقَى الرَّجُلَ فِي السُّوقِ قَدْ كُتِبَ اسْمُهُ فِي الْمَوْتَى). والصحيحُ : أنَّ الليلةَ المباركةَ هي ليلةُ القَدْر، وعليه أكثرُ المفسِّرين.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ ﴾ ؛ انتصبَ بـ (يُفْرَقُ) بمنْزِلة (يُفْرَقُ) لأن (أمْراً) بمعنى فَرْقاً. وفيه بيانُ أنَّ الذي يُفْرَقُ في هذه الليلةِ لا يكون إلاَّ من عندِ الله تعالى وتدبيرهِ، كأنَّهُ قال : بأمرٍ مِن عندِنا. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ﴾ ؛ أي مُرسلِين مُحَمَّداً ﷺ ومَن قَبلَهُ من الأنبياءِ، ﴿ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ﴾ ؛ أي رَأفَةً منِّي بخَلْقِي ونعمةً عليهم. وانتصبَ على أنه مفعولٌ له على تقديرِ الرَّحمةِ، وقال الزجَّاجُ :(تَقْدِيرُهُ : إنَّا أنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ لِلرَّحْمَةِ). ﴿ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ ﴾ ؛ لِمَا يقولهُ الْمُحِقُّ والْمُبْطِلُ، ﴿ الْعَلِيمُ ﴾، بأفْعَالِ العبادِ.
وقولهُ تعالى :﴿ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ ﴾ ؛ بالخفضِ على البدلِ من قوله ﴿ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ﴾. وقولهُ تعالى :﴿ وَمَا بَيْنَهُمَآ ﴾ يعني من الهواءِ والخلقِ. وقوله تعالى :﴿ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ * لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ الأَوَّلِينَ ﴾ ؛ معناهُ : أنَّ الذي دَبَّرَ السمواتِ والأرضَ هو الذي دَبَّرَ بإرسالِ الرُّسُلِ رحمةً منه، فإنْ كُنتم مُوقِنينَ بتدبيرهِ في السَّمواتِ والأرض، فأَيقِنُوا إنَّما هو مثلهُ. واليقينُ : ثَلْجُ الصَّدر بالْعِلْمِ، ولذلك يقالُ : وجدَ بَرْدَ اليَقِينِ، ولا يجوزُ في صفاتِ الله تعالى : مُوقِنٌ، ويجوزُ : عَلِيمٌ وعَالِمٌ.
وقولهُ تعالى :﴿ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ ﴾ ؛ يعني الكفارَ من هذا القرآنِ، ﴿ يَلْعَبُونَ ﴾ ؛ أي يَهْزَأُونَ به لاَهِينَ عنهُ.
وقوله تعالى :﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَـاذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَّبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ * أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ * إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ ﴾ ؛ وذلك أنَّ الْمُشْرِكِينَ بَالَغُوا فِي إيْذاءِ النَّبيِّ ﷺ ويَئِسَ مِنْ إيْمَانِهِمْ بهِ ودعَا عَلَيْهِمْ فَقَالَ :" اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرٍ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِيِّ يُوسُفَ ".
فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَاتِ، فَأَخَذتْهُم السَّنَةُ حَتَّى أكَلُوا الْجِيَفَ وَالْكِلاَبَ وَالْعِظَامَ الْمُحَرَّقَةَ مِنَ الْجُوعِ، وَارْتَفَعَ الْقَطْرُ وَأجْدَبَتِ الأَرْضُ، وَكَانُواْ إذا نَظَرُواْ إلَى السَّمَاءِ رَأوا دُخَّاناً بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لِلظُّلْمَةِ الَّتِي غَشِيَتْ أعْيُنَهُمْ وأبْصَارَهُمْ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ. ويقال : يَبسَتِ الأرضُ وانقطعَ الغيثُ.
