تفسير سورة الفجر

تفسير الألوسي
تفسير سورة سورة الفجر من كتاب روح المعاني المعروف بـتفسير الألوسي .
لمؤلفه الألوسي . المتوفي سنة 1342 هـ
سورة الفجر
مكية في قول الجمهور وقال علي بن أبي طلحة مدنية وآيها اثنتان وثلاثون آية في الحجازي وثلاثون في الكوفي والشامي وتسع وعشرون في البصري ولما ذكر سبحانه فيما قبلها وجوه يومئذ خاشعة ووجوه يومئذ ناعمة أتبعه تعالى بذكر الطوائف المكذبين من المتجبرين الذين وجوههم خاشعة وأشار جل شأنه إلى الصنف الآخر الذين وجوههم ناعمة بقوله سبحانه فيها يا أيتها النفس المطمئنة وأيضا فيها ما يتعلق بأمر الغاشية ما فيها وقال الجلال السيوطي لم يظهر لي في وجه ارتباطها سوى أن أولها كالأقسام على صحة ما ختم به السورة التي قبلها أو على ما بضمنته من الوعد والوعيد هذا مع أن جملة ألم تر كيف فعل ربك مشابهة لجملة أفلا ينظرون وها كما ترى

سورة الفجر
مكية في قول الجمهور. وقال علي بن أبي طلحة: مدنية وآيها اثنتان وثلاثون آية في الحجازي، وثلاثون في الكوفي والشامي، وتسع وعشرون في البصري. ولما ذكر سبحانه فيما قبلها وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ [الغاشية: ٣] ووُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ [الغاشية: ٨] أتبعه تعالى بذكر الطوائف المكذبين من المتجبرين الذين وجوههم خاشعة، وأشار جل شأنه إلى الصنف الآخر الذين وجوههم ناعمة بقوله سبحانه فيها يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ [الفجر: ٢٧] وأيضا فيها مما يتعلق بأمر الغاشية ما فيها. وقال الجلال السيوطي: لم يظهر لي في وجهه ارتباطها سوى أن أولها كالإقسام على صحة ما ختم به السورة التي قبلها أو على ما يتضمنه من الوعد والوعيد هذا مع أن جملة أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ [الفجر: ٦] مشابهة لجملة أَفَلا يَنْظُرُونَ [الغاشية: ١٧] وها كما ترى.
333
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالْفَجْرِ أقسم سبحانه بالفجر كما أقسم عز وجل بالصبح في قوله تعالى
وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ [التكوير: ١٨] فالمراد به الفجر المعروف كما روي عن عليّ كرم الله تعالى وجهه
وابن عباس وابن الزبير وغيرهم رضي الله تعالى عنهم. وقيل: المراد عموده وضوءه الممتد وأصله شق الشيء شقا واسعا، وسمي الصبح فجرا لكونها فاجرا لليل وهو كاذب لا يتعلق به حكم الصوم والصلاة وصادق به يتعلق حكمهما وقد تكلموا في سبب كل بما يطول وتقدم بعض منه، ولعل المراد به هنا الصادق فهو أحرى بالقسم به والمراد عند كثير جنس الفجر لا فجر يوم مخصوص. وعن ابن عباس ومجاهد فجر يوم النحر، وعن عكرمة فجر يوم الجمعة، وعن الضحاك فجر ذي الحجة، وعن مقاتل فجر ليلة جمع. وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في الشعب عن ابن عباس أنه قال: هو فجر المحرم فجر السنة، وروي نحوه عن قتادة وعن الحبر أيضا أنه النهار كله. وأخرج ابن جرير عنه أيضا أنه قال: يعني صلاة الفجر وروي نحوه عن زيد بن أسلم فهو إما على تقدير مضاف أو على إطلاقه على الصلاة مجازا وهو شائع. وقيل: المراد فجر العيون من الصخور وغيرها وَلَيالٍ عَشْرٍ هن العشر الأولى من الأضحى كما أخرج الحاكم وصححه وجماعة عن ابن عباس، وروي عن ابن الزبير ومسروق ومجاهد وقتادة وعكرمة وغيرهم وأخرج ذلك أحمد والنسائي والحاكم وصححه والبزار وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن جابر يرفعه، ولها من الفضل ما لها.
وقد أخرج أحمد والبخاري عن ابن عباس مرفوعا: «ما من أيام فيهن العمل أحب إلى الله عز وجل وأفضل من أيام العشر» قيل:
يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل جاهد في سبيل الله بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء»
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنهن العشر الأواخر من رمضان. وروي أيضا عن الضحاك بل زعم التبريزي الاتفاق على أنهن هذه العشر وأنه لم يخالف فيه أحد واستدل له بعضهم بالحديث المتفق على صحته.
قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا دخل العشر- تعني العشر الأواخر من رمضان- شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله
وتعقبه بعضهم بأن ذلك محتمل لأن يحظى عليه الصلاة والسلام بليلة القدر لأنها فيها لا لكونه العشر المرادة هنا. وعن ابن جريج أنهن العشر الأول من رمضان، وعن يمان وجماعة أنهن العشر الأول من المحرم وفيها يوم عاشوراء وقد ورد في فضله ما ورد.
أخرج الشيخان وغيرهما عن ابن عباس قال: قدم النبي صلّى الله عليه وسلم المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال عليه الصلاة والسلام: «ما هذا اليوم الذي تصومونه» ؟ قالوا: يوم عظيم أنجى الله تعالى فيه موسى وأغرق آل فرعون فيه، فصامه موسى عليه السلام شكرا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «فنحن أحق بموسى منكم» فصامه صلّى الله عليه وسلم وأمر بصيامه
وصح في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام أرسل غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة «من كان أصبح صائما فليتمّ يومه، ومن كان أصبح مفطرا فليصم بقية يومه» فكان الصحابة بعد ذلك يصومونه ويصوّمونه صبيانهم الصغار ويذهبون بهم إلى المسجد ويجعلون لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطوه إياها حتى يكون الإفطار
وأخرج أحمد وغيره عن الحبر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود وصوموا قبله يوما وبعده يوما»
وجاء في الأمر بالتوسعة فيه على العيال عدة أحاديث ضعيفة لكن قال البيهقي هي وإن كانت ضعيفة إذا ضم بعضها إلى بعض أحد قوة وأيّا ما كان فتنكيرها للتفخيم وقل للتبعيض لأنها بعض ليالي السنة أو الشهر والتفخيم أولى. قيل: ولولا قصد ما ذكر كان
334
الظاهر تعريفها كأخواتها لأنها ليال معهودة معينة، وقدر بعضهم على إرادة صلاة الفجر فيما مر مضافا هنا أي وعبادة ليال ويقال نحوه فيما بعد على بعض الأقوال فيه وليس بلازم ولا أثر فيه. وقرأ ابن عباس بالإضافة فضبطه بعضهم وَلَيالٍ عَشْرٍ بلازم دون ياء وبعضهم «وليالي عشر» بالياء وهو القياس والمراد وليالي أيام عشر فحذف الموصوف وهو المعدود وفي مثل ذلك يجوز التاء وتركها في العدد ومنه واتبعه بست من شوال وما حكاه الكسائي ضمنا من الشهر خمسا والمرجح للترك هاهنا وقوعه فاصلة وجوز أن تكون بالإضافة بيانية وهو خلاف الظاهر.
وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ هما على ما في حديث جابر المرفوع الذي أشرنا إليه فيما تقدم يوم النحر ويوم عرفة.
وقال الطيبي: روينا عن الإمام أحمد والترمذي عن عمران بن حصين أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم سئل عن الشفع والوتر فقال: «الصلاة بعضها شفع وبعضها وتر» ثم قال: «هذا هو التفسير الذي لا محيد عنه» انتهى. وقد رواه عن عمران أيضا عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن أبي حاتم
وصححه، لكن في البحر أن حديث جابر أصح إسنادا من حديث عمران بن حصين ووراء ذلك أقوال كثيرة، فأخرج عبد بن حميد عن الحسن أنه قال: «أقسم ربنا بالعدد كله منه الشفع ومنه الوتر» وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد أنه قال «الخلق كله شفع ووتر فأقسم سبحانه بخلقه» وأخرج ابن المنذر وجماعة عنه أنه قال: الله تعالى الوتر وخلقه سبحانه الشفع الذكر والأنثى» وروي نحوه عن أبي صالح ومسروق وقرآ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ [الذاريات:
٤٩] وقيل: المراد شفع تلك الليالي ووترها، وقيل الشفع أيام عاد والوتر لياليها. وقيل: الشفع أبواب الجنة والوتر أبواب النار وقيل غير ذلك. وقد ذكر في كتاب التحرير والتحبير مما قيل فيهما ستا وثلاثين قولا وفي الكشاف: قد أكثروا في الشفع والوتر حتى كادوا يستوعبون أجناس ما يقعان فيه وذلك قليل الطائل جدير بالتلهي عنه. وقال بعض الأفاضل: لا إشعار للفظ الشفع والوتر بتخصيص شيء مما ذكروه وتعيينه بل هو إنما يدل على معنى كلّي متناول لذلك، ولعل من فسّرهما بما فسرهما لم يدع الانحصار فيما فسر به بل أفرد بالذكر من أنواع مدلولهما ما رآه أظهر دلالة على التوحيد أو مدخلا في الدين أو مناسبة لما قبل أو لما بعد أو أكثر منفعة موجبة للشكر أو نحو ذلك من النكات، وإذا ثبت من الشارع عليه الصلاة والسلام تفسيرهما ببعض الوجوه فالظاهر أنه ليس مبنيا على تخصيص المدلول بل وارد على طريق التمثيل بما رأى في تخصيصه بالذكر فائدة معتدا بها فحينئذ يجوز للمفسر أن يحمل اللفظ على بعض آخر من محتملاته لفائدة أخرى انتهى.
