تفسير سورة سورة يس من كتاب تفسير العز بن عبد السلام
المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام
.
لمؤلفه
عز الدين بن عبد السلام
.
المتوفي سنة 660 هـ
سورة يس مكية أو إلا آية ﴿ وإذا قيل لهم أنفقوا ﴾ :[ ٤٧ ].
ﰡ
١ - ﴿يس﴾ اسم للقرآن، أو لله - تعالى - أقسم به " ع "، أو فواتح من كلام الله - تعالى - افتتح بها كلامه، أو يا محمد وهو مأثور، أو يا إنسان بالحبشية أو السريانية، أو بلغة كلب، أو طيء.
٦ - ﴿ما أنذر آباؤهم﴾ كما أنذر آباؤهم فيكون عاماً، أو خاص بقريش أنذروا ولم ينذر آباؤهم قبلهم.
٧ - ﴿حَقَّ الْقَوْلُ﴾ وجب العذاب، أو سبق في علمي ﴿أكثرهم﴾ الذين عاندوا الرسول [صلى الله عليه وسلم] من قريش لم يؤمنوا، أو ماتوا على كفرهم، أو قتلوا عليه تحقيقاً لقوله ﴿فَهُمْ لا يؤمنون﴾.
﴿إِنّا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان فهم مقمحون (٨) وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون (٩) وسواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (١٠) إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرةٍ وأجرٍ كريمٍ (١١) إنا نحن نحىِ الموتى ونكتب ما قدموا وءاثرهم وكل شيءٍ أحصينه في إمامٍ مبينٍ (١٢) ﴾
٨ - ﴿أَغْلالاً﴾ شبّه امتناعهم من الهدى بامتناع المغلول من التصرف، أو همَّت طائفة منهم بالرسول [صلى الله عليه وسلم] فغُلّت أيديهم فلم يستطيعوا أن يبسطوا إليه يداً ﴿فِى أَعْنَاقِهِمْ﴾ عبّر عن الأيدي بالأعناق لأن الغل يكون في الأيدي، أو أراد حقيقة الأعناق لأن الأيدي تجمع بالأغلال إلى الأعناق " ع " ﴿إِلَى الأَذْقَانِ﴾ مجتمع اللحيين والأيدي تماسها، أو عَبَّر بها عن الوجوه لأنها منها ﴿مُّقْمَحُونَ﴾ المقمح الرافع رأسه الواضع يده على فيه، أو الطامح ببصره إلى موضع قدميه " ح " أو غض الطرف ورفع [الرأس مأخوذ] من [البعير] المقمح وهو الذي يرفع رأسه ويطبق أجفانه في الشتاء إذا ورد ماء، أو أن يجذب ذقنه إلى صدره ثم يرفعه من القمح وهو رفع الشيء [إلى الفم].
٩ - ﴿سَدّاً﴾ عن الحق، أو ضلالاً، أو ظلمة منعتهم من الرسول [صلى الله عليه وسلم] لما هموا به. قيل: السُّد بالضم ما صنعه الله وبالفتح ما صنعه الناس.
34
﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ﴾ بظلمة الكفر
﴿فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾ الهدى، أو بظلمة الليل فهم لا يبصرون الرسول [صلى الله عليه وسلم] لما هموا بقتله.
35
١١ - ﴿بِالْغَيْبِ﴾ بما يغيب عن الناس من شر عمله، أو بما غاب من عذاب الله - تعالى -.
١٢ - ﴿نُحْيِ الْمَوْتَى﴾ بالإيمان بعد الكفر، أو بالبعث للجزاء ﴿مَا قَدَّمُواْ﴾ من خير، أو شر ﴿وآثارهم﴾ ما ابتدءوا من سنة حسنة أو سيئة يعمل بها بعدهم، أو خطاهم إلى المساجد نزلت لما أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد فقال رسول [صلى الله عليه وسلم] " إن آثاركم تكتب " فلم يتحولوا ﴿إِمَامٍ﴾ اللوح المحفوظ، أو أم الكتاب، أو طريق مستقيم.