والمعنى : فانتظِرْ يا مُحَمَّدُ يومَ تأتِي السَّماءُ بدُخَانٍ مُبينٍ، " فَجَاءَ أبُو سُفْيَانَ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدٌ جِئْتَ تَأْمُرُنَا بصِلَةِ الرَّحِمِ وَإنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُواْ، فَادْعُ اللهَ لَهُمْ، فَقَالَ ﷺ :" اللَّهُمَّ دَعَوْتُكَ فَأَجَبْتَنِي، وَسَأَلْتُكَ فَأَعْطََيْتَنِي، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مُغِيْثاً مَرِيّاً مَرِيعاً طَبَقاً عَاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ نَافِعاً غَيْرَ ضَارٍّ "، فَمَا بَرِحَ النَّبيُّ ﷺ حَتَّى أنْزَلَ اللهُ الْمَطَرَ.
وَجَاءَ النَّاسُ يَشْتَدُّونَ وَقَالُواْ : الْغَرَقُ الْغَرَقُ، فَقَرَأ رَسُولُ اللهِ ﷺ ﴿ إنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ ﴾ فَكَشَفَ اللهُ عَنْهُمُ الشِّدَّةَ، ثُمَّ عَادُوا إلَى الْكُفْرِ " فذلكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى ﴾ ؛ وذلك يومُ بدرٍ، ﴿ إِنَّا مُنتَقِمُونَ ﴾.
وهذا التأويلُ إنما يستقيمُ على قولِ ابن مسعودٍ فإنه كان يقولُ :(خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ : الدُّخَّانُ وَالرُّومُ وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ وَانْشِقَاقُ الْقَمَرِ) وكان يذهبُ إلى أنَّ البطشةَ الكُبرَى هي التي أصابَتْهُم يومَ بدرٍ، وذلك أعظمُ من الجوعِ الذي أصابَهم بمكَّةَ.
وذهبَ بعضُ المفسِّرين إلى أنَّ المرادَ بالدُّخان في هذه الآياتِ : الدخَّانُ الذي يُنْزِلهُ اللهُ تعالى عندَ قيامِ الساعة، ثم يغشَاهُم عذابٌ أليم بعدَ ذلك، كما رُوي عن مسروقٍ أنه قالَ :(إذا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَزَلَ دُخَّانٌ مِنَ السَّمَاءِ، فَأَخَذ بأَسْمَاعِ الْكُفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وَأبْصَارهِمْ حَتَّى تَصِيرَ رُؤُوسُهُمْ كَالرَّأسِ الْحَنِيذِ، وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنِينَ بمَنْزِلَةِ الزُّكَامِ).
فعلى هذا القولِ يكون معنى قولهِ تعالى :﴿ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى ﴾ أي مِن أين لَهم الذِّكرَى، أي مِن أين ينفعُهم إيمانُهم ﴿ وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ ﴾ في الوقتِ الذي كانوا مكلَّفين فيه ثُمَّ أعرَضُوا عن الإيمانِ به ﴿ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ ﴾ أي هو معلِّمٌ يعلِّمهُ الجنُّ، ويعترِضُون له. وَقِيْلَ : معناهُ : يعلِّمهُ بشَرٌ مجنونٌ بادِّعائهِ النبوَّةَ. ويكون معنى قولهِ :﴿ إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ ﴾ أي عذابَ الدُّنيا بعد مجيءِ الرسولِ إلى وقت الدُّخان، فمَهَّلَهُم لكي يتُوبُوا، ولن يتُوبُوا.
والمرادُ بالبطشةِ الكُبرَى على هذا القولِ يومُ القيامةِ، وأما على القولِ الأوَّلِ فقولهُ :﴿ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى ﴾ أي التذكُّر والاتِّعاظُ، يقولُ : كيف يتذكَّرُون ويتِّعِظون، وحالُهم أنه قد جاءَهم رسولٌ مُبينٌ ظاهرُ الصِّدقِ والدلالة، ﴿ ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ ﴾ أي أعْرَضُوا ولَمْ يقبَلُوا قولَهُ.
