تفسير سورة سورة الشعراء من كتاب روح المعاني
المعروف بـتفسير الألوسي
.
لمؤلفه
الألوسي
.
المتوفي سنة 1342 هـ
سورة الشعراء
( وفي تفسير الامام مالك تسميتها بسورة الجامعة وقد جاء في رواية ابن مردويه عن ابن عباس وعبد الاله ابن الزبير رضي الله تعالى عنهم اطلاق القول بمكيتها وأخرج النحاس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت بمكة سوى خمس آيات من آخرها نزلت بالمدينة ( والشعراء يتبعهم الغاوون ) الى أخرها وروي ذلك عن عطاء وقتادة وقال مقاتل :( ألم يكن لهم آية ) الآية مدنية أيضا قال الطبرسي : وعدة آياتها مائتان وسبع وعشرون آية في الكوفي والشامي والمدني الأول ومائتان وست وعشرون في الباقي ووجه اتصالها بما قبلها اشتمالها على بسط وتفصيل لبعض ما ذكر فيما قبل وفيها أيضا من تسليته صلى الله تعالى عليه وسلم ما فيها وقد افتتحت كلتا السورتين بما يفيد مدح القرآن الكريم وختمتا بايعاد المكذبين به كما لا يخفى.
( وفي تفسير الامام مالك تسميتها بسورة الجامعة وقد جاء في رواية ابن مردويه عن ابن عباس وعبد الاله ابن الزبير رضي الله تعالى عنهم اطلاق القول بمكيتها وأخرج النحاس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت بمكة سوى خمس آيات من آخرها نزلت بالمدينة ( والشعراء يتبعهم الغاوون ) الى أخرها وروي ذلك عن عطاء وقتادة وقال مقاتل :( ألم يكن لهم آية ) الآية مدنية أيضا قال الطبرسي : وعدة آياتها مائتان وسبع وعشرون آية في الكوفي والشامي والمدني الأول ومائتان وست وعشرون في الباقي ووجه اتصالها بما قبلها اشتمالها على بسط وتفصيل لبعض ما ذكر فيما قبل وفيها أيضا من تسليته صلى الله تعالى عليه وسلم ما فيها وقد افتتحت كلتا السورتين بما يفيد مدح القرآن الكريم وختمتا بايعاد المكذبين به كما لا يخفى.
ﰡ
ﭑ
ﰀ
ﭓﭔﭕﭖ
ﰁ
ﭘﭙﭚﭛﭜﭝ
ﰂ
ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ
ﰃ
ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ
ﰄ
ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ
ﰅ
ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ
ﰆ
ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ
ﰇ
ﮖﮗﮘﮙﮚ
ﰈ
ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ
ﰉ
ﮥﮦﮧﮨﮩ
ﰊ
ﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﰋ
ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ
ﰌ
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡ
ﰍ
ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ
ﰎ
ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ
ﰏ
ﯵﯶﯷﯸﯹ
ﰐ
ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ
ﰑ
ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ
ﰒ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ
ﰓ
ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ
ﰔ
ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ
ﰕ
سورة الشّعراء
وفي تفسير الإمام مالك تسميتها بسورة الجامعة، وقد جاء في رواية ابن مردويه عن ابن عباس وعبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهم إطلاق القول بمكيتها، وأخرج النحاس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت بمكة سوى خمس آيات من آخرها نزلت بالمدينة وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ [الشعراء: ٢٢٤] إلى آخرها، وروي ذلك عن عطاء وقتادة، وقال مقاتل: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً [الشعراء: ١٩٧] الآية مدنية أيضا، قال الطبرسي: وعدة آياتها مائتان وسبع وعشرون آية في الكوفي والشامي والمدني الأول ومائتان وست وعشرون في الباقي.
ووجه اتصالها بما قبلها اشتمالها على بسط وتفصيل لبعض ما ذكر فيما قبل، وفيها أيضا من تسليته صلّى الله تعالى عليه وسلّم ما فيها، وقد افتتحت كلتا السورتين بما يفيد مدح القرآن الكريم وختمتا بإيعاد المكذبين به كما لا يخفى.
وفي تفسير الإمام مالك تسميتها بسورة الجامعة، وقد جاء في رواية ابن مردويه عن ابن عباس وعبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهم إطلاق القول بمكيتها، وأخرج النحاس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت بمكة سوى خمس آيات من آخرها نزلت بالمدينة وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ [الشعراء: ٢٢٤] إلى آخرها، وروي ذلك عن عطاء وقتادة، وقال مقاتل: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً [الشعراء: ١٩٧] الآية مدنية أيضا، قال الطبرسي: وعدة آياتها مائتان وسبع وعشرون آية في الكوفي والشامي والمدني الأول ومائتان وست وعشرون في الباقي.
ووجه اتصالها بما قبلها اشتمالها على بسط وتفصيل لبعض ما ذكر فيما قبل، وفيها أيضا من تسليته صلّى الله تعالى عليه وسلّم ما فيها، وقد افتتحت كلتا السورتين بما يفيد مدح القرآن الكريم وختمتا بإيعاد المكذبين به كما لا يخفى.
58
طسم تقدم الكلام في أمثاله إعرابا وغيره والكلام هنا كالكلام هناك بيد أنه أخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب أنه قال في هذا الطاء من ذي الطول والسين من القدوس والميم من الرحمن، وأمال فتحة الطاء حمزة والكسائي وأبو بكر وقرأ نافع كما روي عنه أبو علي الفارسي في الحجة بين بين ولم يمل صرفا لأن الألف منقلبة عن ياء فلو أميلت إليها انتقض غرض القلب وهو التخفيف.
وروى بعض عنه أنه قرأ كباقي السبعة من غير إمالة أصلا نظرا إلى أن الطاء حرف استعلاء يمنع من الإمالة، وقرأ حمزة بإظهار نون سين لأنه في الأصل لكونه أحد أسماء الحروف المقطعة منفصل عما بعده وأدغمها الباقون لما رأوها متصلة في حكم كلمة واحدة خصوصا على القول بالعلمية، وقرأ عيسى بكسر الميم من «طسم» هنا وفي القصص، وجاء كذلك عن نافع، وفي مصحف عبد الله ط س م من غير اتصال وهي قراءة أبي جعفر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ إشارة إلى السورة، وما في ذلك من معنى البعد للتنبيه على بعد منزلة المشار إليه في الفخامة والمراد بالكتاب القرآن وبالمبين الظاهر إعجازه على أنه من أبان بمعنى بان والكلام على تقدير مضاف أو على أن الإسناد فيه مجازي، وجوز أن يكون المبين من أبان المتعدي ومفعوله محذوف أي الأحكام الشرعية أو الحق، والأول أنسب بالمقام، والمعنى هذه آيات مخصوصة من القرآن مترجمة باسم مستقل، والمراد ببيان كونها بعضا منه وصفها بما اشتهر به الكل من النعوت الجليلة، وقيل: الإشارة إي القرآن والتأنيث لرعاية الخبر، والمراد بالكتاب السورة، والمعنى آيات هذا القرآن المؤلف من الحروف المبسوطة كآيات هذه السورة المتحدي بها فأنتم عجزتم عن الإتيان بمثل هذه السورة فحكم تلك الآيات كذلك وهو كما ترى. ومن الناس من فسر الْكِتابِ الْمُبِينِ باللوح المحفوظ ووصفه بالمبين لإظهاره أحوال الأشياء للملائكة عليهم السلام والأولى ما سمعته أولا لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أي قائل إياها من شدة الوجد كما قال الليث وأنشد قول الفرزدق:
وقال الأخفش والفراء يقال بخع يبخع بخعا وبخوعا أي أهلك من شدة الوجد وأصله الجهد، ومنه قول عائشة في عمر رضي الله تعالى عنهما: بخع الأرض أي جهدها حتى أخذ ما فيها من أموال الملوك، وقال الكسائي: بخع الأرض بالزراعة جعلها ضعيفة بسبب متابعة الحراثة وقال الزمخشري وتبعه المطرزي: أصل البخع أن تبلغ بالذبح البخاع بكسر الباء وهو عرق مستبطن الفقار وذلك أقصى حد الذبح، ولم يطلع على ذلك ابن الأثير مع مزيد بحثه ولا ضير في ذلك.
وقرأ زيد بن علي وقتادة رحمهم الله تعالى «باخع نفسك» بالإضافة على خلاف الأصل فإن الأصل في اسم الفاعل إذا استوفى شروط العمل أن يعمل على ما أشار إليه سيبويه في الكتاب، وقال الكسائي: العمل والإضافة سواء، وذهب أبو حيان إلى أن الإضافة أحسن من العمل، ولعل في مثل هذا الموضع لإشفاق المتكلم، ولما استحال في حقه سبحانه جعلوه متوجها إلى المخاطب، ولما كان غير واقع منه أيضا قالوا. المراد الأمر به لدلالة الإنكار المستفاد من سوق الكلام عليه فكأنه قيل: أشفق على نفسك أن تقتلها وجدا وحسرة على ما فاتك من إسلام قومك، وقال العسكري: هي في مثل هذا الموضع موضوعة موضع النهي، والمعنى لا تبخع نفسك، وقيل: وضعت موضع الاستفهام والتقدير هل أنت باخع، وحكي مثله عن ابن عطية إلا أنه قال: المراد الإنكار أي لا تكن باخعا نفسك أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ تعليل للبخع. ولما لم يصح كون عدم كونهم في المستقبل مؤمنين كما يفيده ظاهر الكلام علة لذلك لعدم المقارنة والعلة ينبغي أن تقارن المعلول قدروا- خيفة- فقالوا: خيفة أن لا يؤمنوا بذلك الكتاب المبين، ومن الأجلة من
وروى بعض عنه أنه قرأ كباقي السبعة من غير إمالة أصلا نظرا إلى أن الطاء حرف استعلاء يمنع من الإمالة، وقرأ حمزة بإظهار نون سين لأنه في الأصل لكونه أحد أسماء الحروف المقطعة منفصل عما بعده وأدغمها الباقون لما رأوها متصلة في حكم كلمة واحدة خصوصا على القول بالعلمية، وقرأ عيسى بكسر الميم من «طسم» هنا وفي القصص، وجاء كذلك عن نافع، وفي مصحف عبد الله ط س م من غير اتصال وهي قراءة أبي جعفر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ إشارة إلى السورة، وما في ذلك من معنى البعد للتنبيه على بعد منزلة المشار إليه في الفخامة والمراد بالكتاب القرآن وبالمبين الظاهر إعجازه على أنه من أبان بمعنى بان والكلام على تقدير مضاف أو على أن الإسناد فيه مجازي، وجوز أن يكون المبين من أبان المتعدي ومفعوله محذوف أي الأحكام الشرعية أو الحق، والأول أنسب بالمقام، والمعنى هذه آيات مخصوصة من القرآن مترجمة باسم مستقل، والمراد ببيان كونها بعضا منه وصفها بما اشتهر به الكل من النعوت الجليلة، وقيل: الإشارة إي القرآن والتأنيث لرعاية الخبر، والمراد بالكتاب السورة، والمعنى آيات هذا القرآن المؤلف من الحروف المبسوطة كآيات هذه السورة المتحدي بها فأنتم عجزتم عن الإتيان بمثل هذه السورة فحكم تلك الآيات كذلك وهو كما ترى. ومن الناس من فسر الْكِتابِ الْمُبِينِ باللوح المحفوظ ووصفه بالمبين لإظهاره أحوال الأشياء للملائكة عليهم السلام والأولى ما سمعته أولا لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أي قائل إياها من شدة الوجد كما قال الليث وأنشد قول الفرزدق:
ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه | لشيء نحته عن يديه المقادر |
وقرأ زيد بن علي وقتادة رحمهم الله تعالى «باخع نفسك» بالإضافة على خلاف الأصل فإن الأصل في اسم الفاعل إذا استوفى شروط العمل أن يعمل على ما أشار إليه سيبويه في الكتاب، وقال الكسائي: العمل والإضافة سواء، وذهب أبو حيان إلى أن الإضافة أحسن من العمل، ولعل في مثل هذا الموضع لإشفاق المتكلم، ولما استحال في حقه سبحانه جعلوه متوجها إلى المخاطب، ولما كان غير واقع منه أيضا قالوا. المراد الأمر به لدلالة الإنكار المستفاد من سوق الكلام عليه فكأنه قيل: أشفق على نفسك أن تقتلها وجدا وحسرة على ما فاتك من إسلام قومك، وقال العسكري: هي في مثل هذا الموضع موضوعة موضع النهي، والمعنى لا تبخع نفسك، وقيل: وضعت موضع الاستفهام والتقدير هل أنت باخع، وحكي مثله عن ابن عطية إلا أنه قال: المراد الإنكار أي لا تكن باخعا نفسك أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ تعليل للبخع. ولما لم يصح كون عدم كونهم في المستقبل مؤمنين كما يفيده ظاهر الكلام علة لذلك لعدم المقارنة والعلة ينبغي أن تقارن المعلول قدروا- خيفة- فقالوا: خيفة أن لا يؤمنوا بذلك الكتاب المبين، ومن الأجلة من
59
لم يقدر ذلك بناء على أن المراد لاستمرارهم على عدم قبول الإيمان بذلك الكتاب لأن كلمة كان للاستمرار وصيغة الاستقبال لتأكيده وأريد استمرار النفي وجوز أن يكون الكون بمعنى الصحة والمعنى لامتناع إيمانهم والقول بأن فعل الكون أتى به لأجل الفاصلة ليس بشيء.
وقوله تعالى: إِنْ نَشَأْ إلخ استئناف لتعليل الأمر بإشفاقه على نفسه صلّى الله عليه وسلّم أو النهي عن البخع، ومفعول المشيئة محذوف وهو على المشهور ما دل عليه مضمون الجزاء، وجوز أن يكون مدلولا عليه بما قبل أي إن نشأ إيمانهم نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً ملجئة لهم إلى الإيمان قاسرة عليه كما نتق الجبل فوق بني إسرائيل وتقديم الظرفين على المفعول الصريح لما مر مرارا من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر.
وقرأ أبو عمرو في رواية هارون عنه «إن يشأ ينزل» على الغيبة والضمير له تعالى، وفي بعض المصاحف لو شئنا لأنزلنا فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ أي منقادين وهو خبر عن الأعناق وقد اكتسبت التذكير وصفة العقلاء من المضاف إليه فأخبر عنها لذلك بجمع من يعقل كما نقله أبو حيان عن بعض أجلة علماء العربية.
واختصاص جواز مثل ذلك الشعر كما حكاه السيرافي عن النحويين مما لم يرتضه المحققون ومنهم أبو العباس وهو ممن خرج الآية على ذلك، وجوز أن يكون ذلك لما أنها وصفت بفعل لا يكون إلا مقصودا للعاقل وهو الخضوع كما في قوله تعالى: رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ [يوسف: ٤] وأن يكون الكلام على حذف مضاف وقد روعي بعد حذفه أي أصحاب أعناقهم، ولا يخفى أن هذا التقدير ركيك مع الإضافة إلى ضميرهم، وقال الزمخشري: أصل الكلام فظلوا لها خاضعين فأقحمت الأعناق لبيان موضع الخضوع لأنه يتراءى قبل التأمل لظهور الخضوع في العنق بنحو الانحناء أنه هو الخاضع دون صاحبه وترك الجمع بعد الإقحام على ما كان عليه قبل، وقال الكسائي: إن خاضعين حال للضمير المجرور لا للأعناق.
وتعقبه أبو البقاء فقال: هو بعيد في التحقيق لأن خاضِعِينَ يكون جاريا على غير فاعل (ظلت) فيفتقر إلى إبراز ضمير الفاعل فكان يجب أن يكون خاضعين هم فافهم، وقال ابن عباس ومجاهد، وابن زيد والأخفش: الأعناق الجماعات يقال: جاء في عنق من الناس أي جماعة، والمعنى ظلت جماعاتهم أي جملتهم.
وقيل: المراد بها الرؤساء والمقدمون مجازا كما يقال لهم: رؤوس وصدور فيثبت الحكم لغيرهم بالطريق الأولى، وظاهر كلامهم أن إطلاق العنق على الجماعة مطلقا رؤساء أم لا حقيقة وذكر الطيبي عن الأساس أن من المجاز أتاني عنق من الناس للجماعة المتقدمة وجاؤوا رسلا رسلا وعنقا عنقا والكلام يأخذ بعضه بأعناق بعض ثم قال: يفهم من تقابل رسلا رسلا لقوله: عنقا عنقا أن في إطلاق الأعناق على الجماعات اعتبار الهيئة المجتمعة فيكون المعنى فظلوا خاضعين مجتمعين على الخضوع متفقين عليه لا يخرج أحد منهم عنه.
وقرأ عيسى وابن أبي عبلة «خاضعة» وهي ظاهرة على جميع الأقوال في الأعناق بيد أنه إذا أريد بها ما هو جمع العنق بمعنى الجارحة كان الإسناد إليها مجازيا ولَها في القراءتين صلة ظلت أو الوصف والتقديم للفاصلة أو نحو ذلك لا للحصر، وظلت عطف على ننزل ولا بد من تأويل أحد الفعلين بما هو من نوع الآخر لأنه وإن صح عطف الماضي على المضارع إلا أنه هنا غير مناسب فإنه لا يترتب الماضي على المستقبل بالفاء التعقيبية أو السببية ولا يعقل ذلك والمعقول عكسه، وبتأويل أحد الفعلين يدفع ذلك لكن اختار بعضهم تأويل ظلت بتظل وكأن العدول عنه ليؤذن الماضي بسرعة الانفعال وأن نزول الآية لقوة سلطانه وسرعة ترتب ما ذكر عليه كأنه كان واقعا قبله، وبعضهم تأويل
وقوله تعالى: إِنْ نَشَأْ إلخ استئناف لتعليل الأمر بإشفاقه على نفسه صلّى الله عليه وسلّم أو النهي عن البخع، ومفعول المشيئة محذوف وهو على المشهور ما دل عليه مضمون الجزاء، وجوز أن يكون مدلولا عليه بما قبل أي إن نشأ إيمانهم نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً ملجئة لهم إلى الإيمان قاسرة عليه كما نتق الجبل فوق بني إسرائيل وتقديم الظرفين على المفعول الصريح لما مر مرارا من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر.
وقرأ أبو عمرو في رواية هارون عنه «إن يشأ ينزل» على الغيبة والضمير له تعالى، وفي بعض المصاحف لو شئنا لأنزلنا فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ أي منقادين وهو خبر عن الأعناق وقد اكتسبت التذكير وصفة العقلاء من المضاف إليه فأخبر عنها لذلك بجمع من يعقل كما نقله أبو حيان عن بعض أجلة علماء العربية.
واختصاص جواز مثل ذلك الشعر كما حكاه السيرافي عن النحويين مما لم يرتضه المحققون ومنهم أبو العباس وهو ممن خرج الآية على ذلك، وجوز أن يكون ذلك لما أنها وصفت بفعل لا يكون إلا مقصودا للعاقل وهو الخضوع كما في قوله تعالى: رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ [يوسف: ٤] وأن يكون الكلام على حذف مضاف وقد روعي بعد حذفه أي أصحاب أعناقهم، ولا يخفى أن هذا التقدير ركيك مع الإضافة إلى ضميرهم، وقال الزمخشري: أصل الكلام فظلوا لها خاضعين فأقحمت الأعناق لبيان موضع الخضوع لأنه يتراءى قبل التأمل لظهور الخضوع في العنق بنحو الانحناء أنه هو الخاضع دون صاحبه وترك الجمع بعد الإقحام على ما كان عليه قبل، وقال الكسائي: إن خاضعين حال للضمير المجرور لا للأعناق.
وتعقبه أبو البقاء فقال: هو بعيد في التحقيق لأن خاضِعِينَ يكون جاريا على غير فاعل (ظلت) فيفتقر إلى إبراز ضمير الفاعل فكان يجب أن يكون خاضعين هم فافهم، وقال ابن عباس ومجاهد، وابن زيد والأخفش: الأعناق الجماعات يقال: جاء في عنق من الناس أي جماعة، والمعنى ظلت جماعاتهم أي جملتهم.
وقيل: المراد بها الرؤساء والمقدمون مجازا كما يقال لهم: رؤوس وصدور فيثبت الحكم لغيرهم بالطريق الأولى، وظاهر كلامهم أن إطلاق العنق على الجماعة مطلقا رؤساء أم لا حقيقة وذكر الطيبي عن الأساس أن من المجاز أتاني عنق من الناس للجماعة المتقدمة وجاؤوا رسلا رسلا وعنقا عنقا والكلام يأخذ بعضه بأعناق بعض ثم قال: يفهم من تقابل رسلا رسلا لقوله: عنقا عنقا أن في إطلاق الأعناق على الجماعات اعتبار الهيئة المجتمعة فيكون المعنى فظلوا خاضعين مجتمعين على الخضوع متفقين عليه لا يخرج أحد منهم عنه.
وقرأ عيسى وابن أبي عبلة «خاضعة» وهي ظاهرة على جميع الأقوال في الأعناق بيد أنه إذا أريد بها ما هو جمع العنق بمعنى الجارحة كان الإسناد إليها مجازيا ولَها في القراءتين صلة ظلت أو الوصف والتقديم للفاصلة أو نحو ذلك لا للحصر، وظلت عطف على ننزل ولا بد من تأويل أحد الفعلين بما هو من نوع الآخر لأنه وإن صح عطف الماضي على المضارع إلا أنه هنا غير مناسب فإنه لا يترتب الماضي على المستقبل بالفاء التعقيبية أو السببية ولا يعقل ذلك والمعقول عكسه، وبتأويل أحد الفعلين يدفع ذلك لكن اختار بعضهم تأويل ظلت بتظل وكأن العدول عنه ليؤذن الماضي بسرعة الانفعال وأن نزول الآية لقوة سلطانه وسرعة ترتب ما ذكر عليه كأنه كان واقعا قبله، وبعضهم تأويل
60
ننزل بأنزلنا، ولعل وضعه موضعه لاستحضار صورة إنزال تلك الآية العظيمة الملجئة إلى الإيمان وحصول خضوع رقابهم عند ذلك في ذهن السامع ليتعجب منه فتأمل.
وقرأ طلحة «فتظل» بفك الإدغام، والجزم وضعف الحريري في درة الغواص الفك في مثل ذلك، ورجح صاحب الكشف القراءة بأنها أبلغ لإفادة الماضي ما سمعته آنفا، هذا والظاهر أنه لم تحقق إنزال هذه الآية لأن سنة الله تعالى تكليف الناس بالإيمان من دون إلجاء، نعم إذا قيل: المراد آية مذلة لهم كما روي عن قتادة جاز أن يقال بتحقق ذلك، ولعل ما روي عن ابن عباس كما في البحر والكشاف من قوله نزلت هذه الآية فينا وفي بني أمية ستكون لنا عليهم الدولة فتذل أعناقهم بعد صعوبة ويلحقهم هوان بعد عزة ناظر إلى هذا، وعن أبي حمزة الثمالي أن الآية صوت يسمع من السماء في نصف شهر رمضان وتخرج له العواتق من البيوت، وهذا قول بتحقق الإنزال بعد وكأن ذلك زمان المهدي رضي الله تعالى عنه، ومن صحة ما ذكر من الأخبار في القلب شيء والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى: وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ بيان لشدة شكيمتهم وعدم ارعوائهم عما كانوا عليه من الكفر والتكذيب بغير ما ذكر من الآية الملجئة تأكيدا لصرف رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم عن الحرص على إسلامهم. ومن الأولى مزيدة لتأكيد العموم، وجوز أن تكون تبعيضية، والجار والمجرور متعلق بمحذوف هو صفة لمقدر كما نشير إليه إن شاء الله تعالى، والثانية لابتداء الغاية مجازا متعلقة بيأتيهم أو بمحذوف هو صفة لذكر، وأيا ما كان ففيه دلالة على فضله وشرفه وشناعة ما فعلوا به.
والتعرض لعنوان الرحمة لتغليظ شناعتهم وتهويل جنايتهم فإن الإعراض عما يأتيهم من جنابه جل وعلا على الإطلاق شنيع قبيح وعما يأتيهم بموجب رحمته تعالى لمحض منفعتهم أشنع وأقبح أي ما يأتيهم تذكير وموعظة أو طائفة من القرآن من قبله عز وجل بمقتضى رحمته الواسعة يجدد تنزيله حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة إلا جددوا إعراضا عنه واستمروا على ما كانوا عليه، والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال محله النصب على الحالية من مفعول يَأْتِيهِمْ بإضمار قد أو بدونه على الخلاف المشهور أي ما يأتيهم من ذكر في حال من الأحوال إلا حال كونهم معرضين عنه فَقَدْ كَذَّبُوا أي بالذكر الذي يأتيهم تكذيبا صريحا مقارنا للاستهزاء به ولم يكتفوا بالإعراض عنه حيث جعلوه تارة سحرا وتارة أساطير الأولين وأخرى شعرا.
وقال بعض الفضلاء: أي فقد تموا على التكذيب وكان تكذيبهم مع ورود ما يوجب الإقلاع من تكرير إتيان الذكر كتكذيبهم أول مرة، وللتنبيه على ذلك عبر عنه بما يعبر عن الحادث ويشعر باعتبار مقارنة الاستهزاء حسبما أشير إليه قوله تعالى: فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ لاقتضائه تقدم الاستهزاء، وقيل: إن ذاك لدلالة الإعراض والتكذيب على الاستهزاء، والمراد بأنباء ذلك ما سيحيق بهم من العقوبات العاجلة والآجلة وكل آت قريب، وقيل: من عذاب يوم بدر أو يوم القيامة والأول أولى، وعبر عن ذلك بالأنباء لكونه مما أنبأ به القرآن العظيم أو لأنهم بمشاهدته يقفون على حقيقة حال القرآن كما يقفون على الأحوال الخافية عنهم باستماع الأنباء. وفيه تهويل له لأن النبأ يطلق على الخبر الخطير الذي له وقع عظيم أي فسيأتيهم لا محالة مصداق ما كانوا يستهزؤون به قبل من غير أن يتدبروا في أحواله ويقفوا عليها.
وقوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ بيان لإعراضهم عن الآيات التكوينية بعد بيان إعراضهم عن الآيات التنزيلية، والهمزة للإنكار التوبيخي والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أأصروا على ما هم عليه من الكفر بالله
وقرأ طلحة «فتظل» بفك الإدغام، والجزم وضعف الحريري في درة الغواص الفك في مثل ذلك، ورجح صاحب الكشف القراءة بأنها أبلغ لإفادة الماضي ما سمعته آنفا، هذا والظاهر أنه لم تحقق إنزال هذه الآية لأن سنة الله تعالى تكليف الناس بالإيمان من دون إلجاء، نعم إذا قيل: المراد آية مذلة لهم كما روي عن قتادة جاز أن يقال بتحقق ذلك، ولعل ما روي عن ابن عباس كما في البحر والكشاف من قوله نزلت هذه الآية فينا وفي بني أمية ستكون لنا عليهم الدولة فتذل أعناقهم بعد صعوبة ويلحقهم هوان بعد عزة ناظر إلى هذا، وعن أبي حمزة الثمالي أن الآية صوت يسمع من السماء في نصف شهر رمضان وتخرج له العواتق من البيوت، وهذا قول بتحقق الإنزال بعد وكأن ذلك زمان المهدي رضي الله تعالى عنه، ومن صحة ما ذكر من الأخبار في القلب شيء والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى: وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ بيان لشدة شكيمتهم وعدم ارعوائهم عما كانوا عليه من الكفر والتكذيب بغير ما ذكر من الآية الملجئة تأكيدا لصرف رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم عن الحرص على إسلامهم. ومن الأولى مزيدة لتأكيد العموم، وجوز أن تكون تبعيضية، والجار والمجرور متعلق بمحذوف هو صفة لمقدر كما نشير إليه إن شاء الله تعالى، والثانية لابتداء الغاية مجازا متعلقة بيأتيهم أو بمحذوف هو صفة لذكر، وأيا ما كان ففيه دلالة على فضله وشرفه وشناعة ما فعلوا به.
والتعرض لعنوان الرحمة لتغليظ شناعتهم وتهويل جنايتهم فإن الإعراض عما يأتيهم من جنابه جل وعلا على الإطلاق شنيع قبيح وعما يأتيهم بموجب رحمته تعالى لمحض منفعتهم أشنع وأقبح أي ما يأتيهم تذكير وموعظة أو طائفة من القرآن من قبله عز وجل بمقتضى رحمته الواسعة يجدد تنزيله حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة إلا جددوا إعراضا عنه واستمروا على ما كانوا عليه، والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال محله النصب على الحالية من مفعول يَأْتِيهِمْ بإضمار قد أو بدونه على الخلاف المشهور أي ما يأتيهم من ذكر في حال من الأحوال إلا حال كونهم معرضين عنه فَقَدْ كَذَّبُوا أي بالذكر الذي يأتيهم تكذيبا صريحا مقارنا للاستهزاء به ولم يكتفوا بالإعراض عنه حيث جعلوه تارة سحرا وتارة أساطير الأولين وأخرى شعرا.
وقال بعض الفضلاء: أي فقد تموا على التكذيب وكان تكذيبهم مع ورود ما يوجب الإقلاع من تكرير إتيان الذكر كتكذيبهم أول مرة، وللتنبيه على ذلك عبر عنه بما يعبر عن الحادث ويشعر باعتبار مقارنة الاستهزاء حسبما أشير إليه قوله تعالى: فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ لاقتضائه تقدم الاستهزاء، وقيل: إن ذاك لدلالة الإعراض والتكذيب على الاستهزاء، والمراد بأنباء ذلك ما سيحيق بهم من العقوبات العاجلة والآجلة وكل آت قريب، وقيل: من عذاب يوم بدر أو يوم القيامة والأول أولى، وعبر عن ذلك بالأنباء لكونه مما أنبأ به القرآن العظيم أو لأنهم بمشاهدته يقفون على حقيقة حال القرآن كما يقفون على الأحوال الخافية عنهم باستماع الأنباء. وفيه تهويل له لأن النبأ يطلق على الخبر الخطير الذي له وقع عظيم أي فسيأتيهم لا محالة مصداق ما كانوا يستهزؤون به قبل من غير أن يتدبروا في أحواله ويقفوا عليها.
وقوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ بيان لإعراضهم عن الآيات التكوينية بعد بيان إعراضهم عن الآيات التنزيلية، والهمزة للإنكار التوبيخي والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أأصروا على ما هم عليه من الكفر بالله
61
تعالى وتكذيب ما يدعوهم إلى الإيمان به عز وجل ولم ينظروا إلى عجائب الأرض الزاجرة لهم عن ذلك والداعية إلى الإيمان به تعالى، وقال أبو السعود بعد جعل الهمزة للإنكار والعطف على مقدر يقتضيه المقام: أي أفعلوا ما فعلوا من الإعراض عن الآيات والتكذيب والاستهزاء بها ولم ينظروا إلى عجائب الأرض الزاجرة عما فعلوا والداعية إلى الإقبال على ما أعرضوا عنه انتهى.
وهو ظاهر في أن الآية مرتبطة بما قبلها من قوله تعالى: وَما يَأْتِيهِمْ إلخ وهو قريب بحسب اللفظ إلا أن فيه أن النظر إلى عجائب الأرض لا يظهر كونه زاجرا عن التكذيب بكون القرآن منزلا من الله عز وجل وداعيا إلى الإقبال إليه، وقال ابن كمال: التقدير ألم يتأملوا في عجائب قدرته تعالى ولم ينظروا انتهى.
والظاهر أن الآية عليه ابتداء كلام فافهم، وقيل: هو بيان لتكذيبهم بالمعاد إثر بيان تكذيبهم بالمبدأ وكفرهم به عز وجل والعطف على مقدر أيضا، والتقدير أكذبوا بالبعث ولم ينظروا إلى عجائب الأرض الزاجرة عن التكذيب بذلك والأول أولى وأظهر، وأيا ما كان فالكلام على حذف مضاف كما أشير إليه، وجوز أن يراد من الأرض عجائبها مجازا وقوله تعالى: كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ استئناف مبين لما في الأرض من الآيات الزاجرة عن الكفر الداعية إلى الإيمان.
وكم خبرية في موضع نصب على المفعولية بما بعدها وهي مفيدة للكثرة وجيء بكل معها لإفادة الإحاطة والشمول فيفيد أن كثرة أفراد كل صنف صنف فيكون المعنى أنبتنا فيها شيئا كثيرا من كل صنف على أن من تبعيضية أو كثرة الأصناف فيكون المعنى أنبتنا فيها شيئا كثيرا هو كل صنف على أن من بيانية، وأيا ما كان فلا تكرار بينهما، وقد يقال: المعنى أو لم ينظروا إلى نفس الأرض التي هي طبيعة واحدة كيف جعلناها منبتا لنباتات كثيرة مختلفة الطبائع وحينئذ ليس هناك حذف مضاف ولا مجاز ويكون قوله تعالى: كَمْ أَنْبَتْنا فِيها إلخ يدل اشتمال بحسب المعنى وهو وجه حسن فافهمه لئلا تظن رجوعه إلى ما تقدم واحتياجه إلى ما احتاج إليه من الحذف أو التجوز، والزوج الصنف كما أشرنا إليه. وذكر الراغب أن كل ما في العالم زوج من حيث إن له ضدا ما أو مثلا ما أو تركيبا ما بل لا ينفك بوجه من تركيب، والكريم من كل شيء مرضيه ومحموده، ومنه قوله:
حتى يشق الصفوف من كرمه فإنه أراد من كونه مرضيا في شجاعته وهو صفة لزوج أي من كل زوج كثير المنافع وهي تحتمل التخصيص والتوضيح، ووجه الأول دلالته على ما يدل عليه غيره في شأن الواجب تعالى وزيادة حيث يدل على النعمة الزاجرة لهم عما هم عليه أيضا، ووجه الثاني التنبيه على أنه تعالى ما أنبت شيئا إلا وفيه فائدة كما يؤذن به قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة: ٢٩] وأيا ما كان فالظاهر عدم دخول الحيوان في عموم المنبت، وذهب بعض إلى دخوله بناء على أن خلقه من الأرض إنبات له كما يشير إليه قوله تعالى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً [نوح: ١٧] وعن الشعبي التصريح بدخول الإنسان فيه، فقد روي عنه أنه قال الناس: من نبات الأرض فمن صار إلى الجنة فهو كريم ومن صار إلى النار فبضد ذلك.
إِنَّ فِي ذلِكَ أي الإنبات أو المنبت لَآيَةً عظيمة دالة على ما يجب عليهم الإيمان به من شؤونه عز وجل، وما ألطف ما قيل في صف النرجس:
ولم يرتضه بعضهم لأن فيه تفكيك الضمائر لكونها للسحرة فيما قبل وبعد ومنع بدخولهم في ضمير الجمع فتأمل، وقوله تعالى: إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أي لأن كنا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ تعليل ثان لنفي الضير ولم يعطف إيذانا بأنه مما يستقل بالعلية، وقيل إن عدم العطف لتعلق التعليل بالمعلل الأول مع تعليله وجوز أن يكون تعليلا للعلة والأول أظهر أي لا ضير علينا في ذلك إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا لكوننا أول المؤمنين، والطمع إما على بابه كما استظهره أبو حيان لعدم الوجوب على الله عز وجل، وإما بمعنى التيقن كما قيل به في قول إبراهيم عليه السلام وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء: ٨٢] وقولهم: أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ يحتمل أنهم أرادوا به أول المؤمنين من أتباع فرعون أو أول المؤمنين من أهل المشهد أو أول المؤمنين من أهل زمانهم، ولعل الإخبار بكونهم كذلك لعدم علمهم بمؤمن سبقهم بالإيمان فهو إخبار مبني على غالب الظن ولا محذور فيه كذا قيل، وقيل: أرادوا أول من أظهر الإيمان بالله تعالى وبرسوله عند فرعون كفاحا بعد الدعوة وظهور الآية فلا يرد مؤمن آل فرعون. وآسية، وكذا لا يرد بنو إسرائيل لأنهم- كما في البحر- كانوا مؤمنين قبلهم إما لعدم علم السحرة بذلك أو لأن كلا من المذكورين لم يظهر الإيمان بالله تعالى ورسوله عند فرعون كفاحا بعد الدعوة وظهور الآية فتأمل.