﴿وَاضْرِبْ لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون (١٣) إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون (١٤) قالوا ما أنتم إلا بشرٌ مثلنا ومآ أنزل الرحمن من شيءٍ إن أنتم إلا تكذبون (١٥) قالوا ربنا يعلم إنآ إليكم لمرسلون (١٦) وما علينآ إلا البلغ المبينُ (١٧) ﴾
﴿الْقَرْيَةِ﴾ إنطاكية اتفاقاً.
﴿ القرية ﴾ إنطاكية اتفاقا.
١٤ - ﴿اثنين﴾ شمعون ويوحنا، أو صادق ومصدوق " ع "، أو سمعان ويحيى
﴿فَعَزَّزْنَا﴾ فزدنا أو قوينا، أو شددنا " كانوا رسلاً من الله - تعالى -، أو
35
من الحواريين أرسلهم عيسى [١٥٦ - ب] / ".
36
١٧ - ﴿الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ بالإعجاز قيل: إنهم أحْيوا ميتاُ وأبرءوا زَمِناً.
﴿قَالُوَاْ إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهواْ لنرجمنكمْ وليمسنكم منا عذابٌ أليمٌ (١٨) قالوا طائركم معكمْ أئن ذكرتم بلْ أنتمْ قومٌ مسرفونَ (١٩) ﴾
١٨ - ﴿تَطَيَّرْنَا﴾ تشاءمنا، أو معناه إن أصابنا شر فهو من أجلكم تحذيراً من الرجوع عن دينهم ﴿لَنَرْجُمَنَّكُمْ﴾ بالحجارة، أو الشتم والأذى أو لنقتلنكم ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ القتل، أو التعذيب المؤلم قبل القتل.
١٩ - ﴿طَآئِرُكُم مَّعَكُمْ﴾ الشؤم إن أقمتم على الكفر إذا ذكِّرتم أو أعمالكم معكم إن ذكِّرتم بالله تطيرتم، أو كل من ذكَّركم بالله تطيرتم. ﴿مُّسْرِفُونَ﴾ في تطيركم، أو كفركم.
﴿وَجَاءَ من أقصَا المدينةِ رجلٌ يسعَى قالَ ياقومِ اتبعُوا المرسلينَ (٢٠) اتبعواْ من لاَّ يسئلكمْ أجراً وهم مهتدون (٢١) ومالِىَ لآ أعبدُ الذِي فطرنِى وإليهِ ترجعونَ (٢٢) ءأتخذُ من دونهِ ءالهةً إن يردنِ الرحمنُ بضرٍّ لاَّ تغنْ عنِّى شفاعتهمْ شيئاً ولاَ ينقذونِ (٢٣) إنِّى إذاً لفِى ضلالٍ مبينٍ (٢٤) إنِىءامنتُ بربكمْ فاسمعونِ (٢٥) ﴾
٢٠ - ﴿وَجَآءَ﴾ رجل هو حبيب النجار " ع "، أو كان إسكافاً أو قصاراً
36
علم نبوتهم لأنه كان مجذوماً زَمِناً فأبرءوه " ع "، أو لما دعوه قال أتأخذون على ذلك أجراً قالوا لا فآمن بهم وصدقهم.
37
٢٢ - ﴿وَمِاليَ لآ أَعْبُدُ الَّذِى فَطَرَنِى﴾ لما قالها وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه وهو يقول يا رب اهد قومي فإنهم لا يعلمون.
٢٥ - ﴿إني آمنت بِرَبِّكُمْ﴾ يا قوم، أو خاطب به الرسل ﴿فاسمعون﴾ فاشهدوا لي.
