تفسير سورة يس

تيسير التفسير
تفسير سورة سورة يس من كتاب تيسير التفسير .
لمؤلفه إبراهيم القطان . المتوفي سنة 1404 هـ

يس : تُلفظ ياسين. من الحروف التي ابتدأت بها بعض السور، وتقدّم الكلامُ عليها، وقال بعضهم : معناها : يا إنسان، أو الحكيم، وشاع عند الناس أنها اسم للرسول الكريم وسمّوا بها.
قراءات :
قرأ حمزة والكسائي وروح وأبو بكر :﴿ يس ﴾ بإمالة الياء.
أقسم الله تعالى بالقرآن الكريم.
صراط مستقيم : طريق قويم من عقائد صحيحة وشرائع حقة.
إنك أيها الرسول الكريم، من المرسَلين.
الذين أرسلهم لهداية الناس إلى دين قويم، وشرع مستقيمٍ من التوحيد ومكارم الأخلاق.
قراءات :
قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص :﴿ تنزيلَ ﴾ بفتح اللام، والباقون :﴿ تنزيلُ ﴾ بالضم.
وذلك لتنذِرَ قوماً لم يأتِهم نذير قبلك، فهم غافلون عما يجب عليهم وفي غفلة ساهون.
حق القول : ثبت القول.
لقد وجب العقاب على أكثرِهم لعدم إيمانهم.
الأغلال : واحدها غُل بضم الغين، وهو ما تشد به اليد إلى العنق للتعذيب.
قمح الغلُّ الأسير : ضاق على عنقه فاضطره الى رفع رأسه. فمعنى مقمحون : رفعوا رؤوسهم وغضوا أبصارهم من الذل.
﴿ إِنَّا جَعَلْنَا في أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً.. ﴾ : مرتفعة إلى أذقانِهم، ولذلك ترى رؤوسَهم مرتفعة مشدودةً الى الوراء، لا يستطيعون أن يطأطئوها.
من بين أيديهم : من أمامهم.
فأغشيناهم : غطينا أبصارهم وجعلنا على أعينهم غشاوة.
وجعلنا أمامهم سدّا ومن خلْفِهم سدّا فهم محبوسون في سِجن الجهالة، وغطينا على أعينِهم فهم لا يُبصرِون.
قراءات :
قرأ حمزة والكسائي وحفص :﴿ سَدّا ﴾ بفتح السين، والباقون :﴿ بضمّها ﴾ وهما لغتان.
وإن إنذارَك لهم وعدَمه سواء، فهم لا يؤمنون.
الذِكر : القرآن.
إنما تنذرُ من اتبع القرآنَ، وخشي الله في سريرته، فبشِّره بمغفرةٍ من الله وأجرٍ كريم.
ما قدّموا : ما عملوا من الأعمال.
وآثارهم : ما أبقوه من الحسنات أو السيئات.
في إمام مبين : في أصلٍ يؤتمّ به....
ونسجل عليهم ما قدّموا من الأعمال الحسنة والسيئة.
﴿ وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ في إِمَامٍ مُّبِينٍ ﴾ : في اللوح المحفوظ.
ضربُ المثل : تشبيه حالٍ غريبة بأخرى مثلها.
القرية : يقول كثير من المفسرين إنها أنطاكية، والرسل غير معروفين ولم يردْ خبر صحيح عنهم.
يذكّرهم الله تعالى بقومٍ مثلهم في الكفر والعناد والإصرار على التكذيب، فيقول : اذكر لقومك أيها النبي، قصةَ أهل قريةِ أنطاكية لمّا أرسلنا إليهم الرسلَ لهدايتهم.
فعزّزنا بثالث : فقويناهم بثالث.
أرسلنا إليهم رسولَين اثنين، فكذّبوهما، فقوّيناهما بثالثٍ وقالوا لهم : لقد أرسلَنا الله إليكم.