وقرأ أبان بن تغلب وأبو معاذ «إن كنا» بكسر همزة «إن» وخرج على أن إن شرطية والجواب محذوف يدل عليه ما قبله أي إن كنا أول المؤمنين فإنا نطمع، وجعل صاحب اللوامح الجواب إِنَّا نَطْمَعُ المتقدم وقال: جاز حذف الفاء منه لتقدمه وهو مبني على مذهب الكوفيين وأبي زيد والمبرد حيث يجوزون تقديم جواب الشرط، وعلى هذا فالظاهر أنهم لم يكونوا متحققين بأنهم أول المؤمنين، وقيل: كانوا متحققين ذلك لكنهم أبرزوه في صورة الشك لتنزيل الأمر المعتمد منزلة غيره تمليحا وتضرعا لله تعالى، وفي ذلك هضم النفس والمبالغة في تحري الصدق والمشاكلة مع نَطْمَعُ على ما هو الظاهر فيه، وجوز أبو حيان أن تكون إن هي المخففة من الثقيلة ولا يحتاج إلى اللام الفارقة لدلالة الكلام على أنهم مؤمنون فلا احتمال للنفي،
وقد ورد مثل ذلك في الفصيح ففي الحديث: «إن كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحب العسل»
، وقال الشاعر:
وعلى هذا الوجه يكونون جازمين بأنهم أول المؤمنين أتم جزم. واختلف في أن فرعون هل فعل بهم ما أقسم عليه أولا والأكثرون على أنه لم يفعل لظاهر قوله تعالى: أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ [القصص: ٣٥] وبعض هؤلاء زعم أنهم لما سجدوا رأوا الجنات والنيران وملكوت السماوات والأرض وقبضت أرواحهم وهم ساجدون، وظواهر الآيات تكذب أمر الموت في السجود، وأما رؤية أمر ما ذكر فلا جزم عندي بصدقه والله تعالى أعلم.
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي وذلك بعد سنين أقام بين ظهرانيهم يدعوهم إلى الحق ويظهر لهم الآيات فلم يزيدوا إلا عتوا وعنادا حسبما فصل في سورة [الأعراف: ١٣٠] بقوله تعالى: وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ الآيات. وقرىء «أن أسر» بكسر النون ووصل الألف من سرى. وقرأ اليماني «أن سر» أمرا من سار يسير إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ تعليل للأمر بالإسراء أي يتبعكم فرعون وجنوده مصبحين فأسر ليلا بمن معك حتى لا يدركوكم قبل الوصول إلى البحر بل يكونون على أثركم حين تلجون البحر فيدخلون مداخلكم فأطبقه عليهم فأغرقهم فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ الفاء فصيحة أي فأسرى بهم وأخبر فرعون بذلك فأرسل فِي الْمَدائِنِ أي مدائن مصر حاشِرِينَ جامعين للعساكر ليتبعوهم إِنَّ هؤُلاءِ يريد بني إسرائيل والكلام على إرادة القول، والظاهر أنه حال أي قائلا إن
وهو ظاهر في أن الآية مرتبطة بما قبلها من قوله تعالى: وَما يَأْتِيهِمْ إلخ وهو قريب بحسب اللفظ إلا أن فيه أن النظر إلى عجائب الأرض لا يظهر كونه زاجرا عن التكذيب بكون القرآن منزلا من الله عز وجل وداعيا إلى الإقبال إليه، وقال ابن كمال: التقدير ألم يتأملوا في عجائب قدرته تعالى ولم ينظروا انتهى.
والظاهر أن الآية عليه ابتداء كلام فافهم، وقيل: هو بيان لتكذيبهم بالمعاد إثر بيان تكذيبهم بالمبدأ وكفرهم به عز وجل والعطف على مقدر أيضا، والتقدير أكذبوا بالبعث ولم ينظروا إلى عجائب الأرض الزاجرة عن التكذيب بذلك والأول أولى وأظهر، وأيا ما كان فالكلام على حذف مضاف كما أشير إليه، وجوز أن يراد من الأرض عجائبها مجازا وقوله تعالى: كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ استئناف مبين لما في الأرض من الآيات الزاجرة عن الكفر الداعية إلى الإيمان.
وكم خبرية في موضع نصب على المفعولية بما بعدها وهي مفيدة للكثرة وجيء بكل معها لإفادة الإحاطة والشمول فيفيد أن كثرة أفراد كل صنف صنف فيكون المعنى أنبتنا فيها شيئا كثيرا من كل صنف على أن من تبعيضية أو كثرة الأصناف فيكون المعنى أنبتنا فيها شيئا كثيرا هو كل صنف على أن من بيانية، وأيا ما كان فلا تكرار بينهما، وقد يقال: المعنى أو لم ينظروا إلى نفس الأرض التي هي طبيعة واحدة كيف جعلناها منبتا لنباتات كثيرة مختلفة الطبائع وحينئذ ليس هناك حذف مضاف ولا مجاز ويكون قوله تعالى: كَمْ أَنْبَتْنا فِيها إلخ يدل اشتمال بحسب المعنى وهو وجه حسن فافهمه لئلا تظن رجوعه إلى ما تقدم واحتياجه إلى ما احتاج إليه من الحذف أو التجوز، والزوج الصنف كما أشرنا إليه. وذكر الراغب أن كل ما في العالم زوج من حيث إن له ضدا ما أو مثلا ما أو تركيبا ما بل لا ينفك بوجه من تركيب، والكريم من كل شيء مرضيه ومحموده، ومنه قوله:
حتى يشق الصفوف من كرمه فإنه أراد من كونه مرضيا في شجاعته وهو صفة لزوج أي من كل زوج كثير المنافع وهي تحتمل التخصيص والتوضيح، ووجه الأول دلالته على ما يدل عليه غيره في شأن الواجب تعالى وزيادة حيث يدل على النعمة الزاجرة لهم عما هم عليه أيضا، ووجه الثاني التنبيه على أنه تعالى ما أنبت شيئا إلا وفيه فائدة كما يؤذن به قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة: ٢٩] وأيا ما كان فالظاهر عدم دخول الحيوان في عموم المنبت، وذهب بعض إلى دخوله بناء على أن خلقه من الأرض إنبات له كما يشير إليه قوله تعالى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً [نوح: ١٧] وعن الشعبي التصريح بدخول الإنسان فيه، فقد روي عنه أنه قال الناس: من نبات الأرض فمن صار إلى الجنة فهو كريم ومن صار إلى النار فبضد ذلك.
إِنَّ فِي ذلِكَ أي الإنبات أو المنبت لَآيَةً عظيمة دالة على ما يجب عليهم الإيمان به من شؤونه عز وجل، وما ألطف ما قيل في صف النرجس:
تأمل في رياض الورد وانظر | إلى آثار ما صنع المليك |
لقد كذب الواشون ما فهت عندهم | بسر ولا أرسلتهم برسول |
ألا من مبلغ عني خفافا | رسولا بيت أهلك منتهاها (١) |
أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ مفسرة لتضمن الإرسال المفهوم من الرسول معنى القول، وجوز أبو حيان كونها مصدرية على معنى أنا رسوله عز وجل بالأمر بالإرسال وهو بمعنى الإطلاق والتسريح كما في قولك: أرسلت الحجر من
(١) حيث أنث الضمير باعتبار الرسالة اهـ منه.
67
يدي وأرسل الصقر، والمراد خلهم يذهبوا معنا إلى فلسطين وكانت مسكنهما عليهما السلام، وكان بنو إسرائيل قد استعبدوا أربعمائة سنة وكانت عدتهم حين أرسل موسى عليه السلام ستمائة وثلاثين ألفا على ما ذكره البغوي.
قالَ أي فرعون لموسى عليه السلام بعد ما أتياه وقالا له ما أمرا به،
ويروى أنهما انطلقا إلى باب فرعون فلم يؤذن لهما سنة حتى قال البواب: إن هاهنا إنسانا يزعم أنه رسول رب العالمين فقال: ائذن له لعلنا نضحك منه فأذن له فدخلا فأدّيا إليه الرسالة فعرف موسى عليه السلام فقال عند ذلك أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً
وفي خبر آخر أنهما أتيا ليلا فقرع الباب ففزع فرعون وقال: من هذا الذي يضرب بابي هذه الساعة؟ فأشرف عليهما البواب فكلمهما فقال له موسى: أنا رسول رب العالمين فأتى فرعون وقال: إن هاهنا إنسانا مجنونا يزعم أنه رسول رب العالمين فقال: أدخله فدخل فقال ما قص الله تعالى
، وأراد اللعين من قوله: أَلَمْ نُرَبِّكَ إلخ الامتنان، وفِينا على تقدير المضاف أي منازلنا، والوليد فعيل بمعنى مفعول يقال لمن قرب عهده بالولادة، وإن كان على ما قال الراغب: يصح في الأصل لمن قرب عهده أو بعد كما يقال لما قرب عهده بالاجتناء جنيّ فإذا كبر سقط عنه هذا الاسم، وقال بعضهم: كان دلالته على قرب العهد من صيغة المبالغة، وكون الولادة لا تفاوت فيها نفسها وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ قيل:
لبث فيهم ثلاثين سنة ثم خرج إلى مدين وأقام به عشر سنين ثم عاد إليهم يدعوهم إلى الله تعالى ثلاثين سنة ثم بقي بعد الغرق خمسين، وقيل: لبث فيهم اثنتي عشرة سنة ففر بعد أن وكز القبطي إلى مدين فأقام به عشر سنين يرعى غنم شعيب عليه السلام ثم ثماني عشرة سنة بعد بنائه على امرأته بنت شعيب فكمل له أربعون سنة فبعثه الله تعالى وعاد إليهم يدعوهم إليه عز وجل والله تعالى أعلم.
وقرأ أبو عمرو في رواية «من عمرك» بإسكان الميم، والجار والمجرور في موضع الحال من سِنِينَ كما هو المعروف في نعت النكرة إذا قدم وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ يعني قتل القبطي. وبخه به بعد ما امتن وعظمه عليه بالإبهام الذي في الموصول، وأراد في ذلك القدح في نبوته عليه السلام. وقرأ الشعبي «فعلتك» بكسر الفاء يريد الهيئة وكانت قتلة بالوكز، والفتح في قراءة الجمهور لإرادة المرة وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ أي بنعمتي حيث عمدت إلى قتل رجل من خواصي كما روي عن ابن زيد أو وأنت حينئذ من جملة القوم الذين تدعي كفرهم الآن كما حكي عن السدي، وهذا الحكم منه بناء على ما عرفه من ظاهر حاله عليه السلام إذ ذاك لاختلاطه بهم والتقية معهم بعدم الإنكار عليهم وإلا فالأنبياء عليهم السلام معصومون عن الكفر قبل النبوة وبعدها، وقيل: كان ذلك افتراء منه عليه السلام، واستبعد بأنه لو علم بإيمانه أولا لسجنه أو قتله، والجملة على الاحتمالين في موضع الحال من إحدى التاءين في الفعلين السابقين.
وجوز أن يكون ذلك حكما مبتدأ عليه عليه السلام بأنه من الكافرين بإلهيته كما روي عن الحسن أو ممن يكفرون في دينهم حيث كانت لهم آلهة يعبدونهم أو من الكافرين بالنعم المعتادين لغمطها ومن اعتاد ذلك لا يكون مثل هذه الجناية بدعا منه، فالجملة مستأنفة أو معطوفة على ما قبلها، والأولى عندي ما تقدم من جعل الجملة حالا لتكون مع نظيرتها في الجواب على طرز واحد لتعين الحالية هناك ولما يتضمن كلام اللعين أمرين تصدى عليه السلام لردهما على سبيل اللف والنشر المشوش فرد أولا ما وبخه به قدحا في نبوته أعني قوله: وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ إلخ اعتناء بذلك واهتماما به وذلك بما حكاه سبحانه عنه بقوله جل وعلا: قالَ فَعَلْتُها أي تلك الفعلة إِذاً أي إذ ذاك على ما آثره بعض المحققين سقي الله تعالى ثراه من أن إِذاً ظرف مقطوع عن الإضافة مؤثرا فيه الفتحة على الكسرة لخفتها وكثرة الدور، وأقر عليه السلام بالقتل لثقته بحفظ الله تعالى له، وقيد الفعل بما يدفع كونه قادحا في النبوة وهو
قالَ أي فرعون لموسى عليه السلام بعد ما أتياه وقالا له ما أمرا به،
ويروى أنهما انطلقا إلى باب فرعون فلم يؤذن لهما سنة حتى قال البواب: إن هاهنا إنسانا يزعم أنه رسول رب العالمين فقال: ائذن له لعلنا نضحك منه فأذن له فدخلا فأدّيا إليه الرسالة فعرف موسى عليه السلام فقال عند ذلك أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً
وفي خبر آخر أنهما أتيا ليلا فقرع الباب ففزع فرعون وقال: من هذا الذي يضرب بابي هذه الساعة؟ فأشرف عليهما البواب فكلمهما فقال له موسى: أنا رسول رب العالمين فأتى فرعون وقال: إن هاهنا إنسانا مجنونا يزعم أنه رسول رب العالمين فقال: أدخله فدخل فقال ما قص الله تعالى
، وأراد اللعين من قوله: أَلَمْ نُرَبِّكَ إلخ الامتنان، وفِينا على تقدير المضاف أي منازلنا، والوليد فعيل بمعنى مفعول يقال لمن قرب عهده بالولادة، وإن كان على ما قال الراغب: يصح في الأصل لمن قرب عهده أو بعد كما يقال لما قرب عهده بالاجتناء جنيّ فإذا كبر سقط عنه هذا الاسم، وقال بعضهم: كان دلالته على قرب العهد من صيغة المبالغة، وكون الولادة لا تفاوت فيها نفسها وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ قيل:
لبث فيهم ثلاثين سنة ثم خرج إلى مدين وأقام به عشر سنين ثم عاد إليهم يدعوهم إلى الله تعالى ثلاثين سنة ثم بقي بعد الغرق خمسين، وقيل: لبث فيهم اثنتي عشرة سنة ففر بعد أن وكز القبطي إلى مدين فأقام به عشر سنين يرعى غنم شعيب عليه السلام ثم ثماني عشرة سنة بعد بنائه على امرأته بنت شعيب فكمل له أربعون سنة فبعثه الله تعالى وعاد إليهم يدعوهم إليه عز وجل والله تعالى أعلم.
وقرأ أبو عمرو في رواية «من عمرك» بإسكان الميم، والجار والمجرور في موضع الحال من سِنِينَ كما هو المعروف في نعت النكرة إذا قدم وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ يعني قتل القبطي. وبخه به بعد ما امتن وعظمه عليه بالإبهام الذي في الموصول، وأراد في ذلك القدح في نبوته عليه السلام. وقرأ الشعبي «فعلتك» بكسر الفاء يريد الهيئة وكانت قتلة بالوكز، والفتح في قراءة الجمهور لإرادة المرة وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ أي بنعمتي حيث عمدت إلى قتل رجل من خواصي كما روي عن ابن زيد أو وأنت حينئذ من جملة القوم الذين تدعي كفرهم الآن كما حكي عن السدي، وهذا الحكم منه بناء على ما عرفه من ظاهر حاله عليه السلام إذ ذاك لاختلاطه بهم والتقية معهم بعدم الإنكار عليهم وإلا فالأنبياء عليهم السلام معصومون عن الكفر قبل النبوة وبعدها، وقيل: كان ذلك افتراء منه عليه السلام، واستبعد بأنه لو علم بإيمانه أولا لسجنه أو قتله، والجملة على الاحتمالين في موضع الحال من إحدى التاءين في الفعلين السابقين.
وجوز أن يكون ذلك حكما مبتدأ عليه عليه السلام بأنه من الكافرين بإلهيته كما روي عن الحسن أو ممن يكفرون في دينهم حيث كانت لهم آلهة يعبدونهم أو من الكافرين بالنعم المعتادين لغمطها ومن اعتاد ذلك لا يكون مثل هذه الجناية بدعا منه، فالجملة مستأنفة أو معطوفة على ما قبلها، والأولى عندي ما تقدم من جعل الجملة حالا لتكون مع نظيرتها في الجواب على طرز واحد لتعين الحالية هناك ولما يتضمن كلام اللعين أمرين تصدى عليه السلام لردهما على سبيل اللف والنشر المشوش فرد أولا ما وبخه به قدحا في نبوته أعني قوله: وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ إلخ اعتناء بذلك واهتماما به وذلك بما حكاه سبحانه عنه بقوله جل وعلا: قالَ فَعَلْتُها أي تلك الفعلة إِذاً أي إذ ذاك على ما آثره بعض المحققين سقي الله تعالى ثراه من أن إِذاً ظرف مقطوع عن الإضافة مؤثرا فيه الفتحة على الكسرة لخفتها وكثرة الدور، وأقر عليه السلام بالقتل لثقته بحفظ الله تعالى له، وقيد الفعل بما يدفع كونه قادحا في النبوة وهو
68
جملة وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ أي من الجاهلين وقد جاء كذلك في قراءة ابن عباس وابن مسعود كما نقله أبو حيان في البحر لكنه قال: ويظهر أن ذاك تفسير للضالين لا قراءة مروية عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وأراد عليه السلام بذلك على ما روي عن قتادة أنه فعل ذلك جاهلا به غير متعمد إياه فإنه عليه السلام إنما تعمد الوكز للتأديب فأدى إلى ما أدى، وفي معنى ما ذكر ما روي عن ابن زيد من أن المعنى وأنا من الجاهلين بأن وكزتي تأتي على نفسه وقيل: المعنى فعلتها مقدما عليها من غير مبالاة بالعواقب على أن الجهل بمعنى الإقدام من غير مبالاة كما فسر بذلك في قوله:
وهذا مما يحسن على بعض الأوجه في تقرير الجواب المذكور، قيل: إن الضلال هاهنا المحبة كما فسر بذلك في قوله تعالى: إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ [يوسف: ٩٥] وعني عليه السلام أنه قتل القبطي غيرة لله تعالى حيث كان عليه السلام من المحبين له عز وجل وهو كما ترى، ومثله ما قيل أراد من الجاهلين بالشرائع، وفسر الضلال بذلك في قوله تعالى: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى [الضحى: ٧]، وقال أبو عبيدة: من الناسين، وفسر الضلال بالنسيان في قوله تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى [البقرة: ٢٨٢] وعليه قيل المراد فعلتها ناسيا حرمتها، وقيل: ناسيا أن وكزي ذلك مما يفضي إلى القتل عادة والذي أميل إليه من بين هذه الأقوال ما روي عن قتادة، وسيأتي إن شاء الله تعالى في سورة القصص ما يتعلق بهذا المقام.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن جريج عن ابن مسعود أنه قرأ «فعلتها إذانا من الضالين» فَفَرَرْتُ أي خرجت هاربا مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ أي حين توقعت مكروها منكم وذلك حين قيل له: «إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك» ومن هنا يعلم وجه جمع ضمير الخطاب، وقرأ حمزة في رواية لما بكسر اللام وتخفيف الميم على أن اللام حرف جر وما مصدرية أي لخوفي إياكم فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً أي نبوة أو علما وفهما للأشياء على ما هي عليه والأول مروي عن السدي، وتأول بعضهم ذلك بأنه أراد علما هو من خواص النبوة فيكون الحكم بهذا المعنى أخص منه بالمعنى الثاني، وقرأ عيسى «حكما» بضم الكاف وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ إشارة على ظاهر الأول من تفسيري الحكم إلى تفضله تعالى عليه برتبة هي فوق رتبة النبوة أعني رتبة الرسالة ولم يقل فوهب لي رب حكما ورسالة أو وجعلني رسولا إعظاما لأمر الرسالة وتنبيها لفرعون على أن رسالته عليه السلام ليس أمرا مبتدعا بل هو مما جرت به سنة الله تعالى شأنه، وحاصل الرد أن ما ذكرت من نسبة القتل إلى مسلم لكنه ليس مما أوبخ به ويقدح في نبوتي لأنه كان قبل النبوة من غير تعمد حيث كان الوكز للتأديب وترتب عليه ذلك، ورد ثانيا امتنانه الذي تضمنه قوله: أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً إلخ فقال: وَتِلْكَ أي التربية المفهومة من قوله: أَلَمْ نُرَبِّكَ إلخ نِعْمَةٌ تَمُنُّها أي تنعم بها عَلَيَّ فهو من باب الحذف والإيصال، وتمن من المنة بمعنى الأنعام والمضارع لاستحضار الصورة، وجوز أن يكون من المن والمعنى تلك نعمة تعدها عليّ فليس هناك حذف وإيصال، والمضارع قيل على ظاهره من الاستقبال وفيه منع ظاهر أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ أي ذللتهم واتخذتهم عبيدا يقال: عبدت الرجل وأعبدته إذا اتخذته عبدا.
قال الشاعر:
وأن وما بعدها في تأويل مصدر مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف والجملة حالية أو مفسرة أو على أنه بدل من تِلْكَ أو نعمة أو عطف أو منصوب على أنه بدل من الهاء في تَمُنُّها أو مجرور بتقدير الباء السببية أو اللام على أحد القولين في محل أن وما بعدها بعد حذف الجار، والقول الآخر إن محله النصب، وحاصل الرد إن ما ذكرت نعمة ظاهرا وهي في الحقيقة نقمة حيث كانت بسبب إذلال قومي وقصدك إياهم بذبح أبنائهم ولولا ذلك لم أحصل بين
ألا لا يجهلن أحد علينا | فنجهل فوق جهل الجاهلينا |
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن جريج عن ابن مسعود أنه قرأ «فعلتها إذانا من الضالين» فَفَرَرْتُ أي خرجت هاربا مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ أي حين توقعت مكروها منكم وذلك حين قيل له: «إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك» ومن هنا يعلم وجه جمع ضمير الخطاب، وقرأ حمزة في رواية لما بكسر اللام وتخفيف الميم على أن اللام حرف جر وما مصدرية أي لخوفي إياكم فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً أي نبوة أو علما وفهما للأشياء على ما هي عليه والأول مروي عن السدي، وتأول بعضهم ذلك بأنه أراد علما هو من خواص النبوة فيكون الحكم بهذا المعنى أخص منه بالمعنى الثاني، وقرأ عيسى «حكما» بضم الكاف وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ إشارة على ظاهر الأول من تفسيري الحكم إلى تفضله تعالى عليه برتبة هي فوق رتبة النبوة أعني رتبة الرسالة ولم يقل فوهب لي رب حكما ورسالة أو وجعلني رسولا إعظاما لأمر الرسالة وتنبيها لفرعون على أن رسالته عليه السلام ليس أمرا مبتدعا بل هو مما جرت به سنة الله تعالى شأنه، وحاصل الرد أن ما ذكرت من نسبة القتل إلى مسلم لكنه ليس مما أوبخ به ويقدح في نبوتي لأنه كان قبل النبوة من غير تعمد حيث كان الوكز للتأديب وترتب عليه ذلك، ورد ثانيا امتنانه الذي تضمنه قوله: أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً إلخ فقال: وَتِلْكَ أي التربية المفهومة من قوله: أَلَمْ نُرَبِّكَ إلخ نِعْمَةٌ تَمُنُّها أي تنعم بها عَلَيَّ فهو من باب الحذف والإيصال، وتمن من المنة بمعنى الأنعام والمضارع لاستحضار الصورة، وجوز أن يكون من المن والمعنى تلك نعمة تعدها عليّ فليس هناك حذف وإيصال، والمضارع قيل على ظاهره من الاستقبال وفيه منع ظاهر أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ أي ذللتهم واتخذتهم عبيدا يقال: عبدت الرجل وأعبدته إذا اتخذته عبدا.
قال الشاعر:
علام يعبدني قومي وقد كثرت | فيهم أباعر ما شاؤوا وعبدان؟ |
69
ﭭﭮﭯﭰﭱ
ﰖ
ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ
ﰗ
ﭾﭿﮀﮁﮂ
ﰘ
ﮄﮅﮆﮇﮈ
ﰙ
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ
ﰚ
ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ
ﰛ
ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ
ﰜ
ﮦﮧﮨﮩﮪ
ﰝ
ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ
ﰞ
ﯕﯖﯗﯘﯙﯚ
ﰟ
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡ
ﰠ
ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ
ﰡ
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ
ﰢ
ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ
ﰣ
ﯼﯽﯾﯿ
ﰤ
ﰁﰂﰃﰄﰅ
ﰥ
ﰇﰈﰉﰊﰋ
ﰦ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ
ﰧ
ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ
ﰨ
ﭦﭧﭨﭩﭪﭫ
ﰩ
ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ
ﰪ
ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ
ﰫ
ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ
ﰬ
ﮈﮉﮊ
ﰭ
ﮌﮍﮎﮏ
ﰮ
ﮑﮒﮓ
ﰯ
ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ
ﰰ
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ
ﰱ
ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ
ﰲ
ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ
ﰳ
ﯭﯮﯯﯰﯱ
ﰴ
ﯳﯴﯵﯶ
ﰵ
ﯸﯹﯺ
ﰶ
ﯼﯽﯾ
ﰷ
ﰀﰁﰂﰃ
ﰸ
ﰅﰆﰇ
ﰹ
ﰉﰊﰋﰌﰍ
ﰺ
ﰏﰐ
ﰻ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ
ﰼ
ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ
ﰽ
ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ
ﰾ
ﭱﭲﭳ
ﰿ
ﭵﭶﭷﭸﭹ
ﱀ
ﭻﭼﭽ
ﱁ
ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ
ﱂ
ﮉﮊﮋﮌﮍ
ﱃ
ﮏﮐﮑﮒ
ﱄ
ﮔﮕﮖﮗﮘﮙ
ﱅ
ﮛﮜﮝﮞﮟﮠ
ﱆ
ﮢﮣﮤﮥﮦ
ﱇ
ﮨﮩﮪﮫ
ﱈ
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓ
ﱉ
يديك ولم أكن في مهد تربيتك، وقيل: تِلْكَ إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة لا يدرى ما هي إلا بتفسيرها وأَنْ عَبَّدْتَ عطف بيان لها، والمعنى تعبيدك بني إسرائيل نعمة تمنها عليّ، وحاصل الرد إنكار ما أمتن به أيضا. ويريد حمل الكلام على رد كون ذلك نعمة في الحقيقة قراءة الضحاك «وتلك نعمة ما لك أن تمنها عليّ»، وإلى ذلك ذهب قتادة وكذا الأخفش والفراء إلا أنهما قالا بتقدير همزة الاستفهام للإنكار بعد الواو، والأصل وأتاك نعمة إلخ، وأبى بعض النحاة حذف حرف الاستفهام في مثل هذا الموضع. وقال أبو حيان: الظاهر أن هذا الكلام إقرار منه عليه السلام بنعمة فرعون كأنه يقول: وترتبيتك إياي نعمة عليّ من حيث إنك عبدت غيري وتركتني واتخذتني ولدا لكن لا يدفع ذلك رسالتي. وإلى هذا التأويل ذهب السدي والطبري وليس بذاك.
وأيا ما كان فالآية ظاهرة في أن كفر الكافر لا يبطل نعمته، وذهب بعضهم أن الكفر يبطل النعمة لئلا يجتمع استحقاق المدح واستحقاق الذم، وفيه أنه لا ضير في ذلك لاختلاف جهتي الاستحقاقين. هذا وذهب الزمخشري إلى أن إِذاً في قوله تعالى: فَعَلْتُها إِذاً جواب وجزاء وبين وجه كون الكلام جزاء بقوله: قول «وفعلت فعلتك» فيه معنى إنك جازيت نعمتي بما فعلت فقال له موسى عليه السلام: نعم فعلتها مجازيا لك تسليما لقوله كان نعمته عنده جديرة بأن تجازى بنحو ذلك الجزاء.
واعترض بأن هذا لا يلائم قوله: وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ لأنه يدل على أنه اعترف بأنه فعل ذلك جاهلا أو ناسيا.
وفي الكشف تحقيق ما ذكره الزمخشري أن الترتيب الذي هو معنى الشرط والجزاء حاصل ولما كانا ماضيين كان ذلك تقديريا كأنه قال: إن كان ذلك كفرانا بنعمتك فقد فعلته جزاء، ولكن الوصف أي كونه كفرانا غير مسلم. وأمده بقوله: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها وفيه القول بالموجب أيضا. وقوله: وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ على هذا كأنه اعتذار ثان أي كنت تستحق ذلك عندي وأيضا كنت من الحائدين عن منهج الصواب لا في اعتقاد استحقاق مكافأة صنيعك بمثل تلك ولكن في الإقدام قبل الإذن من الملك العلام، والحاصل أنه نسبه إلى مقابلة الإحسان بالإساءة وقررها بكونه كافرا، فأجاب عليه السلام بأن المقابلة حاصلة ولكن أين الإحسان وما كنت كافرا بك فإنه عين الهدى بل ضالا في الإقدام على الفعل وما كنت كافرا لنعمة منعم أصلا ولكن كنت فاعلا لذلك خطأ، ومنه ظهر أن قوله: وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ لا ينافي تقرير الزمخشري بل يؤيده اه.
ولا يخفى أن الأوفق بحديث الجزاء أن يكون المراد بقوله: فعلتها وأنا من الضالين فعلتها مقدما عليها من غير مبالاة على أن الضلال بمعنى الجهل المفسر بالإقدام من غير مبالاة لكن التزام كون إِذاً هنا للجواب والجزاء التزام ما لا يلزم فإن الصحيح الذي قال به الأكثرون أنها قد تتمحض للجواب، وفي البحر أنهم حملوا ما في هذه الآية على ذلك، وتوجيه كونها للجزاء فيها بما ذكر لا يخلو عن تكلف، والأظهر عندي معنى ما آثره بعض أفاضل المحققين من أنها ظرف مقطوع عن الإضافة ولا أرى فيه ما يقال سوى أنه معنى لم يذكره أكثر علماء العربية وهم لم يحيطوا بكل شيء علما، وإن أبيت هذا فهي للجواب فقط، ومن العجيب قول ابن عطية: إنها هنا صلة في الكلام ثم قوله: وكأنها بمعنى حينئذ ولو اكتفى به على أنه تفسير معنى لكان له وجه فتأمل، والله تعالى أعلم.
وأيا ما كان فالآية ظاهرة في أن كفر الكافر لا يبطل نعمته، وذهب بعضهم أن الكفر يبطل النعمة لئلا يجتمع استحقاق المدح واستحقاق الذم، وفيه أنه لا ضير في ذلك لاختلاف جهتي الاستحقاقين. هذا وذهب الزمخشري إلى أن إِذاً في قوله تعالى: فَعَلْتُها إِذاً جواب وجزاء وبين وجه كون الكلام جزاء بقوله: قول «وفعلت فعلتك» فيه معنى إنك جازيت نعمتي بما فعلت فقال له موسى عليه السلام: نعم فعلتها مجازيا لك تسليما لقوله كان نعمته عنده جديرة بأن تجازى بنحو ذلك الجزاء.
واعترض بأن هذا لا يلائم قوله: وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ لأنه يدل على أنه اعترف بأنه فعل ذلك جاهلا أو ناسيا.
وفي الكشف تحقيق ما ذكره الزمخشري أن الترتيب الذي هو معنى الشرط والجزاء حاصل ولما كانا ماضيين كان ذلك تقديريا كأنه قال: إن كان ذلك كفرانا بنعمتك فقد فعلته جزاء، ولكن الوصف أي كونه كفرانا غير مسلم. وأمده بقوله: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها وفيه القول بالموجب أيضا. وقوله: وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ على هذا كأنه اعتذار ثان أي كنت تستحق ذلك عندي وأيضا كنت من الحائدين عن منهج الصواب لا في اعتقاد استحقاق مكافأة صنيعك بمثل تلك ولكن في الإقدام قبل الإذن من الملك العلام، والحاصل أنه نسبه إلى مقابلة الإحسان بالإساءة وقررها بكونه كافرا، فأجاب عليه السلام بأن المقابلة حاصلة ولكن أين الإحسان وما كنت كافرا بك فإنه عين الهدى بل ضالا في الإقدام على الفعل وما كنت كافرا لنعمة منعم أصلا ولكن كنت فاعلا لذلك خطأ، ومنه ظهر أن قوله: وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ لا ينافي تقرير الزمخشري بل يؤيده اه.
ولا يخفى أن الأوفق بحديث الجزاء أن يكون المراد بقوله: فعلتها وأنا من الضالين فعلتها مقدما عليها من غير مبالاة على أن الضلال بمعنى الجهل المفسر بالإقدام من غير مبالاة لكن التزام كون إِذاً هنا للجواب والجزاء التزام ما لا يلزم فإن الصحيح الذي قال به الأكثرون أنها قد تتمحض للجواب، وفي البحر أنهم حملوا ما في هذه الآية على ذلك، وتوجيه كونها للجزاء فيها بما ذكر لا يخلو عن تكلف، والأظهر عندي معنى ما آثره بعض أفاضل المحققين من أنها ظرف مقطوع عن الإضافة ولا أرى فيه ما يقال سوى أنه معنى لم يذكره أكثر علماء العربية وهم لم يحيطوا بكل شيء علما، وإن أبيت هذا فهي للجواب فقط، ومن العجيب قول ابن عطية: إنها هنا صلة في الكلام ثم قوله: وكأنها بمعنى حينئذ ولو اكتفى به على أنه تفسير معنى لكان له وجه فتأمل، والله تعالى أعلم.
70
قالَ فِرْعَوْنُ مستفهما عن المرسل سبحانه وَما رَبُّ الْعالَمِينَ وتحقيق ذلك على ما قال العلامة الطيبي. إنه عز وجل لما أمرهما بقوله سبحانه: فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ فلا بد أن يكونا ممتثلين مؤديين لتلك الرسالة بعينها عند اللعين فلما أديت عنده اعترض أولا بقوله: أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً إلى آخره وثانيا بقوله: وَما رَبُّ الْعالَمِينَ ولذلك جيء بالواو العاطفة وكرر قال للطول فكأنه قال: أأنت الرسول وما رب العالمين؟ وقال الزمخشري: إن اللعين لما قال له بوابه: إن هاهنا من يزعم أنه رسول رب العالمين قال له عند دخوله: وما رب العالمين؟ واعترض بأنه نظم مختل لسبق المقاولة بينهم كما أشار إليه هو في سابق كلامه. وانتصر له صاحب الكشف فقال: أراد أنه تعالى ذكر مرة فقولا إنّا رسولا ربك أن أرسل وأخرى قُولا
71
إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ
والقصة واحدة والمجلس واحد فحمله على أن الثاني ما أداه البواب من لسانه عليه السلام والأول ما خاطبه به موسى عليه السلام مشافهة وأن اللعين أخذ أولا في الطعن فيه وإن مثله ممن قرف برذائل الأخلاق لا يرشح لمنصب عال فضلا عما ادعاه وثانيا في السؤال عن شأن من ادعى الرسالة عنه استهزاء، ومن هذا تبين أن سبق المقاولة لا يدل على اختلال النظم الذي أشار إليه انتهى.
