ﰡ
قوله: (المحكم) أي المتقن الذي هو في أعلى طبقات البلاغة. وقوله: (متعلق بما قبله) أي بالمرسلين، ويصح أن يكون خبراً ثانياً لأن، كأنه قيل: إنك لمن المرسلين، إنك على صراط مستقيم. قوله: (أي طريق الأنبياء قبلك) أي وقولهم: إن شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسخ لجميع الشرائع، فهو باعتبار الفروع، وأما الأصول فالكل مستوون فيها، ولا يتعلق بها نسخ. قال تعالى:﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً ﴾[الشورى: ١٣] الآية، وقال تعالى:﴿ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ ﴾[الأنعام: ٩٠].
قوله: (وغيره) أي إن واللام والجملة الاسمية. قوله: (خبر مبتدأ مقدر) هذا أحد وجهين في الآية، والآخر النصب على أنه مفعول لمحذوف أي امدح، أو مفعول مطلق لتنزل، القراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ لِتُنذِرَ قَوْماً ﴾ أي العرب وغيرهم. قوله: (في زمن الفترة) هو بالنسبة للعرب، ما بين إسماعيل ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وبالنسبة لغيرهم، ما بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام. قوله: ﴿ فَهُمْ غَافِلُونَ ﴾ مرتب على نفي الإنذار، وقوله: (أي القوم) تفسير للضمير، ويصح أن يكون الضمير راجعاً للفريقين هم وآباؤهم.
قوله: ﴿ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ ﴾ أي أكثر المكلفين من كل زمن، فالأقل متحتم إيمانه، والأكثر متحتم كفره، وتقدم لنا في سورة الأنعام، أن الأقل واحد من ألف. قوله: ﴿ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ ﴾ تفريع على ما قبله، وأشار بذلك إلى أن الإيمان والكفر بتقدير الله، فمن طبعه على أحدهما، فلا يستطيع التحول عنه، وإنما الأمر بالإيمان، باعتبار التكليف الظاهري والنوع الاختياري، ومن هنا قول بعض العارفين: الكل تقدير مولانا وتأسيسه فاشكر لمن قد وجب حمده وتقديسهوقل لقلبك إذا زادت وساوسه إبليس لما طغى من كان إبليسهقوله: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً ﴾ قيل: نزلت في أبي جهل بن هشام وصاحبيه المخزوميين، وذلك أن أبا جهل حلف، لئن رأى محمداً يصلي، ليرضخن رأسه بحجر، فلما رآه ذهب فرفع حجراً ليرميه، فلما أومأ إليه، رجعت يداه إلى عنقه، والتصق الحجر بيديه، فلما عاد إلى أصحابه، أخبرهم بما رأى، فقال الرجل الثاني، وهو الوليد بن المغيرة: أنا أرضخ رأسه، فأتاه وهو يصلي على حالته ليرميه بالحجر، فأعمى الله بصره، فجعل يسمع صوته ولا يراه، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه، فقال الثالث: والله لأشدخن رأسه، ثم أخذ الحجر وانطلق، فرجع القهقري ينكص على عقبيه، حتى خر على قفاه مغشياً عليه، فقيل له: ما شأنك؟ قال شأني عظيم، رأيت الرجل فلما دنوت منه، فإذا فحل يخطر بذنبيه، ما رأيت قط فحلاً أعظم منه حال بيني وبينه، فواللات والعزى لو دنوت منه لأكلني، فأنزل الله تعالى تلك الآية، وفيها إشارة إلى ما يحصل لهم في جهنم من السلاسل والأغلال وعمى أبصارهم، وفيها أيضاً استعارة تمثيلية، حيث شبه حالهم في امتناعهم من الهدى والإيمان، بحال من غلت يده في عنقه وعمي بصره، بجامع أن كلاً ممنوع من الوصول إلى المقصود، فتحصل أن الآية دالة على الأمور الثلاثة: سبب النزول، وما يحصل لهم في الآخرة، وتمثيل لمنعهم من الهدى. قوله: (بأن تضم إليها الأيدي) جعل المفسر هذا، توطئة لإرجاع الضمير للأيدي في قوله: ﴿ فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ ﴾ كأنه قال: الأيدي، وإن لم يتقدم لها ذكر صراحة، فهي مذكورة ضمناً في قول الأغلال، لأن الغل يدل عليها. قوله: (مجموعة) قدره إشارة إلى أن قوله: ﴿ إِلَى ٱلأَذْقَانِ ﴾ متعلق بمحذوف، ولو قدره مرفوعة لكان أظهر، وذلك أن اليد ترفع تحت الذقن، ويلبس الغل في العنق، فتضم اليد إليها تحت الذقن، فحينئذ لا يستطيعون خفض رأس ولا التفاتاً. قوله: (وهذا تمثيل) أي استعارة تمثيلية للمعنى المذكور، وفيه إشارة إلى سبب النزول، وإلى ما يحصل لهم في الآخرة كما علمت. قوله: (بفتح السين وضمها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ فَأغْشَيْنَاهُمْ ﴾ هو بالغين المعجمة في قراءة العامة، أي عطينا أبصارهم، وقرئ شذوذاً بالعين المهملة من العشا، وهو عدم الإبصار ليلاً. والمعنى: أضعفنا أبصارهم عن الهدى كعين الأعشى. قوله: (تمثيل) أي استعارة تمثيلية، حيث شبه حالهم في سد طرق الإيمان عليهم ومنعهم منه، بحال من سدت عليه الطرق، وأخذ بصره بجامع أن كلاً لا يهتدي لمقصوده.
