أفلح من عرف " بسم الله "، وما ربح من بقي عن " بسم الله ".
من صحب لسانه " بسم الله " وصحب جنانه " بسم الله " كفى له شفيعا " بسم الله " إلى من يعيذنا " بسم الله ".
ﰡ
بحقي وحياتي، ومجدي في صفاتي وذاتي. . هذا تنزيلٌ من الرحمان الرحيم.
بُيِّنَتْ آياتُه ودلالاتُه.
﴿ وقُرْءَاناً عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ : الدليل منصوبٌ للكافة ولكنَّ الاستبصار به للعالِمين -دون المُعْرِضين الجاحدين.
﴿ وَنَذِيراً ﴾ : لِمَنْ أقميناهم، وعن شهودِ آياتنا أعميناهم.
﴿ فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ ﴾ عند دعائنا إياهم، فهم مُثْبَتُون فيما أردناهم، وعلى ذلك ( الوصف ) عَلِمْناهم.
قالوا ذلك على الاستهانة والاستهزاء، ولو قالوه عن بصيرةٍ لكان ذلك منهم توحيداً، فمُنُوا بالمَقْتِ لِما فقدوا من تحقيق القلب.
إنما أنا بَشَرٌ مثلكم في الصورة والبِنْية، والذات والخِلقة. والفرقَانُ بيني وبينكم أنَّه يُوحَى إليَّ أنما إلهكم إله واحد ؛ فالخصوصية مِنْ قِبَلِه لا مِنْ قِبَلِي، ولقد بَقِيتُ فيكم عمراً، ولقيتموني جهراً. . فما عثرتم مني على غير صواب، ولا وجدتم في قولي شوب كذاب. وأمري إليكم أن استقيموا في طاعته، واستسلموا لأمره. . . وطوبى لِمَن أجاب، والويلُ لِمَنْ أصرَّ وعاب !.
﴿ آمِناً ﴾ : شاهدوا، ﴿ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ﴾ : لازموا بِساط العبودية.
﴿ آمَنُواْ ﴾ : شهدوا الحضرة، ﴿ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ﴾ : وقفوا بالباب.
﴿ آمَنُواْ ﴾ : حضروا، ﴿ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ﴾ : بعد ما حضروا لم ينصرفوا.
﴿ لَهُمْ أَجرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾ : غير منقوص ؛ فأجرُ النفوسِ الجنةُ، وأجرُ القلوب الرضا بالله، وأجرُ الأرواح الاستئناسُ بالله، وأجرُ الأسرار دوام المشاهدة لله.
خَلَقَ الزمانَ ولم يكن قبله زمان، وخَلَقَ المكان، ولم يكن قبله مكان ؛ فالحقُّ -سبحانه- كان ولا مكان ولا زمان، فهو عزيزٌ لا يُدْرِكُه المكانُ، ولا يَمْلِكُه الزمان.
﴿ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ﴾. . . وكيف يكون الذي لم يكن ثم حصل نِدًّا للذي لم يَزَلْ. . . ولا يزال كما لم يزل ؟ ! ذلك ربُّ العالمين.
الجبالُ أوتادُ الأرضِ في الصورة، والأولياءُ أوتادٌ ورواسٍ للأرض في الحقيقة.
﴿ وَبَارَكَ فِيهَا ﴾ : البركةُ الزيادة. . فيأتيهم المطرُ ببركات الأولياء، ويندفع عنهم البلاء ببركات الأولياء.
﴿ وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا ﴾ : وجعلها مختلفةً في الطَّعْمِ والصورةِ والمقدار. وأرزاقُ القلوبِ والسرائر كما مضى ذكره فيما تقدم.
﴿ اسْتَوَى ﴾ أي قَصَدَ، وقيل فعل فعلاً هو الذي يعلم تعيينه.
ويقال رتَّبَ أقطارها، وركَّبَ فيها نجومَها وأزهارَها.
