ﰡ
فإِن الحزن ينشأ عنه السخط والفرح قد ينشأ عنه البطر ولذلك ختم بقوله:﴿ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ فالفرح بما ناله من حطام الدنيا يلحقه في نفسه الخيلاء والافتخار والتكبر على الناس فمثل هذا هو المنهي عنه وأما الحزن على ما فات من طاعة الله تعالى والفرح بنعم الله والشكر عليه والتواضع فهو مندوب إليه.﴿ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ ﴾ بدل من كل مختال أو على إضمارهم أو إضمار أذم.﴿ وَمَن يَتَوَلَّ ﴾ أي عن ما أمر إلٰهه به.﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾ أي بالحجج والمعجزات.﴿ مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ ﴾ إسم جنس ومعهم حال مقدرة أي وأنزلنا الكتاب صائراً معهم.﴿ مَن يَنصُرُهُ ﴾ قال ابن عباس: يترَتب على معنى الآية بأن الله تعالى أخبر بأنه أرسل رسلاً وأنزل كتباً وعدلاً مشروعاً وسلاحاً يحارب به من عاند ولم يهتد بهدي الله تعالى فلم يبق عذر وفي الآية على هذا التأويل حض على القتال.﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ ﴾ الآية لما ذكر تعالى إرسال الرسل جملة أفرد منهم في هذه الآية نوحاً وإبراهيم تشريفاً لهما بالذكر والظاهر أن الضمير في منهم عائد على الذرية.﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا ﴾ أي اتبعنا وجعلناهم يقفون من تقدّم.﴿ عَلَىٰ آثَارِهِم ﴾ أي آثار الذرية.﴿ بِرُسُلِنَا ﴾ وهم الذين جاؤوا بعد الذرية.﴿ وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ﴾ ذكره تشريفاً له ولانتشار أمته ونسبه لأمهِ على العادة في الإِخبار عنه.﴿ وَجَعَلْنَا ﴾ يحتمل أن يكون المعنى وخلقنا ويحتمل أن يكون بمعنى صيرنا فيكون.﴿ فِي قُلُوبِ ﴾ في موضع المفعول الثاني لجعلنا.﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ﴾ معطوف على ما قبله فهي داخلة في الجعل.﴿ ٱبتَدَعُوهَا ﴾ جملة في موضع الصفة لرهبانية وخصت الرهبانية بالابتداع لأن الرأفة والرحمة في القلب لا تكسب للإِنسان فيها بخلاف الرهبانية فإِنها أفعال بدن مع شىء في القلب ففيها موضع للتكسب وجعل أبو علي الفارسي ورهبانية منقطعة من العطف ما قبلها من رأفة ورحمة وانتصب عنده ورهبانية على إضمار فعل يفسره ما بعده فهو من باب الاشتغال أي وابتدعوا رهبانية ابتدعوها وتبعه الزمخشري فقال: وانتصابها بفعل مضمر يفسره الظاهر وتقديره وابتدعوا رهبانية ابتدعوها يعني وأحدثوها من عند أنفسهم " انتهى ". وهذا إعراب المعتزلة وكان أبو علي الفارسي معتزلياً وهم يقولون ما كان مخلوقاً لله تعالى لا يكون مخلوقاً للعبد فالرأفة والرحمة من خلق الله تعالى والرهبانية من ابتداع الإِنسان فهي مخلوقة له وهذا الاعراب الذي لهم ليس بجيد من جهة صناعة العربية لأن مثل هذا هو مما لا يجوز فيه الرفع بالابتداء ولا يجوز الابتداء هنا بقوله: ﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ﴾ لأنها نكرة لا مسوغ لها من المسوغات للابتداء بالنكرة والظاهران.﴿ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ ﴾ استثناء متصل ما هو مفعول من أجله وصار المعنى أنه تعالى كتبها عليهم ابتغاء مرضاته والضمير في.﴿ رَعَوْهَا ﴾ عائد على ما عاد عليه في ابتدعوها وهو الضمير الذي اتبعوه أي لم يرعوها كما يجب على الناذر رعاية نذره لأنه عهد مع الله تعالى لا يحل نكثه.﴿ فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ وهم أهل الرأفة والرحمة الذين اتبعوا عيسى عليه السلام.﴿ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ وهم الذين لا يحافظون على نذورهم.﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ﴾ نداء لمن آمن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فمعنى آمنوا: دوموا، وأثبتوا.﴿ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ ﴾ أي نصيبين في إيمانه بنبيه وإيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم كما قال﴿ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ ﴾[القصص: ٥٤].
﴿ لِّئَلاَّ يَعْلَمَ ﴾ لا زائدة وان واجبة الذكر وإن كانت ناصبة للفعل كراهة اجتماع لام الجر ولا الزائدة وتتعلق اللام بيؤتكم أو على إضمار فعل تقديره فعلنا ذلك أي إيتاء الكفلين وجعل النور والغفران والمعنى ان هذا كله من فضل الله تعالى وان المؤتون ذلك لا يقدرون على ذلك بل ذلك كله من فضل الله تعالى وبيد الله كناية عن القدرة عن ما يؤتيه من الفضل لمن يشاء.