تفسير سورة الشعراء

تيسير التفسير
تفسير سورة سورة الشعراء من كتاب تيسير التفسير .
لمؤلفه إبراهيم القطان . المتوفي سنة 1404 هـ

طسم : تقرأ هكذا طا. سين. ميم. وتقدم الكلام على هذه الحروف، وهي لبيان أن القرآن المعجِز للبشر رُكبت كلماته منها ومن أخواتها، فمن ارتاب في أن هذا القرآن من عند الله فليأتِ بمثله، ولن يستطيع.
إن هذا الكلام الذي أوحيتُ به إليك يا محمد، هو آياتُ القرآن البيّن الواضح الذي يفصل بين الحق والباطل.
باخع نفسك : مهلكها من شدة الحزن.
لعلّك أيها الرسول ستقتل نفسك إن لم يؤمن قومُك برسالتك، هوِّنْ عليك فإن الله سينصرك ومثله قوله تعالى :﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ على آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث أَسَفاً ﴾ [ الكهف : ٦ ].
أعناقهم : رقابهم، والمراد بها هنا الجماعات.
إن في قدرتنا أن نأتيَهم بمعجزة تُلجئهم إلى الإيمان وتجبرهم عليه، فيخضعون. ويتم ما نرجوه.
من ذِكر : من موعظة.
وما يجدد الله لقومك من موعظةٍ وتذكيرٍ إلا جدّدوا إعراضا وتكذيبا واستهزاء.
لقد كذّبوا بما جئتهم به من الحق فاصبر عليهم، فسيَرَوْن عاقبةَ استهزائهم، وسيحلّ بهم عاجلُ العذاب وآجله في الدنيا والآخرة.
من كل زوج : من كل صنف.
وبعد أن بيّن إعراضهم عن الآيات المنزلة من عند ربهم، ذكر أنهم أعرضوا عما يشاهدونه من آياتٍ باهرة فقال :﴿ يَرَوْاْ إلى الأرض كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴾ ؟ كيف اجترؤوا على مخالفة الرسول وتكذيب كتابة ! ! أوَلَم ينظروا ويتأملوا في عجائب قدرته تعالى وخلقِه هذه الأصنافَ التي تسترعي الأنظار، وتبهر الناظرين !.
إن في هذا وأمثاله لمعجزةً عظيمة وعبرةً جليلة ودليلاً على وجود الخالق القدير، ولكنّهم لم يُعمِلوا عقولَهم في النظر في هذا الكون البديع، فما آمنَ أكثرهم، وظلّوا جاحدين.
ثم بشّر الله رسولَه بالنصر والتأييد وغلبتِه لأعدائه وإظهاره عليهم فقال :﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم ﴾ : إن ربك أيها الرسول، لقويٌّ قادر على كل ما يريد، وهو ذو الرحمة الواسعة، فلا يعجِّلُ بعقاب من عصاه، وهو المتفضّل بالرحمة على المؤمنين.
مرت حلقاتٌ من قصة موسى في سورة البقرة، وسورة المائدة، وسورة الأعراف، وسورة يونس، وسورة الإسراء، وسورة الكهف، وسورة طه، عدا إشارات إليها في سورة أخرى. وفي كل سورة تأتي القصة مناسبةً لها، وهنا تبدأ القصة من الآية العاشرة إلى الآية ٦٨.
اذكر يا محمد، لقومك إذ نادى اللهُ موسى وأمَرَه أن يذهب إلى الظالمين.
قوم فرعونَ ليدعوهم إلى دين الله.
فقال موسى إني أخاف أن يكذّبوا برسالتي.
ولا ينطلق لساني لما فيه من الثقَل، فأرسلْ معي أخي هارون رسولاً يعينني.
قراءات :
قرأ يعقوب :﴿ ويضيق صدري ولا ينطلق لساني ﴾ بنصب يضيق وينطلق، والباقون بالرفع
ولهم عليَّ ذنبٌ حين قتلتُ منهم رجلاً فأخاف أن يقتلوني به.
فقال له الله : لن يقتلوك، فاذهبْ أنت وأخوك هارون بآياتي وأنا معكم أستمعُ لما تقولون وأرى ما يجري بينكم.
اذهبا وقولا لفرعون إننا رسولا ربِّ العالمين،
أرسلَنا إليك لترسلَ معنا بني إسرائيل وتدَعَهم أحرار يعبدون الله.
فلما ذهبا إلى فرعون وقالا له ما أمرهما الله به، قال فرعون لموسى : يا موسى، ألم نُربِّك في قصرِنا وأنت وليد صغير، ومكثت في رعايتنا سنين من عمرك حتى كبِرتَ وأصبحت شابا.