﴿ فَقَالَ لَهَا وَللأرْضِ ائْتِنَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾ : هذا على ضرب المَثَل ؛ أي لا يتعسَّر عليه شيءٌ مما خلقه، فله مِنْ خَلْقِه ما أراده. وقيل بل أحياهما وأعقلهما وأنطقهما فقالتا ذلك. وجعل نفوسَ العابدين أرضاً لطاعته وعبادته، وجعل قلوبهم فَلكاً لنجومِ علمه وشموسِ معرفته.
وأوتادُ النفوسِ الخوفُ والرجاءُ، والرغبةُ والرهبة. وفي القلوب ضياءُ العرفانِ، وشموس التوحيد، ونجوم العلوم والعقولِ والنفوسِ. والقلوبُ بيده يُصَرِّفُها على ما أراد من أحكامه.
زَيَّنَ السماء الدنيا بمصابيح، وزيَّنَ وجهَ الأرضِ بمصابيحَ هي قلوب الأحباب ؛ فأهلُ السماء إذا نظروا إلى قلوب الأولياء بالليل فذلك متنزههم كما أن أهل الأرض إذا نظروا إلى السماء استأنسوا برؤية الكواكب.
أي أخْبِرْ المُكَذِّبين لَكَ أنَّ لكم سَلَفاً. . فإن سلكتم طريقهم في العناد، وأبيتم إلاَّ الإصرار ألحقناكم بأمثالكم.
قيل إنهم في الابتداء آمنوا وصدَّقوا، ثم ارتدُّوا وكذَّبوا، فأجراهم مجرى إخوانهم في الاستئصال.
شهدت عليهم أجزاؤهم، ولم يكن في حسابهم أن الله سيُنْطِقها وهو الذي أنطق كلَّ شيء، ولم يَدُرْ بخَلدهم ما استقبلهم من المصير الأليم.
شهدت عليهم أجزاؤهم، ولم يكن في حسابهم أن الله سيُنْطِقها وهو الذي أنطق كلَّ شيء، ولم يَدُرْ بخَلدهم ما استقبلهم من المصير الأليم.
شهدت عليهم أجزاؤهم، ولم يكن في حسابهم أن الله سيُنْطِقها وهو الذي أنطق كلَّ شيء، ولم يَدُرْ بخَلدهم ما استقبلهم من المصير الأليم.
شهدت عليهم أجزاؤهم، ولم يكن في حسابهم أن الله سيُنْطِقها وهو الذي أنطق كلَّ شيء، ولم يَدُرْ بخَلدهم ما استقبلهم من المصير الأليم.
والظنُّ بالله إذا كان جميلاً فلعمري يُقَابَلُ بالتحقيق، أمَّا إذا كان نتيجةَ الغرورِ وغيرَ مأذونِ به في الشرع فإنه يُرْدِي صاحبه.
فإن يصبروا على موضع الخسف فسينقلبون إلى النار، وإن يستعتبوا - فعلى ما قال - فما هم بمعتبين.
استولى على قلوبهم الجَحْدُ والإنكارُ، ودام على العداوة فيهم الإصرارُ ؛ فاحتالوا بكل وجهٍ، وتواصَوْا فيما بينهم بألا يستمعوا لهذا القرآن لأنه يغلب القلوب، ويسلب العقول، وكل مَنْ استمع إليه صَبَا إليه.
وقالوا : إذا أَخّذَ محمدٌ في القرآن فأَكْثِرُوا عند قراءته اللَّغوَ واللغطَ حتى يقع في السهو الغَلَط.
ولم يعلموا أن الذي نُوِّرَ قلبُه بالإيمان، وأُيِّدَ بالفهم، وأُمِّدَ بالنصرة، وكوشف بسماع السِّرِّ من الغيب هو الذي يسمع ويؤمن. والذي هو في ظلمات جهله لا يدخل الإيمانُ قلبَه، ولا يباشر السماعُ سِرَّه.
اليومَ بإدامة الحرمان الذي هو الفراق، وغداً بالتخليد في النار التي هي الاحتراق.
لهم فيها الخزي والهوان بلا انقطاع ولا انصرام.
