ﰡ
وقوله :﴿ يس١ ﴾
حَدّثنا أبو العباس قال حدّثنا محمد قال حدّثنا الفَرّاء قال : حدّثَني شيخ من أهل الكوفة عن الحسن نفسِه قال : يس : يا رجل. وهو في العربيَّة بمنزلة حرف الهجاء ؛ كقولك : حم وأشباهها.
القراءة بوقف النون من يس. وقد سمعت من العرب من ينصبها فيقول :﴿ ياسينَ والقرآنِ الحكِيم ﴾ كأنه يجعلها متحركة كتحريك الأدوات إذا سكن ما قبلها ؛ مثل لَيْتَ وَلعلّ ينصبُ منها ما سَكنَ الذي يلي آخر حروفه. ولو خُفض كما خُفض جَيْرِ لا أفعلُ ذلكَ خُفضت لمكان اليَاء التي في جَيْرِ.
يكون خبراً بعد خبر : إنك لَمِن المرسلينَ، إنك على صراطٍ مُستقيم. ويكون : إنك لمن الذين أُرسِلوا على صراطٍ مستقيم على الاستقامة.
القراءة بالنصب، على قولك : حَقّاً إنك لَمِنَ المرسلينَ تنزيلاً حَقّاً. وقرأ أهل الحجاز بالرفع، وعاصم والأعمش ينصبانها. ومَن رفعها جَعَلَها خبراً ثالثاً : إنك لتنزيل العزيز الرحيم. ويكون رفعه على الاستئناف ؛ كقولك : ذلك تنزيل العزيز الرحيم ؛ كما قال ﴿ لَمْ يَلْبَثُوا إلاَّ سَاعةً مِنْ نَهارٍ بَلاَغٌ ﴾ أي ذلكَ بلاغ.
يقال : لتنذر قوما لم يُنذَر آباؤهم أي لم تنذرهم ولا أتاهم رسول قَبلك. ويقال : لتنذرهم بما أنذِر آباؤهم، ثم تُلقى البَاء، فيكون ( ما ) في موضع نصبٍ كما قال ﴿ أنْذَرْتكُم صاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وثَمُودَ ﴾.
فكنى عن هي، وهي للأيمان ولم تذُكر. وذلك أن الغُلّ لا يكون إلاّ باليمين، والعنق، جامِعاً لليمين، والعُنق، فيكفي ذِكر أحدهما مِن صَاحِبه، كَما قَالَ ﴿ فمنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أو إثما فأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ ﴾ فضمّ الوَرَثة إلى الوصيّ ولم يُذكروا ؛ لأن الصلح إنما يقع بين الوَصيّ والوَرَثة. ومثله قول الشاعر :
وما أدرى إذا يمّمت وجها | أُريد الخير أيُّهما يليني |
أَأَلخير الذي أَنا أبتغيه | أم الشرّ الذي لا يأتليني |
أما ما قدّموا فما أسلفوا من أعمالهم. وآثارُهُم ما اسْتُنّ به مِن بعدهم. وهو /١٥٦ ا مثل قوله ﴿ يُنَبَّأُ الإنْسانُ يَوْمَئذٍ بِما قَدَّمَ وَأخَّرَ ﴾.
وقوله ﴿ وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُّبِينٍ ﴾ القراء مجتمعون على نصب ( كُلّ ) لما وقع من الفعل على راجع ذكرها. والرفع وجه جيّد ؛ قد سمِعتُ ذلك من العرب ؛ لأن ( كُلّ ) بمنزلة النكرة إذا صحبها الجحد ؛ فالعرب تقول : هل أحد ضربته، وفي ( كلّ ) مِثْل هذا التأويل، ألا ترى أن مَعْناه : ما من شيء إلاّ قد أحصيناه.
والثالث قد كان أُرسل قبل الاثنين فكُذِّبَ. وقد تراه في التنزيل كأنه بعدهما. وإنما معنى قوله ﴿ فَعَزَّزْنا بِثَالِثٍ ﴾ : بالثالث الذي قبلهما ؛ كقولك : فعزَّزنا بالأوَّل. والتعزيز يقول : شدّدنا أمرهما بما علَّمهما الأوّل شمعون. وكانُوا أُرسِلُوا إلى أنطاكيَة. وهي في قراءة عبد الله ( فعَزَّزنا بالثالث ) لأنه قد ذكر في المرسلين، وإذا ذُكرت النكرة في شيء ثم أُعيدت خرجَت معرفةً كقولك للرجل : قد أعطيتك درهمين، فيقُول : فأين الدرهمان ؟ وقرأ عاصم ( فعَزَزْنا ) خفيفة. وهو كقولك : شدّدنا وشدَدنا.