وجنيتَ جنايتك فقتلتَ رجلاً دون ذنبَ ! ! وأنت الآن تكفر بدِيني، وتنكر نعمتي !
فقال موسى : لقد ارتكبت جريمتي وأنا ضالّ لا أعرف حدود الله.
وفررت منكم لَمّا خفت أن تقتلوني، فوهب الله لي حُكماً وعلماً وجعلني من المرسلين.
إنك يا فرعون تمنّ عليّ بتربيتك لي، والواقع أن جميع ما أنعمتَ به علي لا يعادل
ما ارتكبتَه أنت مع بني إسرائيل من استعبادٍ وقتل وإذلال.
قال فرعون يسأل موسى في تجاهل وهزء : أيّ شيء يكون ربُّ العالمين الذي تدعو اليه ؟
فأجابه موسى بالصفة المشتملة على الربوبية : إنه ربُّ السماوات والأرض ورب هذا الكون الهائل، ﴿ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ ﴾.
فالتفتَ فرعون إلى مَن حوله ليصرفَهم عن التأثر بقول موسى وقال لهم : ألا تستمعون إلى ما يقوله موسى، إنه يدعوكم إلى عبادة إلهٍ لا عهدَ لنا به، ولا قاله أحد نعرفه.
فقال موسى : هو ربكم وربّ آبائكم الأولين.
فلما لم يستطع فرعون أن يردّ على ما جاء به موسى ﴿ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ﴾.
ولكن موسى لم يسكت ومضى يصدَعُ بكلمة الحق التي تزلزل الطغاة فقال :﴿ قَالَ رَبُّ المشرق والمغرب وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾. إني أدعوكم إلى عبادة إلهِ هذا الكون العظيم إن كان لكم عقول تفكر وتتدبر في الأمور.
فقاطعه فرعون قائلا : إنِ اتخذتَ إلها غيري أسجنُك وتكونُ من المعذبين.
فقال موسى : أتفعل ذلك ولو جئتك ببرهانٍ عظيم يدلّ على صدقي فيما أقول ؟
فقال فرعون : فأتِ بالذي يشهد بنبَّوتك إن كنت صادقاً في دعواك.
ثعبان مبين : ظاهر بلا تمويه.
وهنا كشف موسى عن معجزتيه : ألقى عصاه فإذا هي ثعبانٌ ظاهر حي يخيف.
وأخرج يده من جيبه فإذا هي بيضاء مع أن موسى أسمر البشرَة. عندئذٍ أحسّ فرعون بضخامة المعجزة فأسرع يقاومها، وأخذ يتملّق الذين حوله ويخوّفهم من موسى.
الملأ : أشراف القوم.
فقال لمن حوله : إن هذا ساحرٌ كبير.
فماذا تأمرون : بماذا تشيرون.
يريد أن يستميل إليه قلوبكم لتؤمنوا به، فيكثر بذلك أتباعه ويأخذَ البلاد منكم، فأشيروا عليَّ ماذا أصنع به ؟
أرْجه وأخاه : أخّره وأخاه ولا تقتلهما.
حاشرِين : اجعل رجال الشرطة يحشرون السحرة من جميع البلاد.
فأجابوه بقولهم : أخِّرْه مع أخيه، واضربْ لهما موعِدا.
وجمع له كل سحرة دولتك، لينازلوه في يوم معيّن، تجمع فيه الناس ليشاهدوا هذه المباراة.
الميقات : الوقت المحدد.
يوم معلوم : يوم العيد كما جاء في سورة طه يوم الزينة.
ذُكرت هذه المباراة في سورة الأعراف وسورة طه وفي هذه السورة وخلاصتها :
أن فرعون وقومه أرادوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم، فأبى الله إلا أن يُتمَّ نورَه ولو كره الكافرون.
فلما جاء السحرةُ في اليوم المعيّن من مختلف أقاليم مصر العليا - وكانوا أبرع الناس في فنّ السحر وأشدَّهم خِداعا وتمويها - طلبوا من فرعون الأجرَ إن هم غَلَبوا.
فأجابهم إلى ما طلبوا، وزادهم بأنه سيجعلهم من بطانته المقربين إليه.
وابتدأت المباراة.... فقال موسى للسَحَرة : ألقوا ما تريدون إلقاءه من السحر.
وعزة فرعون : قسمٌ بقوته وعظمته.
فألقَوا حبالهم وعصيَّهم. وخيِّل للناس المجتمعين أنها تسعى. وأقسموا بعزّة فرعون إنهم الغالبون.
تلقَفُ : تبتلع.
يأفكون : يكِذبون بقلب الحقائق، بكيدهم وسحرهم.