إن قلت: إن الكتابة متقدمة قبل الإحياء، إذ هي في الدنيا والإحياء يكون في الآخرة. أجيب بأنه قدم الإحياء اعتناء بشأنه، إذ لولاه لما ظهرت ثمرة الكتابة. قوله: (في اللوح المحفوظ) المناسب أن يقول في صحف الملائكة، لأن الكتابة التي تكون في حياة العباد، إنما هي في صحف الملائكة، وأما اللوح، فقد كتب فيه ذلك قبل وجود الخلق. قوله: (ما استن به بعدهم) أي من خير: كعلم علموه، أو كتاب صنفوه، أو نخل غرسوه، أو وقف حبسوه، أو غير ذلك، أو شر: كمكس رتبوه، أو ضلالة أحدثوها، أو غير ذلك، لما في الحديث:" من سن سنة حسنة فعمل بها من بعده، كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من وزرهم شيء "قوله: (نصبه بفعل يفسره) إلخ، أي فهو من باب الاشتغال.
قوله: ﴿ لَمُرْسَلُونَ ﴾ جمع باعتبار الثالث. قوله: (أي رسل عيسى) هذا هو المشهور، وقيل: إنهم رسل من الله من غير واسطة عيسى؛ أرسلوا إلى أصحاب هذه القرية. قوله: (بدل من إذ الأولى) أي بدل مفصل من مجمل. قوله: (بالتخفيف والتشديد) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ ﴾ أكدوا كلامهم بأن التقدم انكارهم بتكذيب الاثنين، وتكذيبهما تكذيب للثالث لاتحاد مقالتهم. قوله: قالوا: ﴿ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ﴾ أي فلا مزية لكم علينا. قوله: (جار ومجرى القسم) أي فيؤكد به كالقسم، ويجاب كما يجاب به القسم. قوله: لزيادة الإنكار أي حيث تعددت ثلاث مرات. قوله: (وهي إبراء الأكمه) أي الأعمى. قوله: ﴿ قَالُوۤاْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ﴾ التطير اتفاؤل، سمي بذلك لأنهم كانوا يتفاءلون بالطير، إذا أرادوا سفراً أو غيره، فإن ذهب ميمنة قالوا خير، وإن ذهب ميسرة قالوا شر. قوله: (لانقطاع المطر عنا بسببكم) قيل: حبس عنهم المطر ثلاث سنين فقالوا: هذا بشؤمكم. قوله: (لام قسم) أي وقد حنثوا فيه، لأن الله أهلكم، قبل أن يفعلوا بهم ما حلفوا عليه. قوله: (بكفرهم) الباء سببية أي طائركم حاصل معكم، بسبب كفركم وعنادكم. قوله: (وإدخال ألف) أي وتركه، فالقراءات أربع سبعيات. قوله: (وجواب الشرط محذوف) أي على القاعدة، وهي أنه إذا اجتمع استفهام وشرط، أتى بجواب الاستفهام، وحذف جواب الشرط، وهو مذهب سيبويه، وعند يونس بالعكس. قوله: (وهو محل الاستفهام) أي وهو المستفهم عنه، والمعنى لا ينبغي ولا يليق بكم التطكاير والكفر حيث وعظتم، بل آمنوا وانقادوا. قوله: ﴿ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ﴾ اضراب عما تقتضيه الشرطية، من كون التذكير سبباً للشؤم، أي ليس الأمر كذلك، بل أنتم قوم عادتكم الإسراف في العصيان، فشؤمكم لذلك. قوله: (متجاوزون الحد بشرككم) أي بعد ظهور المعجزات، وهذا الخطاب لمن بقي على الكفر منهم، وهم الذين رجموا حبيباً النجار، وأهلكهم الله كما يأتي.
