تفسير سورة الرحمن

معاني القرآن للفراء
تفسير سورة سورة الرحمن من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

ومن سورة الرحمن
قوله عز وجل: بِحُسْبانٍ (٥). حساب ومنازل [١٨٨/ ب] للشمس والقمر لا يعدوانها.
وقوله: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ «١» (٦). النجم: ما نجم مثل: العشب، وَالبقل وشبهه. والشجر: ما قام عَلَى ساق. ثُمَّ قَالَ: يسجدان، وسجودهما: أنهما يستقبلان الشمس إِذَا طلعت، ثُمَّ يميلان معها حتَّى ينكسر الفيء، والعرب إِذَا جمعت الجمعين من غير النَّاس مثل: السدر، والنخل جعلوا فعلهما واحدًا، فيقولون: الشاء والنعم قَدْ أقبل، وَالنخل والسدر قَدِ ارتوى، فهذا أكثر كلامهم، وتثنيته جائزة.
قَالَ الكِسَائِيّ: سمعت العرب تَقُولُ: مرت بنا غنمان سودان «٢» وَسود.
قَالَ الفراء: وسود أجود من سودان لأنَّه نعت تأتي عَلَى الاثنين، فإذا «٣» كَانَ أحد الاثنين مؤنثًا مثل: الشاء والإبل قَالُوا: الشاء والإبل مقبلة لأن الشاء ذكر، والإبل أنثى، ولو قلت:
مقبلان لجاز، ولو قلت: مقبلتان تذهب إلى تأنيث الشاء مَعَ تأنيث الإبل كَانَ صوابًا، إلا أن التوحيد أكثر وأجود.
فإذا قلت: هَؤُلَاءِ قومك وإبلهم قَدْ أقبلوا ذهبت بالفعل إلى النَّاس خاصة لأن الفعل لهم، وهم الَّذِينَ يقبلون بالإبل، ولو أردت إقبال هَؤُلَاءِ وهؤلاء لجاز- قَدْ أقبلوا لأن النَّاس إِذَا خالطهم شيء من البهائم، صار فعلهم كفعل النَّاس كما قَالَ:
«وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ» «٤» فصارت الناقة بمنزلة الناس.
(١) زيادة فى ب.
(٢) فى ح: «سوان «تحريف.
(٣) فى (ا) : إذا.
(٤) سورة القمر الآية: ٢٨.
ومنه قول اللَّه عزَّ وجلَّ: «فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ» «١»، و «مَنْ» إنَّما تكون للناس، فلما فسَّرهم وقد كانوا اجتمعوا فى قوله: «وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ» «٢» فسرهم بتفسير النَّاس.
وقوله: وَالسَّماءَ رَفَعَها فوق الأرض وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧). فِي الأرض وهو العدل.
وفي قراءة عَبْد اللَّه: وخَفْض الميزان، والخفض والوضع متقاربان فِي المعنى.
وقوله: أَلَّا تَطْغَوْا (٨).
وفي قراءة عَبْد اللَّه: لا تطغوا بغير أن فِي الوزن وأقيموا اللسان.
وقوله: أَلَّا تَطْغَوْا إن شئت جعلتها مجزومة بنية النهي، وإن شئت جعلتها منصوبة بأن، كما قَالَ اللَّه: «إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ» «٣» وأن تكون- (تطغوا) فِي موضع جزم أحبُّ إليَّ لأن بعدها أمرا.
وقوله: وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ (٩).
وقوله: وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠). لجميع الخلق.
وقوله: وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢). خفضها الْأَعْمَش، ورفعها النَّاس «٤».
فمن خفض أراد: ذو العصف وذو الريحان، ومن رفع الريحان جعله تابعا لذو. و «٥» العصف، فيما ذكروا: بقل الزرع لان العرب تَقُولُ: خرجنا نعصف الزرع إِذَا قطعوا مِنْهُ شيئًا قبل أن يدرك فذلك العصف، والريحان هُوَ رزقه، والحب هُوَ الَّذِي يؤكل مِنْهُ. والريحان فى كلام العرب:
(١، ٢) سورة النور الآية: ٤٥، و (خالق) قراءة حمزة والكسائي، كما فى الإتحاف: ١٦٩.
(٣) سورة الأنعام الآية: ١٤.