يريد : لنقتلنكم. وعامّة ما كان في القرآن من الرجم فهو قتل، كقوله ﴿ وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ ﴾.
وقوله :﴿ أئن ذُكِّرْتُم ﴾ قراءة العَامَّة بالهمز وكسر أَلف ( إنْ ).
وقرأ أبو رَزِين - وكان من أصْحاب عبد الله - ﴿ أََأَنْ ذُكِّرتم ﴾ ومَن كسر قال ﴿ أئن ﴾ جَعَله جزاء أُدخِل عليه ألف استفهام. وقد ذُكر عن بعض القرّاء ( طائركم معكم أين ذُكِّرْتم ) و ﴿ ذُكِرتم ﴾ يريد : طائركم معكم حيثما كنتم. والطائر ها هنا : الأعمال والرزق. يقول : هو في أعناقكم. ومن جَعَلها ﴿ أَين ﴾ فينبغي له أن يخفّف ﴿ ذكرتم ﴾ وقد خَفّف أبو جَعفر المدنيّ ﴿ ذُكرتم ﴾ ولا أحفظ عنه ( أين ).
أي فاشهدُوا لي بذلكَ. يقوله حبِيب للرسل الثلاثة.
و( بما ) تكون في موضع ( الذي ) وتكون ( ما ) و ( غفر ) في موضع مصدر. ولو جَعلت ( ما ) في معنى ( أي ) كان صَواباً. يكون المعْنى : ليتهم يَعلمونَ بأي شيء غَفَر لي رَبِّى. ولو كان كذلك لجاز له فيه :﴿ بِمَ غَفَرَ لِي رَبِّي ﴾ بنُقصان الألف. كما تقول. سَلْ عَمَّ شئت، وكما : قال ﴿ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المُرْسَلُون ﴾ وقد أتمَّها الشاعر وهي استفهام فقال :
إنا قتلنا بقتلانا سَرَاتَكُمُ | أهلَ اللواء ففِيما يُكثَر القِيل |
نصبتها القراء، إلا أبا جعفر، فإنه رفعها، على ألاّ يُضمِر في ( كانت ) اسما. والنصب إذا أضْمرت فيها ؛ كما تقول : اذهب فليس إلاّ اللهُ الواحد القهارُ والواحدَ القهار، على هذا التفسير، وسمعت بعض العرب يقول لرجل يصفه بالخِبّ : لو لم يكن إلاّ ظِلُّه لخَابَّ ظِلُّه. والرفع والنصب جَائزان. وقد قرأت القراء ( إلاّ أنْ تكونَ تِجَارَةً حاضِرَةً ) بالرفع والنصب، وهذا مِن ذاكَ.
وقوله :﴿ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ﴾ وفي قراءة عبد الله ﴿ إنْ كانَتْ إلاَّ زَقْيَةً ﴾ والزَقْيَة والزَقْوة لغتان، يقال زَقَيت وَزَقوت. وأنشدني بعضهم وهو يذكر امرأة :
تلد غلاما عَارما يؤذيكِ | ولو زَقَوت كَزُقاء الدّيك |
المْعنَى : يا لها حَسْرةً على العباد. وقرأ بعضهم ظ :﴿ يا حسرةَ العباد ﴾ والمعنى في العربيّة واحد، والله أعلم. والعرب إذا دعت نكرة موصولة بشيء آثرت النصب، يقولون : يا رَجلا كريما أَقبِل، ويا راكباً على البعير أَقبل، فإذا أفردُوا رفعوا أكثر /١٥٦ ب مما ينصبون. أنشدني بَعضهم :
يا سيّدا ما أنت من سَيّدٍ *** موطّأ الأعقابِ رَحْبَ الذراع
قوَّال معروف وفعّاله *** نحار أُمات الرِّباع الرِّتَاع
أنشدنيه بعض بنى سُلَيم ( موطّأ ) بالرفع، وأنشدنيه الكسائي ( موطأ ) بالخفض، وأنشدني آخر :
ألا يَا قتيلاً ما قتيلَ بنى حِلْس *** إذا ابتلَّ أطرافُ الرماح من الدّعْسِ
ولو رفعت النكرة الموصولة بالصّفة كان صَوَاباً. قد قالت العرب :
يا دار غيّرها البلى تغييرا ***...
