ﰡ
تنصب [ قرآنا ] على الفعل، أي : فصلت آياته كذلك، ويكون نصبا على القطع ؛ لأَن الكلام تام عند قوله ؛ ( آياته ). ولو كان رفعا على أنه من نعت الكتاب كان صوابا. كما قال في موضع آخر :﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبَاركٌ ﴾، وكذلك قوله :﴿ بَشِيراً ونذيراً ﴾ فيه ما في :﴿ قرآنا عربيا ﴾.
يقول : بيننا وبينك فُرقة في ديننا، فاعمل في هلكنا إننا عاملون في ذلك منك، ويقال : فاعمل لما تعلم من دينك فإننا عاملون بديننا.
والزكاة في هذا الموضع : أن قريشا كانت تطعم الحاج وتسقيهم، فحرَمُوا ذلك من آمن بمحمد صلى الله عليه ؛ فنزل هذا فيهم، ثم قال : وفيهم أعظم من هذا كفرهم بالآخرة.
وفي قراءة عبد الله : وقسم فيها أقواتها، جعل في هذه ما ليس في هذه ليتعايشوا ويتجروا.
وقوله :﴿ سَوَاءً لِّلسَّائلِينَ ﴾.
نصبها عاصم وحمزة، وخفضها الحسن، فجعلها من نعت الأَيام، وإن شئت من نعت الأربعة، ومن نصبها جعلها متصلة بالأَقوات، وقد ترفع كأنه ابتداء، كأنه قال : ذلك سواء للسائلين، يقول لمن أراد علمه.
جعل السماوات والأَرضين كالثِّنتين كقوله :﴿ وَما خَلَقْنا السَّماء والأرْضَ وما بَيْنَهُمَا ﴾ ولم يقل :[ وما ] بينهن، ولو كان كان صوابا.
وقوله :﴿ أَتَيْنا طَائعِينَ ﴾.
ولم يقل : طائعتين، ولا طائعاتٍ. ذُهب به إلى السماوات ومن فيهن، وقد يجوز : أن تقولا، وإن كانتا اثنَتين : أتينا طائعين، فيكونان كالرجال لما تكلمتا.
يقول : جعل في كل سماء ملائكة فذلك أمرها.
يقول : خلقهن، وأحكمهن.
يقول : جعل في كل سماء ملائكة فذلك أمرها.
أتت الرسل آباءهم، ومن كان قبلهم ومن خلفهم يقول : وجاءتهم أنفسهم رسل من بعد أولئك الرسل، فتكون الهاء والميم في ( خلفهم ) للرسل، وتكون لهم تجعل من خلفهم لما معهم.
باردة تُحْرق [ كما تحرق ] النار.
وقوله :﴿ فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ ﴾.
العوام على تثقيلها لكسر الحاء، وقد خفف بعض أهل المدينة :( نحْسات ).
قال :[ وقد سمعت بعض العرب ينشد :
أبلغْ جذاما ولخما أن إخوتهم | طيا وبهراء قوم نصرهم نِحس ]. |
القراءة برفع ثمود، قرأ بذلك عاصم، وأهل المدينة والأعمش. إلا أن الأعمش كان يجرى ثمود في كل القرآن إلا قوله :﴿ وآتَيْنا ثَمُودَ الناقَةَ ﴾، فإنه كان لا ينون، لأَنّ كتابه بغير ألف. ومن أجراها جعلها اسمًا لرجل أو لجبل، ومن لم يجرها جعلها اسمًا للأُمة التي هي منها قال : وسمعت بعض العرب يقول : تترك بني أسد وهم فصحاء، فلم يُجْر أسدَ، وما أردت به القبيلة من الأَسماء التي تجرى فلا تحرها، وإجراؤها أجود في العربية مثلَ قولك : جاءتك تميمٌ بأسرها، وقيس بأسرها، فهذا مما يُجْرَى، ولا يُجْرى مثل التفسير في ثمود وأسد.
وكان الحسن يقرأ :«وأما ثَمُودَ فَهَدَيْناهُمْ » بنصب، وهو وجه، والرفع أجود منه، لأنّ أما تطلب الأسماء، وتمتنع من الأفعال، فهي بمنزلة الصلة للاسم، ولو كانت أما حرفا يلي الاسم إذا شئت، والفعل إذا شئت كان الرفع والنصب معتدلين مثل قوله :﴿ والْقَمَرَ قَدَّرْناه مَنازِلَ ﴾، ألا ترى أنّ الواو تكون مع الفعل، ومع الاسم ؟ فتقول : عبد الله ضربته وزيداً تركته ؛ لأنك تقول : وتركتُ زيدا، فتصلح في الفعل الواو كما صلحت في الاسم، ولا تقول : أما ضربتَ فعبد الله، كما تقول : أما عبد الله فضربت، ومن أجاز النصب وهو يرى هذه العلة [ ١٦٥/ب ] فإنه يقول : خِلْقَةُ ما نصب الأسماء أن يسبقها لا أن تسبقه. وكل صواب.