وقولهُ تعالى :﴿ إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ ﴾ يعني عذابَ الجوعِ ﴿ قَلِيلاً ﴾ أي زَمَاناً يَسِيراً، قال مقاتلُ :(يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ إنَّكُمْ عَائِدُونَ فِي كُفْرِكُمْ وَتَكْذِيبكُمْ) وفيه إعلامٌ أنَّهم لا يتَّعِظُون، وإنه إذا رُفِعَ عنهم العذابُ عادُوا إلى طُغيانِهم. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى ﴾ أي واذكُرْ لَهم ذلك اليومَ، يعني يومَ بدرٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ ﴾ ؛ أي كلَّفنا قبلَ أهلِ مكَّة قومَ فرعونِ مِن الطاعَةِ ما اشتدَّ عليهم، ﴿ وَجَآءَهُمْ ﴾ ؛ موسَى، ﴿ رَسُولٌ كَرِيمٌ ﴾، لا خلافَ على اللهِ تعالى.
وقولهُ تعالى :﴿ أَنْ أَدُّواْ إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ ﴾ ؛ أي بأَنْ أدُّوا إلَيَّ بني إسرائيلَ، وهذا قولُ موسَى، يقولُ : أطلِقُوا بني إسرائيلَ من العذاب والتسخيرِ، فإنَّهم أحرارٌ، ﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ ﴾ ؛ من اللهِ، ﴿ أَمِينٌ ﴾ ؛ على الرسالةِ، لستُ بخائنٍ ولا كذابٍ ولا كاتِمٍ مما أُوحِيَ إلَيَّّ، ﴿ وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى اللَّهِ ﴾ ؛ أي لا تتجبَّرُوا عليه بتركِ طاعته، ﴿ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ ؛ بحجَّةٍ بَيِّنَةٍ ظاهرةٍ تدلُّ على صِدقِي.
فلمَّا قالَ موسى هذه المقالةَ توعَّدُوهُ بالقتلِ بالحجارةِ، فقال :﴿ وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ ﴾، أي اعتصمتُ بخالقي وخالقكم من أن تقتلوني بالحجارة، ﴿ وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَاعْتَزِلُونِ ﴾ ؛ أي وإنْ لَم تصَدِّقونِ فاترُكونِي لا معِي ولا عليَّ، فلا أقلَّ مِن أن تَكُفُّوا شرَّكُم عنِّي.
فأَبَوا أن يقبَلُوا منه، ولم يؤمنوا به، ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَـاؤُلاَءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ ﴾ ؛ أي مُشرِكون، ولم يَدْعُ إلاَّ بعد أنْ أُذِنَ له في الدُّعاء عليهم، فدعا عليهم.
قَالَ اللهُ تَعَالَى له :﴿ فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً ﴾ ؛ حتى تَقْطَعَ بهمُ البحرَ، ﴿ إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ﴾ ؛ يتبعكم فرعونُ وقومهُ فيكون ذلك سَبباً لغَرقِهم، فسارَ موسَى بمَن معَهُ من بني إسرائيلَ حتى أتَى بهم البحرَ، فضربَهُ بعصاهُ بأمرِ الله تعالى فانفلَقَ ودخلَهُ أصحابهُ.
ثُم عطَفَ موسَى ليضرِبَ البحرَ بعصاهُ ليَلتَئِمَ ويخلطَ الطريقَ التي جعلَها اللهُ لبني إسرائيل حتى لا يعبُرَ فيها فرعونُ وقومه، فقيلَ له :﴿ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً ﴾ ؛ أي سَاكِناً مُنفَتِحاً على ما هو عليه حتى يدخلَهُ فرعونُ وجنوده، ﴿ إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ ﴾ ؛ في حُكمِ اللهِ تعالى.