وهو ميل إلى أن أل فيهما للجنس لا للعهد، والظاهر أن ما تقدم من الحديثين من باب القطع بالتعيين دون التمثيل لكن يشكل أمر التوفيق بينهما حينئذ وإذا صح ما قال في البحر كان المعول عليه حديث جابر رضي الله تعالى عنه والله تعالى أعلم بحقيقة الحال. وقرأ حمزة والكسائي والأغر عن ابن عباس وأبو رجاء وابن وثاب وقتادة وطلحة والأعمش والحسن بخلاف عنه «والوتر» بكسر الواو وهي لغة تميم والجمهور على فتحها وهي لغة قريش وهما لغتان كالحبر والحبر بمعنى العالم على ما قال صاحب المطلع في الوتر المقابل للشفع وأما في الْوَتْرِ بمعنى الترة أي الحقد فالكسر هو المسموع وحده والأصمعي حكى فيه أيضا اللغتين وقرأ يونس عن أبي عمرو بفتح الواو وكسر التاء وهو إما لغة أو نقل حركة الواو في الوقف لما قبلها.
وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ أي يمضي كقوله تعالى وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ [المدثر: ٣٣] واللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ [التكوير: ١٧] والظاهر أنه مجاز مرسل أو استعارة ووجه الشبه كالنهار وإِذا على ما صرح به العلامة
335
التفتازاني في التلويح بدل من اللَّيْلِ وخروجها عن الظرفية مما لا بأس به، أو ظرف متعلق بمضاف مقدر وهو العظمة على ما اختاره بعضهم، والإقسام بذلك الوقت أو تقييد العظمة به لما فيه من وضوح الدلالة على كمال القدرة ووفور النعمة أو يسري فيه على ما نقل أبو حيان عن الأخفش وابن قتيبة، كقولهم: صلى المقام أي صلى فيه على أنه تجوز فيه الإسناد بإسناد ما للشيء للزمان كما يسند للمكان، وأيّا ما كان فالمراد بالليل جنسه. وقال مجاهد وعكرمة والكلبي: المراد به ليلة النحر وهي يسري الحاج فيها إلى المزدلفة بعد الإفاضة من عرفات وليس بذاك، والإقسام والتقييد على الوجه الأخير لما في السير في الليل من نعمة الحفظ من حر الشمس وشر قطاع الطريق غالبا وحذفت الياء عند الجمهور وصلا ووقفا من آخر يَسْرِ مع أنها لام مضارع غير مجزوم اكتفاء عنها بالكسرة للتخفيف ولتتوافق رؤوس الآي ولذا وسمت كذلك في المصاحف، ولا ينبغي أن يقال إنها حذفت لسقوطها في خطها فإنه يقتضي أن القراءة باتباع الرسم دون رواية سابقة عليه وهو غير صحيح. وخص نافع وأبو عمرو في رواية هذا الحذف بالوقف لمراعاة الفواصل ولم يحذف مطلقا ابن كثير ويعقوب. وفي تفسير البغوي سئل الأخفش عن علة سقوط ياء يَسْرِ فقال: الليل لا يسري ولكن يسرى فيه وهو تعليل كثيرا ما يسأل عنه لخفائه والجواب أنه أراد أنه لما عدل عن الظاهر في المعنى وغيرهما كان حقه معنى غير لفظه لأن الشيء يجر جنسه لإلفه به:
إن الطيور على أمثالها تقع وهذا كما قيل في قوله تعالى ما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا [مريم: ٢٨] أنه لما عدل عن باغية أسقطت منه التاء ولم يقل بغية، ومثله من بدائع اللغة العربية ويمكن التعليل بنحوه على تفسير يَسْرِ بيمضي لما فيه من العدول عن الظاهر في المعنى أيضا علمت من أنه مجاز في ذلك. وقرأ أبو الدينار الأعرابي و «الفجر» و «الوتر» و «يسر» بالتنوين في الثلاثة. قال ابن خالويه: هذا كما روي عن بعض العرب أنه وقف على أواخر القوافي بالتنوين وإن كانت أفعالا أو فيها أل نحو قوله:
أقلي اللوم عاذل والعتابن وقولي إن أصبت لقد أصابن
انتهى. وهذا كما قال أبو حيان ذكره النحويون في القوافي المطلقة يعني المحركة إذا لم يترنم الشاعر وهو أحد وجهين للعرب إذا لم يترنموا، والوجه الآخر الوقوف فيقولون: العتاب وأصاب كحالهم إذا وقفوا على الكلمة في النثر، وهذا الأعرابي أجرى الفواصل مجرى الوقف وعاملها معاملة القوافي المطلقة ويسمى هذا التنوين تنوين الترنم ولا اختصاص له بالاسم، ويغلب على ظني أنه قيل يكتب نونا بخلاف أقسام التنوين المختصة بالاسم. وقوله تعالى هَلْ فِي ذلِكَ إلخ تحقيق وتقرير لفخامة الأشياء المذكورة المقسم بها وكونها مستحقة لأن تعظم بالإقسام بها فيدل على تعظيم المقسم عليه وتأكيده من طريق الكناية فذلك إشارة إلى المقسم به وما فيه من معنى البعد لزيارة تعظيمه أي هل فيما ذكر من الأشياء قَسَمٌ أي مقسم به لِذِي حِجْرٍ أي هل يحق عنده أن يقسم به إجلالا وتعظيما، والمراد تحقيق أن الكل كذلك وإنما أوثرت هذه الطريق هضما للحق وإيذانا بظهور الأمر، وهذا كما يقول المتكلم بعد ذكر دليل واضح الدلالة على مدعاة هل دل هذا على ما قلناه. وجوز أن يكون التحقيق أن ذوي الحجر يؤكدون بمثل ذلك المقسم عليه فيدل أيضا على تعظيمه وتأكيده فذلك إشارة إلى المصدر أعني الإقسام هل في إقسامي بتلك الأشياء إقسام لذي حجر مقبول عنده يعتد به ويفعل مثله ويؤكد به المقسم عليه؟ وحاصل الوجهين فيما يرجع إلى تأكيد المقسم
336
عليه واحد إلّا أن الوجه مختلف كما لا يخفى، ولعل الأول أظهر والحجر العقل لأنه يحجر صاحبه أي يمنعه من التهافت فيما لا ينبغي، كما سمي عقلا ونهية لأنه يعقل وينهى وحصاة من الإحصاء وهو الضبط. وقال الفرّاء: يقال إنه لذو حجر إذا كان قاهرا لنفسه ضابطا لها والمقسم عليه محذوف وهو ليعذبن كما ينبىء عنه قوله تعالى شأنه أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إلخ فإنه استشهاد بعلمه صلّى الله عليه وسلم بما يدل عليه من تعذيب عاد وأضرابهم المشاركين لقومه عليه الصلاة والسلام في الطغيان والفساد على طريقة أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ [البقرة: ٢٥٨] الآية وقوله سبحانه أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ [الشعراء: ٢٢٥] وقال أبو حيان: الذي يظهر أنه محذوف يدل عليه ما قبله من آخر سورة [الغاشية: ٢٥، ٢٦] وهو قوله تعالى إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ وتقديره لإيابهم إلينا وحسابهم علينا. وأخرج ابن المنذر عن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قرأ وَالْفَجْرِ- إلى قوله سبحانه- إِذا يَسْرِ فقال: هذا قسم على أن ربك لبالمرصاد وإلى أنه هو المقسم عليه ذهب ابن الأنباري. وعن مقاتل أنه هل في ذلك إلخ وهل بمعنى أن وهو باطل رواية ودراية إذ يبقى عليه قسم بلا مقسم عليه. والمراد بعاد أولاد عاد بن عاص بن أرم بن سام بن نوح عليه السلام قوم هود عليه السلام سموا باسم أبيهم كما سمّي بنو هاشم هاشما وإطلاق الأب على نسله مجاز شائع حتى ألحق بعضه بالحقيقة وقد قيل لأوائلهم عاد الأولى، ولأواخرهم عاد الآخرة. قال عماد الدين بن كثير: كلما ورد في القرآن خبر عاد فالمراد بعاد فيه عاد الأولى إلّا ما في سورة الأحقاف، ويقال لهم أيضا إرم تسمية لهم باسم جدهم والتسمية بالجد شائعة أيضا وهو اسم خاص بالأولى وعليه قول ابن الرقيات:
