تفسير سورة الشعراء

معاني القرآن للفراء
تفسير سورة سورة الشعراء من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

وقوله: وَيُلَقَّوْنَ [٧٥] و (يلقّون فيها) «١» كل قد قُرئ بِهِ و (يَلْقَوْنَ) أَعْجَبُ إِليّ لأن القراءة لو كانت عَلَى (يُلقَّون) كانت بالباء فِي العربية لأنك تَقُولُ: فلان يُتَلقّى بالسلام وبالخير.
وهو صواب يُلَقَّوْنه ويلقون بِهِ كما تَقُولُ: أخذت بالخطام وأخذته.
وقوله: ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي [٧٧] ما استفهام أي ما يصنعُ بكم (لَوْلا دُعاؤُكُمْ) لولا دعاؤُه إياكم إلى الإسلام (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) نصبت اللزام لأنك أضمرت فِي (يكون) اسمًا إن شئت كَانَ مجهولًا فيكون بمنزلة قوله فِي قراءة أُبَيّ (وإنْ كَانَ «٢» ذَا عُسْرَةٍ) وإن شئت جعلت «٣» فسوف يكون تكذيبكم عذابًا لازمًا «٤» ذكر أنه ما نزل بهم يوم بَدْر. والرفعُ فِيهِ جائز لو أتى. وقد تَقُولُ الْعَرب: لأضربَنَّكَ ضَرْبةً تكون لَزَام يا هَذَا، تخفض كما تَقُولُ:
دَراكِ ونَظَار. وأنشد.
لا زلت مُحتمِلًا عليّ ضغينةً حَتَّى المماتِ تكونُ مِنْكَ لَزَامِ
قَالَ «٥» : أنشدناهُ فِي المصادر.
ومن سورة الشعراء
قوله: باخِعٌ نَفْسَكَ [٣] قاتل نفسك (أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) موضع (أن) نصب لأنها جزاء، كأنك قلت: إن لَمْ يؤمنوا فأنتَ قاتل نفسك. فلمّا كَانَ ماضيًا نصبت (أن) كما تَقُولُ أتيتك أن أتيتني. ولو لَمْ يكن ماضيًا لقلت: آتيك إن تأتنِي. ولو كانت مجزومة وكسرت
(١) القراءة الأولى لأبى بكر وحمزة والكسائي وخلف وافقهم الأعمش. والقراءة الأخرى للباقين.
(٢) الآية ٢٨٠ سورة البقرة.
(٣) أ: «كان».
(٤) فى أبعده: «يوم بدر».
(٥) أي مستملى الكتاب وهو؟؟؟ بن الجهم.
275
(إن فيها كَانَ صوابًا.) ومثله قول الله (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ «١» شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ) و (إن صدّوكم). وقوله (من الشهداء «٢» أن تضلّ) و (إن تَضِلّ) وكذلك (أَفَنَضْرِبُ «٣» عَنْكُمُ الذكر صَفْحًا إن كنتم) و (أن كنتم) وَجْهَان جَيِّدَان.
وقوله: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً [٤] ثم قال (فظلّت) ولم يقل (فَتَظلل) كما قَالَ (ننزل) وَذَلِكَ صواب: أن تعطف عَلَى مجزوم الجزاء بِفَعَلَ لأن الجزاء يصلح فِي موضع فعل يفعل، وَفِي موضع يفعَل فعل، ألا ترى أنك تَقُولُ: إن زرتني زرتكَ وإن تَزرني أزركَ والمعنى واحد. فلذلك صلح قوله (فَظَلَّتْ) مَرْدودة عَلَى يفعل، وكذلك قوله (تَبارَكَ «٤» الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ) ثم قال (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) فردّ يفعل عَلَى فعل وهو بمنزلة رده (فظلّت) على (ننزّل) وكذلك جواب الجزاء يُلقى يفعْل بِفَعَل، وفَعَل بيفعل كقولك: (إن قمت أقم، وإن تقم قمت. وأحسن الكلام أن تَجعل جواب يفعل بمثلها، وفعل بمثلها كقولك: إن تَتْجُرْ تَرْبَح، أحسن من أن تَقُولُ: إن تَتْجُر ربِحْتَ. وكذلك إن تجرت ربجت أحسن من أن تَقُولُ: إن تَجَرت تربح. وهما جائزان. قَالَ الله (مَنْ كانَ «٥» يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ) فقال (نُوَفِّ) وهي جواب لكان. وقال الشاعر «٦» :
إن يَسْمَعُوا سُبَّةً طارُوا بِهَا فرَحًا مني وما يَسْمَعُوا من صَالِح دَفَنوا
فَرَدّ الجواب بفعل وقبله يَفْعَل قَالَ الفراء «٧» : إن يسمعوا سُبّة عَلَى مثال غيَّة).
