ﰡ
﴿ تنزيل من الرحمن الرحيم. كتاب ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه على التقديم والتأخير فيكون تقديره حم تنزيل الكتاب من الرحمن الرحيم.
الثاني : أن يكون فيه مضمر محذوف تقديره تنزيل القرآن من الرحمن الرحيم.
ثم وصفه فقال ﴿ كتابٌ فصلت آياتُه ﴾ وفي تفصيل آياته خمسة تأويلات :
أحدها : فسّرت، قاله مجاهد.
الثاني : فصلت بالوعد والوعيد، قاله الحسن.
الثالث : فصلت بالثواب والعقاب، قاله سفيان.
الرابع : فصلت ببيان حلاله من حرامه وطاعته من معصيته، قاله قتادة.
الخامس : فصلت من ذكر محمد ﷺ، فحكم فيما بينه وبين من خالفه، قال عبد الرحمن بن زيد.
﴿ قرآناً عربياً لقوم يعلمون ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يعلمون انه إله واحد في التوراة والإنجيل، قاله مجاهد.
الثاني : أن القرآن من عند الله نزل، قاله الضحاك.
الثالث : يعلمون العربية فيعجزون عن مثله.
قوله تعالى :﴿ وقالوا قلوبنا في أكنّة ما تدعونا إليه ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أغطية، قاله السدي.
الثاني : كالجعبة للنبل، قاله مجاهد.
﴿ وفي آذاننا وقر ﴾ أي صمم وهما في اللغة يفترقان فالوقر ثقل السمع والصمم ذهاب جميعه.
﴿ ومن بيننا وبينك حجاب ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : يعني ستراً مانعاً عن الإجابة، قاله ابن زياد.
الثاني : فرقة في الأديان، قاله الفراء.
الثالث : أنه تمثيل بالحجاب ليؤيسوه من الإجابة، قاله ابن عيسى.
الرابع : أن أبا جهل استغشى على رأسه ثوباً وقال : يا محمد بيننا وبينك حجاب، استهزاء منه، حكاه النقاش.
﴿ فاعمل إننا عامِلون ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : فاعمل بما تَعْلَم من دينك فإنا نعمل بما نعلم من ديننا، قاله الفراء.
الثاني : فاعمل في هلاكنا فإنَّا نعمل في هلاكك، قاله الكلبي.
الثالث : فاعمل لإلهك الذي أرسلك فإنا نعمل لآلهتنا التي نعبدها، قاله مقاتل.
ويحتمل رابعاً : فاعمل لآخرتك فإنا نعمل لدنيانا.
أحدها : أنه قرعهم بالشح الذي يأنف منه الفضلاء، وفيه دلالة على أن الكافر يعذب بكفره، مع وجوب الزكاة عليه، أكثر مما يعذب من لم تكن الزكاة واجبة عليه، قاله ابن عيسى.
الثاني : معناه انهم لا يزكون أعمالهم، قاله ابن عمر.
الثالث : معناه لا يأتون به أزكياء، قاله الحسن.
الرابع : معناه لا يؤمنون بالزكاة، قاله قتادة.
الخامس : معناه ليس هم من أهل الزكاة، قاله معاوية بن قرة.
قوله تعالى :﴿ لهم أجْرٌ غير ممنون ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : غير محسوب، قاله مجاهد.
الثاني : غير منقوص، قاله ابن عباس وقطرب، وأنشد قول زهير :
فَضْل الجياد على الخيل البطاء فما | يعطي بذلك ممنوناً ولا نزقا |
إني لعمرك ما بابي بذي غلق | على الصديق ولا خيري بممنون |
﴿ وتجعلون له أنداداً ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أشباهاً، قاله ابن عباس.
الثاني : شركاء، قاله أبو العالية.
الثالث : كفواً من الرجال تطيعونهم في معاصي الله تعالى قاله السدي.
الرابع : هو قول الرجل لولا كلبة فلان لأتي اللصوص، ولولا فلان لكان كذا، رواه عكرمة عن ابن عباس.
قوله تعالى :﴿ وجعل فيها رواسي من فوقها ﴾ اي جبالاً، وفي تسميتها رواسي وجهان :
أحدهما : لعلوّ رءوسها.
الثاني : لأن الأرض بها راسية أو لأنها على الأرض ثابتة راسية.
﴿ وبارك فيها ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أي أنبت شجرها من غير غرس وأخرج زرعها من غيره بذر، قال السدي.
