ﰡ
وجواب القسم محذوف. قال الزمخشري: وهو ليعذبن يدل عليه قوله: ألم تر إلى قوله: فصب عليهم ربك سوط عذاب وقال ابن الأنباري: الجواب قوله:﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ ﴾ والذي يظهر أن الجواب محذوف يدل عليه ما قبله من آخر سورة الغاشية وهو قوله:﴿ إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾[الغاشية: ٢٥ـ٢٦] وتقديره لإِيابهم إلينا وحسابهم علينا.﴿ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ ﴾ تقرير على عظم هذه الأقسام أي هل فيها مقنع في القسم لذي عقل فيزدجر ويفكر في آيات الله تعالى ثم وقف المخاطب على مصارع الأمم الكافرة الماضية مقصوداً بذلك توعد قريش ونصب المثل لها وعادهم قوم هود وإرم تسمية لهم باسم جدهم ولمن بعدهم عاد الأخيرة. وذكر المفسرون إن ذات العماد مدينة ابتناها شداد بن عاد لما سمع بذكر الجنة على أوصاف بعيد أو مستحيل عادة أن يبني في الأرض مثلها وان الله تعالى بعث عليه وعلى أهله صيحة قبل أن يدخلوها فهلكوا جميعاً والضمير في مثلها عائد على المدينة التي هي ذات العماد.﴿ فِي ٱلْبِلاَدِ ﴾ أي في بلاد الدنيا.﴿ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ ﴾ خرقوه ونحتوه فاتخذوا في الحجارة منها بيوتاً قيل أول من نحت الجبال والصخور والرخام ثمود وبنوا الفا وسبعمائة مدينة كلها بالحجارة.﴿ بِٱلْوَادِ ﴾ وادي القرى وقيل جابوا واديهم وجلبوا ماءهم في صخر وشقوه فعل ذوي القوة والآمال.﴿ ذِى ٱلأَوْتَادِ ﴾ تقدم الكلام عليه في " ص ".﴿ ٱلَّذِينَ ﴾ صفة لعاد وثمود وفرعون أو منصوب على الذم أو مرفوع على إضمارهم.﴿ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ ﴾ أنهم هنا وأوضح في الحاقة وفي غيرها يقال صب عليهم السوط وغشاهم وقنعهم واستعمل الصب في السوط لاقتضائه السرعة في النزول على المضروب وخص السوط فاستعير للعذاب لأنه يقتضي من التكرار والترداد ما لا يقتضيه السيف ولا غيره والمرصد المكان الذي يترتب فيه الرصد مفعال من رصده وهذا مثل لإِرصاده العصاة بالعقاب وأنهم لا يفوتونه.﴿ فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ ﴾ ذكر تعالى ما كانت قريش تقوله وتستدل به على إكرام الله تعالى وإهانته لعبده فيرون المكرم من عنده الثروة والإِنسان إسم جنس ويوجد هذا في كثير من أهل الإِسلام وفيقول في الموضعين خبر مبتدأ محذوف تقديره فهو يقول وهو جواب إذ وقرىء أكرمني وأهانني بياء الإِضافة وحذفها وقرىء تكرمون بالتاء والياء والمعاطيف عليه وقرىء تحاضون.﴿ ٱلتُّرَاثَ ﴾ التاء بدل من الواو وكانوا لا يورِثون النساء ولا صغار الأولاد فيأكلون نصيبهم ويقولون لا يأخذ الميراث إلا من يقاتل ويحمي الحوزة واللم الجمع واللف والجم الكثير.﴿ كَلاَّ ﴾ ردع لهم عن ذلك وإنكار لفعلهم ثم أتى بالوعيد وذكر تحسرهم على ما فرطوا في دار الدنيا.﴿ دَكّاً دَكّاً ﴾ حال كقولهم باباً بابا أي مكروا عليها الدك.﴿ وَجَآءَ رَبُّكَ ﴾ هو تمثيل لظهور آيات اقتداره وتبين آثار قدرته وسلطانه.﴿ وَٱلْمَلَكُ ﴾ إسم جنس يشمل الملائكة روي أنه الملائكة كل سماء يكونون صفاً حول الأرض في يوم القيامة.﴿ صَفّاً صَفّاً ﴾ تنزل الملائكة كل سماء فيصطفون صفاً بعد صف محدقين بالإِنس والجن.﴿ وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ﴾ كقوله:﴿ وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ ﴾[النازعات: ٣٦].
﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ﴾ يومئذٍ بدل من إذ أي يتذكر ما فرط فيه.﴿ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ ﴾ أي منفعة الذكرى لأنه وقت لا ينفع فيه التذكر لو اتعظ في الدنيا نفعه ذلك في الآخرة.﴿ لِحَيَاتِي ﴾ الهنية وهي حياة الآخرة وقرىء: لا يعذب ولا يوثق مبنيين للفاعل فأحد فاعل والمعنى أنه لا يعذب أحد مثل عذاب الله في الآخرة للكافر وقرىء: بفتح الثاء والذال فأحذ مفعول لم يسم فاعله. ولما ذكر تعالى شيئاً من أحوال من يعذب ذكر شيئاً من أحوال المؤمن فقال:﴿ يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ﴾ وهذا النداء الظاهر أنه على لسان ملك مخبراً عن الله تعالى.﴿ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ ﴾ الآمنة التي لم يلحقها خوف ولا حزن.﴿ ٱرْجِعِي ﴾ أي ردي.﴿ إِلَىٰ رَبِّكِ ﴾ أي إلى موعد ربك.﴿ رَاضِيَةً ﴾ بما أوتيته.﴿ مَّرْضِيَّةً ﴾ عند الله تعالى.﴿ فَٱدْخُلِي فِي ﴾ جملة.﴿ عِبَادِي ﴾ الصالحين.﴿ وَٱدْخُلِي جَنَّتِي ﴾ معهم.