﴿قِيلَ ادخلِ الجنةَ قالَ ياليتَ قومِي يعلمونَ (٢٦) بمَا غفرَ لِى ربِّى وجعلنِى منَ المكرمينَ (٢٧) وما أنزلنَا علَى قومهِ من بعدهِ من جندٍ مِّنَ السمآءِ ومَا كنَّا منزلينَ (٢٨) إن كانتْ إلاَّ صيحةً واحدةً فإذَا همْ خمِدُونَ (٢٩) ﴾
٢٦ - ﴿يا ليت قَوْمِى يَعْلَمُونَ﴾ تمنى أن يعلموا حُسن عاقبته، أو تمنى ذلك ليؤمنوا كإيمانه فيصيروا إلى ما صار إليه فنصحهم حياً وميتاً " ع ".
٢٨ - ﴿مِن جُندٍ﴾ أي رسالة لأن الله - تعالى - قطع عنهم الرسل لما قتلوا رسله، أو الملائكة الذين ينزلون الوحي على الأنبياء.
٢٩ - ﴿صَيْحَةَ﴾ عذاباً، أو صاح بهم جبريل عليه السلام صيحة ليس لها مثنوية.
{يَاحَسْرَةً علَى العبادِ ما يأتيهِم مِّن رَّسولٍ إلاَّ كانواْ يستهزءونَ (٣٠) ألمْ يرواْ كمْ أهلكنَا
37
قَبلهم مِّنَ القرونِ أنهمْ إليهمْ لاَ يرجعونَ (٣١) وإن كلٌّ لمَّا جميعٌ لدينَا محضرونَ (٣٢) }
38
٣٠ - {يا حسرةً) يا حسرة العباد على أنفسهم، أو يا حسرتهم على الرسل الثلاثة أو حلوا محل من يُتحسر عليه " ع " والحسرة بعد معاناة العذاب، أو في القيامة " ع ".
٣٢ - ﴿محضرون﴾ معذبون، أو مبعوثون.
﴿وَءَايةٌ لهمُ الأرضُ الميتةُ أحييناهَا وأخرجنَا منهَا حبًّا فمنهُ يأكلونَ (٣٣) وجعلنَا فيهَا جنَّتٍ مِّن نَّخيلٍ وأعنابٍ وفجَّرنَا فيهَا منَ العيونِ (٣٤) ليأكلواْ من ثمرِهِ ومَا عملتْهُ أيديهمْ أفلاَ يشكرونَ (٣٥) سبحانَ الذِي خلقَ الأزواجَ كلهَا ممَّا تنبتُ الأرضُ ومنْ أنفسهمْ وممَّا لا يعلمونَ (٣٦) ﴾
٣٥ - ﴿وما عَمِلَتْ﴾ ومما عملت، أو وما لم تعمله أيديهم من الأنهار التي أجراها الله - تعالى - لهم كالفرات ودجلة والنيل ونهر بلخ، أو وما لم تعمله أيديهم من الزرع الذي أنبته الله - تعالى - لهم.
٣٦ - ﴿الأَزْوَاجَ﴾ " ع " الأصناف، أو الذكر والأنثى ﴿مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ﴾ النخل والشجر والزرع من كل صنف وزوج ﴿ومما لا يعلمون﴾ الأرواح.
﴿وَءَايَةٌ لهمُ اليلُ نسلخُ منهُ النهارَ فإذَا هم مظلمونَ (٣٧) والشمسُ تجرِي لمستقرٍّ لهَا ذلكَ تقديرُ العزيزِ العليمِ (٣٨) والقمرَ قدرناهُ منازلَ حتَّى عادَ كالعرجونِ القديمِ (٣٩) لا الشمسُ ينبغِي لهَآ أن تدركَ القمرَ ولاَ اليلُ سابقُ النهارِ وكلٌّ في فلكٍ يسبحونَ (٤٠) ﴾
٣٧ - ﴿نَسْلَخُ﴾ نخرج من سلخ الشاة إذا أخرجت من جلدها ﴿مُّظْلِمُونَ﴾ داخلون في الظلمة.