فألقى موسى عصاه فإذا بها تبتلع كل ما ألقوه، وما خدعوا من أعينَ الناس.
قراءات :
قرأ حفص : تلقف بسكون اللام وفتح القاف دون تشديد. والباقون : تلقف بفتح اللام وتشديد القاف المفتوحة.
وانتهت المباراة بغلبة موسى لهم، وعرف السحرة أن هذا الذي جاء به موسى ليس سحراً وإنما هو معجزة نبيّ، فسجدوا.
وقالوا : آمنا بربّ العالمين.
ربّ موسى وهارون.
من خلاف : قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، والعكس بالعكس.
فقال فرعون وقد أخذه الغضب : وأخذ يهدد السحرة ويتوعدهم ويقول : إنه لكبيرُكُم الذي علَّمكم السحرَ. إن موسى هذا هو الذي علّمكم هذا السحر، وقد تواطأتم معه، فلسوف تعلمون ما سأفعله بكم وبه، لأقطَعَنَّ أيديَكم وأرجُلكم بشكل متخالف، ولأصْلبنَّكم على جذوع الشجر.
قراءات :
قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر وروح : أأمنتم بهمزتين، والباقون : آمنتم.
لا ضير : لا ضرر.
منقلبون : راجعون.
فقالوا جميعا : لا ضرر، افعلْ ما تريد، فإن المرجع إلى الله، وهو لا يُضيع أجر من أحسن عملا.
وإنا لنرجو أن يغفر لنا خطايانا، لأننا أول من آمن بدين موسى.
سرى وأسرى : سار ليلا.
متبعون : يتبعكم فرعون وجنوده.
وأوحى الله إلى موسى أن يَسْرِيَ ببني إسرائيل ليلاً ويخرج من مصر، وأن يمضيَ بهم حيث ما يؤمر. ففعل. كذلك أعلمه الله أن فرعون سيتبعهم.
وبالفعل، فقد أرسل فرعون إلى جميع المدائن بمصر.
الشرذمة : الجماعة القليلة من الناس، والشرذمة : القطعة من الشيء جمعها شراذم.
يقول لهم : إن موسى ومن معه شِرذمة قليلة.
غائظون : جمع غائظ، وهو الذي يفعل ما يغضب.
قد أغاظونا بإيمانهم بموسى وربه.
حَاذرون : جمع حاذر وهو الذي يكون يقِظا محترزا.
فعليكم جميعا أن تحذَروهم.
قراءات :
قرأ أهل الكوفة وابن عامر :﴿ حاذرون ﴾ بألف بعد الحاء، والباقون :﴿ حذرون ﴾.
وخرج فرعون بجيوشه ليلحقوا بموسى ومن معه، وتركوا تلك البلاد وما فيها من نعيم، ومنازِل وقصورٍ وجنات.
مقام كريم : القصور العالية، والمنازل المريحة والنعمة الوافرة.
أورثناها : ملّكناها لهم.
يعني أنه أخرج بني إسرائيل من ذلك النعيم، وأورث بني إسرائيل جناتٍ وعيوناً مماثلة لها في أرضٍ غيرها، ولا يمكن أن يكون بنو إسرائيل عادوا إلى مصر وورثوها وأقاموا بها.
مشرقين : وقت شروق الشمس.
ولحقَ فرعون وجنوده موسى ومن معه عند شروق الشمس.
تراءى الجمعان : تقابلا ورأى كل منهما الآخر.
لمدرَكون : سيدركوننا.
فلما رآهم قوم موسى خافوا وقالوا : أدركَنا فرعون ! !
فقال موسى : لا تخافوا إن معي ربي وهو سيَهدني إلى الصواب، ويرشدّني إلى طريق النجاة.
قراءات :
قرأ حفص :﴿ معيَ ربي ﴾بفتح الياء، والباقون :﴿ معي ربي ﴾بسكونها.
انفلق : انشق.
الفِرق : بكسر الفاء الجزء.
الطود : الجبل.
فأوحى الله إلى موسى أن اضرِبْ بعصاك البحر، فضربه، فانفلق البحر قسمين عظيمين كل قسم كالجبل.
أزلفنا : قربنا.
ثم : هناك.
وسار موسى وقومه ونجوا.
وتبعهم فرعون وجيشه فانطبق عليهم الماء فغرقوا جميعا. وفرعونُ كما تقدم هو امنفتاح بن رمسيس، وجسده موجود الآن في المتحف المصري يشاهده الناس.
لآية : لعظة وعبرة.
