تفسير سورة الفجر

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
تفسير سورة سورة الفجر من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم .
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

لَمَّا قال:﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ﴾[الغاشية: ٢] إلى أن أمره بالتذكير، أتبعه بذكر طوائف من المذكبين وما حل بهم ليتذكروا فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * وَٱلْفَجْرِ ﴾: الصُّبح أو صلاته أو فجر النحر ﴿ وَلَيالٍ عَشْرٍ ﴾: من أول ذي الحجّة، أو: آخر رمضان، أو أول المحرم، ونكرها تعظيما ﴿ وَٱلشَّفْعِ ﴾: الزوج وهو الخلق﴿ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ﴾[الذاريات: ٤٩] ﴿ وَٱلْوَتْرِ ﴾: الخالق ﴿ وَٱلَّيلِ إِذَا يَسْرِ ﴾ أي: يمضي، قيده لأنه أدل على القدرة ﴿ هَلْ ﴾ للتقرير ﴿ فِي ذَلِكَ ﴾: القسم ﴿ قَسَمٌ ﴾: عظيم ﴿ لِّذِى حِجْر ﴾: أي: عقل فيزدجر، وجواب القسم: ليعذبن الكفرة يدل عليه: ﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾ يا محمد ﴿ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ﴾: الأولى، قوم هود وأسباط ﴿ إِرَمَ ﴾: بن عوص بن سام، وأهل إرم بلدتهم، وهي جنة شداد ﴿ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ ﴾: القدود والطوال، طويلهم خمسمائة ذراع وقصيرهم ثلاثمائة بذراع نفسه، أو البناء الرفيع ﴿ ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا ﴾: عظما ﴿ فِي ٱلْبِلاَدِ * وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ﴾: قطعوا ﴿ ٱلصَّخْرَ ﴾: أي: جوفوه واتخذوه بيوتا ﴿ بِٱلْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ ﴾: كان يعذب بها كما مر في " ص " ﴿ ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ فِي ٱلْبِلاَدِ * فَأَكْثَرُواْ فِيهَا ٱلْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ﴾: أي: مختلطا من أنواع عذاب أو نوعه كما مر في الحاقة ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَاد ﴾: أي: في المرصد يرصد أعمالكم ليجازيكم ﴿ فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ ﴾: اختبره ﴿ رَبُّهُ ﴾: أيشكر أم لا؟ ﴿ فَأَكْرَمَهُ ﴾: بالجاه ﴿ وَنَعَّمَهُ ﴾: بالسعة ﴿ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ * وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ ﴾: بالفقر، أيصبر أم لا ﴿ فَقَدَرَ ﴾: ضيق ﴿ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ﴾: لم يقل: أهانه لأن البسط تفضل فتركه ليس بإهانة ﴿ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ ﴾: لقصور نظره، وإنما ذمه لجعله التقتير إهانة، لا يجعل الأول إكراما، أوله أيضا لأنه قاله معتقدا استحقاقه لذلك ﴿ كَلاَّ ﴾: ردع عن ذلك، أي: ليسا إكراما وإهانة ﴿ بَل ﴾: فعلكم أشنع من هذا القول، فإنكم ﴿ لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ ﴾: بالمبرة ﴿ وَلاَ تَحَآضُّونَ ﴾: تحثون ﴿ عَلَىٰ طَعَامِ ﴾: أي: إطعام ﴿ ٱلْمِسْكِينِ ﴾: فضلاً عن غيرهم ﴿ وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ ﴾: الميراث ﴿ أَكْلاً لَّمّاً ﴾: جمعا بين الحلال والحرام، كانوا لا يورثون النساء الصبيان ويأخذون نصيبهم ﴿ وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً ﴾: كثيراً ﴿ كَلاَّ ﴾: ردعهم عن ذلك ﴿ إِذَا دُكَّتِ ﴾: كسرت ﴿ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً ﴾: أي: دكا بعد دك حتى سويت ﴿ وَجَآءَ رَبُّكَ ﴾: أي: أمره أو مجيئا يليق بجلاله للفصل ﴿ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً ﴾: صفا بعد صف بحسب مراتبهم، محيطين بالجن والإنس ﴿ وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ﴾:" لها سبعون ألف زمام، كل زمام مع سبعين ألف ملك يجرونها "، وقيل معناه: برزت وأظهرت ﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾: ظرف لقوله ﴿ يَتَذَكَّرُ ﴾: يستعظ ﴿ ٱلإِنسَانُ وَأَنَّىٰ ﴾ تنفع ﴿ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ ﴾: أي: التذكر ﴿ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ ﴾: خيرا ﴿ لِحَيَاتِي ﴾: هذه أو في حياتي ﴿ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ ﴾: أي: عذاب الله ﴿ أَحَدٌ * وَلاَ يُوثِقُ ﴾: بالسلاسل ﴿ وَثَاقَهُ ﴾: أي: إيثاق الله ﴿ أَحَدٌ ﴾: بل الأمر لله، وإذا كانا مجهولين فالضميران للكافر أي: مثل عذابه ووثاقه، ويقال للمؤمن في الاحتضار أو البعث ﴿ يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ ﴾: بذكر الله أو الآمنة ﴿ ٱرْجِعِي إِلَىٰ ﴾: جوار ﴿ رَبِّكِ ﴾: دل على وجود النفوس قبل الأبدان أو إلى جسدك ﴿ رَاضِيَةً ﴾: يما أوتيت ﴿ مَّرْضِيَّةً ﴾: عند الله تعالى ﴿ فَٱدْخُلِي فِي ﴾: جملة ﴿ عِبَادِي ﴾: الصالحين ﴿ وَٱدْخُلِي ﴾: معهم جَنَّتِي }: أتى بالفاء فيما لم يتراخ عن الموت، وبالواو فيما يتراخا عنه - واللهُ أعْلمُ بالصّواب.
Icon