﴿ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا ﴾ ؛ هذه الإرادة وهذا التمني زيادة في عقوبتهم أيضاً ؛ لأنهم يتأذون بتلك الإرادة وهذا التمني ؛ فهم يجدون أنه لا نَفْعَ لهم من ذلك إذ لن يُجَبوا في شيء، ولن يُمْنَعَ عنهم العذاب.
ويفيد هذا الإخبار عنهم عن وقوع التبَرِّي فيما بينهم، فبعضهم يتبرأ من بعض، كما يفيد بأن الندمَ في غير وقته لا جدوى منه.
" ثم " استقاموا : ثم حرف يقتضي التراخي، فهو لا يدل على أنهم في الحال لا يكونون مستقيمين، ولكنه معناه استقاموا في الحال، ثم استقاموا في المآل بأن استداموا إيمانَهم إلى وقت خروجهم من الدنيا، وهو آخرُ أحوالِ كونِهم مُكَلَّفين.
ويقال : قالوا بشرط الاستجابة أولاً، ثم استبصروا بموجب الحجة، ولم يثبتوا على وصف التقليد، ولم يكتفوا بالقالة دون صفاء الحالة.
" استقاموا " : الاستقامة هي الثباتُ على شرائط الإيمان بجملتها من غير إخلالٍ بشيءٍ من أقسامها. ويقال : هم على قسمين :
مستقيم ( في أصول ) التوحيد والمعرفة. . وهذه صفة جميع المؤمنين.
ومستقيم في الفروع من غير عصيان. . وهؤلاء مختلفون ؛ فمنهم. . ومنهم، ومنهم.
﴿ وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ ﴾ : الذي لهم البشارة هم كل من استقام في التوحيد، ولم يشرك. فله الأمان من الخلود. ويقال : مَنْ كان له أصل الاستقامة أَمِنَ من الخلود في النار، ومن كمال الاستقامة أَمِنَ من الوعيد من غير أن يلحقه سوءٌ بحالٍ. . ثم الاستقامة لهم على حسب أحوالهم ؛ فمستقيمٌ في عهده، ومستقيم في عقده، ومستقيم في جهده ومراعاة حدِّه، ومستقيم في عقده وجهده وحدِّه وحبِّه. وودِّه. . وهذا أتمُّهم.
ويقال : استقاموا على دوام الشهود وعلى انفراد القلب بالله.
ويقال : استقاموا في تصفية العقد ثم في توفية العهد ثم صحة القصد بدوام الوجد.
ويقال : استقاموا بأقوالهم ثم بأعمالهم، ثم بصفاء أحوالهم في وقتهم وفي مآلهم.
ويقال : أقاموا على طاعته، واستقاموا في معرفته، وهاموا في محبته، وقاموا بشرائط خدمته.
ويقال : استقامةٌ الزاهدِ ألا يرجعَ إلى الدنيا، وألا يمنعَه الجاهُ بين الناس عن الله. واستقامةُ العارفِ ألا يشوبَ معرفتَه حظٌّ في الداريْن فيحجبه عن مولاه. واستقامةُ العابدَ ألا يعودَ إلى فترته واتباع شهوته، ولا يتداخله رياءٌ وتصنُّع واستقامة المُحِبِّ ألا يكون له أرَبٌ من محبوبه، بل يكتفي من عطائه ببقائه، ومن مقتضى جوده بدوام عِزِّه ووجوده.
﴿ أَلاَ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُواْ ﴾ : إنما يكون الخوف في المستقل من الوقت، ومن حلولِ مكروهِ أو فوات محبوبٍ فالملائكةُ يبشرونهم بأن كل مطلوبٍ لهم سيكون، وكل محذورٍ لهم لا يكون.
والحزن من حُزُونه الوقت، ومن كان راضياً بما يجري فلا حزنَ له في عيشه. والملائكة يبشرونهم بأنهم لا حزنه في أحوالهم، وإنما هم الرَّوْح والراحة.
﴿ وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ ﴾ : أي بحسن المآب، وبما وَعَدَ اللَّهُ من جميل الثواب.