(٤) جاء فى الإتحاف: ٤٠٥- واختلف فى «وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ» : فابن عامر بالنصب فى الثلاثة على إضمار فعل أي أخص، أو خلق أو عطفا على الأرض، وذا صفة الحب. وقرأ حمزة والكسائي وخلف برفع الأولين: أعنى الحب، وذو. وجرّ الريحان عطفا على العصف وافقهم الأعمش، والباقون بالرفع فى الثلاثة عطفا على المرفوع قبله. أي: فيما فاكهة، وفيما الحب، وذو صفة.
(٥) سقط فى ش.
113
الرزق، ويقولون: خرجنا نطلب ريحان اللَّه. الرزق عندهم «١»، وقَالَ بعضهم: ذو العصف المأكول من الحب، والريحان: الصحيح الَّذِي «٢» لم يؤكل.
ولو قَرَأَ قارئ: «والحبّ ذا العصف والريحانَ» لكان جائزًا، أي: خَلَقَ ذا وذا، وهي فِي مصاحف أهل الشام: والحبّ ذا «٣» العصف، وَلم نَسْمَع بها قارئا، كما أن فِي بعض مصاحف أهل الكوفة:
«والجار ذا القربى» «٤» [١٨٩/ ا] ولم يقرأ بِهِ أحد، وربما كتب الحرف على جهة واحدة، وهو فِي ذَلِكَ يقرأ بالوجوه.
وبلغني: إن كتاب عليّ بْن أَبِي طَالِب رحمه اللَّه كَانَ مكتوبًا: هَذَا كتاب من عليّ بْن أَبُو طَالِب كتابها: أَبُو. فِي كل الجهات، وهي تعرب فِي الكلام إِذَا قرئت.
وقوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣). وإنما ذكر فِي أول الكلام: الإِنسان ففي ذَلِكَ وجهان:
أحدهما: أن العرب تخاطب الواحد بفعل الاثنين، فيقال: ارحلاها، ازجراها يا غلام.
والوجه الآخر: أن الذِّكر أريد فِي الْإِنْسَان والجان، فجرى لهما من أول السُّورة إلى آخرها.
وقوله: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤).
وهو طين خُلط برمل، فصلصل كما يصلصل الفخار، وَيُقَال: من صلصال منتن يريدون بِهِ: صلّ، فيقال: صلصال كما يُقال: صرّ الباب عند الإغلاق، وصرصر. والعرب تردد اللام فِي التضعيف فيقال:
كركرت الرجلَ يريدون: كررْته وكبكبته، «٥» يريدون: كببته «٦».
وسمعت بعض العرب يَقُولُ: أتيت فلانًا فبشبش بي من البشاشة، وإنما فعلوا ذَلِكَ كراهية اجتماع ثلاثة أحرف من جنس واحد.
(١) فى ب: رزق عندهم.
(٢) سقط فى ش.
(٣) فى ح: والحب ذو. [.....]
(٤) النساء الآية ٣٦.
(٥، ٦) سقط فى ح.
114
وقوله: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥).
والمارج: نار دون الحجاب- فيما ذكر الكلبي- منها «١» هَذِهِ الصواعق، ويُرى جلد السماء منها.
وقوله: «رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ» (١٧).
اجتمع القراء عَلَى رفعه، ولو خفض يعني فِي الإعراب عَلَى قوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا، ربّ المشرقين كَانَ صوابًا.
والمشرقان: مشرق الشتاء، ومشرق الصيف، وكذلك المغربان.
وقوله: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ (١٩). يَقُولُ «٢» : أرسلهما ثُمَّ يلتقيان بعد.
وقوله: بَيْنَهُما بَرْزَخٌ (٢٠).
حاجز لا يبغيان: لا يبغي العذب عَلَى الملح فيكونا عذبا، ولا يبغي الملح عَلَى العذب فيكونا ملحا
وقوله: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢).
وإنما يخرج من الملح دون العذب. واللؤلؤ: العظام، والمرجان: ما صغر من اللؤلؤ.
وقوله: وَلَهُ الْجَوارِ «٣» المنشئآت (٢٤).
قَرَأَ «٤» عاصم ويحيى بْن وَثاب: (المنشِئات) بكسر الشين، يجعلن اللاتي يُقبلن وَيدبرن فِي قراءة عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود (الْمُنْشَآتُ)، وَكذلك قرأها الْحَسَن وأهل الحجاز بفتح الشين يجعلونهن مفعولًا بهن أقبل بهن وأدبر.
