تفسير سورة الدّخان

مختصر تفسير ابن كثير
تفسير سورة سورة الدخان من كتاب تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير المعروف بـمختصر تفسير ابن كثير .
لمؤلفه محمد نسيب الرفاعي . المتوفي سنة 1412 هـ

يقول تعالى مخبراً عن القرآن العظيم، أنه أنزله في ليلة مباركة وهي ليلة القدر، كما قال عزَّ وجلَّ :﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر ﴾ [ القدر : ١ ] وكان ذلك في شهر رمضان، كما قال تبارك وتعالى :﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن ﴾ [ البقرة : ١٨٥ ]، وقوله عزّ وجلّ :﴿ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾ أي معلمين الناس ما ينفعهم ويضرهم شرعاً لتقوم حجة الله على عباده، وقوله :﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ أي في ليلة القدر يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة، وما يكون فيها من الآجال والأرزاق وما يكون فيها إلى آخرها، وقوله جلّ علا :﴿ حَكِيمٍ ﴾ أي محكم لا يبدل ولا يغير، ولهذا قال جلّ جلاله :﴿ أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ ﴾ أي جميع ما يكون ويقدره الله تعالى وما يوحيه فبأمره وإذنه وعلمه ﴿ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ﴾ أي إلى الناس رسولاً يتلو عليهم آيات الله مبينات، فإن الحاجة كانت ماسة إليه، ولهذا قال تعالى :﴿ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السميع العليم * رَبِّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ ﴾ أي الذي أنزل القرآن هو رب السماوات والأرض وخالقهما ومالكهما وما فيهما، ﴿ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ ﴾ أي إن كنتم متحققين، ثم قال تعالى :﴿ لاَ إله إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ الأولين ﴾ وهذه الآية كقوله تعالى :﴿ قُلْ ياأيها الناس إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الذي لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض لا إله إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ [ الأعراف : ١٥٨ ] الآية.
يقول تعالى : بل هؤلاء المشركون في شك يلعبون أي قد جاءهم الحق اليقين، وهم يشكون فيه ويمترون ولا يصدقون به، ثم قال عزَّ وجلَّ متوعداً لهم ومهدداً :﴿ فارتقب يَوْمَ تَأْتِي السمآء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ﴾ قال مسروق : دخلنا المسجد، يعني مسجد الكوفة، فإذا رجل يقص على أصحابه ﴿ يَوْمَ تَأْتِي السمآء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ﴾ تدرون ما ذلك الدخان؟ ذلك دخان يأتي يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم، ويأخذ المؤمنين منه شبه الزكام، قال : فأتينا ابن مسعود رضي الله عنه فذكرنا ذلك له، وكان مضطجعاً ففزع فقعد، وقال : إن الله عزّ وجلّ قال لنبيكم ﷺ :﴿ قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَآ مِنَ المتكلفين ﴾ [ ص : ٨٦ ]، إن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم : ألله أعلم، سأحدثكم عن ذلك : إن قريشاً لما أبطأت عن الإسلام واستعصت على رسول الله ﷺ، دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم من الجهد والجوع، حتى أكلوا العظام الميتة، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان، وفي رواية : فجعل الرجل ينظر إلى السماء، فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، قال الله تعالى :﴿ فارتقب يَوْمَ تَأْتِي السمآء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى الناس هذا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾، فأُتِي رسول الله ﷺ فقيل : يا رسول الله، استسق الله لمضر، فإنها قد هلكت، فاستسقى ﷺ لهم، فسقوا، فنزلت :﴿ إِنَّا كَاشِفُو العذاب قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ ﴾، قال ابن مسعود رضي الله عنه : أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة؟ فلما أصابهم الرفاهية عادوا إلى حالهم، فأنزل الله عزّ وجلّ :﴿ يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الكبرى إِنَّا مُنتَقِمُونَ ﴾ قال : يعني يوم بدر. قال ابن مسعود رضي الله عنه، فقد مضى خمسى : الدخان والروم والقمر والبطشة واللزام. وقال آخرون : لم يمض الدخان بعد، بل هو من أمارات الساعة، كما تقدم من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال : أشرف علينا رسول الله ﷺ من عرفة، ونحن نتذاكر الساعة، فقال ﷺ :« لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها، والدخان والدابة، وخروج يأجوج ومأجود، وخروج عيسى ابن مريم، والدجال، وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس - إو تحشر الناس - تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا » وفي « الصحيحين » « أن رسول الله ﷺ قال لابن صياد :» إني خبأت لك خبأ « قال : هو الدُّخ، فقال ﷺ له :» إخسأ فلن تعدو قدرك « قال : وخبأ له رسول الله ﷺ :﴿ فارتقب يَوْمَ تَأْتِي السمآء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ﴾ »
2307
وعن أبي مالك الأشعري رضي رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« إن ربكم أنذركم ثلاثاً : الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة، ويأخذ الكافر، فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه، والثانية الدابة، والثالثة الدجال ».
