ﰡ
- ٢ - وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى - ٣ - مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى
- ٤ - وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى
- ٥ - وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى
- ٦ - أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى
- ٧ - وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى
- ٨ - وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَى
- ٩ - فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ
- ١٠ - وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تنهر
- ١١ - وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فحدث
روى الإمام أحمد، عن جندب بن عبد الله قال: اشْتَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ، فَأَتَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ مَا أَرَى شَيْطَانَكَ إِلَّا قَدْ تَرَكَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: ﴿وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ (أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي). وفي رواية: أَبْطَأَ جِبْرِيلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، فقال المشركون: ودع محمداً ربه، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾، وَهَذَا قَسَمٌ مِنْهُ تَعَالَى بِالضُّحَى وَمَا جَعَلَ فِيهِ مِنَ الضِّيَاءِ ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا سجى﴾ أي سكن فأظلم وادلهم، وذلك دليل ظاهر على قدرته تعالى، كما قال تعالى: ﴿والليل إِذَا يغشى * والنهار إِذَا تجلى﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾، وقوله تعالى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ﴾ أَيْ مَا تَرَكَكَ ﴿وَمَا قَلَى﴾ أَيْ وَمَا أَبْغَضَكَ، ﴿وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى﴾ أي وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ هَذِهِ الدَّارِ، وَلِهَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْهَدَ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا وَأَعْظَمَهُمْ لَهَا إِطْرَاحًا، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ سِيرَتِهِ، وَلَمَّا خيِّر عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ، بَيْنَ الخلد في
نِعَمَهُ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى﴾ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ وهو حمل في بطن أمه، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ سِتُّ سِنِينَ، ثُمَّ كَانَ فِي كَفَالَةِ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ ثَمَانِ سِنِينَ، فَكَفَلَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَحُوطُهُ وَيَنْصُرُهُ وَيَرْفَعُ مِنْ قَدْرِهِ وَيُوَقِّرُهُ وَيَكُفُّ عَنْهُ أَذَى قَوْمِهِ بَعْدَ أَنِ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ عُمْرِهِ، هَذَا وَأَبُو طَالِبٍ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِقَدَرِ اللَّهِ وَحُسْنِ تَدْبِيرِهِ، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِقَلِيلٍ، فَأَقْدَمَ عَلَيْهِ سُفَهَاءُ قُرَيْشٍ وَجُهَّالُهُمْ، فَاخْتَارَ اللَّهُ لَهُ الْهِجْرَةَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ إِلَى بَلَدِ الْأَنْصَارِ من الأوس والخزرج، كما أحرى الله سنته على الوجه الأتم الأكمل، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِمْ آوَوْهُ وَنَصَرُوهُ وَحَاطُوهُ وَقَاتَلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ رَّضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَكُلُّ هَذَا مِنْ حِفْظِ اللَّهِ لَهُ وَكِلَاءَتِهِ وَعِنَايَتِهِ به.
وقوله تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ﴾ الآية، ومنهم من قال: إن المراد بهذا أن النبي صلَّى الله عليه وسلم ضَلَّ فِي شِعَابِ مَكَّةَ وَهُوَ صَغِيرٌ ثُمَّ رَجَعَ، وَقِيلَ: إِنَّهُ ضَلَّ وَهُوَ مَعَ عَمِّهِ فِي طَرِيقِ الشَّامِ وَكَانَ رَاكِبًا نَاقَةً
فِي الليل، فجاء إبليس فعدل بِهَا عَنِ الطَّرِيقِ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ فَنَفَخَ إِبْلِيسَ نَفْخَةً ذَهَبَ مِنْهَا إِلَى الْحَبَشَةِ، ثُمَّ عَدَلَ بالراحلة إلى الطريق، حكاه البغوي، وقوله تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَى﴾ أَيْ كُنْتَ فَقِيرًا ذَا عِيَالٍ فَأَغْنَاكَ اللَّهُ عَمَّنْ سِوَاهُ، فَجَمَعَ لَهُ بَيْنَ مَقَامَيِ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ، وَالْغَنِيِّ الشَّاكِرِ، صَلَوَاتُ الله وسلامه عليه، وفي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس» (أخرجه الشيخان). وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ الله بما آتاه» (أخرجه مسلم). ثم قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ﴾ أَيْ كَمَا كُنْتَ