ﰡ
فقد تحدثت آياتها الأولى أولا عن كتاب الله العزيز ونزوله باللسان العربي المبين، والحكمة في نزوله على رسوله الصادق الأمين، وثانيا عن أول موقف وقفه المشركون من كتاب الله، عندما كانت حجب الشرك الغليظة لا تزال تحول بينهم وبين الاهتداء بنوره، وثالثا عن الجواب ( الحليم الحكيم ) الذي أجابهم به رسول الله وهو يدعوهم إلى الحق، ويتفانى في سبيل هدايتهم وهداية بقية الخلق، ورابعا عرضت نموذجا من ( النذارة ) التي وجهها القرآن الكريم إلى المشركين ومن سار على نهجهم، ونموذجا من ( البشارة )، التي وجهها إلى المؤمنين الأولين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ففيما يخص النقطة الأولى جاء قوله تعالى :﴿ حم( ١ ) تنزيل من الرحمان الرحيم ( ٢ )كتاب فصلت - آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون( ٣ ) بشيرا ونذيرا ﴾ ويبرز( تفصيل آياته ) البينات فيما ورد منها في وصف ذات الله وصفاته وعجائب خلقه في الأنفس والآفاق، وفيما ورد في التكاليف المتعلقة بالقلوب والجوارح، وحقوق العباد، وفيما ورد منها في الوعد والوعيد، والثواب والعقاب، ودرجات أهل الجنة ودركات أهل النار، وفيما ورد منها في تهذيب الأخلاق ورياضة النفوس والنصائح والمواعظ، وفيما ورد منها في قصص الأولين وتواريخ الماضين، إلى غير ذلك من الموضوعات والمباحث، قال فخر الدين الرازي :( وبالجملة، فمن أنصف علم أنه ليس في يد الخلق كتاب اجتمع فيه من العلوم المختلفة والمباحث المتنوعة مثل ما في القرآن ).
فقد تحدثت آياتها الأولى أولا عن كتاب الله العزيز ونزوله باللسان العربي المبين، والحكمة في نزوله على رسوله الصادق الأمين، وثانيا عن أول موقف وقفه المشركون من كتاب الله، عندما كانت حجب الشرك الغليظة لا تزال تحول بينهم وبين الاهتداء بنوره، وثالثا عن الجواب ( الحليم الحكيم ) الذي أجابهم به رسول الله وهو يدعوهم إلى الحق، ويتفانى في سبيل هدايتهم وهداية بقية الخلق، ورابعا عرضت نموذجا من ( النذارة ) التي وجهها القرآن الكريم إلى المشركين ومن سار على نهجهم، ونموذجا من ( البشارة )، التي وجهها إلى المؤمنين الأولين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وفيما يخص النقطة الثانية جاء قوله تعالى :﴿ فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون( ٤ ) ﴾، وصور كتاب الله أروع تصوير رفض المشركين لقبول الحق واعتناقه، وتقززهم من سماعه، والهوة السحيقة التي تفصل بينهم وبين عقيدة التوحيد التي جاء بها الرسول، فقال حكاية عنهم :﴿ وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ﴾، مثل قولهم في آية أخرى( ٨٨ : ٢ )﴿ وقالوا قلوبنا غلف ﴾، و( الأكنة ) جمع ( كنان ) وهو الغطاء، و( الغلف ) جمع ( غلاف ) وهو الغشاء، ﴿ وفي آذاننا وقرا ﴾، أي : صمم ﴿ ومن بيننا وبينك حجاب ﴾.
فقد تحدثت آياتها الأولى أولا عن كتاب الله العزيز ونزوله باللسان العربي المبين، والحكمة في نزوله على رسوله الصادق الأمين، وثانيا عن أول موقف وقفه المشركون من كتاب الله، عندما كانت حجب الشرك الغليظة لا تزال تحول بينهم وبين الاهتداء بنوره، وثالثا عن الجواب ( الحليم الحكيم ) الذي أجابهم به رسول الله وهو يدعوهم إلى الحق، ويتفانى في سبيل هدايتهم وهداية بقية الخلق، ورابعا عرضت نموذجا من ( النذارة ) التي وجهها القرآن الكريم إلى المشركين ومن سار على نهجهم، ونموذجا من ( البشارة )، التي وجهها إلى المؤمنين الأولين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وفيما يخص النقطة الثالثة حكى كتاب الله جواب رسوله لهم متلطفا ومتعطفا، طبقا لمقتضى الحكمة والموعظة الحسنة، ﴿ قل : إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد، فاستقيموا إليه واستغفروه ﴾.
وفيما يخص النقطة الرابعة قال تعالى في كتابه بصفته ( نذيرا ) :﴿ وويل للمشركين( ٦ ) الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون( ٧ ) ﴾، وقال تعالى في كتابه بصفته ( بشيرا ) :﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون( ٨ ) ﴾.
يتحدث هذا الربع لأول ما يبدأ، مخاطبا الكافرين المصرين على كفرهم عنادا واستكبارا، مستغربا موقفهم الشاذ الذي ليس مفهوما بالمرة، ذلك أنهم علاوة على ما يجهلون من أسرار أنفسهم وما لله فيها من آيات قائمة- وهي أقرب شيء إليهم- يجهلون أو يتجاهلون كل ما حولهم من العوالم والأكوان، فهم في غفلة عنها معرضون، فلا عيون متفتحة، ولا عقول متبصرة، ولا قلوب مستيقظة، وهذه الأرض بكل من عليها، وتلك السماء بكل ما فيها، لا تثير في نفوسهم أية رغبة في الاستطلاع، ولا تنير في ضمائرهم شعلة الإيمان، رغما عما فيهما من دلائل القدرة ومظاهر الإبداع، وذلك قوله تعالى :﴿ قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا، ذلك رب العالمين( ٩ ) وجعل فيها رواسي من فوقها، وبارك فيها، وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين( ١٠ ) ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض : إيتيا طوعا أو كرها. قالتا أتينا طائعين( ١١ ) فقضاهن سبع سماوات في يومين، وأوحى في كل سماء أمرها. وزينا السماء الدنيا بمصابيح، وحفظا. ذلك تقدير العزيز العليم( ١٢ ) ﴾. وهاهنا يحسن بنا أن نلفت النظر إلى أن ( أيام الله ) التي تشير إليها هذه الآيات، بالنسبة لخلق الأرض والسماوات، لا تقدر بقدر أيامنا التي نعرفها في كوكبنا الأرضي الخاص، بل هي من نوع آخر يعلمه خالق الزمان والمكان، على حد قوله تعالى في سورة الحج ( ٤٧ ) :﴿ وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ﴾، وقوله تعالى في سورة السجدة ( ٥ ) :﴿ يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ﴾.