وقوله: كَالْأَعْلامِ (٢٤).
كالجبال شبه السفينة بالجبل، وكل جبل إذا طال فهو علم.
(١) فى ح، ش: فيها، تحريف.
(٢) فى ش: البحرين: يلتقيان.
(٣) فى ب، ح، ش: الجواري. ورسم المصحف من غير ياء.
(٤) فى ب، ح: قرأها.
وقوله: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ (٢٧).
هَذِهِ، والتي فِي آخرها ذي «١» - كلتاهما فِي قراءة عَبْد اللَّه- ذي- تخفضان «٢» فِي الإعراب لأنهما من صفة ربك تبارك وتعالى، وهي فِي قراءتنا: «وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ [ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ] «٣» » [ذو] «٤» تكون من صفة وجه ربنا «٥» - تبارك وتعالى.
وقوله: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩) غير مهموز.
قال: وسألت الفراء [١٨٩/ ب] عنْ (شان) فَقَالَ: أَهمِزه فِي كل القرآن إلّا فى سورة الرَّحْمَن، لأنَّه مَعَ آيات غير مهموزات، وشأنه [فِي كل يوم أن يميت ميتًا، ويولد مولودًا، ويغنى ذا، ويفقر ذا فيما لا يحصى من الفعل] «٦».
وقوله: سنفرغ لكم أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١).
[حدثنا أبو العباس قال «٧» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قال: حدثني أَبُو إسرائيل قَالَ:
سمعت طلحة بن مصرّف يقرأ: «سَيَفرغُ لكم» «٨» ويحيى بْن وثاب كذلك والقراء بعد: «سَنَفْرُغُ لَكُمْ «وبعضهم [يقرأ «سيُفرغ لكم» ] «٩» وهذا من اللَّه وعيد لأنَّه عزَّ وجلَّ لا يشغله شيء عنْ شيء، وأنت قائل للرجل الَّذِي لا شغل لَهُ:
قَدْ فرغت لي، قَدْ فرغت لشتمي. أي: قَدْ أخذت فِيهِ، وأقبلت عَلَيْهِ.
وقوله: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا (٣٣) ولم يقل: إن استطعتما، ولو كَانَ لكان صوابا، كما قال:
(يرسل عليكما)، ولم يقل:
(١) سقط فى ح، ش.
(٢) فى ش: يخفضان.
(٣) مثبت فى ب.
(٤) زيادة من ش.
(٥) فى ح، ش: ربك تعالى.
(٦) ورد فى النسخة ب: بعد قوله: غير مهموز... وقبل قوله: قال: وسألت الفراء...
(٧) زيادة فى ح:
(٨) فى ش: سنفرغ. [.....]
(٩) سقط فى ح، ش.
عليكم شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران، فثني فِي: عليكما، وفي: تنتصران لِلَّفظ، والجمعُ عَلَى المعنى. والنحاس: يرفع، ولو خفض كَانَ صوابًا يراد: من نار ومن نحاس.
والشواظ: النار المحضة. والنحاس: الدخان. أنشدني بعضهم:
يضيء كضوء سراج السلي ط لم يجعل اللَّه مِنْهُ نحاسا «١»
قَالَ الفراء: قَالَ لي أعرابي من بني سليم: السليط: دهن السنام، وليس لَهُ دخان إِذَا استصبح بِهِ.
وسمعت أَنَّهُ الخَلّ وهو دهن السمسم. وسمعت أَنَّهُ الزيت. والزيت أصوب فيما أرى.
وقرأ الْحَسَن: (شِواظ) بكسر الشين كما يُقال للصوار من البقر صِوار وصُوَار.
وقوله: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٧) أراد بالوردة الفَرس، الوردةُ تكون فِي الربيع وردة إلى الصفرة، فإذا اشتد البرد كانت وردة حمراء، فإذا كَانَ بعد ذَلِكَ كانت وردة إلى الغُبْرة، فشبه تلوّن السماء بتلون الوردة من الخيل، وشبهت الوردة فِي اختلاف ألوانها بالدهن واختلاف ألوانه.
وَيُقَال: إن الدهان الأديم «٢» الأحمر.
وقوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) والمعني: لا يسأل إنس عنْ ذنبه، ولا جان عنْ ذنبه لأنهم يعرفون بسيماهم كما وصف اللَّه:
فالكافر «٣» يعرف بسواد وجهه، وزرقة عينه، والمؤمن أغر محجل من أثر وضوئه
وقوله: هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: هَذِهِ جهنم «٤» التي كنتما بها تكذبان، تصليانها لا تموتان فيها ولا تحييان تطوفان.
وقوله: يَطُوفُونَ «٥» بَيْنَها (٤٤)
(١) البيت للنابغة الديوان انظر تفسير الطبري ٢٧/ ٧٤ والقرطبي ١٧/ ١٧٢ وفى ب، ح، ش فيه مكان منه.
(٣) فى ح، ش: الكافر.
(٢، ٤) سقط فى: ح.
(٥) فى ب: بطوفان سهو من الناسخ.
بين عذاب جهنم وبين الحميم إِذَا عطشوا، والآني: الَّذِي قَدِ انتهت شدّة حره.
وقوله: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٤٦) ذكر المفسرون: أنهما بستاتان من بساتين الجنة، وَقَدْ يكون فِي العربية: جنة تثنيها العرب فِي أشعارها أنشدني بعضهم:
ومَهْمَين قَذَفَين مَرْتَين قطعته [بالَأمِّ] لا بالسَّمْتين «١»
يريد: مهمها وسمتا واحدا، وأنشدني آخر:
يسعى بكيداء ولهذمين قَدْ جعل الأرطاة جنتين
وذلك أن الشعر لَهُ قواف يقيمها الزيادة والنقصان، فيحتمل ما لا يحتمله الكلام.
قَالَ الفراء: الكيداء: القوس، وَيُقَال: لهذِم ولهذَم لغتان، وهو السهم.
وقوله: مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ (٥٤) الإستبرق: ما غلظ من الديباج، وَقَدْ تكون البطانة: ظهارة، والظهارة بطانة فِي كلام العرب، وذلك أن كل واحد منهما [١٩٠/ ا] قَدْ يكون وجهًا، وَقَدْ تَقُولُ العرب: هَذَا ظهر السماء، وهذا بطن السماء لظاهرها الَّذِي تراه.
قَالَ: وأخبرني بعض فصحاء المحدثين عَنِ ابْنِ الزُبَيْر يعيب قتلة عثمان رحمه اللَّه فَقَالَ: خرجوا عَلَيْهِ كاللصوص من وراء القرية، فقتلهم اللَّه كلّ قتلة، ونجا من نجا منهم تحت بطون الكواكب.
يريد: هربوا ليلًا، فجعل ظهور الكواكب بطونًا، وذلك جائز عَلَى ما أخبرتك بِهِ.
وقوله: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ [إِنْسٌ] «٢» (٥٦) قرأت القراء كلهم بكسر الميم في يطمثهن. حدثنا الفراء قال: وحدثنى رجل عن أبى اسحق
(١) فى القرطبي: بالسمت لا بالسمتين- لخطام المجاشعي، ويروى البيت الثاني:
جبتهما بالنعت لا بالنعتين والقذف: البعيد من الأرض. والموت: الأرض لا ماء فيها ولا نبات. الكتاب: ١: ٢٤١، والخزانة: ١:
٣٧٦، وشرح شواهد الشافية: ٦٠، ٩٤.
(٢) التكملة من ب.
قَالَ: كنت أصلي خلف أصحاب عليّ، وأصحاب عَبْد اللَّه فأسمعهم يقرءون (لم يطمُثهن) برفع الميم. وكان الكِسَائِيّ يقرأ: واحدة برفع الميم، والأخرى بكسر الميم لئلا يخرج من هذين الأثرين وهما: لم «١» يطمِثهن «٢»، لم يفتضضهن (قَالَ وطمثها أي: نكحها»
، وذلك لحال «٤» الدم «٥» )
وقوله: مُدْهامَّتانِ (٦٤) يَقُولُ: خضراوان إلى السواد من الري.
وقوله: فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨).
يَقُولُ بعض المفسرين: ليس الرمان ولا النخل بفاكهة، وَقَدْ ذهبوا مذهبًا، ولكن العرب تجعل ذَلِكَ فاكهة.