قال ابنُ عبَّاس :(مَعْنَى قَوْلِهِ اتْرُكْهُ رَهْواً ؛ أي اتْرُكْهُ طَرِيقاً). والرَّهْوُ : يكون بمعنى الفُرْجَةِ بين الشَّيئين، ونظرَ أعرابيٌّ إلى فَالِجٍ ؛ فقالَ : سُبحان اللهِ! رَهُوٌ بين سِنَامَين، فيكونُ المعنى على هذا : واترُكِ البحرَ ذا رَهْوٍ ؛ أي ذا فُرجَةٍ، وهي الطريقُ التي أظهرَها اللهُ تعالى في الماءِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴾ أي كَم ترَكَ فرعونُ وقومه بعدَ الغرقِ من بسَاتين عامرةٍ بليغةِ الأشجار، وعيونٍ ظَاهرةٍ عَذْبَةٍ فيها زرعٌ ومساكن شريفةٌ حسَنةٌ، ﴿ وَنَعْمَةٍ ﴾ ؛ أي وعيشٍ ليِّنٍ، ﴿ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ ﴾ ؛ أي نَاعِمينَ متعجِّبين، ﴿ كَذَلِكَ ﴾ ؛ كانت حالُهم. وَقِيْلَ : كذلك أفعَلُ بمَن عصَانِي، ﴿ وَأَوْرَثْنَاهَا ﴾ ؛ وأورثنا ما تركوهُ، ﴿ قَوْماً آخَرِينَ ﴾ ؛ وهم بنو إسرائيل، رجَعُوا بعدَ هلاكِ فرعون إلى مصرَ فصارت أموالُ قومِ فرعون ونَعيمُهم لهم من غيرِ كُلفَةٍ ولا مشقَّةٍ، كالميراثِ الذي ينقلُ من المورثِ إلى الوارثِ من غير مشقَّةٍ تلحقُ الوارثَ، وهذا من غايةِ إنعامِ الله على بني إسرائيل.
قوله :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَآءُ وَالأَرْضُ ﴾ ؛ أي ما بَكَتْ على فرعونَ وقومه ؛ أي كانوا أهْوَنَ من أن يَبكِي عليهم أحدٌ من أهلِ السَّماء والأرضِ، إنَّهم كانوا في مقامِ الجدي.
قال ﷺ :" مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إلاَّ وَلَهُ فِي السَّمَاءِ بَابَان : بَابٌ يَصْعَدُ فِيْهِ عَمَلُهُ، وَبَابٌ يَنْزِلُ فِيْهِ رزْقُهُ، فَإذا مَاتَ بَكَيَا عَلَيْهِ، وَكَذلِكَ مُصَلاَّهُ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيْهِ مِنَ الأَرْضِ " فذلك قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَآءُ وَالأَرْضُ ﴾. وعن مجاهدٍ أنه قالَ :(إذا مَاتَ الْمُؤْمِنُ بَكَتْ عَلَيْهِ الأَرْضُ أرْبَعِينَ يَوْماً صَبَاحاً). وعن السديِّ قالَ :(لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ رضي الله عنه بَكَتِ السَّمَاءُ عَلَيْهِ، وَبُكَاؤُهَا حُمْرَةُ أطْرَافِهَا).
والمعنى على هذا : لَمْ يكن لفرعونَ وقومه موضعُ طاعةٍ في الأرضِ ولا مصاعِدُ طاعاتٍ في السَّماء فتفقِدَهم وتبكِي عليهم، بخلافِ المؤمنين. وقولهُ تعالى :﴿ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ ﴾ ؛ أي لَمْ يُنظَروا ولم يُمهَلُوا حين أخذهم العذابُ لتوبةٍ ولا لغيرِها.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾ ؛ أي خلَّصنَاهُم مما كان فرعونُ يفعلُ بهم من ذبحِ الأبناء واستحياءِ النِّساء واستعمالِهم في الأمُور الشاقَّة. وقولهُ تعالى :﴿ مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً ﴾ ؛ أي متَكبراً ؛ ﴿ مِّنَ الْمُسْرِفِينَ ﴾، من الْمُتَجَاوزينَ عن الحدِّ حتى ادَّعَى الإلهيَّة.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ ؛ أي اختَرنا بني إسرائيلَ بكَثرَةِ الأنبياءِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ فيهم على عالَمي زمانِهم، ﴿ وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الآيَاتِ ﴾ ؛ من فَلْقِ البحرِ وتظليلِ الغَمامِ وإنزال الْمَنِّ والسَّلوَى وغيرِ ذلك، ﴿ مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ ﴾ ؛ أي نعمةٌ ظاهرة.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ هَـاؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ * إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأُوْلَى ﴾ ؛ راجعٌ إلى ذكرِ كفَّار مكَّة يقولون : ما الْمَوْتَةُ نَموتُها في الأُولى ثم لا نُبعَثُ بعدَها، ومعنى قولهِ :﴿ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ ﴾ ؛ أي بمبعُوثِينَ، وهذا ذمٌّ لهم على الجهلِ.