والذي هو موعودٌ للأولياء بسفارة الملَكِ موجودٌ اليومَ لخواصٌ عباده بعطاء المَلِكِ ؛ فلا يكون لأحدهم مطالعةٌ في المستقبل من حاله بل يكون بحكم الوقت ؛ فلا يكون له خوفٌ ؛ لأن الخوف -كما قلنا من قبل- ينشأ من تطلع إلى المستقبل إمَّا من زوالِ محبوبٍ أو حصولِ مكروه، وإن الذي بصفة الرضا لا حزونة في حاله ووقته.
ويمكن القول :﴿ لا تخافوا ﴾ من العذاب، ﴿ ولا تحزنوا ﴾ على ما خلفتم من الأسباب، ﴿ وأبشروا ﴾ بحسن الثواب في المآب.
ويقال :﴿ لا تخافوا ﴾ من عزل الولاية، ﴿ ولا تحزنوا ﴾ على ما أسلفتم من الجناية، " وأبشروا " بحسن العناية في البداية.
ويقال :﴿ لا تخافوا ﴾ مما أسلفتم، ﴿ ولا تحزنوا ﴾ على ما خلفتم، ﴿ وأبشروا ﴾ بالجنة التي لها تكلفتم.
ويقال :﴿ لا تخافوا ﴾ المذلَّة، ﴿ ولا تحزنوا ﴾ على ما أسلفتم من الزلَّة، ﴿ وأبشروا ﴾ بدوام الوصلة.
الولاية من الله بمعنى المحبة، وتكون بمعنى النصرة.
وهذا الخطاب يحتمل أن يكون من قِبَلِ الملائكة الذين تنزلوا عليهم، ويحتمل أن يكون ابتداءَ خطابِ من الله.
والنصرة تصدر من المحبة ؛ فلو لم تكن المحبة الأزلية لم تحصل النصرة في الحال. ويقال :﴿ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ بتحقيق المعرفة، ﴿ وَفِى الآخِرَةِ ﴾ بتحصيل المغفرة.
ويقال ﴿ نَحْنُ أَوْليَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ بالعناية، ﴿ وَفِى الآخِرَةِ ﴾ بحسن الكفاية وجميل الرعاية.
﴿ وفِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ بالمشاهدة، ﴿ وَفِي الآخِرَةِ ﴾ بالمعاينة.
في الدنيا الرضاء بالقضاء، وفي الآخرة باللقاء في دار البقاء.
في الدنيا بالإيمان، وفي الآخرة بالغفران.
في الدنيا بالمحبة، وفي الآخرة بالقربة.
﴿ وَلَكُمْ فِيهَا ﴾ أي في الجنة ﴿ مَا تَشْتَهِى أَنْفُسُكُمْ ﴾ : الولايةُ نقدٌ، وتحصيل الشهوات وعدٌ، فَمَنْ يشتغل بنقده قلَّما يشتغل بوعده.
﴿ نُزُلاً ﴾ : أي فضلاً وعطاءً، وتقدمةً لما يستديم إلى الأبد من فنون الأفضال ووجوه المبارِّ.
﴿ مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ﴾ : وفي ذلك مساغٌ لآمال المذنبين ؛ لأنهم هم الذين يحتاجون إلى المغفرة، ولولا رحمته لما وصلوا إلى مغفرته.
أي لا أحدَ أحسنُ قولاً منه، ويكون المراد منه النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون جميع الأنبياء عليهم السلام.
ويقال هم المؤمنون. ويقال هم الأئمة الذين يدعون الناس إلى الله.
وقيل هم المؤذنون. ويقال الداعي إلى الله هو الذي يدعو الناس إلى الاكتفاءِ بالله وتَرْكِ طالب العِوَض من الله، ويَكِلُ أمره إلى الله، ويرضى من الله بقسمة الله.
﴿ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾ : أي كما يدعو الخَلْقَ إلى الله يأتي بما يدعوهم إليه.
ويقال هم الذين عرفوا طريقَ الله، ثم سلكوا طريقَ الله، ثم دعوا الناسَ إلى الله.