إن في هذا الذي حدثَ في البحر لمعجزةً وعبرة لمن أراد أن ينتفع. لكنّ أكثرهم لم يؤمنوا ولم يعتبروا مع ما رأوا من الآيات العظام والمعجزات الباهرات.
يتكرر هذا التعقيب في هذه السورة ثماني مرات في ختام كل قصة
اتلُ عليهم : أخبرهم، واقرأ عليهم.
في هذه الآية الكريمة والآيات التي بعدها عرضٌ لقصة إبراهيم والحِجر ومريم والأنبياء والحج، وكانت القصة في كل سورة مناسبةً لسياقها العام، وعُرِض منها ما يتفق مع موضوع السورة.
وخلاصتها : أخبرْ يا محمد، الناس قصة إبراهيم
إذ قال لأبيه وقومه : أي شيء هذا الذي تعبدونه ؟
عاكفين : ملازمين على عبادتها ومواظبين.
قالوا : نعبد أصناماً ونلتزم طاعتها ونواظب على ملازمتها.
فقال إبراهيم : هل تسمعكم هذه الأصنام حين تدعونها.
وهل تضركم أو تنفعكم ؟
قالوا : لا يفعلون لنا شيئا من ذلك، ولكننا وجدْنا آباءنا يعبدونها فقلّدناهم فيما كانوا يفعلون.
قال إبراهيم : هل فكّرتم فيما تفعلون وما تعبدون ؟ أنتم وآباؤكم، بأن هذه الأصنام أهلٌ للعبادة ؟
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:قال إبراهيم : هل فكّرتم فيما تفعلون وما تعبدون ؟ أنتم وآباؤكم، بأن هذه الأصنام أهلٌ للعبادة ؟
إنني عدو لهذه الأصنام، فأنا أعبد رب العالمين.
الذي خلقني وتكفّل برعايتي، وهداني إلى الدين الذين يدلّني على أسلوب الحياة الصحيح.
إنه هو الذي يسّر لي الرزقَ وأنعم عليّ بالطعام والشراب.
وهو الذي ينعم علي بالشفاء إذا مرضتُ.. ( لم يقل والذي يُمرْضني، بل قال وإذا مرضتُ، وهذا من الأدب مع ربه )....
وهو الذي يميتني إذا حلّ أجَلي، والذي يحييني مرةً أخرى للحساب والجزاء.
يوم الدين : يوم القيامة.
والذي أطمع أن يغفر لي ذنوبي يوم القيامة.
حُكما : علما بالخبر والعمل به.
ثم توجه إبراهيم إلى ربه بالدعاء فقال : يا رب، امنحني عِلماً أسير على هداه، ووفّقني لأنتظمَ في عداد الصالحين.
لسانَ صدق : ذكراً جميلا بين الناس.
واجعل لي ثناءً حينا، وذِكراً جميلاً يبقى أثره بين الناس إلى يوم القيامة.
واجعلني يا ربّ من عبادِك الذين يدخلون جنة النعيم.
واغفر لأبي إنه كان من الكافرين.
يوم يُبعثون : يوم القيامة.
ولا تُذلّني يوم القيامة.
يوم لا ينفعُ أحداً مالُه ولا أولاده.
إلا من جاء الله بقلبٍ سليم من كل كفر ورياءٍ ونفاق.
أُزلفت :: قربت.
وقُرّبت الجنةُ وهيئت للسعداء الذين أطاعوا الله وآمنوا برسُله واتبعوا دينه.
وبُرّزت : بضم الباء وتشديد الراء المكسورة : جُعلت ظاهرة.
الغاوين : الضالين عن طريق الحق.
كما أُظهِرت جهنّم للضالين الجاحدين.
وقيل لهم : أين آلهتكم التي كنتم تعبدونها من دون الله ؟
هل يستطيعون إنقاذكم أو ينتصرون لأنفسهم ؟
كبكبوا : ألقوا على وجوههم مرة بعد أخرى.
إنكم وإياهم جميعاً في النار ثم أُلقوا في الجحيم على وجوههم.
فلما احتشدوا جميعاً في جهنّم أخذوا يتخاصمون مع أربابهم.
فقالوا لهم : واللهِ إنّا كنا في الدنيا ضالّين.
نسوّيكم : نجعلكم مساوين له في استحقاق العبادة.
باتّباعكم حين أطعناكم وسوّيناكم برب العالمين.
وما أضلَّنا الا المجرمون من أعوانكم....
ونحن ليس لنا اليومَ من يشفع فينا ويُخرجنا من هذه النار.
ولا صديق حميم : ولا صديق خالص الود.
ولا صديقَ يحمينا منها !
فلو أن لنا كرّة : لو أن لنا رجعة ثانية إلى الدنيا.