ومفاد هذه الآيات التي نحن بصدد تفسيرها اليوم : أن الله قد خلق الأرض بما عليها في أربعة أيام من ( أيام الله ) فخَلْقُ أصل الأرض تم بأمر الله في يومين، وإليه يشير قوله تعالى :﴿ الذي خلق الأرض في يومين ﴾، وخلق ما عليها تم بأمر الله في يومين آخرين، وبهما كمل خلق الأرض أصلا وفرعا، وتم عدد الأيام المحددة لخلقها أربعة، وإلى ذلك يشير قوله تعالى :﴿ وجعل فيها رواسي من فوقها ﴾، إشارة إلى الجبال التي ترسي الأرض حتى لا تميد، ﴿ وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام ﴾، أما خلق السماوات فقد تم بأمر الله في يومين اثنين، وإلى ذلك يشير قوله تعالى :﴿ فقضاهن سبع سماوات في يومين ﴾، ويرى بعض المفسرين من القدماء والمحدثين أن عدد ( السبع ) الوارد في كتاب الله عند ذكر السماوات لا يراد منه حصرها في نفس ذلك العدد ونفي ما سواه، حسبما يقتضيه المفهوم، وإنما هو وارد على حد قوله تعالى في سورة التوبة :﴿ إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ﴾، فالسبع في تلك الآية كالسبعين في هذه الآية، ومن يدري فقد تكشف الأيام من أسرار الكون ما يوضح معنى ( السبع ) الوارد في غير ما آية في كتاب الله، ومن بينها قوله تعالى في سورة الطلاق ( ١٢ ) ﴿ الله الذي خلق سبع سماوات، ومن الأرض مثلهن ﴾، فالكون لا يزال لغزا كبيرا، ولا يشكل على تفسير الآيات التي هي موضوع هذا الحديث قوله تعالى في سورة النازعات ( ٢٧-٣٣ ) :﴿ أنتم أشد خلقا أم السماء. بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها، والأرض بعد ذلك دحاها : أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها. متاعا لكم ولأنعامكم ﴾، لأن المعنى المقصود من هذه الآية كما أجاب به ابن عباس وذكره البخاري في صحيحه عند تفسيره لها : هو أن دحو الأرض وحده هو الذي كان بعد خلق السماء. وقد تولت الآية الكريمة نفسها تفسير معنى الدحو حيث قالت :﴿ دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها، والجبال أرساها، متاعا لكم ولأنعامكم ﴾، وليس المقصود منها أن خلق أصل الأرض كان متأخرا، كما قد يتبادر إلى بعض الأذهان.
أما قوله تعالى في نفس السياق :﴿ ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض إيتيا طوعا أو كرها، قالتا أتينا طائعين ﴾، فمن المفسرين من حمله على أنه حوار حقيقي صحبته الحياة والإدراك والنطق الفعلي من الأرض والسماء، على غرار قوله تعالى في نفس السورة ( ٢١ ) :﴿ وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا، قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء ﴾، ومنهم من حمله على أنه مجرد مجاز، من باب ضرب المثل، أي لا يتعسر عليه سبحانه شيء مما خلقه، فله من خلقه ما أراده، والمقصود إنما هو تصوير أثر قدرته في المقدورات لا غير، دون أن يكون هناك خطاب ولا جواب.
وقوله تعالى :﴿ سواء للسائلين ﴾ بعد قوله :﴿ وبارك فيها وقدر فيها أقواتها ﴾، إشارة إلى سعة رحمة الله، وبسط مائدة رزقه لكافة خلقه، دون تمييز بين طبقة وأخرى، ولا بين أمة وأخرى، فالبساط الإلهي ممدود لجميع السائلين على السواء، على حد قوله تعالى في آية أخرى ( ٣٤ : ١٤ ) :﴿ وآتاكم من كل ما سألتموه ﴾. وقوله تعالى :﴿ وقدر فيها أقواتها ﴾، إشارة إلى أن أقوات الخلق مقدرة في الأرض بتقدير إلهي حكيم. ويوضح هذا المعنى قوله تعالى في سورة الحجر( ٢١ ) :﴿ وإن من شيء إلا عندنا خزائنه، وما ننزله إلا بقدر معلوم ﴾.
وقوله هنا :﴿ وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم( ١٢ ) ﴾، ينظر إلى قوله تعالى في آية الكرسي : وسع كرسيه السموات والأرض. ولا يؤده حفظهما، وهو العلي العظيم }، فكما أن الله تعالى هو الذي أبدع الأكوان، وخلق العوالم على غير مثال سبق، وجهزها بجميع ما قدر احتياجها إليه من النواميس والقوى والطاقات، تكفل هو سبحانه كذلك بإمدادها بعد إيجادها، وتعهد جل علاه بتدبيرها وصيانتها وحفظها من كل خلل، دون أن يؤثر ذلك كله على قدرته القاهرة، وحكمته الباهرة، في قليل ولا كثير.
الربع الأخير من الحزب الثامن والأربعين في المصحف الكريم
*م/
أما دعاة الباطل فمن شأنهم إغواء الخلق، وإغراؤهم على مقاومة الحق، وهم معتزون بالباطل الذي هم عليه، مصرون على التمسك به، لا يحاولون أن يعيدوا فيه النظر، ولا أن يستبدلوا به غيره أبدا، وبحكم الغواية التي اختاروا طريقها لا يجدون لهم أي أنس أو متعة في الحياة، إلا في معاشرة قرناء السوء ومتابعتهم، والثقة بوساوسهم في جميع الشؤون.
والشأن في ( قرناء السوء ) تشجيع قرينهم على الاندفاع في طريق الباطل، وإعانته على إعداد مشاريع السوء بالنسبة للحاضر والمستقبل، وتزيين جميع ما قام به في الماضي من الأعمال والمساعي المنكرة، واستحسانها ولو بلغت أقصى غاية في الانحراف والشذوذ، فهم لا يقدمون لقرينهم أي نصح، ولا ينيرون له أي طريق من طرق الخير، وإنما يزيدونه خبالا في الفكر، وعماءً في البصيرة، إلى أن يسقط في مهاوي الهلاك، وتحق عليه كلمة العذاب، وذلك قوله تعالى :﴿ وقيضنا لهم قرناء، فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم، وحق عليهم القول، في أمم قد خلت من قبلهم، من الجن والإنس، إنهم كانوا خاسرين( ٢٥ ) ﴾، على غرار قوله تعالى في آية أخرى ( ١١٢ : ٦ ) :﴿ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ﴾.
ففي الموضوع الأول ورد ذكر القرآن للساعة وموعد قيامها، وللثمرات المستورة في أكمامها، وأحمال النساء المستقرة في أرحامها، فالساعة التي يضع الله فيها حدا للحياة على سطح هذا الكوكب الأرضي موكول علمها إلى الله وحده، لا يعلمها أحد سواه، وفي شأن السؤال عنها أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام قائلا :( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ) والشيء الوحيد الذي تناقلته السنة في موضوع الساعة هو التنصيص على بعض ( أشرا طها )، ووصف بعض العلامات التي تسبقها، مثل ما رواه البخاري في صحيحه في ( باب يقل الرجال ويكثر النساء ) عن أنس رضي الله عنه قال :( لأحدثنكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدثكم به أحد غيري، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويكثر الجهل، ويكثر الزنا، ويكثر شرب الخمر، ويقل الرجال، ويكثر النساء، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد ) قال البخاري :( وقال أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم : وترى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة، يلذن به من قلة الرجال وكثرة النساء ).
وكما أن علم الساعة موكول إلى الله دون سواه، فكذلك الثمرات التي هي في باطن النبات قبل أن تخرج وتبرز تعد سرا مكتوما في عالم الغيب لا يستطيع أمهر الزراعيين معرفته على وجه التحقيق قبل أن يبرزه الله.
ومثل ذلك الحمل قبل ظهوره، لا يستطيع أن يعرفه الرجل ولا المرأة، فالله سبحانه هو المنفرد بعلم مآل النطفة، هل يترتب عليها إخصاب وإنجاب، أم يترتب عليها شيء مطلقا، ومثل ذلك الحمل قبل وضعه، هل سيوضع حيا أو ميتا، ذكرا أم أنثى، هل سيوضع ليلا أم نهارا ؟ هل سيوضع اليوم أو غدا ؟ لا يعلم أمره على وجه القطع إلا الله وحده، وذلك قوله تعالى في شأن الأمور الثلاثة :﴿ إليه يرد علم الساعة، وما تخرج من ثمرات من أكمامها، وما تحمل من أنثى ولا تضع، إلا بعلمه ﴾، وبمثل هذا المعنى ورد قوله تعالى في سورة الأعراف ( ١٨٧ ) :﴿ لا يجليها لوقتها إلا هو ﴾ وقوله تعالى في سورة الأنعام ( ٥٩ ) :﴿ وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ﴾، وقوله تعالى في سورة الرعد ( ٨ ) :﴿ الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد، وكل شيء عنده بمقدار ﴾.