قراءات :
قرأ أبو بكر :﴿ فعززنا ﴾ بفتح الزاي الأولى من غير تشديد، والباقون بالتشديد.
فقال أهل القرية لهم : ما أنتم إلا بشرٌ مثلنا وليس لكم علينا مَزِية، وما أنزل الرحمنُ إليكم شيئا، ولا أمَرَكم بشيء، وما أنتم إلا كاذبون.
قال الرسل مؤكدين رسالتهم : الله يعلم أنّا رسُلُه إليكم،
البلاغ المبين : التبليغ الواضح.
وما علينا إلا أن نبلّغكم رسالته... وقد فعلْنا.
تطيّرنا : تشاءمنا بكم.
لنرجُمنكم : لنرمينكم بالحجارة.
فقال أهل القرية مهدِّدين : إنّا تشاءمنا بكم، لئن لم تتركوا ما تقولون قتلْناكم رجماً بالحجارة ولحِقَكم منا عذابٌ شديد.
طائركم معكم : شؤمكم معكم.
أئن ذكِّرتم : أئن وُعظتم بما فيه سعادتكم تتشاءمون بنا !
مسرفون : مجازون الحد في العصيان.
فقال الرسل لهم :﴿ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ ﴾ : شؤمُكم معكم ﴿ أَإِن ذُكِّرْتُم ؟ ﴾ بمعنى : أئن وُعظتم بما فيه سعادتكم تتشاءمون بنا ؟ فخبر « أئن ذُكرتم » محذوفٌ....
﴿ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ﴾ : بالبغي والعناد والكفر.
وفي هذه الأثناء يأتي رجلٌ مؤمن من أقصى أطراف المدينة مسرعاً لينصح قومه حين بلغه أنهم عقدوا النية على قتل الرسل، ﴿ قَالَ يا قوم اتبعوا المرسلين ﴾.
بعد ذلك بيّن لهم ذلك الساعي أنه ما اختار لهم إلا ما اختار لنفسه، فقال : وأيَّ شيء يمنعني أن أعبدَ الذي خلقني ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾.
لا تغني : لا تنفع.
ولا يُنقِذون : ولا يخلصونني....
وكيف أعبد آلهة لا تفيدني شفاعتُهم شيئاً إن أرادني الله بسوء،
﴿ وَلاَ يُنقِذُونَ ﴾ : ولا يخلصونني من أي سوء !
إذا فعلت ذلك فأنا في ضلال مبين.
ثم التفت إلى الرسل وخاطبهم بما يثبت إيمانه بالله، فقال :﴿ إني آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فاسمعون ﴾ : اشهدوا لي بذلك عنده.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٧:بغفران ربّي لي وإكرامه إياي فيؤمنون كما آمنت، إنه يتمنى لو يرى قومُه ما أعطاه الله من الرضا والكرامة لعلهم يؤمنون.
بغفران ربّي لي وإكرامه إياي فيؤمنون كما آمنت، إنه يتمنى لو يرى قومُه ما أعطاه الله من الرضا والكرامة لعلهم يؤمنون.
الجند : الملائكة.
وما أنزلنا على قوم ذلك المؤمنِ جندا من السماء نهلكهم على أيديهم.
خامدون : ميتون.
إن أمْرَهم كان أهونَ من ذلك، وما تحمَّلوا إلا صيحة واحدة فإذا هم أمواتٌ لا حراك بهم.
الحسرة : شدة التلهف والحزن. ويقال : واحسرتا ويا حسرتا.
تُتاح لهم فرصة النجاة فيُعرِضون عنها، وما نبعث إليهم برسولٍ إلا كانوا به يستهزئون.
من القرون : من أهل القرون القديمة.
ألم يروا مصارع الهالكين قبلهم من أهل القرون الغابرة ويدركون أنهم لا يرجعون على مدار السنين وتطاول القرون ! ! لقد كان في هذا عظةً لمن يتدبّر، ولكن الله تعالى لا يتركهم يفلتون من الحساب.