مجدا تليدا بناه أوله أدرك عادا وقبلها إرما
ونحوه قوله زهير:
وآخرين ترى الماذي عدتهم من نسج داود أو ما أورثت إرما
فقوله تعالى إِرَمَ عطف بيان لعاد للإيذان بأنهم عاد الأولى تجوز أن يكون بدلا، ومنع من الصرف للعلمية والتأنيث باعتبار القبيلة، وصرف عاد باعتبار الحي، وقد يمنع من الصرف باعتبار القبيلة أيضا. وقرأ الضحاك بذلك في إحدى الروايتين عنه ورجح اعتبار الصرف فيه بخفته لسكون وسطه، وقدر بعضهم مضافا في الكلام أي سبط إرم وجعل إرم عليه اسم أمهم وهو قول فيه حكاه في القاموس. ووجه منع الصرف فيه ظاهر، وأبى بعضهم إلّا جعله اسم جدهم ومعنى كونهم سبطه أنهم ولد ولده ولا يظهر على هذا علة منع صرفه ولعل ذلك هو الذي دعا إلى جعله اسم أمهم، لكن رأيت في تعليقات بعض الأفاضل على الحواشي العصامية على تفسير البيضاوي أن إرم إنما منع من الصرف سواء كان اسما للقبيلة أم لجدها للعلمية والعجمة، وقال إنهما موجودتان في عاد أيضا إلا أنه لكونه ثلاثيا ساكن الوسط يجوز فيه الأمران الصرف وعدمه، وزعم أن هذا هو الحق وبكونه اسم القبيلة قال مجاهد وقتادة وابن إسحاق ولا حاجة معه إلى تقدير مضاف، فقوله تعالى ذاتِ الْعِمادِ صفة ل إِرَمَ نفسها والمراد ذات القدود الطوال على تشبيه قاماتهم بالأعمدة، ومنه قولهم رجل معمد وعمدان إذا كان طويلا وروي هذا عن ابن عباس ومجاهد واشتهر أنه كان قد أحدهم اثني عشر ذراعا وأكثر. وفي تفسير الكواشي قالوا: كان طول الطويل منهم أربعمائة ذراع، وكان أحدهم يأخذ الصخرة العظيمة فيقلبها على الحي فيهلكهم. عن قتادة وابن عباس في رواية عطاء المراد ذات الخيام والأعمدة وكانوا سيارة في الربيع، فإذا هاج النبت رجعوا إلى منازلهم. وقال غير واحد: كانوا بدويين أهل عمدة وخيام يسكنونها حلا
337
وارتحالا. وقيل: المراد ذات الرفعة أو ذات الوقار أو ذات الثبات وطول العمر والكل على الاستعارة. وقوله تعالى الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ صفة أخرى لها أي لم يخلق مثلهم في عظم الأجرام والقوة في بلاد الدنيا، وقد سمعت ما نقل عن الكواشي آنفا وما ذكر فيه من أنه كان أحدهم إلخ. جاء في حديث مرفوع أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه عن المقدام بن معد يكرب. وقيل: إرم اسم مدينة لهم قال محمد بن كعب هي الإسكندرية. وقال ابن المسيب والمقبري: هي دمشق، وقيل اسم أرضهم وهي بين عمان وحضرموت وهي أرض رمال وأحقاف فقد قال سبحانه وتعالى وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ [الأحقاف: ٢١] وبهذا اعترض القول بأن مدينتهم الإسكندرية، والقول بأنها دمشق حيث إنهما ليستا من بلاد الأحقاف والرمال إلا أن يقال ما هنا عاد الأولى، وما في آية الأحقاف عاد الآخرة، ويلتزم عدم اتحاد منازلهما. وعلى القول بكونه اسم مدينتهم أو اسم أرضهم فهو بتقدير مضاف لتصحيح التبعية أي أهل إرم. وقيل: يقدر مضاف في جانب المتبوع أي بمدينة أو بأرض عاد إرم وهو كما ترى ومنع الصرف على الوجهين لما سمعت، والأكثرون على أنها اسم مدينة عظيمة في أرض اليمن والوصفان لها، والمراد ذات البناء الرفيع أو ذات الأساطين التي لم يخلق مثلها سعة وحسن بيوت وبساتين في بلاد الدنيا، ويروى أنه كان لعاد ابنان شداد وشديد فملكا وقهرا ثم مات شديد وخلص الأمر لشداد فملك الدنيا ودانت له ملوكها فسمع بذكر الجنة فقال: أبني مثلها فبنى إرم في بعض صحارى عدن في ثلاثمائة سنة وكان عمره تسعمائة سنة وهي مدينة عظيمة قصورها من الذهب والفضة وأساطينها من الزبرجد والياقوت، وفيها أصناف الأشجار والأنهار المطردة. ولما تم بناؤها سار إليها بأهل مملكته، فلما كان منها مسيرة يوم وليلة بعث الله تعالى عليهم صيحة من السماء فهلكوا. وعن عبد الله بن قلابة أنه خرج في طلب إبل له فوقع عليها فحمل ما قدر عليه مما ثمّ، وبلغ خبره معاوية فاستحضره فقصّ عليه فبعث إلى كعب فسأله، فقال: هي إرم ذات العماد وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عقبه خال، يخرج في طلب إبل له، ثم التفت فأبصر ابن قلابة، فقال: هذا والله ذلك الرجل. وخبر شداد المذكور
أخوه في الضعف بل لم تصح روايته كما ذكره الحافظ ابن حجر فهو موضوع كخبر ابن قلابة. وروي عن مجاهد أن إِرَمَ مصدر أرم يأرم إذا هلك، فأرم بمعنى هلاك منصوب على نحو نصب المصدر التشبيهي مضاف إلى ذاتِ والَّتِي صفة ل ذاتِ الْعِمادِ مرادا بها المدينة وكيف فعل في قوة كيف أهل فكأنه قيل: ألم تر كيف أهلك ربك عادا كهلاك ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وهو قول غريب غير قريب. وقرأ الحسن «يعاد رام» بإضافة عاد إلى إرم فجاز أن يكون إرم جدا والوصفان لعاد، وأن يكون مدينة والوصفان لازم وجوز أن يكون لعاد. وقرأ ابن الزبير «بعاد أرم» بالإضافة أيضا إلّا أن أرم بفتح الهمزة وكسر الراء، قيل: وهي لغة في المدينة لا غير. وعن الضحاك أنه قرأ «بعاد» مصروفا وغير مصروف «أرم» بفتح الهمزة وسكون الراء للتخفيف وأصله أرم كفخذ. وقرىء «إرم ذات» بإضافة إرم إلى ذات فقيل الإرم عليه العلم والمعنى بعاد أعلام ذات العماد وهي مدينتهم، والَّتِي صفة ل ذاتِ الْعِمادِ على الأظهر. وعن ابن عباس أنه قرأ «أرم» بالتشديد فعلا ماضيا ذات بالنصب على المفعول به أي جعل الله تعالى ذات العماد رميما، ويكون أرم على ما في البحر بدلا من فعل أو تبيينا له، والمراد بذات العماد عليه إما عاد نفسها ويكون فيه وضع المظهر موضع المضمر والنكتة فيه ظاهرة، وإما مدينتهم ويكون جعلها رميما أي إهلاكها كناية عن جعلهم كذلك. وقرأ ابن الزبير «لم يخلق» مبنيا للفاعل وهو ضميره عز وجل مثلها بالنصب على المفعولية، وعنه أيضا «لم نخلق» بنون العظمة.