ويقال بل سلكوا طريق الله ؛ فبسلوكهم وبمنازلاتهم عرفوا الطريق إلى الله. ثم دعوا الخَلْقَ إليه بعدما عرفوا الطريق إليه.
﴿ وقال إنني من المسلمين ﴾ : المسلمون لحكمه هم الراضون بقضائه وتقديره.
ادفعْ بالخصلة التي هي أحسن السيئةَ يعني بالعفو عن المكافأة، وبالتجاوز والصفح عن الزلة، وترك الانتصاف.
﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ يُشْبِه الوليَّ الحميمَ - ولم يَصِرْ ولياً مخلصاً. . وهذا من جملة حُسْنِ الأدب في الخدمة في حقِّ صحبتك مع الله ؛ تحلم مع عباده لأَجْلِه.
ومن جملة حُسْن الخُلُق في الصحبة مع الخَلْقِ ألا تنتقم لنفسك، وأَنْ تعفوَ عن خصمك.
لا يقوم بحق هذه الأخلاق إلاّ مَنْ أُكْرِم بتوفيق الصبر، ورُقِّي عن سفساف الشيم إلى معالي الأخلاق. ولا يصل أحسنَ الدرجاتِ إلا مَنْ صبر على مقاساة الشدائد.
إذا اتصلَتْ بقلبك نزغاتُ الشيطان فبادِرْ بذكر ربِّك، وارجعْ إليه قبل أية خطوة. . فإنك إن لم تخالف أولَ هاجسٍ من هواجس الشيطان صار فكرة، ثم بعد ذلك يحصل العزم على ما يدعو إليه الشيطان. . فإذا لم تتداركْ ذلك تجري الزلَّة، وإذا لم تتداركْ ذلك بحُسْنِ الرُّجعي صار فسقاً. . . وبتمادي الوقت تصبح في خَطَرِ كل آفة.
ولا يتخلص البعدُ من نزغات الشيطان إلا بصدق الاستعانة وصدق الاستغاثة وبذلك ينجو من الشيطان، وقد قال تعالى :﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾ [ الإسراء : ٦٥ ] ؛ فكلما ازداد العبدُ في تبرِّيه من حَوْلِه وقوته، وأخلص بينْ يدي الله بتضرعه واستعانته واستعاذته زاد اللَّهُ في حِفْظه، ودَفَع الشيطان عنه.
أَوْضَحَ الآياتِ، وأَلاحَ البينَاتِ، وأَزاحَ عِلَّةَ مَنْ رام الوصول. واختلاَفُ الليل والنهار، ودورانُ الشمسِ والقمر من جملة أمارات قدرته، ودلالات توحيده.
﴿ لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ ﴾ في علائها، ﴿ وَلاَ لِلْقَمَرِ ﴾ في ضيائه، ﴿ وَاسْجُدُواْ لِلَّهِ ﴾ فقد غار عليك أن تسجد لغيره.
والشمسُ - وإِنْ عَلَتْ، والقمر - وإنْ حَسُنُ. . . فلأجْلِكَ خلقناهما، فلا تسجدْ لهما، واسجُدْ لنَا.
ويقال : خَلقَ الملائكة - ومع كثرة عبادتهم، ومع تقدمهم في الطاعة - قال لهم : اسجدوا لآدم، وحين امتنع واحدٌ منهم لُعِنَ إلى الأبد. وقال لأولاد آدم العصاةِ المذنبين :﴿ لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ ﴾ فشتِّان ما هما ! !.
والحقُّ - سبحانه وتعالى - يأمرك بصيانة وجهك عن الشمس والقمر. . وأنت لأجْلٍ كلِّ حظِّ خَسِيسٍ تنقل قَدَمَكَ إلى كلِّ أحدٍ ؛ وتدخل بمحياك عَلَى كلِّ أحدٍ ! !.
أي إنْ تَرَفّعَ الكفارُ فلا خَلَلَ ؛ لأن الحقَّ غنيٌّ عن كل أحد، ثم إن الملائكة - الذين هم سكان الآخرَ - يسجدون له بالليل والنهار، وهم لا يسأَمون من عبادته.