وقوله تعالى :﴿ فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ ؛ أي قالوا فَأحْيي يا محمد آباءَنا الذين ماتوا حتى نسألَهم : أحقٌّ ما تقولُ أم باطلٌ ؟ ورُوي أنَّهم كانوا يقولون : إنْ كان ما تقولهُ فَأْتِ بقُصَيِّ بن كلابٍ ليُخبرَنا عنكَ، فإنه كان صَدُوقاً فيما بيننا.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ ﴾ ؛ خوَّفَهم اللهُ تعالى مثلَ عذاب الأُمم الخاليةِ، فقال :(أهُمْ خَيْرٌ أمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) أي ليسوا خَيراً منهم، يعني أقوَى وأشدَّ وأكثرَ، والمعنى أهُمْ خيرٌ في القدرةِ والقوَّةِ والمالِ، أمْ قومُ مَلِكِ اليمَنِ ﴿ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾.
وخصَّ مَلِكَ اليمنِ بالذِّكرِ لأنه كان أقربَ إلى زمانِهم. وتُبَّعُ اسمٌ لكلِّ مَن كان من مُلوكِ اليمنِ، كما أنَّ فرعونَ اسمُ ملكِ مصرَ، وقيصرَ اسمُ ملكِ الروم، وكسرَى اسم ملك العجَمِ. وإنما سُمِّي ملكُ اليمنِ بهذا الاسمِ لكثرة تَبَعِهِ.
وجاءَ في التفسيرِ : أنَّ ملكَ اليمنِ الذي كان أقربَ إلى زمانِهم كان مُؤمناً، وكان اسمهُ أسعَدُ بنُ مَلكي كرب، وكان قومهُ كُفَّاراً. ورُوي عن عائشةَ أنَّها قالت :(كَانَ تُبَّعُ رَجُلاً صَالِحاً، ألاَ تَرَى أنَّ اللهَ تَعَالَى ذمَّ قَوْمَهُ وَلَمْ يَذِمَّهُ). ورُوي :(أنَّهُ وُجِدَ مَكتُوباً عَلَى قَبْرَينِ بنَاحِيَةِ حِمْيَرَ : هَذانِ قَبْرَا رَضْوَى وَحَصْيَا ابْنَيْ تُبَّعٍ مَاتَا لاَ يُشْرِكَانِ باللهِ شَيْئاً).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـاعِبِينَ ﴾ ؛ أي لَمْ نخلِقْهُما عابثين، ﴿ مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِالْحَقِّ ﴾ ؛ أي للحَقِّ ؛ أي للثواب على الطاعة والعقاب على المعصية، ﴿ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ ﴾ ؛ أكثر المشركين، ﴿ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾.
وقولهُ تعالى :﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ ؛ معناهُ : إنَّ يومَ الفَصْلِ بين الخلائقِ ميعادُهم أجمعين، يُوافِي يومَ القيامةِ الأوَّلُون والآخِرون.
ثم نَعَتَ ذلك اليومَ فقال تعالى :﴿ يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً ﴾ ؛ أي يومَ لا ينفعُ فيه صديقٌ صديقاً ولا قريبٌ قريباً، ﴿ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ﴾ ؛ أي ولا يُمنَعُونَ من عذاب الله، ﴿ إِلاَّ مَن رَّحِمَ اللَّهُ ﴾ ؛ وهم المؤمنون، فإنه يَشْفَعُ بعضُهم لبعضٍ، قالَ رسولُ اللهِ ﷺ :" وَإنَّ الرَّجُلَ مِنْ أُمَتِّي لَيَشْفَعُ لأَكْثَرَ مِنْ رَبيعَةَ وَمُضَرَ " ﴿ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ ﴾ ؛ في انتقامهِ من أعدائهِ، ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ ؛ بالمؤمِنين.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ ﴾ ؛ قد تقدَّمَ تفسيرُ شجرةِ الزقُّوم، والأثِيمُ ذو الإثْمِ وهو أبُو جهلٍ، قال أهلُ اللغة : الأثِيمُ كثيرُ الإثمِ، وعن ابنِ مسعود :(أنَّهُ كَانَ يُلَقِّنُ رَجُلاً :(إنَّ شَجَرَةَ الزَّقُومِ طَعَامُ الأَثِيمِ) فَكَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ : طَعَامُ الْيَتِيمِ! فَقَالَ لَهُ : قُلْ : طَعَامُ الْفَاجِرِ). ﴿ كَالْمُهْلِ ﴾ ؛ دُرْدِيُّ الزيتِ وعكرُ القِطْرَانِ، وهو أسوَدُ غليظٌ. وَقِيْلَ : الْمُهْلُ كُلُّ مَا يُمْهَلُ في النار من نُحاسٍ أو فضَّةٍ أو غيرِ ذلك حتى يَذُوبَ ويَنْمَاعَ يشتَدُّ حرُّهُ.