وجوز بعضهم وقوع الأمر مرتين وأن فرعون سأل أولا بقوله: فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى وسأل ثانيا بقوله: وَما رَبُّ الْعالَمِينَ وقد قص الله تعالى الأول فيما أنزل جل وعلا أولا وهو سورة طه والثاني فيما أنزله سبحانه ثانيا وهو سورة الشعراء، فقد روي عن ابن عباس أن سورة طه نزلت ثم الواقعة ثم طسم الشعراء، وقال آخر: يحتمل أنهما إنما قالا:
َّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ
والاقتصار في سورة طه على ذكر ربوبيته تعالى لفرعون لكفايته فيما هو المقصود، وعلى القول بوقوع الأمر مرتين قيل: إن فرعون سأل في المرة الأولى بقوله: فَمَنْ رَبُّكُما طلبا للوصف المشخص كما يقتضيه ظاهر الجواب خلافا للسكاكي في دعواه أنه سؤال عن الجنس كأنه قال: أبشر هو أم ملك أم جني؟ والجواب من الأسلوب الحكيم وأخرى بما رب العالمين طلبا للماهية والحقيقة انتقالا لما هو أصعب ليتوصل بذلك إلى بعض أغراضه الفاسدة حسبما قص الله تعالى بعد، وما يسأل بها عن الحقيقة مطلقا سواء كان المسئول عن حقيقته من أولي العلم أو لا فلا يتوهم أن حق الكلام حينئذ أن يقال من رب العالمين؟ حتى يوجه بأنه لإنكار اللعين له عز وجل عبر بما، ولما كان السؤال عن الحقيقة مما لا يليق بجنابه جل وعلا.
قالَ عليه السلام عادلا عن جوابه إلى ذكر صفاته عز وجل على نهج الأسلوب الحكيم إشارة إلى تعذر بيان الحقيقة رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا والكلام في امتناع معرفة الحقيقة وعدمه قد مر عليك فتذكر، ورفع رَبُّ على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو رب السماوات والأرض وما بينهما من العناصر والعنصريات إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ أي إن كنتم موقنين بالأشياء محققين لها علمتم ذلك أو إن كنتم موقنين بشيء من الأشياء فهذا أولى بالإيقان لظهوره وإنارة دليله فإن هذه الأجرام المحسوسة ممكنة لتركبها وتعددها وتغير أحوالها فلها مبدأ واجب لذاته ثم ذلك المبدأ لا بد أن يكون مبدأ لسائر الممكنات ما يمكن أن يحس بها وما لا يمكن وإلا لزم تعدد الواجب أو استغناء بعض الممكنات عنه وكلاهما محال، وجواب أن محذوف كما أشرنا إليه.
قالَ فرعون عند سماع جوابه عليه السلام خوفا من أن يعلق منه في قلوب قومه شيء لِمَنْ حَوْلَهُ من أشراف قومه، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كانوا خمسمائة رجل عليهم الأساور وكانت للملوك خاصة أَلا تَسْتَمِعُونَ جوابه يريد التعجيب منه والإزراء بقائله وكان ذلك لعدم مطابقته للسؤال حيث لم يبين فيه الحقيقة المسئول عنها وكونه في زعمه نظرا لما عليه قومه من الجهالة غير واضح في نفسه لخفاء العلم بإمكان ما ذكر أو حدوثه الذي هو علة الحاجة إلى المبدأ الواجب لذاته عليهم وقد بالغ اللعين في الإشارة إلى عدم الاعتداد بالجواب المذكور حيث أوهم أن مجرد استماعهم له كاف في رده وعدم قبوله، وكان موسى عليه السلام لما استشعر ذلك من اللعين قالَ عدولا إلى ما هو أوضح وأقرب إعطاء لمنصب الإرشاد حقه حسب الإمكان لتعذر الوقوف على الحقيقة كما سمعت رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ فإن الحدوث والافتقار إلى واجب مصور حكيم في المخاطبين وآبائهم الذين ذهبوا وعدموا أظهر والنظر في الأنفس أقرب وأوضح من النظر في الآفاق ولما رأى اللعين ذلك وقوي عنده خوف فتنة قومه قالَ مبالغا في الرد والإشارة إلى عدم الاعتداد بذلك مصرحا بما ينفر قلوبهم عن قائله وقبول ما يجيء به.
والقصة واحدة والمجلس واحد فحمله على أن الثاني ما أداه البواب من لسانه عليه السلام والأول ما خاطبه به موسى عليه السلام مشافهة وأن اللعين أخذ أولا في الطعن فيه وإن مثله ممن قرف برذائل الأخلاق لا يرشح لمنصب عال فضلا عما ادعاه وثانيا في السؤال عن شأن من ادعى الرسالة عنه استهزاء، ومن هذا تبين أن سبق المقاولة لا يدل على اختلال النظم الذي أشار إليه انتهى.
وجوز بعضهم وقوع الأمر مرتين وأن فرعون سأل أولا بقوله: فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى وسأل ثانيا بقوله: وَما رَبُّ الْعالَمِينَ وقد قص الله تعالى الأول فيما أنزل جل وعلا أولا وهو سورة طه والثاني فيما أنزله سبحانه ثانيا وهو سورة الشعراء، فقد روي عن ابن عباس أن سورة طه نزلت ثم الواقعة ثم طسم الشعراء، وقال آخر: يحتمل أنهما إنما قالا:
َّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ
والاقتصار في سورة طه على ذكر ربوبيته تعالى لفرعون لكفايته فيما هو المقصود، وعلى القول بوقوع الأمر مرتين قيل: إن فرعون سأل في المرة الأولى بقوله: فَمَنْ رَبُّكُما طلبا للوصف المشخص كما يقتضيه ظاهر الجواب خلافا للسكاكي في دعواه أنه سؤال عن الجنس كأنه قال: أبشر هو أم ملك أم جني؟ والجواب من الأسلوب الحكيم وأخرى بما رب العالمين طلبا للماهية والحقيقة انتقالا لما هو أصعب ليتوصل بذلك إلى بعض أغراضه الفاسدة حسبما قص الله تعالى بعد، وما يسأل بها عن الحقيقة مطلقا سواء كان المسئول عن حقيقته من أولي العلم أو لا فلا يتوهم أن حق الكلام حينئذ أن يقال من رب العالمين؟ حتى يوجه بأنه لإنكار اللعين له عز وجل عبر بما، ولما كان السؤال عن الحقيقة مما لا يليق بجنابه جل وعلا.
قالَ عليه السلام عادلا عن جوابه إلى ذكر صفاته عز وجل على نهج الأسلوب الحكيم إشارة إلى تعذر بيان الحقيقة رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا والكلام في امتناع معرفة الحقيقة وعدمه قد مر عليك فتذكر، ورفع رَبُّ على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو رب السماوات والأرض وما بينهما من العناصر والعنصريات إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ أي إن كنتم موقنين بالأشياء محققين لها علمتم ذلك أو إن كنتم موقنين بشيء من الأشياء فهذا أولى بالإيقان لظهوره وإنارة دليله فإن هذه الأجرام المحسوسة ممكنة لتركبها وتعددها وتغير أحوالها فلها مبدأ واجب لذاته ثم ذلك المبدأ لا بد أن يكون مبدأ لسائر الممكنات ما يمكن أن يحس بها وما لا يمكن وإلا لزم تعدد الواجب أو استغناء بعض الممكنات عنه وكلاهما محال، وجواب أن محذوف كما أشرنا إليه.
قالَ فرعون عند سماع جوابه عليه السلام خوفا من أن يعلق منه في قلوب قومه شيء لِمَنْ حَوْلَهُ من أشراف قومه، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كانوا خمسمائة رجل عليهم الأساور وكانت للملوك خاصة أَلا تَسْتَمِعُونَ جوابه يريد التعجيب منه والإزراء بقائله وكان ذلك لعدم مطابقته للسؤال حيث لم يبين فيه الحقيقة المسئول عنها وكونه في زعمه نظرا لما عليه قومه من الجهالة غير واضح في نفسه لخفاء العلم بإمكان ما ذكر أو حدوثه الذي هو علة الحاجة إلى المبدأ الواجب لذاته عليهم وقد بالغ اللعين في الإشارة إلى عدم الاعتداد بالجواب المذكور حيث أوهم أن مجرد استماعهم له كاف في رده وعدم قبوله، وكان موسى عليه السلام لما استشعر ذلك من اللعين قالَ عدولا إلى ما هو أوضح وأقرب إعطاء لمنصب الإرشاد حقه حسب الإمكان لتعذر الوقوف على الحقيقة كما سمعت رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ فإن الحدوث والافتقار إلى واجب مصور حكيم في المخاطبين وآبائهم الذين ذهبوا وعدموا أظهر والنظر في الأنفس أقرب وأوضح من النظر في الآفاق ولما رأى اللعين ذلك وقوي عنده خوف فتنة قومه قالَ مبالغا في الرد والإشارة إلى عدم الاعتداد بذلك مصرحا بما ينفر قلوبهم عن قائله وقبول ما يجيء به.
72
إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ حيث يسأل عن شيء ويجيب عن شيء آخر وينبه على ما في جوابه ولا ينتبه، وسماه رسولا بطريق الاستهزاء، وأضافه إلى مخاطبيه ترفعا من أن يكون مرسلا إلى نفسه وأكد ذلك بالوصف، وفيه إثارة لغضبهم واستدعاء لإنكارهم رسالته بعد سماع الخبر ترفعا بأنفسهم عن أن يكونوا أهلا لأن يرسل إليهم مجنون.
وقرأ مجاهد وحميد والأعرج «أرسل» على بناء الفاعل أي الذي أرسله ربه إليكم، وكأنه عليه السلام لما رأى خشونة في رد اللعين وإيماء منه إلا أنه عليه السلام لم يتنبه لما في جوابه الأول من الخفاء عند قومه بل كان عدوله عنه إلى الجواب الثاني لما رماه به عليه اللعنة قالَ عليه السلام تفسيرا لجوابه الأول وإزالة لخفائه ليعلم أن العدول ليس إلا لظهور ما عدل إليه ووضوحه وقربه إلى الناظر لا لما رمي به وحاشاه مع الإشارة إلى تعذر بيان الحقيقة أيضا بالإصرار على الجواب بالصفات رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما وذلك لأنه لم يكن في الجواب الأول تصريح باستناد حركات السماوات وما فيهما وتغيرات أحوالها وأوضاعها وكون الأرض تارة مظلمة وأخرى منورة إلى الله تعالى، وفي هذا إرشاد إلى ذلك فإن ذكر المشرق والمغرب منبىء عن شروق الشمس وغروبها المنوطين بحركات السماوات وما فيها على نمط بديع يترتب عليه هذه الأوضاع الرصينة وكل ذلك أمور حادثة لا شك في افتقارها إلى محدث قادر عليم حكيم، وارتكب عليه السلام الخشونة كما ارتكب معه بقوله: إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ أي إن كنتم تعقلون شيئا من الأشياء أو إن كنتم من أهل العقل علمتم أن الأمر كما قلته وأشرت إليه فإن فيه تلويحا إلى أنهم بمعزل من دائرة العقل وأنهم الأحقاء بما رموه به عليه السلام من الجنون.
وقرأ عبد الله وأصحابه والأعمش «رب المشارق والمغارب» على الجمع فيهما، ولما سمع اللعين منه عليه السلام تلك المقالات المبينة على أساس الحكم البالغة وشاهد شدة حزمه وقوة عزمه على تمشية أمره وأنه ممن لا يجارى في حلبة المحاورة قالَ ضاربا صفحا عن المقاولة إلى التهديد كما هو ديدن المحجوج العنيد: لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ وفيه مبالغة في رده عن دعوى الرسالة حيث أراد منه ما أراد ولم يقنع منه عليه السلام بترك دعواها وعدم التعرض له، وفيه أيضا عتو آخر حيث أوهم أن موسى عليه السلام متخذ له إلها في ذلك الوقت وإن اتخاذه غيره إلها بعد مشكوك، وبالغ في الأبعاد على تقدير وقوع ذلك حيث أكد الفعل بما أكد وعدل عن لأسجننك الأخصر لذلك أيضا فإن أل في المسجونين للعهد فكأنه قال: لأجعلنك ممن عرفت أحوالهم في سجوني، وكان عليه اللعنة يطرحهم في هوة عميقة قيل: عمقها خمسمائة ذراع وفيها حيات وعقارب حتى يموتوا.
هذا وقال بعضهم: السؤال هنا وفي سورة طه عن الوصف والقصة واحدة والمجلس واحد واختلاف العبارات فيها لاقتضاء كل مقام ما عبر به فيه ويلتزم القول بأن الواقع هو القدر المشترك بين جميع تلك العبارات، وبهذا ينحل إشكال اختلاف العبارات مع دعوى اتحاد القصة والمجلس لكن تعيين القدر المشترك الذي يصح أن يعبر عنه بكل من تلك العبارات يحتاج إلى نظر دقيق مع مزيد لطف وتوفيق، ثم إن العلماء اختلفوا في أن اللعين هل كان يعلم أن للعالم ربا هو الله عز وجل أولا، فقال بعضهم: كان يعلم ذلك بدليل لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الإسراء: ١٠٢] ومنهم من استدل بطلبه شرح الماهية زعما منه أن فيه الاعتراف بأصل الوجود وذكروا أن ادعاءه الألوهية وقوله: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [النازعات: ٢٤] إنما كان إرهابا لقومه الذين استخفهم ولم يكن ذلك عن اعتقاد وكيف يعتقد أنه رب العالم وهو يعلم بالضرورة أنه وجد بعد أن لم يكن ومضى على العالم ألوف من السنين وهو ليس فيه ولم يكن له إلا ملك مصر ولذا قال شعيب لموسى عليهما السلام: لما جاءه في مدين لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [القصص: ٢٥].
وقرأ مجاهد وحميد والأعرج «أرسل» على بناء الفاعل أي الذي أرسله ربه إليكم، وكأنه عليه السلام لما رأى خشونة في رد اللعين وإيماء منه إلا أنه عليه السلام لم يتنبه لما في جوابه الأول من الخفاء عند قومه بل كان عدوله عنه إلى الجواب الثاني لما رماه به عليه اللعنة قالَ عليه السلام تفسيرا لجوابه الأول وإزالة لخفائه ليعلم أن العدول ليس إلا لظهور ما عدل إليه ووضوحه وقربه إلى الناظر لا لما رمي به وحاشاه مع الإشارة إلى تعذر بيان الحقيقة أيضا بالإصرار على الجواب بالصفات رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما وذلك لأنه لم يكن في الجواب الأول تصريح باستناد حركات السماوات وما فيهما وتغيرات أحوالها وأوضاعها وكون الأرض تارة مظلمة وأخرى منورة إلى الله تعالى، وفي هذا إرشاد إلى ذلك فإن ذكر المشرق والمغرب منبىء عن شروق الشمس وغروبها المنوطين بحركات السماوات وما فيها على نمط بديع يترتب عليه هذه الأوضاع الرصينة وكل ذلك أمور حادثة لا شك في افتقارها إلى محدث قادر عليم حكيم، وارتكب عليه السلام الخشونة كما ارتكب معه بقوله: إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ أي إن كنتم تعقلون شيئا من الأشياء أو إن كنتم من أهل العقل علمتم أن الأمر كما قلته وأشرت إليه فإن فيه تلويحا إلى أنهم بمعزل من دائرة العقل وأنهم الأحقاء بما رموه به عليه السلام من الجنون.
وقرأ عبد الله وأصحابه والأعمش «رب المشارق والمغارب» على الجمع فيهما، ولما سمع اللعين منه عليه السلام تلك المقالات المبينة على أساس الحكم البالغة وشاهد شدة حزمه وقوة عزمه على تمشية أمره وأنه ممن لا يجارى في حلبة المحاورة قالَ ضاربا صفحا عن المقاولة إلى التهديد كما هو ديدن المحجوج العنيد: لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ وفيه مبالغة في رده عن دعوى الرسالة حيث أراد منه ما أراد ولم يقنع منه عليه السلام بترك دعواها وعدم التعرض له، وفيه أيضا عتو آخر حيث أوهم أن موسى عليه السلام متخذ له إلها في ذلك الوقت وإن اتخاذه غيره إلها بعد مشكوك، وبالغ في الأبعاد على تقدير وقوع ذلك حيث أكد الفعل بما أكد وعدل عن لأسجننك الأخصر لذلك أيضا فإن أل في المسجونين للعهد فكأنه قال: لأجعلنك ممن عرفت أحوالهم في سجوني، وكان عليه اللعنة يطرحهم في هوة عميقة قيل: عمقها خمسمائة ذراع وفيها حيات وعقارب حتى يموتوا.
هذا وقال بعضهم: السؤال هنا وفي سورة طه عن الوصف والقصة واحدة والمجلس واحد واختلاف العبارات فيها لاقتضاء كل مقام ما عبر به فيه ويلتزم القول بأن الواقع هو القدر المشترك بين جميع تلك العبارات، وبهذا ينحل إشكال اختلاف العبارات مع دعوى اتحاد القصة والمجلس لكن تعيين القدر المشترك الذي يصح أن يعبر عنه بكل من تلك العبارات يحتاج إلى نظر دقيق مع مزيد لطف وتوفيق، ثم إن العلماء اختلفوا في أن اللعين هل كان يعلم أن للعالم ربا هو الله عز وجل أولا، فقال بعضهم: كان يعلم ذلك بدليل لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الإسراء: ١٠٢] ومنهم من استدل بطلبه شرح الماهية زعما منه أن فيه الاعتراف بأصل الوجود وذكروا أن ادعاءه الألوهية وقوله: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [النازعات: ٢٤] إنما كان إرهابا لقومه الذين استخفهم ولم يكن ذلك عن اعتقاد وكيف يعتقد أنه رب العالم وهو يعلم بالضرورة أنه وجد بعد أن لم يكن ومضى على العالم ألوف من السنين وهو ليس فيه ولم يكن له إلا ملك مصر ولذا قال شعيب لموسى عليهما السلام: لما جاءه في مدين لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [القصص: ٢٥].
73
وقال بعضهم: إنه كان جاهلا بالله تعالى ومع ذلك لا يعتقد في نفسه أنه خالق السماوات والأرض وما فيهما بل كان دهريا نافيا للصانع سبحانه معتقدا وجوب الوجود بالذات للأفلاك وإن حركاتها أسباب لحصول الحوادث ويعتقد أن من ملك قطرا وتولى أمره لقوة طالعه استحق العبادة من أهله وكان ربا لهم ولهذا خصص ألوهيته وربوبيته ولم يعمهما حيث قال: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي [القصص: ٣٨] وأَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى، وجوز أن يكون من الحلولية القائلين بحلول الرب سبحانه وتعالى في بعض الذوات ويكون معتقدا حلوله عز وجل فيه ولذلك سمى نفسه إلها، وقيل: كان يدعي الألوهية لنفسه ولغيره وهو ما كان يعبده من دون الله عز وجل كما يدل عليه ظاهر قوله تعالى:
وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ [الأعراف: ١٢٧] وهو وكذا ما قبله بعيد، والذي يغلب على الظن ويقتضيه أكثر الظواهر أن اللعين كان يعرف الله عز وجل وأنه سبحانه هو خالق العالم إلا أنه غلبت عليه شقوته وغرته دولته فأظهر لقومه خلاف علمه فأذعن منهم له من كثر جهله ونزر عقله، ولا يبعد أن يكون في الناس من يذعن بمثل هذه الخرافات ولا يعرف أنها مخالفة للبديهيات، وقد نقل لي من أثق به أن رجلين من أهل نجد قبل ظهور أمر الوهابي فيما بينهم بينما هما في مزرعة لهما إذ مر بهما طائر طويل الرجلين لم يعهدا مثله في تلك الأرض فنزل بالقرب منهما فقال أحدهما للآخر: ما هذا؟ فقال له: لا ترفع صوتك هذا ربنا فقال له معتقدا صدق ذلك الهذيان: سبحانه ما أطول كراعيه وأعظم جناحيه، وأما من له عقل منهم ولا يخفى عليه بطلان مثل ذلك فيحتمل أن يكون قد وافق ظاهرا لمزيد خوفه من فرعون أو مزيد رغبته بما عنده من الدنيا كما نشاهد كثيرا من العقلاء وفسقة العلماء وافقوا جبابرة الملوك في أباطيلهم العلمية والعملية حبا للدنيا الدنية أو خوفا مما يتوهمونه من البلية، ويحتمل أن يكون قد اعتقد ذلك حقيقة بضرب من التوجيه وإن كان فاسدا كزعم الحلول ونحوه، والمنكر على القائل أنا الحق والقائل ما في الجبة إلا الله يزعم أن معتقدي صدقهما كمعتقدي صدق فرعون في قوله: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [النازعات: ٢٤] وسؤال اللعين لموسى عليه السلام حكاية لما وقع في عبارته بقوله: ما رَبُّ الْعالَمِينَ كان لإنكاره لظاهر أن يكون للعالمين رب سواه، وجواب موسى عليه السلام له لم يكن إلا لإبطال ما يدعيه ظاهرا وإرشاد قومه إلى ما هو الحق الحقيق بالقبول ولذا لم يقصر الخطاب في الأجوبة عليه، والتعجيب المفهوم من قوله: أَلا تَسْتَمِعُونَ لزعمه ظاهرا أنه عليه السلام ادعى خلاف أمر محقق وهي ربوبية نفسه، ولما داخله من خوف إذعان قومه لما قاله موسى عليه السلام ما داخله بالغ في صرفهم عن قبول الحق بقوله: إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ولما رأى أن ذلك لم يفد في دفع موسى عليه السلام عن إظهار الحق وإبطال ما كان يظهره من الباطل ذب عن دعواه الباطلة بالتهديد وتشديد الوعيد فقال: لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ولعل أجوبته عليه السلام مشيرة إلى إبطال اعتقاد نحو الحلول بأن فيه الترجيح بلا مرجح وبأنه يستلزم المربوبية لما فيه من التغير، وبعد هذا القول عندي قول بعضهم: إنه عليه اللعنة كان دهريا إلى آخر ما سمعته آنفا، والتعجيب لزعمه حقيقة أنه عليه السلام ادعى خلاف أمر محقق وهو ربوبية نفسه عليه اللعنة والله تعالى أعلم، ولما رأى عليه السلام فظاظة فرعون قالَ على جهة التلطف به والطمع في إيمانه أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ أي تفعل ذلك ولو جئتك بشيء مبين أي موضح لصدق دعواي يريد به المعجزة فإنها جامعة بين الدلالة على وجود الصانع وحكمته وبين الدلالة على صدق دعوى من ظهرت على يده، والتعبير عنها بشيء للتهويل، والواو للعطف على جملة مقابلة للجملة المذكورة، ومجموع الجملتين المتعاطفتين في موضع الحال، ولَوْ للبيان تحقيق ما يفيده الكلام السابق من الحكم على كل حال مفروض من الأحوال المقارنة له على الإجمال بإدخالها على أبعدها منه وأشدها منافاة له ليظهر تحققه مع ما عداه من الأحوال بطريق الأولوية أي أتفعل في ذلك حال عدم مجيئي بشيء مبين وحال مجيئي به، وتصدير المجيء بلو دون إن ليس لبيان استبعاده في نفسه بل بالنسبة إلى فرعون، وجعل بعضهم
وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ [الأعراف: ١٢٧] وهو وكذا ما قبله بعيد، والذي يغلب على الظن ويقتضيه أكثر الظواهر أن اللعين كان يعرف الله عز وجل وأنه سبحانه هو خالق العالم إلا أنه غلبت عليه شقوته وغرته دولته فأظهر لقومه خلاف علمه فأذعن منهم له من كثر جهله ونزر عقله، ولا يبعد أن يكون في الناس من يذعن بمثل هذه الخرافات ولا يعرف أنها مخالفة للبديهيات، وقد نقل لي من أثق به أن رجلين من أهل نجد قبل ظهور أمر الوهابي فيما بينهم بينما هما في مزرعة لهما إذ مر بهما طائر طويل الرجلين لم يعهدا مثله في تلك الأرض فنزل بالقرب منهما فقال أحدهما للآخر: ما هذا؟ فقال له: لا ترفع صوتك هذا ربنا فقال له معتقدا صدق ذلك الهذيان: سبحانه ما أطول كراعيه وأعظم جناحيه، وأما من له عقل منهم ولا يخفى عليه بطلان مثل ذلك فيحتمل أن يكون قد وافق ظاهرا لمزيد خوفه من فرعون أو مزيد رغبته بما عنده من الدنيا كما نشاهد كثيرا من العقلاء وفسقة العلماء وافقوا جبابرة الملوك في أباطيلهم العلمية والعملية حبا للدنيا الدنية أو خوفا مما يتوهمونه من البلية، ويحتمل أن يكون قد اعتقد ذلك حقيقة بضرب من التوجيه وإن كان فاسدا كزعم الحلول ونحوه، والمنكر على القائل أنا الحق والقائل ما في الجبة إلا الله يزعم أن معتقدي صدقهما كمعتقدي صدق فرعون في قوله: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [النازعات: ٢٤] وسؤال اللعين لموسى عليه السلام حكاية لما وقع في عبارته بقوله: ما رَبُّ الْعالَمِينَ كان لإنكاره لظاهر أن يكون للعالمين رب سواه، وجواب موسى عليه السلام له لم يكن إلا لإبطال ما يدعيه ظاهرا وإرشاد قومه إلى ما هو الحق الحقيق بالقبول ولذا لم يقصر الخطاب في الأجوبة عليه، والتعجيب المفهوم من قوله: أَلا تَسْتَمِعُونَ لزعمه ظاهرا أنه عليه السلام ادعى خلاف أمر محقق وهي ربوبية نفسه، ولما داخله من خوف إذعان قومه لما قاله موسى عليه السلام ما داخله بالغ في صرفهم عن قبول الحق بقوله: إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ولما رأى أن ذلك لم يفد في دفع موسى عليه السلام عن إظهار الحق وإبطال ما كان يظهره من الباطل ذب عن دعواه الباطلة بالتهديد وتشديد الوعيد فقال: لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ولعل أجوبته عليه السلام مشيرة إلى إبطال اعتقاد نحو الحلول بأن فيه الترجيح بلا مرجح وبأنه يستلزم المربوبية لما فيه من التغير، وبعد هذا القول عندي قول بعضهم: إنه عليه اللعنة كان دهريا إلى آخر ما سمعته آنفا، والتعجيب لزعمه حقيقة أنه عليه السلام ادعى خلاف أمر محقق وهو ربوبية نفسه عليه اللعنة والله تعالى أعلم، ولما رأى عليه السلام فظاظة فرعون قالَ على جهة التلطف به والطمع في إيمانه أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ أي تفعل ذلك ولو جئتك بشيء مبين أي موضح لصدق دعواي يريد به المعجزة فإنها جامعة بين الدلالة على وجود الصانع وحكمته وبين الدلالة على صدق دعوى من ظهرت على يده، والتعبير عنها بشيء للتهويل، والواو للعطف على جملة مقابلة للجملة المذكورة، ومجموع الجملتين المتعاطفتين في موضع الحال، ولَوْ للبيان تحقيق ما يفيده الكلام السابق من الحكم على كل حال مفروض من الأحوال المقارنة له على الإجمال بإدخالها على أبعدها منه وأشدها منافاة له ليظهر تحققه مع ما عداه من الأحوال بطريق الأولوية أي أتفعل في ذلك حال عدم مجيئي بشيء مبين وحال مجيئي به، وتصدير المجيء بلو دون إن ليس لبيان استبعاده في نفسه بل بالنسبة إلى فرعون، وجعل بعضهم
74
الواو للحال على معنى أن الجملة التي بعدها حال أي أتفعل في ذلك جائيا بشيء مبين وهو ظاهر كلام الكشاف هنا، وظاهر كلام الكشف أن الاستفهام للإنكار على معنى لا تقدر على فعل ذلك مع أني نبي بالمعجزة، والظاهر تعلق هذا الكلام بالوعيد الصادر من اللعين فذلك في تفسيره إشارة إلى جعله عليه السلام من المسجونين فكأنه قال: أتجعلني من المسجونين إن اتخذت إلها غيرك ولو جئتك بشيء مبين؟.
وعلى ذلك حمل الطيبي كلام الكشاف ثم قال: يمكن أن يقال إن الواو عاطفة وهي تستدعي معطوفا عليه وهو ما سبق في أول المكالمة بين نبي الله تعالى وعدوه، والهمزة مقحمة بين المعطوف والمعطوف عليه للتقرير، والمعنى أتقر بالوحدانية وبرسالتي إن جئتك بعد الاحتجاج بالبراهين القاهرة والمعجزات الباهرة الظاهرة.
ولَوْ بمعنى أن عزيز، ويؤيد هذا التأويل ما في [الأعراف: ١٠٥] قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ انتهى.
وهو كما ترى. وفيه جعل مُبِينٍ من أبان اللازم بمعنى بان، وجعله من أبان المتعدي وحذف المفعول كما أشرنا إليه أنسب للمقام، ولما سمع فرعون هذا الكلام من موسى عليه السلام قالَ حيث طمع أن يجد موضع معارضة فَأْتِ بِهِ أي بشيء مبين إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ أي فيما يدل عليه كلامك من أنك تأتي بشيء موضح لصدق دعواك أو من الصادقين في دعوى الرسالة من رب العالمين، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه أي إن كنت من الصادقين فأت به، وقدره الزمخشري أتيت به، والمشهور تقديره من جنس الدليل.
وقال الحوفي: يجوز أن يكون ما تقدم هو الجواب وجاز تقديم الجواب لأن حذف الشرط لم يعمل في اللفظ شيئا، وقد بهت الزمخشري عامله الله تعالى بعدله أهل السنة بما هم منه براء كما بينه صاحب الكشف وغيره فارجع إليه إن أردته فَأَلْقى موسى بعد أن قال له فرعون ذلك عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ ظاهر ثعبانيته أي ليس بتمويه وتخييل كما يفعله السحرة، والثعبان أعظم ما يكون من الحيات واشتقاقه من ثعب الماء بمعنى جرى جريا متسعا، وسمي به لجريه بسرعة من غير رجل كأنه ماء سائل، والظاهر أن نفس العصا انقلبت ثعبانا وليس ذلك بمحال إذا كان بسلب الوصف الذي صارت به عصا وخلقه وصف الذي يصير ثعبانا بناء على رأي بعض المتكلمين من تجانس الجواهر واستوائها في قبول الصفات إنما المحال انقلابها ثعبانا مع كونها عصا لامتناع كون الشيء الواحد في الزمن الواحد عصا وثعبانا، وقيل: إن ذلك بخلق الثعبان بدلها وظواهر الآيات تبعد ذلك، وقد جاء في الأخبار ما يدل على مزيد عظم هذا الثعبان ولا يعجز الله تعالى شيء، وقد مر بيان كيفية الحال.
وَنَزَعَ يَدَهُ من جيبه فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ أي بياضها يجتمع النظارة على النظر إليه لخروجه عن العادة، وكان بياضا نورانيا.
روي أنه لما أبصر أمر العصا قال: هل لك غيرها؟ فأخرج عليه السلام يده فقال: ما هذه قال: يدي فأدخلها في إبطه ثم نزعها ولها شعاع يكاد يغشي الأبصار ويسد الأفق
قالَ لِلْمَلَإِ أشراف قومه حَوْلَهُ منصوب لفظا على الظرفية وهو ظرف مستقر وقع حالا أي مستقرين حوله وجوز أن يكون في موضع الصفة للملأ على حد:
ولقد أمر على اللئيم يسبني والأول أسهل وأنسب.
ومن العجيب ما نقله أبو حيان عن الكوفيين أنهم يجعلون الملأ اسم موصول وحَوْلَهُ متعلق بمحذوف وقع
وعلى ذلك حمل الطيبي كلام الكشاف ثم قال: يمكن أن يقال إن الواو عاطفة وهي تستدعي معطوفا عليه وهو ما سبق في أول المكالمة بين نبي الله تعالى وعدوه، والهمزة مقحمة بين المعطوف والمعطوف عليه للتقرير، والمعنى أتقر بالوحدانية وبرسالتي إن جئتك بعد الاحتجاج بالبراهين القاهرة والمعجزات الباهرة الظاهرة.
ولَوْ بمعنى أن عزيز، ويؤيد هذا التأويل ما في [الأعراف: ١٠٥] قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ انتهى.
وهو كما ترى. وفيه جعل مُبِينٍ من أبان اللازم بمعنى بان، وجعله من أبان المتعدي وحذف المفعول كما أشرنا إليه أنسب للمقام، ولما سمع فرعون هذا الكلام من موسى عليه السلام قالَ حيث طمع أن يجد موضع معارضة فَأْتِ بِهِ أي بشيء مبين إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ أي فيما يدل عليه كلامك من أنك تأتي بشيء موضح لصدق دعواك أو من الصادقين في دعوى الرسالة من رب العالمين، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه أي إن كنت من الصادقين فأت به، وقدره الزمخشري أتيت به، والمشهور تقديره من جنس الدليل.
وقال الحوفي: يجوز أن يكون ما تقدم هو الجواب وجاز تقديم الجواب لأن حذف الشرط لم يعمل في اللفظ شيئا، وقد بهت الزمخشري عامله الله تعالى بعدله أهل السنة بما هم منه براء كما بينه صاحب الكشف وغيره فارجع إليه إن أردته فَأَلْقى موسى بعد أن قال له فرعون ذلك عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ ظاهر ثعبانيته أي ليس بتمويه وتخييل كما يفعله السحرة، والثعبان أعظم ما يكون من الحيات واشتقاقه من ثعب الماء بمعنى جرى جريا متسعا، وسمي به لجريه بسرعة من غير رجل كأنه ماء سائل، والظاهر أن نفس العصا انقلبت ثعبانا وليس ذلك بمحال إذا كان بسلب الوصف الذي صارت به عصا وخلقه وصف الذي يصير ثعبانا بناء على رأي بعض المتكلمين من تجانس الجواهر واستوائها في قبول الصفات إنما المحال انقلابها ثعبانا مع كونها عصا لامتناع كون الشيء الواحد في الزمن الواحد عصا وثعبانا، وقيل: إن ذلك بخلق الثعبان بدلها وظواهر الآيات تبعد ذلك، وقد جاء في الأخبار ما يدل على مزيد عظم هذا الثعبان ولا يعجز الله تعالى شيء، وقد مر بيان كيفية الحال.
وَنَزَعَ يَدَهُ من جيبه فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ أي بياضها يجتمع النظارة على النظر إليه لخروجه عن العادة، وكان بياضا نورانيا.
روي أنه لما أبصر أمر العصا قال: هل لك غيرها؟ فأخرج عليه السلام يده فقال: ما هذه قال: يدي فأدخلها في إبطه ثم نزعها ولها شعاع يكاد يغشي الأبصار ويسد الأفق
قالَ لِلْمَلَإِ أشراف قومه حَوْلَهُ منصوب لفظا على الظرفية وهو ظرف مستقر وقع حالا أي مستقرين حوله وجوز أن يكون في موضع الصفة للملأ على حد:
ولقد أمر على اللئيم يسبني والأول أسهل وأنسب.
ومن العجيب ما نقله أبو حيان عن الكوفيين أنهم يجعلون الملأ اسم موصول وحَوْلَهُ متعلق بمحذوف وقع
75
صلة له كأنه قيل: قال للذين استقروا حوله إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ فائق في علم السحر يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ قسرا مِنْ أَرْضِكُمْ التي نشأتم فيها وتوطنتموها بِسِحْرِهِ وفي هذا غاية التنفير عنه عليه السلام وابتغاء الغوائل له إذ من أصعب الأشياء على النفوس مفارقة الوطن لا سيما إذا كان ذلك قسرا وهو السر في نسبة الإخراج والأرض إليهم فَماذا تَأْمُرُونَ أي أمر تأمرون فمحل ماذا النصب على المصدرية وتَأْمُرُونَ من الأمر ضد النهي ومفعوله محذوف أي تأمروني، وفي جعله عبيده بزعمه آمرين له مع ما كان يظهره لهم من دعوى الألوهية والربوبية ما يدل على أن سلطان المعجزة بهره وحيره حتى لا يدري أي طرفيه أطول فزل عند ذكر دعوى الألوهية وحط عن منكبيه كبرياء الربوبية وانحط عن ذروة الفرعنة إلى حضيض المسكنة ولهذا أظهر استشعار الخوف من استيلائه عليه السلام على ملكه.