ثم هاهم أولاء يدعون الناس إذا اخترق القرآن أسماعهم ونفذ إليها بالرغم عنهم، أن يلغوا فيه، ومعنى ( اللغو ) فيه : افتعال الضجيج والصفير والمكاء والتخليط، ومواجهته بالتعييب، والتشكيك، ومقابلته بالجحود والإنكار.
ولقد كانت هذه الطريقة، التي كشف كتاب الله عنها الستار، ولا تزال هي الطريقة التقليدية التي يتبعها دعاة الباطل وقرناؤهم لمحاربة أهل الحق، ومقاومة دعوتهم في كل زمان ومكان، فهم يأمرون أتباعهم المضللين بالابتعاد عن دعاة الحق، وبتفادي الاحتكاك بهم، وعدم غشيان مجالسهم، فإذا أخذت دعوة أهل الحق في الانتشار، رغما عنهم، تصدوا لها بالنقض والتشكيك والمهاترات، وعملوا بكل الوسائل على خنقها وإغراقها في بحر لجي من أمواج الباطل المتراكمة، لعلهم يغلبون الحق عن طريق الباطل، لكن الحق سبحانه وتعالى يتولى دعاة الباطل وقرناءهم، من الكفار فمن دونهم، بما هم أهل له من الخذلان والعقاب والعذاب، وذلك قوله تعالى في نفس السياق :﴿ فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا، ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون( ٢٧ ) ﴾، أي : أنه تعالى سيجزيهم بشر أفعالهم، وسيء أعمالهم. وبعدما يصفهم كتاب الله بأنهم ( أعداء الله ) يواصل الحديث عن الجزاء الذي ينتظرهم، ﴿ ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد، جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون( ٢٨ ) ﴾.
ثم هاهم أولاء يدعون الناس إذا اخترق القرآن أسماعهم ونفذ إليها بالرغم عنهم، أن يلغوا فيه، ومعنى ( اللغو ) فيه : افتعال الضجيج والصفير والمكاء والتخليط، ومواجهته بالتعييب، والتشكيك، ومقابلته بالجحود والإنكار.
ولقد كانت هذه الطريقة، التي كشف كتاب الله عنها الستار، ولا تزال هي الطريقة التقليدية التي يتبعها دعاة الباطل وقرناؤهم لمحاربة أهل الحق، ومقاومة دعوتهم في كل زمان ومكان، فهم يأمرون أتباعهم المضللين بالابتعاد عن دعاة الحق، وبتفادي الاحتكاك بهم، وعدم غشيان مجالسهم، فإذا أخذت دعوة أهل الحق في الانتشار، رغما عنهم، تصدوا لها بالنقض والتشكيك والمهاترات، وعملوا بكل الوسائل على خنقها وإغراقها في بحر لجي من أمواج الباطل المتراكمة، لعلهم يغلبون الحق عن طريق الباطل، لكن الحق سبحانه وتعالى يتولى دعاة الباطل وقرناءهم، من الكفار فمن دونهم، بما هم أهل له من الخذلان والعقاب والعذاب، وذلك قوله تعالى في نفس السياق :﴿ فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا، ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون( ٢٧ ) ﴾، أي : أنه تعالى سيجزيهم بشر أفعالهم، وسيء أعمالهم. وبعدما يصفهم كتاب الله بأنهم ( أعداء الله ) يواصل الحديث عن الجزاء الذي ينتظرهم، ﴿ ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد، جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون( ٢٨ ) ﴾.
ثم هاهم أولاء يدعون الناس إذا اخترق القرآن أسماعهم ونفذ إليها بالرغم عنهم، أن يلغوا فيه، ومعنى ( اللغو ) فيه : افتعال الضجيج والصفير والمكاء والتخليط، ومواجهته بالتعييب، والتشكيك، ومقابلته بالجحود والإنكار.
ولقد كانت هذه الطريقة، التي كشف كتاب الله عنها الستار، ولا تزال هي الطريقة التقليدية التي يتبعها دعاة الباطل وقرناؤهم لمحاربة أهل الحق، ومقاومة دعوتهم في كل زمان ومكان، فهم يأمرون أتباعهم المضللين بالابتعاد عن دعاة الحق، وبتفادي الاحتكاك بهم، وعدم غشيان مجالسهم، فإذا أخذت دعوة أهل الحق في الانتشار، رغما عنهم، تصدوا لها بالنقض والتشكيك والمهاترات، وعملوا بكل الوسائل على خنقها وإغراقها في بحر لجي من أمواج الباطل المتراكمة، لعلهم يغلبون الحق عن طريق الباطل، لكن الحق سبحانه وتعالى يتولى دعاة الباطل وقرناءهم، من الكفار فمن دونهم، بما هم أهل له من الخذلان والعقاب والعذاب، وذلك قوله تعالى في نفس السياق :﴿ فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا، ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون( ٢٧ ) ﴾، أي : أنه تعالى سيجزيهم بشر أفعالهم، وسيء أعمالهم. وبعدما يصفهم كتاب الله بأنهم ( أعداء الله ) يواصل الحديث عن الجزاء الذي ينتظرهم، ﴿ ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد، جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون( ٢٨ ) ﴾.
*م/
أما دعاة الباطل فمن شأنهم إغواء الخلق، وإغراؤهم على مقاومة الحق، وهم معتزون بالباطل الذي هم عليه، مصرون على التمسك به، لا يحاولون أن يعيدوا فيه النظر، ولا أن يستبدلوا به غيره أبدا، وبحكم الغواية التي اختاروا طريقها لا يجدون لهم أي أنس أو متعة في الحياة، إلا في معاشرة قرناء السوء ومتابعتهم، والثقة بوساوسهم في جميع الشؤون.
والشأن في ( قرناء السوء ) تشجيع قرينهم على الاندفاع في طريق الباطل، وإعانته على إعداد مشاريع السوء بالنسبة للحاضر والمستقبل، وتزيين جميع ما قام به في الماضي من الأعمال والمساعي المنكرة، واستحسانها ولو بلغت أقصى غاية في الانحراف والشذوذ، فهم لا يقدمون لقرينهم أي نصح، ولا ينيرون له أي طريق من طرق الخير، وإنما يزيدونه خبالا في الفكر، وعماءً في البصيرة، إلى أن يسقط في مهاوي الهلاك، وتحق عليه كلمة العذاب، وذلك قوله تعالى :﴿ وقيضنا لهم قرناء، فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم، وحق عليهم القول، في أمم قد خلت من قبلهم، من الجن والإنس، إنهم كانوا خاسرين( ٢٥ ) ﴾، على غرار قوله تعالى في آية أخرى ( ١١٢ : ٦ ) :﴿ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ﴾.
وأما دعاة الحق فمن شأنهم الإيمان بالله، والاستقامة على هداه، والثبات على شرائط الإيمان بجملتها، دون الإخلال بأي شيء منها، وضرب المثل الصالح لغيرهم، بممارسة الأعمال الصالحة، والدعوة إلى الله دون انقطاع، وهم لا يعتزون بغير الإسلام، ولا ينتمون إلى ما سواه من المذاهب والأقوام، ولا يلتزمون نحو غيره بأي التزام، وفي سبيل الدعوة التي يقومون بها ويمارسونها يتحملون الأذى بصدر رحب، فلا يقابلون الإساءة بمثلها، وإنما يدفعون الإساءة بالإحسان، وإن كانوا أبعد الناس عن وصف الضعف والهوان، وبذلك يؤثرون على النفوس الجامحة، فتسلس لهم قيادها، وتعود إلى رشدها، وذلك قوله تعالى :﴿ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا، وقال إنني من المسلمين( ٣٣ ) ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم( ٣٤ ) وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم( ٣٥ ) ﴾، قال ابن عباس في تفسير هذه الآية :( أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم )، وقال عمر بن الخطاب :( ما عاقبت من عصى الله فيك، بمثل أن تطيع الله فيه ) ومعنى ﴿ ادفع بالتي هي أحسن ﴾ادفع السيئة بالخصلة التي هي أحسن، فإذا أساء إليك أحد كانت ( الحسنة ) أن تعفو عنه ولا تعامله بالمثل، ( والتي هي أحسن ) : أن تحسن إليه مكان إساءته إليك، ومعنى ﴿ فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم( ٣٤ ) ﴾ : أنك إذا فعلت ذلك صافاك عدوي واقترب منك، وأشبه الولي الحميم، وهذا لا يستلزم أن يصير وليا مخلصا بالمرة، ومعنى قوله :﴿ وما يلقاها إلا الذين صبروا ﴾ ما يلقى هذه الخصلة ويقوم بحقها، أو ما يمتثل هذه الوصية ويعمل بها- وهي مقابلة الإساءة بالإحسان- إلا من تعود على الصبر في معاناة الخلق، على غرار قوله تعالى :﴿ ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ﴾( ٤٣ : ٤٢ ) ومعنى ﴿ وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم( ٣٥ ) ﴾ : ما يلقاها إلا ذو نصيب وافر من الخير والتوفيق.