وقولهُ تعالى :﴿ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ ﴾ ؛ أي في بُطونِ الكفَّار، وقرئَ (يَغْلِي) بالياءِ يعني الطعامَ، واختارَهُ أبو عبيدٍ ؛ لأن الْمُهْلَ مذكَّرٌ، وقرئَ بالتاءِ يعني الشَّجرةَ، قال أبو علي الفارسي :(لاَ يَجُوزُ أنْ يُحْمَلَ الْغَلْيُ عَلَى الْمُهْلِ ؛ لأَنَّ الْمُهْلَ إنَّمَا ذُكِرَ لِلتَّشْبيهِ به فِي الذوْب، ألاَ تَرَى أنَّ الْمُهْلَ لاَ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ إنَّمَا يَغْلِي مَا شُبهَ بهِ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ﴾ ؛ يعنِي الماءَ الحارَّ إذا اشتدَّ غَليانهُ. وقولهُ تعالى :﴿ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَآءِ الْجَحِيمِ ﴾ ؛ يقالُ للزَّبانِيَةِ :(خُذُوهُ) يعني الآثِمَ (فَاعْتِلُوهُ) أي قُودُوهُ بالعُنقِ دَفعاً وسَحباً إلى وسطِ الجحيمِ، يقالُ : عَتَلَهُ يَعْتُلُهُ، ويَعْتِلُهُ إذا جَرَّهُ وذهبَ به إلى مكَروهٍ، وقال مجاهدُ :(فَادْفَعُوهُ عَلَى وَجْهِهِ إلَى وَسَطِ الْجَحِيمِ). وَقِيْلَ للوسَطِ : سَوَاءٌ لاستواءِ المسافة بينَهما وبين أطرافهِ المحيطة به.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ﴾ ؛ قال مقاتلُ :(إنَّ خَازنَ النَّار يَضْرِبُهُ عَلَى رَأَسِهِ " بمَقْمَعَةٍ مِنْ حَدِيدٍ " فَيَنْقِبُ رَأسَهُ عَنْ دِمَاغِهِ، ثُمَّ يَصُبُّ فِيْهِ مَاءً حَمِيماً قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ، وَيَقُولُ لَهُ) :﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ﴾.
وذلكَ أنَّ أبا جَهلٍ قالَ للنبيِّ ﷺ بأَيِّ شَيْءٍ تُهَدِّدُنِي! فَوَاللهِ مَا تَسْتَطِيعُ أنْتَ وَلاَ رَبُّكَ " أنْ " تَفْعَلاَ بي شَيْئاً، وَإنِّي لَمِنْ أعَزِّ أهْلِ هَذا الْوَادِي وَأكْرَمِهِمْ! فَيَقُولُ لَهُ الْمَلَكُ : ذُقِ الْعَذابَ أيُّهَا الْمُتَعَزِّزُ الْمُتَكَرِّمُ فِي زَعْمِكَ كَمَا كُنْتَ تَقُولُهُ. وقرأ الكسائيُّ (أنَّكَ) بالفتحِ على تقدير : ذُقْ بأنَّكَ أو لأَنَّكَ أنتَ العزيزُ الكريم، أو بهذا القولِ الذي قلتَهُ في الدُّنيا.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ هَـاذَا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ ﴾ ؛ أي يقولُ لَهم الخازنُ : إنَّ هذا العذابَ الذي كُنتم به تَشُكُّونَ في الدُّنيا أو تَكذِبُونَ به.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ الأمِينُ هو المقَامُ الذي أمِنُوا فيه الغَيَرَ من الموتِ والحوادث، والْمَقَامُ هو المجلسُ، وقرئَ (مُقَامٍ) بضمِّ الميمِ، يريدُ موضعَ الإقامةِ، ومعنى القراءَتين واحدٌ.