الأرضُ تكون جَدْبةً يابسةً في الشتاء، فإذا نزل عليهما المطر اهتزت بالنبات واخضرّت وكذلك القلوب إذا خشعت لاستشعارها بما ألمَّتْ به من الذنوب أقبل عليها الحق سبحانه، فظهرت فيها بركاتُ الندم، وعفا عن أربابها ما قصرُّوا في صِدْق القدَم ؛ وكذلك وقعت للعبد فترةٌ في معاملاته- أو غيبةٌ عن بساط طاعاته، ثم تغمَّده الحقُّ - سبحانه - بما يدخل عليه من التذكر تظهر في القلب أنوارُ الوفاق، فيعود إلى مألوف مقامه، ويرجع عود سداده غضَّا طرياً، ويصير شجر وفاقه - بعد ما أصابته الجدوبة - بماء العناية مستقياً.
وكذلك إذا بدت لأهل العرفان وقفة، أو حدثت لهم من جرَّاء سوء أدبٍ بَدَرَ منهم حجبةٌ ثم نظر الحقِّ - سبحانه - إليهم بالرعاية. . اهتزّت رياضُ أُنْسِهم، واخضرَّت مشاهدُ قربهم، وانهزمت وفودُ وقفتهم.
﴿ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ : إن الذي أحيا الأرضَ بعد موتها قادرٌ على إحياء النفوس بالحشر والنشر. وكذلك هو قادر على إحياء القلوب بنور العناية بعد الفترة والحجبة.
سيلقون من العذاب ما يستوجبونه. . فَلْيَعْمَلوا ما شاءوا. . فليسوا. . يَسْعَونْ إلاَّ في ذَمَّهم، وليسوا يمشون إلا إلى هلاكهم بأَقدامهم.
الجواب محذوف ومعناه : بقوا عنَّا، ووقعوا في هوانهم وشقوا إلى الأبد.
﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ﴾ : كتابٌ عزيزٌ لا مِثْلَ له حيث قد عجزوا عن الإتيان بمثله. كتابٌ عزيز غالبٌ لِشُبَهِ المبتدعين والكفار.
عزيزٌ لا يقدر على معارضته أحدٌ. . من قولهم أرض عزاز.
كتاب عزيزٌ لأنه كلامُ ربٍّ عزيز إلى رسولٍ عزيزٍ بسفارة مَلَكٍ عزيزٍ إلى أُمَّةٍ عزيزة.
كتاب عزيزٌ على المؤمنين لأنه كتابُ حبيبِهم. . وكتابُ الحبيبِ إلى الحبيب. عزيزٌ.
أي لا ينقضه كتابٌ آخر لا مما تقدَّمه من الكتب، ولا مما يأتي من بعده. . أي لا كتابَ بعده، ولا نسخَ له.
ويقال لا يدفع معناه لفظَه، ولا يخالف لفظُه معناه. .
ويقال لا يقدر أحدٌ أنْ يأتيَ بمثله.
أصولُ التوحيدِ لا تختلف بالشرائع ؛ فجوهرُها في الأحكام واحد : هو أنه تجب موافقة أوامره، واجتناب مزاجره. ثم إن الله تعالى قال في كل كتابٍ، وشَرَعَ لكل أمة أَنْ يعرفوا أنه للمطيعين مُثيبٌ، وللكافرين ذو عذاب شديد.
أخبر أنه أزاح العِلَّةَ أَنْ يعرفَ صِدْقَ الدعوة، وصحة الشريعة.
ثم وصفَ الكتابَ بأنه شفاءٌ للمؤمنين، وسببُ شقاء للكافرين.
وهو شفاءٌ حيث استراحوا به عن كَدِّ الفكر وتحيُّر الخواطر.
وهو شفاءٌ لضيق صدور المريدين لما فيه من التنعم بقراءته، والتلذُّذ بالتفكُّر فيه.
وهو شفاءٌ لقلوب المحبين من لواعِج الاشتياق لما به من لُطْفِ المواجيد.