يا ليتنا نعودُ إلى الدنيا فنؤمن بالله ونكفر بكم.
إن فيما ذكِر من نبأ إبراهيم لعظةً وعبرة لمن أراد أن يتعظ ويعتبر، وما كان أكثر قومِك يا محمد، من المؤمنينَ.
جاء التعبير بأنهم كذّبوا جميعَ المرسَلين لأنهم كذبوا نوحا.
إذ قال لهم أخوهم نوح : ألا تحذَرون بطش الله بكم ؟
إني لكم يا قومي رسولٌ أمين.
فاتقوا الله وأطيعوني وتبعوا ديني.
أنا لستُ أطلب منكم أجرا، وما أجري إلا على رب العالمين.
قالوا : أنؤمن لك يا نوح ولم يؤمن الا البسطاء وأراذل القوم ! ؟
قراءات :
قرأ يعقوب :﴿ وأتباعك الأرذلون ﴾ وقرأ الباقون :﴿ اتبعك الأرذلون ﴾
قال نوح : إن لي ظاهرَ أحوالهم، ولا أعلم ما في باطنهم. إني أقبَلُ كل من يؤمن بديني
وحسابهم على الله.
وما أنا بطاردهم ما داموا مؤمنين.
نذير : مخبر مع تخويف من العاقبة، ضد البشير.
فلستُ الا نذيراً أُبلّغ عن ربي.
من المرجومين : بالحجارة، رجمه يرجمه رجما : قتله بالحجارة.
فهدده قومه وقالوا له : لئن لم ترجعْ عن دعواك هذه لنرجمنَّك كالمجرمين.
قال نوح : يا ربّ إن قومي كذّبوني ولم يبقَ لي أملٌ في إصلاحهم.
فافتح بيني وبينهم : فاحكم بيني وبينهم.
فاحكم بيني وبينهم ونجّني ومن معي من المؤمنين.
الفلك : السفينة، للمفرد والجمع والمذكر والمؤنث.
المشحون : المملوء، شحن السفينة : ملأها.
فأنجاه الله ومن معه في سفينته المشحونة بالخلْق والدوابّ.
وأغرق قومه الآخرين الذين لم يؤمن منهم إلا القليل.
إن فيما ذكره القرآن من نبأ نوح لحجةً على صدقِ الرسُل وقدرة الله، وما كان أكثر الذين تتلو عليهم يا محمدُ، هذا القَصص مؤمنين.
عاد : قبيلة.
تقدمت قصة عادٍ في سورة الأعراف مفصَّلة، وفي سورة هود، وفي سورة المؤمنون بدون ذكر اسم هود وعاد. وتُعرَض هنا مختصرةً، وتبدأ كما بدأت قصة نوح وقومه.
﴿ كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين ﴾.
إذ قال هود لقومه : ألا تخافون الله وتحسبون حساباً لبطشِهِ ؟
إني لكم رسولٌ أمين.
وأكرر لكم القول أنِ اتقوا الله وأطيعوني فيما أبلّغكم من عند الله.
وما أريد منكم أجرا، إن أجريَ على الله رب العالمين.
رِيع : بكسر الراء وفتحها : المكان المرتفع.
آية : قصرا عاليا.
تعبثون : تفعلون ما لا فائدة فيه.
أتشيدون بكل مكانٍ مرتفع من الأرض بناءً شامخا تتفاخرون به وتعبثون فيه بالفسق والفجور !
مصانع : قصورا وحصونا منيعة.
لعلكم تخلدون : كأنكم خالدون في هذه الدنيا.
وتتخذون القصورَ المشيدة والحصونَ المنيعة كأنكم خالدون في هذه الدنيا !
بطشتم : أخذتهم بالعنف.
جبارين : متسلطين بلا رأفة ولا شفقة.
وإذا أخذتم قوماً في حربٍ أخذتموهم بعنف الجبابرة دون شفقة أو رحمة !
أمدّكم : سخر لكم.
اتقوا الله الذي أمدّكم بالأنعام والأولاد.
ت ١٣٢
وجناتٍ تحيط بها العيون.
فأنا أخاف عليكم عذاب يوم القيامة.
الوعظ : الكلام اللين بذكر الوعد والوعيد.
قالوا : إننا لدعوتك مكذّبون، سواء علينا أوعظتَنا أم لم تعِظنا. نحن لن نطيع أمرك.
خلق الأولين : عاداتهم التي كانوا يعملون.
لأننا نتّبع أخلاق آبائنا وما كانوا يعملون.
قراءات :
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي :﴿ إن هذا الا خُلْق الأولين ﴾بضمّ الخاء وسكون اللام وقرأ الباقون :﴿ خَلَق ﴾بفتح الخاء واللام.