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال :« يهيج الدخان بالناس، فأما المؤمن فيأخذه كالزكمة، وأما الكفار فينفخه حتى يخرج من لك مسمع منه »، وقال ابن أبي حاتم، عن علي رضي الله عنه قال : لم تمض آية الدخان بعد، يأخذ المؤمن كهيئة الزكام وتنفخ الكافر حتى ينفذ، وروى ابن جرير، عن عبد الله بن أبي مليكة قال : غدوت على ابن عباس رضي الله عنهما ذات يوم فقال : ما نمت الليلة حتى أصبحت، قلت : لِمَ؟ قال، قالوا : طلع الكوكب ذو الذنب، فخشيت أن يكون الدخان قد طرق فما نمت حتى أصبحت، وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنهما حبر الأمة وترجمان القرآن، وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين من الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرهما التي أوردها، ما فيه مقنع ودلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة مع أنه ظاهر القرآن، قال الله تبارك وتعالى :﴿ فارتقب يَوْمَ تَأْتِي السمآء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ﴾ أي بين واضح يراه كل أحد، وعلى ما فسر به ابن مسعود رضي الله عنه إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد، وهكذا قوله تعالى :﴿ يَغْشَى الناس ﴾ أي يتغشاهم ويعمهم، ولو كان أمراً خيالياً يخص أهل مكة المشركين لما قيل فيه ﴿ يَغْشَى الناس ﴾، وقوله تعالى :﴿ هذا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ أي يقا للهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً كقوله عزّ وجلّ :﴿ يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هذه النار التي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴾ [ الطور : ١٣-١٤ ]، أو يقول بعضهم لبعض ذلك. وقوله سبحانه وتعالى :﴿ رَّبَّنَا اكشف عَنَّا العذاب إِنَّا مْؤْمِنُونَ ﴾ أي يقول الكافرون إذا عاينوا عذاب الله وعقابه سائلين رفعه وكشفه عنهم كقوله جلت عظمته :﴿ وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النار فَقَالُواْ ياليتنا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين ﴾ [ الأنعام : ٢٧ ]، وكذا قوله جل وعلا :﴿ وَأَنذِرِ الناس يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب فَيَقُولُ الذين ظلموا رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرسل ﴾ [ إبراهيم : ٤٤ ]، وهكذا قال جلّ وعلا هاهنا :﴿ أنى لَهُمُ الذكرى وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ ﴾. يقول : كيف لهم بالتذكر وقد أرسلنا إليهم رسولاً بيِّن الرسالة والنذارة، ومع هذا تولوا عنه ما وافقوه، بل كذبوه وقالوا معلم مجنون، وهذا كقوله جلَّت عظمته :
2308
﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنسان وأنى لَهُ الذكرى ﴾ [ الفجر : ٢٣ ].