قراءات :
قرأ عاصم وابن عامر وحمزة :﴿ وإن كل لمّا ﴾ بتشديد الميم، والباقون :﴿ لما ﴾ بفتح الميم دون تشديد.
﴿ محضَرون ﴾ : للحساب والجزاء، ذلك يوم القيامة.
والدليل على قدرتنا على البعث والنشور تلك الأرض المجدبة، نحييها بإنزال الماء عليها ونخرج منها حَباً يأكلون منه.
قراءات :
قرأ نافع :﴿ الأرض المِّيتة ﴾ بتشديد الياء، والباقون :﴿ المْيتة ﴾ بإسكان الياء.
كما ننشئ فيها حدائق وبساتين من نخيل وأعناب، ونجعل فيها أنهاراً وعيونا من الماء العذب الصافي.
﴿ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ ﴾ خالقَ هذا النعم ؟
قراءات :
قرأ الكوفيون :﴿ ما عملتْ أيديهم ﴾ إلا عاصما :﴿ ما عملته أيديهم ﴾.
الأزواج : الأصناف.
سبحان الذي خلق هذا الخلْقَ العظيم، من أزواج على سُنّة الذكورةِ والأنوثة، وخَلَقَ أنواعَ الكائنات مما تنبت الأرض ومن الأنفس، وخَلَقَ ما لانعلم، وفيه الدليل الكبير على عظيم قدرته تعالى.
﴿ نسلخ منه النهارَ ﴾ : نزيل النهار منه ونضع الليل مكانه.
﴿ مظلِمون ﴾ : داخلون في الظلام.
من آيات الله وبديع صُنعه تعاقبُ الليل والنهار، فالليلُ يسلخ من النهار والنهار يسلخ من الليل، نتيجةً لدوران الأرض حول محورها من الغرب الى الشرق، فتشرق الشمس على بعض الآفاق فيكون عندهم نهار، وتغيب عن البعض الآخر بانتظام فيكون عندهم ليل. وإنها لَظاهرة فلكية عظيمة الأهمية في حياة الجنس البشري وكافة الأحياء على هذه الأرض.
والشمس تسير الى مستَقّرٍ لهان بقدرة الله العزيز العليم. وقد ثبت للعلماء أخيراً أن للشمس دورتين : أحداهما حول محورها مرة في كل ستة وعشرين يوما تقريبا، والثانية دورانها مع كل توابعها من الكَواكب السيارة وأقمارها حول مركز النظام النجومي بسرعة تقدَّر بنحو مائتي ميل في الثانية. والشمس واحدة من ملايين النجوم التي تكوّن النظام النجومي.
وإذا علمنا أن هاتين الحركتين الحقيقيتين للشمس لم تثبتا بالبرهان العلمي والأرصاد الفلكية إلا حديثاً، أدركنا ما في هذه الآية الكريمة من إعجاز عظيم.
قدّرناه منازل : جمعُها منزلة، وعددها اثنتا عشرة منزلة.
العُرجُون : العنقود من النخلة الذي يحمل الرطب.
وجعلْنا سير القمر منازل، وهي ثمانية وعشرون منزلا ينزل في كل واحد منها كل ليلة، إذ يبدو في أول الشهر هلالاً ضئيلا، ثم يزداد ليلة بعد ليلة الى أن يكتمل بدراً، ثم يأخذ في النقصان حتى يعود ضئيلاً مثل عُرجون النخلة. ثم يستتر ليلتين، أو ليلة إذا نقص الشهر.
والمنازل هي : السرطان، البطين، الثريا، الدبرَان، الهقعة، الهنعة، الذراع المقبوضة النثرة، الطرف، جبهة الأسد، الزبرة، الصرفة، العواء، السماك الأعزل، الغفر، الزبانى الإكليل، قلب العقرب، الشولة، النعائم، البلدة، سعد الذابح، سعد بلع، سعد السعود، سعد الاخبية، الفرغ المقدم، الفرغ المؤخر، بطن الحوت.