338
وَثَمُودَ عطف على (عاد) وهي قبيلة مشهورة سميت باسم جدهم ثمود أخي جديس وهما ابنا عابر بن أرم بن سام بن نوح عليه السلام، كانوا عربا من العاربة يسكنون الحجر بين الحجاز وتبوك، وكانوا يعبدون الأصنام ومنع الصرف للعملية والتأنيث. وقرأ ابن وثاب بالتنوين صرفه باعتبار الحي كذا قالوا، وظاهره أنه عربي. وقد صرح بذلك فقيل هو فعول من الثمد وهو الماء القليل الذي لا مادة له ومنه قيل: فلان مثمود ثمدته النساء أي قطعن مادة مائه لكثرة غشيانه لهن، ومثمود إذا كثر عليه السؤال حتى نفدت مادة ماله. وحكى الراغب أنه عجمي فمنع الصرف للعلمية والعجمة الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ أي قطعوا صخر الجبال واتخذوا فيها بيوتا نحتوها من الصخر كقوله تعالى وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً [الشعراء: ١٤٩] قيل أول من نحت الحجارة والصخور والرخام ثمود وبنوا ألفا وسبعمائة مدينة كلها بالحجارة، ولا أظن صحة هذا البناء بِالْوادِ هو وادي القرى، وقرىء بالياء آخر الحروف، والباء للظرفية، والجار والمجرور متعلق بجابوا أو بمحذوف هو حال من الفاعل أو المفعول. وقيل: الباء للآلة أو السببية متعلقة بجابوا أي جابوا الصخر بواديهم أو بسببه، أي قطعوا الصخر وشقوه وجعلوه واديا ومحلا لمائهم فعل ذوي القوة والآمال وهو خلاف الظاهر وأيّا ما كان فالجواب القطع والظاهر أنه حقيقة فيه تقول جبت البلاد أجوبها إذا قطعتها. قال الشاعر:
ولا رأيت قلوصا قبلها حملت ستين وسقا ولا جابت بها بلدا
ومنه الجواب لأنه يقطع السؤال. وقال الراغب: الجوب قطع الجوبة وهي الغائط من الأرض ثم يستعمل في قطع كل أرض، وجواب الكلام هو ما يقطع الجوب فيصل من فم القائل إلى سمع المستمع لكنه خص بما يعود من الكلام دون المبتدأ من الخطاب انتهى. فاختر لنفسك ما يحلو وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ وصف بذلك لكثرة جنوده وخيامهم التي يضربون أوتادها في منازلهم أو لأنه كان يدق المعذب أربعة أوتاد ويشده بها مبطوحا على الأرض فيعذبه بما يريد من ضرب أو إحراق أو غيره وقد تقدم الكلام في ذلك الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ إما مجرور على أنه صفة للمذكورين عاد ومن بعده أو منصوب أو مرفوع على الذم أي طغى كل طاغية منهم في البلاد، وكذا الكلام في قوله تعالى فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ أي بالكفر وسائر المعاصي فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ أي أنزل سبحانه إنزالا شديدا على كل طائفة من أولئك الطوائف عقيب ما فعلت من الطغيان والفساد سَوْطَ عَذابٍ أي سوطا من عذاب على أن الإضافة بمعنى من، والعذاب بمعنى المعذب به، والمراد بذلك ما حل بكل منهم من فنون العذاب التي شرحت في سائر السور الكريمة. والسوط في الأصل مصدر من ساط يسوط إذا خلط، قال الشاعر:
أحارث إنا لو تساط دماؤنا تزايلن حتى لا يمس دم دما
وشاع في الجلد المضفور والذي يضرب به، وسمي به لكونه مخلوط الطاقات بعضها ببعض، أو لأنه يخلط اللحم بالدم والتعبير عن إنزاله بالصب للإيذان بكثرته وتتابعه واستمراره فإنه عبارة عن إراقة شيء مائع أو جار مجراه في السيلان كالحبوب والرمل وإفراغه بشدة وكثرة واستمرار، ونسبته إلى السوط مع أنه على ما سمعت ليس من هذا القبيل باعتبار تشبيهه في سرعة نزوله بالشيء المصبوب، وتسمية ما أنزل سوطا قيل للإيذان بأنه على عظمه بالنسبة إلى ما أعد لهم في الآخرة كالسوط بالنسبة إلى سائر ما يعذب به في الكشف أن إضافة السوط إلى العذاب تقليل لما أصابهم منه، ولا يأبى ذلك التعبير بالصب المؤذن بالكثرة لأن القلة والكثرة من الأمور النسبية. وجوز أن يراد بالعذاب التعذيب والإضافة حينئذ على معنى اللام وأمر التعبير بالصب
339
والتسمية بالسوط على ما تقدم. والآية من قبيل قوله تعالى فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ [النحل: ١١٢] وجوز أن تكون الإضافة كالإضافة في لجين الماء أي فصب عليهم ربك عذابا كالسوط على معنى أنواعا من العذاب مخلوطا بعضها ببعض اختلاط طاقات السوط بعضها ببعض، وأن يكون السوط مصدرا بمعنى المفعول والإضافة كالإضافة في جرد قطيفة أي فصب عليهم ربك عذابا مسوطا أي مخلوطا، ومآله فصب أنواعا من العذاب خلط بعضها ببعض. وفي الصحاح سَوْطَ عَذابٍ أي نصيب عذاب ويقال شدته لأن العذاب قد يكون بالسوط، وأراد أن الغرض التصوير والأليق بجزالة التنزيل ما تقدم إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ تعليل لما قبله وإيذان بأن كفار قومه صلّى الله عليه وسلم سيصيبهم مثل ما أصاب أضرابهم المذكورين من العذاب كما ينبىء عنه التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام، والمرصاد المكان الذي يقوم به الرصد ويترقبون فيه مفعال من رصده كالميقات من وقته. وفي الكلام استعارة تمثيلية شبه كونه تعالى حافظا لأعمال العصاة على ما روي عن الضحاك مترقبا لها ومجازيا على نقيرها وقطميرها بحيث لا ينجو منه سبحانه أحد منهم بحال من قعد على الطريق مترصدا لمن يسلكها ليأخذه فيوقع به ما يريد، ثم أطلق لفظ أحدهما على الآخر والآية على هذا وعيد للعصاة مطلقا. وقيل: هي وعيد للكفرة وقيل: وعيد للعصاة ووعد لغيرهم وهو ظاهر قول الحسن، أي يرصد سبحانه أعمال بني آدم. وجوز ابن عطية كون المرصاد صيغة مبالغة كالمطعام والمطعان، وتعقبه أبو حيان بأنه لو كان كما زعم لم تدخل الباء لأنها ليست في مكان دخولها لا زائدة ولا غير زائدة، وأجيب بأنها على ذلك تجريدية نعم يلزمه إطلاق المرصاد على الله عز وجل وفيه شيء.