تريد : يأيَّتها الدار غيَّره، وسَمعت أبا الجراح يقول لرجلٍ : أَيا مَجْنُونُ مَجْنُونُ، إتباع، وسمعت من العرب : يا مهتمُّ بأمرنا لا تهتمّ، يريدون : يأيّها المهتمّ.
( كَمْ ) في موضع نصب من مكانين : أحدهما أَن توقع ﴿ يَرَوْا ﴾ على ﴿ كَمْ ﴾، وهي في قراءة عبد الله :( ألم يروا مَن أهلكنا ) فهذا وجه. والآخر أن توقع ﴿ أهلكنا ﴾ على ( كم ) وتجعله استفهاما. كما تقول : علمت كم ضربتَ غلامك. وإذا كان قبل مَن وأي وكم رَأيْت وما اشتُقّ منها، أو العِلْمُ وما اشتقّ منه وما أشبَه معناهما، جَازَ أن توقع ما بعدكم وأي ومن وأشباهها عَلَيها، كما قَالَ الله :﴿ لِنَعْلَمَ أي الحِزْبَيْنِ أحْصَى ﴾ ألا ترى أنك قد أبطلت العلم عن وقوعه على أي، ورفعت أيّا بأحصى. فكذلك تنصبُها بفعل لو وقع عليها.
وقوله :﴿ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ ﴾ فُتحت ألفها ؛ لأن المعْنَى : أَلم يروا أنهم إليهم لا يرجعون. وقد كسرها الحسن البصري، كأنه لم يوقع الرؤية على ( كم ) فلم يوقعها على ( أنّ ) وإنْ شئت كسرتها على الاسْتِئناف وجَعَلت كم مَنصوبَةً بوقوع يروا عليها.
شدّدها الأعمش وعاصم. وقد خفّفها قوم كثير منهم من قرَّاء أهل المدينة وبلغني أن علياً خفَفها. وهو الوجه ؛ لأنها ( ما ) أدخلت عَليها لام تكون جَوَاباً لإنْ ؛ كأنك قلت : وإن كلّ لجمع لدينا محضَرونَ. ولم يثقّلها مَن ثقّلها إلاَّ عن صَوَاب. فإن شئت أردت : وإن كل لِمَن ما جميع، ثم حُذفت إحدى الميمات لكثرتهنَّ ؛ كما قَالَ :
غداة طفَتْ عَلْماء بكرُ بن وائل | وعُجْنا صدورَ الخيل نحوَ تميم |
وفي قراءة عبد الله ﴿ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ﴾ وكلّ صَوَاب. والعرب تضمر الهاء في الذي ومَن وَما، وتظهرها. وكلّ ذلكَ صواب ﴿ وَما عَمِلَتْ ﴾ ( ما ) إن شئت في موضع خفضٍ : ليأكلوا منْ ثمره ومما عملت أيديهم. وإن شئت جعلتها جحداً فلم تجعل لها موضعاً. ويكون المعْنى : أنا جَعَلنا لهم الجنات والنخيل والأعناب ولم تعمله أيديهم ﴿ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ ﴾.
فإن قال قائل : ما قوله :﴿ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ ﴾ ؟ فإنما معناه : نسلخ عنه النهار : نرمى بالنهار عنه فتأتى الظلمة. وكذلك النهار يُسلخ منه الليل فيأتي الضوء. وهو عربيّ معروف، ألا ترى قوله :﴿ آتَيْناهُ آيَاتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها ﴾ أي : خرج منها وتركها، وكَذلكَ الليل والنهار.
إلى مقدار مجاريها : المقدار المستقر. من قال :﴿ لا مستقرّ لها ﴾ أو ﴿ لا مُسْتَقَرٌّ/ ١٥٧ لها ﴾ فهما وجهان حَسَنانِ، جعلها أبداً جاريةً. وأما أن يخفض المستقرَّ فلا أدرى ما هو.
