ﰡ
وقوله تعالى :﴿ وَأَحْصُواْ العدة ﴾ أي احفظوها واعرفوا ابتداءها وانتهاءها لئلا تطول العدة على المرأة فتمتنع من الأزواج، ﴿ واتقوا الله رَبَّكُمْ ﴾ أي في ذلك، وقوله تعالى :﴿ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ ﴾ أي في مدة العدة لها حق السكنى على الزوج ما دامت معتدة منه، فليس للرجل أن يخرجها ولا يجوز لها أيضاً الخروج لأنها متعلقة لحق الزوج أيضاً، وقوله تعالى :﴿ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ﴾ أي لا يخرجن من بيوتهن إلا أن ترتكب المرأة فاحشة مبينة، والفاحشة المبينة تشمل الزنا، وتشمل ما إذا نشزت المرأة أو بذت على أهل الرجل وآذتهم في الكلام والفعال، وقوله تعالى :﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ الله ﴾ أي شرائعه ومحارمه ﴿ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله ﴾ أي يخرج عنها ويتجاوزها إلى غيرها ولا يأتمر بها ﴿ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ أي بفعل ذلك، وقوله تعالى :﴿ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً ﴾ أي لعل الزوج يندم على طلاقها ويخلق الله تعالى في قلبه رجعتها، قال الزهري عن فاطمة بنت قيس في قوله تعالى :﴿ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً ﴾ قالت : هي الرجعة، ومن هاهنا ذهب من ذهب من السلف إلى أنه لا تجب السكنى للمبتوتة أي المقطوعة، وكذا المتوفى عنها زوجها، واعتمدوا أيضاً على حديث ( فاطمة بنت قيس )
عن عبد الله بن مسعود قال : إن أجمع آية في القرآن :﴿ إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان ﴾ [ النحل : ٩٠ ]، وإن أكبر آية في القرآن فرجاً :﴿ وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ﴾. وفي المسند، عن عبد الله بن عباس قال، قال رسول الله ﷺ :« من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب » وقال ابن عباس :﴿ وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ﴾ يقول : ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة، ﴿ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ﴾، وقال الربيع من خيثم :﴿ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ﴾ أي من كل شيء ضاق على الناس، ﴿ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ﴾ أي من حيث لا يدري، وقال قتادة ﴿ وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ﴾ أي من شبهات الأمور والكرب عند الموت، ﴿ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ﴾ من حيث يرجو ولا يأمل، وقال السدي :﴿ وَمَن يَتَّقِ الله ﴾ يطلق للسنة، ويراجع للسنة، وزعم « أن رجلاً من أصحاب رسول الله ﷺ يقال له عوف بن مالك الأشجعي، كان له ابن وأن المشركين أسروه فكان فيهم، وكان أبوه يأتي رسول الله ﷺ فيشكو إليه مكان ابنه وحاله التي هو بها وحاجته، فكان رسول الله ﷺ يأمره بالصبر، ويقول له :» إن الله سيجعل لك فرجاً «، فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيراً أن انفلت ابنه من أيدي العدوّ، فمر بغنم من أغنام العدو فاستاقها، فجاء بها إلى أبيه وجاء معه بغنم قد أصابه من المغنم »
وقوله تعالى :﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ روى الإمام أحمد، عن ابن عباس :« أنه ركب خلف رسول الله ﷺ يوماً، فقال له رسول الله ﷺ :» يا غلام إني معلمك كلمات : احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف « » وقال الإمام أحمد، عن ابن مسعود، قال، قال رسول الله ﷺ :« من نزل به حاجة فأنزلها بالناس كان قمناً أن لا تسهل حاجته، ومن أنزلها بالله تعالى أتاه الله برزق عاجل أو بموت آجل » وقوله تعالى :﴿ إِنَّ الله بَالِغُ أَمْرِهِ ﴾ أي منفذ قضاياه وأحكامه في خلقه بما يريده ويشاؤه ﴿ قَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ﴾ كقوله تعالى :﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ [ الرعد : ٨ ].
وروى البخاري ومسلم :« أن سبيعة كانت تحت ( سعد بن خولة ) وكان ممن شهدا بدراً، فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلّت من نفاسها تجملت للخطّاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك فقال لها : ما لي أراك متجملة؟ لعلك ترجين النكاح! إنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر، قالت سبيعة : فلما قال لي ذلك، جمعت عليَّ ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول الله ﷺ فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزويج إن بدا لي »