وقوله تعالى فَأَمَّا الْإِنْسانُ إلخ متصل بما عنده كأنه قيل إنه سبحانه لبالمرصاد من أجل الآخرة فلا يطلب عز وجل إلّا السعي لها، فأما الإنسان فلا يهمه إلّا الدنيا ولذاتها، فإن نال منها شيئا رضي الله وإلّا سخط وكان اللائق أن لا يهمه إلا ما يطلبه الله عز وجل ولا يكون حاله ذلك. وقيل: هو متصل به متفرع عليه على معنى فالإنسان يؤاخذ لا محالة لأنه بين غنى مهلك موجب للتكبر والافتخار بالدنيا، وبين فقر لا يصبر عليه ويكفر لأجله بالجزع والقول بما لا ينبغي وهو كما ترى إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ أي عامله معاملة من يبتليه بالغنى واليسار ليرى هل يشكر أم لا. والفاء في قوله سبحانه فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ تفسيرية فإن الإكرام والتنعيم عين المراد بالابتلاء، ولما كان الإكرام والتنعيم في حكم شيء واحد اقتصر على قوله أَكْرَمَنِ في قوله سبحانه فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ولم يضم إليه ونعمتي. وهذه الجملة خبر للمبتدأ الذي هو الإنسان، والفاء لما في أما من معنى الشرط والظرف أعني إذا متعلق بيقول وهو على نية التأخير ولا تمنع الفاء من ذلك كما صرح به الزمخشري وغيره من متقدمي النحاة وتبعهم من بعدهم كأبي حيان والسمين والسفاقسي مع جمع غفير من المفسرين، وهو كما قال الشهاب الحق الذي لا محيد عنه، وخالفهم في ذلك الرضي ومن تبعه كالبدر الدماميني في شرح المغني، فقالوا: إنما يجوز تقديم ما بعد الفاء عليها إذا كان المقدم هو الفاصل بين أما والفاء لما يتعلق بتقديمه من الأغراض فإن كان ثمت فاصل آخر امتنع تقديم غيره فيمتنع أما زيد طعامك فآكل وإن جاز أما طعامك فزيد آكل، وقالوا في ذلك أنهم لما التزموا حذف الشرط لزم دخول أداته على فاء الجواب وهو مستكره فدعت الضرورة للفصل بينهما بشيء مما بعد الفاء والفاصل الواحد كاف فيه فيجب الاقتصار عليه. وزعم الجلبي محشي المطول أن هذا متفق عليه فرد به على المفسرين إعرابهم السابق وقال إنه خطأ، والصواب أن يجعل الظرف متعلقا بمقدر وهو ابتدأ في الحقيقة، والتقدير فأما شأن الإنسان إذا إلخ. فالظرف
340
من تتمة الجزء المفصول وبه ليس فاصلا ثانيا كقولك: أما احسان زيد إلى الفقير فحسن، ويريد على تقديره أنه لا يصح وقوع جملة يقول خبرا عن الشأن إلّا بتعسف كأن يكون الفعل بتأويل المصدر وإن لم تكن معه في اللفظ أن المصدرية كما قيل في:
تسمع بالمعيدي خير من أن تراه وهو فرار من السحاب إلى الميزاب وذهب أبو البقاء إلى أن إِذا شرطية وقوله تعالى فَيَقُولُ جوابها والجملة الشرطية خبر الإنسان ويلزمه حذف الفاء بدون القول وقد قيل إنه ضرورة. وقوله عز وجل وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ عامله معاملة من يبتليه ويختبره بالحاجة والفقر ليرى هل يصبر أم لا فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ بتقدير وأما هو أي الإنسان إذا ما ابتلاه إلخ ليصح التفصيل ويتم التوازن، وبقية الكلام فيه كما في سابقه. والظاهر أن كلتا الجملتين متضمنة لإنكار قول الإنسان الذي تضمنته وإنكار قوله إذا ضيق عليه رزقه رَبِّي أَهانَنِ لدلالته على قصور نظره وسوء فكره حيث حسب أن تضييق الرزق إهانة مع أنه قد يؤدي إلى كرامة الدارين ولعدم كونه إهانة أصلا لم يقل سبحانه في تفسير الابتلاء فأهانه «وقدر عليه رزقه» نظير ما قال سبحانه أولا فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ وإنكار قوله إذا أكرم ربي أكرمني مع قوله تعالى فَأَكْرَمَهُ أولا من حيث إنه أثبت إكرام الله تعالى له على خلاف ما أثبت الله تعال وهو قصد أن الله تعالى أعطاه ما أعطاه إكراما له مستحقا ومستوجبا قصدا جاريا على ما كانوا عليه من افتخارهم وزعمهم جلالة أقدارهم. والحاصل أن المنكر كونه عن استحقاق لحسب أو نسب في المفصل ما يدل على أن أصل الإكرام منكر لا كونه عن استحقاق، وإنكار أصل الإهانة يعضده. ووجهه ما أثبته تعالى من الإكرام أن الله عز وجل أثبت الإكرام بإيتاء المال والتوسعة وهو جعله إكراما كليا مثبتا للزلفى عنده تعالى فأنكر أنه ليس من ذلك الإكرام في شيء، وجوز أن يكون الإنكار للإهانة فقط يعني أنه إذا تفضل عليه بالخير وأكرم به اعترف بتفضل الله تعالى وإكرامه، وإذا لم يتفضل عليه سمى ترك التفضل هوانا وليس به قيل، ويعضده ذكر الإكرام في قوله تعالى فَأَكْرَمَهُ وفي الآية مع ما بعد شمة من أسلوب قوله تعالى إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً [المعارج: ١٩- ٢١] ولا يخفى أن الوجه هو الأول. وقرأ ابن كثير «أكرمني» و «أهانني» بإثبات الياء فيهما ونافع بإثباتها وصلا وحذفها وقفا وخير في الوجهين أبو عمرو وحذفها باقي السبعة فيهما وصلا ووقفا من حذفها وقفا سكن النون فيه. وقرأ أبو جعفر وعيسى وخالد والحسن بخلاف عنه وابن عامر «فقدّر» بتشديد الدال للمبالغة.
كَلَّا ردع للإنسان عن قوليه المحكيين وتكذيب له فيهما لا عن الأخير فقط كما في الوجه الأخير، وقد نص الحسن على ما قلنا وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: المعنى لم أبتله بالغنى لكرامته عليّ ولم أبتله بالفقر لهوانه عليّ بل ذلك لمحض القضاء والقدر. وقوله سبحانه بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ إلخ انتقال وترق من ذمه بالقبيح من القول إلى الأقبح من الفعل والالتفات إلى الخطاب لتشديد التقريع وتأكيد التشنيع.
وقيل: هو بتقدير قل فلا التفات. نعم فيه من الإشارة إلى تنقيصهم ما فيه والجمع باعتبار معنى الإنسان إذ المراد هو الجنس أي بل لكم أفعال وأحوال أشد شرا مما ذكر وأدل على تهالككم على المال حيث يكرمكم الله تعالى بكثرة المال فلا تؤدون ما يلزمكم فيه من إكرام اليتيم بالمبرة به والإحسان إليه.
وفي الحديث «أحب البيوت إلى الله تعالى بيت فيه يتيم مكرم».
وقرأ الحسن ومجاهد وأبو رجاء وقتادة والجحدري وأبو
341
عمرو «لا يكرمون» بياء الغيبة وَلا تَحَاضُّونَ بحذف إحدى التاءين من تتحاضون أي ولا يحض ويحث بعضكم بعضا عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ أي على إطعامه فالطعام مصدر بمعنى الإطعام كالعطاء بمعنى الإعطاء.
وزعم أبو حيان أن الأولى أن يراد به الشيء المطعوم، ويكون الكلام على حذف مضاف أي على بذل طعام المسكين، والمراد بالمسكين ما يعم الفقير. وقرأ عبد الله وعلقمة وزيد بن عليّ وعبد الله بن المبارك والشيرزي عن الكسائي كقراءة الجماعة إلّا أنهم ضموا تاء «تحاضون» من المحاضة. وقرأ أبو عمرو ومن سمعت الحسن ومن معه «ولا يحضون» بياء الغيبة ولا ألف بعد الحاء، وباقي السبعة بتاء الخطاب كذلك وكذا الفعلان بعد والفعل على القراءتين جوز أن يكون متعديا ومفعوله محذوف. فقيل أنفسهم أو أنفسكم، وقيل أهليهم أو أهليكم، وقيل أحدا. وجوز وهو الأولى أن يكون منزلا منزلة اللازم للتعميم. وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أي الميراث وأصله وارث فأبدلت الواو تاء كما في تخمنة وتكأة ونحوهما أَكْلًا لَمًّا أي ذا لمّ أو هو نفس اللم على المبالغة واللم الجمع، ومنه قوله النابغة:
ولست بمستبق أخا لا تلمّه... على شعث أي الرجال المهذب
والمراد به هنا الجمع بين الحلال والحرام وما يحمد وما لا يحمد، ومنه قول الحطيئة:
إذا كان لما يتبع الذم ربه... فلا قدس الرحمن تلك الطواحنا