وكما تحدث كتاب الله فيما سبق عن قرناء السوء الذين يزينون لدعاة الباطل أعمالهم، والذين يوحون إليهم بمحاربة الحق وأهله، وبين موقف بعضهم من بعض في الدنيا والآخرة، تحدث كتاب الله أيضا عن ( أولياء ) أهل الحق، الذين يثبتون قلوبهم، ويسددون خطواتهم، ويعينونهم على التزام الحق، والدعوة إليه، وتحمل الأذى في سبيله، حتى لا يحزنوا ولا يخافوا، وبين كتاب الله أن هؤلاء الأولياء الذين يتولون دعاة الحق في الدنيا والآخرة هم من الملائكة المقربين، وأنهم يتنزلون عليهم، ويكونون بجانبهم في مختلف المواقف، ولا سيما في المواقف الحرجة التي قد تزل فيها الأقدام، وذلك قوله تعالى :﴿ إن الذين قالوا ربنا الله، ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم، ولكم فيها ما تدعون( ٣١ ) ﴾، أي : مهما طلبتم وجدتم، وحضر بين أيديكم كما اخترتم ﴿ نزلا من غفور رحيم( ٣٢ ) ﴾، أي : ضيافة وعطاء من غفور لذنوبكم، رحيم بكم، قال زيد بن أسلم في تفسير قوله تعالى :﴿ وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون( ٣٠ ) ﴾، أنهم يبشرون الداعي إلى الله عند موته، وفي قبره، وحين يبعث. قال ابن كثير :( وهذا القول يجمع الأقوال كلها، وهو حسن جدا ).
*م/
أما دعاة الباطل فمن شأنهم إغواء الخلق، وإغراؤهم على مقاومة الحق، وهم معتزون بالباطل الذي هم عليه، مصرون على التمسك به، لا يحاولون أن يعيدوا فيه النظر، ولا أن يستبدلوا به غيره أبدا، وبحكم الغواية التي اختاروا طريقها لا يجدون لهم أي أنس أو متعة في الحياة، إلا في معاشرة قرناء السوء ومتابعتهم، والثقة بوساوسهم في جميع الشؤون.
والشأن في ( قرناء السوء ) تشجيع قرينهم على الاندفاع في طريق الباطل، وإعانته على إعداد مشاريع السوء بالنسبة للحاضر والمستقبل، وتزيين جميع ما قام به في الماضي من الأعمال والمساعي المنكرة، واستحسانها ولو بلغت أقصى غاية في الانحراف والشذوذ، فهم لا يقدمون لقرينهم أي نصح، ولا ينيرون له أي طريق من طرق الخير، وإنما يزيدونه خبالا في الفكر، وعماءً في البصيرة، إلى أن يسقط في مهاوي الهلاك، وتحق عليه كلمة العذاب، وذلك قوله تعالى :﴿ وقيضنا لهم قرناء، فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم، وحق عليهم القول، في أمم قد خلت من قبلهم، من الجن والإنس، إنهم كانوا خاسرين( ٢٥ ) ﴾، على غرار قوله تعالى في آية أخرى ( ١١٢ : ٦ ) :﴿ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ﴾.
وأما دعاة الحق فمن شأنهم الإيمان بالله، والاستقامة على هداه، والثبات على شرائط الإيمان بجملتها، دون الإخلال بأي شيء منها، وضرب المثل الصالح لغيرهم، بممارسة الأعمال الصالحة، والدعوة إلى الله دون انقطاع، وهم لا يعتزون بغير الإسلام، ولا ينتمون إلى ما سواه من المذاهب والأقوام، ولا يلتزمون نحو غيره بأي التزام، وفي سبيل الدعوة التي يقومون بها ويمارسونها يتحملون الأذى بصدر رحب، فلا يقابلون الإساءة بمثلها، وإنما يدفعون الإساءة بالإحسان، وإن كانوا أبعد الناس عن وصف الضعف والهوان، وبذلك يؤثرون على النفوس الجامحة، فتسلس لهم قيادها، وتعود إلى رشدها، وذلك قوله تعالى :﴿ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا، وقال إنني من المسلمين( ٣٣ ) ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم( ٣٤ ) وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم( ٣٥ ) ﴾، قال ابن عباس في تفسير هذه الآية :( أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم )، وقال عمر بن الخطاب :( ما عاقبت من عصى الله فيك، بمثل أن تطيع الله فيه ) ومعنى ﴿ ادفع بالتي هي أحسن ﴾ادفع السيئة بالخصلة التي هي أحسن، فإذا أساء إليك أحد كانت ( الحسنة ) أن تعفو عنه ولا تعامله بالمثل، ( والتي هي أحسن ) : أن تحسن إليه مكان إساءته إليك، ومعنى ﴿ فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم( ٣٤ ) ﴾ : أنك إذا فعلت ذلك صافاك عدوي واقترب منك، وأشبه الولي الحميم، وهذا لا يستلزم أن يصير وليا مخلصا بالمرة، ومعنى قوله :﴿ وما يلقاها إلا الذين صبروا ﴾ ما يلقى هذه الخصلة ويقوم بحقها، أو ما يمتثل هذه الوصية ويعمل بها- وهي مقابلة الإساءة بالإحسان- إلا من تعود على الصبر في معاناة الخلق، على غرار قوله تعالى :﴿ ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ﴾( ٤٣ : ٤٢ ) ومعنى ﴿ وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم( ٣٥ ) ﴾ : ما يلقاها إلا ذو نصيب وافر من الخير والتوفيق.
وكما تحدث كتاب الله فيما سبق عن قرناء السوء الذين يزينون لدعاة الباطل أعمالهم، والذين يوحون إليهم بمحاربة الحق وأهله، وبين موقف بعضهم من بعض في الدنيا والآخرة، تحدث كتاب الله أيضا عن ( أولياء ) أهل الحق، الذين يثبتون قلوبهم، ويسددون خطواتهم، ويعينونهم على التزام الحق، والدعوة إليه، وتحمل الأذى في سبيله، حتى لا يحزنوا ولا يخافوا، وبين كتاب الله أن هؤلاء الأولياء الذين يتولون دعاة الحق في الدنيا والآخرة هم من الملائكة المقربين، وأنهم يتنزلون عليهم، ويكونون بجانبهم في مختلف المواقف، ولا سيما في المواقف الحرجة التي قد تزل فيها الأقدام، وذلك قوله تعالى :﴿ إن الذين قالوا ربنا الله، ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم، ولكم فيها ما تدعون( ٣١ ) ﴾، أي : مهما طلبتم وجدتم، وحضر بين أيديكم كما اخترتم ﴿ نزلا من غفور رحيم( ٣٢ ) ﴾، أي : ضيافة وعطاء من غفور لذنوبكم، رحيم بكم، قال زيد بن أسلم في تفسير قوله تعالى :﴿ وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون( ٣٠ ) ﴾، أنهم يبشرون الداعي إلى الله عند موته، وفي قبره، وحين يبعث. قال ابن كثير :( وهذا القول يجمع الأقوال كلها، وهو حسن جدا ).