قراءات :
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو و روح :﴿ والقمرُ قدرناه ﴾ برفع القمر، والباقون بالنصب.
لا ينبغي لها : لا يتيسر لها.
أن تدرك القمر : أن تجتمع معه في وقت واحد.
وكل في فلكٍ يسبحون : كل هذه الأجرام يسبح في فلك عظيم واسع.
لا الشمسُ يمكنها أن تخرج عن هذا النظام البديع فتلحقَ بالقمر وبينهما مسافة هائلة، ولا الليل يتأتى له أن يغلب النهار ويحول دون مجيئه، بل هما متعاقبان، وكل من الشمس والقمر والكواكب والنجوم يَسْبَحون في هذا الكون الفسيح بنظام دقيق عجيب.
الفُلك : السفينة.
المشحون : المملوء.
ومن آيات الله وقدرته أن هيّأ للناس البحرَ يركبونه في السفن المشحونة بالبضائع تجري فيه لمصلحتهم.
قراءات :
قرأ نافع وابن عامر ويعقوب :﴿ ذرياتهم ﴾ بالجمع، والباقون :﴿ ذريتهم ﴾ بالإفراد.
من الإبل والخيل وغيرها من الحيوانات المسخّرة لأمر الإنسان، وكذلك في عصرنا الحاضر جميع أنواع المواصلات في البحر والبر والجو.
فلا صريخَ لهم : فلا مغيث لهم.
ثم بين لطفه بعباده حين ركوبهم تلك السفن وغيرها، فقال :﴿ وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ ﴾ :
كل هذه الوسائل تسير بتقديرِنا وبأمرنا، ولو أردْنا إغراقهم فليس لهم مغيث، ولا هم يَنْجُون من الهلاك.
ولكن تشملهم رحمتُنا فيتمتعون بلذات الحياة الدنيا الى أجل مقدر.
﴿ ما بين أيديكم ﴾ : ما جرى للأمم السابقة.
﴿ وما خلفكم ﴾ : عذاب الآخرة.
وإذا قيل لهؤلاء المكذّبين : خافوا أن يصيبكم مثلُ ما جرى للأمم الماضية بتكذيبهم الرسل وخافوا عذاب الآخرة لعلّ الله يرحمكم، أعرضوا وولّوا مستكبرين.
ولا تجيئهم حجة من حجج الله الدالة على وحدانيته إلا كانوا عنها منصرفين.
أما إذا قيل لهم أنفِقوا على الفقراء والمحتاجين مما رزقكم الله، قالوا للمؤمنين : أتطلبون منا أن نطعم من لو أراد الله إطعامه لفعل ! ؟ إنكم حقا في ضلال مبين.
ويقول الكافرون مستهزئين : متى يحصل هذا البعث الذي تعدوننا به ؟
يخصِّمون : بكسر الصاد المشددة، يتخاصمون.
﴿ مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ﴾ : ستأتيهم الساعة بغتة، وما ينتظرون إلا صوتاً واحداً يقضي عليهم بغتة، وهم يتنازعون في شؤون الدنيا غافلين عن الآخرة.
قراءات :
قرأ ابن عامر وعاصم والكسائي :﴿ يَخِصّمون ﴾ بفتح الياء وكسر الخاء والصاد المشددة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو :﴿ يَخَصمون ﴾ بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد المكسورة، وقرأ نافع : يخْصّمون :﴿ بإسكان ﴾ الخاء وتشديد الصاد وبهذا يكون جمع بين ساكنين، وفي المصحف الذي طبعه الملك الحسن في المغرب :﴿ يَخَصّمون ﴾ بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد المكسورة، وقرأ حمزة :﴿ يخْصِمون ﴾ بإسكان الخاء وكسر الصاد بدون تشديد.