الثاني : أودعها منافع أهلها وهو معنى قول ابن جريج.
﴿ وقَدَّر فيه أقواتها ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : قدر أرزاق أهلها، قاله الحسن.
الثاني : قدر فيها مصالحها من جبهالها وبحارها وأنهارها وشجرها ودوابها قاله قتادة.
الثالث : قدر فيها أقواتها من المطر، قاله مجاهد.
الرابع : قدر في كل بلدة منها ما لم يجعله في الأخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة من بلد إلى بلد، قاله عكرمة.
﴿ في أربعة أيام ﴾ يعني تتمة أربعة أيام، ومنه قول القائل : خرجت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام، وإلى الكوفة في خمسة عشر يوماً، أي في تتمة خمسة عشريوماً.
وقد جاء في الحديث المرفوع أن الله تعالى خلق الأرض يوم الأحد والاثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والخراب والعمران، فتلك أربعة أيام، وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة وآدم.
وفي خلقها شيئاً بعد شيء قولان :
أحدهما : لتعتبر به الملائكة الذين أحضروا.
والثاني : ليعتبر به العباد الذين أخبروا.
﴿ سواء للسائلين ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : سواء للسائلين عن مبلغ الأجل في خلق الله الأرض، قاله قتادة.
الثاني : سواء للسائلين في أقواتهم وأرزقاهم.
قوله تعالى :﴿ ثم استوى إلى السماء وهي دخان ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : عمد إلى السماء، قاله ابن عيسى.
الثاني : استوى أمره إلى السماء، قاله الحسن.
﴿ فقال لها واللأرض ائتيا طوْعاً أو كرهاً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه قال ذلك قبل خلقها، ويكون معنى ائتيا اي كونا فكانتا كما قال تعالى ﴿ إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كُن فيكون ﴾ قاله ابن بحر.
الثاني : قول الجمهور أنه قال ذلك لهما بعد خلقهما.
فعلى هذا يكون في معناها أربع تأويلات :
أحدها : معناه أعطيا الطاعة في السير المقدر لكما طوعاً أو كرهاً أي اختياراً أو إجباراً قاله سعيد بن جبير.
الثالث : ائتيا بما فيكما طوعاً أو كرهاً، حكاه النقاش.
الرابع : كونا كما أمرت من شدة ولين، وحزن وسهل ومنيع وممكن، قاله ابن بحر.
وفي قوله ﴿ لَهَا ﴾ وجهان :
أحدهما : أنه قول تكلم به.
الثاني : أنها قدرة منه ظهرت لهما فقام مقام الكلام في بلوغ المراد ﴿ قالتا أتينا طائعين ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : معناه أعطينا الطاعة، رواه طاووس.
الثاني : أتينا بما فينا. قال ابن عباس : أتت السماء بما فيها من الشمس والقمر والنجوم، وأتت الأرض بما فيها من الأشجار والأنهار والثمار.
الثالث : معناه كما أراد الله أن نكون، قاله ابن بحر. وفي قولهما وجهان :
أحدهما : أنه ظهور الطاعة منهما قائم مقام قولهما.
الثاني : أنهما تكلمتا بذلك. قال أبو النصر السكسكي : فنطق من الأرض موضع الكعبة ونطق من السماء ما بحيالها فوضع الله فيها حرمه.
قوله تعالى :﴿ فقضاهن سبع سماوات في يومين ﴾ أي خلقهن سبع سماوات في يومين، قيل يوم الخميس والجمعة، قال السدي : سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السماوات وخلق الأرضين. وقالت طائفة خلق السماوات قبل الأرضين في يوم الأحد والاثنين، وخلق الأرضين والجبال في يوم الثلاثاء والأربعاء، وخلق ما سواهما من العالم يوم الخميس والجمعة، وقالت طائفة ثالثة أنه خلق السماء دخاناً قبل الأرض ثم فتقها سبع سماوات بعد الأرضين والله أعلم بما فعل فقد اختلفت فيه الأقاويل وليس للاجتهاد فيه مدخل.
﴿ وأوحى في كلِّ سماءٍ أمرها ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : معناه أسكن في كل سماء ملائكتها، قاله الكلبي.
الثاني : خلق في كل سماء خلقها خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وصلاحها، قاله قتادة.
الثالث : أوحى إلى أهل كل سماء من الملائكة ما أمرهم به من العبادة، حكاه ابن عيسى.