٣٨ - ﴿لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا﴾ انتهاء أمرها عند انتهاء الدنيا، أو لوقت واحد لا تعدوه، أو أبعد منازلها إلى الغروب وقرأ ابن عباس - رضي الله عنهما - لا مستقر لها أي لا قرار ولا وقوف.
٣٩ - ﴿قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ﴾ يطلع كل ليلة في منزلة ﴿كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ قنو النخل اليابس وهو العذق أو النخل إذا انحنى حاملاً " ع ".
٤٠ - ﴿أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ﴾ " لكلٍّ حد وعلَم " لا يعدوه ولا يقصر دونه ويُذهب سلطان كل واحد منهما مجيء الآخر، أو لا يدرك أحدهما ضوء الآخر، أو لا يجتمعان في السماء ليلة الهلال خاصة، أو إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر " ع "، أو لا تدركه ليلة البدر خاصة لأنه يبادر بالغروب قبل طلوعها
﴿سَابِقُ النَّهَارِ﴾ لا يتقدم الليل [١٥٧ / أ] / قبل كمال النهار، أو لا يأتي
39
ليلتين متصلتين من غير نهار فاصل
﴿وَكُلٌّ﴾ الشمس والقمر والنجوم
﴿فِى فَلَكٍ﴾ بين الأرض والسماء غير ملتصقة بالسماء
﴿يسبحون﴾ يعملون، أو يجرون " ع "، أو يدورون كما يدور المغزل في الفلكة.
﴿وَءَايةٌ لهمْ أنا حملنَا ذريتهمْ في الفلكِ المشحونِ (٤١) وخلقنَا لهم من مثلهِ مما يركبونَ (٤٢) وإن نشأْ نغرقهمْ فلاَ صريخَ لهمْ ولاَ همْ ينقذونَ (٤٣) إلاَّ رحمةً مِّنَّا ومتاعاً إلى حينٍ (٤٤) ﴾
40
٤١ - ﴿ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ آباءهم لأن منهم ذرى الأبناء والفلك: سفينة نوح أو الأبناء والنساء لأنهم ذرءوا الآباء حملوا في الفلك: وهي السفن الكبار أو النطف حملها الله - تعالى - في بطون النساء تشبيهاً بالفلك قاله علي - رضي الله تعالى عنه - ﴿الْمَشْحُونِ﴾ الموقر، أو المملوء.
٤٢ - ﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ﴾ خلقنا مثل سفينة نوح من السفن ما يركبونه " ع "، أو السفن الصغار خلقها كالكبار، أو سفن الأنهار كسفن البحار، أو الإبل تركب في البر كما تركب السفن في البحر " ح " والعرب يشبهون الإبل بالسفن.
٤٣ - ﴿فَلا صَرِيخَ﴾ فلا مغيث، أو لا منعة ﴿يُنقَذُونَ﴾ من الغرق، أو العذاب.
٤٤ - ﴿إِلا رَحْمَةً﴾ نعمة، أو إلا برحمتنا
﴿إِلَى حين﴾ الموت، أو القيامة
{وَإِذَا قيلَ لهمُ اتقواْ ما بينَ أيديكمْ ومَا خلفكمْ لعلكمْ ترحمونَ (٤٥) ومَا تأتيهم مِّنْ ءايةٍ مِّنْ ءاياتِ ربهمْ إلاَّ كانواْ عنهَا معرضينَ (٤٦) وإذَا قيلَ لهمْ أنفقواْ ممَّا رزقكُمُ اللهُ قالَ الَّذينَ
40
كفرواْ للذينَ ءامنوآْ أنطعمُ من لوْ يشاءُ اللهُ أطعمهُ إنْ أنتُمْ إلاَّ فِي ضلالٍ مُّبينٍ (٤٧) }
41
٤٥ - ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ﴾ ما مضى من ذنوبكم وما خلفكم ما يأتي من الذنوب، أو ما بين أيديكم من الدنيا وما خلفكم عذاب الآخرة، أو ما بين أيديكم من الدنيا وما خلفكم عذاب الآخرة، أو ما بين أيديكم عذاب [الله لمن تقدم] كعاد وثمود وما خلفكم أمر الساعة وجواب هذا الكلام أعرضوا.