قوله: (مسوق) إلخ. أي فهو استئناف واقع في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: ما وجه التحسر عليهم؟ قيل: ﴿ مَا يَأْتِيهِمْ ﴾ إلخ. قوله: (لبيان سببها) أي بواسطة، فإن الاستهزاء سبب لأهلاكهم، وهو سبب للحسرة. قوله: (لاشتماله) أي دلالتهقوله: ﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ ﴾ إلخ، رأى علمية، و ﴿ كَمْ ﴾ خبرية مفعول لأهلكنا مقدم، و ﴿ قَبْلَهُمْ ﴾ ظرف لأهلكنا، و ﴿ مِّنَ ٱلْقُرُونِ ﴾ بيان لكم. قوله: (والاستفهام للتقرير) أي وهو حمل المخاطب على الإقرار بما بعد النفي. قوله: (معمولة لما بعدها) أي وليست معمولة ليروا، لأن ﴿ كَمْ ﴾ الخبرية لها الصدارة، فلا يعمل ما قبلها فيها. قوله: (معلقة ما قبلها عن العمل). إن قلت: إن ﴿ كَمْ ﴾ الخبرية لا تعلق، وإنما التعلق للاستفهامية، قال ابن مالك: وإن ولا لام ابتداء أو قسم كذا والاستفهام ذا له انحتمأجيب: بأن الخبرية أجريت مجرى الاستفهامية في التعليق. قوله: (والمعنى أنا) ﴿ أَهْلَكْنَا ﴾ أي وقد علموا ذلك. قوله: (بدل مما قبله) أي بدل اشتمال، لأن إهلاكهم مشتمل ومستلزم لعدم ورجوعهم، أو يدل كل من كل، بناء على تنزيل التلازم منزلة التماثل، كأن إهلاكهم غير رجوعهم. قوله: (برعاية المعنى المذكور) أي وهو قوله: (أنا) ﴿ أَهْلَكْنَا ﴾ إلخ، والمعنى: قد علموا إهلاكنا كثيراً من القرون السابقة، المشتمل على عدم عودهم إلى هؤلاء الباقين وهم أهل مكة، فينبغي أن يعتبروا بهم. قوله: (نافية) أي و ﴿ لَّمَّا ﴾ بالتشديد بمعنى إلا، وقوله: (أو مخففة) أي مهملة، ولما بالتخفيف واللام فارقة. قوله: (وما زائدة) للتأكيد، فقد أغنت عن الحصر المستفاد من قراءة التشديد، فتحصل أن من شدد ﴿ لَّمَّا ﴾ جعلها بمعنى إلا، و ﴿ إِن ﴾ نافية، وهذا باتفاق البصريين والكوفيين، ومن خفف ﴿ لَّمَّا ﴾ فالبصريون على أن ﴿ إِن ﴾ مخففة، واللام فارقة، وما زائدة، وجوز الكوفيين جعل ﴿ لَّمَّا ﴾ بمعنى إلا، و ﴿ إِن ﴾ نافية، والقراءتان سبعيتان. قوله: (أي كل الخلائق) أشار بذلك إلى أن التنوين عوض عن المضاف إليه. قوله: (أي مجموعون) دفع بذلك ما يتوهم من ذكر الاستغناء بها عن الجميع، فأجاب: بأن ﴿ كُلٌّ ﴾ أشير بها لاستغراق الأفراد، و ﴿ جَمِيعٌ ﴾ أشير بها لاجتماع الكل في مكان واحد للحشر.