يعني إنكم تجمعون في أكلكم بين نصيبكم من الميراث ونصيب غيركم. ويروى أنهم كانوا لا يورّثون النساء ولا صغار الأولاد فيأكلون نصيبهم. ويقولون: لا يأخذ الميراث إلّا من يقاتل ويحمي الحوزة هذا وهم يعلمون من شريعة إسماعيل عليه السلام أنهم يرثون فاندفع ما قيل إن السورة مكية وآية المواريث مدنية ولا يعلم الحل والحرمة إلّا من الشرع، فإن الحسن والقبح العقليين ليسا مذهبا لنا. وقيل يعني تأكلون ما جمعه الميت الموروث من حلال وحرام عالمين بذلك فتلمون في الأكل بين حلاله وحرامه. وفي الكشاف يجوز أن يذم الوارث الذي ظفر بالمال سهلا مهلا من غير أن يعرق فيه جبينه فيسرف في إنفاقه ويأكله أكلا واسعا جامعا بين ألوان المشتهيات من الأطعمة والأشربة والفواكه ونحوها كما يفعله الورّاث الباطلون، وتعقب بأنه غير مناسب للسياق. وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا أي كثيرا كما قال ابن عباس وأنشد قول أمية:
إن تغفر اللهم تغفر جما... وأي عبد لك لا ألما
والمراد أنكم تحبونه مع حرص وشره كَلَّا ردع لهم عن ذلك وقوله تعالى إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا إلى آخره استئناف جيء به بطريق الوعيد تعليلا للردع. والدك قال الخليل: كسر الحائط والجبل ونحوها وتكريره للدلالة على الاستيعاب فليس الثاني تأكيد للأول بل ذلك نظير الحال في نحو قولك: جاؤوا رجلا رجلا، وعلمته الحساب بابا بابا أي إذا دكت الأرض دكا متتابعا حتى انكسر وذهب كل ما على وجهها من جبال وأبنية وقصور وغيرها حين زلزلت المرة بعد المرة وصارت هباء منثورا. وقال المبرد: الدك حط المرتفع بالبسط والتسوية، واندكّ سنام البعير إذا افترش في ظهره، وناقة دكّاء إذا كانت كذلك، والمعنى عليه إذا سويت تسوية بعد تسوية ولم يبق على وجهها شيء حتى صارت كالصخرة الملساء، وأيّا ما كان فهو على ما قيل عبارة عما عرض للأرض عند النفخة الثانية وَجاءَ رَبُّكَ قال منذر بن سعيد: معناه ظهر سبحانه للخلق هنالك وليس ذلك بمجيء نقلة وكذلك مجيء الطامة والصاخة. وقيل: الكلام على حذف المضاف للتهويل، أي وجاء أمر ربك وقضاؤه سبحانه واختار جمع أنه تمثيل لظهور آيات اقتداره تعالى وتبين آثار قدرته
342
عز وجل وسلطانه عز سلطانه مثلت حاله سبحانه في ذلك بحال الملك إذا حضر بنفسه ظهر لمحضوره من آثار الهيبة والسياسة ما لا يظهر بحضور عساكره ووزرائه وخواصه عن بكرة أبيهم، وأنت تعلم ما للسلف في المتشابه من الكلام وَالْمَلَكُ أي جنس الملك فيشتمل جمع ملائكة السماوات عليهم السلام صَفًّا صَفًّا أي مصطفين أو ذوي صفوف فإنه قيل: ينزل يوم القيامة ملائكة كل سماء فيصطفون صفا بعد صف بحسب منازلهم ومراتبهم محدقين بالجن والإنس، وقيل: يصطفون بحسب أمكنة أمور تتعلق بهم وهو قريب مما ذكر. وروي أن ملائكة كل سماء تكون صفا حول الأرض فالصفوف سبعة على ما هو الظاهر. وقال بعض الأفاضل: الظاهر أن الملك أعم من ملائكة السماوات وغيرها وتعريفه للاستغراق وادعى أن اصطفافهم بحسب مراتبهم اصطفاف أهل الدنيا في الصلاة وظاهره أنه اصطفاف من غير تحديق ورأيت غير أثر في أنهم يصطفون محدقين وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ قيل هو كقوله تعالى وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ [الشعراء: ٩١] لمن يرى على أن يكون مجيئها متجوزا به عن إظهارها واختبر أنه على حقيقته
فقد أخرج مسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها». وفي رواية بزيادة «حتى تنصب عن يسار العرش لها تغيظ وزفير»
وجاء في بعض الآثار أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فناجاه ثم قام رسول الله صلّى الله عليه وسلم الصلاة والسلام منكسر الطرف فسأله عليّ كرم الله وجهه تعالى فقال صلّى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل عليه السلام بهذه الآية كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ الآية. فقال له عليّ كرم الله تعالى وجهه: كيف يجاء بها؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «تقاد بسبعين ألف زمام كل زمام يقوده سبعون ألف ملك، فبينما هم كذلك إذ شردت عليهم شردة انفلتت من أيديهم فلولا أنهم أدركوها فأخذوها لأحرقت من في الجمع»
وفي رواية لولا أن الله تعالى حسبها لأحرقت السماوات والأرض،
وتأويل كل ما ذكر ونحوه مما ورد وحمله على المجاز لا يدعو إليه إلا استحالة الانتقال الذي يقتضيه المجيء الحقيقي على جهنم وهو لعمري غير مستحيل، فيجوز أن تخرج وتنتقل من محلها في المحشر ثم تعود إليه، والحال في ذلك اليوم وراء ما تتخيله الأذهان.
يَوْمَئِذٍ بدل من إِذا دُكَّتِ وظاهر كلام الزمخشري أن العامل فيه هو العامل نفسه في المبدل منه أعني قوله تعالى يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وهو قول قد نسب إلى سيبويه. وفي البحر المشهور خلافه وهو أن البدل على نية تكرار العامل والظاهر عندي الأول ويتذكر من الذكر ضد النسيان أي يتذكر الإنسان ما فرط فيه بتفاصيله بمشاهدة آثاره وأحكامه، أو بإحضار الله تعالى إياه في ذهنه وإخطاره له وإن لم يشاهد بعد أثرا أو بمعاينة عينه بناء على أن الأعمال تتجسم في النشأة الآخرة فتبرز بما يناسبها من الصور حسنا وقبحا أو من التذكر بمعنى الاتعاظ، أي يتعظ بما يرى من آثار قدرة الله عز وجل وعظيم عظمته تعالى وشأنه. وقوله تعالى وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى اعتراض جيء به لتحقيق أنه ليس بتذكر حقيقة لعرائه عن الجدوى لعدم وقوعه في أوانه وأَنَّى خبر مقدم والذِّكْرى مبتدأ ولَهُ متعلق بما تعلق به الخبر، أي ومن أين تكون له الذكرى وقد فات أوانها، وقيل: هناك مضاف محذوف أي وأنى له منفعة الذكرى ولا بد من تقديره لئلا يكون تناقض وقد علمت أن هذا يتحقق بما قرر أولا على أنه إذا جعل اختصاص اللام مقتصرا على النافع استقام من غير تقدير، ويكون إنكار أن تكون الذكرى له لا عليه. وأما كونه حكاية لما كان عليه في الدنيا من عدم الاعتبار والاتعاظ فليس بشيء. واستدل بالآية على أن التوبة من حيث هي توبة غير واجبة القبول عقلا كما زعم
343
المعتزلة بناء على وجوب الأصلح عندهم، وقيل في توجيهه إنه لو وجب قبولها لوجب قبول هذا التذكر فإنه توبة إذ هي كما بيّن محله في الندم على المعصية من حيث هي معصية، والعزم على أن لا يعود لها إذا قدر عليها ولم يعتبر أحد في تعريفها كونها في الدنيا وإن كانت النافعة منها لا تكون إلّا فيها وهذا التذكر هو عين الندم المذكور. وقد صرح الضحاك كما أخرجه عنه ابن أبي حاتم بأنه توبة ولم تقبل لعدم ترتب المنفعة عليه التي هي من لوازم القبول، واعترض بأن المعتزلة إنما يقولون بوجوب قبولها بشرط عدم رفع التكاليف وقيل إن تذكره ليس من التوبة في شيء فإنه عالم بأنها إنما تكون في الدنيا كما يعرب عنه قوله تعالى يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي ويعلم ما فيه مما تقدم من توجيه الاستدلال فلا تغفل. وهذه الجملة بدل اشتمال من يتذكر أو استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ منه كأنه قيل: ماذا يقول عند تذكره؟ فقيل: يقول يا ليتني إلخ. واللام للتعليل والمراد بحياته حياته في الآخرة، ومفعول قَدَّمْتُ محذوف فكأنه قال: يا ليتني قدمت لأجل حياتي هذه أعمالا صالحة انتقع بها فيها. وقيل: اللام للتعليل إلّا أن المعنى يا ليتني قدمت أعمالا صالحة لأجل أن أحيا حياة نافعة، وقال ذلك لأنه لا يموت ولا يحيا حينئذ وهو كما ترى. ويجوز أن تكون اللام توقيتية مثلها في نحو كتبته لخمس عشرة ليلة مضين من المحرم، وجئت لطلوع الشمس ويكون المراد بحياته حياته في الدنيا أي يا ليتني قدمت وعملت أعمالا صالحة وقت حياتي في الدنيا لأنتفع بها اليوم، وليس في هذا التمني شائبة دلالة على استقلال العبد بفعله وإنما يدل على اعتقاد كونه متمكنا من تقديم الأعمال الصالحة، وإما أن ذلك بمحض قدرته تعالى أو بخلق الله عز وجل عند صرف قدرته الكاسبة إليه فكلا وزعمه الزمخشري دليلا على الاستقلال ورد به على المجبرة وهم عنده غير المعتزلة زعما منه المنافاة بين التمني والحجر. وقد علمت أنه لا دلالة على ذلك. وفي الكشف أن التمني قد يقع على المستحيل على أنه حالتئذ كالغريق هذا وأهل الحق لا يقولون بسلب الاختيار بالكلية.