وقوله: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ [٤] والفعْل للأعناق فيقول القائل: كيف لَمْ يقل:
(١) الآية ٢ سورة المائدة.
(٢) الآية ٢٨٢ سورة البقرة.
(٣) الآية ٥ سورة الزخرف.
(٤) الآية ١٠ سورة الفرقان.
(٥) الآية ١٥ سورة هود.
(٦) هو قعنب بن أم صاحب. وقوله: «سبة» فى ش «سيئة» مخفف سيئة.
(٧) سقط ما بين القوسين في ش وسية مخفف سيئة.
276
خاضعة: وَفِي ذَلِكَ وُجُوه كلها صواب. أوّلها أن مُجاهدًا جعلَ الأعناق: الرجال الكبراء. فكانت الأعناق هاهنا بمنزلة قولك: ظلت رءوسهم رءوس القوم وكبراؤهم لَهَا خاضعين للآية «١». والوجه الآخر أن تجعل الأعناق الطوائف، كما تَقُولُ: رأيتُ الناس إلى فُلان عُنقًا واحدة فتجعل الأعناق الطوائف والعُصَبَ وأحبُّ إليّ من هذين الوجهين فِي العربية أن الأعناق إِذَا خضعت فأربابها خاضعونَ فجعلت الفعل أولًا للأعناق ثُمَّ جعلت (خاضِعِينَ) للرجال كما قَالَ الشاعر:
عَلَى قَبْضة مَوْجُوءة ظهرُ كَفّه فلا المرء مُسْتحيٍ ولا هُوَ طَاعِمُ «٢»
فأنث فعل الظهر لأن الكف تَجمع الظهر وتكفي منه: كما أنك تكتفي بأن تَقُولَ: خَضَعت لك رَقبتي ألا ترى أن العرب تَقُولُ: كلُّ ذي عينٍ ناظرٌ وناظِرَةٌ إليك لأن قولك: نظرت إليك عيني ونظرتُ إليك بِمعنى واحد فتُركَ (كُلّ) وله الفعل ورُدّ إلى الْعَين. فلو قلت: فظلت أعناقهم لَهَا خاضعة كَانَ صوابًا. وقد قَالَ الْكِسَائي: هَذَا بمنزلة قول الشاعر:
تَرى أرْباقَهُم متقلّديها إذا صدىء الحديدُ على الْكُمَاةِ «٣»
ولا يشبه هَذَا ذَلِكَ لأن الفعل فِي المتقلدين قد عاد بذكر الأرباق فصلح ذَلِكَ لعودة الذكر. ومثل هَذَا قولك: ما زالت يدُك باسطها لأن الفعل مِنْكَ عَلَى اليد واقعٌ فَلَا بُدَّ من عودة ذكر الَّذِي فِي أول الكلام. ولو كانت فظلت أعناقهم لَهَا خاضعيها كَانَ هَذَا البيت حُجّة لَهُ. فإذا أوقعت الفعل عَلَى الاسم ثُمَّ أضفته فلا تكتف بفعل المضاف إلا أن يوافق فعل الأول كقولك ما زالت يدُ عبد الله منفقًا ومنفقة فهذا من الموافق ١٣٣ ب لأنك تَقُولُ يدُه منفقة وهو منفقٌ ولا يجوز كانت يده باسطًا لأنه باسط لليد واليد مبسوطة، فالفعل مختلف، لا يكفي فعل ذا من ذا، فإن أعدت ذكر اليد صلح فقلت: ما زالت يده باسطها.
(١) هذا تفسير قوله: «لها». [.....]
(٢) سبق هذا البيت فى ١٨٧ من الجزء الأول. وفيه «مرجوة» فى مكان «موجوءة».
(٣) الأرباق جمع الربق وهو حبل فيه عدة عرا يشد فيها صغار الشاء لئلا ترضع. والكماة: الشجعان
277
وقوله: أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ [٧] يقول: حسن، يقال: هُوَ كما تَقُولُ للنخلة:
كريمة إِذَا طابَ حِمْلها، أو أكثر كما يُقال للشاة وللناقة كريمة إِذَا غَزُرتا. قَالَ الفراء: مِن كل زوجٍ من كل لَون.