﴿ وزينا السماءَ الدنيا بمصابيح وحِفْظاً ﴾ أي جعلناها زينة وحفظاً.
أحدهما : أرسل من قبلهم ومن بعدهم، قاله ابن عباس والسدي.
الثاني : ما بين أيديهم عذاب الدنيا، وما خلفهم عذاب الآخرة، قاله الحسن.
قوله تعالى :﴿ فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه الشديدة البرد، قاله عكرمة وسعيد بن جبير، وأنشد قطرب قول الحطيئة :
المطعمون إذا هبت بصرصرة | والحاملون إذا استودوا على الناس |
الثاني : الشديدة السموم، قاله مجاهد.
الثالث : الشديدة الصوت، قاله السدي مأخوذ من الصرير، وقيل إنها الدبور.
﴿ في أيام نحسات ﴾ فيها أربعة أقاويل :
أحدها : مشئومات، قاله مجاهد وقتادة، كن آخر شوال من يوم الأربعاء إلى يوم الأربعاء وذلك ﴿ سبع ليال وثمانية أيام حسوماً ﴾ قال ابن عباس : ما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء.
الثاني : باردات، حكاه النقاش.
الثالث : متتابعات، قاله ابن عباس وعطية.
الرابع : ذات غبار، حكاه ابن عيسى ومنه قول الراجز :
قد أغتدي قبل طلوع الشمس | للصيد في يوم قليل النحس |
أحدها : دعوناهم، قاله سفيان.
الثاني : بيّنا لهم سبيل الخير والشر، قاله قتادة.
الثالث : أعلمناهم الهدى من الضلالة، قاله عبد الرحمن بن زيد.
﴿ فاستحبوا العَمى على الهدى ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : اختاروا العمى على البيان، قاله أبو العالية.
الثاني : اختاروا الكفر على الإيمان.
الثالث : اختاروا المعصية على الطاعة، قاله السدي.
﴿ فأخذتهم صاعقة العذاب الهون ﴾ وفي الصاعقة هنا أربعة أقاويل :
أحدها : النار، قاله السدي.
الثاني : الصيحة من السماء، قاله مروان بن الحكم.
الثالث : الموت وكل شيء أمات، قاله ابن جريج.
الرابع : أن كل عذاب صاعقة، وإنما سميت صاعقة لأن كل من سمعها يصعق لهولها.
وفي ﴿ الهون ﴾ وجهان :
أحدهما : الهوان، قاله السدي.
الثاني : العطش، حكاه النقاش.
أحدها : يدفعون، قاله ابن عباس.
الثاني : يساقون، قاله ابن زيد.
الثالث : يمنعون من التصرف، حكاه ابن عيسى.
الرابع : يحبس أولهم على آخرهم، قاله مجاهد، وهو مأخوذ من وزعته أي كففته.
قوله تعالى :﴿ وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : لفروجهم، قاله ابن زيد.
الثاني : لجلودهم أنفسها وهو الظاهر.
الثالث : أنه يراد بالجلود الأيدي والأرجل، قاله ابن عباس وقيل إن أول ما يتكلم منه فخذه الأيسر وكفه الأيمن.
قوله تعالى :﴿ وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يعني وما كنتم تتقون، قاله مجاهد.
الثاني : وما كنتم تظنون، قاله قتادة.
الثالث : وما كنتم تستخفون منها، قاله السدي. قال الكلبي : لأنه لا يقدر على الاستتار من نفسه.
﴿ ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون ﴾ حكى ابن مسعود أنها نزلت في ثلاثة نفر تسارّوا فقالوا أترى الله يسمع إسرارنا؟
قوله تعالى :﴿ وإن يستعتبوا فيما هم مِن المعتبين ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : معناه وإن يطلبوا الرضا فما هم بمرضى عنهم، والمعتب : الذي قُبل عتابه وأُجيب إلى سؤاله، قاله ابن عيسى.
الثاني : إن يستغيثوا فما هم من المغاثين.
الثالث : وإن يستقيلوا فما هم من المقالين.
الرابع : وإن يعتذروا فما هم من المعذورين.
الخامس : وإن يجزعوا فما هم من الآمنين.
قال ثعلب : يقال عتب إذا غضب، وأعتب إذا رضي.
أحدهما : هيأنا لهم شياطين، قاله النقاش.
الثاني : خلينا بينهم وبين الشياطين، قاله ابن عيسى.