٤٦ - ﴿من آية﴾ من كتاب الله، أو من رسوله، أو من معجزة.
٤٧ - ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ اليهود أمروا بإطعام الفقراء فقالوا ذلك " ح " أو الزنادقة أو مشركو قريش جعلوا لأصنامهم سهماً من أموالهم فلما سألهم الفقراء أجابوهم بذلك. ﴿إِنْ أَنتُمْ إِلا في ضلال﴾ قول الكفار لمن أمرهم بالإطعام، أو قول الله للكفار لما ردوا هذا الجواب.
﴿وَيَقُولُونَ متَى هذَا الوعدُ إن كنتمْ صادقينَ (٤٨) ما ينظرونَ إلاَّ صيحةً واحدةً تأخذهُمْ وَهُمْ يخصِّمُونَ (٤٩) فلا يستطيعونَ توصيةً ولآَ إلَى أهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠) ﴾
٤٨ - ﴿هَذَا الْوَعْدُ﴾ من العذاب، أو ما وعدوا به من الظفر بهم.
٤٩ - ﴿صَيْحَةً﴾ النفخة الأولى ينتظرها آخر هذه الأمة من المشركين ﴿يَخْصِّمُونَ﴾ يتكلمون، أو يخصِّمون في دفع النشأة الثانية.
٥٠ - ﴿تَوْصِيَةً﴾ أن يوصي بعضهم إلى بعض بما في يديه من حق.
﴿إِلَى أَهْلِهِمْ﴾ منازلهم.
{وَنُفِخَ في الصُّورِ فإذَا هُم مِّنَ الأجْدَاثِ إلى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (٥١) قالواْ يوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن
41
مَّرْقَدِنَا هذَا مَا وَعَدَ الرحْمَنُ وَصَدقَ المُرْسَلُونَ (٥٢) إن كانَتْ إلاَّ صيحةً واحدةً فإذَا هُمْ جميعٌ لَّديْنَا مُحْضَرُونَ (٥٣) فَالْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نفسٌ شَيْئاً ولاَ تَجْزَوْنَ إلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُون (٥٤) }
42
٥١ - ﴿ونُفِخ فِى الصُّورِ﴾ نفخة البعث يبعث بها كل ميت والأولى يموت بها كل حي وبينهما أربعون سنة والنفخة الثانية من الآخرة والأولى من الدنيا، أو الآخرة " ح " ﴿الأَجْدَاثِ) {القبور﴾ (ينسلون} يخرجون، أو يسرعون.
٥٢ - ﴿قالوا يا ويلنا﴾ يقوله المؤمنون ثم يجيبون أنفسهم فيقولون: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾ أو يقوله الكفار فيقول لهم المؤمنون، أو الملائكة ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن﴾.
﴿إِنَّ أَصْحَبَ الجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَكِهُونَ (٥٥) هُمْ وَأَزْوَجُهُمْ فِي ظِلَلِ علَى الأرآئِكِ مُتَّكِئُونَ (٥٦) لهمْ فيهَا فَكِهةٌ ولهُم مَّا يدَّعُونَ (٥٧) سَلَمٌ قوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحيمٍ (٥٨) ﴾
٥٥ - ﴿شُغُلٍ﴾ عما يلقاه أهل النار، أو افتضاض الأبكار، أو الطرب أو النعمة
﴿فَاكِهُونَ﴾ وفكهون واحد كحذر وحذر، أو الفكه الذي يتفكه بالطعام [أو بأعراض] الناس والفاكه ذو الفاكهة وها هنا فرحون " ع "، أو ناعمون، أو
42
معجبون، أو ذو فاكهة كشاحم [ولا حم ولابن] وتامر.
43
٥٧ - ﴿مَّا يَدَّعُونَ﴾ يشتهون، أو يسألون، أو يتمنون، أو يدعونه [١٥٧ / أ] / فيأتيهم مأخوذ من الدعاء.