*م/
أما دعاة الباطل فمن شأنهم إغواء الخلق، وإغراؤهم على مقاومة الحق، وهم معتزون بالباطل الذي هم عليه، مصرون على التمسك به، لا يحاولون أن يعيدوا فيه النظر، ولا أن يستبدلوا به غيره أبدا، وبحكم الغواية التي اختاروا طريقها لا يجدون لهم أي أنس أو متعة في الحياة، إلا في معاشرة قرناء السوء ومتابعتهم، والثقة بوساوسهم في جميع الشؤون.
والشأن في ( قرناء السوء ) تشجيع قرينهم على الاندفاع في طريق الباطل، وإعانته على إعداد مشاريع السوء بالنسبة للحاضر والمستقبل، وتزيين جميع ما قام به في الماضي من الأعمال والمساعي المنكرة، واستحسانها ولو بلغت أقصى غاية في الانحراف والشذوذ، فهم لا يقدمون لقرينهم أي نصح، ولا ينيرون له أي طريق من طرق الخير، وإنما يزيدونه خبالا في الفكر، وعماءً في البصيرة، إلى أن يسقط في مهاوي الهلاك، وتحق عليه كلمة العذاب، وذلك قوله تعالى :﴿ وقيضنا لهم قرناء، فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم، وحق عليهم القول، في أمم قد خلت من قبلهم، من الجن والإنس، إنهم كانوا خاسرين( ٢٥ ) ﴾، على غرار قوله تعالى في آية أخرى ( ١١٢ : ٦ ) :﴿ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ﴾.
وأما دعاة الحق فمن شأنهم الإيمان بالله، والاستقامة على هداه، والثبات على شرائط الإيمان بجملتها، دون الإخلال بأي شيء منها، وضرب المثل الصالح لغيرهم، بممارسة الأعمال الصالحة، والدعوة إلى الله دون انقطاع، وهم لا يعتزون بغير الإسلام، ولا ينتمون إلى ما سواه من المذاهب والأقوام، ولا يلتزمون نحو غيره بأي التزام، وفي سبيل الدعوة التي يقومون بها ويمارسونها يتحملون الأذى بصدر رحب، فلا يقابلون الإساءة بمثلها، وإنما يدفعون الإساءة بالإحسان، وإن كانوا أبعد الناس عن وصف الضعف والهوان، وبذلك يؤثرون على النفوس الجامحة، فتسلس لهم قيادها، وتعود إلى رشدها، وذلك قوله تعالى :﴿ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا، وقال إنني من المسلمين( ٣٣ ) ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم( ٣٤ ) وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم( ٣٥ ) ﴾، قال ابن عباس في تفسير هذه الآية :( أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم )، وقال عمر بن الخطاب :( ما عاقبت من عصى الله فيك، بمثل أن تطيع الله فيه ) ومعنى ﴿ ادفع بالتي هي أحسن ﴾ادفع السيئة بالخصلة التي هي أحسن، فإذا أساء إليك أحد كانت ( الحسنة ) أن تعفو عنه ولا تعامله بالمثل، ( والتي هي أحسن ) : أن تحسن إليه مكان إساءته إليك، ومعنى ﴿ فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم( ٣٤ ) ﴾ : أنك إذا فعلت ذلك صافاك عدوي واقترب منك، وأشبه الولي الحميم، وهذا لا يستلزم أن يصير وليا مخلصا بالمرة، ومعنى قوله :﴿ وما يلقاها إلا الذين صبروا ﴾ ما يلقى هذه الخصلة ويقوم بحقها، أو ما يمتثل هذه الوصية ويعمل بها- وهي مقابلة الإساءة بالإحسان- إلا من تعود على الصبر في معاناة الخلق، على غرار قوله تعالى :﴿ ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ﴾( ٤٣ : ٤٢ ) ومعنى ﴿ وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم( ٣٥ ) ﴾ : ما يلقاها إلا ذو نصيب وافر من الخير والتوفيق.
وكما تحدث كتاب الله فيما سبق عن قرناء السوء الذين يزينون لدعاة الباطل أعمالهم، والذين يوحون إليهم بمحاربة الحق وأهله، وبين موقف بعضهم من بعض في الدنيا والآخرة، تحدث كتاب الله أيضا عن ( أولياء ) أهل الحق، الذين يثبتون قلوبهم، ويسددون خطواتهم، ويعينونهم على التزام الحق، والدعوة إليه، وتحمل الأذى في سبيله، حتى لا يحزنوا ولا يخافوا، وبين كتاب الله أن هؤلاء الأولياء الذين يتولون دعاة الحق في الدنيا والآخرة هم من الملائكة المقربين، وأنهم يتنزلون عليهم، ويكونون بجانبهم في مختلف المواقف، ولا سيما في المواقف الحرجة التي قد تزل فيها الأقدام، وذلك قوله تعالى :﴿ إن الذين قالوا ربنا الله، ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم، ولكم فيها ما تدعون( ٣١ ) ﴾، أي : مهما طلبتم وجدتم، وحضر بين أيديكم كما اخترتم ﴿ نزلا من غفور رحيم( ٣٢ ) ﴾، أي : ضيافة وعطاء من غفور لذنوبكم، رحيم بكم، قال زيد بن أسلم في تفسير قوله تعالى :﴿ وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون( ٣٠ ) ﴾، أنهم يبشرون الداعي إلى الله عند موته، وفي قبره، وحين يبعث. قال ابن كثير :( وهذا القول يجمع الأقوال كلها، وهو حسن جدا ).
*م/
أما دعاة الباطل فمن شأنهم إغواء الخلق، وإغراؤهم على مقاومة الحق، وهم معتزون بالباطل الذي هم عليه، مصرون على التمسك به، لا يحاولون أن يعيدوا فيه النظر، ولا أن يستبدلوا به غيره أبدا، وبحكم الغواية التي اختاروا طريقها لا يجدون لهم أي أنس أو متعة في الحياة، إلا في معاشرة قرناء السوء ومتابعتهم، والثقة بوساوسهم في جميع الشؤون.
والشأن في ( قرناء السوء ) تشجيع قرينهم على الاندفاع في طريق الباطل، وإعانته على إعداد مشاريع السوء بالنسبة للحاضر والمستقبل، وتزيين جميع ما قام به في الماضي من الأعمال والمساعي المنكرة، واستحسانها ولو بلغت أقصى غاية في الانحراف والشذوذ، فهم لا يقدمون لقرينهم أي نصح، ولا ينيرون له أي طريق من طرق الخير، وإنما يزيدونه خبالا في الفكر، وعماءً في البصيرة، إلى أن يسقط في مهاوي الهلاك، وتحق عليه كلمة العذاب، وذلك قوله تعالى :﴿ وقيضنا لهم قرناء، فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم، وحق عليهم القول، في أمم قد خلت من قبلهم، من الجن والإنس، إنهم كانوا خاسرين( ٢٥ ) ﴾، على غرار قوله تعالى في آية أخرى ( ١١٢ : ٦ ) :﴿ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ﴾.