وقوله: فى كلّ هذه السّورة (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) فِي علم الله. يقول: لَهم فِي القرآن وتنزيله آية ولكن أكثرهم فِي «١» علم الله لن يؤمنوا.
وقوله: قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ [١١].
فقوله: (أَلا يَتَّقُونَ) لو كَانَ مكانها: ألا تتقون كَانَ صوابًا لأن موسى أُمِرَ أن يقول لَهم ألا تتقون. فكانت التاء تَجوز لِخطابِ موسى إياهم. وجازت الياء لأن التنزيل قبل الخطاب، وهو بمنزلة قول الله (قُلْ «٢» لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ) و (سيغلبون).
وقوله: وَيَضِيقُ صَدْرِي [١٣] مرفوعة لأنها مردودة عَلَى (أخاف) ولو نُصبت بالرد على (يكذبون) كانت نصبًا صوابًا. والوجه الرفع لأنه أخبر أن صدره يضيق وذكر العلة التي كانت بلسانه، فتلك مِمَّا لا تَخاف لأنَّها قد كانت.
وقوله: (فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ) ولم يذكر معونة ولا مؤازرة. وَذَلِكَ أن المعنى معلوم كما تَقُولُ: لو أتاني مكروهٌ لأرسلت إليك، ومعناهُ: لتعينني وتغيثني. وإذا كَانَ المعنى معلومًا طُرح منه ما يرد الكلام إلى الإيجاز.
وقوله: وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ [١٩] قتله النفس فالفعلة منصوبة الفاء لأنها مرة واحدة.
ولا تكون وهي مرة فعلة. ولو أريد بِهَا مثل «٣» الجلسة والمشية جاز كسرها. حدّثنا أبو العباس
(١) ش: «على».
(٢) الآية ١٢ سورة آل عمران.
(٣) سقط فى ا.
قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي موسى الْأَنْصَارِيّ عَن السري بن إِسْمَاعِيل عَن الشعبي أَنَّهُ قرأ (وَفَعَلت فِعْلَتكَ) بكسر الفاء ولم يقرأ بِهَا غيره.
وقوله: (وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) وأنت الآن من الكافرين لنعمتي أي لتربيتي إياكَ وهي فِي قراءة عبد الله (قَالَ فعلتها إذًا وأنا من الجاهلين) والضالين «١» والجاهلين «٢» يكونان بِمعنى واحد لأنك تَقُولُ: جهلت الطريق وضللته. قَالَ الفراء: إِذَا ضاعَ منك الشيء فقد أضللته.
وقوله: فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً [٢١] التوراة.
وقوله: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ [٢٢] يقول: هى- لعمرى- نعمة إذ رَبَّيْتَنِي ولم تستعبدني كاستعبادك بني إسرائيل. فأن تدل عَلَى ذلك. ومثله فِي الكلام أن تترك أحد عبديك أن تضربه وتضرب الآخر، فيقول المتروك هَذِه نعمة عَليّ أن ضربت فلانا وتركتنى. ثم يحذف (وتركتنى) والمعنى قائم معروف. والعربُ تَقُولُ: عبَّدت العبيد وأعبدتهم.
أنشدني بعض العرب:
علام يُعْبِدُني قَومي وقد كثرت فيهم أبا عرُمَا شاءُوا وعِبْدان «٣»
وقد تكون (أن) رفعًا ونصبًا. أمّا الرفع فعلى قولك وتلك نعمة تَمُنّها عليّ: تعبيدُك بني إسرائيل والنصب: تمنَّها عَليَّ لتعبيدك بني إسرائيل.
ويقول القائل: أين جَواب قوله: (قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ) [٢٥] فيقال: إنه إنَّما أراد بقوله: (أَلا تَسْتَمِعُونَ) إلى قول موسى. فردّ موسى لأنه المراد بالجواب فقال: الَّذِي أدعوكم إلى عبادته (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ)
[٢٦] وكذلك قوله: (قال ربّ المشرق والمغرب)
[٢٨] يقول: أدعوكم إلى عبادة ربّ المشرق والمغرب وما بينهما.