وجوز أن يكون ماذا في محل النصب على المفعولية وأن يكون «تأمرون» من المؤامرة بمعنى المشاورة لأمر كل بما يقتضيه رأيه ولعل ما تقدم أولى.
قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ أي أخّر أمرهما إلى أن تأتيك السحرة من أرجأته إذا أخرته، ومنه المرجئة وهم الذين يؤخرون العمل لا يأتونه ويقولون: لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة.
وقرأ أهل المدينة والكسائي وخلف «أرجه» بكسر الهاء، وعاصم وحمزة «أرجه» بغير همز وسكون الهاء، والباقون «أرجئه» بالهمز وضم الهاء، وقال أبو علي: لا بد من ضم الهاء مع الهمزة ولا يجوز غيره، والأحسن أن لا يبلغ بالضم إلى الواو، ومن قرأ بكسر الهاء فأرجه عنده من أرجيته بالياء دون الهمزة والهمز على ما نقل الطيبي أفصح، وقد توصل الهاء المذكورة بياء فيقال: أرجهي كما يقال مررت بهي، وذكر الزجاج أن بعض الحذاق بالنحو لا يجوز إسكان نحوها، أَرْجِهْ أعني هاء الإضمار، وزعم بعض النحويين جواز ذلك واستشهد عليه ببيت مجهول ذكره الطبرسي: وقال هو شعر لا يعرف قائله والشاعر يجوز أن يخطىء.
وقال بعض الأجلة: الإسكان ضعيف لأن هذه الهاء إنما تسكن في الوقف لكنه أجرى الوصل مجرى الوقف، وقيل: المعنى احبسه، ولعلهم قالوا ذلك لفرط الدهشة أو تجلدا ومداهنة لفرعون وإلا فكيف يمكنه أن يحبسه مع شاهد منه من الآيات وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ شرطاء يحشرون السحرة ويجمعونهم عندك يَأْتُوكَ مجزوم في جواب الأمر أي إن تبعثهم يأتوك بِكُلِّ سَحَّارٍ كثير العمل بالسحر عَلِيمٍ فائق في علمه، ولكون المهم هنا هو العمل أتوا بما يدل على التفضيل فيه، وقرأ الأعمش وعاصم في رواية «بكل ساحر عليم» فَجُمِعَ السَّحَرَةُ أي المعهودون على أن التعريف كما في المفتاح عهدي، وقال الفاضل المحقق: إن المعهود قد يكون عاما مستغرقا كما هنا ولا منافاة بينهما كما يتوهم وفيه بحث فتأمل.
لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ لما وقت به من ساعات يوم معين وهو وقت الضحى من يوم الزينة على أن الميقات من صفات الزمان، وفي الكشاف هو ما وقت به أي حدد من زمان أو مكان ومنه مواقيت الإحرام وَقِيلَ لِلنَّاسِ استبطاء لهم في الاجتماع وحثا على التبادر إليه هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ في ذلك الميقات فالاستفهام مجاز عن الحث والاستعجال كما في قول تأبط شرا:
وجوز أن يكون ماذا في محل النصب على المفعولية وأن يكون «تأمرون» من المؤامرة بمعنى المشاورة لأمر كل بما يقتضيه رأيه ولعل ما تقدم أولى.
قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ أي أخّر أمرهما إلى أن تأتيك السحرة من أرجأته إذا أخرته، ومنه المرجئة وهم الذين يؤخرون العمل لا يأتونه ويقولون: لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة.
وقرأ أهل المدينة والكسائي وخلف «أرجه» بكسر الهاء، وعاصم وحمزة «أرجه» بغير همز وسكون الهاء، والباقون «أرجئه» بالهمز وضم الهاء، وقال أبو علي: لا بد من ضم الهاء مع الهمزة ولا يجوز غيره، والأحسن أن لا يبلغ بالضم إلى الواو، ومن قرأ بكسر الهاء فأرجه عنده من أرجيته بالياء دون الهمزة والهمز على ما نقل الطيبي أفصح، وقد توصل الهاء المذكورة بياء فيقال: أرجهي كما يقال مررت بهي، وذكر الزجاج أن بعض الحذاق بالنحو لا يجوز إسكان نحوها، أَرْجِهْ أعني هاء الإضمار، وزعم بعض النحويين جواز ذلك واستشهد عليه ببيت مجهول ذكره الطبرسي: وقال هو شعر لا يعرف قائله والشاعر يجوز أن يخطىء.
وقال بعض الأجلة: الإسكان ضعيف لأن هذه الهاء إنما تسكن في الوقف لكنه أجرى الوصل مجرى الوقف، وقيل: المعنى احبسه، ولعلهم قالوا ذلك لفرط الدهشة أو تجلدا ومداهنة لفرعون وإلا فكيف يمكنه أن يحبسه مع شاهد منه من الآيات وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ شرطاء يحشرون السحرة ويجمعونهم عندك يَأْتُوكَ مجزوم في جواب الأمر أي إن تبعثهم يأتوك بِكُلِّ سَحَّارٍ كثير العمل بالسحر عَلِيمٍ فائق في علمه، ولكون المهم هنا هو العمل أتوا بما يدل على التفضيل فيه، وقرأ الأعمش وعاصم في رواية «بكل ساحر عليم» فَجُمِعَ السَّحَرَةُ أي المعهودون على أن التعريف كما في المفتاح عهدي، وقال الفاضل المحقق: إن المعهود قد يكون عاما مستغرقا كما هنا ولا منافاة بينهما كما يتوهم وفيه بحث فتأمل.
لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ لما وقت به من ساعات يوم معين وهو وقت الضحى من يوم الزينة على أن الميقات من صفات الزمان، وفي الكشاف هو ما وقت به أي حدد من زمان أو مكان ومنه مواقيت الإحرام وَقِيلَ لِلنَّاسِ استبطاء لهم في الاجتماع وحثا على التبادر إليه هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ في ذلك الميقات فالاستفهام مجاز عن الحث والاستعجال كما في قول تأبط شرا:
هل أنت باعث دينار لحاجتنا | أو عبد رب أخا عون بن مخراق (١) |
(١) دينار اسم رجل وعبد رب منصوب بالعطف على محله وهو اسم رجل أيضا وأخا عون منادى لا نعت، ويجوز أن يكون عطف بيان لعبد رب اهـ منه. [.....]
76
فإنه يريد ابعث أحدهما إلينا سريعا ولا تبطئ به لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ أي في دينهم إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ لا موسى عليه السلام، وليس مرادهم بذلك إلا أن لا يتبعوا موسى عليه السلام في دينه لكن ساقوا كلامهم مساق الكناية حملا للسحرة على الاهتمام والجد في المغالبة، وجوز أن يكون مرادهم اتباع السحرة أي الثبات على ما كانوا عليه من الدين ويدعي أنهم كانوا على ما يريد فرعون من الدين.
والظاهر أن فرعون غير داخل في القائلين، وعلى تقدير دخوله لم يجوز بعضهم إرادة المعنى الحقيقي لهذا الكلام لامتناع اتباع مدعي الإلهية السحرة، وجوزه آخرون لاحتمال أن يكون قال ذلك لما استولى عليه من الدهشة من أمر موسى عليه السلام كما طلب الأمر ممن حوله لذلك، ولعل إتيانهم بأن للإلهاب وإلا فالأوفق بمقامهم أن يقولوا إذا كانوا هم الغالبين فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً أي لأجرا عظيما إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ لا موسى عليه السلام ولعلهم أخرجوا الشرط على أسلوب ما وقع في كلام القائلين موافقة لهم وإلا فلا يناسب حالهم إظهار الشك في غلبتهم.
قالَ فرعون لهم نَعَمْ لكم ذلك وَإِنَّكُمْ مع ذلك إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ عندي، قيل: قال لهم:
تكونون أول من يدخل عليّ وآخر من يخرج عني. وإِذاً عند جمع على ما تقتضيه في المشهور من الجواب والجزاء، ونقل الزركشي في البرهان عن بعض المتأخرين أنها هنا مركبة من إِذاً التي هي ظرف زمان ماض والتنوين الذي هو عوض عن جملة محذوفة بعدها وليست هي الناصبة للمضارع. وقد ذهب إلى ذلك في نظير لآية الكافيجي والقاضي تقي الدين بن رزين وأنا ممن يقول بإثبات هذا المعنى لها. والمعنى عليه وإنكم إذا غلبتم أو إذا كنتم الغالبين لمن المقربين. وقرىء «نعم» بفتح النون وكسر العين وذلك لغة في نَعَمْ.
قالَ لَهُمْ مُوسى أي بعد ما قال له السحرة: إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى [طه: ٦٥] أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ لم يرد عليه السلام الأمر بالسحر والتمويه حقيقة فإن السحر حرام وقد يكون كفرا فلا يليق بالمعصوم الأمر به بل الإذن بتقديم ما علم بإلهام أو فراسة صادقة أو قرائن الحال أنهم فاعلوه البتة ولذا قال: ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ ليتوصل بذلك إلى إبطاله.
وهذا كما يؤمر الزنديق بتقرير حجته لترد وليس في ذلك الرضا الممتنع فإنه الرضا على طريق الاستحسان وليس في الإذن المذكور ومطلق الرضا غير ممتنع، ومما اشتهر من قولهم: الرضا بالكفر كفر ليس على إطلاقه كما عليه المحققون من الفقهاء والأصوليين فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا أي وقد قالوا عند الإلقاء بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ أي بقوته التي يمتنع بها من الضيم من قولهم. أرض عزاز أي صلبة إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ لا موسى عليه السلام، والظاهر أن هذا قسم منهم بعزته عليه اللعنة على الغلبة وخصوها بالقسم هنا لمناسبتها للغلبة وقسمهم على ذلك لفرط اعتقادهم في أنفسهم وإتيانهم بأقصى ما يمكن أن يؤتى به من السحر. وفي ذلك إرهاب لموسى عليه السلام بزعمهم، وعدلوا عن الخطاب إلى الغيبة في قولهم: بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ تعظيما له، وهذا القسم من نوع أقسام الجاهلية، وقد سلك كثير من المسلمين في الإيمان ما هو أشنع من إيمانهم لا يرضون بالقسم بالله تعالى وصفاته عز وجل ولا يعتدون بذلك حتى يحلف أحدهم بنعمة السلطان أو برأسه أو برأس المحلف أو بلحيته أو بتراب قبر أبيه فحينئذ يستوثق منه، ولهم أشياء يعظمونها ويحلفون بها غير ذلك، ولا يبعد أن يكون الحلف بالله تعالى كذبا أقل إثما من الحلف بها صدقا وهذا مما عمت به البلوى ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى العلي العظيم، وقال ابن عطية بعد أن ذكر أنه قسم: والأحرى أن
والظاهر أن فرعون غير داخل في القائلين، وعلى تقدير دخوله لم يجوز بعضهم إرادة المعنى الحقيقي لهذا الكلام لامتناع اتباع مدعي الإلهية السحرة، وجوزه آخرون لاحتمال أن يكون قال ذلك لما استولى عليه من الدهشة من أمر موسى عليه السلام كما طلب الأمر ممن حوله لذلك، ولعل إتيانهم بأن للإلهاب وإلا فالأوفق بمقامهم أن يقولوا إذا كانوا هم الغالبين فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً أي لأجرا عظيما إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ لا موسى عليه السلام ولعلهم أخرجوا الشرط على أسلوب ما وقع في كلام القائلين موافقة لهم وإلا فلا يناسب حالهم إظهار الشك في غلبتهم.
قالَ فرعون لهم نَعَمْ لكم ذلك وَإِنَّكُمْ مع ذلك إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ عندي، قيل: قال لهم:
تكونون أول من يدخل عليّ وآخر من يخرج عني. وإِذاً عند جمع على ما تقتضيه في المشهور من الجواب والجزاء، ونقل الزركشي في البرهان عن بعض المتأخرين أنها هنا مركبة من إِذاً التي هي ظرف زمان ماض والتنوين الذي هو عوض عن جملة محذوفة بعدها وليست هي الناصبة للمضارع. وقد ذهب إلى ذلك في نظير لآية الكافيجي والقاضي تقي الدين بن رزين وأنا ممن يقول بإثبات هذا المعنى لها. والمعنى عليه وإنكم إذا غلبتم أو إذا كنتم الغالبين لمن المقربين. وقرىء «نعم» بفتح النون وكسر العين وذلك لغة في نَعَمْ.
قالَ لَهُمْ مُوسى أي بعد ما قال له السحرة: إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى [طه: ٦٥] أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ لم يرد عليه السلام الأمر بالسحر والتمويه حقيقة فإن السحر حرام وقد يكون كفرا فلا يليق بالمعصوم الأمر به بل الإذن بتقديم ما علم بإلهام أو فراسة صادقة أو قرائن الحال أنهم فاعلوه البتة ولذا قال: ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ ليتوصل بذلك إلى إبطاله.
وهذا كما يؤمر الزنديق بتقرير حجته لترد وليس في ذلك الرضا الممتنع فإنه الرضا على طريق الاستحسان وليس في الإذن المذكور ومطلق الرضا غير ممتنع، ومما اشتهر من قولهم: الرضا بالكفر كفر ليس على إطلاقه كما عليه المحققون من الفقهاء والأصوليين فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا أي وقد قالوا عند الإلقاء بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ أي بقوته التي يمتنع بها من الضيم من قولهم. أرض عزاز أي صلبة إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ لا موسى عليه السلام، والظاهر أن هذا قسم منهم بعزته عليه اللعنة على الغلبة وخصوها بالقسم هنا لمناسبتها للغلبة وقسمهم على ذلك لفرط اعتقادهم في أنفسهم وإتيانهم بأقصى ما يمكن أن يؤتى به من السحر. وفي ذلك إرهاب لموسى عليه السلام بزعمهم، وعدلوا عن الخطاب إلى الغيبة في قولهم: بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ تعظيما له، وهذا القسم من نوع أقسام الجاهلية، وقد سلك كثير من المسلمين في الإيمان ما هو أشنع من إيمانهم لا يرضون بالقسم بالله تعالى وصفاته عز وجل ولا يعتدون بذلك حتى يحلف أحدهم بنعمة السلطان أو برأسه أو برأس المحلف أو بلحيته أو بتراب قبر أبيه فحينئذ يستوثق منه، ولهم أشياء يعظمونها ويحلفون بها غير ذلك، ولا يبعد أن يكون الحلف بالله تعالى كذبا أقل إثما من الحلف بها صدقا وهذا مما عمت به البلوى ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى العلي العظيم، وقال ابن عطية بعد أن ذكر أنه قسم: والأحرى أن
77
يكون على جهة التعظيم والتبرك باسمه إذا كانوا يعبدونه كما تقول إذا ابتدأت بشيء بسم الله تعالى وعلى بركة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ونحو ذلك.
فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ أي تبتلع بسرعة، وأصل التلقف الأخذ بسرعة وقرأ أكثر السبعة «تلّقّف» بفتح اللام والتشديد والأصل تتلقف فحذفت إحدى التاءين. والتعبير بالمضارع لاستحضار السورة والدلالة على الاستمرار ما يَأْفِكُونَ أي الذي يقلبونه من حاله الأول وصورته بتمويههم وتزويرهم فيخيلون حبالهم وعصيهم أنها حيات تسعى. فما موصولة حذف عائدها للفاصلة، وجوز أن تكون مصدرية أي تلقف إفكهم تسمية للمأفوك به مبالغة فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ أي خروا ساجدين إثر ما شاهدوا ذلك من غير تلعثم وتردد لعلمهم بأن مثل ذلك خارج عن حدود السحر وأنه أمر إلهي قد ظهر على يده عليه السلام لتصديقه، وعبر عن الخرور بالإلقاء لأنه ذكر مع الإلقاءات فسلك به طريق المشاكلة وفيه أيضا مع مراعاة المشاكلة أنهم حين رأوا ما رأوا لم يتمالكوا أن رموا بأنفسهم إلى الأرض ساجدين كأنهم أخذوا فطرحوا طرحا فهناك استعارة تبعية زادت حسنها المشاكلة، وبحث في ذلك بعضهم بأن الله تعالى خالق خرورهم عند أهل الحق وخلقه هو الإلقاء فلا حاجة إلى التجوز.
وأنت تعلم أن إيجاد خرورهم وخلقه فيهم لا يسمى إلقاء حقيقة ولغة ثم ظاهر كلامهم أن فاعل الإلقاء لو صرح به هو الله عز وجل بما خولهم من التوفيق، وجوز الزمخشري أن يكون إيمانهم أو ما عاينوا من المعجزة الباهرة ثم قال:
ولك أن لا تقدر فاعلا لأن (ألقي) بمعنى خروا وسقطوا. وتعقب هذا أبو حيان بأنه ليس بشيء إذ لا يمكن أن يبني الفعل للمفعول الذي لم يسم فاعله إلا وقد حذف الفاعل فناب ذلك عنه أما أنه لا يقدر فاعل فقول ذاهب عن الصواب، ووجه ذلك صاحب الكشف بأنه أراد أنه لا يحتاج إلى تقدير فاعل آخر غير من أسند إليه المجهول لأنه فاعل الإلقاء ألا ترى أنك لو فسرت سقط بألقى نفسه لصح. والطيبي بأنه أراد أنه لا يحتاج إلى تعيين فاعل لأن المقصود الملقى لا تعيين من ألقاه كما تقول قتل الخارجي.
وأنت تعلم أن التعليل الذي ذكره الزمخشري إلى ما اختاره صاحب الكشف أقرب. وبالجملة لا بد من تأويل كلام صاحب الكشاف فإنه أجل من أن يريد ظاهره الذي يرد عليه ما أورده أبو حيان، وفي سجود السحرة وتسليمهم دليل على أن منتهى السحر تمويه وتزويق يخيل شيئا لا حقيقة له لأن السحر أقوى ما كان في زمن موسى عليه السلام ومن أتى به فرعون أعلم أهل عصره به وقد بذلوا جهدهم وأظهروا أعظم ما عندهم منه ولم يأتوا إلا بتمويه وتزويق كذا قيل. والتحقيق أن ذلك هو الغالب في السحر لا أن كل سحر كذلك.
وقول القزويني: إن دعوى أن في السحر تبديل صورة حقيقة من خرافات العوام وأسمار النسوة فإن ذلك مما لا يمكن في سحر أبدا لا يخلو عن مجازفة، واستدل بذلك أيضا على أن التبحر في كل علم نافع فإن أولئك السحرة لتبحرهم في علم السحر علموا حقية ما أتى به موسى عليه السلام وأنه معجزة فانتفعوا بزيادة علمهم لأنه أداهم إلى الاعتراف بالحق والإيمان لفرقهم بين المعجزة والسحر.
وتعقب بأن هذا إنما يثبت حكما جزئيا كما لا يخفى، وذكر بعض الأجلة أنهم إنما عرفوا حقية ذلك بعد أن أخذ موسى عليه السلام العصا فعادت كما كانت وذلك أنهم لم يروا لحبالهم وعصيهم بعد أثرا، وقالوا: لو كان هذا سحرا لبقيت حبالنا وعصيّنا ولعلها على هذا صارت أجزاء هبائية وتفرقت أو عدمت لانقطاع تعلق الإرادة بوجودها. وقال الشيخ الأكبر قدس سره في الباب السادس عشر والباب الأربعين من الفتوحات: إن العصا لم تلقف إلا صور الحيات
فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ أي تبتلع بسرعة، وأصل التلقف الأخذ بسرعة وقرأ أكثر السبعة «تلّقّف» بفتح اللام والتشديد والأصل تتلقف فحذفت إحدى التاءين. والتعبير بالمضارع لاستحضار السورة والدلالة على الاستمرار ما يَأْفِكُونَ أي الذي يقلبونه من حاله الأول وصورته بتمويههم وتزويرهم فيخيلون حبالهم وعصيهم أنها حيات تسعى. فما موصولة حذف عائدها للفاصلة، وجوز أن تكون مصدرية أي تلقف إفكهم تسمية للمأفوك به مبالغة فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ أي خروا ساجدين إثر ما شاهدوا ذلك من غير تلعثم وتردد لعلمهم بأن مثل ذلك خارج عن حدود السحر وأنه أمر إلهي قد ظهر على يده عليه السلام لتصديقه، وعبر عن الخرور بالإلقاء لأنه ذكر مع الإلقاءات فسلك به طريق المشاكلة وفيه أيضا مع مراعاة المشاكلة أنهم حين رأوا ما رأوا لم يتمالكوا أن رموا بأنفسهم إلى الأرض ساجدين كأنهم أخذوا فطرحوا طرحا فهناك استعارة تبعية زادت حسنها المشاكلة، وبحث في ذلك بعضهم بأن الله تعالى خالق خرورهم عند أهل الحق وخلقه هو الإلقاء فلا حاجة إلى التجوز.
وأنت تعلم أن إيجاد خرورهم وخلقه فيهم لا يسمى إلقاء حقيقة ولغة ثم ظاهر كلامهم أن فاعل الإلقاء لو صرح به هو الله عز وجل بما خولهم من التوفيق، وجوز الزمخشري أن يكون إيمانهم أو ما عاينوا من المعجزة الباهرة ثم قال:
ولك أن لا تقدر فاعلا لأن (ألقي) بمعنى خروا وسقطوا. وتعقب هذا أبو حيان بأنه ليس بشيء إذ لا يمكن أن يبني الفعل للمفعول الذي لم يسم فاعله إلا وقد حذف الفاعل فناب ذلك عنه أما أنه لا يقدر فاعل فقول ذاهب عن الصواب، ووجه ذلك صاحب الكشف بأنه أراد أنه لا يحتاج إلى تقدير فاعل آخر غير من أسند إليه المجهول لأنه فاعل الإلقاء ألا ترى أنك لو فسرت سقط بألقى نفسه لصح. والطيبي بأنه أراد أنه لا يحتاج إلى تعيين فاعل لأن المقصود الملقى لا تعيين من ألقاه كما تقول قتل الخارجي.
وأنت تعلم أن التعليل الذي ذكره الزمخشري إلى ما اختاره صاحب الكشف أقرب. وبالجملة لا بد من تأويل كلام صاحب الكشاف فإنه أجل من أن يريد ظاهره الذي يرد عليه ما أورده أبو حيان، وفي سجود السحرة وتسليمهم دليل على أن منتهى السحر تمويه وتزويق يخيل شيئا لا حقيقة له لأن السحر أقوى ما كان في زمن موسى عليه السلام ومن أتى به فرعون أعلم أهل عصره به وقد بذلوا جهدهم وأظهروا أعظم ما عندهم منه ولم يأتوا إلا بتمويه وتزويق كذا قيل. والتحقيق أن ذلك هو الغالب في السحر لا أن كل سحر كذلك.
وقول القزويني: إن دعوى أن في السحر تبديل صورة حقيقة من خرافات العوام وأسمار النسوة فإن ذلك مما لا يمكن في سحر أبدا لا يخلو عن مجازفة، واستدل بذلك أيضا على أن التبحر في كل علم نافع فإن أولئك السحرة لتبحرهم في علم السحر علموا حقية ما أتى به موسى عليه السلام وأنه معجزة فانتفعوا بزيادة علمهم لأنه أداهم إلى الاعتراف بالحق والإيمان لفرقهم بين المعجزة والسحر.
وتعقب بأن هذا إنما يثبت حكما جزئيا كما لا يخفى، وذكر بعض الأجلة أنهم إنما عرفوا حقية ذلك بعد أن أخذ موسى عليه السلام العصا فعادت كما كانت وذلك أنهم لم يروا لحبالهم وعصيهم بعد أثرا، وقالوا: لو كان هذا سحرا لبقيت حبالنا وعصيّنا ولعلها على هذا صارت أجزاء هبائية وتفرقت أو عدمت لانقطاع تعلق الإرادة بوجودها. وقال الشيخ الأكبر قدس سره في الباب السادس عشر والباب الأربعين من الفتوحات: إن العصا لم تلقف إلا صور الحيات
78
من الحبال والعصي وأما هي فقد بقيت ولم تعدم كما توهمه بعض المفسرين ويدل عليه قوله تعالى: تَلْقَفْ ما صَنَعُوا [طه: ٦٩] وهم لم يصنعوا إلا الصور ولولا ذلك لوقعت الشبهة للسحرة في عصا موسى عليه السلام فلم يؤمنوا انتهى ملخصا فتأمل قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ بدل اشتمال من (ألقي) لما بين الإلقاء المذكور وهذا القول من الملابسة أو حال بإضمار قد أو بدونه، ويحتمل أن يكون استئنافا بيانيا كأنه قيل: فما قالوا؟ فقيل: قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ عطف بيان لرب العالمين أو بدل منه جيء به لدفع توهم إرادة فرعون حيث كان قومه الجهلة يسمونه بذلك وللإشعار بأن الموجب لإيمانهم به تعالى ما أجراه سبحانه على أيديهما من المعجزة القاهرة. ومعنى كونه تعالى ربهما أنه جل وعلا خالقهما ومالك أمرهما.
وجوز أن يكون إضافة الرب إليهما باعتبار وصفهما له سبحانه بما تقدم من قول موسى عليه السلام: رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا [الشعراء: ٢٤] وقوله: رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ [الشعراء: ٢٦] وقوله:
رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما [الشعراء: ٢٨] فكأنهم قالوا: آمنا برب العالمين الذي وصفه موسى وهارون، ولا يخفى ما فيه وإن سلم سماعهم للوصف المذكور بعد أن حشروا من المدائن قالَ فرعون للسحرة آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ أي بغير أن آذن لكم بالإيمان له كما في قوله تعالى: قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي [الكهف:
١٠٩] إلا أن الإذن منه ممكن أو متوقع إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فتواطأتم على ما فعلتم فيكون كقوله: إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ [الأعراف: ١٢٣] إلخ أو علمكم شيئا دون شيء فلذلك غلبكم كما قيل، ولا يرد عليه أنه لا يتوافق الكلامان حينئذ إذ يجوز أن يكون فرعون قال كلا منهما وإن لم يذكرا معا هنا، وأراد اللعين بذلك التلبيس على قومه كيلا يعتقدوا أنهم آمنوا عن بصيرة وظهور حق.
وقرأ الكسائي وحمزة وأبو بكر وروح «أآمنتم» بهمزتين فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ وبال ما فعلتم. واللام قيل للابتداء دخلت الخبر لتأكيد مضمون الجملة والمبتدأ محذوف أي فلأنتم سوف تعلمون. وليست للقسم لأنها لا تدخل على المضارع إلا مع النون المؤكدة. وجمعها مع سوف للدلالة على أن العلم كائن لا محالة وإن تأخر لداع، وقيل: هي للقسم وقاعدة التلازم بينها وبين النون فيما عدا صورة الفصل بينها وبين الفعل بحرف التنفيس وصورة الفصل بينهما بمعمول الفعل كقوله تعالى: لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ [آل عمران: ١٥٨] وقال أبو علي: هي اللام التي في لأقومن ونابت سوف عن إحدى نوني التأكيد فكأنه قيل: فلتعلمن، وقوله تعالى حكاية عنه: لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ بيان لمفعول تَعْلَمُونَ المحذوف الذي أشرنا إليه وتفصيل لما أجمل ولذا فصل وعطف بالفاء في محل آخر، وقد مر معنى مِنْ خِلافٍ قالُوا أي السحرة لا ضَيْرَ أي لا ضرر علينا فيما ذكرت من قطع الأيدي وما معه، والضير مصدر ضار وجاء مصدره أيضا ضورا، وهو اسم لا وخبرها محذوف وحذفه في مثل ذلك كثير، وقوله تعالى: إِنَّا إِلى رَبِّنا أي الذي آمنا به مُنْقَلِبُونَ تعليل لنفي الضير أي لا ضير في ذلك بل لنا فيه نفع عظيم لما يحصل لنا من الصبر عليه لوجه الله تعالى من الثواب العظيم أو لا ضير علينا فيما تفعل لأنه لا بد من الموت بسبب من الأسباب والانقلاب إلى الله عز وجل.
وحاصله نفي المبالاة بالقتل معللا بأنه لا بد من الموت، ونظير ذلك
قول علي كرّم الله تعالى وجهه: لا أبالي أوقعت على الموت أم وقع الموت عليّ،
أو لا ضير علينا في ذلك لأن مصيرنا ومصيرك إلى رب يحكم بيننا فينتقم لنا منك، وفي معنى ذلك قوله:
وجوز أن يكون إضافة الرب إليهما باعتبار وصفهما له سبحانه بما تقدم من قول موسى عليه السلام: رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا [الشعراء: ٢٤] وقوله: رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ [الشعراء: ٢٦] وقوله:
رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما [الشعراء: ٢٨] فكأنهم قالوا: آمنا برب العالمين الذي وصفه موسى وهارون، ولا يخفى ما فيه وإن سلم سماعهم للوصف المذكور بعد أن حشروا من المدائن قالَ فرعون للسحرة آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ أي بغير أن آذن لكم بالإيمان له كما في قوله تعالى: قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي [الكهف:
١٠٩] إلا أن الإذن منه ممكن أو متوقع إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فتواطأتم على ما فعلتم فيكون كقوله: إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ [الأعراف: ١٢٣] إلخ أو علمكم شيئا دون شيء فلذلك غلبكم كما قيل، ولا يرد عليه أنه لا يتوافق الكلامان حينئذ إذ يجوز أن يكون فرعون قال كلا منهما وإن لم يذكرا معا هنا، وأراد اللعين بذلك التلبيس على قومه كيلا يعتقدوا أنهم آمنوا عن بصيرة وظهور حق.
وقرأ الكسائي وحمزة وأبو بكر وروح «أآمنتم» بهمزتين فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ وبال ما فعلتم. واللام قيل للابتداء دخلت الخبر لتأكيد مضمون الجملة والمبتدأ محذوف أي فلأنتم سوف تعلمون. وليست للقسم لأنها لا تدخل على المضارع إلا مع النون المؤكدة. وجمعها مع سوف للدلالة على أن العلم كائن لا محالة وإن تأخر لداع، وقيل: هي للقسم وقاعدة التلازم بينها وبين النون فيما عدا صورة الفصل بينها وبين الفعل بحرف التنفيس وصورة الفصل بينهما بمعمول الفعل كقوله تعالى: لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ [آل عمران: ١٥٨] وقال أبو علي: هي اللام التي في لأقومن ونابت سوف عن إحدى نوني التأكيد فكأنه قيل: فلتعلمن، وقوله تعالى حكاية عنه: لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ بيان لمفعول تَعْلَمُونَ المحذوف الذي أشرنا إليه وتفصيل لما أجمل ولذا فصل وعطف بالفاء في محل آخر، وقد مر معنى مِنْ خِلافٍ قالُوا أي السحرة لا ضَيْرَ أي لا ضرر علينا فيما ذكرت من قطع الأيدي وما معه، والضير مصدر ضار وجاء مصدره أيضا ضورا، وهو اسم لا وخبرها محذوف وحذفه في مثل ذلك كثير، وقوله تعالى: إِنَّا إِلى رَبِّنا أي الذي آمنا به مُنْقَلِبُونَ تعليل لنفي الضير أي لا ضير في ذلك بل لنا فيه نفع عظيم لما يحصل لنا من الصبر عليه لوجه الله تعالى من الثواب العظيم أو لا ضير علينا فيما تفعل لأنه لا بد من الموت بسبب من الأسباب والانقلاب إلى الله عز وجل.
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره | تعددت الأسباب والموت واحد |
قول علي كرّم الله تعالى وجهه: لا أبالي أوقعت على الموت أم وقع الموت عليّ،
أو لا ضير علينا في ذلك لأن مصيرنا ومصيرك إلى رب يحكم بيننا فينتقم لنا منك، وفي معنى ذلك قوله:
79
إلى ديان يوم الدين نمضي | وعند الله تجتمع الخصوم |
وقرأ أبان بن تغلب وأبو معاذ «إن كنا» بكسر همزة «إن» وخرج على أن إن شرطية والجواب محذوف يدل عليه ما قبله أي إن كنا أول المؤمنين فإنا نطمع، وجعل صاحب اللوامح الجواب إِنَّا نَطْمَعُ المتقدم وقال: جاز حذف الفاء منه لتقدمه وهو مبني على مذهب الكوفيين وأبي زيد والمبرد حيث يجوزون تقديم جواب الشرط، وعلى هذا فالظاهر أنهم لم يكونوا متحققين بأنهم أول المؤمنين، وقيل: كانوا متحققين ذلك لكنهم أبرزوه في صورة الشك لتنزيل الأمر المعتمد منزلة غيره تمليحا وتضرعا لله تعالى، وفي ذلك هضم النفس والمبالغة في تحري الصدق والمشاكلة مع نَطْمَعُ على ما هو الظاهر فيه، وجوز أبو حيان أن تكون إن هي المخففة من الثقيلة ولا يحتاج إلى اللام الفارقة لدلالة الكلام على أنهم مؤمنون فلا احتمال للنفي،
وقد ورد مثل ذلك في الفصيح ففي الحديث: «إن كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحب العسل»
، وقال الشاعر:
ونحن أباة الضيم من آل مالك | وإن مالك كانت كرام المعادن |
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي وذلك بعد سنين أقام بين ظهرانيهم يدعوهم إلى الحق ويظهر لهم الآيات فلم يزيدوا إلا عتوا وعنادا حسبما فصل في سورة [الأعراف: ١٣٠] بقوله تعالى: وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ الآيات. وقرىء «أن أسر» بكسر النون ووصل الألف من سرى. وقرأ اليماني «أن سر» أمرا من سار يسير إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ تعليل للأمر بالإسراء أي يتبعكم فرعون وجنوده مصبحين فأسر ليلا بمن معك حتى لا يدركوكم قبل الوصول إلى البحر بل يكونون على أثركم حين تلجون البحر فيدخلون مداخلكم فأطبقه عليهم فأغرقهم فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ الفاء فصيحة أي فأسرى بهم وأخبر فرعون بذلك فأرسل فِي الْمَدائِنِ أي مدائن مصر حاشِرِينَ جامعين للعساكر ليتبعوهم إِنَّ هؤُلاءِ يريد بني إسرائيل والكلام على إرادة القول، والظاهر أنه حال أي قائلا إن
80
هؤلاء لَشِرْذِمَةٌ أي طائفة من الناس، وقيل: هي السفلة منهم، وقيل: بقية كل شيء خسيس، ومنه ثوب شرذام وشرذامة أي خلق مقطع، قال الراجز:
وقرىء «لشرذمة» بإضافة شر مقابل خير إلى ذمة، قال أبو حاتم: وهي قراءة من لا يؤخذ منه ولم يروها أحد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قَلِيلُونَ صفة شرذمة، وكان الظاهر قليلة إلا أنه جمع باعتبار أن الشرذمة مشتملة على أسباط كل سبط منهم قليل، وقد بالغ اللعين في قلتهم حيث ذكرهم أولا باسم دال على القلة وهو شرذمة ثم وصفهم بالقلة ثم جمع القليل للإشارة إلى قلة كل حزب منهم وأتى بجمع السلامة وقد ذكر أنه دال على القلة واستقلهم بالنسبة إلى جنوده.
فقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدي أن موسى عليه السلام خرج في ستمائة ألف وعشرين ألفا لا يعد فيهم ابن عشرين لصغره ولا ابن ستين لكبره وتبعهم فرعون على مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف حصان، وقيل: أرسل فرعون في أثرهم ألف ألف وخمسمائة ألف ملك مسور مع كل ملك ألف وخرج هو في جمع عظيم وكانت مقدمته سبعمائة ألف رجل كل رجل على حصان وعلى رأسه بيضة، وهم كانوا على ما روي عن ابن عباس ستمائة ألف وسبعين ألفا، وأنا أقول: إنهم كانوا أقل من عساكر فرعون ولا أجزم بعدد في كلا الجمعين، والأخبار في ذلك لا تكاد تصح وفيها مبالغات خارجة عن العادة. والمشهور عند اليهود أن بني إسرائيل كانوا حين خرجوا من مصر ستمائة ألف رجل خلا الأطفال وهو صريح ما في التوراة التي بأيديهم.