وهو شفاءٌ لقلوب العارفين بما يتوالى عليها من أنوار التحقيق، وآثار خطاب الرب العزيز.
﴿ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ﴾ : هم لا يسمعون بقلوبهم من الحق، ولا يستجيبون. . بقوا في ظلمات الجحد والجهل.
﴿ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ﴾ : لا يزدادون على مر الأيام إلا ضلالاً.
آتينا موسى التوراةَ، وأرسلناه إلى قومه، فاختلفوا في أمره. . فَمَنْ كَحَّلْنا سرَّه بنور التوحيد صَدَّقه، ومَنْ أعميناه عن مواقع البيان قابله بالتكذيب وجحده.
﴿ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ ﴾ وهي أن عقوبتَهم في النار بعد قيام القيامة لَعَجَّلنا استئصالهم، ولأذقناهم في الحال وبالَهم.
" فلنفسه " لأن النفعَ عائدٌ إليه. ومَنْ عمل عملاً سيئاً فإنما ظَلَمَ نَفْسَه، وأساء إليها ؛ لأنه هو الذي يقاصي ضرَّه ويلاقي شرَّه.
لمَّا استعجلوا وقالوا : متى تقوم هذه القيامةُ التي يَتوعَّدنا بها ؟ قال الله تعالى : إنَّ علمَ القيامة ينفرد به الحقُّ فلا يعلم غيره، فكما لا يعلم أحدٌ ما الذي يخرج من الأشجار من الثمار، وما الذي تنطوي عليه أرحامُ النساءِ من أولادها ذكوراً وإناثاً، وما هم عليه من أوصاف الخِلْقة، ويحصل من الحيوانات من نتاجها - فلا يعلم هذه الأشياء إلا الله - فكذلك لا يعلم أحدٌ متى تقوم القيامة.
﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئي ﴾ : يتبرؤون من شركائهم، ولكن في وقت لا تنفعهم كثرةُ نَدَمِهم وبكائهم.
لا يَمَلُّ الإنسانُ من إرادة النفع والسلامة، وإنْ مَسَّه الشرُّ فيئوسٌ لا يرجو زوالَه لِعَدَمِ علمه بربه، وانسداد الطريق على قلبه في الرجوع إليه.
لئن كَشَفْنا عنه البلاَءَ، وأوجبنا له الرجاء لادَّعاه استحقاقاً أو اتفاقاً، وما اعتقد أن ذلك مِنَّا فضلٌ وإيجاب.
ويقول : لو كان حشرٌ ونشرٌ لكان لي من الله لطفٌ وخير، وغداً يعلم الأمر، وأنه بخلاف ما تَوَهَّمَ. . . وذلك عندما نذيقه ما يستوجبه من عذاب.
هو لا يميز بين البلاء والعطاء ؛ فكثيرٌ مما يتوهمه عطاءً هو مكرٌ واستدراجٌ. . وهو يستديمه. وكثيرٌ مما فضلٌ وصَرْفٌ وعطاءٌ يظنه من البلاء فيعافُه ويكرهه.
ويقال إذا أنعمنا عليه صاحَبَه بالبَطَر، وإذا أبليناه قابَلَه بالضجر.
ويقال إذا أنعمنا عليه أُعُجِبَ بنفسه، وتكبَّر مختالاً في زَهْوِه، لا يشكر ربَّه، ولا يذكر فضلَه، ويتباعد عن بِساط طاعته.
والمستغني عنَّا يهيم على وجهه، وإذا مسَّه الشرُّ فذو دعاءٍ كثيرٍ، وتضرُّعٍ عريض، وابتهالٍ شديد، واستكشافٍ دائم.
ثم إذا كشفنا عنه ذلك فله إلى عُتُوِّه ونُبُوِّه عَوْدٌ، ولسوء طريقته في الجحود إعادة.