وأما دعاة الحق فمن شأنهم الإيمان بالله، والاستقامة على هداه، والثبات على شرائط الإيمان بجملتها، دون الإخلال بأي شيء منها، وضرب المثل الصالح لغيرهم، بممارسة الأعمال الصالحة، والدعوة إلى الله دون انقطاع، وهم لا يعتزون بغير الإسلام، ولا ينتمون إلى ما سواه من المذاهب والأقوام، ولا يلتزمون نحو غيره بأي التزام، وفي سبيل الدعوة التي يقومون بها ويمارسونها يتحملون الأذى بصدر رحب، فلا يقابلون الإساءة بمثلها، وإنما يدفعون الإساءة بالإحسان، وإن كانوا أبعد الناس عن وصف الضعف والهوان، وبذلك يؤثرون على النفوس الجامحة، فتسلس لهم قيادها، وتعود إلى رشدها، وذلك قوله تعالى :﴿ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا، وقال إنني من المسلمين( ٣٣ ) ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم( ٣٤ ) وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم( ٣٥ ) ﴾، قال ابن عباس في تفسير هذه الآية :( أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم )، وقال عمر بن الخطاب :( ما عاقبت من عصى الله فيك، بمثل أن تطيع الله فيه ) ومعنى ﴿ ادفع بالتي هي أحسن ﴾ادفع السيئة بالخصلة التي هي أحسن، فإذا أساء إليك أحد كانت ( الحسنة ) أن تعفو عنه ولا تعامله بالمثل، ( والتي هي أحسن ) : أن تحسن إليه مكان إساءته إليك، ومعنى ﴿ فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم( ٣٤ ) ﴾ : أنك إذا فعلت ذلك صافاك عدوي واقترب منك، وأشبه الولي الحميم، وهذا لا يستلزم أن يصير وليا مخلصا بالمرة، ومعنى قوله :﴿ وما يلقاها إلا الذين صبروا ﴾ ما يلقى هذه الخصلة ويقوم بحقها، أو ما يمتثل هذه الوصية ويعمل بها- وهي مقابلة الإساءة بالإحسان- إلا من تعود على الصبر في معاناة الخلق، على غرار قوله تعالى :﴿ ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ﴾( ٤٣ : ٤٢ ) ومعنى ﴿ وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم( ٣٥ ) ﴾ : ما يلقاها إلا ذو نصيب وافر من الخير والتوفيق.
وكما تحدث كتاب الله فيما سبق عن قرناء السوء الذين يزينون لدعاة الباطل أعمالهم، والذين يوحون إليهم بمحاربة الحق وأهله، وبين موقف بعضهم من بعض في الدنيا والآخرة، تحدث كتاب الله أيضا عن ( أولياء ) أهل الحق، الذين يثبتون قلوبهم، ويسددون خطواتهم، ويعينونهم على التزام الحق، والدعوة إليه، وتحمل الأذى في سبيله، حتى لا يحزنوا ولا يخافوا، وبين كتاب الله أن هؤلاء الأولياء الذين يتولون دعاة الحق في الدنيا والآخرة هم من الملائكة المقربين، وأنهم يتنزلون عليهم، ويكونون بجانبهم في مختلف المواقف، ولا سيما في المواقف الحرجة التي قد تزل فيها الأقدام، وذلك قوله تعالى :﴿ إن الذين قالوا ربنا الله، ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم، ولكم فيها ما تدعون( ٣١ ) ﴾، أي : مهما طلبتم وجدتم، وحضر بين أيديكم كما اخترتم ﴿ نزلا من غفور رحيم( ٣٢ ) ﴾، أي : ضيافة وعطاء من غفور لذنوبكم، رحيم بكم، قال زيد بن أسلم في تفسير قوله تعالى :﴿ وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون( ٣٠ ) ﴾، أنهم يبشرون الداعي إلى الله عند موته، وفي قبره، وحين يبعث. قال ابن كثير :( وهذا القول يجمع الأقوال كلها، وهو حسن جدا ).
*م/
أما دعاة الباطل فمن شأنهم إغواء الخلق، وإغراؤهم على مقاومة الحق، وهم معتزون بالباطل الذي هم عليه، مصرون على التمسك به، لا يحاولون أن يعيدوا فيه النظر، ولا أن يستبدلوا به غيره أبدا، وبحكم الغواية التي اختاروا طريقها لا يجدون لهم أي أنس أو متعة في الحياة، إلا في معاشرة قرناء السوء ومتابعتهم، والثقة بوساوسهم في جميع الشؤون.
والشأن في ( قرناء السوء ) تشجيع قرينهم على الاندفاع في طريق الباطل، وإعانته على إعداد مشاريع السوء بالنسبة للحاضر والمستقبل، وتزيين جميع ما قام به في الماضي من الأعمال والمساعي المنكرة، واستحسانها ولو بلغت أقصى غاية في الانحراف والشذوذ، فهم لا يقدمون لقرينهم أي نصح، ولا ينيرون له أي طريق من طرق الخير، وإنما يزيدونه خبالا في الفكر، وعماءً في البصيرة، إلى أن يسقط في مهاوي الهلاك، وتحق عليه كلمة العذاب، وذلك قوله تعالى :﴿ وقيضنا لهم قرناء، فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم، وحق عليهم القول، في أمم قد خلت من قبلهم، من الجن والإنس، إنهم كانوا خاسرين( ٢٥ ) ﴾، على غرار قوله تعالى في آية أخرى ( ١١٢ : ٦ ) :﴿ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ﴾.
وأما دعاة الحق فمن شأنهم الإيمان بالله، والاستقامة على هداه، والثبات على شرائط الإيمان بجملتها، دون الإخلال بأي شيء منها، وضرب المثل الصالح لغيرهم، بممارسة الأعمال الصالحة، والدعوة إلى الله دون انقطاع، وهم لا يعتزون بغير الإسلام، ولا ينتمون إلى ما سواه من المذاهب والأقوام، ولا يلتزمون نحو غيره بأي التزام، وفي سبيل الدعوة التي يقومون بها ويمارسونها يتحملون الأذى بصدر رحب، فلا يقابلون الإساءة بمثلها، وإنما يدفعون الإساءة بالإحسان، وإن كانوا أبعد الناس عن وصف الضعف والهوان، وبذلك يؤثرون على النفوس الجامحة، فتسلس لهم قيادها، وتعود إلى رشدها، وذلك قوله تعالى :﴿ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا، وقال إنني من المسلمين( ٣٣ ) ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم( ٣٤ ) وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم( ٣٥ ) ﴾، قال ابن عباس في تفسير هذه الآية :( أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم )، وقال عمر بن الخطاب :( ما عاقبت من عصى الله فيك، بمثل أن تطيع الله فيه ) ومعنى ﴿ ادفع بالتي هي أحسن ﴾ادفع السيئة بالخصلة التي هي أحسن، فإذا أساء إليك أحد كانت ( الحسنة ) أن تعفو عنه ولا تعامله بالمثل، ( والتي هي أحسن ) : أن تحسن إليه مكان إساءته إليك، ومعنى ﴿ فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم( ٣٤ ) ﴾ : أنك إذا فعلت ذلك صافاك عدوي واقترب منك، وأشبه الولي الحميم، وهذا لا يستلزم أن يصير وليا مخلصا بالمرة، ومعنى قوله :﴿ وما يلقاها إلا الذين صبروا ﴾ ما يلقى هذه الخصلة ويقوم بحقها، أو ما يمتثل هذه الوصية ويعمل بها- وهي مقابلة الإساءة بالإحسان- إلا من تعود على الصبر في معاناة الخلق، على غرار قوله تعالى :﴿ ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ﴾( ٤٣ : ٤٢ ) ومعنى ﴿ وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم( ٣٥ ) ﴾ : ما يلقاها إلا ذو نصيب وافر من الخير والتوفيق.