وقوله تعالى :﴿ إِنَّا كَاشِفُو العذاب قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ ﴾ يحتمل معنيين :( أحدهما ) : أنه يقول تعالى : ولو كشفنا عنكم العذاب ورجعناكم إلى الدار الدنيا، لعدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والتكذيب. كقوله تعالى :﴿ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [ الأنعام : ٢٨ ]. ( والثاني ) : أين يكون المراد : إنا مؤخرو العذاب عنكم قليلاً بعد انعقاد أسبابه ووصوله إليكم، وأنتم مستمرون فيما أنتم فيه من الطغيان الضلال، ولا يلزم من الكشف عنهم أن يكون باشرهم كقوله تعالى :﴿ إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخزي فِي الحياة الدنيا وَمَتَّعْنَاهُمْ إلى حِينٍ ﴾ [ يونس : ٩٨ ] أولم يكن العذاب باشرهم واتصل بهم بل كان قد انعقد سببه عليهم، ولا يلزم أيضاً أن يكونوا قد أقلعوا عن كفرهم ثم عادوا إليه، قال الله تعالى إخباراً عن شعيب عليه السلام أنه قال لقومه حين قالوا :﴿ قَالَ الملأ الذين استكبروا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ ياشعيب والذين آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ * قَدِ افترينا عَلَى الله كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا الله مِنْهَا ﴾ [ الأعراف : ٨٨-٨٩ ]، وشعيب عليه السلام لم يكن قط على ملتهم وطرقتهم وقال قتادة : إنكم عائدون إلى عذاب الله. وقوله عزّ وجلّ :﴿ يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الكبرى إِنَّا مُنتَقِمُونَ ﴾ : فسر ذلك ابن مسعود رضي الله عنه بيوم بدر، وروي أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو محتمل، والظاهر أن ذلك يومالقيامة وإن كان يوم بدر يوم بطشة أيضاً، روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال ابن مسعود رضي الله عنه ﴿ البطشة الكبرى ﴾ يوم بدر، وأنا أقول هي يوم القيامة. وهذا إسناد صحيح عن ابن عباس، والله أعلم.
2309
يقول تعالى ولقد اختبرنا قبل هؤلاء المشركين قوم فرعون وهم قبط مصر، ﴿ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ ﴾ يعني موسى الكليم ﷺ ﴿ أَنْ أدوا إِلَيَّ عِبَادَ الله ﴾، كقوله عزّ وجل :﴿ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ ﴾ [ طه : ٤٧ ] الآية، وقوله جلّ وعلا :﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ أي مأمون على ما أبلغكموه، وقوله تعالى :﴿ وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى الله ﴾ أي لا تستكبروا عن ابتاع آياته والانقياد لحججه والإيمان ببرهنيه، كقوله عزّ وجلّ :﴿ إِنَّ الذين يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [ غافر : ٦٠ ]، ﴿ إني آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ أي بحجة ظاهرة واضحة وهي ما أرسله الله تعالى به من الآيات البينات والأدلة القاطعات، ﴿ وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ ﴾ قال ابن عباس : هو الرجم باللسان وهو الشتم، وقال قتادة : الرجم بالحجارة أي أعوذ بالله الذي خلقني وخلقكم من أن تصلوا إلي بسوء من قولٍ أو فعل، ﴿ وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فاعتزلون ﴾ أي فلا تتعرضوا لي ودعوا الأمر مسالمة إلى أن يقضي الله بيننا، فلما طال مقامه ﷺ بين أظهرهم، وأقام حجج الله تعالى عليهم، كل ذلك وما زادهم إلاّ كفراً وعناداً، دعا ربه عليهم عدوة نفذت فيهم، كما قال تبارك وتعالى :﴿ وَقَالَ موسى رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الحياة الدنيا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطمس على أَمْوَالِهِمْ واشدد على قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فاستقيما ﴾ [ يونس : ٨٨-٨٩ ]، وهكذا قال ههنا ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هؤلاء قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ ﴾ فعند ذلك أمره الله تعالى أن يخرج ببني إسرائيل من بين أظهرهم، من غير أمر فرعون ومشاورته واستئذانه، ولهذا قال جلّ جلاله :﴿ فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ﴾، كما قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فاضرب لَهُمْ طَرِيقاً فِي البحر يَبَساً لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تخشى ﴾ [ طه : ٧٧ ]، وقوله عزّ وجلّ :﴿ واترك البحر رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ ﴾، وذلك أن موسى عليه الصلاة السلام لما جاوز هو وبنو إسرائيل البحر أراد موسى أن يضربه بعصاه حتى يعود كما كان ليصير حائلاً بينهم وبين فرعون، فلا يصل إليهم، فأمره الله تعالى أن يتركه على حاله ساكناً، وبشره بأنهم جند مغرقون فيه، وأنه لا يخاف دركاً ولا يخشى، قال ابن عباس :﴿ واترك البحر رَهْواً ﴾ كهيئته وامضه، وقال مجاهد ﴿ رَهْواً ﴾ طريقاً يبساً كهيئته، يقول لا تأمره يرجع اتركه حتى يرجع آخرهم، ثم قال تعالى :﴿ كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ ﴾ وهي البساتين ﴿ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ ﴾ والمراد بها الأنهار والآبار ﴿ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴾ وهي المساكن الحسنة، ﴿ وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ ﴾ أي عيشة كانوا يتفكهون فيها، فيأكلون ما شاءوا ويلبسون ما أحبوا، مع الأموال والجاهات والحكم في البلاد، فسلبوا ذلك جميعه في صبيحة واحدة، وفارقوا الدنيا، وصاروا إلى جهنم وبئس المصير واستولى على البلاد المصرية والمماليك القبطية بنو إسرائيل، كما قال تبارك وتعالى :
2310
﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بني إِسْرَائِيلَ ﴾ [ الشعراء : ٥٩ ] وقال في الآية الأخرى :﴿ وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرض وَمَغَارِبَهَا التي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ [ الأعراف : ١٣٧ ] وقال عزّ وجلّ هاهنا :﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ ﴾ وهم بنو إسرائيل كما تقدم.
وقوله سبحانه وتعالى :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض ﴾ أي لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد في أبواب السماء فتبكي على فقدهم، ولا لهم في الأرض بقاع عبدوا الله تعالى فيها فقدتهم، فلهذا استحقوا أن لا ينظروا ولا يؤخروا لكفرهم وإجرامهم وعتوهم وعنادهم، روى الحافظ الموصلي، عن أنَس بن مالك رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال :« ما من عبد إلاّ وله في السماء بابان : باب يخرج منه رزقه، وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه »، وتلا هذه الآية :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض ﴾ وذكر أنهم لم يكونوا عملوا على الأرض عملاً صالحاً يبكي عليهم، ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم، ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم، وروى ابن أبي حاتم، عن عباد بن عبد الله قال : سأل رجل علياً رضي الله عنه هل تبكي السماء والأرض على أحد؟ فقال له : لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك؛ إنه ليس من عبد إلاّ له مصلى في الأرض ومصعد عمله من السماء، وإن آل فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض، ولا عمل يصعد في السماء، ثم قرأ علي رضي الله عنه :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ ﴾. وقال ابن جرير، عن سعيد بن جبير قال : أتى ابنَ عباس رضي الله عنهما رجلٌ فقال : يا أبا العباس، أرأيت قول الله تعالى :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ ﴾ فهل تبكي السماء والأرض على أحد؟ قال رضي الله عنه : نعم إنه ليس أحد من الخلائق إلاّ وله باب في السماء منه ينزل رزقه، وفيه يصعد عمله، فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله وينزل منه رزقه ففقده بكى عليه، وإذا فقده مصلاة من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله عزَّ وجلَّ فيها بكت عليه، وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة، ولمك يكن يصعد إلى الله عزَّ وجلَّ منهم خير، فلم تبك عليهم السماء والأرض. وقال سفيان الثوري : تبكي الأرض على المؤمن أربعين صباحاً، وقال مجاهد : ما مات مؤمن إلاّ بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحاً، فقلت له : أتبكي الأرض : فقال : أتعجب؟ وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود؟ وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل، وقال قتادة : كانوا أهون على الله عزَّ وجلَّ من أن تبكي عليهم السماء والأرض.