وقوله :﴿ يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ﴾ ؛ السُّنْدُسُ ما لَطُفَ من الدِّيباجِ، والاسْتَبْرَقِ ما غَلُظَ منه مع دقَّةِ السِّلكِ، وهما نَوعَانِ من الحريرِ. وقوله تعالى :﴿ مُّتَقَابِلِينَ ﴾ ؛ أي يُقابلُ بعضُهم بعضاً في المجالسِ بالتحيَّة والمحبَّةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ ﴾ ؛ أي كذلكَ حالُهم في الجنَّة، وقَرَنَّاهُمْ بحُورٍ عِينٍ، والْحُوْرُ : الشَّدِيدَةُ بيَاضِ العينِ، الشديدةُ سَوَادِها، البيضاءُ البشَرةِ والعينِ، جمعُ العَيْنَاءِ، واسعةُ العينِ الحسَنةِ، قال مجاهدُ :(الْحُورُ : هُنَّ اللَّوَاتِي يُحَارُ الطَّرْفُ فِيْهِنَّ، يَرَى مُخَّ سُوقِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ ثِيَابهِنَّ، يَرَى النَّاظِرُ وَجْهَهُ فِي صَدْر إحْدَاهُنَّ كَالْمِرْآةِ مِنْ رقَّةِ الْجِلْدِ وَصَفَاءِ اللَّونِ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يَدْعُونَ فِيهَا بِكلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ ﴾ ؛ فيه بيانُ أنَّ بساتينَ الجنَّة تشتملُ على كلِّ الفواكهِ في كلِّ وقتٍ من الأوقاتِ بخلاف بسَاتينِ الدُّنيا، وقولهُ تعالى :﴿ آمِنِينَ ﴾ من الانقطاعِ والنُّقصانِ، وآمِنينَ مما يخافُ من الفواكهِ من التُّخَمِ والأمراضِ والأسقامِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى ﴾ ؛ أي لا يَمُوتونَ سِوَى الموتَة التي ذاقُوها في الدُّنيا، ﴿ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ ؛ أي ودفعَ عنهم ربُّهم عذابَ النار مع ما أعطَاهُم من النعيمِ المقيم. وقوله تعالى :﴿ فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ ؛ أي فَعَلَ اللهُ ذلك بالمتَّقين تفَضُّلاً منه عليهم. وسُمي الثوابُ " فضلاً " لأنَّ اللهَ تعالى لم يكلِّفْهم لحاجتهِ، ولكن ليَصِلُوا إلى ذلك الثواب.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ ﴾ ؛ أي أنزَلنا القُرآنَ بلُغَتِكَ ولُغةِ قَومِكَ ليَسهُلَ عليهم، و ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ ؛ يتَّعِظُونَ فيُؤمِنُوا به، ولولا تَيسِيرُ اللهِ حِفظَهُما ما قَدَرَ أحدٌ على حفظهِ لعِظَمِ أمرهِ وجَلالِ قَدرهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ ﴾ ؛ أيِ انتَظِرْ بالكفَّار ما وعَدنَاهُم من العذاب إنَّهم مُنتَظِرُونَ هلاكَكَ.
قال رسولُ اللهِ ﷺ :" مَنْ قَرَأ سُورَةَ الدُّخَانِ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ إيْمَاناً وَاحْتِسَاباً وَتَصْدِيقاً، بهَا، أصْبَحَ مَغْفُوراً لَهُ، وَإنْ قَرَأهَا فِي سَائِرِ اللَّيَالِي كَانَتْ لَهُ نُوراً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".