وكما تحدث كتاب الله فيما سبق عن قرناء السوء الذين يزينون لدعاة الباطل أعمالهم، والذين يوحون إليهم بمحاربة الحق وأهله، وبين موقف بعضهم من بعض في الدنيا والآخرة، تحدث كتاب الله أيضا عن ( أولياء ) أهل الحق، الذين يثبتون قلوبهم، ويسددون خطواتهم، ويعينونهم على التزام الحق، والدعوة إليه، وتحمل الأذى في سبيله، حتى لا يحزنوا ولا يخافوا، وبين كتاب الله أن هؤلاء الأولياء الذين يتولون دعاة الحق في الدنيا والآخرة هم من الملائكة المقربين، وأنهم يتنزلون عليهم، ويكونون بجانبهم في مختلف المواقف، ولا سيما في المواقف الحرجة التي قد تزل فيها الأقدام، وذلك قوله تعالى :﴿ إن الذين قالوا ربنا الله، ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم، ولكم فيها ما تدعون( ٣١ ) ﴾، أي : مهما طلبتم وجدتم، وحضر بين أيديكم كما اخترتم ﴿ نزلا من غفور رحيم( ٣٢ ) ﴾، أي : ضيافة وعطاء من غفور لذنوبكم، رحيم بكم، قال زيد بن أسلم في تفسير قوله تعالى :﴿ وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون( ٣٠ ) ﴾، أنهم يبشرون الداعي إلى الله عند موته، وفي قبره، وحين يبعث. قال ابن كثير :( وهذا القول يجمع الأقوال كلها، وهو حسن جدا ).
*م/
أما دعاة الباطل فمن شأنهم إغواء الخلق، وإغراؤهم على مقاومة الحق، وهم معتزون بالباطل الذي هم عليه، مصرون على التمسك به، لا يحاولون أن يعيدوا فيه النظر، ولا أن يستبدلوا به غيره أبدا، وبحكم الغواية التي اختاروا طريقها لا يجدون لهم أي أنس أو متعة في الحياة، إلا في معاشرة قرناء السوء ومتابعتهم، والثقة بوساوسهم في جميع الشؤون.
والشأن في ( قرناء السوء ) تشجيع قرينهم على الاندفاع في طريق الباطل، وإعانته على إعداد مشاريع السوء بالنسبة للحاضر والمستقبل، وتزيين جميع ما قام به في الماضي من الأعمال والمساعي المنكرة، واستحسانها ولو بلغت أقصى غاية في الانحراف والشذوذ، فهم لا يقدمون لقرينهم أي نصح، ولا ينيرون له أي طريق من طرق الخير، وإنما يزيدونه خبالا في الفكر، وعماءً في البصيرة، إلى أن يسقط في مهاوي الهلاك، وتحق عليه كلمة العذاب، وذلك قوله تعالى :﴿ وقيضنا لهم قرناء، فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم، وحق عليهم القول، في أمم قد خلت من قبلهم، من الجن والإنس، إنهم كانوا خاسرين( ٢٥ ) ﴾، على غرار قوله تعالى في آية أخرى ( ١١٢ : ٦ ) :﴿ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ﴾.
وأما دعاة الحق فمن شأنهم الإيمان بالله، والاستقامة على هداه، والثبات على شرائط الإيمان بجملتها، دون الإخلال بأي شيء منها، وضرب المثل الصالح لغيرهم، بممارسة الأعمال الصالحة، والدعوة إلى الله دون انقطاع، وهم لا يعتزون بغير الإسلام، ولا ينتمون إلى ما سواه من المذاهب والأقوام، ولا يلتزمون نحو غيره بأي التزام، وفي سبيل الدعوة التي يقومون بها ويمارسونها يتحملون الأذى بصدر رحب، فلا يقابلون الإساءة بمثلها، وإنما يدفعون الإساءة بالإحسان، وإن كانوا أبعد الناس عن وصف الضعف والهوان، وبذلك يؤثرون على النفوس الجامحة، فتسلس لهم قيادها، وتعود إلى رشدها، وذلك قوله تعالى :﴿ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا، وقال إنني من المسلمين( ٣٣ ) ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم( ٣٤ ) وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم( ٣٥ ) ﴾، قال ابن عباس في تفسير هذه الآية :( أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم )، وقال عمر بن الخطاب :( ما عاقبت من عصى الله فيك، بمثل أن تطيع الله فيه ) ومعنى ﴿ ادفع بالتي هي أحسن ﴾ادفع السيئة بالخصلة التي هي أحسن، فإذا أساء إليك أحد كانت ( الحسنة ) أن تعفو عنه ولا تعامله بالمثل، ( والتي هي أحسن ) : أن تحسن إليه مكان إساءته إليك، ومعنى ﴿ فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم( ٣٤ ) ﴾ : أنك إذا فعلت ذلك صافاك عدوي واقترب منك، وأشبه الولي الحميم، وهذا لا يستلزم أن يصير وليا مخلصا بالمرة، ومعنى قوله :﴿ وما يلقاها إلا الذين صبروا ﴾ ما يلقى هذه الخصلة ويقوم بحقها، أو ما يمتثل هذه الوصية ويعمل بها- وهي مقابلة الإساءة بالإحسان- إلا من تعود على الصبر في معاناة الخلق، على غرار قوله تعالى :﴿ ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ﴾( ٤٣ : ٤٢ ) ومعنى ﴿ وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم( ٣٥ ) ﴾ : ما يلقاها إلا ذو نصيب وافر من الخير والتوفيق.
وكما تحدث كتاب الله فيما سبق عن قرناء السوء الذين يزينون لدعاة الباطل أعمالهم، والذين يوحون إليهم بمحاربة الحق وأهله، وبين موقف بعضهم من بعض في الدنيا والآخرة، تحدث كتاب الله أيضا عن ( أولياء ) أهل الحق، الذين يثبتون قلوبهم، ويسددون خطواتهم، ويعينونهم على التزام الحق، والدعوة إليه، وتحمل الأذى في سبيله، حتى لا يحزنوا ولا يخافوا، وبين كتاب الله أن هؤلاء الأولياء الذين يتولون دعاة الحق في الدنيا والآخرة هم من الملائكة المقربين، وأنهم يتنزلون عليهم، ويكونون بجانبهم في مختلف المواقف، ولا سيما في المواقف الحرجة التي قد تزل فيها الأقدام، وذلك قوله تعالى :﴿ إن الذين قالوا ربنا الله، ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم، ولكم فيها ما تدعون( ٣١ ) ﴾، أي : مهما طلبتم وجدتم، وحضر بين أيديكم كما اخترتم ﴿ نزلا من غفور رحيم( ٣٢ ) ﴾، أي : ضيافة وعطاء من غفور لذنوبكم، رحيم بكم، قال زيد بن أسلم في تفسير قوله تعالى :﴿ وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون( ٣٠ ) ﴾، أنهم يبشرون الداعي إلى الله عند موته، وفي قبره، وحين يبعث. قال ابن كثير :( وهذا القول يجمع الأقوال كلها، وهو حسن جدا ).
والثمن الأول من هذا الربع، وهو خاتمة سورة فصلت المكية، يتناول بالذكر موضوعات أربعة.
الموضوع الأول : ما ينفرد بعلمه علام الغيوب دون خلقه، من المغيبات.
الموضوع الثاني : ما يكون عليه الإنسان من أحوال مختلفة، ومشاعر متباينة، في ظروف الشدة والرخاء.
الموضوع الثالث : ما يكون عليه حال الذين كفروا بكتاب الله العزيز، من الحيرة والتردد.
الموضوع الرابع : ما وعد به الحق سبحانه وتعالى عند نزول القرآن، من الحقائق الكونية والنفسية المؤيدة للإيمان، التي سيكشف عنها لنبي الإنسان في مستقبل الأزمان.
الموضوع الأول : ما ينفرد بعلمه علام الغيوب دون خلقه، من المغيبات.
الموضوع الثاني : ما يكون عليه الإنسان من أحوال مختلفة، ومشاعر متباينة، في ظروف الشدة والرخاء.
الموضوع الثالث : ما يكون عليه حال الذين كفروا بكتاب الله العزيز، من الحيرة والتردد.
الموضوع الرابع : ما وعد به الحق سبحانه وتعالى عند نزول القرآن، من الحقائق الكونية والنفسية المؤيدة للإيمان، التي سيكشف عنها لنبي الإنسان في مستقبل الأزمان.