فَيَوْمَئِذٍ أي يوم إذ يكون ما ذكر من الأحوال والأقوال لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ الهاء إما لله عز وجل أي لا يتولى عذاب الله تعالى ووثاقه سبحانه أحد سواه عز وجل وكأنه قيل: لا يفعل عذاب الله تعالى ووثاقه ولا يباشرهما أحد، وذلك لأن الفعل في ضمن كل فعل خاص واستعمل ذلك استعمالا شائعا في مثل:
وقد حيل بين العير والنزوان وإن نظن إلّا ظنا فالعذاب مفعول به وكذا الوثاق، وفيه تعظيم عذاب الله تعالى ووثاقه سبحانه لهذا الإنسان الذي شرح من أحواله ما شرح على طريق الكناية. فما ادعاه ابن الحاجب من عدم قوة المعنى على تقدير عود الضمير إليه تعالى بناء على فوات التعظيم الذي يقتضيه السياق للغفول عن نكتة الكناية، وإما للإنسان الموصوف والإضافة إلى المفعول أي لا يعذب ولا يوثق أحد من الزبانية أحدا من أهل النار مثل ما يعذبونه ويوثقونه كأنه أشدهم عذابا ووثاقا لأنه أشدهم سيئات أفعال وقبائح أحوال وهو وجه حسن بل هو أرجح من الأول على ما سنشير إليه إن شاء الله تعالى. وقرأ ابن سيرين وابن أبي إسحاق وأبو حيوة وابن أبي عبلة وأبو بحرية وسلام والكسائي ويعقوب وسهل وخارجة عن أبي عمرو: «لا يعذب» «ولا يوثق» بالبناء للمفعول فالهاء في عذابه ووثاقه للإنسان الموصوف أي لا يعذب أحد مثل عذابه ولا يوثق بالسلاسل والأغلال مثل وثاقه لتناهيه في كفره وشقاقه ونصب العذاب على المصدرية واقع موقع التعذيب إما لأنه بمعناه في الأصل كالسلام بمعنى
344
التسليم، ثم نقل إلى ما يعذب به أو لأنه وضع موضعه كما يوضع العطاء موضع الإعطاء وكذلك الوثاق. وجوز أن يكون المعنى لا يحمل عذاب الإنسان أحد ولا يوثق وثاقه أحد كقوله تعالى وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [الأنعام: ١٦٤، الإسراء: ١٥، فاطر: ١٨، الزمر: ٧] والعذاب عليه جار على المتعارف والنصب على تضمين التعذيب معنى التحميل والأول أنسب بمقام التغليظ على هذا الإنسان المفرط أو أن التمكن والوجه الثاني للقراءة الأولى مطابق لهذا كما لا يخفى، والمراد من أنه لا يعذب أحد مثل عذابه أنه لا يعذب أحد من جنسه كالعصاة كذلك فلا يلزم كونه أشد عذابا من إبليس ومن في طبقته، ثم إن الظاهر أن المراد جنس المتصف بما ذكر وقيل: المراد به أمية بن خلف وقيل أبيّ بن خلف وهو خلاف الظاهر وإن قيل إن الآية نزلت فيمن ذكر وأما القول بأن هذا العذاب الموثق إبليس عليه اللعنة فليس بشيء إذ لا يقال له إنسان، وكون الضمير له وإن لم يسبق له ذكر لا للإنسان المذكور في قوله تعالى يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ إلخ مما لا ينبغي أن يلتفت إليه. وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع بخلاف عنه «وثاقه» بكسر الواو وقوله تعالى:
يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ إلخ حكاية لأحوال من اطمأن بذكر الله تعالى وطاعته عز وجل إثر حكاية من اطمأن بالدنيا وسكن إليها. وذكر أن على إرادة القول أي يقول الله تعالى يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ إلخ. إما بالذات كما كلم سبحانه موسى عليه السلام أو على لسان الملك واستظهر أن ذل القول عند تمام الحساب.
ولينظر التفاوت ما بين ذلك الإنسان وهذه النفس ذاك يقول يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي وهذه يقول الله تعالى لها يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ إلخ وكأنه للإيذان بغاية التباين لم يذكر القول وتعطف الجملة على الجملة السابقة. والنفس قيل بمعنى الذات ووصفت بالاطمئنان بذلك لأنها لترقى بقوتها العاقلة في معارج الأسباب والمسببات إلى المبدأ المؤثر بالذات جلت صفاته وأسماؤه فتضطرب وتقلق قبل الوصول إلى معرفته تعالى، فإذا وصلت إليه عز وجل اطمأنت واستغنت به سبحانه عن وجودها وسائر شؤونها ولم تلتفت إلى ما سواه جل وعلا بالكلية وقيل: هي النفس المؤمنة المطمئنة إلى الحق الواصلة إلى ثلج اليقين وبرودته بحيث لا يخالطها شك ما ولا يمازجها سخونة اضطراب القلب في الحق أصلا وهو وجه حسن والارتباط عليه أن هذه النفس هي المتعظة الذاكرة على خلاف الإنسان الموصوف فيما قبل فإن التذكر على قدر قوة اليقين، ألا ترى إلى قوله تعالى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ [الزمر: ٩] وقيل هي الآمنة التي لا يستفزها خوف ولا حزن يوم القيامة، أعني النفس المؤمنة اليوم المتوفاة على الإيمان. وأيد بقراءة أبيّ يا أيتها النفس الآمنة المطمئنة وكأنه لأن الوصفين يعتبر تناسبهما في الأكثر وهي على هذا تقابل السابق وهو المتحسر والمتحزن. وقرأ زيد بن علي «يا أيها» بغير تاء وذكر صاحب البديع أن أيا قد تذكر مع المنادى المؤنث قيل ولذلك وجه من القياس وذلك أنها كما لم تثن ولم تجمع في نداء المثنى والمجموع فكذلك لم تؤنث في نداء المؤنث، واعتبار النفس هاهنا مذكرة ثم مؤنثة مما لا تلتفت إليه النفس المطمئنة ارْجِعِي أي من حيث حوسبت إِلى رَبِّكِ أي إلى محل عنايته تعالى وموقف كرامته عز وجل لك أولا وهذا لأن للسعداء قبل الحساب كما يفهم من الأخبار موقفا في المحشر مخصوصا يكرمهم الله تعالى به لا يجدون فيه ما يجده غيرهم في مواقفهم من النصب، ومنه ينادي الواحد بعد الواحد للحساب فمتى كان هذا القول عند تمام الحساب اقبضي أن يكون المعنى ما ذكر الواحد بعد الواحد للحساب فمتى كان هذا القول عند تمام الحساب اقبضي أن يكون المعنى ما ذكر ويجوز أن يكون المعنى ارجعي بتخلية القلب عن الأعمال والالتفات إليها والاهتمام بأمرها أتقبل أم لا، أي إلى
345
ملاحظة ربّك والانقطاع إليه وترك الالتفات إلى ما سواه عز وجل كما كنت أولا كان النفس المطمئنة لما دعيت للحساب شغل فكرها، وإن كانت مطمئنة بمقتضى الطبيعة وحال اليوم بأمر الحساب وما ينتهي إليه وأنه ماذا يكون حال أعمالها أتقبل أم لا، فلما تم حسابها وقبلت أعمالها قيل لها ذلك تطييبا لقلبها بأن الأمر قد انتهى. وفرغ منه وليس بعد إلا كل خير. ونداؤها بعنوان الاطمئنان لتذكيرها بما يقتضي الرجوع نظير قولك لشجاع مشهور بالشجاعة أحجم في بعض المواقف يا أيها الشجاع أقدم ولا تحجم، والظاهر أنه على الأول لا يناسبها ولا يخفى ما في قوله سبحانه إِلى رَبِّكِ على الوجهين من مزيد اللطف بها ولذا لم يقل نحو ارجعي إلى الله تعالى أو إليّ راضِيَةً أي بما تؤتينه من النعم التي لا تتناهى وقد يقال راضية بما نلتيه من خفة الحساب وقبول الأعمال وليس بذاك مَرْضِيَّةً أي عند الله عز وجل قيل: المراد راضية عن ربك مرضية عنده، وزعم أنه الأظهر واعترض بأنه غير مناسب للسياق وفيه نظر. والوصفان منصوبان على الحال والظاهر أن الحال الأولى مقدرة وقيل مقارنة، وذكر الحال الثانية من باب الترقي فقد قال سبحانه وتعالى رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [التوبة: ٧٢].
فَادْخُلِي فِي عِبادِي في زمرة عبادي الصالحين المخلصين لي وانتظمي في سلكهم وكوني في جملتهم وَادْخُلِي جَنَّتِي عطف على الجملة قبلها داخلة معها في حيّز الفاء المفيدة لكون ما بعدها عقيب ما قبلها من غير تراخ وكأن الأمر بالدخول في جملة عباد الله تعالى الصالحين إشارة إلى السعادة الروحانية لكمال استئناس النفس بالجليس الصالح، والأمر بدخول الجنة إشارة إلى السعادة الجسمانية ولفضل الأولى على الثانية قدم الأمر الأول وجيء بالثاني على وجه التتميم. ونكتة الالتفات فيهما ظاهرة بأدنى التفات.