2311
وقوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بني إِسْرَائِيلَ مِنَ العذاب المهين * مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ المسرفين ﴾ يمتن عليهم تعالى بذلك حيث أنقذهم مما كنوا فيه من إهانة فرعون وإذلاله لهم، وتسخيره إياهم في الأعمال المهينة الشاقة، وقوله تعالى :﴿ مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً ﴾ أي مستكبراً جباراً عنيداً كقوله عزّ وجلّ :﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرض ﴾ [ القصص : ٤ ]، وقوله جلَّت عظمته :﴿ فاستكبروا وَكَانُواْ قَوْماً عَالِينَ ﴾ [ المؤمنون : ٤٦ ]، ﴿ مِّنَ المسرفين ﴾ أي مسرف في أمره سخيف الرأي على نفسه، وقوله جلّ جلاله :﴿ وَلَقَدِ اخترناهم على عِلْمٍ عَلَى العالمين ﴾ قال مجاهد : على من هم بين ظهريه، وقال قتادة : اختبروا على أهل زمانهم ذلك، وكان يقال : إن لكل زمان عالماً، وهذا كقوله عزّ وجلّ لمريم عليها السلام ﴿ واصطفاك على نِسَآءِ العالمين ﴾ [ آل عمران : ٤٢ ] أي في زمانها، فإن خديجة رضي الله عنها أفضل منها، أو مساوية لها في الفضل، وكذا آسية امرأة فرعون، وفضل عائشة رضي الله عنها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، وقوله جلّ جلاله :﴿ وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الآيات ﴾ الحجج والبراهين وخوارق العادات ﴿ مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ ﴾ أي اختيار ظاهر جلي لمن اهتدى به.
2312
يقول تعالى منكراً على المشركين في إنكارهم البعث والمعاد، وأنه ما ثَمَّ إلاّ هذه الحياة الدنيا، ولا حياة بعد الممات ولا بعث ولا نشور، ويحتجون بآبائهم الماضين الذين ذهبوا فلم يرجعوا، فإن كان البعث حقاً ﴿ فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ وهذه حجة باطلة وشبهة فاسدة، فإن المعاد إنما هو يوم القيامة، لا في الدار الدنيا، بل بعد انقضائها وذهابها وفراغها يعيد الله العالمين خلقاً جديداً، ويجعل الظالمين لنار جهنم وقوداً، ثم قال تعالى متهدداً لهم ومتوعداً ومنذراً لهم بأسه الذي لا يرد، كما حل بأشباههم ونظرائهم من المشركين المنكرين للبعث، كقوم تُبَّع وهم ( سبأ ) حيث أهلكهم الله عزَّ وجلَّ وخرب بلادهم، وشردهم في البلاد وفرقهم شذر مذر، كما تقدم ذلك في سورة سبأ.