الرفع فيه أعجب إلىّ من النصب، لأنه قال ﴿ وآيةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ ﴾ ثم جعل الشمس والقمر مُتبَعين لليل وهما في مذهبه آيات مثله. ومَن نصبَ أراد : وقدَّرنا القمر منازل، كما فعلنا بالشمس. فردّه على الهاء من الشمس في المعْنى، لا أنه أوقع عليه ما أوقع على الشمس. ومثله في الكلام : عبد الله يقوم وجَاريتَه يضربها، فالجارية مردودة على الفعل لا على الاسم، لذلكَ نصبناها ؛ لأنَّ الواو التي فيها للفعْل المتأخّر.
وقوله :﴿ كَالعُرجُونِ ﴾ والعُرْجون ما بين الشماريخ إلى النابت في النخلة. والقديم في هذا الموضع : الذي قد أتى عليه حول.
يقول : تطلع ليلا، ولا أن يسبق الليل النهار، يقول : ولا القمر له أن يطلُع نهاراً، أي لا يكون له ضَوء. ويقال : لا ينبغي للشمس أن تدرِك القمر فتُذْهِبَ ضوءه، ولا أن يسبق الليلُ النهار فيظلمه. وموضع ﴿ أَن تدْرِكَ ﴾ رفع.
إنما يخاطب أهل مكَّة، فجعَل الذرّية التي كانت مع نوح لأهل مكَّة ؛ لأنها أصْل لهم، فقال :﴿ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ هم أبناء الذُرِّيَّة.
من مثل فُلْك نوح ﴿ ما يَرْكَبُونَ ﴾ يقول : جعلنا لهم السُّفن مُثّلت على ذلكَ المثال. وهي الزواريق وأشباهها مما يركب فيه الناس. ولو قرأ قارئ : من مَثَلَه كان وَجْها يريد من مثاله : أسمعْ أحَداً قرأ به.
يقولُ : إلاَّ أن نفعل ذلك رحمة. وقوله :﴿ وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ ﴾ يقول : بقاء إلى أجَلٍ، أي : نرحمهم فنمتّعهم إلى حين.
من عذاب الآخرة ﴿ وَما خَلْفَكُمْ ﴾ من عذاب الدنيا مما لا تأمنونَ من عذاب ثَمُود ومَن مضَى.
جَواب للآية، وجواب لقوله ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُواْ ﴾ فلما أن كانوا معرضين عن كلّ آية كفي جوابُ واحدةٍ من ثنتين، لأن المعْنَى : وإذا قيل لهم : اتقُوا أعرضوا، وإذا أَتتهم آية أعرضوا.
قرأها يحيى بن وثّابٍ ﴿ يخْصِمُونَ ﴾ وقرأها عَاصِم ﴿ يَخِصَّمُون ﴾ ينصب اليَاء ويكسر الخاء. ويَجُوز نصب الخاء ؛ لأن التاء كانت تكون منصوبة فنقل إعْرابُها إلى الخاء. والكسر أكثر وأجود. وقرأها أهْل الحجاز ﴿ يَخْصّمونَ ﴾ يشدّدون ويجمعون بين ساكنين. وهي في قراءة أُبَىّ بن كعب ﴿ يَخْتَصِمونَ ﴾ فهذه حجّة لمن يشدد. وأما معنى يَحْيى بن وثّابٍ فيكون على مَعْنى يَفعَلونَ من الخُصومة كأنه قال : وهم يتكلّمون ويكون على وجهٍ آخر : وهم يخصمونَ : وهم في أنفسهم يخصِمُونَ من وعدهم الساعة. وهو وجه حسن أي : تأخذهم السَّاعة لأن المعنى : وهم عند أنفسهم يَغلبون من قال لهم : أن الساعة آتية.
يقول : لا يستطيعُ /١٥٧ ب بعضهم أن يوصى إلى بعضٍ. ﴿ وَلاَ إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ﴾ أي : لا يَرْجعونَ إلى أهْلهم قولاً. ويقال : لا يرجعون : لا يستطيعُون الرجوع إلى أهليهم من الأسواق.