﴿ فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها ما بين أيديهم من أمر الدنيا، وما خلفهم من أمر الآخرة، قاله السدي ومجاهد.
الثاني : ما بين أيديهم من أمر الآخرة فقالوا لا جنة ولا نار ولا بعث ولا حساب، وما خلفهم من أمر الدنيا فزينوا لهم اللذات، قاله الكلبي.
الثالث : ما بين أيديهم هو فعل الفساد في زمانهم، وما خلفهم هو ما كان قبلهم، حكاه ابن عيسى.
الرابع : ما بين أيديهم ما فعلوه، وما خلفهم ما عزموا أن يفعلوه.
ويحتمل خامساً : ما بين أيديهم من مستقبل الطاعات أن لا يفعلوها، وما خلفهم من سالف المعاصي أن لا يتوبوا منها.
قوله تعالى :﴿ وقال الذين كفروا لا تسمعُوا لهذا القرآن ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : لا تتعرضوا لسماعه.
الثاني : لا تقبلوه.
الثالث : لا تطيعوه من قولهم السمع والطاعة.
﴿ والغوا فيه ﴾ وفيه أربعة تأويلات :
أحدها : يعني قعوا فيه وعيبوه، قاله ابن عباس.
الثاني : جحدوه وأنكروه، قاله قتادة.
الثالث : عادوه، رواه سعيد بن أبي عروبة.
الرابع : الغوا فيه بالمكاء والتصدية، والتخليط في النطق حتى يصير لغواً، قاله مجاهد.
قوله تعالى :﴿ وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضَلاّنا من الجن والإنس ﴾ فيهما قولان :
أحدهما : دعاة الضلالة من الجن والإنس، حكاه بن عيسى.
الثاني : أن الذي من الجن إبليس، يدعوه كل من دخل النار من المشركين، والذي من الإنس ابن آدم القاتل أخاه يدعوه كل عاص من الفاسقين، قاله السدي.
وفي قوله :﴿ أرنا اللذَين ﴾ وجهان :
أحدهما : أعطنا اللذين أضلانا.
الثاني : أبصرنا اللذين أضلانا.
﴿ نجعلهما تحت أقدامنا ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : انتقاماً منهم.
الثاني : استذلالاً لهم.
﴿ ليكونا من الأسفلين ﴾ يعني في النار، قالوا ذلك حنقاً عليهما وعداوة لها.
ويحتمل قوله ﴿ من الأسفلين ﴾ وجهين :
أحدهما : من الأذلين.
الثاني : من الأشدين عذاباً لأن من كان في أسفل النار كان أشد عذاباً.
﴿ ثم استقاموا ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : ثم استقاموا على أن الله ربهم وحده، وهو قول أبي بكر رضي الله عنه ومجاهد.
الثاني : استقاموا على طاعته وأداء فرائضه، قاله ابن عباس والحسن وقتادة.
الثالث : على إخلاص الدين والعلم إلى الموت، قاله أبو العالية والسدي.
الرابع : ثم استقاموا في أفعالهم كما استقاموا في أقوالهم.
الخامس : ثم استقاموا سراً كما استقاموا جهراً.
ويحتمل سادساً : أن الاستقامة أن يجمع بين فعل الطاعات واجتناب المعاصي لأن التكليف يشتمل على أمر بطاعة تبعث على الرغبة ونهي عن معصية يدعو إلى الرهبة.
﴿ تتنزل عليهم الملائكة ﴾ فيه قولان :
أحدهما : تتنزل عليهم عند الموت، قاله مجاهد وزيد بن أسلم.
الثاني : عند خروجهم من قبورهم للبعث، قاله ثابت ومقاتل.
﴿ ألا تخافوا ولا تحزنوا ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : لا تخافوا أمامكم ولا تحزنوا على ما خلفكم، قاله عكرمة.
الثاني : لا تخافوا ولا تحزنوا على أولادكم. وهذا قول مجاهد.
﴿ وأبشروا بالجنة ﴾ الآية. قيل إن بشرى المؤمن في ثلاثة مواطن : أحدها عند الموت، ثم في القبر، ثم بعد البعث.
قوله تعالى :﴿ نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : نحن الحفظة لأعمالكم في الدنيا وأولياؤكم في الآخرة، قاله السدي.
الثاني : نحفظكم في الحياة الدنيا ولا نفارقكم في الآخرة حتى تدخلوا الجنة.