وجوز أن يراد بالقلة الذلة لا قلة العدد بل هي مستفادة من شرذمة يعني أنهم لقلتهم أذلاء لا يبالى بهم ولا يتوقع غلبتهم، وقيل: الذلة مفهومة من شرذمة بناء على أن المراد منها بقية كل شيء خسيس أو السفلة من الناس، وقَلِيلُونَ إما صفة لها أو خبر بعد خبر لأن، والظاهر ما تقدم.
وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ لفاعلون ما يغيظنا من مخالفة أمرنا والخروج بغير إذننا مع ما عندهم من أموالنا المستعارة،
فقد روي أن الله تعالى أمرهم أن يستعيروا الحلي من القبط فاستعاروه وخرجوا به
، وتقديم لَنا للحصر والفاصلة واللام للتقوية أو تنزيل المتعدي منزلة اللازم وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ أي إنا لجمع من عاداتنا الحذر والاحتراز واستعمال الحزم في الأمور، أشار أولا إلى عدم ما يمنع اتباعهم من شوكتهم ثم إلى تحقيق ما يدعو إليه من فرط عداوتهم ووجوب التيقظ في شأنهم حثا عليه أو اعتذارا بذلك إلى أهل المدائن كيلا يظن به عليه اللعنة ما يكسر سلطانه.
وقرأ جمع من السبعة. وغيرهم «حذرون» بغير ألف، وفرق بين حاذر بالألف وحذر بدونها بأن الأول اسم فاعل يفيد التجدد والحدوث والثاني صفة مشبهة تفيد الثبات، وقريب منه ما روي عن الفراء والكسائي أن الحذر من كان الحذر في خلقته فهو متيقظ منتبه، وقال أبو عبيدة: هما بمعنى واحد، وذهب سيبويه إلى أن حذرا يكون للمبالغة وأنه يعمل كما يعمل حاذر فينصب المفعول به، وأنشد:
وقد نوزع في ذلك بما هو مذكور في كتب النحو. وعن ابن عباس وابن جبير والضحاك وغيرهم أن الحاذر التام السلاح. وفسروا ما في الآية بذلك، وكأنه بمعنى صاحب حذر وهي آلة الحرب سميت بذلك مجازا، وحمل على ذلك
جاء الشتاء وقميصي أخلاق | شراذم يضحك منه التواق |
فقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدي أن موسى عليه السلام خرج في ستمائة ألف وعشرين ألفا لا يعد فيهم ابن عشرين لصغره ولا ابن ستين لكبره وتبعهم فرعون على مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف حصان، وقيل: أرسل فرعون في أثرهم ألف ألف وخمسمائة ألف ملك مسور مع كل ملك ألف وخرج هو في جمع عظيم وكانت مقدمته سبعمائة ألف رجل كل رجل على حصان وعلى رأسه بيضة، وهم كانوا على ما روي عن ابن عباس ستمائة ألف وسبعين ألفا، وأنا أقول: إنهم كانوا أقل من عساكر فرعون ولا أجزم بعدد في كلا الجمعين، والأخبار في ذلك لا تكاد تصح وفيها مبالغات خارجة عن العادة. والمشهور عند اليهود أن بني إسرائيل كانوا حين خرجوا من مصر ستمائة ألف رجل خلا الأطفال وهو صريح ما في التوراة التي بأيديهم.
وجوز أن يراد بالقلة الذلة لا قلة العدد بل هي مستفادة من شرذمة يعني أنهم لقلتهم أذلاء لا يبالى بهم ولا يتوقع غلبتهم، وقيل: الذلة مفهومة من شرذمة بناء على أن المراد منها بقية كل شيء خسيس أو السفلة من الناس، وقَلِيلُونَ إما صفة لها أو خبر بعد خبر لأن، والظاهر ما تقدم.
وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ لفاعلون ما يغيظنا من مخالفة أمرنا والخروج بغير إذننا مع ما عندهم من أموالنا المستعارة،
فقد روي أن الله تعالى أمرهم أن يستعيروا الحلي من القبط فاستعاروه وخرجوا به
، وتقديم لَنا للحصر والفاصلة واللام للتقوية أو تنزيل المتعدي منزلة اللازم وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ أي إنا لجمع من عاداتنا الحذر والاحتراز واستعمال الحزم في الأمور، أشار أولا إلى عدم ما يمنع اتباعهم من شوكتهم ثم إلى تحقيق ما يدعو إليه من فرط عداوتهم ووجوب التيقظ في شأنهم حثا عليه أو اعتذارا بذلك إلى أهل المدائن كيلا يظن به عليه اللعنة ما يكسر سلطانه.
وقرأ جمع من السبعة. وغيرهم «حذرون» بغير ألف، وفرق بين حاذر بالألف وحذر بدونها بأن الأول اسم فاعل يفيد التجدد والحدوث والثاني صفة مشبهة تفيد الثبات، وقريب منه ما روي عن الفراء والكسائي أن الحذر من كان الحذر في خلقته فهو متيقظ منتبه، وقال أبو عبيدة: هما بمعنى واحد، وذهب سيبويه إلى أن حذرا يكون للمبالغة وأنه يعمل كما يعمل حاذر فينصب المفعول به، وأنشد:
حذر أمورا لا تضير وآمن | ما ليس منجيه من الأقدار |
81
قوله تعالى: خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء: ٧١]، وقرأ سميط بن عجلان وابن أبي عمار وابن السميقع «حادرون» بالألف والدال المهملة من قولهم: عين حدرة أي عظيمة وفلان حادر أي متورم. قال ابن عطية: والمعنى ممتلئون غيظا وأنفة. وقال ابن خالويه: الحادر السمين القوي الشديد والمعنى أقوياء أشداء. ومنه قول الشاعر:
وقيل: المعنى تام والسلاح على هذه القراءة أيضا أخذا من الحدارة بمعنى الجسامة والقوة فإن تام السلاح يتقوى به كما يتقوى بأعضائه، و (جميع) على جميع القراءات والمعاني بمعنى الجمع وليست التي يؤكد بها كما أشرنا إليه ولو كانت هذه المؤكدة لنصبت فَأَخْرَجْناهُمْ أي فرعون وجنوده أي خلقنا فيهم داعية الخروج بهذا السبب الذي تضمنته الآيات الثلاث فحملتهم عليه أو خلقنا خروجهم مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ كانت لهم بحافتي النيل كما روي عن ابن عمر. وغيره وَكُنُوزٍ أي أموال كنزوها وخزنوها تحت الأرض. وخصت بالذكر لأن الأموال الظاهرة أمور لازمة لهم لأنها من ضروريات معاشهم فإخراجهم عنها معلوم بالضرورة. وقيل: لأن أموالهم الظاهرة قد انطمست بالتدمير.
وتعقب بأن الإخراج قبل الانطماس إذ من جملة الأموال الظاهرة الجنات والإخبار عنهم بأنهم أخرجوا منها بعنوان كونها جنات والأصل فيه الحقيقة. وعلى تقدير تسليم أنه بعد يرد أن المدمر ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون وهو مفسر بالقصور والعمارات والجنان فيبقى ما سوى ذلك غير محكوم عليه بالتدمير من الأموال الظاهرة مع أنهم أخرجوا منه أيضا فيحتاج توجيه عدم التعرض له بغير ما ذكر.
وقيل: المراد بالكنوز أموالهم الباطنة والظاهرة وأطلق عليها ذلك لأنها لم ينفق منها في طاعة الله تعالى، ونقل ذلك عن مجاهد والأول أوفق باللغة. وأكثر جهلة أهل مصر يزعمون أن هذه الكنوز في المقطم من أرض مصر وأنها موجودة إلى الآن وقد بذلوا على إخراجها أموالا كثيرة لشياطين المغاربة وغيرهم فلم يظفروا إلا بالتراب أو حجر الكذان، وقال ابن جبير: المراد بالعيون عيون الذهب وهو خلاف المتبادر، ومثله ما قاله الضحاك من أن المراد بالكنوز الأنهار وَمَقامٍ كَرِيمٍ هي المساكن الحسان كما قال النقاش، وعن ابن لهيعة أنها كانت بالفيوم من أرض مصر، وقيل: مجالس الأمراء والأشراف والحكام التي تحفها الأتباع، وقيل: الأسرة في الكال، وحكى الماوردي أنها مرابط الخيل، وعن ابن عباس ومجاهد والضحاك أنها المنابر للخطباء. وقرأ قتادة والأعرج «ومقام» بضم الميم من أقام كَذلِكَ إما في موضع نصب على أن يكون صفة لمصدر مقدر أي إخراجا مثل ذلك الإخراج أخرجنا، والإشارة إلى مصدر الفعل أو في موضع جر على أن يكون صفة لمقام أي مقام كريم مثل ذلك المقام الذي كان لهم، وعلى الوجهين لا يرد أنه يلزم تشبيه الشيء بنفسه كما زعم أبو حيان لما مر تحقيقه أو في موضع رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي الأمر كذلك، والمراد تقرير الأمر وتحقيقه. واختار هذا الطيبي فقال: هو أقوى الوجوه ليكون قوله تعالى:
وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ أي ملكناها لهم تمليك الإرث عطفا عليه، والجملتان معترضتان بين المعطوف عليه وهو فَأَخْرَجْناهُمْ والمعطوف وهو قوله تعالى: فَأَتْبَعُوهُمْ لأن الاتباع عقب الإخراج لا الإيراث.
قال الواحدي: إن الله تعالى رد بني إسرائيل إلى مصر بعد ما أغرق فرعون وقومه فأعطاهم جميع ما كان لقوم فرعون من الأموال والعقار والمساكن، وعلى غير هذا الوجه يكون (أورثنا) عطفا على (أخرجنا) ولا بد من تقدير نحو فأردنا إخراجهم وإيراث بني إسرائيل ديارهم فخرجوا وأتبعوهم انتهى، ويفهم من كلام بعضهم أن جملة
أحب الصبي السوء من أجل أمه | وأبغضه من بغضها وهو حادر |
وتعقب بأن الإخراج قبل الانطماس إذ من جملة الأموال الظاهرة الجنات والإخبار عنهم بأنهم أخرجوا منها بعنوان كونها جنات والأصل فيه الحقيقة. وعلى تقدير تسليم أنه بعد يرد أن المدمر ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون وهو مفسر بالقصور والعمارات والجنان فيبقى ما سوى ذلك غير محكوم عليه بالتدمير من الأموال الظاهرة مع أنهم أخرجوا منه أيضا فيحتاج توجيه عدم التعرض له بغير ما ذكر.
وقيل: المراد بالكنوز أموالهم الباطنة والظاهرة وأطلق عليها ذلك لأنها لم ينفق منها في طاعة الله تعالى، ونقل ذلك عن مجاهد والأول أوفق باللغة. وأكثر جهلة أهل مصر يزعمون أن هذه الكنوز في المقطم من أرض مصر وأنها موجودة إلى الآن وقد بذلوا على إخراجها أموالا كثيرة لشياطين المغاربة وغيرهم فلم يظفروا إلا بالتراب أو حجر الكذان، وقال ابن جبير: المراد بالعيون عيون الذهب وهو خلاف المتبادر، ومثله ما قاله الضحاك من أن المراد بالكنوز الأنهار وَمَقامٍ كَرِيمٍ هي المساكن الحسان كما قال النقاش، وعن ابن لهيعة أنها كانت بالفيوم من أرض مصر، وقيل: مجالس الأمراء والأشراف والحكام التي تحفها الأتباع، وقيل: الأسرة في الكال، وحكى الماوردي أنها مرابط الخيل، وعن ابن عباس ومجاهد والضحاك أنها المنابر للخطباء. وقرأ قتادة والأعرج «ومقام» بضم الميم من أقام كَذلِكَ إما في موضع نصب على أن يكون صفة لمصدر مقدر أي إخراجا مثل ذلك الإخراج أخرجنا، والإشارة إلى مصدر الفعل أو في موضع جر على أن يكون صفة لمقام أي مقام كريم مثل ذلك المقام الذي كان لهم، وعلى الوجهين لا يرد أنه يلزم تشبيه الشيء بنفسه كما زعم أبو حيان لما مر تحقيقه أو في موضع رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي الأمر كذلك، والمراد تقرير الأمر وتحقيقه. واختار هذا الطيبي فقال: هو أقوى الوجوه ليكون قوله تعالى:
وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ أي ملكناها لهم تمليك الإرث عطفا عليه، والجملتان معترضتان بين المعطوف عليه وهو فَأَخْرَجْناهُمْ والمعطوف وهو قوله تعالى: فَأَتْبَعُوهُمْ لأن الاتباع عقب الإخراج لا الإيراث.
قال الواحدي: إن الله تعالى رد بني إسرائيل إلى مصر بعد ما أغرق فرعون وقومه فأعطاهم جميع ما كان لقوم فرعون من الأموال والعقار والمساكن، وعلى غير هذا الوجه يكون (أورثنا) عطفا على (أخرجنا) ولا بد من تقدير نحو فأردنا إخراجهم وإيراث بني إسرائيل ديارهم فخرجوا وأتبعوهم انتهى، ويفهم من كلام بعضهم أن جملة
82
أَوْرَثْناها إلخ معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه في جميع الأوجه، وما ذكر عن الواحدي من أن الله تعالى رد بني إسرائيل إلى مصر بعد ما أغرق فرعون وقومه ظاهره وقوع ذلك بعد الغرق من غير تطاول مدة.
وأظهر منه في هذا ما روي عن الحسن قال: كما عبروا البحر ورجعوا وورثوا ديارهم وأموالهم ورأيت في بعض الكتب أنهم رجعوا مع موسى عليه السلام وبقوا معه في مصر عشر سنين، وقيل: إنه رجع بعضهم بعد إغراق فرعون وهم الذين أورثوا أموال القبط وذهب الباقون مع موسى عليه السلام إلى أرض الشام.
وقيل: إنهم بعد أن جاوزوا البحر ذهبوا إلى الشام ولم يدخلوا مصر في حياة موسى عليه السلام وملكوها زمن سليمان عليه السلام، والمذكور في التوراة التي بأيدي اليهود اليوم صريح في أنهم بعد أن جاوزوا البحر توجهوا إلى أرض الشام وقد فصلت قصة ذهابهم إليها وأكثر التواريخ على هذا وظواهر كثير من الآيات تقتضي ما ذكره الواحدي والله تعالى أعلم، ومعنى (أتبعوهم) لحقوهم يقال: تبعت القوم فأتبعهم أي تلوتهم فلحقتهم كأن المعنى فجعلتهم تابعين لي بعد ما كنت تابعا لهم مبالغة في اللحوق، وضمير الفاعل لقوم فرعون والمفعول لبني إسرائيل. وقرأ الحسن «فاتّبعوهم» بوصل الهمزة وشد التاء مُشْرِقِينَ أي داخلين في وقت شروق الشمس أي طلوعها من أشرق زيد دخل في وقت الشروق كأصبح دخل في وقت الصباح وأمسى دخل في وقت المساء، وقال أبو عبيدة: هو من أشرق توجه نحو الشرق كأنجد توجه نحو نجد وأعرق توجه نحو العراق أي فاتبعوهم متوجهين نحو الشرق. والجمهور على الأول، وعن السدي أن الله تعالى ألقى على القبط الموت ليلة خرج موسى عليه السلام بقومه فمات كل بكر رجل منهم فشغلوا عن طلبهم بدفنهم حتى طلعت الشمس ومثل ذلك في التوراة بزيادة موت أبكار بهائمهم أيضا، والوصف حال من الفاعل، وقيل: هو حال من المفعول.
ومعنى مُشْرِقِينَ في ضياء بناء على ما روي أن بني إسرائيل كانوا في ضياء، وكان فرعون وقومه في ضباب وظلمة تحيروا فيها حتى جاوز بنو إسرائيل البحر ولا يكاد يصح ذلك لقوله تعالى: فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ أي تقاربا بحيث رأى كل واحد منهما الآخر، نعم ذكر في التوراة ما حاصله أن بني إسرائيل لما خرجوا كان أمامهم نهارا عمود من غمام وليلا عمود من نار ليدلهم ذلك على الطريق فلما طلبهم فرعون ورأوا جنوده خافوا جدا ولاموا موسى عليه السلام في الخروج وقالوا له: أمن عدم القبور بمصر أخرجتنا لنموت في البر أما قلنا لك: دعنا نخدم المصريين فهو خير من موتنا في البر فقال لهم موسى: لا تخافوا وانظروا إغاثة الله تعالى لكم ثم أوحى الله تعالى إلى موسى أن يضرب بعصاه البحر فتحول عمود الغمام إلى ورائهم وصار بينهم وبين فرعون وجنوده ودخل الليل ولم يتقدم أحد من جنود فرعون طول الليل وشق البحر ثم دخل بنو إسرائيل وليس في هذا ما يصحح أمر الحالية المذكورة فتأمل.
وقرأ الأعمش وابن وثاب «ترا» بغير همز على مذهب التخفيف بين بين ولا يصح تحقيقها بالقلب للزوم ثلاث ألفات متسقة وذلك مما لا يكون أبدا قاله أبو الفضل الرازي، وقال ابن عطية وقرأ حمزة «تريئي» بكسر الراء وبمد ثم بهمز، وروي مثله عن عاصم وروي عنه أيضا «تراءى» بالفتح والمد، وقال أبو جعفر أحمد بن علي الأنصاري في كتابه الإقناع تَراءَا الْجَمْعانِ في الشعراء إذا وقف عليها حمزة والكسائي أمالا الألف المنقلبة عن لام الفعل، وحمزة يميل ألف تفاعل وصلا ووقفا كإمالة الألف المنقلبة.
وقرىء «فلما تراءت» الفئتان قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ أي لملحقون جاؤوا بالجملة الاسمية مؤكدة بحرفي التأكيد للدلالة على تحقق الإدراك واللحاق وتنجيزهما، وأرادوا بذلك التحزن وإظهار الشكوى طلبا
وأظهر منه في هذا ما روي عن الحسن قال: كما عبروا البحر ورجعوا وورثوا ديارهم وأموالهم ورأيت في بعض الكتب أنهم رجعوا مع موسى عليه السلام وبقوا معه في مصر عشر سنين، وقيل: إنه رجع بعضهم بعد إغراق فرعون وهم الذين أورثوا أموال القبط وذهب الباقون مع موسى عليه السلام إلى أرض الشام.
وقيل: إنهم بعد أن جاوزوا البحر ذهبوا إلى الشام ولم يدخلوا مصر في حياة موسى عليه السلام وملكوها زمن سليمان عليه السلام، والمذكور في التوراة التي بأيدي اليهود اليوم صريح في أنهم بعد أن جاوزوا البحر توجهوا إلى أرض الشام وقد فصلت قصة ذهابهم إليها وأكثر التواريخ على هذا وظواهر كثير من الآيات تقتضي ما ذكره الواحدي والله تعالى أعلم، ومعنى (أتبعوهم) لحقوهم يقال: تبعت القوم فأتبعهم أي تلوتهم فلحقتهم كأن المعنى فجعلتهم تابعين لي بعد ما كنت تابعا لهم مبالغة في اللحوق، وضمير الفاعل لقوم فرعون والمفعول لبني إسرائيل. وقرأ الحسن «فاتّبعوهم» بوصل الهمزة وشد التاء مُشْرِقِينَ أي داخلين في وقت شروق الشمس أي طلوعها من أشرق زيد دخل في وقت الشروق كأصبح دخل في وقت الصباح وأمسى دخل في وقت المساء، وقال أبو عبيدة: هو من أشرق توجه نحو الشرق كأنجد توجه نحو نجد وأعرق توجه نحو العراق أي فاتبعوهم متوجهين نحو الشرق. والجمهور على الأول، وعن السدي أن الله تعالى ألقى على القبط الموت ليلة خرج موسى عليه السلام بقومه فمات كل بكر رجل منهم فشغلوا عن طلبهم بدفنهم حتى طلعت الشمس ومثل ذلك في التوراة بزيادة موت أبكار بهائمهم أيضا، والوصف حال من الفاعل، وقيل: هو حال من المفعول.
ومعنى مُشْرِقِينَ في ضياء بناء على ما روي أن بني إسرائيل كانوا في ضياء، وكان فرعون وقومه في ضباب وظلمة تحيروا فيها حتى جاوز بنو إسرائيل البحر ولا يكاد يصح ذلك لقوله تعالى: فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ أي تقاربا بحيث رأى كل واحد منهما الآخر، نعم ذكر في التوراة ما حاصله أن بني إسرائيل لما خرجوا كان أمامهم نهارا عمود من غمام وليلا عمود من نار ليدلهم ذلك على الطريق فلما طلبهم فرعون ورأوا جنوده خافوا جدا ولاموا موسى عليه السلام في الخروج وقالوا له: أمن عدم القبور بمصر أخرجتنا لنموت في البر أما قلنا لك: دعنا نخدم المصريين فهو خير من موتنا في البر فقال لهم موسى: لا تخافوا وانظروا إغاثة الله تعالى لكم ثم أوحى الله تعالى إلى موسى أن يضرب بعصاه البحر فتحول عمود الغمام إلى ورائهم وصار بينهم وبين فرعون وجنوده ودخل الليل ولم يتقدم أحد من جنود فرعون طول الليل وشق البحر ثم دخل بنو إسرائيل وليس في هذا ما يصحح أمر الحالية المذكورة فتأمل.
وقرأ الأعمش وابن وثاب «ترا» بغير همز على مذهب التخفيف بين بين ولا يصح تحقيقها بالقلب للزوم ثلاث ألفات متسقة وذلك مما لا يكون أبدا قاله أبو الفضل الرازي، وقال ابن عطية وقرأ حمزة «تريئي» بكسر الراء وبمد ثم بهمز، وروي مثله عن عاصم وروي عنه أيضا «تراءى» بالفتح والمد، وقال أبو جعفر أحمد بن علي الأنصاري في كتابه الإقناع تَراءَا الْجَمْعانِ في الشعراء إذا وقف عليها حمزة والكسائي أمالا الألف المنقلبة عن لام الفعل، وحمزة يميل ألف تفاعل وصلا ووقفا كإمالة الألف المنقلبة.
وقرىء «فلما تراءت» الفئتان قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ أي لملحقون جاؤوا بالجملة الاسمية مؤكدة بحرفي التأكيد للدلالة على تحقق الإدراك واللحاق وتنجيزهما، وأرادوا بذلك التحزن وإظهار الشكوى طلبا
83
للتدبير. وقرأ الأعرج وعبيد بن عمير «لمدّركون» بفتح الدال مشددة وكسر الراء من الإدراك بمعنى الفناء والاضمحلال يقال: أدرك الشيء إذا فني تتابعا وأصله التتابع وهو ذهاب أحد على أثر آخر ثم صار في عرف اللغة بمعنى الهلاك وأن يفني شيئا فشيئا حتى يذهب جميعه، وقد جاء التتابع بهذا المعنى في قول الحماسي:
والمعنى إنا لهالكون على أيديهم شيئا فشيئا قالَ موسى عليه السلام ردعا لهم عن ذلك وإرشادا إلى أن تدبير الله عز وجل يغني عن تدبيره: كَلَّا لن يدركوكم إِنَّ مَعِي رَبِّي بالحفظ والنصرة سَيَهْدِينِ قريبا إلى ما فيه نجاتكم منهم ونصركم عليهم، ولم يشركهم عليه السلام في المعية والهداية إخراجا للكلام على حسب ما أشاروا إليه في قولهم: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ من طلب التدبير منه عليه السلام، وقيل: لما كان عليه السلام هو الأصل وغيره تبع له محفوظون منصورون بواسطته وشرفه وكرامته قال: مَعِي دون معنا وكذا قال: سَيَهْدِينِ دون سيهدينا، وقيل: قال ذلك جزاء لهم على غفلتهم عن قوله تعالى له عليه السلام أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ [القصص: ٣٥] حتى خافوا فقالوا ما قالوا فإن الظاهر أنهم سمعوا ذلك من موسى عليه السلام في مدة بقائهم معه في مصر أو غفلتهم عن عناية الله تعالى بهم حين كانوا مع القبط في مصر حيث لم يصبهم ما أصابهم من الدم ونحوه من الآيات المقتضية بواسطة حسن الظن إنجاءهم منهم حين أمروا بالخروج فلحقوهم وكان تأديبه لهم على ذلك بمجرد عدم إشراكهم فيما ذكر لا أنه نفاه عنهم كما يتوهم من تقديم الخبر فإن تقديمه لأجل الاهتمام بأمر المعية التي هي مدار النجاة المطلوبة، وقيل: للحصر لكن بالنسبة إلى فرعون وجمعه، وقيل: على القول الثاني في توجيه عدم إشراكهم: إنه للحصر بالنسبة إليهم أيضا على معنى إن معي أولا وبالذات ربي لا معكم كذلك، وقيل: قدم المعية هنا وأخرت في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التوبة: ٤٠] لأن المخاطب هنا بنو إسرائيل وهم أغبياء يعرفون الله عز وجل بعد النظر والسماع من موسى عليه السلام والمخاطب هناك الصديق رضي الله تعالى عنه وهو ممن يرى الله تعالى قبل كل شيء، ولاختلاف المقام نظم نبينا صلّى الله عليه وسلّم صاحبه معه في المعية ولم يقدم له ردعا وزجرا وخاطبه على نحو مخاطبة الله تعالى له عليه الصلاة والسلام عند تسليته بما صورته النهي عن الحزن، وأتى بالاسم الجامع وهو لفظ الله دون اسم مشعر بصفة واحدة مثلا ولم يكن كلام موسى عليه السلام ومخاطبته لقومه على هذا الطرز وسبحان من فضل بعض العالمين على بعض.
وزعم بعضهم أن في الكلام حذفا والتقدير إن معي وعد ربي ولذلك قال: مَعِي دون معنا وفيه ما فيه.
فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ هو القلزم على الصحيح، وقيل: بحر من وراء مصر يقال له أساف، وقيل: النيل، والظاهر أن هذا الإيحاء كان بعد القول المذكور ولم يكن مأمورا بالضرب يوم الأمر بالإسراء،
فقد أخرج ابن عبد الحكم عن مجاهد أنه لما انتهى موسى عليه السلام وبنو إسرائيل إلى البحر قال مؤمن آل فرعون: يا نبي الله أين أمرت فإن البحر أمامك وقد غشينا آل فرعون فقال: أمرت بالبحر فاقتحم مؤمن آل فرعون فرسه فرده التيار فجعل موسى عليه السلام لا يدري كيف يصنع وكان الله تعالى قد أوحى إلى البحر أن أطع موسى وآية ذلك إذا ضربك بعصاه فأوحى الله تعالى إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر.
وأخرج أيضا من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن موسى لما انتهى إلى البحر أقبل يوشع بن نون على فرسه فمشى على الماء واقتحم غيره خيولهم فرسوا في الماء، وقال أصحاب موسى: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ فدعا موسى ربه فغشيتهم ضبابة حالت بينهم وبينه وقيل: له اضرب بعصاك البحر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن
أبعد بني أمي الذين تتابعوا | أرجي حياة أم من الموت أجزع |
وزعم بعضهم أن في الكلام حذفا والتقدير إن معي وعد ربي ولذلك قال: مَعِي دون معنا وفيه ما فيه.
فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ هو القلزم على الصحيح، وقيل: بحر من وراء مصر يقال له أساف، وقيل: النيل، والظاهر أن هذا الإيحاء كان بعد القول المذكور ولم يكن مأمورا بالضرب يوم الأمر بالإسراء،
فقد أخرج ابن عبد الحكم عن مجاهد أنه لما انتهى موسى عليه السلام وبنو إسرائيل إلى البحر قال مؤمن آل فرعون: يا نبي الله أين أمرت فإن البحر أمامك وقد غشينا آل فرعون فقال: أمرت بالبحر فاقتحم مؤمن آل فرعون فرسه فرده التيار فجعل موسى عليه السلام لا يدري كيف يصنع وكان الله تعالى قد أوحى إلى البحر أن أطع موسى وآية ذلك إذا ضربك بعصاه فأوحى الله تعالى إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر.
وأخرج أيضا من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن موسى لما انتهى إلى البحر أقبل يوشع بن نون على فرسه فمشى على الماء واقتحم غيره خيولهم فرسوا في الماء، وقال أصحاب موسى: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ فدعا موسى ربه فغشيتهم ضبابة حالت بينهم وبينه وقيل: له اضرب بعصاك البحر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن
84
عباس أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر وأوحى إلى البحر أن اسمع لموسى وأطع إذا ضربك فبات البحر له أفكل أي رعدة لا يدري من أي جوانبه يضربه،
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله ابن سلام أن موسى عليه السلام لما انتهى إلى البحر قال: يا من كان قبل كل شيء والمكون لكل شيء والكائن بعد كل شيء اجعل لنا مخرجا فأوحى الله تعالى إليه أن اضرب بعصاك البحر.
وروي أنه عليه السلام قال: اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وإليك المستغاث وأنت المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
، وفي الدر المنثور من رواية ابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعا ما يدل على أنه عليه السلام قال ذلك حين الانفلاق فَانْفَلَقَ أي فضربه فانفلق فالفاء فصيحة، وزعم ابن عصفور في مثل هذا التركيب أن المحذوف هو ضرب، وفاء انفلق والفاء الموجودة هي فاء ضرب وهذا أشبه شيء بلغي العصافير وكأنه كان سكران حين قاله، وفي هذا الحذف إشارة إلى سرعة امتثاله عليه السلام، وإنما أمر عليه السلام بالضرب فضرب وترتب الانفلاق عليه إعظاما لموسى عليه السلام بجعل هذه الآية العظيمة مترتبة على فعله ولو شاء عز وجل لفلقه بدون ضربه بالعصا،
ويروى أنه لم ينفلق حتى كناه بأبي خالد فقال انفلق أبا خالد: وكان بأمر الله تعالى إياه بذلك
وعن قيس بن عباد أنه عليه السلام حين جاءه قال له: انفلق أبا خالد فقال: لن أنفلق لك يا موسى أنا أقدم منك وأشد خلقا فنودي عند ذلك اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق
وفي رواية عن ابن مسعود أنه عليه السلام حين انتهى إليه قال: أنفرق فقال له: لقد استكبرت يا موسى وهل انفرقت لأحد من ولد آدم فأوحى الله تعالى إليه أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق، وفي حديث أخرجه الخطيب في المتفق والمفترق عن أبي الدرداء مرفوعا أنه عليه السلام ضربه فتأطط كما يتأطط العرش ثم ضربه الثانية فمثل ذلك ثم ضربه الثالثة فانصدع
وهذا صريح في أن الضرب كان ثلاثا، وقيل: ضربه مرة واحدة فانفلق، وقيل: ضربه اثنتي عشرة مرة فانفلق في كل مرة عن مسلك لسبط.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جبير أنه قال: كان البحر ساكنا لا يتحرك فلما كان ليلة ضربه موسى بالعصا صار يمد ويجزر
ولا أظن لهذا صحة، والظاهر أن المد والجزر كانا قبل أن يخلق الله تعالى موسى عليه السلام ولا ينبغي لعاقل اعتقاد غيره، ومثل هذا عندي كثير من الأخبار السابقة، والأسلم الاقتصار على ما قص الله تعالى من أنه أوحى سبحانه إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ أي كالجبل المنيف الثابت في مقره، وظاهر الآية أن الطود مطلق الجبل، وقال في الصحاح: الطود الجبل العظيم.
والمراد بالفرق قطعة من الماء ارتفعت فصار ما تحتها كالسرداب على ما ذكره بعض الأجلة، وحينئذ لا إشكال في قول من قال: إن الفروق اثنا عشرة والمسالك كذلك بعدة أسباط بني إسرائيل وقد سلك كل سبط منهم في مسلك منها، والمشهور أن الفرق قطعة انفصلت من الماء عما يقابلها وحينئذ لا يتأتى ذلك القول بل لا بد عليه على ما قيل من كون الفروق ثلاثة عشر حتى يحصل في خلالها اثنا عشر مسلكا بعدد الأسباط، وقيل: إذا كانت الفروق اثني عشر فلا بد أن تكون المسالك ثلاثة عشر لأن الفرق الأول والثاني عشر لا بد أن يكونا منفصلين عما يحاذيهما من البحر فيكون بين كل منهما وبين ما يحاذيه من البحر مسلك وإن لم يكن كسائر المسالك بين فرقين إذ لو اتصلا لم يمييزا عنه ولم يتحقق حينئذ اثنا عشر فرقا بل أقل، ولا بعد في أن يختار كون الفروق اثني عشر والمسالك ثلاثة عشر يجعل الفرق الأول والثاني عشر منفصلين عما يحاذيهم من البحر بين كل منهما وبينه مسلك، ويقال: إن كل سبط من الأسباط الاثني عشر سلك في مسلك وسلك في الثالث عشر من آمن بموسى عليه السلام من القبط انتهى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله ابن سلام أن موسى عليه السلام لما انتهى إلى البحر قال: يا من كان قبل كل شيء والمكون لكل شيء والكائن بعد كل شيء اجعل لنا مخرجا فأوحى الله تعالى إليه أن اضرب بعصاك البحر.
وروي أنه عليه السلام قال: اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وإليك المستغاث وأنت المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
، وفي الدر المنثور من رواية ابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعا ما يدل على أنه عليه السلام قال ذلك حين الانفلاق فَانْفَلَقَ أي فضربه فانفلق فالفاء فصيحة، وزعم ابن عصفور في مثل هذا التركيب أن المحذوف هو ضرب، وفاء انفلق والفاء الموجودة هي فاء ضرب وهذا أشبه شيء بلغي العصافير وكأنه كان سكران حين قاله، وفي هذا الحذف إشارة إلى سرعة امتثاله عليه السلام، وإنما أمر عليه السلام بالضرب فضرب وترتب الانفلاق عليه إعظاما لموسى عليه السلام بجعل هذه الآية العظيمة مترتبة على فعله ولو شاء عز وجل لفلقه بدون ضربه بالعصا،
ويروى أنه لم ينفلق حتى كناه بأبي خالد فقال انفلق أبا خالد: وكان بأمر الله تعالى إياه بذلك
وعن قيس بن عباد أنه عليه السلام حين جاءه قال له: انفلق أبا خالد فقال: لن أنفلق لك يا موسى أنا أقدم منك وأشد خلقا فنودي عند ذلك اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق
وفي رواية عن ابن مسعود أنه عليه السلام حين انتهى إليه قال: أنفرق فقال له: لقد استكبرت يا موسى وهل انفرقت لأحد من ولد آدم فأوحى الله تعالى إليه أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق، وفي حديث أخرجه الخطيب في المتفق والمفترق عن أبي الدرداء مرفوعا أنه عليه السلام ضربه فتأطط كما يتأطط العرش ثم ضربه الثانية فمثل ذلك ثم ضربه الثالثة فانصدع
وهذا صريح في أن الضرب كان ثلاثا، وقيل: ضربه مرة واحدة فانفلق، وقيل: ضربه اثنتي عشرة مرة فانفلق في كل مرة عن مسلك لسبط.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جبير أنه قال: كان البحر ساكنا لا يتحرك فلما كان ليلة ضربه موسى بالعصا صار يمد ويجزر
ولا أظن لهذا صحة، والظاهر أن المد والجزر كانا قبل أن يخلق الله تعالى موسى عليه السلام ولا ينبغي لعاقل اعتقاد غيره، ومثل هذا عندي كثير من الأخبار السابقة، والأسلم الاقتصار على ما قص الله تعالى من أنه أوحى سبحانه إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ أي كالجبل المنيف الثابت في مقره، وظاهر الآية أن الطود مطلق الجبل، وقال في الصحاح: الطود الجبل العظيم.