يقال : إن الكلام انقطع عند المَرْقد. ثم قالت المَلائكة لهم :﴿ هَذَا ما وَعَدَ الرَّحْمانُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴾ ف ( هذا ) و ( ما ) في موضع رَفعٍ كأنك قلت : هذا وعد الرحمن. ويكون ﴿ مَن بَعَثَنا مِن مَّرْقَدِنا هَذَا ﴾ فيكون ( هذا ) من نعت المرقد خفضاً و ( ما ) في موضع رَفعٍ. بَعثكم وَعْدُ الرحمن. وفي قراءة عَبْد الله بن مسعود ﴿ مَنْ أَهَبَّنا من مرقدنا هَذا ﴾ والبَعْث في هَذَا الموضع كالاستيقاظ ؛ تقول : بعثت ناقتي فانبعثت إذا أَثارها.
وَ﴿ على الأرائك متكِئينَ ﴾ منصوباً على القطع. وفي قرَاءتنا رفع. لأنها منتهي الخبر.
وقوله ﴿ فِي ظُلَلٍٍ ﴾ أراد جمع ظُلُة وظُلَل. ويكون أيضاً ﴿ ظِلاَلاً ﴾ وهي جمع لظُلّة كما تقول : حُلَّة وَحُلَل فإذا كثرتْ فهي الحِلال. والجِلاَل والقِلاَل. ومن قال :﴿ فِي ظِلاَلٍ ﴾ فهي جمع ظلّ.
وفي قراءة عبد الله ﴿ سَلاَما قوْلاً ﴾ فمن رفع قال : ذلكَ لهم سلام قولا، أي لهم ما يدَّعون مُسَلّم خالص، أي هو لهم خالص، يجعله خَبراً لقوله ﴿ لَهُمْ ما يَدَّعُونَ ﴾ خالص. ورُفع على الاستئناف يريد ذلكَ لهم سَلام. ونَصْب القول إن شئت على أن يخرج من السَّلاَم كأنك قلت قاله قولاً. وإن شئت جَعلته نصباً من وقوله ﴿ لهم ما يدعون ﴾ [ قولاً ] كقولك : عِدَة من الله.
وفي قراءة عبد الله ( ولِتُكَلّمنا ) كأنه قال : نختم على أفواههم لتكلمنا. والواو في هَذا الموضع بمنزلة قوله ﴿ وَكَذِلِكَ نُرِى إبراهيمَ مَلَكُوتَ السَمَواتِ والأَرْضِ وَلِيَكُون ﴾.
قرَأ عاصِم والأعمش وحمزة ( ننكِّسْه ) بالتشديد وقرأ الحسن وأهل المدينة ( نَنْكُسْهُ ) بالتخفيف وفتح النون.
اجتمع القراء على فتح الرَّاء لأن المعنى : فمنها ما يركبون. ويقوّى ذلك أن عَائشة قرأت ( فَمِنْها رَكُوبَتُهم ) ولو قرأ قارئ :( فمنها رُكوبهم ) كما تقول : منها أكلهم وشربهم ورُكوبهم كان وجها.
ولم يقل : الخُضْر. وقد قال الله ﴿ مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ ﴾ ولم يقل : أخضر. والرَفْرف ذكر مثل الشجر. والشجر أشدّ اجتماعاً وأشبه بالواحِد من الرفرف ؛ ألا ترى اجتماعه كاجتماع العُشْب والحَصَى والتمر، وأنت تقول : هذا حَصىً أبيض وحَصىً أسود، لأنّ جمعه أكثر في الكلام مِن انفرادِ واحِده. ومثله الحنطة السمراء، وهي واحدة في لفظ جمع. ولو قيل حنطة سُمر كان صواباً ولو قيل الشجر الخُضْر كان صوابا كما قيل الحنطة السمراء وقد قال الآخر :
بهرجاب ما دام الأراك به خُضْراً ***...
فقال : خُضْراً ولم يَقل : أخضر. وكلّ صَوَاب. والشجر يؤنَّث ويذكر. قال الله ﴿ لآكِلوُنَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِئُونَ مِنْها البُطُون ﴾ فأنَّث. وقال ﴿ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ﴾ فذكَّر ولم يقل : فيها. وقال ﴿ فَإِذَا أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ ﴾ فذكّر.