وقوله :﴿ فَهَدَيْناهُمْ ﴾.
يقول : دللناهم على مذهب الخير، ومذهب الشر كقوله :﴿ وهَدَيْناهُ النَّجدينِ ﴾.
الخير، والشر.
[ حدثنا أبو العباس قال، حدثنا محمد قال ] حدثنا الفراء قال : حدثني قيس عن زياد بن علاقة عن أبى عمارة عن علي بن أبي طالب أنه قال في قوله :﴿ وهَدَيناهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ : الخير، والشر.
قال أبو زكريا : وكذلك قوله :﴿ إنا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِما شَاكِراً وَإما كَفُوراً ﴾.
والهدى على وجه آخر الذي هو الإرشاد بمنزلة قولك : أسعدناه، من ذلك.
قوله :﴿ أُولَئِكَ الَّّذينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ في كثير من القرآن.
فهي من وزعتُ، ومعنى وزعتُه : حبسته وكففته، وجاء في التفسير : يحبس أولهم على آخرهم حتى يدخلوا النار.
قال : وسمعتُ بعض العرب يقول : لأبعثن عليكم من يزَعُكُم وُيحْكِمُكُم من الحَكمَة التي للدابة. قال : وأنشدني أبو ثَرْوان العُكلْي :
فإنكما إن تُحكِماني وترسلا | على غُواة الناس إِيبَا وتضلعاً |
الجلد ها هنا - والله أعلم - الذَّكر، وهو ما كنى عنه كما قال :﴿ وَلَكِنْ لاَ تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا ﴾ يريد : النكاح. وكما قال :﴿ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِنْكُمْ مِن الْغَائطِ ﴾، والغائط : الصحراء، والمراد من ذلك : أو قضى أحد منكم حاجةً.
يقول : لم تكونوا تخافونِ أن تشهد عليكم جوارحكم فتستتروا منها، ولم تكونوا لتقدروا على الاستتار، ويكون على التعبير : أي لم تكونوا تستترون منها.
وقوله :﴿ وَلَكِن ظَنَنتُمْ ﴾.
في قراءة عبد الله مكان ﴿ ولكن ظننتم ﴾، ولكن زعمتم، والزعم، والظن في معنى واحد، وقد يختلفان.
«ذلكم » في موضع رفع بالظن، وجعلت «أرداكم » في موضع نصب، كأنك قلت : ذلكم ظنكم مُرْدِياً لكم. وقد يجوز أن تجعل الإرداء هو الرافع في قول من قال : هذا عبد الله قائم [ ١٦٦/ا ] يريد : عبد الله هذا قائم، وهو مستكره، ويكون أرداكم مستأنفا لو ظهر اسما لكان رفعا مثل قوله في لقمان :﴿ الم، تِلْكَ آياتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ، هُدًى ورحمةٌ ﴾، قد قرأها حمزة كذلك، وفي قراءة عبد الله :«أََأَلِدُ وَأَنا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعلي شَيْخٌ "، وفي ق :﴿ هَذَا ما لَدَيَّ عَتيدٌ ﴾ كل هذا على الاستئناف ؛ ولو نويت الوصل كان نصبا، قال : وأنشدني بعضهم :
مَنْ يك ذا بَتٍّ فهذا بَتِّي *** مُقيِّظٌ مصيِّف مُشَتِّي
جمعته من نعجات ست ***...
من أمر الآخرة، فقالوا : لا جنة، وَلا نار، ولا بعث، ولا حساب، وما خلفهم من أمر الدنيا فزينوا لهم اللذات، وجمع الأموال، وترك النفقات فيه وجوه البر، فهذا ما خلفهم، وبذلك جاء التفسير، وقد يكون ما بين أيديهم ما هم فيه من أمر الدنيا، وما خلفهم من أمر الآخرة.
قاله كفّار قريش، قال لهم أبو جهل : إذا تلا محمد صلى الله عليه القرآن فالغوا فيه الْغَطوا، لعله يبدّل أو ينسى فتغلبوه.