(١) كذا. وقد راعى الحكاية. ولولا هذا لقال: «الضالون والجاهلون»
(٢) كذا. وقد راعى الحكاية. ولولا هذا لقال: «الضالون والجاهلون»
(٣) نسب فى اللسان (عبد) إلى الفرزدق.
وقوله: أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ [٥١] وجه الكلام أن تفتح (أَنْ) لأنَّها ماضية وهي فِي مذهب جزاء. ولو كُسرت ونُوي بِما بعدها الجزم كَانَ صوابًا. وقوله: (كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) يقولون: أول مؤمني أهل زماننا.
وقوله: إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ. [٥٤] يقول عُصْبَة قليلة وقليلون وكثيرون وأكثر كلام العرب أن يقولوا: قومك قليل وقومنا كَثِير. وقليلونَ وكثيرونَ جائز عربي وإنما جازَ لأن الْقِلّة إنّما تدخلهم جَميعًا. فقيل: قليل، وأوثر قليل عَلَى قليلين. وجازَ الجمع إذ كانت الْقِلة تلزم جَميعهم فِي المعنى فظهرت أسماؤهم عَلَى ذَلِكَ. ومثله أنتم حَيٌّ واحد وحيّ واحِدُونَ. وَمَعْنَى وَاحِدُونَ واحدٌ كما قَالَ الكميت:
فردّ قواصِي الأحياء منهم فقد رَجَعوا كحيّ واحدينا «١»
وقوله: حاذِرُونَ [٥٦] وحِذرُونَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو لَيْلَى السِّجِسْتَانِيُّ عَنْ أَبِي جَرِيرٍ «٢» قَاضِي سِجِسْتَانَ أَنَّ ابن مسعود قرأ «٣» (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) يَقُولُونَ: مُؤَدُّونَ فِي السِّلاحِ. يقول: ذَوو أداةِ من السلاح. و (حَذِرُونَ) وَكَأنَ الحاذِر: الَّذِي يَحذرك الآن. وكأن الحذِر: المخلوق حَذِرًا لا تلقاه إلّا حذرا.
وقوله: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [٦١] وَ (لَمُدركونَ «٤» ) مفتعلونَ من الإدراك كما تَقُولُ: حفرت واحتفرت بمعنى واحد، فكذلك (لمدركون) و (لمدّركون) معناهما واحد والله أعلم.
(١) هو من قصيدته المذهبة في هجائه قبائل اليمين والدفاع عن مضر. وانظر حديثا عنها فى الشاهدين ١٦، ٢٤ من الخزانة.
(٢) فى اما يقرب من «حريز».
(٣) وهى قراءة ابن ذكوان وهشام فى بعض الطرق وعاصم وحمزة والكسائي وخلف وافقهم الأعمش. وقرأ الباقون «حذرون».
(٤) ظاهر ما هنا أنه بفتح الراء من أدرك المتعدى، وقد ورد فى اللسان ادراك متعديا ولازما. وفى البحر أن هذه القراءة- وهى قراءات الأعرج وعبيد بن عمير- فيها كسر الراء من أدرك اللازم. وفيه: «وقال أبو الفضل الرازي: وقد يكون أدرك على افتعل بمعنى أفعل متعديا. فلو كانت القراءة من ذلك لوجب فتح الراء ولم يبلغنى ذلك عنهما يعنى عن الأعرج وعبيد بن عمير» وانظر البحر ٧/ ٢٠.
وقوله: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ [٧٧] أي كُلَّ آلهةٍ لَكم فلا أعبدها إلا رب العالمين فإني أعبده. ونصبه بالاستثناء، كأنه قَالَ هم عدوّ غير معبود إلا رب العالمين فإني أعبده. وإنما قالوا (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) أي لو عبدتم كانوا لي يوم القيامة ضِدًّا وَعَدُوًّا.
وقوله: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [٨٤] حَدَّثَنِي عَمْرو بن أبي المقدام عَن الحكم عَن مجاهد قَالَ: ثناء حسنًا.
وقوله: وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ [١١١] وذُكِرَ أن بعض «١» القراء قرأ: وأتباعك الأرذلونَ ولكني لَمْ أجده عَن القراء المعروفين وهو وجه حسن.
وقوله: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ [١٢٨] و (رَيْع) لغتان «٢» مثل الرِّيرِ والرار وهو المخّ الردئ.
وتقول رَاعَ الطَّعَامُ إِذَا كَانَ لَهُ رَيْعٌ «٣».
وقوله: وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ [١٢٩] معناه: كيا تخلدوا.
