ﰡ
وقوله تعالى :﴿ وَيُطْعِمُونَ الطعام على حُبِّهِ ﴾ قيل : على حب الله تعالى لدلالة السياق عليه، مجاهد ومقاتل، واختاره ابن جرير كقوله تعالى :﴿ وَآتَى المال على حُبِّهِ ﴾ [ البقرة : ١٧٧ ]، وكقوله تعالى :﴿ لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [ آل عمران : ٩٢ ]، وروى البيهقي عن نافع قال : مرض ابن عمر فاشتهى عنباً أول ما جاء العنب، فأرسلت صفية يعني امرأة فانتشرت عنقوداً بدرهم، فاتبع الرسول سائل، فلما دخل به قال السائل : السائل، فقال ابن عمر : أعطوه إياه فأعطوه إياه، وفي الصحيح :« أفضل الصدقة أن تصدّق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر » أي في حال محبتك للمال وحرصك عليه وحاجتك إليه، ولهذا قال تعالى :﴿ وَيُطْعِمُونَ الطعام على حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ﴾ أما المسكين واليتيم فقد تقدم بيانهما وصفتهما، وأما الأسير فقال الحسن والضحّاك : الأسير من أهل القبلة، وقال ابن عباس :« كان أسراؤهم يومئذٍ مشركين، يشهد لهذا أن رسول الله ﷺ أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى، فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء »
قال الله تعالى :﴿ فَوَقَاهُمُ الله شَرَّ ذَلِكَ اليوم وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً ﴾ وهذا من باب التجانس البليغ، ﴿ فَوَقَاهُمُ الله شَرَّ ذَلِكَ اليوم ﴾ أي آمنهم مما خافوا منه، ﴿ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً ﴾ أي في وجوههم، ﴿ وَسُرُوراً ﴾ أي في قلوبهم وهذه كقوله تعالى :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ ﴾ [ عبس : ٣٨-٣٩ ] وذلك أن القلب إذا سر استنار الوجه. قال كعب بن مالك في حديثه الطويل :« وكان رسول الله ﷺ إذا سر استنار وجهه حتى كأنه فلقة قمر، وقالت عائشة رضي الله عنها، » دخل عليَّ رسول الله صلى الله وسلم مسروراً تبرق أسارير وجهه « » الحديث. وقوله تعالى :﴿ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ ﴾ أي بسبب صبرهم أعطاهم ونولهم وبوأهم ﴿ جَنَّةً وَحَرِيراً ﴾ أي منزلاً رحباً، وعشياً رغداً، ولباساً حسناً.
وقوله تعالى :﴿ وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً ﴾ أي ويسقون - يعني الأبرار أيضاً - في هذه الأكواب ﴿ كَأْساً ﴾ أي خمراً، ﴿ كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً ﴾ فتارة يمزج لهم الشراب بالكافور وهو بارد، وتارة بالزنجبيل، وهو حار ليعتدل الأمر، وهؤلاء يمزج لهم من هذا تارة ومن هذا تارة، وأما المقربون فإنهم يشربون من كل منهما صرفاً كما قاله قتادة وغير واحد، وقد تقدم قوله جلا وعلا :﴿ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله ﴾ [ الإنسان : ٦ ]، وقال هاهنا :﴿ عَيْناً فِيهَا تسمى سَلْسَبِيلاً ﴾ أي الزنجبيل عين في الجنة تسمى سلسبيلاً، قال عكرمة، اسم عين في الجنة. وقال مجاهد : سميت بذلك لسلامة مسيلها وحدة جريها، وقوله تعالى :﴿ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً ﴾ أي يطوف على أهل الجنة ولدان من ولدان الجنة ﴿ مُّخَلَّدُونَ ﴾ أي على حالة واحدة، مخلدون عليها لا يتغيرون عنها لا تزيد أعمارهم عن تلك السن، وقوله تعالى :﴿ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً ﴾ أي إذا رأيتهم في صباحة وجوههم، وحسن ألوانهم وثيابهم وحليهم ﴿ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً ﴾ ولا يكون في التشبيه أحسن من هذا، ولا في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن، قال قتادة : ما من أهل الجنة من أحد إلاّ يسعى عليه ألف خادم كل خادم على عمل ما عليه صاحبه، وقوله جلا وعلا :﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ﴾ أي وإذا رأيت يا محمد ﴿ ثَمَّ ﴾ أي هناك يعني في الجنة ونعيمها، وسعتها وارتفاعها، وما فيها من الحبرة والسرور ﴿ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً ﴾ أي مملكة لله هناك عظيمة، وسلطاناً باهراً، وثبت في الصحيح
وقوله جلَّ جلاله :﴿ عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ﴾ أي لباس أهل الجنة فيها الحرير ( السندس ) وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها مما يلي أبدانهم، و ( الاستبرق ) وهو ما فيه بريق ولمعان وهو مما يلي الظاهر، كما هو المعهود في اللباس، ﴿ وحلوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ ﴾ وهذه صفة الأبرار، وأما المقربون فكما قال تعالى :﴿ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾ [ الحج : ٢٣، فاطر : ٣٣ ] لما ذكر تعالى زينة الظاهر بالحرير والحلي قال بعده :﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ﴾ أي طهر بواطنهم من الحسد والحقد، والغل والأذى وسائر الأخلاق الرديئة، كما روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال : إذا انتهى أهل الجنة إلى باب الجنة وجدوا هنالك عينين فكأنما ألهموا ذلك فشربوا من إحداهما، فأذهب الله ما في بطونهم من أذى، ثم اغتسلوا من الأُخرى، فجرت عليهم نضرة النعيم، فأخبر سبحانه وتعالى بحالهم الظاهر وجمالهم الباطن، وقوله تعالى :﴿ إِنَّ هذا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً ﴾ أي يقال لهم ذلك تكريماً لهم وأحساناً إليهم كما قال تعالى :﴿ كُلُواْ واشربوا هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي الأيام الخالية ﴾ [ الحاقة : ٢٤ ]، وكقوله تعالى :﴿ ونودوا أَن تِلْكُمُ الجنة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [ الأعراف : ٤٣ ] وقوله تعالى :﴿ وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً ﴾ أي جزاكم الله تعالى على القليل بالكثير.