ثم بين الله سرعة حدوثها وأنها كلمح البصر أو هي اقرب، فقال :﴿ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ﴾ :
يومذاك لن يوصوا في أموالهم بشيء، ولن يرجعوا الى أهلهم، وقد رويت في ذلك أحاديث كثيرة تبين هول ذلك الموقف.
الأجداث : جمع جدث، القبر.
ينسِلون : يخرجون من قبورهم.
ثم بين الله أنهم بعد موتهم يُنفخ في الصور النفخةَ الثانية، نفخةَ البعث من القبور، فقال :
﴿ وَنُفِخَ فِي الصور فَإِذَا هُم مِّنَ الأجداث إلى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ﴾ :
وبعد النفخة الثانية يخرجون من قبورهم مسرعين إلى الله.... وكل هذه المواقف من الحياة الأخرى لا نعلم عن حقيقتها شيئا إلا ما ورد في القرآن الكريم.
من مرقدنا : من مكان نومنا، كأنهم كانوا نائمين في قبورهم.
ثم بيّن الله تعالى أنهم يعجبّون حين يرون أنفسهم قد خرجوا من قبورهم للبعث، فيقولون :﴿ قَالُواْ ياويلنا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ؟ ﴾، فيقال لهم :﴿ هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن... ﴾ لَقد صدقَ المرسلون فيما أخبروا عنه.
ثم تأتي الصيحة الأخيرة :﴿ فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾، ويقف الجميع صفاً صفا منتظمين منتظرين حسابهم وجزاءهم.
وعند ذلك يعلن القرار :﴿ فاليوم لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
فيذهب أهل الجنة الى الجنة، وأهل النار الى النار، ويلقى كلٌّ جزاءه بالعدل.
في شغل : في شأن كبير من المسرة والنعيم.
فاكهون : مرحون في عيش ناعم.
بعد انتهاء الحساب يذهب كلٌّ الى مقره الأخير، أهل الجنة إلى الجنّة وغيرهم الى النار.
ويحدّثنا القرآن عما هم فيه من نعيم ملتذون فيه متفكهون.
قراءات :
قرأ أبو عمرو ونافع وابن كثير :﴿ في شغْل ﴾ بإسكان الغين، والباقون :﴿ في شغُل ﴾ بضم الشين والغين وهما لغتان. وقرأ أبو جعفر :﴿ فكِهون ﴾ بكسر الكاف بدون ألف بعد الفاء، والباقون :﴿ فاكهون ﴾.
ظلال : جمع ظل وهو الفيء.
الأرائك : جمع أريكة، وهي كل ما استراح عليه الإنسان من مقعد أوسرير أو فراش أو منصة.
هم وأزواجهم في ظِلال مستطابةٍ على الفُرش والأرائك متكئون.
قراءات :
قرأ حمزة والكسائي :﴿ في ظلل ﴾ جمع ظلة، والباقون :﴿ في ظلال ﴾.
ما يدّعون : ما يطلبون.
لهم في جنّتهم فاكهة ولهم كل ما يطلبون ويشتهون.
ولهم فوق كل هذه اللذائذ والمتع تكريم من الله ويقال لهم :﴿ سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ﴾.
امتازوا : انفرِدوا وابتعدوا عن المؤمنين.
أما أصحاب الجحيم فعلى العكس من ذلك، فإنهم يلقون التحقير والإهانة، ويقال لهم :
﴿ وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون ﴾ : أبعِدوا عن المؤمنين، وادخلوا جهنم.
ألم أعهد : ألم أوصِ، ألم أعرض ما فيه الخير.
ألم أُوصِكم يا بني آدم أن لا تطيعوا الشيطان ؟ إنه لكم عدو ظاهر العداوة يوردكم موارد الهلاك.
أطيعوني، فإن طاعتي هي التي توصلكم إلى الطريق المستقيمة.
جبلاّ كثيرا : خلقا كثير.
لقد بيّنتُ لكم ذلك فلم تحذَروا عدوكم الذي أضل منكم أجيالا كثيرة ﴿ أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ ﴾ حين أطعتموه ! اذهبوا الى مصيركم المحتوم.
