تفسير سورة الدّخان

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
تفسير سورة سورة الدخان من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم .
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

إلَّا آية:﴿ إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلْعَذَابِ ﴾[الدخان: ١٥] لمَّا أمره بالصفح عن المشركين وهددهم، أتبعه بإنذارهم بيوم يغشاهم العذاب الأليم فقال ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * حـمۤ * وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ * إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ ﴾: الكتاب من اللوح إلى بيت العزة من السماء الدنيا ﴿ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ﴾: ليلة القدر عن الأكثر، وقيل: نصف شعبان وتسمى أيضا: ليلة البراءة والرحمة والصَّكّ، وبركتها لنزول القرآن والملائكة والرحمة فيها وإجابة الدعوة أو قسم النعم، قال ابن عباس: يكتب من أم الكتاب ليلة القدر ما هو كائن في السنة من الخير والشر والأرزاق والآجال، وعن عكرمة: يبرم في ليلة النصف من شعبان أمر السنة ﴿ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾: بإنزاله ﴿ فِيهَا ﴾: في تلك الليلة ﴿ يُفْرَقُ ﴾: يفصل ﴿ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾: محكم كم من أمور الخلق إلى مثل تلك الليلة، أعني به ﴿ أَمْراً ﴾: حاصِلاً ﴿ مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ﴾: الرسل ﴿ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ﴾: لأقوالكم ﴿ ٱلْعَلِيمُ ﴾: بأحوالكم ﴿ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ ﴾: مريدين الإيقان فاعلموه ﴿ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ * بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ ﴾: استهزاء بك، ولما دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بسبع كسبع يوسف نزلت: ﴿ فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ﴾: أسند إليها لأنه يكفها عن المطر فقحطوا حتى رأوا لشدة جوعهم كدخان بين السماء والأرض ﴿ يَغْشَى ٱلنَّاسَ ﴾: فقالوا ﴿ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا ﴾: فإنا ﴿ مْؤْمِنُونَ ﴾: مصدقون نبيك أو هو دخان عد من أشراط الساعة، قال تعالى: ﴿ أَنَّىٰ ﴾: من أين ﴿ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ ﴾: التذكر ﴿ وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ ﴾: طرق الهدى ﴿ ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ ﴾: هو ﴿ مُعَلَّمٌ ﴾: يعلمه عبد يهودي ﴿ مَّجْنُونٌ ﴾: كل واحد قول بعض ﴿ إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً ﴾: هو مدة حياتهم ﴿ إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ ﴾: على قول الثاني، هو أن يكشف عنهم بدعائهم ثم يرتدوا بعد أربعين يوما ﴿ يَوْمَ ﴾: ظرف لمدلول منتقمون ﴿ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ﴾: السطوة ﴿ ٱلْكُبْرَىٰ ﴾: البدر او القيامة ﴿ إِنَّا مُنتَقِمُونَ ﴾: منهم ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا ﴾: بلونا ﴿ قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ ﴾: معه ﴿ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ ﴾: حسبا و نسبا، هو موسى ﴿ أَنْ ﴾: بان ﴿ أَدُّوۤاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ﴾: بني إسرائيل ولا تعذبوهم ﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾: على الوحي ﴿ وَأَن لاَّ تَعْلُواْ ﴾: تتكبروا ﴿ عَلَى ٱللَّهِ ﴾: بمعصيته ﴿ إِنِّيۤ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ ﴾: حجة ﴿ مُّبِينٍ ﴾: على صدقي، فأودعوه بالرجم فقال: ﴿ وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ ﴾: تقتلون بالرجم ﴿ وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَٱعْتَزِلُونِ ﴾: فاتركوني من حيث الأذى، فما تركوه ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ ﴾: بأن ﴿ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ ﴾: تعريض بالدعاء عليهم فقال تعالى إن كانو كذلك ﴿ فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً ﴾: اي: قبل قرب الصبح، فلا تكرار ﴿ إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ﴾: يتبعكم فرعون و قومه ﴿ وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ ﴾: إذا قطعته مع قومك ﴿ رَهْواً ﴾: مفتوحا ذا فجوة، أو ساكنا منفرجا ليأخذه مع قومه ﴿ إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ ﴾: فدخلوا بعدهم و غَرقوا ﴿ كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ ﴾: بساتين ﴿ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ ﴾: مجلس ﴿ كَرِيمٍ ﴾: حسن النضر ﴿ وَنَعْمَةٍ ﴾: تنعم ﴿ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ ﴾: متنعمين، الأمر ﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ ﴾: بني إسرائيل ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَآءُ ﴾: مصعد عملهم و مهبط رزقهم ﴿ وَٱلأَرْضُ ﴾: مصلاهم و محل عبادتهم بخلاف المؤمنين أو أهلها ﴿ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ ﴾: ممهلين للتوبة.