والمراد بالفرق قطعة من الماء ارتفعت فصار ما تحتها كالسرداب على ما ذكره بعض الأجلة، وحينئذ لا إشكال في قول من قال: إن الفروق اثنا عشرة والمسالك كذلك بعدة أسباط بني إسرائيل وقد سلك كل سبط منهم في مسلك منها، والمشهور أن الفرق قطعة انفصلت من الماء عما يقابلها وحينئذ لا يتأتى ذلك القول بل لا بد عليه على ما قيل من كون الفروق ثلاثة عشر حتى يحصل في خلالها اثنا عشر مسلكا بعدد الأسباط، وقيل: إذا كانت الفروق اثني عشر فلا بد أن تكون المسالك ثلاثة عشر لأن الفرق الأول والثاني عشر لا بد أن يكونا منفصلين عما يحاذيهما من البحر فيكون بين كل منهما وبين ما يحاذيه من البحر مسلك وإن لم يكن كسائر المسالك بين فرقين إذ لو اتصلا لم يمييزا عنه ولم يتحقق حينئذ اثنا عشر فرقا بل أقل، ولا بعد في أن يختار كون الفروق اثني عشر والمسالك ثلاثة عشر يجعل الفرق الأول والثاني عشر منفصلين عما يحاذيهم من البحر بين كل منهما وبينه مسلك، ويقال: إن كل سبط من الأسباط الاثني عشر سلك في مسلك وسلك في الثالث عشر من آمن بموسى عليه السلام من القبط انتهى.
85
وأورد عليه أنه لم يذكر في الآثار أن المسالك ثلاثة عشر وإنما المذكور فيها أنها اثنا عشر ومن ادعى ذلك فعليه البيان، والأبعد عن القيل والقال ما تقدم عن بعض الأجلة وأثر قدرة الله تعالى عليه أعظم، وخلق الداعية إلى سلوك ذلك في قلوب الداخلين لا سيما قوم فرعون أغرب وكذا الاحتياج إلى الكوى أظهر.
فقد روي أن بني إسرائيل قالوا: نخاف أن يغرق بعضنا ولا نشعر فجعل الله تعالى بينهم كوى حتى يرى بعضهم بعضا
، نعم قيل عليه: إن في بعض الآثار ما يأباه، فقد أخرج أبو العباس محمد بن إسحاق السراج في تاريخه. وابن عبد البر في التمهيد من طريق يوسف بن مهران عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن صاحب الردم كتب إلى معاوية يسأله عن أشياء منها مكان طلعت فيه الشمس لم تطلع قبل ولا بعد فيه فلم يعلم معاوية جواب ذلك فكتب يسأل ابن عباس فأجاب عن كل إلى أن قال: وأما المكان الذي طلعت فيه الشمس لم تطلع قبل ولا بعد فيه فالمكان الذي انفلق من البحر لبني إسرائيل فإن كون الفرق مقببا كالسرداب مانع من طلوع الشمس وشروقها على الأرض من غير واسطة كما هو الظاهر من السؤال.
وأجيب بأنه بعد تسليم صحة الخبر لا إباء لجواز شروق الشمس على أرض الفرق المقبب من غير واسطة من جهة المدخل والمخرج أو شروقها على أرض البحر قبل التقبيب ولم يتعرض المفسرون هنا فيما وقفت عليه لكيفية الانطلاق، وقد رأيت فيما ينسب إلى كليات أبي البقاء أنه قد ورد أن بني إسرائيل لما دخلوا البحر خرجوا من الجانب الذي دخلوا منه وحينئذ لا يتأتى ذلك على كون الانفلاق خطيا وإنما يتأتى على كونه قوسيا ثم إنه ذكر في عدة الفروق والمسالك كلاما ظاهره الاختلال، وقد تصدى بعض الفضلاء لشرحه وتوجيهه بما لا يخلو عن تعسف، وحاصل ما ذكره ذلك البعض مع زيادة ما أنه يحتمل إذا كان انفلاق البحر إلى اثني عشر فرقا أن يكون الفرق الأول والثاني عشر متصلين بالبر الشطي بأن يكون الماء الواقع حذاء كل منهما من جهة البر مرتفعا ومنضما إلى كل ومعدود من أجزائه بحيث يصير الماء المرتفع المنضم والفرق الأصلي المنضم إليه فرقا واحدا متصلا طرفه بالبر من غير فصل بينه وبينه بشيء. وأورد عليه أنه يلزم عليه أن تكون المسالك أحد عشر فيحتاج إلى سلوك سبطين معا أو متعاقبا في مسلك واحد أوسع من سائر المسالك أو مساو له ولا خفاء في أنه خلاف الظاهر والمأثور، وأيضا يلزم أن يكون كل من الفرقين الأول والثاني عشر أعظم غلظا من كل من البواقي لما سمعت من الانضمام والظاهر تساويها فيه، وأيضا يلزم خروج الماء الملاصق للبر عما الأصل فيه من غير داع إليه، ويحتمل أن يكون الماء الواقع حذاء كل من الأول والثاني عشر من جهة البر مرتفعا بمعنى ذاهبا ويكون الفرقان المذكوران متصلين بالبر باعتبار أنهما متصلان بالمسلكين الظاهرين من تحت الماء الذاهب المتصلين بالبر. ويرد عليه بعض ما ورد على سابقه وبقاء سبط من بني إسرائيل أو سبطين بلا حاجب لهم عن فرعون وجنوده من الماء.
ويحتمل أن يكونا منفصلين عن البر بأن يبقى الماء المتصل به على حاله بحرا من غير ارتفاع وحينئذ يحتمل أن تكون المسالك ثلاثة عشر باعتبار انكشاف الأرض بين الفرق الأول والبحر الباقي على حاله المتصل بالبر فيكون هذا المسلك خارج الطود الأول وانكشافها بين الفرق الثاني عشر والبحر الباقي على حالة المتصل بالبر من الجانب الآخر فيكون هذا المسلك خارج الفرق الثاني عشر، وعلى هذا الاحتمال يلزم تعطل أحد المسالك أو التزام سلوك من آمن من القبط فقط فيه، ويحتمل أن تكون المسالك اثني عشر كالفروق بأن يكون الانكشاف بين الفرق الأول والبحر الباقي على حالة المتصل بالبر من جهة فرعون وجنوده فقط أو يكون الانكشاف بين الفرق الثاني عشر والبحر الباقي على حاله من الجانب الآخر فقط، وهذا بعيد لعظم هذا القوس المنكشف جدا وطول زمان قطعه، فالظاهر وقوع
فقد روي أن بني إسرائيل قالوا: نخاف أن يغرق بعضنا ولا نشعر فجعل الله تعالى بينهم كوى حتى يرى بعضهم بعضا
، نعم قيل عليه: إن في بعض الآثار ما يأباه، فقد أخرج أبو العباس محمد بن إسحاق السراج في تاريخه. وابن عبد البر في التمهيد من طريق يوسف بن مهران عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن صاحب الردم كتب إلى معاوية يسأله عن أشياء منها مكان طلعت فيه الشمس لم تطلع قبل ولا بعد فيه فلم يعلم معاوية جواب ذلك فكتب يسأل ابن عباس فأجاب عن كل إلى أن قال: وأما المكان الذي طلعت فيه الشمس لم تطلع قبل ولا بعد فيه فالمكان الذي انفلق من البحر لبني إسرائيل فإن كون الفرق مقببا كالسرداب مانع من طلوع الشمس وشروقها على الأرض من غير واسطة كما هو الظاهر من السؤال.
وأجيب بأنه بعد تسليم صحة الخبر لا إباء لجواز شروق الشمس على أرض الفرق المقبب من غير واسطة من جهة المدخل والمخرج أو شروقها على أرض البحر قبل التقبيب ولم يتعرض المفسرون هنا فيما وقفت عليه لكيفية الانطلاق، وقد رأيت فيما ينسب إلى كليات أبي البقاء أنه قد ورد أن بني إسرائيل لما دخلوا البحر خرجوا من الجانب الذي دخلوا منه وحينئذ لا يتأتى ذلك على كون الانفلاق خطيا وإنما يتأتى على كونه قوسيا ثم إنه ذكر في عدة الفروق والمسالك كلاما ظاهره الاختلال، وقد تصدى بعض الفضلاء لشرحه وتوجيهه بما لا يخلو عن تعسف، وحاصل ما ذكره ذلك البعض مع زيادة ما أنه يحتمل إذا كان انفلاق البحر إلى اثني عشر فرقا أن يكون الفرق الأول والثاني عشر متصلين بالبر الشطي بأن يكون الماء الواقع حذاء كل منهما من جهة البر مرتفعا ومنضما إلى كل ومعدود من أجزائه بحيث يصير الماء المرتفع المنضم والفرق الأصلي المنضم إليه فرقا واحدا متصلا طرفه بالبر من غير فصل بينه وبينه بشيء. وأورد عليه أنه يلزم عليه أن تكون المسالك أحد عشر فيحتاج إلى سلوك سبطين معا أو متعاقبا في مسلك واحد أوسع من سائر المسالك أو مساو له ولا خفاء في أنه خلاف الظاهر والمأثور، وأيضا يلزم أن يكون كل من الفرقين الأول والثاني عشر أعظم غلظا من كل من البواقي لما سمعت من الانضمام والظاهر تساويها فيه، وأيضا يلزم خروج الماء الملاصق للبر عما الأصل فيه من غير داع إليه، ويحتمل أن يكون الماء الواقع حذاء كل من الأول والثاني عشر من جهة البر مرتفعا بمعنى ذاهبا ويكون الفرقان المذكوران متصلين بالبر باعتبار أنهما متصلان بالمسلكين الظاهرين من تحت الماء الذاهب المتصلين بالبر. ويرد عليه بعض ما ورد على سابقه وبقاء سبط من بني إسرائيل أو سبطين بلا حاجب لهم عن فرعون وجنوده من الماء.
ويحتمل أن يكونا منفصلين عن البر بأن يبقى الماء المتصل به على حاله بحرا من غير ارتفاع وحينئذ يحتمل أن تكون المسالك ثلاثة عشر باعتبار انكشاف الأرض بين الفرق الأول والبحر الباقي على حاله المتصل بالبر فيكون هذا المسلك خارج الطود الأول وانكشافها بين الفرق الثاني عشر والبحر الباقي على حالة المتصل بالبر من الجانب الآخر فيكون هذا المسلك خارج الفرق الثاني عشر، وعلى هذا الاحتمال يلزم تعطل أحد المسالك أو التزام سلوك من آمن من القبط فقط فيه، ويحتمل أن تكون المسالك اثني عشر كالفروق بأن يكون الانكشاف بين الفرق الأول والبحر الباقي على حالة المتصل بالبر من جهة فرعون وجنوده فقط أو يكون الانكشاف بين الفرق الثاني عشر والبحر الباقي على حاله من الجانب الآخر فقط، وهذا بعيد لعظم هذا القوس المنكشف جدا وطول زمان قطعه، فالظاهر وقوع
86
احتمال كون الانكشاف بين الفرق الأول والبحر الباقي على حاله من جهة فرعون، وبالجملة احتمال انفصال الفرقين الأول والأخير وكون الانكشاف بين الأول والبحر مما يلي فرعون دون الأخير والبحر مما يلي الجانب الآخر واتحاد المسالك والفروق في كون كل اثني عشر هو الأقرب للوقوع اه.
ولا يخفى أنه يلزم عليه أن لا يكون جميع المسالك في خلال الفروق فإن لم يتعين القول بكون جميعها فيه إذ ليس في الآثار أكثر من كون المسالك اثني عشر مسلكا فلا بأس به، وإن استحسنت ما تقدم عن بعض الأجلّة في المراد بالفرق فاعتبره على تقدير كون الانفلاق قوسيا أيضا، ثم إن ما ذكر من كون الخروج من جهة الدخول لم أره في غير ما ينسب إلى كليات أبي البقاء وهو أوفق بالقول برجوع موسى عليه السلام وقومه إلى مصر بعد الخروج من البحر وإغراق فرعون وجنوده فيه وتوقف ذلك على كون الانفلاق قوسيا لأنه لو كان خطيا يلزم أن يكون الرجوع في طريق الدخول وهو ظاهر البطلان لأن الأعداء في أثرهم، واحتمال أن تكون المسالك الخطية ثلاثة عشر وأن بني إسرائيل سلكوا اثني عشر منها واتبعهم فيها فرعون وجنوده وخرجوا قبل أن يصلوا إليهم ودخلوا جميعا في المسلك الثالث عشر من الجانب المخالف لجانب دخولهم متوجهين فيه إلى جانب دخولهم فلم يخرجوا حتى صار جميع أعدائهم في تلك المسالك الإثني عشر التي اتبعوهم فيها فخرجوا وغشي أعداءهم من اليم ما غشيهم لا يخفى ما فيه، والقول بالعود إلى مصر مع القول بأن الانفلاق كان خطيا يتوقف على هذا أو على الانفلاق مرة أخرى أو على العبور بالسفن أو سلوك طريق إلى مصر غير الطريق الذي سلكوه خارجين منها إلى البحر.
والظاهر أنه لم يكن شيء من ذلك، ولا بأس على ما قيل بالقول بكون الانفلاق قوسيا سواء قلنا بالرجوع إلى مصر أم لا، وما يقال عليه من أنه يلزم حينئذ أن تكون مداخل تلك المسالك ومخارجها في جانب فرعون وجنوده وذلك مما يوجب خوف بني إسرائيل من الدخول لاحتمال أن يدخل عليهم أعداؤهم من الطرف الآخر الذي هو محل الخروج فيلاقوهم في الطريق على طرف الثمام كما لا يخفى على ذوي الأفهام.
وجوز على القول بأن الانفلاق كان قوسيا أن يكون دخول موسى عليه السلام وقومه من أحد طرفي القوس ودخول فرعون وجنوده من الطرف الآخر ليلاقوا موسى عليه السلام وقومه حتى إذا كمل الجمعان دخولا رجع موسى عليه السلام وقومه القهقرى حتى إذا خرجوا جميعا أغرق الله تعالى فرعون وجنوده أو حتى إذا كمل جمع موسى عليه السلام دخولا وبان لهم أول الداخلين لملاقاتهم رجعوا القهقرى حتى إذا خرجوا جميعا وقد كمل جمع فرعون دخولا أهلك الله تعالى عدوهم فغشيه من اليم ما غشيه وهو كما ترى.
والذي ذهب إليه أهل الكتاب أن الانفلاق كان خطيا وأن المسالك اثني عشر مسلكا لكل سبط مسلك ولا تقبيب هناك وأنه قد فتحت لهم كوى ليرى القريب قريبه ويرى الرجل من سبط زوجته من سبط آخر وأنهم خرجوا من الجهة المقابلة لجهة دخولهم وتوجهوا إلى أرض الشام، وليس في كتابنا ما هو نص في تكذيبه بل في الأخبار ما يشهد بصحة بعضه، واتحاد الفروق والمسالك في العدد يحتاج إلى نقل صحيح يثبته، والآية هنا لا تدل على أكثر من تعدد الفروق والله تعالى أعلم، وحكى يعقوب عن بعض القراء أنه قرأ «كل فلق» باللام بدل الراء، قال الراغب: الفرق يقارب الفلق لكن الفلق يقال اعتبارا بالانشقاق والفرق يقال اعتبارا بالانفصال. ومنه الفرقة للجماعة المنفردة من الناس وَأَزْلَفْنا عطف على (أوحينا)، وقيل: على محذوف يقتضيه السياق والتقدير فأدخلنا بني إسرائيل فيما انفلق من البحر وأزلفنا ثَمَّ أي هنالك الْآخَرِينَ أي فرعون وجنوده أي قربناهم من قوم موسى عليه السلام حتى دخلوا
ولا يخفى أنه يلزم عليه أن لا يكون جميع المسالك في خلال الفروق فإن لم يتعين القول بكون جميعها فيه إذ ليس في الآثار أكثر من كون المسالك اثني عشر مسلكا فلا بأس به، وإن استحسنت ما تقدم عن بعض الأجلّة في المراد بالفرق فاعتبره على تقدير كون الانفلاق قوسيا أيضا، ثم إن ما ذكر من كون الخروج من جهة الدخول لم أره في غير ما ينسب إلى كليات أبي البقاء وهو أوفق بالقول برجوع موسى عليه السلام وقومه إلى مصر بعد الخروج من البحر وإغراق فرعون وجنوده فيه وتوقف ذلك على كون الانفلاق قوسيا لأنه لو كان خطيا يلزم أن يكون الرجوع في طريق الدخول وهو ظاهر البطلان لأن الأعداء في أثرهم، واحتمال أن تكون المسالك الخطية ثلاثة عشر وأن بني إسرائيل سلكوا اثني عشر منها واتبعهم فيها فرعون وجنوده وخرجوا قبل أن يصلوا إليهم ودخلوا جميعا في المسلك الثالث عشر من الجانب المخالف لجانب دخولهم متوجهين فيه إلى جانب دخولهم فلم يخرجوا حتى صار جميع أعدائهم في تلك المسالك الإثني عشر التي اتبعوهم فيها فخرجوا وغشي أعداءهم من اليم ما غشيهم لا يخفى ما فيه، والقول بالعود إلى مصر مع القول بأن الانفلاق كان خطيا يتوقف على هذا أو على الانفلاق مرة أخرى أو على العبور بالسفن أو سلوك طريق إلى مصر غير الطريق الذي سلكوه خارجين منها إلى البحر.
والظاهر أنه لم يكن شيء من ذلك، ولا بأس على ما قيل بالقول بكون الانفلاق قوسيا سواء قلنا بالرجوع إلى مصر أم لا، وما يقال عليه من أنه يلزم حينئذ أن تكون مداخل تلك المسالك ومخارجها في جانب فرعون وجنوده وذلك مما يوجب خوف بني إسرائيل من الدخول لاحتمال أن يدخل عليهم أعداؤهم من الطرف الآخر الذي هو محل الخروج فيلاقوهم في الطريق على طرف الثمام كما لا يخفى على ذوي الأفهام.
وجوز على القول بأن الانفلاق كان قوسيا أن يكون دخول موسى عليه السلام وقومه من أحد طرفي القوس ودخول فرعون وجنوده من الطرف الآخر ليلاقوا موسى عليه السلام وقومه حتى إذا كمل الجمعان دخولا رجع موسى عليه السلام وقومه القهقرى حتى إذا خرجوا جميعا أغرق الله تعالى فرعون وجنوده أو حتى إذا كمل جمع موسى عليه السلام دخولا وبان لهم أول الداخلين لملاقاتهم رجعوا القهقرى حتى إذا خرجوا جميعا وقد كمل جمع فرعون دخولا أهلك الله تعالى عدوهم فغشيه من اليم ما غشيه وهو كما ترى.
والذي ذهب إليه أهل الكتاب أن الانفلاق كان خطيا وأن المسالك اثني عشر مسلكا لكل سبط مسلك ولا تقبيب هناك وأنه قد فتحت لهم كوى ليرى القريب قريبه ويرى الرجل من سبط زوجته من سبط آخر وأنهم خرجوا من الجهة المقابلة لجهة دخولهم وتوجهوا إلى أرض الشام، وليس في كتابنا ما هو نص في تكذيبه بل في الأخبار ما يشهد بصحة بعضه، واتحاد الفروق والمسالك في العدد يحتاج إلى نقل صحيح يثبته، والآية هنا لا تدل على أكثر من تعدد الفروق والله تعالى أعلم، وحكى يعقوب عن بعض القراء أنه قرأ «كل فلق» باللام بدل الراء، قال الراغب: الفرق يقارب الفلق لكن الفلق يقال اعتبارا بالانشقاق والفرق يقال اعتبارا بالانفصال. ومنه الفرقة للجماعة المنفردة من الناس وَأَزْلَفْنا عطف على (أوحينا)، وقيل: على محذوف يقتضيه السياق والتقدير فأدخلنا بني إسرائيل فيما انفلق من البحر وأزلفنا ثَمَّ أي هنالك الْآخَرِينَ أي فرعون وجنوده أي قربناهم من قوم موسى عليه السلام حتى دخلوا
87
على أثرهم مداخلهم، وجوز أن يراد قربنا بعضهم من بعض وجمعناهم لئلا ينجو منهم أحد.
أخرج ابن عبد الحكم عن مجاهد قال: كان جبريل عليه السلام بين الناس بين بني إسرائيل وبين آل فرعون فجعل يقول لبني إسرائيل: ليلحق آخركم بأولكم ويستقبل آل فرعون فيقول: رويدكم ليلحقكم آخركم فقالت بنو إسرائيل: ما رأينا سائقا أحسن سياقا من هذا وقال آل فرعون: ما رأينا وازعا أحسن زعة من هذا
، وقرأ الحسن وأبو حيوة «وزلفنا» بدون همزة، وقرأ أبي وابن عباس وعبد الله بن الحارث «وأزلقنا» بالقاف عوض الفاء أي أزلقنا أقدامهم، والمعنى أذهبنا عزهم كقوله:
ويحتمل أن يجعل الله تعالى طريقهم في البحر على خلاف ما جعله لبني إسرائيل يبسا فيزلقهم فيه. هذا وقال صاحب اللوامح: قيل من قرأ بالقاف أراد بالآخرين فرعون وقومه ومن قرأ بالفاء أراد بهم موسى عليه السلام وأصحابه أي جمعنا شملهم وقربناهم بالنجاة. ولا يخفى أنه يبعد إرادة موسى عليه السلام وأصحابه من الآخرين قوله سبحانه:
وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ أي وأنجيناهم من الهلاك في أيدي أعدائهم ومن الغرق في البحر بحفظه على تلك الهيئة إلى أن خرجوا إلى البر، وقيل: وَمَنْ مَعَهُ للإشارة إلى أن إنجاءهم كان ببركة مصاحبة موسى عليه السلام ومتابعته، وقيل: لينتظم من آمن به عليه السلام من القبط إذ لو قيل وقومه لتبادر منه بنو إسرائيل وفيه بحث ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ فرعون وجنوده بإطباق البحر عليهم بعد خروج موسى عليه السلام ومن معه وكان له وجبة.
روي عن ابن عباس أن بني إسرائيل لما خرجوا سمعوا وجبة البحر فقالوا: ما هذا؟ فقال موسى عليه السلام: غرق فرعون وأصحابه فرجعوا ينظرون فألقاهم البحر على الساحل
: والتعبير عن فرعون وجنوده بالآخرين للتحقير، والظاهر أن ثُمَّ للتراخي الزماني، ولعل الأولى حملها على التراخي المعنوي لما بين المعطوفين من المباعدة المعنوية إِنَّ فِي ذلِكَ إشارة إلى ما ذكر من القصة، وما فيه من معنى البعد لتعظيم شأن المشار إليه وقيل: لبعد المسافة بالنظر إلى مبدأ القصة لَآيَةً أي لآية عظيمة توجب الإيمان بموسى عليه السلام وتصديقه بما جاء به، وأريد بها على ما قيل انقلاب العصا ثعبانا وخروج يده عليه السلام بيضاء للناظرين وانفلاق البحر وأفردت لاتحاد المدلول.
وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ أي أكثر قوم فرعون الذين أمر موسى عليه السلام أن يأتيهم وهم القبط على ما استظهره أبو حيان حيث لم يؤمن منهم سوى مؤمن آل فرعون. وآسية امرأة فرعون، وبعض السحرة على القول بأن بعضهم من القبط لا كلهم كما عليه أهل الكتاب وهو الذي يقتضيه ظاهر كلام بعض منا. والعجوز التي دلت موسى على قبر يوسف عليهما السلام ليلة الخروج من مصر ليحمل عظامه معه، وقيل: المراد بالآية ما كان في البحر من إنجاء موسى عليه السلام ومن معه وإغراق الآخرين، وضمير أَكْثَرُهُمْ للناس الموجودين بعد الإغراق والإنجاء من قوم فرعون الذين لم يخرجوا معه لعذر ومن بني إسرائيل، والمراد بالإيمان المنفي عنهم التصديق اليقيني الجازم الذي لا يقبل الزوال أصلا أي وما كان أكثر الناس الموجودين بعد تحقق هذه الآية العظيمة وظهورها مصدقين تصديقا يقينيا جازما لا يقبل الزوال فإن الباقين في مصر من القبط لم يؤمن أحد منهم مطلقا وأكثر بني إسرائيل كانوا غير متيقنين ولذا سألوا بقرة يعبدونها وعبدوا العجل فلا يقال لهم مؤمنون بالمعنى المذكور، ويكفي في إيمان البعض الذي يدل عليه المفهوم كون البعض المؤمن من بني إسرائيل وحيث كان المراد وما كان أكثرهم بعد تحقق آيتي الإغراق والإنجاء وظهورهما مؤمنين لا يصح جعل الضمير للقبط إلا ببيان الأقل المؤمن والأكثر الكافر منهم بعد تحقق الآيتين، وما ذكر في بيان الأقل المؤمن منهم ليس كذلك إذ إيمان من ذكر
كان في ابتداء الرسالة على أن العجوز من بني إسرائيل كما
أخرج ابن عبد الحكم عن مجاهد قال: كان جبريل عليه السلام بين الناس بين بني إسرائيل وبين آل فرعون فجعل يقول لبني إسرائيل: ليلحق آخركم بأولكم ويستقبل آل فرعون فيقول: رويدكم ليلحقكم آخركم فقالت بنو إسرائيل: ما رأينا سائقا أحسن سياقا من هذا وقال آل فرعون: ما رأينا وازعا أحسن زعة من هذا
، وقرأ الحسن وأبو حيوة «وزلفنا» بدون همزة، وقرأ أبي وابن عباس وعبد الله بن الحارث «وأزلقنا» بالقاف عوض الفاء أي أزلقنا أقدامهم، والمعنى أذهبنا عزهم كقوله:
تداركتما عبسا وقد ثل عرشها | وذبيان إذ زلت بأقدامها النعل |
وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ أي وأنجيناهم من الهلاك في أيدي أعدائهم ومن الغرق في البحر بحفظه على تلك الهيئة إلى أن خرجوا إلى البر، وقيل: وَمَنْ مَعَهُ للإشارة إلى أن إنجاءهم كان ببركة مصاحبة موسى عليه السلام ومتابعته، وقيل: لينتظم من آمن به عليه السلام من القبط إذ لو قيل وقومه لتبادر منه بنو إسرائيل وفيه بحث ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ فرعون وجنوده بإطباق البحر عليهم بعد خروج موسى عليه السلام ومن معه وكان له وجبة.
روي عن ابن عباس أن بني إسرائيل لما خرجوا سمعوا وجبة البحر فقالوا: ما هذا؟ فقال موسى عليه السلام: غرق فرعون وأصحابه فرجعوا ينظرون فألقاهم البحر على الساحل
: والتعبير عن فرعون وجنوده بالآخرين للتحقير، والظاهر أن ثُمَّ للتراخي الزماني، ولعل الأولى حملها على التراخي المعنوي لما بين المعطوفين من المباعدة المعنوية إِنَّ فِي ذلِكَ إشارة إلى ما ذكر من القصة، وما فيه من معنى البعد لتعظيم شأن المشار إليه وقيل: لبعد المسافة بالنظر إلى مبدأ القصة لَآيَةً أي لآية عظيمة توجب الإيمان بموسى عليه السلام وتصديقه بما جاء به، وأريد بها على ما قيل انقلاب العصا ثعبانا وخروج يده عليه السلام بيضاء للناظرين وانفلاق البحر وأفردت لاتحاد المدلول.
وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ أي أكثر قوم فرعون الذين أمر موسى عليه السلام أن يأتيهم وهم القبط على ما استظهره أبو حيان حيث لم يؤمن منهم سوى مؤمن آل فرعون. وآسية امرأة فرعون، وبعض السحرة على القول بأن بعضهم من القبط لا كلهم كما عليه أهل الكتاب وهو الذي يقتضيه ظاهر كلام بعض منا. والعجوز التي دلت موسى على قبر يوسف عليهما السلام ليلة الخروج من مصر ليحمل عظامه معه، وقيل: المراد بالآية ما كان في البحر من إنجاء موسى عليه السلام ومن معه وإغراق الآخرين، وضمير أَكْثَرُهُمْ للناس الموجودين بعد الإغراق والإنجاء من قوم فرعون الذين لم يخرجوا معه لعذر ومن بني إسرائيل، والمراد بالإيمان المنفي عنهم التصديق اليقيني الجازم الذي لا يقبل الزوال أصلا أي وما كان أكثر الناس الموجودين بعد تحقق هذه الآية العظيمة وظهورها مصدقين تصديقا يقينيا جازما لا يقبل الزوال فإن الباقين في مصر من القبط لم يؤمن أحد منهم مطلقا وأكثر بني إسرائيل كانوا غير متيقنين ولذا سألوا بقرة يعبدونها وعبدوا العجل فلا يقال لهم مؤمنون بالمعنى المذكور، ويكفي في إيمان البعض الذي يدل عليه المفهوم كون البعض المؤمن من بني إسرائيل وحيث كان المراد وما كان أكثرهم بعد تحقق آيتي الإغراق والإنجاء وظهورهما مؤمنين لا يصح جعل الضمير للقبط إلا ببيان الأقل المؤمن والأكثر الكافر منهم بعد تحقق الآيتين، وما ذكر في بيان الأقل المؤمن منهم ليس كذلك إذ إيمان من ذكر
كان في ابتداء الرسالة على أن العجوز من بني إسرائيل كما
88
جاء في حديث أخرجه الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي موسى مرفوعا بل أخرج ابن عبد الحكم من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (١)
أنها شارح ابنة أشير بن يعقوب عليه السلام فهي بنت أخي يوسف عليه السلام فتكون أقرب من موسى عليه السلام إلى إسرائيل.
وأجيب بأن من يرجع الضمير على القبط لا يلزمه أن يفسر الآية بالإغراق والإنجاء بل يقول: المراد بها المعجزات من العصا واليد وانفلاق البحر ويقول: إن إيمان الأقل بعد تحقق بعضها كاف لاتحاد مدلولها في تحقق المفهوم، وأما إرجاع الضمير على الناس الموجودين بعد الإغراق والإنجاء من بني إسرائيل وقوم فرعون الذين لم يخرجوا معه فخلاف الظاهر وكذا حمل الإيمان على ما ذكر وجعل أكثر بني إسرائيل المخصوصين بالإنجاء غير مؤمنين وإن حصل منهم عند وقوع بعض الآيات ما لا ينبغي صدوره من المؤمنين فإنهم لم يستمروا عليه.
فقد أخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن أبي الدرداء جعل النبي صلّى الله عليه وسلّم يصفق بيديه ويعجب من بني إسرائيل وتعنتهم لما حضروا البحر وحضر عدوهم جاؤوا موسى عليه السلام فقالوا: قد حضرنا العدو فماذا أمرت قال: إن أنزل هاهنا فإما أن يفتح لي ربي ويهزمهم وإما أن يفرق لي هذا البحر فانطلق نفر منهم حتى وقعوا في البحر فأوحى الله تعالى إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فضربه فتأطط كما يتأطط العرش ثم ضربه الثانية فمثل ذلك ثم ضربه الثالثة فانصدع فقالوا هذا عن غير سلطان موسى فجازوا البحر فلم يسمع بقوم أعظم ذنبا ولا أسرع توبة منهم.
ومتى حمل الإيمان على ما ذكر وصح نفي الإيمان عمن صدر منه ما يدل على عدم رسوخه جاز إرجاع الضمير على بني إسرائيل خاصة فإن أكثرهم لم يكونوا راسخين فيه. وظاهر عبارة بعضهم يوهم إرجاعه إليهم وليس ذاك بشيء، وقد سلك شيخ الإسلام في تفسير الآية مسلكا تفرد في سلوكه فيما أظن فقال: إن في ذلك أي في جميع ما فصل مما صدر عن موسى عليه السلام وظهر على يديه من المعجزات القاهرة ومما فعل فرعون وقومه من الأقوال والأفعال وما فعل بهم من العذاب والنكال لآية أي آية وآية عظيمة لا تكاد توصف موجبة لأن يعتبر بها المعتبرون ويقيسوا شأن النبي صلّى الله عليه وسلّم بشأن موسى عليه السلام وحال أنفسهم بحال أولئك المهلكين ويجتنبوا تعاطي ما كانوا يتعاطونه من الكفر والمعاصي ومخالفة الرسول ويؤمنوا بالله تعالى ويطيعوا رسوله صلّى الله عليه وسلّم كيلا يحل بهم ما حل بأولئك أو إن فيما فصل في القصة من حيث حكايته عليه السلام إياها على ما هي عليه من غير أن يسمعها من أحد لآية عظيمة دالة على أن ذلك بطريق الوحي الصادق موجبة للإيمان بالله تعالى وحده وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وما كان أكثرهم أي أكثر هؤلاء الذين سمعوا قصتهم منه عليه الصلاة والسلام مؤمنين لا بأن يقيسوا شأنه صلّى الله عليه وسلّم بشأن موسى عليه السلام وحال أنفسهم بحال أولئك المكذبين المهلكين ولا بأن يتدبروا في حكايته عليه الصلاة والسلام لقصتهم من غير أن يسمعها من أحد مع كون كل من الطريقين مما يؤدي إلى الإيمان قطعا، ومعنى ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ما أكثرهم مؤمنين على أن كانَ زائدة كما هو رأي سيبويه فيكون كقوله تعالى: وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:
١٠٣] وهو إخبار منه تعالى بما سيكون من المشركين بعد سماع الآيات الناطقة بالقصة تقريرا لما مر من قوله تعالى:
ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ فَقَدْ كَذَّبُوا [الشعراء: ٥] إلخ، وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على استقرارهم على عدم الإيمان واستمرارهم عليه.
ويجوز أن تجعل كانَ بمعنى صار كما في قوله تعالى: وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ [البقرة: ٣٤، ص: ٧٤]
أنها شارح ابنة أشير بن يعقوب عليه السلام فهي بنت أخي يوسف عليه السلام فتكون أقرب من موسى عليه السلام إلى إسرائيل.
وأجيب بأن من يرجع الضمير على القبط لا يلزمه أن يفسر الآية بالإغراق والإنجاء بل يقول: المراد بها المعجزات من العصا واليد وانفلاق البحر ويقول: إن إيمان الأقل بعد تحقق بعضها كاف لاتحاد مدلولها في تحقق المفهوم، وأما إرجاع الضمير على الناس الموجودين بعد الإغراق والإنجاء من بني إسرائيل وقوم فرعون الذين لم يخرجوا معه فخلاف الظاهر وكذا حمل الإيمان على ما ذكر وجعل أكثر بني إسرائيل المخصوصين بالإنجاء غير مؤمنين وإن حصل منهم عند وقوع بعض الآيات ما لا ينبغي صدوره من المؤمنين فإنهم لم يستمروا عليه.
فقد أخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن أبي الدرداء جعل النبي صلّى الله عليه وسلّم يصفق بيديه ويعجب من بني إسرائيل وتعنتهم لما حضروا البحر وحضر عدوهم جاؤوا موسى عليه السلام فقالوا: قد حضرنا العدو فماذا أمرت قال: إن أنزل هاهنا فإما أن يفتح لي ربي ويهزمهم وإما أن يفرق لي هذا البحر فانطلق نفر منهم حتى وقعوا في البحر فأوحى الله تعالى إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فضربه فتأطط كما يتأطط العرش ثم ضربه الثانية فمثل ذلك ثم ضربه الثالثة فانصدع فقالوا هذا عن غير سلطان موسى فجازوا البحر فلم يسمع بقوم أعظم ذنبا ولا أسرع توبة منهم.