وما نحن بمعذَّبين عليهم كما تنذرنا به.
فكذّبوه، فأهلكناهم. إن في ذلك لآيةً يتناقلها الناس، وما أكثر الذين تتلو عليهم يا محمد نبأ عاد بمؤمنين.
تقدمت قصة صالح مع قومه في سورة الأعراف وفي سورة هود. وكانوا يسكنون بالحِجر وهي المحلّة التي تسمى الآن « مداين صالح » في شمال الحجاز.
وكذّب قوم ثمود نبيّهم صالحا.
إذ قال صالح لقومه يا قومي : ألا تخشَون ربكم ؟
إني رسول منه إليكم.
فاحذَروا الله وأطيعوني.
ولا أريد منكم أجرا، فأجري على الله رب العالمين.
أتظنون أنكم تُتْركون في دياركم آمنين، وأنتم على ما أنتم عليه من الكفر والظلم ؟
وترتعون في جناتٍ وعيون.
الطلع : أول ما يطلع من الثمر في أول تكوينه.
هضيم : ناضج لين.
وزرع ونخلٍ ثمرُها يانعٌ لطيف.
تنحتون : تحفرون البيوت في الصخر، وهو موجود إلى الآن في مداين صالح.
فارهين : نشطين فرحين.
وتنحتون من الجبال بيوتا مترفين نشطين ؟
قراءات :
قرأ ابن كثير وأبو عمرو :﴿ فَرِهين ﴾بدون ألف، وقرأ الباقون :﴿ فارهين ﴾ بألف بعد الفاء.
خافوا الله وأطيعوني أنا.
ولا تطيعوا الّذين أسرفوا على أنفسِهم بالشِرك واتباع الهوى.
فهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
من المسحَّرين : الذين سُحروا حتى ذهبت عقولهم.
قالوا : ما أنت إلا من المسحورين.
وما أنت إلا رجل مثلنا فأتِ بمعجزة إن كنت من الصادقين.
شِرب : نصيب.
قال : إن معجزتي هذه الناقة، لها نصيبٌ من الماء في يومٍ لها ولكم نصيب مثلُه في يوم آخر.
اتركوها ولا تمسّوها بسوء فيعذّبكم الله عذابا شديدا.
عقروها : ذبحوها. وقبل أن يذبحوا الناقة كانوا يقطعون قوائمها، وهذا هو العقر.
فعقروها ثم ندموا على ما فعلوا خوفاً من العذاب.
فأخذهم العذابُ، وجاءتهم صيحة عظيمة فأصبحوا في ديارهم جاثمين. إن في ذكر قصتهم لدلالةً على قدرة الله على إهلاك الكافرين، وما كان أكثر قومك أيها الرسول بمؤمنين.
تقدمت قصة لوط في سورة الأعراف، وسورة هود، وسورة الحجر.
أرسل الله لوطاً إلى قومٍ يسكنون في منطقة البحر الميت، أخفضِ بقعة في العالم، وهي واقعة في وادي الأردن. وكانت مدينة سَدُوم وما حولها من القرى عامرة بالخيرات.
أخوهم : في البلد والسكنى، وكان لوط غريباً من أرض العراق وهو ابن أخ إبراهيم.
فدعاهم لوط إلى عبادة الله، وَتركِ أقبح عادةٍ كانوا يعملونها وقال لهم ! ألا تتقون الله وتخافون عذابه
إن الله قد أرسلني إليكم وأنا أمين على رسالته.
فاتقوا الله وأطيعوني.
لا أريد منكم أجرا إنما أجري من عند الله.
الذكران : جمع ذكر.
إنكم يا قومُ دون الناس جميعاً تفعلون الفاحشة بالذكور
عادون : متعدّون.
وتتركون ما خلق الله لكم من النساء !
المخرَجين : الذين نطردهم.
فأجابوه : يا لوط، إما أن تتركنا مع شهواتنا وتترك دينَك أو نخرجك من بلادنا.
القالين : المبغِضين.
فقال لهم : إني لعملكم هذا من المبغضين.
فلما يئس منهم توجّه إلى ربه وقال : يا رب، نجّني وأهلي مما يعملون.
فنجاه الله مع أهله.
الغابرين : الباقين.
إلا زوجته العجوز التي كفرت بدينه.
ودمر الله الآخرين كما جاء في قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ ﴾ [ هود : ٨٢ ].
الأيكة : الشجر الكثيف، وهي غَيضة قرب مَدْيَنَ في شمال الحجاز.
