تفسير سورة الضحى

مختصر تفسير ابن كثير
تفسير سورة سورة الضحى من كتاب تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير المعروف بـمختصر تفسير ابن كثير .
لمؤلفه محمد نسيب الرفاعي . المتوفي سنة 1412 هـ

روى الإمام أحمد، عن جندب بن عبد الله قال :« اشتكى النبي ﷺ فلم يقم ليلة أو ليلتين، فأتت امرأة فقالت : يا محمد ما آرى شيطانك إلاّ قد تركك، فأنزل الله عزَّ وجلَّ :﴿ والضحى * والليل إِذَا سجى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قلى ﴾ » وفي رواية : أبطأ جبريل على رسول الله ﷺ، فقال المشركون : ودع محمداً ربه، فأنزل الله تعالى :﴿ والضحى * والليل إِذَا سجى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قلى ﴾، وهذا قسم منه تعالى بالضحى وما جعل فيه من الضياء ﴿ والليل إِذَا سجى ﴾ أي سكن فأظلم وادلهم، وذلك دليل ظاهر على قدرته تعالى، كما قال تعالى :﴿ والليل إِذَا يغشى * والنهار إِذَا تجلى ﴾ [ الليل : ١-٢ ]، وقال تعالى :﴿ فَالِقُ الإصباح وَجَعَلَ الليل سَكَناً والشمس والقمر حُسْبَاناً ذلك تَقْدِيرُ العزيز العليم ﴾ [ الأنعام : ٩٦ ]، وقوله تعالى :﴿ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ ﴾ أي ما تركك ﴿ وَمَا قلى ﴾ أي وما أبغظك، ﴿ وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى ﴾ أي وللدار الآخرة خير لك من هذه الدار، ولهذا كان رسول الله ﷺ أزهد الناس في الدنيا وأعظمهم لها إطراحاً، كما هو معلوم بالضرورة من سيرته، ولما خيَّر عليه السلام في آخر عمره، بين الخلد في الدنيا إلى آخرها ثم الجنة، وبين الصيرورة إلى الله عزَّ وجلَّ، اختار ما عند الله على هذه الدنيا الدنية، ورى الإمام أحمد، عن عبد الله بن مسعود قال :« اضطجع رسول الله ﷺ على حصير فأثر في جنبه، فلما استيقظ جعلت أمسح جنبه، وقلت : يا رسول الله ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئاً، فقال رسول الله ﷺ :» ما لي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظلّ تحت شجرة ثم راح وتركها « » وقوله تعالى :﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى ﴾ أي في الدار الآخرة يعطيه حتى يرضيه في أُمته، وفيما أعده له من الكرامة، ومن جملته نهر الكوثر الذي حفتاه قباب اللؤلؤ المجوف وطينه مسك أذفر كما سيأتي. وروي عن ابن عباس أنه قال :« عرض على رسول الله ﷺ ما هو مفتوح على أُمته من بعده كنزاً كنزاً فسرّ بذلك، فأنزل الله ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى ﴾ فأعطاه في الجنة ألف ألف قصر في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم »، وقال السدي عن ابن عباس : من رضاء محمد ﷺ أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار، قال الحسن : يعني بذلك الشفاعة، ثم قال تعالى يعدّد نعمه على عبده ورسوله محمد صلوات الله سلامه عليه :﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوى ﴾ وذلك أن أباه توفي وهو حمل في بطن أمه، ثم توفيت أمه آمنة بنت وهب وله من العمر ست سنين، ثم كان في كفالة جده عبد المطلب إلى أن توفي وله من العمر ثمان سنين، فكفله عمه أبو طالب، ثم لم يزل يحوطه وينصره ويرفع من قدره ويوقره ويكف عنه أذى قومه بعد أن ابتعثه الله على رأس أربعين سنة من عمره، هذا وأبو طالب على دين قومه من عبادة الأوثان، وكل ذلك بقدر الله وحسن تدبيره، إلى أن توفي أبو طالب قبل الهجرة بقليل، فأقدم عليه سفهاء قريش وجهالهم، فاختار الله له الهجرة من بين أظهرهم إلى بلد الأنصار من الأوس والخزرج، كما أجرى الله سنته على الوجه الأتم الأكمل، فلما وصل إليهم آووه ونصروه وحاطوه وقاتلوا بين يديه رضي الله عنهم أجمعين، وكل هذا من حفظ الله له وكلاءته وعنايته به.
2716
وقوله تعالى :﴿ وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فأغنى ﴾ كقوله :﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب وَلاَ الإيمان ﴾ [ الشورى : ٥٢ ] الآية، ومنهم من قال : إن المراد بهذا أن النبي ﷺ ضلّ في شعاب مكّة وهو صغير ثم رجع، وقيل : إنه ضل وهو مع عمه في طريق الشام وكان راكباً ناقة في الليل، فجاء إبليس فعدل بها عن الطريق، فجاء جبريل فنفخ إبليس نفخة ذهب منها إلى الحبشة، ثم عدل بالراحلة إلى الطريق، حكاهما البغوي، وقوله تعالى :﴿ وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فأغنى ﴾ أي كنت فقيراً ذا عيال فأغناك الله عمن سواه، فجمع له بين مقامي الفقير الصابر، والغني الشاكر، صلوات الله وسلامه عليه، وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال، قال رسول الله ﷺ :« ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس » وفي « صحيح مسلم » عن عبد الله بن عمرو قال، قال رسول الله ﷺ :« قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه » ثم قال تعالى :﴿ فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تَقْهَرْ ﴾ أي كما كنت يتيماً فآواك الله، فلا تقهر اليتيم، أي لا تذله وتنهره وتهنه، ولكن أحسن إليه وتلطف به، وقال قتادة : كن لليتم كالأب الرحيم، ﴿ وَأَمَّا السآئل فَلاَ تَنْهَرْ ﴾ أي وكما كنت ضالاً فهداك الله، فلا تنهر السائل في العلم المسترشد، قال ابن إسحاق :﴿ وَأَمَّا السآئل فَلاَ تَنْهَرْ ﴾ أي فلا تكن جباراً ولا متكبراً، ولا فحاشاً ولا فظاً على الضعفاء من عباد الله، وقال قتادة : يعني ردّ المسكين برحمة ولين، ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ أي وكما كنت عائلاً فقيراً فأغناك الله، فحدث بنعمة الله عليك، كما جاء في الدعاء المأثور :« واجعلنا شاكرين لنعمتك، مثنين بها عليك، قابليها وأتمها علينا »
2717
وعن أبي نضرة قال : كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يحدث بها، وفي الصحيحين عن أنس « أن المهاجرين قالوا : يا رسول الله ذهب الأنصار بالأجر كله، قال : لا، ما دعوتم الله لهم، وأثنيتم عليهم »، وروى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال :« لا يشكر الله من لا يشكر الناس » وقال مجاهد : يعني النبوة التي أعطاك ربك، وفي رواية عنه : القرآن، وقال الحسن بن علي : ما عملت من خير فحدّث إخوانك، وقال ابن إسحاق : ما جاءك من الله من نعمة وكرامة من النبوة، فحدث بها واذكرها وادع إليها.
2718
Icon