ومتى حمل الإيمان على ما ذكر وصح نفي الإيمان عمن صدر منه ما يدل على عدم رسوخه جاز إرجاع الضمير على بني إسرائيل خاصة فإن أكثرهم لم يكونوا راسخين فيه. وظاهر عبارة بعضهم يوهم إرجاعه إليهم وليس ذاك بشيء، وقد سلك شيخ الإسلام في تفسير الآية مسلكا تفرد في سلوكه فيما أظن فقال: إن في ذلك أي في جميع ما فصل مما صدر عن موسى عليه السلام وظهر على يديه من المعجزات القاهرة ومما فعل فرعون وقومه من الأقوال والأفعال وما فعل بهم من العذاب والنكال لآية أي آية وآية عظيمة لا تكاد توصف موجبة لأن يعتبر بها المعتبرون ويقيسوا شأن النبي صلّى الله عليه وسلّم بشأن موسى عليه السلام وحال أنفسهم بحال أولئك المهلكين ويجتنبوا تعاطي ما كانوا يتعاطونه من الكفر والمعاصي ومخالفة الرسول ويؤمنوا بالله تعالى ويطيعوا رسوله صلّى الله عليه وسلّم كيلا يحل بهم ما حل بأولئك أو إن فيما فصل في القصة من حيث حكايته عليه السلام إياها على ما هي عليه من غير أن يسمعها من أحد لآية عظيمة دالة على أن ذلك بطريق الوحي الصادق موجبة للإيمان بالله تعالى وحده وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وما كان أكثرهم أي أكثر هؤلاء الذين سمعوا قصتهم منه عليه الصلاة والسلام مؤمنين لا بأن يقيسوا شأنه صلّى الله عليه وسلّم بشأن موسى عليه السلام وحال أنفسهم بحال أولئك المكذبين المهلكين ولا بأن يتدبروا في حكايته عليه الصلاة والسلام لقصتهم من غير أن يسمعها من أحد مع كون كل من الطريقين مما يؤدي إلى الإيمان قطعا، ومعنى ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ما أكثرهم مؤمنين على أن كانَ زائدة كما هو رأي سيبويه فيكون كقوله تعالى: وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:
١٠٣] وهو إخبار منه تعالى بما سيكون من المشركين بعد سماع الآيات الناطقة بالقصة تقريرا لما مر من قوله تعالى:
ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ فَقَدْ كَذَّبُوا [الشعراء: ٥] إلخ، وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على استقرارهم على عدم الإيمان واستمرارهم عليه.
ويجوز أن تجعل كانَ بمعنى صار كما في قوله تعالى: وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ [البقرة: ٣٤، ص: ٧٤]
(١) وذكر بعضهم أن اسم هذه العجوز مريم بنت ياموشا اهـ منه.
89
فالمعنى وما صار أكثرهم مؤمنين مع ما سمعوا من الآية العظيمة الموجبة للإيمان بما ذكر من الطريقين فيكون الإخبار بعدم الصيرورة قبل الحدوث للدلالة على كمال تحققه وتقرره كقوله تعالى: أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ [النحل: ١] وادعى إن هذا التفسير هو الذي تقتضيه جزالة النظم الكريم من مطلع السورة الكريمة إلى آخر القصص السبع بل إلى آخر السورة الكريمة اقتضاء بينا. ثم قال: وأما ما قيل من أن ضمير أَكْثَرُهُمْ لأهل عصر فرعون من القبط وغيرهم وأن المعنى وما كان أكثر أهل مصر مؤمنين حيث لم يؤمن منهم إلا آسية ومؤمن آل فرعون والعجوز التي دلت على قبر يوسف عليه السلام وبنو إسرائيل بعد ما نجوا سألوا بقرة يعبدونها واتخذوا العجل وقالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة: ٥٥] فبمعزل عن التحقيق كيف لا ومساق كل قصة من القصص الواردة في السورة الكريمة سوى قصة إبراهيم عليه السلام إنما هو لبيان حال طائفة معينة قد عتوا عن أمر ربهم وعصوا رسله كما يفصح عنه تصدير القصص بتكذيبهم المرسلين بعد ما شاهدا ما بأيديهم من الآيات العظام ما يوجب عليهم الإيمان ويزجرهم عن الكفر والعصيان وأصروا على ما هم عليه من التكذيب فعاقبهم الله تعالى لذلك بالعقوبة الدنيوية وقطع دابرهم بالكلية فكيف يمكن أن يخبر عنهم بعدم إيمان أكثرهم لا سيما بعد الإخبار بهلاكهم وعد المؤمنين من جملتهم أولا وإخراجهم منها آخرا مع عدم مشاركتهم لهم في شيء مما حكى عنهم من الجنايات أصلا مما يجب تنزيه التنزيل عن أمثاله. ورجوع ضمير أَكْثَرُهُمْ في قصة إبراهيم عليه السلام إلى قومه مما لا سبيل إليه أيضا أصلا لظهور أنهم ما ازدادوا بما سمعوه منه إلا طغيانا وكفرا حتى اجترءوا على تلك العظيمة التي فعلوها به فكيف يعبر عنهم بعدم إيمان أكثرهم وإنما آمن له لوط فنجاهما الله تعالى إلى الشام فتدبر اه.
وتعقب بأن فيها محذورا من عدة أوجه. أما أولا فلأن حمل كان على الصلة مع ظهور الوجه الصحيح غير صحيح وقد لزم هنا بعد هذا حمل الجملة الاسمية باعتبار الاستمرار على أنهم لا يكونون بعد نزول هذه الآية مؤمنين.
وإن جعل بمعنى صار يلزم جعله مضارعا لكن عدل عنه للدلالة على كمال التحقق. وهذا أيضا مع إمكان المعنى العاري عن الاحتياج لذلك غير مناسب، وأما ثانيا فلأن إرجاع ضمير أَكْثَرُهُمْ إلى قوم نبينا صلّى الله عليه وسلّم صرف عن مرجعه المتقدم المذكور لفظا سيما في القصص الآتية المصدرة بكذبت، وأما ثالثا فلأن قوله: لا بأن يقيسوا شأنه عليه الصلاة والسلام بشأن موسى عليه السلام إلخ لا يخلو عن صعوبة إذ الأمر المشترك بينهما عليهما الصلاة والسلام ليس إلا أن كلا منهما نبي مؤيد بالمعجزات مطلقا وأما إن نظر إلى خصوصيات المعجزات فلا يخفى أنه لا مشاركة بينهما. وكذا قياس حالهم على حال فرعون وقومه لا يخلو عنها على هذا القياس وأما رابعا فلأن قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً إلخ قد ذكر على هذا النسق في سبعة مواضع ولا بد من تنسيق تفسيره على نظام واحد فيها مهما أمكن. ومن جملة ذلك ما في قصة نبي الله تعالى لوط عليه السلام وقد ذكر فيها من حال قومه فعلهم الشنيع المعهود ثم إهلاك جميعهم. وما في قصة نبي الله تعالى شعيب عليه السلام وقد ذكر فيها من حال أصحاب الأيكة عملهم المتعلق بالكيل والوزن ثم إهلاك جميعهم من غير تصريح بحيثية كفر كل قوم فلا يناسب فيهما أن يقال: إن في ذلك لآية موجبة لإيمان قريش بأن يقيسوا حال أنفسهم بحال أولئك المهلكين ويجتنبوا تعاطي ما كانوا يتعاطون من المعاصي هذا على الطريق الأول وأما الطريق الثاني ففيه أيضا عدة محذورات.
أما أولا وثانيا فلما ذكر أولا وثانيا، وأما ثالثا فلأن كلا من كلتا القصتين ذكر هنا على وجه الإجمال وذكر مفصلا في سورة أخرى وكل منهما ذكر محدث بحسب نزوله فلا وجاهة في أن يقال: وما أكثرهم مؤمنين بك بأن يتدبروا في حكايتك لقصتهم من غير أن تسمعها من أحد بناء على أنهم قد سمعوها منه عليه الصلاة والسلام مفصلة
وتعقب بأن فيها محذورا من عدة أوجه. أما أولا فلأن حمل كان على الصلة مع ظهور الوجه الصحيح غير صحيح وقد لزم هنا بعد هذا حمل الجملة الاسمية باعتبار الاستمرار على أنهم لا يكونون بعد نزول هذه الآية مؤمنين.
وإن جعل بمعنى صار يلزم جعله مضارعا لكن عدل عنه للدلالة على كمال التحقق. وهذا أيضا مع إمكان المعنى العاري عن الاحتياج لذلك غير مناسب، وأما ثانيا فلأن إرجاع ضمير أَكْثَرُهُمْ إلى قوم نبينا صلّى الله عليه وسلّم صرف عن مرجعه المتقدم المذكور لفظا سيما في القصص الآتية المصدرة بكذبت، وأما ثالثا فلأن قوله: لا بأن يقيسوا شأنه عليه الصلاة والسلام بشأن موسى عليه السلام إلخ لا يخلو عن صعوبة إذ الأمر المشترك بينهما عليهما الصلاة والسلام ليس إلا أن كلا منهما نبي مؤيد بالمعجزات مطلقا وأما إن نظر إلى خصوصيات المعجزات فلا يخفى أنه لا مشاركة بينهما. وكذا قياس حالهم على حال فرعون وقومه لا يخلو عنها على هذا القياس وأما رابعا فلأن قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً إلخ قد ذكر على هذا النسق في سبعة مواضع ولا بد من تنسيق تفسيره على نظام واحد فيها مهما أمكن. ومن جملة ذلك ما في قصة نبي الله تعالى لوط عليه السلام وقد ذكر فيها من حال قومه فعلهم الشنيع المعهود ثم إهلاك جميعهم. وما في قصة نبي الله تعالى شعيب عليه السلام وقد ذكر فيها من حال أصحاب الأيكة عملهم المتعلق بالكيل والوزن ثم إهلاك جميعهم من غير تصريح بحيثية كفر كل قوم فلا يناسب فيهما أن يقال: إن في ذلك لآية موجبة لإيمان قريش بأن يقيسوا حال أنفسهم بحال أولئك المهلكين ويجتنبوا تعاطي ما كانوا يتعاطون من المعاصي هذا على الطريق الأول وأما الطريق الثاني ففيه أيضا عدة محذورات.
أما أولا وثانيا فلما ذكر أولا وثانيا، وأما ثالثا فلأن كلا من كلتا القصتين ذكر هنا على وجه الإجمال وذكر مفصلا في سورة أخرى وكل منهما ذكر محدث بحسب نزوله فلا وجاهة في أن يقال: وما أكثرهم مؤمنين بك بأن يتدبروا في حكايتك لقصتهم من غير أن تسمعها من أحد بناء على أنهم قد سمعوها منه عليه الصلاة والسلام مفصلة
90
قبل نزول هذه الآية مع أن كون حكايته صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك من غير أن يسمعه من أحد مما يؤدي إلى إيمانهم قطعا محل تردد، وأما رابعا فلأن آخر هذه القصة قوله تعالى: وَأَنْجَيْنا. ثُمَّ أَغْرَقْنَا وكذا آخر قصة لوط عليه السلام قوله تعالى: فَنَجَّيْناهُ [الشعراء: ١٧٠] ثُمَّ دَمَّرْنَا [الشعراء: ١٧٢] وأَمْطَرْنا [الشعراء:
١٧٣] فالمتبادر أن تكون الإشارة إلى نفس المحكي المشتمل على الأفعال العجيبة الإلهية لا إلى حكايتها. وأما ما قاله في تزييف ما قيل فليس بشيء أيضا لأن نسبة التكذيب إلى كل قوم من الأقوام الذين نسب إليهم إنما هي باعتبار الأكثر كما يرشد إليه قوله تعالى في قصة قوم نوح عليه السلام حكاية عنهم بعد أن قال سبحانه: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: ١٠٥] قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ [الشعراء: ١١١] وقوله عز وجل بعد ذلك حكاية عن نوح عليه السلام ما قال في جوابهم وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: ١١٤] فيكون ضمير أَكْثَرُهُمْ راجعا إلى القوم غير ملاحظ فيهم ذلك. ومثله كثير في الكلام ويراد بالأكثر في المواضع السبعة جمع موصوفون بزيادة الكثرة سواء كان البعض المؤمن واحدا أو أكثر فلا يرد أنه كيف يعبر عن قوم إبراهيم عليه السلام بعدم إيمان أكثرهم وإنما آمن له لوط عليه السلام فتأمل انتهى، ولا يخفى ما فيه من الغث والسمين.
وأنا أختار كما اختار شيخ الإسلام رجوع الضمير إلى قوم نبينا عليه الصلاة والسلام وأول السورة الكريمة وآخرها في الحديث عنهم وتسليته صلّى الله عليه وسلّم عما قالوه في شأن كتابه الأكرم ونهيه صريحا وإشارة عن أن يذهب بنفسه الشريفة عليهم حسرات وكل ذلك يقتضي اقتضاء لا ريب فيه رجوع الضمير إلى قومه عليه الصلاة والسلام ويهون أمر عدم رجوعه إلى الأقرب لفظا ويكون الارتباط على هذا بين الآيات أقوى.
وأختار أن الإشارة إلى ما تضمنته القصة وأن المعنى أن فيما تضمنته هذه القصة لآية عظيمة دالة على ما يجب على قومك الإيمان به من شؤونه عز وجل وما كان أكثرهم مؤمنين بذلك وكذا يقال في جميع ما يأتي إن شاء الله تعالى وكل ذلك على نمط ما تقدم. وكذا الكلام في كانَ وما يتعلق بالجملة.
والكلام في قوله تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كالكلام فيما تقدم أيضا، ولعل تخريج ما ذكر على هذا الوجه أحسن من تخريج شيخ الإسلام فتأمل والله تعالى أعلم بحقائق ما أنزل من الكلام.
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ عطف على المضمر العامل في إِذْ نادى إلخ أي اذكر ذلك لقومك واتل عليهم نَبَأَ إِبْراهِيمَ أي خبره العظيم الشأن حسبما أوحى إليك ليتأكد عندك لعدم تأثرهم بما فيه العلم بشدة عنادهم. وتغيير الأسلوب لمزيد الاعتناء بأمر هذه القصة لأن عدم الإيمان بعد وقوفهم على ما تضمنته أقوى دليل على شدة شكيمتهم لما أن إبراهيم عليه السلام جدهم الذي يفتخرون بالانتساب إليه والتأسي به عليه السلام إِذْ قالَ منصوب على الظرفية لنبأ على ما ذهب إليه أبو البقاء أي نبأه وقت قوله لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ أو على المفعولية لأتل على أنه بدل من نبأ على ما يقتضيه كلام الحوفي أي اتل عليهم وقت قوله لهم ما تَعْبُدُونَ على أن المتلو ما قاله عليه السلام لهم في ذلك الوقت. وضمير قَوْمِهِ عائد على إبراهيم، وقيل: عائد على أبيه ليوافق قوله تعالى: إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الأنعام: ٧٤] ويلزم عليه التفكيك.
وسألهم عليه السلام عما يعبدون ليبني على جوابهم أن ما يعبدونه بمعزل عن استحقاق العبادة بالكلية لا للاستعلام إذ ذلك معلوم مشاهد له عليه السلام قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ لم يقتصروا على الجواب الكافي بأن يقولوا أصناما كما في قوله تعالى: ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً [النحل: ٣٠] ويَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ
١٧٣] فالمتبادر أن تكون الإشارة إلى نفس المحكي المشتمل على الأفعال العجيبة الإلهية لا إلى حكايتها. وأما ما قاله في تزييف ما قيل فليس بشيء أيضا لأن نسبة التكذيب إلى كل قوم من الأقوام الذين نسب إليهم إنما هي باعتبار الأكثر كما يرشد إليه قوله تعالى في قصة قوم نوح عليه السلام حكاية عنهم بعد أن قال سبحانه: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: ١٠٥] قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ [الشعراء: ١١١] وقوله عز وجل بعد ذلك حكاية عن نوح عليه السلام ما قال في جوابهم وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: ١١٤] فيكون ضمير أَكْثَرُهُمْ راجعا إلى القوم غير ملاحظ فيهم ذلك. ومثله كثير في الكلام ويراد بالأكثر في المواضع السبعة جمع موصوفون بزيادة الكثرة سواء كان البعض المؤمن واحدا أو أكثر فلا يرد أنه كيف يعبر عن قوم إبراهيم عليه السلام بعدم إيمان أكثرهم وإنما آمن له لوط عليه السلام فتأمل انتهى، ولا يخفى ما فيه من الغث والسمين.
وأنا أختار كما اختار شيخ الإسلام رجوع الضمير إلى قوم نبينا عليه الصلاة والسلام وأول السورة الكريمة وآخرها في الحديث عنهم وتسليته صلّى الله عليه وسلّم عما قالوه في شأن كتابه الأكرم ونهيه صريحا وإشارة عن أن يذهب بنفسه الشريفة عليهم حسرات وكل ذلك يقتضي اقتضاء لا ريب فيه رجوع الضمير إلى قومه عليه الصلاة والسلام ويهون أمر عدم رجوعه إلى الأقرب لفظا ويكون الارتباط على هذا بين الآيات أقوى.
وأختار أن الإشارة إلى ما تضمنته القصة وأن المعنى أن فيما تضمنته هذه القصة لآية عظيمة دالة على ما يجب على قومك الإيمان به من شؤونه عز وجل وما كان أكثرهم مؤمنين بذلك وكذا يقال في جميع ما يأتي إن شاء الله تعالى وكل ذلك على نمط ما تقدم. وكذا الكلام في كانَ وما يتعلق بالجملة.
والكلام في قوله تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كالكلام فيما تقدم أيضا، ولعل تخريج ما ذكر على هذا الوجه أحسن من تخريج شيخ الإسلام فتأمل والله تعالى أعلم بحقائق ما أنزل من الكلام.
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ عطف على المضمر العامل في إِذْ نادى إلخ أي اذكر ذلك لقومك واتل عليهم نَبَأَ إِبْراهِيمَ أي خبره العظيم الشأن حسبما أوحى إليك ليتأكد عندك لعدم تأثرهم بما فيه العلم بشدة عنادهم. وتغيير الأسلوب لمزيد الاعتناء بأمر هذه القصة لأن عدم الإيمان بعد وقوفهم على ما تضمنته أقوى دليل على شدة شكيمتهم لما أن إبراهيم عليه السلام جدهم الذي يفتخرون بالانتساب إليه والتأسي به عليه السلام إِذْ قالَ منصوب على الظرفية لنبأ على ما ذهب إليه أبو البقاء أي نبأه وقت قوله لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ أو على المفعولية لأتل على أنه بدل من نبأ على ما يقتضيه كلام الحوفي أي اتل عليهم وقت قوله لهم ما تَعْبُدُونَ على أن المتلو ما قاله عليه السلام لهم في ذلك الوقت. وضمير قَوْمِهِ عائد على إبراهيم، وقيل: عائد على أبيه ليوافق قوله تعالى: إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الأنعام: ٧٤] ويلزم عليه التفكيك.
وسألهم عليه السلام عما يعبدون ليبني على جوابهم أن ما يعبدونه بمعزل عن استحقاق العبادة بالكلية لا للاستعلام إذ ذلك معلوم مشاهد له عليه السلام قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ لم يقتصروا على الجواب الكافي بأن يقولوا أصناما كما في قوله تعالى: ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً [النحل: ٣٠] ويَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ
91
ﯕﯖﯗﯘﯙ
ﱊ
ﯛﯜﯝ
ﱋ
ﯟﯠﯡﯢﯣﯤ
ﱌ
ﯦﯧﯨﯩ
ﱍ
ﯫﯬﯭﯮ
ﱎ
ﯰﯱﯲﯳ
ﱏ
ﯵﯶﯷﯸ
ﱐ
ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ
ﱑ
ﰃﰄﰅﰆﰇﰈ
ﱒ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ
ﱓ
ﭘﭙﭚﭛﭜ
ﱔ
ﭞﭟﭠﭡﭢﭣ
ﱕ
ﭥﭦﭧﭨ
ﱖ
ﭪﭫﭬﭭﭮﭯ
ﱗ
ﭱﭲﭳﭴﭵﭶ
ﱘ
ﭸﭹﭺ
ﱙ
ﭼﭽﭾ
ﱚ
ﮀﮁﮂﮃﮄﮅ
ﱛ
ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ
ﱜ
ﮏﮐﮑﮒ
ﱝ
ﮔﮕﮖ
ﱞ
ﮘﮙﮚﮛ
ﱟ
ﮝﮞﮟﮠﮡﮢ
ﱠ
ﮤﮥﮦﮧ
ﱡ
ﮩﮪﮫﮬ
ﱢ
ﮮﮯﮰﮱ
ﱣ
ﯔﯕﯖ
ﱤ
ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ
ﱥ
ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ
ﱦ
ﯪﯫﯬﯭﯮ
ﱧ
ﯰﯱﯲﯳ
ﱨ
ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ
ﱩ
ﯽﯾﯿﰀ
ﱪ
ﰂﰃﰄ
ﱫ
ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑ
ﱬ
ﰓﰔﰕ
ﱭ
ﰗﰘﰙﰚﰛﰜ
ﱮ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ
ﱯ
ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ
ﱰ
ﭡﭢﭣﭤ
ﱱ
ﭦﭧﭨﭩﭪ
ﱲ
ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ
ﱳ
ﭵﭶﭷﭸﭹ
ﱴ
ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ
ﱵ
ﮅﮆﮇﮈﮉﮊ
ﱶ
ﮌﮍﮎﮏ
ﱷ
ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ
ﱸ
ﮛﮜﮝﮞﮟ
ﱹ
ﮡﮢﮣ
ﱺ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ
ﱻ
ﮭﮮﮯﮰ
ﱼ
ﯓﯔﯕ
ﱽ
ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ
ﱾ
ﯤﯥﯦﯧﯨ
ﱿ
ﯪﯫﯬﯭ
ﲀ
ﯯﯰﯱﯲ
ﲁ
ﯴﯵﯶ
ﲂ
ﯸﯹﯺﯻﯼ
ﲃ
ﯾﯿﰀ
ﲄ
ﰂﰃ
ﲅ
ﰅﰆﰇﰈﰉﰊ
ﲆ
ﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔ
ﲇ
ﭑﭒﭓﭔﭕ
ﲈ
ﭗﭘﭙ
ﲉ
ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ
ﲊ
ﭨﭩﭪﭫﭬ
ﲋ
ﭮﭯﭰ
ﲌ
قُلِ الْعَفْوَ
[البقرة: ٢١٩] إلى غير ذلك بل أطنبوا فيه بإظهار الفعل وعطف دوام عكوفهم على أصنامهم مع أنه لم يسأل عنه قصدا إلى إبراز ما في نفوسهم الخبيثة من الابتهاج والافتخار بذلك. وهو على ما في الكشف من الأسلوب الأحمق، والمراد بالظلول الدوام كما في قولهم: لو ظل الظلم هلك الناس. وتكون ظل على هذا تامة. وقد قال بمجيئها كذلك ابن مالك وأنكره بعض النحاة، وقيل: فعل الشيء نهارا فقد كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل فتكون ظل على هذا ناقصة دالة على ثبوت خبرها لاسمها في النهار.
واختار بعض الأجلة الأول لتبادر الدوام وكونه أبلغ مناسبا لمقام الابتهاج والافتخار، واختار الزمخشري الثاني لأنه أصل المعنى وهو مناسب للمقام أيضا لأنه يدل على إعلانهم الفعل لافتخارهم به. وعاكِفِينَ على الأول حال وعلى الثاني خبر والجار متعلق به. وإيراد اللام دون على لإفادة معنى زائد كأنهم قالوا: نظل لأجلها مقبلين على عبادتها أو مستديرين حولها. وهذا أيضا على ما قيل من جملة إطنابهم قالَ استئناف مبني على سؤال نشأ من تفصيل جوابهم هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ دخل فعل السماع على غير مسموع، ومذهب الفارسي أنه حينئذ يتعدى إلى اثنين ولا بد أن يكون الثاني مما يدل على صوت فالكاف هنا عنده مفعول أول والمفعول الثاني محذوف والتقدير هل يسمعونكم تدعون وحذف لدلالة قوله تعالى: إِذْ تَدْعُونَ عليه. ومذهب غيره أنه حينئذ متعد إلى واحد، وإذا وقعت بعده جملة ملفوظة أو مقدرة فهي في موضع الحال منه إن كان معرفة وفي موضع الصفة له إن كان نكرة.
وجوز فيها البدلية أيضا. وإذا دخل على مسموع تعدى إلى واحد اتفاقا، ويجوز أن يكون ما هنا داخلا على ذلك على أن التقدير هل يسمعون دعاءكم فحذف المضاف لدلالة إِذْ تَدْعُونَ أيضا عليه، وقيل: السماع هنا بمعنى الإجابة كما في
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم إني أعوذ بك من دعاء لا يسمع»
ومنه قوله عز وجل: إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ [آل عمران: ٣٨] أي هل يجيبونكم وحينئذ لا نزاع في أنه متعد لواحد ولا يحتاج إلى تقدير مضاف. والأولى إبقاؤه على ظاهر معناه فإنه أنسب بالمقام، نعم ربما يقال: إن ما قيل أوفق بقراءة قتادة ويحيى بن يعمر «يسمعونكم» بضم الياء وكسر الميم من أسمع والمفعول الثاني محذوف تقديره الجواب. وإِذْ ظرف لما مضى وجيء بالمضارع لاستحضار الحال الماضية وحكايتها. وأما كون هل تخلص المضارع لاستقبال فلا يضر هنا لأن المعتبر زمان الحكم لا زمان التكلم وهو هنا كذلك لأن السماع بعد الدعاء، وقال أبو حيان: لا بد من التجوز في إِذْ بأن تجعل بمعنى إذا أو التجوز في المضارع بأن يجعل بمعنى الماضي. واعتبار الاستحضار أبلغ في التبكيت وقرىء بإدغام ذال إِذْ في تاء تَدْعُونَ وذلك بقلبها تاء وإدغامها في التاء.
أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ بسبب عبادتكم لهم أَوْ يَضُرُّونَ أي يضرونكم بترككم لعبادتهم إذ لا بد للعبادة لا سيما عند كونها على ما وصفتم من المبالغة فيها من جلب نفع أو دفع ضر. وترك المفعول للفاصلة. ويدل عليه ما قبله، وقيل: المراد أو يضرون من أعرض عن عبادتهم كائنا من كان وهو خلاف الظاهر الذي يقتضيه العطف.
قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ أضربوا عن أن يكون لهم سمع أو نفع أو ضر اعترافا بما لا سبيل لهم إلى إنكاره واضطروا إلى إظهار أن لا سند لهم سوى التقليد فكأنهم قالوا لا يسمعون ولا ينفعوننا ولا يضرون وإنما وجدنا آباءنا يفعلون مثل فعلنا ويعبدونهم مثل عبادتنا فاقتدينا بهم. وتقديم المفعول المطلق للفاصلة.
[البقرة: ٢١٩] إلى غير ذلك بل أطنبوا فيه بإظهار الفعل وعطف دوام عكوفهم على أصنامهم مع أنه لم يسأل عنه قصدا إلى إبراز ما في نفوسهم الخبيثة من الابتهاج والافتخار بذلك. وهو على ما في الكشف من الأسلوب الأحمق، والمراد بالظلول الدوام كما في قولهم: لو ظل الظلم هلك الناس. وتكون ظل على هذا تامة. وقد قال بمجيئها كذلك ابن مالك وأنكره بعض النحاة، وقيل: فعل الشيء نهارا فقد كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل فتكون ظل على هذا ناقصة دالة على ثبوت خبرها لاسمها في النهار.
واختار بعض الأجلة الأول لتبادر الدوام وكونه أبلغ مناسبا لمقام الابتهاج والافتخار، واختار الزمخشري الثاني لأنه أصل المعنى وهو مناسب للمقام أيضا لأنه يدل على إعلانهم الفعل لافتخارهم به. وعاكِفِينَ على الأول حال وعلى الثاني خبر والجار متعلق به. وإيراد اللام دون على لإفادة معنى زائد كأنهم قالوا: نظل لأجلها مقبلين على عبادتها أو مستديرين حولها. وهذا أيضا على ما قيل من جملة إطنابهم قالَ استئناف مبني على سؤال نشأ من تفصيل جوابهم هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ دخل فعل السماع على غير مسموع، ومذهب الفارسي أنه حينئذ يتعدى إلى اثنين ولا بد أن يكون الثاني مما يدل على صوت فالكاف هنا عنده مفعول أول والمفعول الثاني محذوف والتقدير هل يسمعونكم تدعون وحذف لدلالة قوله تعالى: إِذْ تَدْعُونَ عليه. ومذهب غيره أنه حينئذ متعد إلى واحد، وإذا وقعت بعده جملة ملفوظة أو مقدرة فهي في موضع الحال منه إن كان معرفة وفي موضع الصفة له إن كان نكرة.
وجوز فيها البدلية أيضا. وإذا دخل على مسموع تعدى إلى واحد اتفاقا، ويجوز أن يكون ما هنا داخلا على ذلك على أن التقدير هل يسمعون دعاءكم فحذف المضاف لدلالة إِذْ تَدْعُونَ أيضا عليه، وقيل: السماع هنا بمعنى الإجابة كما في
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم إني أعوذ بك من دعاء لا يسمع»
ومنه قوله عز وجل: إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ [آل عمران: ٣٨] أي هل يجيبونكم وحينئذ لا نزاع في أنه متعد لواحد ولا يحتاج إلى تقدير مضاف. والأولى إبقاؤه على ظاهر معناه فإنه أنسب بالمقام، نعم ربما يقال: إن ما قيل أوفق بقراءة قتادة ويحيى بن يعمر «يسمعونكم» بضم الياء وكسر الميم من أسمع والمفعول الثاني محذوف تقديره الجواب. وإِذْ ظرف لما مضى وجيء بالمضارع لاستحضار الحال الماضية وحكايتها. وأما كون هل تخلص المضارع لاستقبال فلا يضر هنا لأن المعتبر زمان الحكم لا زمان التكلم وهو هنا كذلك لأن السماع بعد الدعاء، وقال أبو حيان: لا بد من التجوز في إِذْ بأن تجعل بمعنى إذا أو التجوز في المضارع بأن يجعل بمعنى الماضي. واعتبار الاستحضار أبلغ في التبكيت وقرىء بإدغام ذال إِذْ في تاء تَدْعُونَ وذلك بقلبها تاء وإدغامها في التاء.
أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ بسبب عبادتكم لهم أَوْ يَضُرُّونَ أي يضرونكم بترككم لعبادتهم إذ لا بد للعبادة لا سيما عند كونها على ما وصفتم من المبالغة فيها من جلب نفع أو دفع ضر. وترك المفعول للفاصلة. ويدل عليه ما قبله، وقيل: المراد أو يضرون من أعرض عن عبادتهم كائنا من كان وهو خلاف الظاهر الذي يقتضيه العطف.
قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ أضربوا عن أن يكون لهم سمع أو نفع أو ضر اعترافا بما لا سبيل لهم إلى إنكاره واضطروا إلى إظهار أن لا سند لهم سوى التقليد فكأنهم قالوا لا يسمعون ولا ينفعوننا ولا يضرون وإنما وجدنا آباءنا يفعلون مثل فعلنا ويعبدونهم مثل عبادتنا فاقتدينا بهم. وتقديم المفعول المطلق للفاصلة.
92
قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أي أنظرتم فأبصرتم أو تأملتم فعلمتم أي شيء استدمتم على عبادته أو أي شيء تعبدونه أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ والكلام إنكار وتوبيخ يتضمن بطلان آلهتهم وعبادتها وأن عبادتها ضلال قديم لا فائدة في قدمه إلا ظهور بطلانه كما يؤذن بهذا وصف آبائهم بالأقدمين. وقوله تعالى: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي قيل: تعليل لما يفهم من ذلك من إني لا أعبدهم أو لا تصح عبادتهم وقيل: خبر لما كنتم إذا المعنى أفأخبركم وأعلمكم بمضمون هذا. واختار بعض الأجلة أنه بيان وتفسير لحال ما يعبدونه التي لو أحاطوا بها علما لما عبدوه أي فاعلموا أنهم أعداء لعابديهم الذين يحبونهم كحب الله تعالى لما أنهم يتضررون من جهتهم تضرر الرجل من جهة عدوه فإطلاق العدو عليهم من باب التشبيه البليغ.
وجوز أن يكون من باب المجاز العقلي بإطلاق وصف السبب على المسبب من حيث إن المغري والحامل على عبادتهم هو الشيطان الذي هو عدو مبين للإنسان والأول أظهر. والداعي للتأويل أن الأصنام لكونها جمادات لا تصلح للعداوة. وما قيل: إن الكلام على القلب والأصل فإني عدو لهم ليس بشيء.
وقال النسفي: العدو اسم للمعادي والمعادي جميعا فلا يحتاج إلى تأويل ويكون كقوله: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ [الأنبياء: ٥٧] وصور الأمر في نفسه تعريضا لهم كما في قوله تعالى: وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي
وجوز أن يكون من باب المجاز العقلي بإطلاق وصف السبب على المسبب من حيث إن المغري والحامل على عبادتهم هو الشيطان الذي هو عدو مبين للإنسان والأول أظهر. والداعي للتأويل أن الأصنام لكونها جمادات لا تصلح للعداوة. وما قيل: إن الكلام على القلب والأصل فإني عدو لهم ليس بشيء.
وقال النسفي: العدو اسم للمعادي والمعادي جميعا فلا يحتاج إلى تأويل ويكون كقوله: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ [الأنبياء: ٥٧] وصور الأمر في نفسه تعريضا لهم كما في قوله تعالى: وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي
93
وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
[يس: ٢٢] ليكون أبلغ في النصح وأدعى للقبول. ومن هنا استعمل الأكابر التعريض في النصح.
ومنه ما يحكى عن الشافعي رضي الله تعالى عنه أن رجلا واجهه بشيء فقال: لو كنت بحيث أنت لاحتجت إلى أدب.
وسمع رجل ناسا يتحدثون في الحجر فقال: ما هو بيتي ولا بيتكم. وضمير (إنهم) عائد على ما وجمع مراعاة لمعناها وإفراد العدو مع أنه خبر عن الجمع إما لأنه مصدر في الأصل فيطلق على الواحد المذكر وغيره أو لاتحاد الكل في معنى العداوة أو لأن الكلام بتقدير فإن كلا منهم أو لأنه بمعنى النسب أي ذو كذا فيستوي فيه الواحد وغيره كما قيل.
وقوله سبحانه: إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ استثناء منقطع من ضمير «إنهم» عند جماعة منهم الفراء واختاره الزمخشري أي لكن رب العالمين ليس كذلك فإنه جل وعلا ولي من عبده في الدنيا والآخرة لا يزال يتفضل عليه بالمنافع.
وقال الزجاج: هو استثناء متصل من ذلك الضمير العائد على ما تَعْبُدُونَ ويعتبر شموله لله عز وجل وفي آبائهم الأقدمين من عبد الله جل وعلا من غير شك أو يقال: إن المخاطبين كانوا مشركين وهم يعبدون الله تعالى والأصنام. وتخصيص الأصنام هنا بالذكر للرد لا لأن عبادتهم مقصورة عليها ولو سلّم أنه لذلك فهو باعتبار دوام العكوف وذلك لا ينافي عبادتهم إياه عز وجل أحيانا، وقال الجرجاني: إن الاستثناء من ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ وإِلَّا بمعنى دون وسوى وفي الآية تقديم وتأخير والأصل أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون إلا رب العالمين أي دون رب العالمين فإنهم عدو لي ولا يخفى ما فيه الَّذِي خَلَقَنِي صفة لرب العالمين. ووصفه تعالى بذلك وبما عطف عليه مع اندراج الكل تحت ربوبيته تعالى للعالمين زيادة في الإيضاح في مقام الإرشاد، وقيل: تصريحا بالنعم الخاصة به عليه السلام وتفصيلا لها لكونها أدخل في اقتضاء تخصيص العبادة به تعالى وقصر الالتجاء في جلب المنافع الدينية والدنيوية ودفع المضار العاجلة والآجلة عليه تعالى.