تقدمت قصة شعيب في سورة الأعراف، وفي سورة هود. وكان أصحاب الأيكة يسكنون في غابةٍ قرب « مدين » أرسل الله إليهم شُعيباً فكذّبوه.
قراءات :
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر :﴿ أصحاب ليكة ﴾بدون ألف، والباقون :﴿ الأيكة ﴾.
المخسرِين : هم الذين يأخذون من الناس أكثر ما لهم.
ونصحهم وقال لهم : أوفوا الكيلَ.
القسطاس : الميزان.
وزِنوا للناس دون زيادة أو نقصان.
لا تبخسوا الناس أشياءهم : لا تنقصوا حقوق الناس.
لا تعثوا : لا تفسدوا.
ولا تنقصوا حقوق الناس، ولا تفسدوا في الأرض بقتل الناس وقطع الطرقات.
الجبلّة : الطبيعة والخلقة، يقال جُبل فلان على كذا : خُلق.
اتقوا الله الذي خلقكم والذين من قبلكم.
فقالوا له : أنت رجل مسحور مختلّ العقل،
ولستَ إلا بشراً مثلنا، ونحن نعتقد أنك كاذب، لم يرسلك الله إلينا.
كسفا : قطعا، جمع كسفة.
أسقطْ علينا قطعاً من السماء إن كنت من الصادقين !
فقال لهم : إن ربي عليم بما تَعملون من سيئات، وبما تستحقونه من العذاب.
الظلّة : السحابة التي جاءت بالعذاب.
فكذّبوه فأهلكهم الله بتسليط الحر الشديد، وأظلّتهم سحابة فاجتمعوا تحتها فأسقطها الله عليهم ناراً فأهلكتهم جميعا، في يوم شديد الهول.
انتهى قصص الأنبياء.... ويلاحَظ أنه لم يأت القصص حسب التواريخ والأقدمية، وقد جاء أكثرها مختصرا حسب سياق السورة. والمقصود بذلك كله هو الإنذار والتذكير وتسلية الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.
بعد أن اختتم سبحانه هذا القصص، وبيّن ما دار بين الأنبياء وأقوامهم من الجدل، وذَكَرَ أنه قد أهلك المكذّبين، فدالت دولةُ الباطل وانتصر الحق ( وفي ذلك كله تسلية لرسوله الكريم ) وعد الله رسولَه بأنه منتصر على قومه مهما آذوه ولقي منهم من الشدائد :﴿ سُنَّةَ الله فِي الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً ﴾ [ الأحزاب : ٦٢ ].
الروح الأمين : جبريل عليه السلام.
بعد ذلك بين الله تعالى أن هذا القرآن الذي جاء بذلك القصص وحيٌ من عنده.
قراءات :
قرأ ابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي :﴿ نزّلَ به الروحَ الأمينَ ﴾بتشديد الزاي المفتوحة ونصب الروح الأمين، والباقون :﴿ نَزَلَ به الروح الأمين ﴾ : بفتح الزاي دون تشديد، ورفع الروح الأمين.
على قلبك : عليك وعلى روحك.
أنزله على عبده ورسوله.
بلسان عربيّ مبين، لينذر به ويبشّر عباده.
زُبُر الأولين : كتب الأقدمين.
وإن ذكره في الكتب المتقدمة المأثورة عن الأنبياء الذين بشروا به كما جاء على لسان عيسى بن مريم ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ يابني إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التوراة وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسمه أَحْمَدُ ﴾ [ الصف : ٦ ]
الآية : الدليل والبرهان.
وإن العلماء من بني إسرائيل يجدون ذكره في كتبهم كما قال تعالى :﴿ الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمي الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التوراة والإنجيل ﴾ [ الأعراف : ١٥٧
قراءات :
قرأ ابن عامر :﴿ أولم تكن لهم آيةٌ ﴾ بالتاء ورفع آية، اسم تكن، والباقون :﴿ أولم يكن لهم آيةً ﴾بالياء ونصب آية، خبر يكن.
الأعجمين : كل من لا يتكلم العربية.
وإن قومك أيها الرسول سمعوا القرآن وعرفوا فصاحته، وأدركوا أنه معجز لا يعارَضُ بكلام مثله، ومع هذا لم يؤمنوا به فلو أنّا أنزلناه على بعض الأعجمين.
فقرأه عليهم لكفروا به.
سلكناه : أدخلناه.
بيَّنا لهم القرآن ودخل قلوبهم ولم يؤمنوا به.
وهم لا يؤمنون به كفرا وعنادا منهم، حتى يأتيهم عذاب الله بغتة وهم لا يشعرون
بغتة : فجأة.
ت ٢٠١
منظَرون : مؤخرون.