قراءات :
قرأ نافع وعاصم وأبو جعفر :﴿ جِبلاّ ﴾ بكسر الجيم والباء وتشديد اللام. وقرأ حمزة والكسائي وخلف و رويس :﴿ جُبلا ﴾ بضم الجيم والباء وتخفيف اللام، وقرأ أبو عمرو وابن عامر :﴿ جُبْلا ﴾ بضم الجيم وسكون الباء، وهذه كلها لغات معناها واحد.
اصلَوها : ادخلوها، ذوقوا حرها.
ادخولها وقاسوا حرّها واحترقوا بها بسبب كفركم وجحودكم.
ثم بين الله تعالى أن جوارحهم تشهد عليهم، وذلك بمشهد عجيب :﴿ اليوم نَخْتِمُ على أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ :
اليوم تُلجَم أفواههم فلا ينطِقون، وتتكلم جوارحهم بما اقترفته.... ويا له من موقف رهيب مخيف.
لطمسنا على أعينهم : لأعميناهم.
فاستبقوا الصراط : تسابقوا إلى الطريق المألوف.
ولو نشاء لعاقبناهم على كفرهم فطمسْنا على أعينهم فصيّرناهم عمياً لا يبصرون طريقا ولا يهتدون.
لمسخناهم : لغيرنا صورهم إلى أقبح صورة.
على مكانتهم : في أماكنهم.
ولو أردنا لغيّرنا صورهم وحولناهم الى تماثيل جامدة :﴿ فَمَا استطاعوا مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ ﴾ بل يبقون في أماكنهم جامدين.
قراءات :
قرأ أبو بكر :﴿ على مكاناتهم ﴾ بالجمع، والباقون :﴿ على مكانتهم ﴾ بالإفراد.
نعمّره : نطل عمره.
ننكّسه في الخلق : نردّه من القوة الى الضعف حتى يردّ الى أرذل.
قراءات :
قرأ عاصم وحمزة :﴿ نُنَكسه ﴾ بضم النون الأولى وفتح الثانية وكسر الكاف المشددة، والباقون :﴿ نُنْكسه ﴾ بضم النون الأولى وإسكان الثانية وكسر الكاف من غير تشديد. وقرأ نافع وابن ذكوان ويعقوب :﴿ أفلا تعقلون ﴾ بالتاء، والباقون :﴿ أفلا يعقلون ﴾ بالياء
ومن يُطِل الله عمره يَخْرَفُ وينتكس بعد شبابه وعقله الى ضَعفٍ وخَرَفٍ وهزال. أفلا يعلمون أن الدنيا دارُ فناء وأن الآخرة دار البقاء !.
ما ينبغي : لا يليق به ولا يصح له.
ذِكر : عظة من الله.
وما علّمنا رسولَنا الشعر ولا يليق به لمكانته ومنزلته أن يكون شاعرا، وما هذا القرآن إلا كتاب عظةٍ وآداب وأخلاق وتشريع، فيه سعادة البشر في دنياهم وأخراهم فلا مناسبة بينه وبين الشعر.
حيّا : حي القلب مستنير البصيرة.
يحق القول : يجب العذاب.
لينذر من كان حيَّ القلب مستنير العقل، وتجبَ كلمة العذاب على الكافرين الجاحدين.
قراءات :
قرأ أهل المدينة وابن عامر :﴿ لتنذر ﴾ بالتاء، والباقون :﴿ لينذر ﴾ بالياء.
ألم يشاهد هؤلاء المشركون بالله أنّا خلقنا لهم بقُدْرتنا أنعاماً من الإبل والغنم والبقر فهم لها مالكون يتصرفون فيها كما يشاؤون !
ذلّلناها لهم : سخّرناها لهم.
ركوبهم : بفتح الراء، هو ما يركب.
وسخّرناها لهم فمنها ما يركبون، ومنها ما يأكلون.