وفي الموضوع الثاني ورد وصف القرآن لأنانية الإنسان، وما هو عليه من شدة الإلحاح والمبالغة في طلب الخير لنفسه، فهو لا يسأم ولا يمل من دعاء ربه لطلب ( الخير )، والمراد ( بالخير ) هنا المال والصحة وما ناسبهما من المطالب العديدة المؤدية إلى السعادة حسبما يتخيلها الإنسان، كما ورد وصفه باليأس والقنوط عندما يمسه أدنى شر أو أذى، بحيث ينقلب في الحين متذمرا ساخطا، قلق الفكر، حرج الصدر، ويكثر من الدعاء والابتهال إلى أقصى حد، حتى إذا كشف الله عنه الضر وأذاقه رحمة من عنده أخذ حينئذ يتبجح ويتكبر، مستعليا بنفسه، معتزا بمكانته، مدعيا أن ما ناله من الخير بعد الشر إنما ناله عن جدارة واستحقاق، وأنه إنما وصل إليه بمقدرته الفائقة، وعبقريته النادرة المثال، وكأن لسان حاله ينفي أن يكون عليه فيما ناله أي فضل لله أو منة منه سبحانه، بل إنه ليبلغ به البله والبطر والغرور إلى حد أن ينسى نعمة الله عليه ويعرض عنه بالمرة، ويتصرف تصرف من لا يؤمن بقيام الساعة ولا ينتظرها مطلقا، وإذا مر بخاطره أن الساعة آتية – على سبيل الفرض عنده والتقدير- فإنه يعلن بكل تبجح وصفاقة وجه أنه حتى في هذه الحالة لن يكون إلا منعما مكرما، وأنه لن يجد عند ربه إلا الحسنى، لأنه عند نفسه وفي نظره القاصر يتمتع بامتيازات وحصانات خاصة من لدن الله، وهو في تقديره الخاص فوق القانون السماوي والعدل الإلهي، اللذين يسري مفعولهما على بقية الناس، وذلك ما ينطق به قوله تعالى :﴿ لا يسئم الإنسان من دعاء الخير، وإن مسه الشر فيئوس قنوط( ٤٩ ) ولئن أذقنه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي. وما أظن الساعة قائمة، ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى ﴾، ويؤكد قوله تعالى في نفس السياق :﴿ وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونئَاَ بجانبه، وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض( ٥١ ) ﴾.
الموضوع الأول : ما ينفرد بعلمه علام الغيوب دون خلقه، من المغيبات.
الموضوع الثاني : ما يكون عليه الإنسان من أحوال مختلفة، ومشاعر متباينة، في ظروف الشدة والرخاء.
الموضوع الثالث : ما يكون عليه حال الذين كفروا بكتاب الله العزيز، من الحيرة والتردد.
الموضوع الرابع : ما وعد به الحق سبحانه وتعالى عند نزول القرآن، من الحقائق الكونية والنفسية المؤيدة للإيمان، التي سيكشف عنها لنبي الإنسان في مستقبل الأزمان.
وفي الموضوع الثاني ورد وصف القرآن لأنانية الإنسان، وما هو عليه من شدة الإلحاح والمبالغة في طلب الخير لنفسه، فهو لا يسأم ولا يمل من دعاء ربه لطلب ( الخير )، والمراد ( بالخير ) هنا المال والصحة وما ناسبهما من المطالب العديدة المؤدية إلى السعادة حسبما يتخيلها الإنسان، كما ورد وصفه باليأس والقنوط عندما يمسه أدنى شر أو أذى، بحيث ينقلب في الحين متذمرا ساخطا، قلق الفكر، حرج الصدر، ويكثر من الدعاء والابتهال إلى أقصى حد، حتى إذا كشف الله عنه الضر وأذاقه رحمة من عنده أخذ حينئذ يتبجح ويتكبر، مستعليا بنفسه، معتزا بمكانته، مدعيا أن ما ناله من الخير بعد الشر إنما ناله عن جدارة واستحقاق، وأنه إنما وصل إليه بمقدرته الفائقة، وعبقريته النادرة المثال، وكأن لسان حاله ينفي أن يكون عليه فيما ناله أي فضل لله أو منة منه سبحانه، بل إنه ليبلغ به البله والبطر والغرور إلى حد أن ينسى نعمة الله عليه ويعرض عنه بالمرة، ويتصرف تصرف من لا يؤمن بقيام الساعة ولا ينتظرها مطلقا، وإذا مر بخاطره أن الساعة آتية – على سبيل الفرض عنده والتقدير- فإنه يعلن بكل تبجح وصفاقة وجه أنه حتى في هذه الحالة لن يكون إلا منعما مكرما، وأنه لن يجد عند ربه إلا الحسنى، لأنه عند نفسه وفي نظره القاصر يتمتع بامتيازات وحصانات خاصة من لدن الله، وهو في تقديره الخاص فوق القانون السماوي والعدل الإلهي، اللذين يسري مفعولهما على بقية الناس، وذلك ما ينطق به قوله تعالى :﴿ لا يسئم الإنسان من دعاء الخير، وإن مسه الشر فيئوس قنوط( ٤٩ ) ولئن أذقنه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي. وما أظن الساعة قائمة، ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى ﴾، ويؤكد قوله تعالى في نفس السياق :﴿ وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونئَاَ بجانبه، وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض( ٥١ ) ﴾.
الموضوع الأول : ما ينفرد بعلمه علام الغيوب دون خلقه، من المغيبات.
الموضوع الثاني : ما يكون عليه الإنسان من أحوال مختلفة، ومشاعر متباينة، في ظروف الشدة والرخاء.
الموضوع الثالث : ما يكون عليه حال الذين كفروا بكتاب الله العزيز، من الحيرة والتردد.
الموضوع الرابع : ما وعد به الحق سبحانه وتعالى عند نزول القرآن، من الحقائق الكونية والنفسية المؤيدة للإيمان، التي سيكشف عنها لنبي الإنسان في مستقبل الأزمان.
وفي الموضوع الثالث ورد استفسار القرآن الكريم للكافرين به، ماذا يكون عليه موقفهم عندما يتأكد لهم أنه من عند الله، ويجدون أنفسهم قد ضيعوا فرصة لن تعود، إذ كفروا به وأعرضوا عنه، ويدركون أنهم أخسر الناس صفقة، إذ كانوا أشد الناس ضلالا وخبالا، وذلك قوله تعالى :﴿ قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به، من أضل ممن هو في شقاق بعيد( ٥٢ ) ﴾.
الموضوع الأول : ما ينفرد بعلمه علام الغيوب دون خلقه، من المغيبات.
الموضوع الثاني : ما يكون عليه الإنسان من أحوال مختلفة، ومشاعر متباينة، في ظروف الشدة والرخاء.
الموضوع الثالث : ما يكون عليه حال الذين كفروا بكتاب الله العزيز، من الحيرة والتردد.
الموضوع الرابع : ما وعد به الحق سبحانه وتعالى عند نزول القرآن، من الحقائق الكونية والنفسية المؤيدة للإيمان، التي سيكشف عنها لنبي الإنسان في مستقبل الأزمان.
وفي الموضوع الرابع وعد كتاب الله المؤمنين خاصة وبني الإنسان عامة، بأن الحق الذي قامت على أساسه السماوات والأرضون، وقامت على أساسه عقيدة القرآن وشريعته وأخلاقه، سيزداد جلاء وظهورا بمرور الأيام، وأن الله تعالى سيرفع الحجاب عن الفكر الإنساني، وسيلهمه أن يكتشف من خفايا الطبيعة وخبايا النفس ما يكون سندا لذلك الحق، ودعامة للإيمان بخالق الخلق، وذلك قوله تعالى :﴿ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحق ﴾، وقد أنجز الله وعده لبني الإنسان، بمقتضى ما وعد به نزول القرآن، فكشف لهم خلال الأربعة عشر قرنا من ظهور الإسلام، ما لم تعرفه البشرية من قبل في عشرات القرون وآلاف السنين، ولا يزال باب الكشف مفتوحا بإذن الله، وفي كل كشف آية جديدة تدل على صدق كتاب الله.