﴿ وَلَقَدْ نَجَّيْنَا ﴾: بهلاكهم ﴿ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِنَ ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ ﴾: الواقع ﴿ مِن ﴾: جهة ﴿ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً ﴾: مُتكبراً ﴿ مِّنَ ٱلْمُسْرِفِينَ * وَلَقَدِ ٱخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ ﴾: منا باستحقاقهم ﴿ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ ﴾: عالمي زمانهم ﴿ وَآتَيْنَاهُم ﴾: على يد موسى ﴿ مِّنَ ٱلآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاَءٌ ﴾: نقمة ﴿ مُّبِينٌ ﴾: من فلق البحر وغيره ﴿ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ ﴾: قريش ﴿ لَيَقُولُونَ * إِنْ ﴾: ما ﴿ هِيَ ﴾: العاقبة ﴿ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ ﴾: بزعمكم ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ ﴾: من القبر ﴿ فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا ﴾: أحياء ﴿ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾: في البعث ﴿ أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ ﴾: الحميري باني الحيرة وسمرقند، وقد شك النبي صلى الله عليه و سلم في نبوته و قومه سبأ، كانو كافرين في زمن موسى، و هو آمن بمحمد صلى الله عليه و سلم، ووصل كتاب عهده الذي التمس فيه شفاعته اليه، حكاه ابن إسحاق وغيره ﴿ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾: كعاد و ثمود ﴿ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ * وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾: الجنسين ﴿ لَـٰعِبِينَ ﴾: أي: لو بطل الجزاء على العمل لكان الخلق أشبه شيء باللعب ﴿ مَا خَلَقْنَاهُمَآ ﴾: مع ما بينهما ﴿ إِلاَّ ﴾: ملتبسين ﴿ بِٱلْحَقِّ ﴾: من البعث والجزاء ونحوه ﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ ﴾: بين العباد أي: القيامة ﴿ مِيقَاتُهُمْ ﴾: وقت موعدهم ﴿ أَجْمَعِينَ * يَوْمَ لاَ يُغْنِي ﴾: يدفع ﴿ مَوْلًى ﴾: بقرابة وغيرها ﴿ عَن مَّوْلًى شَيْئاً ﴾: من العذاب ﴿ وَلاَ هُمْ ﴾: أي المولى، جمع للمعنى ﴿ يُنصَرُونَ ﴾: منه ﴿ إِلاَّ مَن رَّحِمَ ٱللَّهُ ﴾: المؤمنون ﴿ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾: في انتقامه ﴿ ٱلرَّحِيمُ ﴾: لمن أراد ﴿ إِنَّ شَجَرَتَ ٱلزَّقُّومِ ﴾: كما مر ﴿ طَعَامُ ٱلأَثِيمِ ﴾: كثير الإثم، كأبي جهل وصحبه ﴿ كَٱلْمُهْلِ ﴾: النحاس الذائب ونحوه، أو دردي الزيد ﴿ يَغْلِي فِي ٱلْبُطُونِ * كَغَلْيِ ٱلْحَمِيمِ ﴾: الشديد الحرارة، يقال لزبانية ﴿ خُذُوهُ فَٱعْتِلُوهُ ﴾: جروه بالعنف ﴿ إِلَىٰ سَوَآءِ ﴾: وسط ﴿ ٱلْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ ٱلْحَمِيمِ ﴾: أضافة بيانية، فيصب فيقطع أمعاءَه، فيقال له توبيخاً: ﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ ﴾: إذ قال أبو جهل حين نازع النبي صلى الله عليه وسلم: أنا العزيز الكريم ﴿ إِنَّ هَـٰذَا ﴾: العذاب ﴿ مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ ﴾: تشكون ﴿ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ﴾: يؤمنهم من كل خوف ﴿ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ ﴾: رقيق الحرير ﴿ وَإِسْتَبْرَقٍ ﴾: غليظه و ليس غليظها كغليظ الدنيا ليلزم النَّقْص، أو هي للعبيد، والأول للسادة، وقيل: سُمِّي به لشدة بريقه ﴿ مُّتَقَابِلِينَ ﴾: بالمحبة لا يتدابرون بعضا أي: كما مر، الأمر ﴿ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم ﴾: قرناهم ﴿ بِحُورٍ ﴾: بيض ﴿ عِينٍ ﴾: عظيمة العين ﴿ يَدْعُونَ فِيهَا بِكلِّ ﴾: بإحضار كل ﴿ فَاكِهَةٍ ﴾: يشتهونها ﴿ آمِنِينَ ﴾: من المكاره ﴿ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ﴾: لكن ﴿ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ ﴾: ذاقوا في الدنيا أو الضمير للآخرة، والموت أوَّل أحوالها، فالاستثناء متصلً ﴿ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ * فَضْلاً ﴾: تَفضلًا ﴿ مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ * فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ ﴾: سَهًلْنا القرآن ﴿ بِلِسَانِكَ ﴾: بلغتك ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾: بعد فهمه ﴿ فَٱرْتَقِبْ ﴾: النصر الموعود ﴿ إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ ﴾: الدوائر عليكم نُسِخ بأية السَّيْفِ، والله تعالى أعلم.
Icon