٥٨ - ﴿سَلامٌ﴾ تسليم الرب عليهم إكراماً لهم، أو تبشيره لهم بالسلامة.
﴿وامتَزُواْ اليومَ أيُّهَا المجرمونَ (٥٩) ألمْ أعهدْ إليْكُمْ يَبَنِىءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إنَّهُ لكُمْ عدُوٌّ مُّبِينٌ (٦٠) وأنِ اعبدونِى هذَا صراطٌ مُّستقِيمٌ (٦١) ولقدْ أضلَّ مِنكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تكونُواْ تَعْقِلُونَ (٦٢) ﴾
٦٢ - ﴿جبلا﴾ جموعاً، أو أمماً، أو خلقاً.
﴿هَذِهِ جهنَّمُ الَّتِي كنتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اصْلَوْهَا اليَوْمَ بِمَا كنتُمْ تكفرُونَ (٦٤) اليَوْمَ نختمُ علَى أفواههِمْ وتُكَلِّمُنآ أيديهمْ وتشهدُ أرجُلُهُم بِمَا كانُواْ يكْسِبُونَ (٦٥) وَلَوْ نشآءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فاستَبَقُواْ الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦) وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَهُمْ علَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا استْطَاعُواْ مُضِيًّا وَلاَ يَرْجِعُونَ (٦٧) ﴾
٦٥ - ﴿نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ﴾ ليعرفهم أهل الموقف فيتميزون منهم، أو لأن إقرار غير الناطق وشهادته أبلغ من إقرار الناطق، أو ليعلم أن أعضاءه التي أعانته في حق نفسه من المعصية صارت شهوداً عليه في حق الله، أو إذا قالوا
﴿والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٢٣] ختم على أفواههم حتى نطقت جوارحهم
﴿وَتُكَلِّمُنَآ﴾ نطقاً، أو يظهر منها ما يقوم مقام الكلام، أو إن الموكلين
43
بها يشهدون عليها. وسمي كلام الأرجل شهادة لأن العمل باليد والرجل حاضرة وقول الحاضر على غيره شهادة وقول الفاعل على نفسه إقرار فعبّر عما صدر عن الأيدي بالكلام وعما صدر عن الأرجل بالشهادة قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] :" أول عظم [من الإنسان] يتكلم فخذه من الرجل اليسرى.
44
٦٦ - ﴿لَطَمَسْنَا﴾ أعمينا أبصار المشركين في الدنيا فضلوا عن الطريق فلا يبصرونه أو أعمينا قلوبهم فضلوا عن الحق فلا يهتدون إليه " ع " والمطموس الذي لا يكون بين عينيه شق مأخوذ من طمس الأثر.
٦٧ - ﴿لَمَسَخْنَاهُمْ﴾ أقعدناهم على أرجلهم فلا يستطيعون تقدماً ولا تأخراً، أو لأهلكناهم في مساكنهم " ع "، أو لغيرنا خلقهم فلا ينتقلون ﴿فَمَا اسْتَطَاعُواْ﴾ لو فعلنا ذلك تقدماً ولا تأخراً أو ما استطاعوا مضياً في الدنيا ولا رجوعاً فيها.
﴿وَمَن نُّعمِّرْهُ ننكِّسْهُ في الخَلْقِ أفلاَ يَعْقِلُونَ (٦٨) ومَا علَّمنهُ الشِّعْرَ ومَا ينبغِي لهُ إنْ هُوَ إلاَّ ذكرٌ وقرْءَانٌ مُّبينٌ (٦٩) لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حيًّا ويحقَّ القوْلُ عَلَى الكَفِرينَ (٧٠) ﴾
٦٨ - ﴿نُّعَمِّرْهُ﴾ ببلوغ الهرم، أو ثمانين سنة ﴿نُنَكِّسْهُ﴾ نرده إلى الضعف وحالة الصغر لا يعلم شيئاً، أو نغير سمعه وبصره وقواه ﴿أَفَلا يَعْقِلُونَ﴾ أن فاعل هذا قادر على البعث.
