ﰡ
يريد : قبل كل شيء. ﴿ وَالآخِرُ ﴾ بعد كل شيء.
﴿ وَالظَّاهِرُ ﴾ على كل شيء علما، وكذلك ﴿ وَالْبَاطِنُ ﴾ على كل شيء علما.
يقرأ بالرفع والنصب : فمن رفعه جعل الفاء عطفا ليست بجواب كقولك : من ذا الذي يحسن ويجمل ؟ ومن نصب جعله جوابا للاستفهام، والعرب تصل ( مَن ) في الاستفهام ب ( ذا ) حتى تصير كالحرف الواحد. ورأيتها في بعض مصاحف عبد الله : منذا متصلة في الكتاب، كما وصل في كتابنا وكتاب عبد الله ﴿ يابْنَ أُمَّ ﴾.
وقوله :﴿ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَناتٌ ﴾.
ترفع البشرى، والجنات، ولو نويت بالبشرى النصبَ توقع عليها تبشير الملائكة، كأنه قيل لهم : أبشروا ببشراكم، ثم تنصب جناتٍ، توقع البشرى عليها.
وإن شئت نصبتها على القطع ؛ لأنها نكرة من نعتِ معرفةٍ، ولو رفعتَ البشرى باليوم كقولك : اليوم بشراكم اليوم سروركم، ثم تنصب الجنات على القطع، ويكون في هذا المعنى رفع اليوم ونصبه كما قال الشاعر :
زَعم البوارِحُ أنَّ رِحلتنا غدا | وبذاك خبرنا الغُدافُ الأسود |
وفي قراءتنا «ذلك هو الفوز العظيم » : كما كان في قراءتنا «فإنَّ اللهَ هُو الغَنِيّ الحميد » وفي كتاب أهل المدينة :«فإن الله الغني الحميد ».
أبا هندٍ فلا تَعْجَل علينا | وأَنْظِرنا نُخَبِّرْك اليقِينا |
وقوله :﴿ قِيلَ ارْجِعُواْ وَرَاءكُمْ ﴾.
قال المؤمنون للكافرين : ارجعوا إلى الموضع الذي أَخذنا منه [ ١٩٣/ب ] النور، فالتمسوا النور منه، فلما رجعوا ضرب الله عز وجل بينهم : بين المؤمنين والكفار بسور، وهو السور الذي يكون عليه أهل الأعراف.
وقوله :﴿ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ ﴾ الجنة، ﴿ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ ﴾ النار، وفي قراءة عبد الله : ظاهره من تلقائه العذاب.
القراء على الياء، وقد قال بعض أهل الحجاز [ لا ] تؤخذ والفدية مشتقة من الفداء، فإذا تقدم الفعل قبل الفدية والشفاعة والصيحة والبينة وما أشبه ذلك، فإنك مؤنث فعله وتذكّره، قد جاء الكتاب بكل ذلك.
وقوله عز وجل :﴿ مأوَاكُمُ النارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ ﴾ أي : هي أولى بكم.
وفي يأن لغات : من العرب من يقول : ألم يأن لك، وأَلم يئن لك مثل : يَعِنْ، ومنهم من يقول : أَلم يَنَلْ لك باللام، ومنهم من يقول : أَلم يُنلْ لك، وأَحسنهن التي أَتى بها القرآن وقوله :﴿ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ﴾.
قرأها عاصم، وبعض أهل المدينة ( نزَل ) مشددة، وقرأها بعضهم :«وما نَزَل مخففة » وفي قراءة عبد الله : وما أنزل من الحق، فهذا قوةٌ لمن قرأ : نَزّل.
وقوله :﴿ وَلاَ يَكُونُواْ ﴾.
في موضع نصب، معناه : ألم يأنِ لهم أن تخشع قلوبهم، وألا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب، ولو كان جزما كان صوابا على النهي.