ولهم فيها ما ينتفعون به من أصوافِها وأوبارِها وأشعارها وجلودها وغير ذلك، ولهم مشاربُ من ألبانها أيضا ! أيجحدون هذه النعم الكثيرة فلا يشكرون الله عليها ! !
ومع كل هذه النعم اتخذ المشركون آلهة يعبدونها من دون الله، رجاء أن تنصرهم !
إن هذه الآلهة لا تستطيع نصر أحد، ولا تقدر أن ترد عن أحدٍ أذى إن أراد الله بهم سوءا
﴿ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مٌّحْضَرُونَ ﴾ : وهم لسخفهم جنودٌ لهذه الآلهة يحمونها ويذبُّون عنها المهتدين.
ثم بعد ذلك يسلّي الله رسوله الكريم بقوله :﴿ فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ :
لا يحزنك قولهم فيك بالتكذيب والافتراء عليك، إنا نعلم ما يخفون وما يعلنون، وسيلقون جزاءهم.
أولم ير : أولم يعلم.
الخصم : الشديد الخصومة والجدل.
في آخر هذه السورة الكريمة يَرِدُ ختامها بالأدلة على قدرة الله تعالى على إعادة الخلق، فإنه تعالى خَلَق للإنسان النعمَ التي لا تحصَى ليشكر، فكفر وجحد.... ألا يَستدل من أنكرَ البعثَ بسهولة المبدأ ! وأنا خلقناه من العدَم من شيء لا يُرى بالعين المجردة لصغرها فإذا هو يخاصم ويجادل !
رميم : البالي من كل شيء.
ثم ضرب مثلا ينكر به قدرتنا على إحياء العظام بعد أن تبلى، ونسيَ أنا خلقناه من العدم ! ﴿ قَالَ مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ ﴾ : قال مجاهد وعكرمة وعمرو بن الزبير وقتادة :« جاء أُبَيّ بن خلف ( وهو من كبار مشركي مكة ) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي يده عظم يفتُّه بيده ويذروه في الهواء ويقول : أتزعم يا محمد، أن الله يبعث هذا ؟ فقال الرسول الكريم : نعم، يُميتك الله ثم يبعثك ثم يحشُرك الى النار » ونزلت هذه الآية.
ثم أمر الله تعالى رسوله الكريم أن يقول لهم :﴿ قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾ : فالذي خلق هذا الخلق من البدء قادرٌ على إحيائه بعد موته.
ثم ذكر دليلاً ثانيا يبطل إنكارهم، فقال :﴿ الذي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشجر الأخضر نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ ﴾ : إن من جعل لنا النار من الشجر الأخضر قادرٌ على ما يريد،
لا يمنعه شيء.
ثم جاء بدليل ثالث على قدرته أعجبَ من سابقَيه، فقال :﴿ أَوَلَيْسَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض بِقَادِرٍ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بلى وَهُوَ الخلاق العليم ﴾ :
فإن خلْقَ هذا الكون الكبير العجيب لهو أعظمُ وأكبر من خلق الإنسان وإعادته، كما قال تعالى :﴿ لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [ غافر : ٥٧ ].
ثم بين ما هو كالنتيجة لما سلف من تقرير واسع قدرته، وإثبات عظيم سلطانه، فقال :
﴿ إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ :
فالله سبحانه وتعالى يخلق كل ما يريد بلا كلفة ولا جهد، وليس هناك صعوبة، وليس هناك قريب ولا بعيد، فعندما يأمر بالشيء يكون بلا توقف ولا تردد.
ملكوت : الملك التام، كالجبروت والرحموت.
وعندما أثبت لنفسه القدرة التامة والسلطة العامة نزّه نفسه عما وصفوه به، فقال :
﴿ فَسُبْحَانَ الذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ :
فتنزيهاً للذي بيدِه مقاليدُ كل شيء، وبقدرته مُلْكُ كل شيءٍ، وإليه المرجع والمصير.
Icon