ويحتمل ثالثاً : نحن أولياؤكم في الدنيا بالهداية وفي الآخرة بالكرامة.
﴿ ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه الخلود لأنهم كانوا يشتهون البقاء في الدنيا، قاله ابن زيد.
الثاني : ما يشتهونه من النعيم، قاله أبو أمامة.
﴿ ولكم فيها ما تدَّعون ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ما تمنون، قاله مقاتل.
الثاني : ما تدعي أنه لك فهو لك بحكم ربك، قاله ابن عيسى.
﴿ نزلاً ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : يعني ثواباً.
الثاني : يعني منزلة.
الثالث : يعني منّاً، قاله الحسن.
الرابع : عطاء، مأخوذ من نزل الضيف ووظائف الجند ﴿ من غفور رحيم ﴾
أحدهما : أنه رسول الله ﷺ، قاله الحسن والسدي.
الثاني : أنهم المؤمنون دعوا إلى الله، قاله قيس بن أبي حازم ومجاهد.
﴿ وعمل صالحاً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه أداء الفرائض، قاله الكلبي.
الثاني : أنهم المصلون ركعتين بين الأذان والإقامة، قالته عائشة رضي الله عنها.
وروى هشام بن عروة عن عائشة قالت : كان بلال إذا قام يؤذن قالت اليهود قام غراب - لا قام- فنادى بالصلاة، وإذا ركعوا في الصلاة قالوا قد جثوا - لا جثوا- فنزلت هذه الآية في بلال والمصلين.
قوله تعالى :﴿ ولا تستوي الحسنةُ ولا السيئةُ ﴾ فيه ستة تأويلات :
أحدها : أن الحسنة المداراة، والسيئة الغلظة، حكاه ابن عيسى.
الثاني : الحسنة الصبر والسيئة النفور.
الثالث : الحسنة الإيمان، والسيئة الشرك، قاله ابن عباس.
الرابع : الحسنة العفو والسيئة الانتصار، حكاه ابن عمير.
الخامس : الحسنة الحلم والسيئة الفحش، قاله الضحاك.
السادس : الحسنة حب آل رسول الله ﷺ والسيئة بغضهم، قاله علي كرم الله وجهه.
﴿ ادفع بالتي هي أحسنُ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ادفع بحلمك جهل من يجهل، قاله ابن عباس.
الثاني : ادفع بالسلامة إساءة المسيء، قاله عطاء.
ويحتمل ثالثاً : ادفع بالتغافل إساءة المذنب، والذنب من الأدنى، والإساءة من الأعلى.
﴿ فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه ولي حميمٌ ﴾ قاله عكرمة : الولي الصديق، والحميم القريب.
وقيل هذه الآية نزلت في أبي جهل بن هشام كان يؤذي رسول الله ﷺ، فأمره بالصبر عليه والصفح عنه.
قوله تعالى :﴿ وما يلقاها إلا الذين صبروا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ما يلقى دفع السيئة بالحسنة إلا الذين صبروا على الحلم.
الثاني : ما يلقى الجنة إلا الذين صبروا على الطاعة.
﴿ وما يلقاها إلا ذو حَظٍ عظيمٍ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ذو جد عظيم، قاله السدي.
الثاني : ذو نصيب [ وافر ] من الخير، قاله ابن عباس.
الثالث : أن الحظ العظيم الجنة. قال الحسن : والله ما عظم حظ قط دون الجنة.
ويحتمل رابعاً : أنه ذو الخلق الحسن.
قوله تعالى :﴿ وإما ينزغنك مِن الشيطان نزغ ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : أنه النزغ الغضب، قاله ابن زيد.
الثاني : أنه الوسوسة وحديث النفس، قاله السدي.
الثالث : أنه النجس، قاله ابن عيسى.
الرابع : أنه الفتنة، قاله ابن زياد.
الخامس : أنه الهمزات، قاله ابن عباس.
﴿ فاستعذ بالله ﴾ أي اعتصم بالله.
﴿ إنه هو السميع ﴾ لاستعاذتك ﴿ العليم ﴾ بأذيتك.
﴿ والشمس والقمر ﴾ ووجه الآية فيهما ما خصهما به من نور، وأظهره فيهما من تدبير وتقدير.
﴿ لا تسجُدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن ﴾ قال الزجاج : أي خلق هذه الآيات.