قرأها عاصم : إنّ المصَدِّقين والمصَدِّقات بالتخفيف للصاد، يريد : الذين صدّقوا الله ورسوله، وقرأها آخرون : إِن المصَّدّقين يريدون : المتصدقين بالتشديد، وهي في قراءة أُبّي : إن المتصدقين والمتصدقات بتاء ظاهرة، فهذه قوة لمن قرأ إن المصّدّقين بالتشديد.
ثم قال :﴿ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ يعني : النبيين لهم أجرهم ونورهم، فرفعتَ الصديقين بهم، ورفعت الشهداء بقوله :﴿ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ﴾.
ذكر ما في الدنيا، وأنه على ما وصف، وأما الآخرة فإنها إما عذاب، وإما جنة، والواو فيه واو بمنزلة واحدة ؛ كقولك : ضع الصدقة في كل يتيم وأرملة، وإن قلت : في كل يتيم أو أرملة، فالمعنى واحد والله أعلم.
أي ما أصاب الآدمي في الأرض من مصيبة مثل : ذهاب المال، والشدة، والجوع، والخوف ﴿ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ ﴾ الموت في الولد، وغير الولد، والأمراض ﴿ إِلاَّ فِي كِتَابٍ ﴾ يعني : في العلم الأول، مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرأَ تلك النفس أي : نخلقها، إن ذلك على الله يسير، ثم يقول : إن حفظ ذلك من جميع [ ١٩٤/ا ] الخلق على الله يسير، ثم أدّب عباده.
هذه اليهود بخلت حسدا أن تُظهِر صفة النبي صلى الله عليه وسلم حسداً للإسلام ؛ لأنه يُذهب ملكهم.
وقوله :﴿ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾.
وفي قراءة أهل المدينة بغير هو دليل على ذلك.
ذكر أن الله عز وجل أنزل : القلاة والكلْبَتين والمِطرقة. قال الفراء : القلاة : السِّندان.
وقوله :﴿ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ﴾.
يريد : السلاح للقتال، ومنافع للناس مثل : السكين، والفأس، والمز وما أشبه ذلك.
وفي مصحف عبد الله بالياء بياءين : النِّبييّة بباءين والهمزة في كتابه تثبت بالألف في كل نوع، فلو كانت همزة لأثبَتت بالألف، ولو كانت الفعولة لكانت بالواو، ولا تخلو أن تكون مصدر النبأ أو النبيّية مصدرا فنسبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والعرب تقول : فعَل ذلك في غُلوميته، وفي غلومته، وفي غلاميته، وسمع الكسائي العرب تقول : فعل ذلك في وليديته يريد : وهو وليد أي : مولود، فما جاءك من مصدر لاسم موضوع، فلك فيه : الفُعولة، والفُعولية، وأن تجعله منسوباً على صورة الاسم، من ذلك أن تقول : عبد بين العبودية، والعبودة والعبدية، فقس على هذا.
الكفل : الحظ، وهو في الأصل ما يكتفل به الراكب فيحبسه ويحفظه عن السقوط، يقول : يحصنكم الكِفل من عذاب الله، كما يحصّن هذا الراكب الكفلُ من السقوط.
وفي قراءة عبد الله : لكي يعلم أهل الكتَاب ألا يقدرون، والعرب تجعل لا صلة في كل كلام دخل في آخره جحد، أو في جحد غير مصرح، فهذا مما دخل آخره الجحد، فجعلت ( لا ) في أوله صلة. وأما الجحد السابق الذي لم يصرح به فقوله عز وجل :﴿ ما مَنَعكَ ألاّ تسجُدَ ﴾.
وقوله :﴿ وما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذَا جاءتْ لا يُؤمِنُون ﴾.
وقوله :﴿ وَحِرْم على قَرْيةٍ أهْلَكْناها أنّهُم لا يَرْجِعُون ﴾.
وفي الحرام معنى الجحد والمنع، وفي قوله :( وما يشعركم ) فلذلك جعلت ( لا ) بعده صلة معناها السقوط من الكلام.