٧٠ - ﴿لتنذر﴾ يا محمد وبالياء القرآن ﴿حَيّاً﴾ عاقلاً، أو مؤمناً، أو مهتدياً، أو حي القلب والبصر ﴿ويحق القول﴾ يجب العذاب.
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أنَّا خلقْنَا لهُم مِّمَّا عملتْ أيدينآ أنعاماً فَهُمْ لَهَا مَلِكُونَ (٧١) وذلَّلْنها لهمْ فَمِنْهَا ركُوبُهُمْ ومنْهَا يَأْكُلُونَ (٧٧) ولَهُمْ فيهَا مَنَفِعُ ومشَارِبُ أَفَلاَ يشْكُرُونَ (٧٣) ﴾
٧١ - ﴿ما عَمِلَتْ أَيْدِينَآ﴾ من فعلنا من غير أن نكله إلى غيرها، أو بقوتنا ﴿والسماء بنيناها بأيد﴾ [الذاريات: ٤٧] ﴿مَالِكُونَ﴾ [ضابطون]، أو مقتنون، أو مطيقون.
٧٢ - ﴿رَكُوبُهُمْ﴾ الدابة التي تصلح للركوب.
٧٣ - ﴿منافع﴾ لباس أصوافها ﴿ومشارب﴾ ألبانها.
﴿وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ ءالِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ (٧٤) لاَ يستطيعونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ (٧٥) فلاَ يحزُنكَ قوْلُهُمْ إنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (٧٦) ﴾
٧٥ - ﴿جُندٌ﴾ شيعة، أو أعوان أي المشركون جند الأصنام ﴿مُحْضَرُونَ﴾ في النار، أو عند الحساب، أو في الدفع عن الأصنام وهي لا تدفع عنهم. قال قتادة: كانوا في الدنيا يغضبون لآلهتهم إذا ذُكرت بسوء وآلهتهم لا تنصرهم.
﴿أَوَلَمْ يَرَ الإنسانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِىَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْىِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكمُ مِّنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠) ﴾
٧٧ - ﴿أو لم يَرَ الإِنسَانُ﴾ أُبي بن خلف جادل في البعث، أو العاص بن وائل أخذ عظماً من البطحاء ففته بيده ثم قال يا محمد: أيحيي هذا الله بعد ما بلى. قال: نعم يميتك الله ثم يحييك ثم يدخلك جهنم فنزلت " ع " ﴿خَصِيمٌ﴾ مجادل ﴿مُّبِينٌ﴾ حجة، يجوز أنُ يذكِّره بذلك نعمه، أو يدله به على قدرته على البعث.
٨٠ - ﴿مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ﴾ الذي قدر على إخراج النار من الشجر مع ما بينهما من التضاد قادر على البعث. قيل تُقدح النار من كل شجر إلا العناب [١٥٨ / أ] / وقيل الشجر محمد [صلى الله عليه وسلم] والنار الهدى والنور الذي جاء به
﴿تُوقِدُونَ﴾ تقتبسون الدين.
46
﴿أَوَلَيْسَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَتِ وَالأَرْضَ بِقَدِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّقُ الْعَلِيمُ (٨١) إنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَأدَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحَنَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣) ﴾
47
٨٢ - ﴿أَن يَقُولَ لَهُ كُن﴾ بأمره فيوجد، أو ليس في كلامهم أخف ولا أسرع من كن فجعلها مثلاً لأمره في السرعة.
٨٣ - ﴿مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ﴾ خزائنه، أو ملكه وفيه مبالغة.
47
سورة الصافات
مكية اتفاقاً
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًا (١) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (٢) فالتَّاليات ذِكْرا (٣) إنَّ إلهكم لواحدٌ (٤) رَّبُّ السَمواتِ والأرضِ وَما بينهما وربُّ المشَارِقِ (٥) ﴾
48