وقوله: وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ [١٣٠] : تقتلونَ عَلَى الغضب. هَذَا قول الكلبي. وقال غيره (بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) بالسوط.
[قوله: خُلُقُ الْأَوَّلِينَ [١٣٧] وقراءة الْكِسَائي «٤» (خَلْق الأوَّلِينَ) قَالَ الفراء: وقراءتي (خلق الأولين) فمن قرأ (خلق) يقول: اختلاقهم وكذبهم ومن قرأ (خلق الأولين) يقول: عادة الأولين أي وراثة أبيكَ عَن أول. والعربُ تَقُولُ: حَدِّثنا بأحاديث الْخَلْق «٥» وهي الخرافات المفتعلة وأشباهها فلذلك اخترت الخلق.
(١) هو يعقوب. ورويت هذه القراءة عن ابن عباس وأبى حيوة.
(٢) والمعنى هنا المرتفع من الأرض أو من كل فج أو كل طريق. [.....]
(٣) الريع: النماء والزيادة، هذا إذا كان الطعام الحنطة، فإن كان المراد به الدقيق فريعه زيادته على كيله قبل الطحن.
(٤) وهى قراءة غير نافع وابن عامر وعاصم وحمزة وخلف الأعمش أما هؤلاء فقراءتهم بضم الحاء واللام.
(٥) هذا الضبط عن اللسان فى المادة. وضبط فى ابضم الخاء واللام.
وقوله: هَضِيمٌ [١٤٨] يقول: مادام فِي كوافيره وهو الطَّلْع. والعرب تُسَمِّي الطلع الْكُفُرِّي والكوافِيرُ واحدته كافورة، وكُفُراةٌ واحدة الْكُفُرّي.
وقوله: بُيُوتاً فارِهِينَ [١٤٩] حَاذِقينَ و (فَرِهينَ) أشِرِين.
وقوله: إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ [١٥٣] قالوا لَهُ: لست بِمَلك إنّما أنت بشر مثلنا. والمسحّر:
المجوّف، كأنه- والله أعلم- من قولك: انتفخ سَحْركَ «١» أي أنك تأكل الطعام والشراب وتُسَحّر بِهِ وتعلّل. وقال الشاعر «٢» :
فإن تسألينا فيم نحنُ فإنّنا عصافير من هذا الأنام المسحّر
١٣٤ ب/ يريدُ: المعَلَّل والمخدوع. ونرى أنّ الساحر من ذلك أخذ.
وقوله: لَها شِرْبٌ [١٥٥] لَهَا حظ من الماء. والشِّرْب والشُّرْب مصدران. وقد قالت العرب:
آخرها «٣» أقلّها شُرْبًا وَشِرْبًا وَشَرْبًا.
وقوله: وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ [١٦٦] ما جعلَ لكم من الفروج. وَفِي قراءة عبد الله (ما أصلح لكم ربكم).
وقوله: إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ [١٧١] والغابرون الباقون. ومن ذَلِكَ قول الشاعر: وهو الحارث بن حِلِّزَة:
لا تكْسَعِ الشَّوْلَ بأغبارهَا إنّك لا تدرى من الناتج «٤»
(١) السحر: الرئة، ويقال: انتفخ سحره للجبان يملأ الخوف جوفه فتنتفخ رئته.
(٢) هو لبيد كما فى اللسان.
(٣) فى اللسان: «وأصله فى سقى الإبل لأن آخرها يرد وقد نزف الحوض».
(٤) الشول جمع شائلة وهى الناقة أتى عليها من حملها أو وضعها سبعة أشهر فجف لبنها والناتج الذي يتولى ولادة الحيوان. ويقال: كسع الناقة بغبرها إذا ترك فى خلفها بقية من اللبن يريد بذلك أن يغزر لبنها. وأن يقوى نسلها يقول: احلب شولك للأضياف، ولا تكسعها، فقد يغير عليها عدو فيكون نتاجها لك دونه. وانظر اللسان فى كسع.
الأغبارها هنا بقايا اللبن فِي ضروع الإبل وغيرها، واحدها غُبْر. قَالَ وأنشدني بعض بني أسد وهو أَبُو الْقَمْقام:
تَذُبُّ منها كُلَّ حَيزَبُونِ مَانِعَةٍ لغبرها زبون «١»
وقوله: وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ [١٨٤] قرأها عَاصِم والأعمش بكسر الجيم وتشديد اللام، ورفعها آخرون. واللام مشدّدة فِي القولين: (وَالْجِبِلَّةَ).