وفي موضع السجود من هذه الآية قولان :
أحدهما : عند قوله ﴿ إن كنتم إياه تعبدون ﴾ قاله ابن مسعود والحسن.
الثاني : عند قوله ﴿ وهم لا يسأمون ﴾ قاله ابن عباس وقتادة.
قوله تعالى :﴿ ومِن آياته أنك ترىلأرض خاشعةً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : غبراء دراسة، قاله قتادة.
الثاني : ميتة يابسة، قاله السدي.
ويحتمل ثالثاً : ذليلة بالجدب لأنها مهجورة، وهي إذا أخصبت عزيزة لأنها معمورة.
﴿ فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : اهتزت بالحركة للنبات، وربت بالارتفاع قبل أن تنبت، قاله مجاهد.
الثاني : اهتزت بالنبات وربت بكثرة ريعها، قاله الكلبي. فيكون على قول مجاهد تقديم وتأخير تقديره : ربت واهتزت.
﴿ إن الذي أحياها لمحيي الموتى ﴾ الآية، جعل ذلك دليلاً لمنكري البعث على إحياء الخلق بعد الموت استدلالاً بالشاهد على الغائب.
أحدها : يكذبون بآياتنا، قاله قتادة.
الثاني : يميلون عن آياتنا، قاله أبو مالك.
الثالث : يكفرون بنا، قاله ابن زيد.
الرابع : يعاندون رسلنا، قاله السدي.
الخامس : هو المكاء والتصفيق عند تلاوة القرآن، قاله مجاهد.
﴿ لا يخفون علينا ﴾ وهذا وعيد.
﴿ أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمناً يوم القيامة ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أن الذي يلقى في النار أبو جهل، والذي يأتي آمناً عمار بن ياسر، قاله عكرمة.
الثاني : أن الذي يلقى في النار أبو جهل، والذي يأتي آمنا يوم القيامة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قاله ابن زياد.
الثالث : أن الذي يلقى في النار أبو جهل وأصحابه قال الكلبي، والذي يأتي آمناً رسول الله ﷺ، قاله مقاتل.
الرابع : أنهاعلى العموم فالذي يلقى في النار الكافر، والذي يأتي آمناً يوم القيامة المؤمن، قاله ابن بحر.
﴿ اعملوا ما شئتم ﴾ هذا تهديد.
﴿ إنه بما تعملون بصير ﴾ وعيد، فهدد وتوعد.
قوله تعالى :﴿ إنّ الذين كفروا بالذكر لما جاءهم ﴾ الذكر هنا القرآن في قول الجميع، وله جواب محذوف تقديره : هالكون أو معذبون.
﴿ وإنه لكتابٌ عزيز ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : عزيز من الشيطان أن يبدله، قاله السدي.
الثاني : يمتنع على الناس أن يقولوا مثله، قاله ابن عباس.
﴿ لا يأتيه الباطل ﴾ في ﴿ الباطل ﴾ هنا أربعة أقاويل :
أحدها : أنه إبليس، قاله قتادة.
الثاني : أنه الشيطان، قاله ابن جريج.
الثالث : التبديل، قاله مجاهد.
الرابع : التعذيب، قاله سعيد.
ويحتمل خامساً : أن الباطل التناقض والاختلاف.
﴿ من بين يديه ولا من خلفِه ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : لا يأتيه الباطل من كتاب قبله، ولا يأتيه من كتاب بعده، قاله قتادة.
الثاني : لا يأتيه الباطل من أول التنزيل ولا من آخره.
الثالث : لا يأتيه الباطل في إخباره عما تقدم ولا في إخباره عما تأخر، قاله ابن جريج.
ويحتمل رابعاً : ما بين يديه : لفظه وما خلفه : تأويله، فلا يأتيه الباطل في لفظ ولا تأويل :
﴿ تنزيل من حكيم حميد ﴾ قال قتادة : حكيم في أمره حميد إلى خلقه.
قوله تعالى :﴿ ما يُقالُ لك إلا ما قد قِيل للرسل من قبلك ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ما يقول المشركون لك إلا ما قاله من قبلهم لأنبيائهم إنه ساحر أو مجنون، قاله قتادة.
الثاني : ما تخبر إلا بما يخبر الأنبياء قبلك ب ﴿ إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم ﴾ حكاه ابن عيسى وقاله الكلبي.
أحدهما : يعني بالأعجمي غير المبين وإن كان عربيّاً، قاله المفضل.