قوله: (والنصب يفسره ما بعده) أي فهو من باب الاشتغال. قوله: (من حيث سيره) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ مَنَازِلَ ﴾ ظرف لقوله: ﴿ قَدَّرْنَاهُ ﴾ والتقدير قدرناه سيره في منازل، ويصح جعله حالاً على حذف مضاف، والتقدير ذا منازل. قوله: (أي كعود الشماريخ) جمع شمراخ، وهو عيدان العنقود الذي عليه الرطب. قوله: (إذا عتق) من باب ظرف وقعد. قوله: (فإنه يدق ويتقوس ويصغر) أي فوجه الشبه فيه مركب من ثلاثة أشياء. قوله: ﴿ لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ ﴾ أي بحيث تأتي في وسط الليل، لأن ذلك يخل بتلوين النبات ونفع الحيوان، ويفسد النظام، ولم يقل سبحانه وتعالى: ولا القمر يدرك الشمس، لأن سير القمر أسرع، لأنه يقطع الفلك في شهر، والشمس لا تقطع فلكها في سنة، فالشمس قطعاً لا تدرك القمر، والقمر قد يدرك الشمس في سيرها، ولكن لا سلطنة له. قوله: ﴿ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ ﴾ أي لا يأتي الليل في أثناء النهار قبل أن ينقضي، كأن يأتي في وقت الظهر مثلاً. قوله: ﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ قال ابن عباس: يدورون في فلكة كفلكة المغزل. قوله: (والنجوم) أي المدلول عليها بذكر الشمس والقمر. قوله: (نزلوا منزلة العقلاء) أي حيث عبر عنهم بضمير جمع الذكور، والذي سوغ ذلك، وصفهم بالسباحة التي هي من أوصاف العقلاء. قوله: ﴿ وَآيَةٌ لَّهُمْ ﴾ خبر مقدم ﴿ أَنَّا حَمَلْنَا ﴾ في تأويل مصدر مبتدأ مؤخر، أي حملنا ذريتهم في الفلك، آية دالة على باهر قدرتنا. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: (أي آباءهم الأصول) أشار بذلك إلى أن لفظ الذرية، كما يطلق على الفروع، يطلق على الأصول، لأنه من الذرء وهو الخلق، فاندفع ما يقال: إن الذي حمل في سفينة نوح، أصول أهل مكة لا فروعهم، وهذا أوضح ما قررت به هذه الآية. قوله: (المملوء) أي لأن نوحاً جعله ثلاث طبقات: السفلى وضع فيها السباع والهوام، والوسطى فيها الدواب والأنعام، والعليا وضع فيها الآدميين والطير.
قوله: (وهو ما عملوه) هذا أحد أقوال ثلاثة في تفسير المثل، الثاني: إنه خصوص الإبل، والثالث: إنه مطلق الدواب التي تركب. قوله: (بتعليم الله) دفع بهذا ما يقال: عادة الله تعالى إضافة صفة العبيد لأنفسهم، وإن كان هو الخالق لها حقيقة، فلم أضافها لنفسه؟ فأجاب: بأن التعليم والهداية لما كانتا منه، أضاف الخلق به، لأن سفينة نوح التي هي أصل السفن، كانت بمحض تعليم الله وإلهامه له. قوله: (مع إيجاد السفن) أي ومع ركوبهم لها. قوله: ﴿ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ ﴾ الصريخ بمعنى الصارخ، يطلق على المستغيث وعلى المغيث، فهو من تسمية الأضداد، والمراد الثاني. قوله: ﴿ إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا ﴾ ﴿ إِلاَّ ﴾ أداة استثناء، و ﴿ رَحْمَةً ﴾ مفعول لأجله، وهو استثناء مفرغ من عموم الأحوال، والمعنى: لا ننجيهم لشيء من الأشياء، إلا لأجل رحمتنا بهم وتمتيعهم الأمد الذي سبق في علمنا. قوله: (كغيركم) أي وهم المؤمنون. قوله: (من عذاب الآخرة) أشار بذلك إلى أن لفظ الخلف، كما يطلق على ما مضى، يطلق على ما يأتي، فهو من تسمية الأضداد، وسمى ما يأتي خلفاً لغيبته عنا. قوله: (أعرضوا) قدره إشارة إلى أن جواب الشرط محذوف، دل عليه قوله: ﴿ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ ﴾ إلخ. قوله: ﴿ مِّنْ آيَةٍ ﴾ ﴿ مِّنْ ﴾ زائدة، وقوله: ﴿ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ ﴾ ﴿ مِّنْ ﴾ تبعيضية. قوله: ﴿ إِلاَّ كَانُواْ ﴾ إلخ، الجملة حالية. قوله: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ ﴾ إلخ. أشار بذلك إلى أنهم كما تركوا حقوق الخالق، وهذه الآية نزلت حكاية عن بعض جبابرة مكة، كالعاص بن وائل السهمي وغيره، كان إذا سأله المسكين قال له: اذهب إلى ربك فهو أولى مني بك، قد منعك الله، أفأطعمك أنا؟ وقد تمسك بهذا بخلاء المسلمين حيث يقولون: لا نعطي من حرمه الله، ولم يعلموا أن الفقراء يحملون زاد الأغنياء للآخرة، ولولا الفقراء ما انتفع الغني بغناه. قوله: ﴿ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ أي بالصانع، أن ينكرون وجوده، وهم فرقة من جبابرة مكة. قوله: ﴿ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ ﴾ مفعول ﴿ أَنُطْعِمُ ﴾ وقوله: ﴿ أَطْعَمَهُ ﴾ جواب ﴿ لَّوْ ﴾.