وتعدى الدخول أولا بفي وثانيا بدونها قال أبو حيان: لأن المدخول فيه إن كان غير ظرف حقيقي تعدى إليه في الاستعمال بفي، تقول: دخلت في الأمر ودخلت في غمار الناس وإذا كان ظرفا حقيقيا تعدى إليه في الغالب بغير وساطتها فلا تغفل. وقيل المراد ارجعي إلى موعد ربك واستظهر أن المراد بموعده تعالى على تقدير كون القول المذكور بعد تمام الحساب ما وعده سبحانه من الجنة والكون مع عباده تعالى الصالحين والفاء تفسيرية، واستشكل عليه الأمر بالرجوع إذ يقتضي أن تكون الجنة مقرا للنفس قبل ذلك، وأجيب بتحقق هذا المقتضى بناء على وجودها بالقوة في ظهر آدم عليه السلام حين كان في الجنة وقد قيل نحو هذا في قوله تعالى إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ [القصص: ٨٥] على ما
روي عن أمير المؤمنين عليّ كرم الله تعالى وجهه. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من أن المراد بالمعاد الجنة دون مكة
وأنت تعلم أن هذا على ما فيه لا يتم إلّا على القول بأن جنة آدم عليه السلام هي الجنة التي يدخلها المؤمنون يوم القيامة لا جنة أخرى كانت في الأرض، والخلاف في ذلك قوي كما لا يخفى على من راجع كتاب مفتاح السعادة للعلامة ابن القيم واطلع على أدلة الطرفين. وقيل: المراد ارجعي إلى أمر ربك، واستظهر أن المراد بالأمر على ذلك التقدير واحد الأمور ويفسر بمعاملة الله تعالى إياها بما ليس فيه ما يشغل بالها أو بتمييزها بموقف كريم أو بنحو ذلك مما يتحقق معه ما يقتضيه ظاهر الرجوع، وقيل: المراد ارجعي إلى كرامة ربك ويراد جنس كرامته سبحانه والرجوع إليه باعتبار أنها كانت بعد الموت في البرزخ أو بعد البعث وقبل الحساب في نوع منه والفاء عليه قيل تفسيرية أيضا. وعن عكرمة والضحاك أن ذلك القول عند البعث، فقيل النفس بمعنى الذات أيضا، والمراد بالرب هو الله عز وجل والكلام على حذف مضاف ولا يقدر محل كرامته تعالى مرادا به
346
الموقف الخاص على ما سمعت لأنه إنما يكون لها بعد. وقيل النفس بمعنى الروح، والمراد بالرب الصاحب وفسر بالجسد وباقي الآية على حالة أي ارجعي إلى جسدك كما كنت في الدنيا فادخلي بعد الرجوع إليه في جملة عبادي وادخلي دار ثوابي، وقيل المراد بالنفس والرب ما ذكر وقوله تعالى فِي عِبادِي على حذف مضاف أي فادخلي في أجساد عبادي وجاء هذا في رواية عن ابن عباس وابن جبير، ولا يضر الإفراد أولا والجمع ثانيا لأن المعنى على الجنس. وقال ابن زيد وجماعة إن ذلك القول عند الموت وأيّد بما
أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن ابن جبير قال: قرئت عند النبي صلّى الله عليه وسلم يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ الآية فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: إن هذا لحسن فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أما إن الملك سيقولها لك عند الموت» وجاء نحو هذا من رواية الحكيم الترمذي في نوادر الأصول من طريق ثابت بن عجلان عن سليم بن عامر عن الصديق رضي الله تعالى عنه
. والنفس عليه بمعنى الروح والمعنى على ما قيل ارجعي بالموت إلى عالم قدس ربك راضية بما تؤتين من النعيم أو راضية عن ربك مرضية عنده تعالى، فادخلي في زمرة عبادي المقربين سكنة حظائر القدس، وادخلي جنتي التي أعددتها لذوي النفوس المطمئنة، وهذان الدخولان يعقبان الرجوع إلّا أن الدخول الأول يعقبه بلا تراخ قبل يوم القيامة، والثاني يعقبه بتراخ لأنه يوم القيامة إن أريد الدخول الجنة دخولها على وجه الخلود إلا أن الأمر لتحققه يجوز تعقيبه بالفاء، وجوز أن يكون تعقيب الأمرين على هذا النمط إن أريد بالدخول في عبادة تعالى انتظامها في سلك العباد الصالحين المخلصين من جنسها، ويجوز على إرادة هذا التعقيب أن يراد فادخلي في أجساد عبادي. وجوز أن يكون تعقيب الأمرين بلا تراخ إن أريد بالدخول في العباد الدخول في زمرة المقربين من سكنة حظائر القدس وبالدخول في الجنة الدخول لا على وجه الخلود بل لنوع من التنعم إلى أن تقوم الساعة،
ففي الحديث أن أرواح المؤمنين في حواصل طيور في الجنة
وفي بعض الآثار إذا مات المؤمن أعطي نصف الجنة
أي نصف جنته التي وعد دخولها يوم القيامة وذكر في وجه إدخالها مع الأرواح القدسية كالمرايا المصقولة فإذا انضم بعضها إلى بعض تعاكست أشعة أنوار المعارف فيظهر لكل منها ما يكملها فيكون سببا أنها لتكامل السعادات وتعاظم الدرجات وهو عندي كلام خطابي، وعن بعض السلف ما يؤيد بعض هذه الأوجه.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح أنه قال في الآية ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ هذا عنوان الموت، ورجوعها إلى ربها خروجها من الدنيا فإذا كان يوم القيامة قيل لها ادخلي في عبادي وادخلي جنتي وقيل: إن هذا القول بعد الموت وقبل القيامة، والمراد برجوعها إلى ربها رجوعها إلى جسدها لسؤال الملكين. أخرج ابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي أنه قال في الآية إن المؤمن إذا مات أري منزله من الجنة فيقول تبارك وتعالى: يا أيتها النفس المطمئنة عندي ارجعي إلى جسدك الذي خرجت منه راضية بما رأيت من ثوابي مرضيا عنك حتى يسألك منكر ونكير، وقيل إنه في مواطن ثلاثة. أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم أنه قال في الآية: بشرت بالجنة عند الموت وعند البعث ويوم الجمع وتفسر عليه بما ينطبق على الجميع. وقيل: يجوز أن يكون ذلك في سائر أوقات النفس في حياتها الدنيا والمراد بالأمر بالرجوع إلى الرب الأمر بالرجوع إليه تعالى في كل أمر من الأمور، والمراد بالأمر بالدخول في العباد الأمر بالدخول في زمرة العباد الخلص الذي ليس للشيطان عليهم سلطان بالإكثار من العمل الصالح، وبالأمر بالدخول في الجنة الأمر بالدخول فيها بالقوة القريبة فكأنه سبحانه بعد أن بالغ جل وعلا في سوء حال الامارة
347
ووعيدها خاطب المطمئنة بذاك وأرشدها سبحانه إلى ما فيه صلاحها ونجاتها ولا يخفى ما فيه فلا ينبغي أن يعد وجها، وأيّا ما كان من الأوجه فالظاهر العموم فيها وإن أخرج ابن أبي حاتم من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أنها نزلت في عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه حين اشترى بئر رومة وجعلها سقاية للناس، وقيل: إنها نزلت في حمزة بن عبد المطلب، وقيل نزلت في خبيب بن عدي الذي صلبه أهل مكة وجعلوا وجهه إلى المدينة، فقال: اللهم إن كان لي عندك خير فحول وجهي نحو قبلتك فحول الله تعالى وجهه نحوها فلم يستطع أحد أن يحوله بعد. فتفسير النفس المذكورة بأحد هؤلاء المذكورين كما نقل عن بعض من باب التمثيل وأن صورة السبب قطعية الدخول وينبغي أن يتحمل قول ابن عباس في تلك النفس كما أخرجه عنه ابن مردويه هو النبي صلّى الله عليه وسلم على نحو ذلك، وأشعرت الآية على بعض أوجهها بأن الأرواح مخلوقة قبل الأبدان ومقرها إذ ذاك في عالم الملكوت، والخلاف في المسألة شهير وجمهور المتكلمين على أنها مخلوقة عند استعداد الأبدان لها وكذا أفلاطون وأصحابه. وقرأ ابن عباس وعكرمة والضحاك ومجاهد وأبو جعفر وأبو صالح وأبو شيخ واليماني في «عبدي» على الإفراد واستظهر أن المراد الجنس كما في النفس. وللسادة الصوفية قدست نفوسهم كلام طويل في تقسيم مراتب النفس وقالوا إن الآية متضمنة لمراتب ثلاث منها المطمئنة والراضية والمرضية وفسروا كلا بما فسروه فمن أراده فليرجع إليه في كتبهم، وأنا أقول كما علم رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعض الصحابة على ما
أخرج الطبراني وابن عساكر عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه: «اللهم إني أسألك نفسا مطمئنة تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك»
348
Icon