يقول تعالى مخبراً عن عدله وتنزيهه نفسه عن اللعب والعبث والباطل ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ ﴾ كقوله عزّ وعلا :﴿ وَمَا خَلَقْنَا السمآء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الذين كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النار ﴾ [ ص : ٢٧ ]، وقال تعالى :﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ ﴾ [ المؤمنون : ١١٥ ] ثم قال تعالى :﴿ إِنَّ يَوْمَ الفصل مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ وهو يوم القيامة يفصل الله تعالى فيه بين الخلائق، فيعذب الكافرين ويثيب المؤمنين، وقوله عزّ وجلّ ﴿ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ أي يجمعهم كلهم أولهم وآخرهم ﴿ يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً ﴾ أي لا ينفع قريب قريباً كقوله سبحانه وتعالى :﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ [ المؤمنون : ١٠١ ]، وكقوله جلَّت عظمته :﴿ وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً * يُبَصَّرُونَهُمْ ﴾ [ المعارج : ١٠-١١ ] أي لا يسأل أخ أخاً له عن حاله وهو يراه عياناً، وقوله جلّ وعلا :﴿ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ﴾، أي لا ينصر القريب قريبه ولا يأتيه نصر من خارج، ثم قال :﴿ إِلاَّ مَن رَّحِمَ الله ﴾ أي لا ينفع يومئذٍ إلاّ رحمة الله عزّ وجلّ بخلقه ﴿ إِنَّهُ هُوَ العزيز الرحيم ﴾ أي عزيز ذو رحمة واسعة.
يقول تعالى مخبراً عما يعذب به الكافرين الجاحدين للقائه ﴿ إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم * طَعَامُ الأثيم ﴾ و ﴿ الأثيم ﴾ أي في قوله وفعله، وهو الكافر، وذكر غير واحد أنه ( أبو جهل )، ولا شك في دخوله في هذه الآية، ولكن ليست خاصة به، قال همام بن الحارث : إن أبا الدرداء كان يقرىء رجلاً :﴿ إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم * طَعَامُ الأثيم ﴾ فقال : كعام اليتيم، فقال أبو الدرداء رضي الله عنه : قل : إن شجرة الزقوم طعام الفاجر، أي ليس له طعام من غيرها، قال مجاهد : ولو وقعت قطرة منها في الأرض لأفسدت على أهل الأرض معايشهم، وقوله ﴿ كالمهل ﴾ كعكر الزيت ﴿ يَغْلِي فِي البطون * كَغَلْيِ الحميم ﴾ أي من حرارتها ورداءتها، وقوله تعالى :﴿ خُذُوهُ ﴾ أي الكافر، وقد ورد أنه تعالى إذا قال للزبانية ﴿ خُذُوهُ ﴾ ابتدروه سبعون ألفاً منهم، وقوله ﴿ فاعتلوه ﴾ أي سوقوه سحباً ودفعاً في ظهره، قال مجاهد ﴿ خُذُوهُ فاعتلوه ﴾ أي خذوه فادفعوه، ﴿ إلى سَوَآءِ الجحيم ﴾ أي وسطها ﴿ ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الحميم ﴾ كقوله عزّ وجل :﴿ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ والجلود ﴾ [ الحج : ١٩-٢٠ ]. وقد تقدم أن الملك يضربه بمقمعة من حديد فتفتح دماغه، ثم يصب الحميم على رأسه فينزل في بدنه، فيسلت ما في بطنه من أمعائه حتى تمرق من كعبيه، أعاذنا الله تعالى من ذلك، وقوله تعالى :﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم ﴾ أي قولوا له ذلك على وجه التهكم والتوبيخ، وقول الضحاك عن ابن عباس : أي لست بعزيز ولا كريم، وقد قال الأموي في « مغازيه »، حدثنا أسباط بن محمد، حدثنا أبو بكر الهذلي عن عكرمة قال :« لقي رسول الله ﷺ أبا جهل، لعنه الله فقال : إن الله تعالى أمرني أن أقول لك :» أولى لك فأولى، ثم أولى لك فأولى «، قال، فنزع ثوبه من يده وقال : ما تستطيع لي أنت ولا صاحبك من شيء ولقد علمت أني أمنع أهل البطحاء، وأنا العزيز الكريم. قال : فقتله الله تعالى يوم بدر وأذله، وعيَّره بكلمته، وأنزل :﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم ﴾ » وقوله عزّ وجلّ :﴿ إِنَّ هذا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ ﴾ كقوله تعالى :﴿ هذه النار التي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ ﴾ [ الطور : ١٤-١٥ ].