فيتمنون عند ذلك أن يؤخَّروا حتى يؤمنوا. ولكن هيهات... فات الأوان. فقد جرت سنة الله أن لا يُهلك قوماً إلا بعد أن يبعث فيهم مبشّرين ومنذرين.
ثم ردّ على مشركي قريش الذين قالوا : إن لمحمدٍ تابعاً من الجنّ يخبره كما يخبر الكهف فقال :﴿ وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ ﴾ يذكّرونهم وينذرونهم.
ذِكرى : تذكرة وعبرة.
وما كان شأننا الظلم فنعذّبَ أُمة قبل أن نبعث إليها رسولا.
وما تنزلت الشياطينُ بهذا القرآن.
ما ينبغي لهم : لا يقدرون عليه، ولا يتيسر لهم.
وما يجوز لهم وما يستطيعون.
لمعزولون : لممنوعون.
فلا تدعُ مع الله إلها آخر : لا تعبد غير الله.
أخلِص العبادة لله وحده، ولا تشرك به سواه، كما يدعوك قومك، فإن فعلت ذلك كنتَ منن المعذَّبين
وأنذر أقرب الناس إليك من عشيرتك.
روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال :« لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا، وأتى الصَّفا فصعد عليه ثم نادى : يا صباحاه، فاجتمع الناس إليه، فقال : يا بني عبدِ المطّلب، يا بني فِهر، يا بني لؤي، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني ؟ قالوا : نعم، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب : تباً لك سائر اليوم، أما دعوتنا إلا لهذا » ؟ فأنزل الله تعالى :﴿ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾.
واخفضْ جناحك : ترفّق بمن اتبعك من المؤمنين، وكن ليِّناً معهم.
ألنْ جانبك، وترفّق مع المؤمنين.
فإن عصاك من أنذرتهم من العشيرة وغيرهم فلا ضير عليك، وقد أديت ما أُمرت به، وقل لهم إني بريء منكم ومن شِرككم بالله.
وتوكل على الله وفوِّض جميع أمورك إليه.
وهو الذي يراك حين تقوم للعبادة.
وتقلُّبك في الساجدين : يراك مع المصلين حين تصلّي.
ويراك وأنت تصلّي بين المصلين.
إنه هو السميع لدعائك وذكرك، العليم بنيتّك وعملك أنت وجميع العباد وأقوالهم وأفعالهم
أنبئكم : أخبركم.
لقد اتهمت قريش النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن الشياطين هي التي توحي إليه القرآن.
كل أفّاك : كل كذاب.
أثيم : مجرم كثير الذنوب.
فردّ عليهم أن الشياطين لا تُنَزل على الأنبياء، بل على الكذّابين الآثمين المنحرفين الذين تلقي إليهم الإفكَ والكذب، وهم كاذبون يختلقون من عندهم ما يقولونه لأتباعهم.
يُلقون السمع : يصغون أشد الإصغاء إلى الشياطين، فيتلقون منهم.
ت ٢٢٢
الغاوون : الضالون.
وأنّ الشعراء يتّبعهم الضالون الحائدون عن الطريق القويم.
في كل واد يهيمون : في كل مكان يسيرون وراء خيالاتهم.
ألم تَرَ أنهم يجرون وراء خيالهم في ضروب من القول.
ويقولون ما لا يفعلون !
أيّ منقلَب : أي مرجع ومآب.
ولما وصف الشعراء بهذه الأوصاف الذميمة استثنى منهم المؤمنين المتصفين بالصفات الحميدة من الإيمان، والعمل الصالح، والقول الصادق، وعدمِ هجاءِ الناس واختلاق الأقوال السيئة مثلَ حسّان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك وغيرهم رضوان الله عليهم. والى هذا أشار بقوله تعالى :﴿ إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ ﴾.
روى ابن جرير :« انه لما نزلت هذه الآية جاء حسّان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب ابن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم محزونون وقالوا : قد علم الله حين أنزل هذه الآية أنا شعراء، فتلا النبي قوله تعالى :﴿ إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ وقال : أنتم. ثم تلا ﴿ وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً ﴾ وقال : أنتم. ثم ﴿ وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ ﴾ وقال : أنتم.... يعني بردّهم على المشركين، ثم قال لهم رسول الله :« انتصِروا ولا تقولوا إلا حقا، ولا تذكروا الآباء والأمهات »
ثم ختم الله السورة بالتهديد العظيم، والوعيد الشديد للكافرين فقال :﴿ وَسَيَعْلَمْ الذين ظلموا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾ : سيعلم الظالمون أي مصيرٍ ينتظرهم من الهلاك والشرّ والعذاب.
Icon