قوله: (في معتقدكم) أي الفقراء المؤمنون، لا في معتقد الكفار الأغنياء، فإنهم ينكرون الصانع كما علمت. قوله: (في قولكم لنا ذلك) أشار بذلك إلى أن هذا من كلام الكفار للمؤمنين. ويؤيده ما روي: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه، كان يطعم مساكين المسلمين، فلقيه أبو جهل فقال: يا أبا بكر، أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء؟ قال: قال: نعم، قال: فما باله لم يطعمهم؟ قال: ابتلى قوماً بالفقر، وقوماً بالغنى، وأمر الفقراء بالصوم، والأغنياء بالإعطاء، فقال أبو جهل: والله يا أبا بكر، إن أن إلا في ضلال، أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء، وهو لا يطعمهم، ثم تطعمهم أنت؟ وقيل: إنه من كلام المؤمنين للكفار، وقيل: من كلام الله تعالى رداً عليهم. قوله: (موقع عظيم) أي وهو التبكيت والتقبيح عليهم.
قوله: (وبين النفختين أربعون سنة) هذا هو الصحيح، وقيل: أربعون يوماً، وقيل: غير ذلك. قوله: (أي المقبورون) أي من شأنه أن يقبر، وقبر كل ميت بحسبه، فيشمل من أكلته السباع ونحوه. قوله: ﴿ مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ ﴾ جمع جدث كفرس وأفراس، وقرئ شذوذاً الأجواف بالفاء، وهي لغة الأجداث. قوله: (يخرجون بسرعة) أي يسرعون في مشيتهم قهراً ولا اختياراً. قوله: (أي الكفار) أي لا كل الخلائق، إذ المؤمنون يفرحون بالقيامة، ليذهبوا للنعيم الدائم، ورؤية وجه الله الكريم. قوله: (للتنبيه) دفع بذلك ما يقال: إن النداء مختص بالعقلاء، فكيف ينادى الويل وهو لا يعقل فأجاب: بأن ﴿ يَا ﴾ للتنبيه، والمعنى: تنبهوا فإن الويل قد حضر.
قوله: ﴿ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ ﴾ أصله يدتعيون بوزن يفتعلون، استثقلت الضمة على الياء، فنقلت إلى ما قبلها، فالتقى ساكنان، حذفت الياء لالتقائهما، ثم أبدلت التاء دالاً وأدغمت في الدال، والمعنى: يعطي أهل الجنة، جميع ما يتمنونه ويشتهونه حالاً من غير بطء. قوله: ﴿ سَلاَمٌ ﴾ (مبتدأ) إلخ، هذا أحسن الأعاريب؛ وقيل: إنه بدل من قوله: ﴿ مَّا يَدَّعُونَ ﴾، أو صفة لما، أو خبر لمبتدأ محذوف. قوله: (أي بالقول) أشار بذلك إلى أن ﴿ قَوْلاً ﴾ منصوب بنزع الخافض، ويصح أن يكون مصدراً مؤكداً لمضمون الجملة، وهو مع عامله معترض بين المبتدأ والخبر. قوله: (أي يقول لهم سلام عليكم) أشار بذلك إلى أن الجملة معمولة لمحذوف، والمعنى أن الله يتجلى لأهل الجنة ويقرئهم السلام لما في الحديث:" بينما أهل الجنة في نعيم، إذ سطع لهم نور، فرفعوا رؤوسهم، فإذا الرب عز وجل قد أشرف عليهم من فوقهم، السلام عليكم يا أهل الجنة، فلذلك قوله تعالى: ﴿ سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ﴾ فينظر إليهم وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه، حتى يحتجب عنهم؛ فيبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم "قوله: ﴿ وَ ﴾ (يقول) ﴿ ٱمْتَازُواْ ﴾ إلخ، أشار بذلك إلى أن هذه الجملة معمولة لمحذوف أيضاً. قوله: (عند اختلاطهم بهم) أي حين يسار بهم إلى الجنة؛ لما ورد في الحديث ما معناه:" إذا كان يوم القيامة "، ينادي مناد: كل أمة تتبع معبودها؛ فتبقى هذه الأمة وفيها منافقون يقولون: لا نذهب حتى ننظر معبودنا؛ فيظهر لهم عن يمين العرش ملك؛ لو وضعت البحار السبع وجميع الخلائق ومثلهم معهم في نقرة إبهامه لوسعهم؛ فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك لست ربنا، ثم يأتي عن يسار العرش فيقول مثل ذلك؛ فيقولون: نعوذ بالله منك لست ربنا، ثم يتجلى الله تعالى له فيخرون سجداً، فيريد المنافقون أن يسجدوا؛ فيصير ظهرهم طبقاً؛ فلا يستطيعون السجود، فعند ذلك يقال: ﴿ وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ ﴾.