﴿ سَنُرِيهِمْ ﴾ : السن للاستقبال ؛ أي سيُظهر لهم من الآيات، ومن الأحداث التي تجري في أحوال العالمَ، وما سيحِلُّ بهم من اختلاف الأمور ما يتبيَّن لهم من خلاله أنَّ هذا الدَّين حقٌّ، وأنَّ هذا الكتابَ حقٌّ، وأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - حقٌّ، وأن المُجْرِيَ لهذه الآياتِ والأحداثِ والأمورِ والمنشئ له هو الحقُّ - سبحانه.
ومن تلك الآيات ما كان من قَهْرِ الكفار، وعُلُوِّ الإسلام، وتلاشي أعداء الدين.
ويقال من تلك الآيات في الأفاق اختلافُ أحكام الأعين مع اتفاق جواهرها في التجانس. . وهذه آيات حدوثِ العالَم، واقتضاء المُحدَثِ لصفاته.
﴿ وَفِي أَنفُسِهِمْ ﴾ : من أمارات الحدوثِ واختلافِ الأوصاف ما يمكنهم إدراكه.
ويقال :﴿ فِي الأَفَاقِ ﴾ للعلماء، ﴿ وَفِي أَنفُسِهِمْ ﴾ لأهل المعرفة مما يجدونه من العقاب إذا أَلَمُّوا بذَنْبِ، ومن الثواب إذا أخلصوا في طاعة.
وكذلك ما يحصل لهم من اختلاف الأحوال من قبضٍ وبسط، وجمع وفَرْقٍ، وحجبٍ وجذبٍ. . . وما يجدونه بالضرورة في معاملاتهم ومنازلاتهم.
﴿ أَوَلَمْ يَكْفِ بِربِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شهِيدٌ ﴾ : هو الكافي، ولكنهم - أي الكفار - في مِرْيةٍ من لقاء ربهم في القيامة. والإشارة فيه : أن العوامَّ لَفي شكٍ من تجويز ما يُكَاشَفُ به أهلُ الحضورِ من تعريفات السرِّ.
﴿ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطُ ﴾ : عالِمٌ لا يَخْفَى عليه شيءٌ.
﴿ سَنُرِيهِمْ ﴾ : السن للاستقبال ؛ أي سيُظهر لهم من الآيات، ومن الأحداث التي تجري في أحوال العالمَ، وما سيحِلُّ بهم من اختلاف الأمور ما يتبيَّن لهم من خلاله أنَّ هذا الدَّين حقٌّ، وأنَّ هذا الكتابَ حقٌّ، وأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - حقٌّ، وأن المُجْرِيَ لهذه الآياتِ والأحداثِ والأمورِ والمنشئ له هو الحقُّ - سبحانه.
ومن تلك الآيات ما كان من قَهْرِ الكفار، وعُلُوِّ الإسلام، وتلاشي أعداء الدين.
ويقال من تلك الآيات في الأفاق اختلافُ أحكام الأعين مع اتفاق جواهرها في التجانس.. وهذه آيات حدوثِ العالَم، واقتضاء المُحدَثِ لصفاته.
﴿ وَفِي أَنفُسِهِمْ ﴾ : من أمارات الحدوثِ واختلافِ الأوصاف ما يمكنهم إدراكه.
ويقال :﴿ فِي الأَفَاقِ ﴾ للعلماء، ﴿ وَفِي أَنفُسِهِمْ ﴾ لأهل المعرفة مما يجدونه من العقاب إذا أَلَمُّوا بذَنْبِ، ومن الثواب إذا أخلصوا في طاعة.
وكذلك ما يحصل لهم من اختلاف الأحوال من قبضٍ وبسط، وجمع وفَرْقٍ، وحجبٍ وجذبٍ... وما يجدونه بالضرورة في معاملاتهم ومنازلاتهم.
﴿ أَوَلَمْ يَكْفِ بِربِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شهِيدٌ ﴾ : هو الكافي، ولكنهم - أي الكفار - في مِرْيةٍ من لقاء ربهم في القيامة. والإشارة فيه : أن العوامَّ لَفي شكٍ من تجويز ما يُكَاشَفُ به أهلُ الحضورِ من تعريفات السرِّ.
﴿ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطُ ﴾ : عالِمٌ لا يَخْفَى عليه شيءٌ.