الثاني : بلسان أعجمي.
﴿ لقالوا لولا فصلت آياته ﴾ أي بينت آياته لنا بالعربية على الوجه الثاني، والفصح على الوجه الأول.
﴿ ءاعجميٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : كيف يكون القرآن أعجمياً ومحمد ﷺ عربي؟ قاله سعيد بن جبير.
الثاني : كيف يكون القرآن أعجميّاً ونحن قوم عرب؟ قاله السدي. قال مجاهد أعجمي الكلام وعربي الرجل.
﴿ قل هو للذين آمنوا هُدىً وشفاءٌ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : هدى للأبصار وشفاء للقلوب.
الثاني : هدى من الضلال وشفاء من البيان.
﴿ والذين لا يؤمنون في آذنهم وقرٌ ﴾ أي صمم.
﴿ وهو عليهم عَمىً ﴾ أي حيرة، وقال قتادة : عموا عن القرآن وصموا عنه.
﴿ أولئك ينادون من مكان بعيد ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : من مكان بعيد من قلوبهم، قاله علي كرم الله وجهه ومجاهد.
الثاني : من السماء، حكاه النقاش.
الثالث : ينادون بأبشع أسمائهم، قاله الضحاك.
ويحتمل رابعاً : من مكان بعيد من الإجابة.
أحدهما : علمواْ ما لهم من معدل.
الثاني : استيقنوا أن ليس لهم ملجأ من العذاب، قاله السدي، وقد يعبر بالظن عن اليقين فيما طريقه الخبر دون العيان لأن الخبر محتمل والعيان غير محتمل.
﴿ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ ﴾ يعني الفقر والمرض، ويحتمل وجهين :
أحدهما : يؤوس من الخير قنوط من الرحمة.
الثاني : يؤوس من إجابة الدعاء، قنوط بسوء الظن بربه.
قوله تعالى :﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : رخاء بعد شدة.
الثاني : غنى بعد فقر.
﴿ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : هذا باجتهادي.
الثاني : هذا باستحقاقي.
﴿ وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَآئِمَةً ﴾ إنكاراً منه للبعث والجزاء مع ما حظ به من النعمة والرخاء ودفع عنه من الضر والبلاء.
﴿ وَلَئِنِ رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى ﴾ الآية. إن كان كما زعمتم رجعة وجزاء فإن لي عنده آجلاً مثل ما أولانيه عاجلاً. وقيل إنها نزلت في النضر بن الحارث.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَئَا بِجَانِبِه ﴾ يحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : أعرض عن الإيمان وتباعد من الواجب.
الثاني : أعرض عن الشكر وبعد من الرشد.
الثالث : أعرض عن الطاعة وبعد من القبول.
﴿ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تام لخلوص الرغبة فيه.
الثاني : كثير لدوام المواصلة له، وهو معنى قول السدي، وإنما وصف التام والكثير بالعريض دون الطويل لأن العرض يجمع طولاً وعرضاً فكان أعم، قال ابن عباس : الكافر يعرف ربه في البلاء ولا يعرفه في الرخاء.
أحدها : أن في الآفاق فتح أقطار الأرض، وفي أنفسهم فتح مكة، قاله السدي.
الثاني : في الآفاق ما أخبر به من حوادث الأمم، وفي أنفسهم ما أنذرتهم به من الوعيد.
الثالث : أنها في الآفاق آيات السماء وفي أنفسهم حوادث الأرض.
الرابع : أنها في الآفاق إمساك القطر عن الأرض كلها وفي أنفسهم البلاء الذي يكون في أجسادهم، قاله ابن جريج.
الخامس : أنها في الآفاق انشقاق القمر، وفي أنفسهم كيف خلقناهم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة، وكيف إدخال الطعام والشراب من موضع واحدٍ وإخراجه من موضعين آخرين، قاله الضحاك.
﴿ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يتبين لهم أن القرآن حق.
الثاني : أن ما جاءهم به الرسول ﷺ إليه حق.
﴿ أَولَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ ﴾ يعني أولم يكفك من ربك.
﴿ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : عليم.
الثاني : حفيظ.
قوله تعالى :﴿ أَلآ إِنَّهُمْ في مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاءِ رَبِّهِمْ ﴾ قال السُّدي في شكٍ من البعث.
﴿ أَلآ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أحاط علمه بكل شيء، قاله السدي.
الثاني : أحاطت قدرته بكل شيء، قاله الكلبي.