وقوله: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ [١٩٧] يقول: يعلمونَ عِلْم مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نبي فِي كتابِهم. (الآية) منصوبة و (أن) فِي موضع رفع. ولو قلت:
أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ آيةٌ) بالرفع «٢» (أَنْ يعلمه) تجعل (أنْ) فِي موضع نصب لَجازَ ذَلِكَ.
وقوله: وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ [١٩٨] الأعجم فِي لسانه. والأعجمي المنسوب إلى أصله إلى العجم وإن كَانَ فصيحًا. ومن قَالَ: أعجم قال للمرأة عجماء إِذَا لَمْ تُحْسن العربية ويَجوز أن تَقُولُ عَجَمي تريد أعجمي تنسبه إلى أصله.
وقوله: كَذلِكَ سَلَكْناهُ [٢٠٠] يقول: سلكنا التكذيب فِي قلوب المجرمين كي لا يؤمنوا بِهِ (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) وإن كَانَ موقع كي فِي مثل هَذَا (لا) وأن جميعًا صلح الجزم فِي (لا) والرفع. والعربُ تَقُولُ: ربطت الفرس لا يتفَلَّتْ جزمًا ورفعًا. وأوثقت العبد لا يَفِرر «٣» جزمًا ورفعًا. وإنما جزم لأن تأويله إن لَمْ أربطه فَرَّ فجزم عَلَى التأويل. أنشدني بعضُ بني عُقَيْلٍ:
وحتى رأينا أحسن الفعل بيننا مساكتة لا يقرف الشرّ قارف «٤»
(١) «يذب» فى اللسان «يذهب» :(حزبن) والحيزبون الناقة الشهمة الحديدة. وفسرت هنا بالسيئة الخلق. والزبون: التي تضرب برجلها عند الحلب.
(٢) هذه قراءة ابن عامر.
(٣) هذا لا يأتى إلا على الجزم حيث فك التضعيف. والأولى: «يفر» ليجرى فيه الرفع.
(٤) يقال: اقترف الشر: ؟؟؟.
يُنْشَدُ رفعًا وجزمًا. وقال آخر:
لو كنتَ إذ جئتنا حَاولت رُؤْيتنا أو جئتنا ماشيًا لا يُعْرف الفرسُ
رفعًا وجزمًا وقوله:
لطالما حلأ نماها لا ترد فخلّياها والسِّجالَ تبتردْ «١»
من ذَلِكَ.
وقوله: نَزَلَ بِهِ الرّوح الأمين [١٩٣] كذا قرأها القراء. وقرأها الأعمش وَعَاصِم «٢» والحسن (نَزَّلَ بِهِ) بالتشديد. ونصبوا (الرُّوحَ الأمِين) وهو جبريل (عَلى قَلْبِكَ) يتلوه عليك. ورَفع أهل المدينة (الرُّوحُ الْأَمِينُ) وخَفَّفُوا (نَزَلَ) وهما سواء فِي المعنى.
وقوله: وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ [١٩٦] وإنّ هَذَا القرآن لفي بَعض زُبُر الأولين وكتبهم.
فقال: (فى زبر) وإنَّما هُوَ فِي بعضها، وَذَلِكَ واسع لأنك تَقُولُ: ذهب الناس وإنما ذهب بعضهم.
وقوله: إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ [٢٠٨].
وَفِي موضع آخر: (إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) «٣» وقد فُسر هَذَا.
وقوله: ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ [٢٠٩] ذكرى فِي موضع نصب أي ينذرونهم تذكرة وذِكْرى. ولو قلت: (ذِكْرى) فِي موضع رفع أصبت، أي: ذَلِكَ ذكرى، وتلك ذكرى.
وقوله: وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ [٢١٠] ترفع النون.
(١) يقال: حلأ الماشية عن الماء: طردها أو حبسها عن الورود ومنعها أن ترده. والسجال جمع سجل وهو الدلو. والحديث عن الإبل. وفى اللسان (حلأ) أن نسوة تمثلن بالبيت لامرأة تزوجها عاشق لها.
(٢) أي فى رواية أبى بكر أما رواية حفص عنه فالتخفيف وكذا قرأ بالتخفيف نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر.
(٣) الآية ٤ سورة الحجر. [.....]
Icon