وهي النار بعينها، وذلك صواب لو قلت : لأهل الكوفة منها دار صالحة، والدار هي الكوفة، وحسن حين قلت [ بالدار ] والكوفة هي والدار فاختلف لفظاهما، وهي في قراءة عبد الله :«ذلك جزاء أعداء الله النار دار الخلد » فهذا بيّن لا شيء فيه، لأن الدار هي النار.
يقال : إن الذي أضلهم من الجن إبليس [ و ] من الإنس قابيل الذي قتل أخاه يقول : هو أول من سنّ الضلالة من الإنس.
عند الممات يبشرونهم بالجنة، وفي قراءتنا «ألاّ تخافوا »، وفي قراءة عبد الله «لا تخافوا » بغير أَنْ على مذهب الحكاية.
يريد ما يلقّى دفع السيئة بالحسنة إلاّ مَن هو صابر، أو ذو حظ عظيم، فأنَّثها لتأنيث الكلمة، ولو أراد الكلام [ فذكر ] كان صوابا.
يقول : يصدنّك عن أمرنا إياك يدفع بالحسنة السيئة فاستعذ بالله تعّوذ به.
خلق الشمس والقمر والليل والنهار، وتأنيثهن في قوله :«خلقهن » [ ١٦٦/ب ] ؛ لأن كل ذكر من غير الناس وشبههم فهو في جمعه. مؤنث تقول : مرّ بي أثواب فابتعتهن، وكانت لي مساجد فهدمتهن وبنيتهن يبنى [ على ] هذا.
زاد ريْعُها، وربَت، أي : أنها تنتفخ، ثم تصدَّع عن النبات.
يقال : أين جواب إنَّ ؟ فإن شئت جعلته ﴿ أُولَئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ﴾. وإن شئت كان في قوله :﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ﴾ ﴿ لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ ﴾، فيكون جوابه معلوما فيترك، وكأنه أعربُ الوجهين [ وأشبهه بما جاء في القرآن.
يقال : أين جواب إنَّ ؟ فإن شئت جعلته ﴿ أُولَئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ﴾. وإن شئت كان في قوله :﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ﴾ ﴿ لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ ﴾، فيكون جوابه معلوما فيترك، وكأنه أعربُ الوجهين [ وأشبهه بما جاء في القرآن.
وقوله :﴿ لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ﴾، يقول : التوراة والإنجيل لا تكذبه وهي [ من ] بين يديه ﴿ ولا من خلفه ﴾، يقول : لا ينزل بعده كتاب يكذبه ].
جزع ( صلى الله عليه ) من تكذيبهم إياه، فأنزل الله جل وعز عليه : ما يقال لك من التكذيب إلا كما كذب الرسل من قبلك.
استفهما، وسكنا العين، وجاء التفسير : أيكون هذا الرسول عربياً والكتاب أعجمي ؟
وقرأ الحسن بغير استفهام : أعجمي وعربي، كأنه جعله من قيِلهم، يعنى الكفَرة، أي : هلاَّ فصلت آياته منها عربي يعرفه العربي، وعجمي يفهمه العجمي، فأنزل الله عز وجل :﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَاء ﴾.
وقرأها بعضهم :«أَعَجَمِيٌّ وعربي » يستفهم وينسبه إلى العجم.
وقوله :﴿ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ﴾.
حدثنا الفراء قال : وحدثني غير واحد منهم [ أبو الأحوص و ] مندل عن موسى بن أبى عائشة عن سليمان بن قَتّة عن ابن عباس أنه قرأ : عَمٍ.
وقوله :﴿ أُولَئِكَ يُنادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ﴾.
تقول للرجل الذي لا يفهم قولك : أنت تنادَى من بعيد، تقول للفَهِم : إنك لتأخذ الشيء من قريب. وجاء في التفسير : كأنما ينادون [ من السماء ] فلا يسمعون.
قِشْر الكُفُرّاةِ كِمّ، وقرأها أهل الحجاز :﴿ وما تخرج من ثمراتٍ ﴾.
وقوله :﴿ قَالُوا آذَنَّاكَ ﴾.
هذا من قول الآلهة التي كانوا يعبدونها في الدنيا. قالوا : أعلمناك ما منا من شهيد بما قالوا.
وفي قراءة عبد الله :«من دعاء بالخير ».
[ أنه إن شئت جعلتَ أنَّ في موضع خفض على التكرير : أو لم يكف بربك بأنه على كل شيء شهيد، وإِن شئتَ جعلته رفعا على قولك : أو لم يكف بربك ] شهادته على كل شيء، والرفع أحبّ إليّ.