قوله: (والاستفهام للتقرير) أي وهو حمل المخاطب على الإقرار بالحكم. قوله: (والواو الداخلة عليها للعطف) هذه العبارة تحتمل التقريرين السابقين في نظير هذه الآية، وهما أن الهمزة إما مقدمة من تأخير، لأن لها الصدارة، والواو عاطفة على قوله فيما تقدم﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ ﴾[يس: ٣١] أو داخلة على محذوف، والواو عاطفة عليه، والتقدير: ألم يتفكروا ولم يروا. قوله: ﴿ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم ﴾ اللام للحكمة، أي حكمة خلقنا ذلك انتفاعهم. قوله: (في جملة الناس) أشار بذلك إلى أن هذه النعم ليست مقصورة عليهم، بل لهم ولغيرهم. قوله: ﴿ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ ﴾ هذا كناية عن الحصر فيه سبحانه وتعالى، وهذا كقول الإنسان: كتبته بيدي مثلاً، بمعنى أني انفردت به ولم يشاركني فيه غيري، فهو كناية عرفية. قوله: ﴿ أَنْعاماً ﴾ خصها بالذكر، لأن منافعها أكثر من غيرها. قوله: (ضابطون) أي قاهرون مذللون، والأحسن أن يفسر قوله: ﴿ مَالِكُونَ ﴾ بالملك الشرعي، أي يتصرفون فيها بسائر وجوه التصرفات الشرعية ليكون قوله: ﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ ﴾ تأسيساً لنعمة أخرى، لا تتميماً لما قبله. قوله: (كأصوافها) أي وجلودها ونسلها وغير ذلك. قوله: (أو موضعه) أي وهو الضروع. قوله: (أي ما فعلوا ذلك) أشار بذلك إلى أن الاستفهام انكاري، وأن قوله: ﴿ وَٱتَّخَذُواْ ﴾ إلخ، عطف على محذوف قوله: (يعيدونها) تفسير للاتخاذ. قوله: ﴿ لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ ﴾ الجملة حالية، والمعنى حال كونهم راجين النصرة منهم. قوله: (نزلوا منزلة العقلاء) أي لمشاكلة عبادتهم، فعبر عنهم بصيغة جمع الذكور. قوله: ﴿ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ ﴾ إلخ.
﴿ هُمْ ﴾ مبتدأ، و ﴿ جُندٌ ﴾ خبر أول، و ﴿ لَهُمْ ﴾ متعلق بجند، و ﴿ مُّحْضَرُونَ ﴾ خبر ثان. قوله: (أي آلهتهم من الأصنام) هذا أحد وجهين، والآخر أنه عائد على الكفار، والمعنى: يقومون بمصالحها، فهم لها بمنزلة الجند، وهي لا تستطيع أن تنصرهم. قوله: ﴿ مُّحْضَرُونَ ﴾ (في النار) أي ليعذبوا بها. قوله: ﴿ فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ﴾ هذا تسلية له صلى الله عليه وسلم، والمعنى: لا تحزن من قولهم، بل اتركه ولا تلتفت له. قوله: ﴿ إِنَّا نَعْلَمُ ﴾ إلخ، تعليل للنهي قبله. قوله: (فيجازيهم عليه) أي على ما صدر منهم سراً وعلانية، خيراً أو شراً.