لما ذكر تعالى حال الأشقياء عطف بذكر السعداء، ولهذا سمي القرآن مثاني، فقال :﴿ إِنَّ المتقين ﴾ أي لله في الدنيا ﴿ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ﴾ أي في الآخرة، وهو الجنة وقد أمنوا فيها من الموت والخروج، ومن كل هم وحزن وجزع وتعب ونصب، من الشيطان وكيده وسائر الآفات والمصائب ﴿ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ وهذا في مقابلة ما أولئك فيه من شجرة الزقوم وشرب الحميم، وقوله تعالى :﴿ يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ ﴾ وهو رفيع الحرير، كالقمصان ونحوها، ﴿ وَإِسْتَبْرَقٍ ﴾ وهو ما فيه بريق ولمعان، وذلك كالريش ما يلبس على أعالي القماش ﴿ مُّتَقَابِلِينَ ﴾ أي على السرر لا يجلس أحد منهم وظهره إلى غيره، وقوله تعالى :﴿ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ ﴾ أي هذا العطاء ما قد منحناهم من الزوجات الحسان الحور العين اللاتي ﴿ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ ﴾ الرحمن : ٥٦ ] ﴿ كَأَنَّهُنَّ الياقوت والمرجان ﴾ [ الرحمن : ٥٨ ] روى ابن أبي حاتم، عن أنس رضي الله عنه رفعه قال : لو أن حوراء بزقت في بحر لجي لعذب ذلك الماء لعذوبة ريقها، وقوله عزّ وجلّ :﴿ يَدْعُونَ فِيهَا بِكلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ ﴾ أي مهما طلبوا من أنواع الثمار أحضر لهم، وهم آمنون من انقطاعه وامتناعه بل يحضر إليهم كلما أرادوا، وقوله :﴿ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى ﴾، وهذا استثناء يؤكد النفي، ومعناه أنهم لا يذوقون فيها الموت أبداً، كما ثبت في « الصحيحين » « أن رسول الله ﷺ قال :» يؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت. ويا أهل النار خلود فلا موت « وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا :» قال رسول الله ﷺ :« يقال لأهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً ».
وقوله تعالى :﴿ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الجحيم ﴾ أي مع هذا النعيم العظيم المقيم، قد وقاهم ونجاهم وزحزحهم عن العذاب الأليم، في دركات الجحيم، ولهذا قال عزّ وجل :﴿ فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم ﴾ أي إنما كان هذا بفضله عليهم، وإحسانه إليهم، كما ثبت في الصحيح « عن رسول الله ﷺ أنه قال :» اعملوا وسددوا وقاربوا واعلموا أن أحداً لن يدخله عمله الجنة «، قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال ﷺ :» ولا أنا إلاّ أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل « » وقوله تبارك وتعالى :﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ أي إنما يسرنا هذا الرآن الذي أنزلناه سهلاً واضحاً بيناً جلياً بلسانك الذي هو أفصح اللغات وأجلاها وأحلاها وأعلاها، ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ أي يتفهمون ويعملون، ثم لما كان مع هذا الوضوح والبيان، من الناس من كفر وخالف وعاند، قال الله تعالى لرسوله صلى اله عليه وسلم مسلياً له وواعداً له بالنصر، ومتوعداً لمن كذبه بالعطف والهلاك ﴿ فارتقب ﴾ أي انتظر ﴿ إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ ﴾ أي فيسعلمون لمن تكون النصرة والظفر، وعلو الكلمة في الدنيا والآخرة، فإنها لك يا محمد ولإخوانك من النبيين والمرسلين، ومن اتبعكم من المؤمنين، كما قال تعالى :
2316
﴿ كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي ﴾ [ المجادلة : ٢١ ] الآية، وقال تعالى :﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد * يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظالمين مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللعنة وَلَهُمْ سواء الدار ﴾ [ غافر : ٥١-٥٢ ].
2317
Icon