فإن قلت: فكيف أعيد النخل والرمان إن كانا من الفاكهة؟
قلت: ذَلِكَ كقوله: «حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى» «٦». وَقَدْ أمرهم بالمحافظة عَلَى كل الصلوات، ثُمَّ أعاد العصر تشديدًا لها، كذلك أعيد النخل والرمان ترغيبًا لأهل الجنة، ومثله قوله فِي الحج: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ». «٧» ثُمَّ قَالَ: «وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ». وَقَدْ ذكرهم فِي أول الكلمة فِي قوله: «مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ»، وَقَدْ قَالَ بعض المفسرين: إنَّما أراد بقوله: «مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ» الملائكة، ثُمَّ ذكر النَّاس بعدهم.
وقوله: فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (٧٠).
(١) سقط فى ش.
(٢) فى الإتحاف: ٤٠٦ قرأ الكسائي بضم الميم فى الأول فقط، فيما رواه كثير من الأئمة عنه، وروى الآخرون كسر الأول. وضم الثاني عن أبى الحارث.
وروى بعضهم عن أبى الحارث الكسر فيهما معا. وروى بعضهم عنه ضمهما.
وروى ابن مجاهد بالضم والكسر فيما، لا يبالى كيف يقرؤهما.
وروى الأكثرون التخيير فى أحدهما عن الكسائي من روايتيه بمعنى أنه إذا ضم الأول كسر الثاني، وإذا كسر الأول ضم الثاني. هذا وقد ذكرت (لم يطمثهن) الأخرى فى الآية ٧٤ من هذه السورة.
(٣) فى (ا) يقال: طمثها إذا نكحها.
(٤) فى ش: لحام خطأ من الناسخ.
(٥) ورد ما بين القوسين فى هامش النسختين ا، ب.
(٦) سورة البقرة الآية: ٢٣٨.
(٧) سورة الحج الآية: ١٨. [.....]
رجع إلى الجنان الأربع: جنتان، وجنتان، فَقَالَ: فيهن، والعربُ تَقُولُ: أعطني الْخَيْرَة منهن، والخِيَرَة منهن، والخيرة منهن، ولو قَرَأَ قارئ: الخَيراتُ، أَوِ الخيرات كانتا صوابًا.
وقوله: حُورٌ مَقْصُوراتٌ (٧٢).
قُصرن عَن أزواجهن، أي حُبِسنَ، فلا يُرِدْنَ غيرهم، ولا يطمحن «١» إلى سواهم، والعرب تسمي الحَجَلة المقصورة، والقصورة، ويسمون المقصورة من النساء: قصورة:
وقَالَ الشَّاعِر «٢» :
لعمري لقد حببتِ كلَّ قَصورة إليَّ وما تدري بذاك القصائر
عَنَيْتُ قصوراتِ الحجال ولم أرِد قصارَ الخُطا، شرُّ النساء البحاتر «٣»
والبهاتر، وهما جميعًا القصيرتان، والرجل يقال له: بحتر، وبحترى، وبحترة، وبحترية.
وقوله: مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ (٧٦).
ذكروا أنها رياض الجنة، وقَالَ بعضهم: هِيَ المخاد «٤»، «وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ» (٧٦) الطنافس الثخان.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «٥» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُعَاذِ بْن مُسْلِم بن أَبِي سادة قَالَ:
كان [١٩٠/ ب] جارك زهير القرقبى يقرأ: متكئين على رفارف خضر وعباقري حسان.
قَالَ: الرفارف «٦» - قَدْ يكون صوابًا، وأمَّا العباقري فلا لأن ألف الجماع لا يكون بعدها أربعة أحرف، ولا ثلاثة صحاح.
(١) فى ش: لا يطحن، تحريف.
(٢) هو كثيّر عزة، وقد أوردهما ابن سيده فى المخصص: ١٢: ٩٦، والقرطبي فى تفسيره؟ كما يلى:
وأنت التي حببت كلّ قصيرة إلىّ وما تدرى بذاك القصائر
عنيت قصيرات الحجال، ولم أرِد قصارَ الخُطا، شرُّ النساء البحاتر
وفى البحر المحيط: ولم تشعر مكان: وما تدرى.
(٣) البحاتر: جمع بحترة، بضم الباء، القصيرة المجتمعة الخلق.
(٤) فى الأصل: المحابس، ولا معنى لها هنا، والتصحيح من مفردات القرآن للراغب الأصفهانى؟.
(٥) الزيادة من ش.
(٦) فى ب، ش: فالرفارف.
Icon