فَهُوَ يَهْدِينِ عطف على الصلة أي فهو يهديني وحده جل شأنه إلى كل ما يهمني ويصلحني من أمور المعاش والمعاد هداية متصلة بحين الخلق ونفخ الروح متجددة على الاستمرار كما ينبىء عنه الفاء وصيغة المضارع فإنه تعالى يهدي كل ما خلقه لما خلق له هداية متدرجة من مبتدأ إيجاده إلى منتهى أجله يتمكن بها من جلب منافعه ودفع مضاره إما طبعا وإما اختيارا مبدؤها بالنسبة إلى الإنسان هداية الجنين لامتصاص دم الطمث في المشهور ومنتهاها الهداية إلى طريق الجنة والتنعم بنعيمها المقيم، وجوز الحوفي وغيره كون الموصول مبتدأ وجملة هو يَهْدِينِ خبره ودخلت الفاء في خبره لتضمنه معنى الشرط نحو الذي يأتيني فله درهم.
وتعقبه أبو حيان بأن الفاء إنما يؤتى بها في خبر الموصول لتضمنه معنى الشرط إذا كان عاما وهنا لا يتخيل فيه العموم فليس ما نحن فيه نظير المثال. وأيضا الفعل الذي هو خلق مما لا يمكن فيه تجدد بالنسبة إلى إبراهيم عليه السلام فلعل ذلك على مذهب الأخفش من جواز زيادة الفاء في الخبر مطلقا نحو زيد فاضربه، وأجيب بأن اشتراط العموم غير مسلم كما فصله الرضي وإنما هو أغلبي. وبأن مطلق الخلق مما يمكن فيه التجدد وهو ممكن الإرادة وإن ظهر في صورة المخصوص وتسبب الخلق للهداية بمقتضى الحكمة، وقيل: إنه سبب للإخبار بها لتحققها وليس بشيء ويلزم على الإعراب المذكور أن يكون الموصول في قوله سبحانه: وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ مبتدأ محذوف الخبر لدلالة ما قبله عليه وكذا اللذان بعده. ولا يخفى ما في ذلك لفظا ومعنى فاللائق بجزالة التنزيل الإعراب
[يس: ٢٢] ليكون أبلغ في النصح وأدعى للقبول. ومن هنا استعمل الأكابر التعريض في النصح.
ومنه ما يحكى عن الشافعي رضي الله تعالى عنه أن رجلا واجهه بشيء فقال: لو كنت بحيث أنت لاحتجت إلى أدب.
وسمع رجل ناسا يتحدثون في الحجر فقال: ما هو بيتي ولا بيتكم. وضمير (إنهم) عائد على ما وجمع مراعاة لمعناها وإفراد العدو مع أنه خبر عن الجمع إما لأنه مصدر في الأصل فيطلق على الواحد المذكر وغيره أو لاتحاد الكل في معنى العداوة أو لأن الكلام بتقدير فإن كلا منهم أو لأنه بمعنى النسب أي ذو كذا فيستوي فيه الواحد وغيره كما قيل.
وقوله سبحانه: إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ استثناء منقطع من ضمير «إنهم» عند جماعة منهم الفراء واختاره الزمخشري أي لكن رب العالمين ليس كذلك فإنه جل وعلا ولي من عبده في الدنيا والآخرة لا يزال يتفضل عليه بالمنافع.
وقال الزجاج: هو استثناء متصل من ذلك الضمير العائد على ما تَعْبُدُونَ ويعتبر شموله لله عز وجل وفي آبائهم الأقدمين من عبد الله جل وعلا من غير شك أو يقال: إن المخاطبين كانوا مشركين وهم يعبدون الله تعالى والأصنام. وتخصيص الأصنام هنا بالذكر للرد لا لأن عبادتهم مقصورة عليها ولو سلّم أنه لذلك فهو باعتبار دوام العكوف وذلك لا ينافي عبادتهم إياه عز وجل أحيانا، وقال الجرجاني: إن الاستثناء من ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ وإِلَّا بمعنى دون وسوى وفي الآية تقديم وتأخير والأصل أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون إلا رب العالمين أي دون رب العالمين فإنهم عدو لي ولا يخفى ما فيه الَّذِي خَلَقَنِي صفة لرب العالمين. ووصفه تعالى بذلك وبما عطف عليه مع اندراج الكل تحت ربوبيته تعالى للعالمين زيادة في الإيضاح في مقام الإرشاد، وقيل: تصريحا بالنعم الخاصة به عليه السلام وتفصيلا لها لكونها أدخل في اقتضاء تخصيص العبادة به تعالى وقصر الالتجاء في جلب المنافع الدينية والدنيوية ودفع المضار العاجلة والآجلة عليه تعالى.
فَهُوَ يَهْدِينِ عطف على الصلة أي فهو يهديني وحده جل شأنه إلى كل ما يهمني ويصلحني من أمور المعاش والمعاد هداية متصلة بحين الخلق ونفخ الروح متجددة على الاستمرار كما ينبىء عنه الفاء وصيغة المضارع فإنه تعالى يهدي كل ما خلقه لما خلق له هداية متدرجة من مبتدأ إيجاده إلى منتهى أجله يتمكن بها من جلب منافعه ودفع مضاره إما طبعا وإما اختيارا مبدؤها بالنسبة إلى الإنسان هداية الجنين لامتصاص دم الطمث في المشهور ومنتهاها الهداية إلى طريق الجنة والتنعم بنعيمها المقيم، وجوز الحوفي وغيره كون الموصول مبتدأ وجملة هو يَهْدِينِ خبره ودخلت الفاء في خبره لتضمنه معنى الشرط نحو الذي يأتيني فله درهم.
وتعقبه أبو حيان بأن الفاء إنما يؤتى بها في خبر الموصول لتضمنه معنى الشرط إذا كان عاما وهنا لا يتخيل فيه العموم فليس ما نحن فيه نظير المثال. وأيضا الفعل الذي هو خلق مما لا يمكن فيه تجدد بالنسبة إلى إبراهيم عليه السلام فلعل ذلك على مذهب الأخفش من جواز زيادة الفاء في الخبر مطلقا نحو زيد فاضربه، وأجيب بأن اشتراط العموم غير مسلم كما فصله الرضي وإنما هو أغلبي. وبأن مطلق الخلق مما يمكن فيه التجدد وهو ممكن الإرادة وإن ظهر في صورة المخصوص وتسبب الخلق للهداية بمقتضى الحكمة، وقيل: إنه سبب للإخبار بها لتحققها وليس بشيء ويلزم على الإعراب المذكور أن يكون الموصول في قوله سبحانه: وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ مبتدأ محذوف الخبر لدلالة ما قبله عليه وكذا اللذان بعده. ولا يخفى ما في ذلك لفظا ومعنى فاللائق بجزالة التنزيل الإعراب
94
الأول وعليه يكون الموصول عطفا على الموصول الأول، وإنما كرر الموصول في المواضع الثلاثة مع كفاية عطف ما في حيز الصلة من الجمل الست على صلة الموصول الأول للإيذان بأن كل واحدة من تلك الصلات نعت جليل له تعالى مستقل في استيجاب الحكم حقيق بأن تجري عليه عز وجل بحيالها ولا تجعل من روادف غيرها، والظاهر أن المراد إطعام الطعام المعروف وسقي الشراب المعهود وجيء بهو هنا دون الخلق لشيوع إسناد الإطعام والسقي إلى غير عز وجل بخلاف الخلق وعلى هذا القياس فيما جيء فيه بهو وما ترك مما يأتي إن شاء الله تعالى.
وعن أبي بكر الوراق أن المعنى يطعمني بلا طعام ويسقيني بلا شراب كما جاء «إني أبيت يطعمني ربي ويسقين» وهو مشرب صوفي. وأتى بهذين الصفتين بعد ما تقدم لما أن دوام الحياة وبقاء نظام خلق الإنسان بالغذاء والشراب ما سلك فيهما مسلك العدل وهو أشد احتياجا إليهما منه إلى غيرهما ألا ترى أن أهل النار وهم في النار لم يشغلهم ما هم فيه من العذاب عن طلبهما فقالوا: «أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله».
وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ عطف على «يطعمني ويسقين» نظم معهما في سلك الصلة لموصول واحد لما أن الصحة والمرض من متفرعات الأكل والشرب غالبا:
وقالت الحكماء: لو قيل لأكثر الموتى ما سبب آجالكم لقالوا: التخم ونسبة المرض الذي هو نقمة إلى نفسه والشفاء الذي هو نعمة إلى الله جل شأنه لمراعاة حسن الأدب كما قال الخضر عليه السلام: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها [الكهف: ٧٩] وقال: فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما [الكهف: ٨٢] ولا يرد إسناده الإماتة وهي أشد من المرض إليه عز وجل في قوله: وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ لإمكان الفرق بأن الموت قد علم واشتهر أنه قضاء محتوم من الله عز وجل على سائر البشر وحكم عام لا يخص ولا كذلك المرض فكم من معافى منه إلى أن يبغته الموت فالتأسي بعموم الموت يسقط أثر كونه نقمة فيسوغ الأدب نسبته إليه تعالى. وأما المرض فلما كان يخص به بعض البشر دون بعض كان نقمة محققة فاقتضى العلو في الأدب أن ينسبه الإنسان إلى نفسه باعتبار السبب الذي لا يخلو منه.
ويؤيد ذلك أن كل ما ذكر مع غير المرض أخبر عن وقوعه بتا وجزما لأنه أمر لا بد منه وأما المرض فلما كان قد يتفق وقد لا أورده مقرونا بشرط إذا فقال: وَإِذا مَرِضْتُ وكان يمكنه أن يقول: والذي أمرض فيشفيني كما قال في غيره فما عدل عن المطابقة والمجانسة المأثورة إلا لذلك كذا قاله ابن المنير.
وقال الزمخشري: إنما قال: مرضت دون أمرضني لأن كثيرا من أسباب المرض يحدث بتفريط من الإنسان في مطاعمه ومشاربه وغير ذلك وكأنه إنما عدل في التعليل عن حسن الأدب لما رأى أنه عليه السلام أضاف الإماتة إليه عز وجل وهي أشد من المرض ولم يخطر له الفرق بما مر أو نحوه وغفل عن أن المعنى الذي أبداه في المرض ينكسر بالموت أيضا فإن المرض كما يكون بسبب تفريط الإنسان في المطعم وغيره كذلك الموت الناشئ عن سبب هذا المرض الذي يكون بتفريط الإنسان وقد أضاف عليه السلام الإماتة مطلقا إليه عز شأنه.
وقال بعض الأجلة بعد التعليل بحسن الأدب في وجه إسناد الإماتة إليه تعالى: إنها حيث كانت معظم خصائصه عز وجل كالإحياء بدءا وإعادة وقد نيطت أمور الآخرة جميعا بها وبما بعدها من البعث نظمهما في سمط واحد في قوله: وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ على أن الموت لكونه ذريعة إلى نيله عليه السلام للحياة الأبدية بمعزل من أن يكون غير مطبوع عنده عليه السلام انتهى، وأولى من هذه العلاوة ما قيل: إن الموت لأهل الكمال وصلة إلى نيل المحاب
وعن أبي بكر الوراق أن المعنى يطعمني بلا طعام ويسقيني بلا شراب كما جاء «إني أبيت يطعمني ربي ويسقين» وهو مشرب صوفي. وأتى بهذين الصفتين بعد ما تقدم لما أن دوام الحياة وبقاء نظام خلق الإنسان بالغذاء والشراب ما سلك فيهما مسلك العدل وهو أشد احتياجا إليهما منه إلى غيرهما ألا ترى أن أهل النار وهم في النار لم يشغلهم ما هم فيه من العذاب عن طلبهما فقالوا: «أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله».
وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ عطف على «يطعمني ويسقين» نظم معهما في سلك الصلة لموصول واحد لما أن الصحة والمرض من متفرعات الأكل والشرب غالبا:
فإن الداء أكثر ما تراه | يكون من الطعام أو الشراب |
ويؤيد ذلك أن كل ما ذكر مع غير المرض أخبر عن وقوعه بتا وجزما لأنه أمر لا بد منه وأما المرض فلما كان قد يتفق وقد لا أورده مقرونا بشرط إذا فقال: وَإِذا مَرِضْتُ وكان يمكنه أن يقول: والذي أمرض فيشفيني كما قال في غيره فما عدل عن المطابقة والمجانسة المأثورة إلا لذلك كذا قاله ابن المنير.
وقال الزمخشري: إنما قال: مرضت دون أمرضني لأن كثيرا من أسباب المرض يحدث بتفريط من الإنسان في مطاعمه ومشاربه وغير ذلك وكأنه إنما عدل في التعليل عن حسن الأدب لما رأى أنه عليه السلام أضاف الإماتة إليه عز وجل وهي أشد من المرض ولم يخطر له الفرق بما مر أو نحوه وغفل عن أن المعنى الذي أبداه في المرض ينكسر بالموت أيضا فإن المرض كما يكون بسبب تفريط الإنسان في المطعم وغيره كذلك الموت الناشئ عن سبب هذا المرض الذي يكون بتفريط الإنسان وقد أضاف عليه السلام الإماتة مطلقا إليه عز شأنه.
وقال بعض الأجلة بعد التعليل بحسن الأدب في وجه إسناد الإماتة إليه تعالى: إنها حيث كانت معظم خصائصه عز وجل كالإحياء بدءا وإعادة وقد نيطت أمور الآخرة جميعا بها وبما بعدها من البعث نظمهما في سمط واحد في قوله: وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ على أن الموت لكونه ذريعة إلى نيله عليه السلام للحياة الأبدية بمعزل من أن يكون غير مطبوع عنده عليه السلام انتهى، وأولى من هذه العلاوة ما قيل: إن الموت لأهل الكمال وصلة إلى نيل المحاب
95
الأبدية التي يستحقر دونها الحياة الدنيوية. وفيه تخليص العاصي من اكتساب المعاصي، ثم إن حمل المرض والشفاء على ما هو الظاهر منهما هو الذي ذهب إليه المفسرون.
وعن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه أن المعنى وإذا مرضت بالذنوب فهو يشفيني بالتوبة
ولعله لا يصح وإن صح فهو من باب الإشارة لا العبارة، وثُمَّ في قوله: ثُمَّ يُحْيِينِ للتراخي الزماني لأن المراد بالإحياء الإحياء للبعث وهو متراخ عن الإماتة في الزمان في نفس الأمر وإن كان كل آت قريب، وأثبت ابن أبي إسحاق ياء المتكلم في يَهْدِيَنِي وما بعده وهي رواية عن نافع وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ استعظم عليه السلام ما عسى يندر منه من فعل خلاف الأولى حتى سماه خطيئة.
وقيل: أراد بها قوله: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات: ٨٩] وقوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا [الأنبياء: ٦٣]، وقوله لسارة هي أختي، ويدل على أنه عليه السلام عدها من الخطايا ما ورد في حديث الشفاعة من امتناعه عليه السلام من أن يشفع حياء من الله عز وجل لصدور ذلك عنه. وفيه أنه وإن صح عدها من الخطايا بالنظر إليه عليه السلام لما قالوا: إن حسنات الأبرار سيئات المقربين إلا أنه لا يصح إرادتها هنا لما أنها إنما صدرت عنه عليه السلام بعد هذه المقاولة الجارية بينه وبين قومه، أما الثالثة فظاهرة لوقوعها بعد مهاجرته عليه السلام إلى الشام وأما الأوليان فلأنهما وقعتا مكتنفتين بكسر الأصنام، ومن البين أن جريان هذه المقالات فيما بينهم كان في مبادئ الأمر، وهذا أولى مما قيل:
إنها من المعاريض وهي لكونها في صورة الكذب يمتنع لها من تصدر عنه من الشفاعة ولكونها ليست كذبا حقيقة لا تفتقر إلى الاستغفار فلا يصح إرادتها هنا لأن ذلك الامتناع ليس إلا لعده إياها من الخطايا ومتى عدت منها افتقرت إلى الاستغفار، وقيل: أراد بها ما صدر عنه عند رؤية الكوكب والقمر والشمس من قوله: هذا رَبِّي [الأنعام: ٧٦] وكان ذلك قبل هذه المقاولة كما لا يخفى، وقد تقدم أن ذلك ليس من الخطيئة في شيء، وقيل: أراد بها ما عسى يندر منه من الصغائر وهو قريب مما تقدم، وقيل: أراد بها خطيئة من يؤمن به عليه السلام كما قيل نحوه في قوله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح: ٢]، وهو كما ترى والطمع على ظاهره ولم يجزم عليه السلام لعلمه أن لا وجوب على الله عز وجل. وعن الحسن أن المراد به اليقين وليس بذاك. والظرفان متعلقان بيغفر.
والإتيان بالأول للإشارة إلى أن نفع مغفرته تعالى إنما يعود إليه عليه السلام. وتعليق المغفرة بيوم الدين مع أن الخطيئة إنما تغفر في الدنيا لأن أثرها يتبين يومئذ ولأن في ذلك تهويلا لذلك اليوم. وإشارة إلى وقوع الجزاء فيه إن لم تغفر. وفي هذه الجملة من التلطف بأبيه وقومه في الدعوة إلى الإيمان ما فيها. وقرأ الحسن «خطاياي» على الجمع رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً لما ذكر لهم من صفاته عز وجل مما يدل على كمال لطفه تعالى به ما ذكر حمله ذلك على مناجاته تعالى ودعائه لربط العتيد وجلب المزيد. والمراد بالحكم على ما اختاره الإمام الحكمة التي هي كمال القوة العلمية بأن يكون عالما بالخير لأجل العمل به. وقيل: الأولى أن يفسر بكمال العلم المتعلق بالذات والصفات وسائر شؤونه عز وجل وأحكامه التي يتعبد بها. وقيل: هي النبوة ورد بأنها كانت حاصلة له عليه السلام. فالمطلوب إما عين الحاصل وهو محال ضرورة امتناع تحصيل الحاصل أو غيره وهو محال أيضا لأن الشخص الواحد لا يكون نبيا مرتين.
وأجيب بمنع كونها حاصلة وقت الدعاء سلمنا ذلك إلا أنه لا محذور لجواز أن يكون المراد طلب كمالها ويكون بمزيد القرب والوقوف على الأسرار الإلهية والأنبياء عليهم السلام متفاوتون في ذلك. وجوز أن يكون المراد طلب الثبات ولا يجب على الله تعالى شيء. والمراد بقوله: وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ طلب كمال القوة العملية بأن يكون موفقا لأعمال ترشحه للانتظام في زمرة الكاملين الراسخين في الصلاح المنزهين عن كبائر الذنوب وصغائرها. وقدم الدعاء الأول على الثاني لأن القوة العلمية مقدمة على القوة العملية لأنه يمكن أن يعلم الحق وإن لم يعمل به وعكسه غير
وعن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه أن المعنى وإذا مرضت بالذنوب فهو يشفيني بالتوبة
ولعله لا يصح وإن صح فهو من باب الإشارة لا العبارة، وثُمَّ في قوله: ثُمَّ يُحْيِينِ للتراخي الزماني لأن المراد بالإحياء الإحياء للبعث وهو متراخ عن الإماتة في الزمان في نفس الأمر وإن كان كل آت قريب، وأثبت ابن أبي إسحاق ياء المتكلم في يَهْدِيَنِي وما بعده وهي رواية عن نافع وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ استعظم عليه السلام ما عسى يندر منه من فعل خلاف الأولى حتى سماه خطيئة.
وقيل: أراد بها قوله: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات: ٨٩] وقوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا [الأنبياء: ٦٣]، وقوله لسارة هي أختي، ويدل على أنه عليه السلام عدها من الخطايا ما ورد في حديث الشفاعة من امتناعه عليه السلام من أن يشفع حياء من الله عز وجل لصدور ذلك عنه. وفيه أنه وإن صح عدها من الخطايا بالنظر إليه عليه السلام لما قالوا: إن حسنات الأبرار سيئات المقربين إلا أنه لا يصح إرادتها هنا لما أنها إنما صدرت عنه عليه السلام بعد هذه المقاولة الجارية بينه وبين قومه، أما الثالثة فظاهرة لوقوعها بعد مهاجرته عليه السلام إلى الشام وأما الأوليان فلأنهما وقعتا مكتنفتين بكسر الأصنام، ومن البين أن جريان هذه المقالات فيما بينهم كان في مبادئ الأمر، وهذا أولى مما قيل:
إنها من المعاريض وهي لكونها في صورة الكذب يمتنع لها من تصدر عنه من الشفاعة ولكونها ليست كذبا حقيقة لا تفتقر إلى الاستغفار فلا يصح إرادتها هنا لأن ذلك الامتناع ليس إلا لعده إياها من الخطايا ومتى عدت منها افتقرت إلى الاستغفار، وقيل: أراد بها ما صدر عنه عند رؤية الكوكب والقمر والشمس من قوله: هذا رَبِّي [الأنعام: ٧٦] وكان ذلك قبل هذه المقاولة كما لا يخفى، وقد تقدم أن ذلك ليس من الخطيئة في شيء، وقيل: أراد بها ما عسى يندر منه من الصغائر وهو قريب مما تقدم، وقيل: أراد بها خطيئة من يؤمن به عليه السلام كما قيل نحوه في قوله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح: ٢]، وهو كما ترى والطمع على ظاهره ولم يجزم عليه السلام لعلمه أن لا وجوب على الله عز وجل. وعن الحسن أن المراد به اليقين وليس بذاك. والظرفان متعلقان بيغفر.
والإتيان بالأول للإشارة إلى أن نفع مغفرته تعالى إنما يعود إليه عليه السلام. وتعليق المغفرة بيوم الدين مع أن الخطيئة إنما تغفر في الدنيا لأن أثرها يتبين يومئذ ولأن في ذلك تهويلا لذلك اليوم. وإشارة إلى وقوع الجزاء فيه إن لم تغفر. وفي هذه الجملة من التلطف بأبيه وقومه في الدعوة إلى الإيمان ما فيها. وقرأ الحسن «خطاياي» على الجمع رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً لما ذكر لهم من صفاته عز وجل مما يدل على كمال لطفه تعالى به ما ذكر حمله ذلك على مناجاته تعالى ودعائه لربط العتيد وجلب المزيد. والمراد بالحكم على ما اختاره الإمام الحكمة التي هي كمال القوة العلمية بأن يكون عالما بالخير لأجل العمل به. وقيل: الأولى أن يفسر بكمال العلم المتعلق بالذات والصفات وسائر شؤونه عز وجل وأحكامه التي يتعبد بها. وقيل: هي النبوة ورد بأنها كانت حاصلة له عليه السلام. فالمطلوب إما عين الحاصل وهو محال ضرورة امتناع تحصيل الحاصل أو غيره وهو محال أيضا لأن الشخص الواحد لا يكون نبيا مرتين.
وأجيب بمنع كونها حاصلة وقت الدعاء سلمنا ذلك إلا أنه لا محذور لجواز أن يكون المراد طلب كمالها ويكون بمزيد القرب والوقوف على الأسرار الإلهية والأنبياء عليهم السلام متفاوتون في ذلك. وجوز أن يكون المراد طلب الثبات ولا يجب على الله تعالى شيء. والمراد بقوله: وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ طلب كمال القوة العملية بأن يكون موفقا لأعمال ترشحه للانتظام في زمرة الكاملين الراسخين في الصلاح المنزهين عن كبائر الذنوب وصغائرها. وقدم الدعاء الأول على الثاني لأن القوة العلمية مقدمة على القوة العملية لأنه يمكن أن يعلم الحق وإن لم يعمل به وعكسه غير
96
ممكن، ولأن العلم صفة الروح والعمل صفة البدن فكما أن الروح أشرف من البدن كذلك العلم أشرف من العمل، وقيل: المراد بالحكم الحكمة التي هي الكمال في العلم والعمل. والمراد بقوله: وَأَلْحِقْنِي إلخ طلب الكمال في العمل، وذكره بعد ذلك تخصيص بعد تعميم اعتناء بالعمل من حيث إنه النتيجة والثمرة للعلم. وقيل: المراد بالأول ما يتعلق بالمعاش وبالثاني ما يتعلق بالمعاد. وقيل: المراد بالحكم رياسة الخلق وبالإلحاق بالصالحين التوفيق للعدل فيما بينهم مع القيام بحقوقه تعالى. وقيل: المراد بهذا الجمع بينه عليه السلام وبين الصالحين في الجنة، وأنت تعلم أنه لا يحسن بعد هذا الدعاء طلبه أن يكون من ورثة جنة النعيم والأولى عندي أن يفسر الحكم بالحكمة بمعنى الكمال في العلم والعمل والإلحاق بالصالحين بجعل منزلته كمنزلتهم عنده عز وجل والمراد بطلب ذلك أن يكون علمه وعمله مقبولين إذ ما لم يقبلا لا يلحق صاحبهما بالصالحين ولا تجعل منزلته كمنزلتهم. وكأنه لذلك عدل عن قول: رب هب لي حكما وصلاحا أو رب هب لي حكما واجعلني من الصالحين إلى ما في النظم الكريم فتأمل ولا تغفل وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ أي اجعل لنفعي ذكرا صادقا في جميع الأمر إلى يوم القيامة، وحاصله خلد صيتي وذكري الجميل في الدنيا وذلك بتوفيقه للآثار الحسنة والسنن المرضية لديه تعالى المستحسنة التي يقتدي بها الآخرون ويذكرونه بسببها بالخير وهم صادقون. فاللسان مجاز عن الذكر بعلاقة السببية واللام للنفع ومنه يستفاد الوصف بالجميل، وتعريف الْآخِرِينَ للاستغراق والكلام مستلزم لطلب التوفيق للآثار الحسنة التي أشرنا إليها وكأنه المقصود بالطلب على أبلغ وجه ولا بأس بأن يريد تخليد ذكره بالجميل ومدحه بما كان عليه عليه السلام في زمانه ولكون الثناء الحسن مما يدل على محبة الله تعالى ورضائه كما ورد في الحديث يحسن طلبه من الأكابر من هذه الجهة والقصد كل القصد هو الرضا.
ويحتمل أن يراد بالآخرين آخر أمة يبعث فيها نبي وأنه عليه السلام طلب الصيت الحسن والذكر الجميل فيهم ببعثة نبي فيهم يجدد أصل دينه ويدعو الناس إلى ما كان يدعوهم إليه من التوحيد معلما لهم أن ذلك ملة إبراهيم عليه السلام فكأنه طلب بعثة نبي كذلك في آخر الزمان لا تنسخ شريعته إلى يوم القيامة وليس ذلك إلا نبينا محمدا صلّى الله عليه وسلّم وقد طلب بعثته عليهما الصلاة والسلام بما هو أصرح مما ذكر أعني قوله: وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ [البقرة: ١٢٩] إلخ، ولذا
قال صلّى الله تعالى عليه وسلم: «أنا دعوة إبراهيم عليه السلام».
وقيل إذا أريد ذلك فلا بد من تقدير مضاف في كلامه عليه السلام أي اجعل لي صاحب لسان صدق في الآخرين أو جعل اللسان مجازا عن الداعي بإطلاق الجزء على الكل لأن الدعوة باللسان فكأنه قال: اجعل لي داعيا إلى الحق صادقا في الآخرين، ولا يخفى أن فيما ذكرناه غني عن ذلك كله، وفي تعليقات شيخ مشايخنا العلامة صبغة الله الحيدري طاب ثراه على تفسير البيضاوي في هذه الآية كلام ناشىء من قلة إمعان النظر فلا تغتر به.
واستدل الإمام مالك بهذه الآية على أنه لا بأس أن يحب الرجل أن يثني عليه صالحا، وفائدة ذلك بعد الموت على ما قال بعض الأجلة انصراف الهمم إلى ما به يحصل له عند الله تعالى زلفى وأنه قد يصير سببا لاكتساب المثنى أو غيره نحو ما أثنى به فيثاب فيشاركه فيه المثنى عليه كما هو مقتضى
«من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة»
ولا يخفى عليك أن الأمور بمقاصدها وَاجْعَلْنِي في الآخرة مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ قد مر معنى وراثة الجنة فتذكر. واستدل بدعائه عليه السلام بهذا بعد ما تقدم من الأدعية على أن العمل الصالح لا يوجب دخول الجنة وكذا كون العبد ذا منزلة عند الله عز وجل وإلا لاستغنى عليه السلام بطلب الكمال في العلم والعمل وكذا بطلب الإلحاق بالصالحين ذوي الزلفى عنده تعالى عن طلب ذلك، وأنت تعلم أنه تحسن الإطالة في مقام
ويحتمل أن يراد بالآخرين آخر أمة يبعث فيها نبي وأنه عليه السلام طلب الصيت الحسن والذكر الجميل فيهم ببعثة نبي فيهم يجدد أصل دينه ويدعو الناس إلى ما كان يدعوهم إليه من التوحيد معلما لهم أن ذلك ملة إبراهيم عليه السلام فكأنه طلب بعثة نبي كذلك في آخر الزمان لا تنسخ شريعته إلى يوم القيامة وليس ذلك إلا نبينا محمدا صلّى الله عليه وسلّم وقد طلب بعثته عليهما الصلاة والسلام بما هو أصرح مما ذكر أعني قوله: وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ [البقرة: ١٢٩] إلخ، ولذا
قال صلّى الله تعالى عليه وسلم: «أنا دعوة إبراهيم عليه السلام».
وقيل إذا أريد ذلك فلا بد من تقدير مضاف في كلامه عليه السلام أي اجعل لي صاحب لسان صدق في الآخرين أو جعل اللسان مجازا عن الداعي بإطلاق الجزء على الكل لأن الدعوة باللسان فكأنه قال: اجعل لي داعيا إلى الحق صادقا في الآخرين، ولا يخفى أن فيما ذكرناه غني عن ذلك كله، وفي تعليقات شيخ مشايخنا العلامة صبغة الله الحيدري طاب ثراه على تفسير البيضاوي في هذه الآية كلام ناشىء من قلة إمعان النظر فلا تغتر به.
واستدل الإمام مالك بهذه الآية على أنه لا بأس أن يحب الرجل أن يثني عليه صالحا، وفائدة ذلك بعد الموت على ما قال بعض الأجلة انصراف الهمم إلى ما به يحصل له عند الله تعالى زلفى وأنه قد يصير سببا لاكتساب المثنى أو غيره نحو ما أثنى به فيثاب فيشاركه فيه المثنى عليه كما هو مقتضى
«من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة»
ولا يخفى عليك أن الأمور بمقاصدها وَاجْعَلْنِي في الآخرة مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ قد مر معنى وراثة الجنة فتذكر. واستدل بدعائه عليه السلام بهذا بعد ما تقدم من الأدعية على أن العمل الصالح لا يوجب دخول الجنة وكذا كون العبد ذا منزلة عند الله عز وجل وإلا لاستغنى عليه السلام بطلب الكمال في العلم والعمل وكذا بطلب الإلحاق بالصالحين ذوي الزلفى عنده تعالى عن طلب ذلك، وأنت تعلم أنه تحسن الإطالة في مقام
97
الابتهال ولا يستغني بملزوم عن لازم في المقال فالأولى الاستدلال على ذلك بغير ما ذكر وهو كثير مشتهر، هذا وفي بعض الآثار ما يدل على مزيد فضل هذه الأدعية.
أخرج ابن أبي الدنيا في الذكر وابن مردويه من طريق الحسن عن سمرة بن جندب قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا توضأ العبد لصلاة مكتوبة فأسبغ الوضوء ثم خرج من باب داره يريد المسجد فقال حين يخرج بسم الله الذي خلقني فهو يهدين هداه الله تعالى للصواب
ولفظ ابن مردويه- لصواب الأعمال والذي هو يطعمني ويسقين أطعمه الله تعالى من طعام الجنة وسقاه من شراب الجنة وإذا مرضت فهو يشفين شفاه الله تعالى وجعل مرضه كفارة لذنوبه والذي يميتني ثم يحيين أحياه الله تعالى حياة السعداء وأماته ميتة الشهداء والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين غفر الله تعالى له خطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين وهب الله تعالى له حكما وألحقه بصالح من مضى وصالح من بقي واجعل لي لسان صدق في الآخرين كتب في ورقة بيضاء أن فلان بن فلان من الصادقين ثم يوفقه الله تعالى بعد ذلك للصدق واجعلني من ورثة جنة النعيم جعل الله تعالى له القصور والمنازل في الجنة»
وكان الحسن رضي الله تعالى عنه يزيد فيه واغفر لوالدي كما ربياني صغيرا وكأنه أخذ من قوله: وَاغْفِرْ لِأَبِي قال ابن عباس كما أخرج عنه ابن أبي حاتم أي امنن عليه بتوبة يستحق بها مغفرتك، وحاصله وفقه للإيمان كما يلوح به تعليله بقوله: إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ وهذا ظاهر إذا كان هذا الدعاء قبل موته وإن كان بعد الموت فالدعاء بالمغفرة على ظاهره وجاز الدعاء بها لمشرك والله تعالى لا يغفر أن يشرك به لأنه لم يوح إليه عليه السلام بذلك إذ ذاك والعقل لا يحكم بالامتناع، وفي شرح مسلم للنووي (١) أن كونه عز وجل لا يغفر الشرك مخصوص بهذه الأمة وكان قبلهم قد يغفر وفيه بحث، وقيل: لأنه كان يخفي الإيمان تقية من نمروذ ولذلك وعده بالاستغفار فلما تبين عداوته للإيمان في الدنيا بالوحي أو في الآخرة تبرأ منه.
وقوله على هذا: مِنَ الضَّالِّينَ بناء على ما ظهر لغيره من حاله أو معناه من الضالين في كتم إيمانه وعدم اعترافه بلسانه تقية من نمروذ، والكلام في هذا المقام طويل وقد تقدم شيء منه فتذكر وَلا تَحْزَنِي بتعذيب أبي أو ببعثه في عداد الضالين بعدم ترفيقه للإيمان أو بمعاتبتي على ما فرطت أو بنقص رتبتي عن بعض الوراث أو بتعذيبي.
وحيث كانت العاقبة مجهولة وتعذيب من لا ذنب له جائز عقلا صح هذا الطلب منه عليه السلام، وقيل: يجوز أن يكون ذلك تعليما لغيره وهو من الخزي بمعنى الهوان أو من الخزاية بفتح الخاء بمعنى الحياء يَوْمَ يُبْعَثُونَ أي الناس كافة، والإضمار وإن لم يسبق ذكرهم لما في عموم البعث من الشهرة الفاشية المغنية عنه، وقيل: الضمير للضالين والكلام من تتمة الدعاء لأبيه كأنه قال: لا تخزني يوم يبعث الضالون وأبي فيهم، ولا يخفى أنه يجوز على الأول أن يكون من تتمة الدعاء لأبيه أيضا، واستظهر ذلك لأن الفصل بالدعاء لأبيه بين الدعوات لنفسه خلاف الظاهر، وعلى ما ذكر يكون قد دعا لأشد الناس التصاقا به بعد أن فرغ من الدعاء لنفسه.
يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ بدل من يَوْمَ يُبْعَثُونَ جيء به تأكيدا لتهويل ذلك اليوم وتمهيدا لما يعقبه من الاستثناء وهو إلى قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً إلخ من كلام إبراهيم عليه السلام، وابن عطية بعد أن أعرب الظرف بدلا من الظرف الأول قال: إن هذه الآيات عندي منقطعة عن كلام إبراهيم عليه السلام وهي أخبار من الله عز وجل تتعلق بصفة ذلك اليوم الذي طلب إبراهيم أن لا يخزيه الله تعالى فيه، ولا يخفى عدم صحة ذلك مع البدلية،
أخرج ابن أبي الدنيا في الذكر وابن مردويه من طريق الحسن عن سمرة بن جندب قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا توضأ العبد لصلاة مكتوبة فأسبغ الوضوء ثم خرج من باب داره يريد المسجد فقال حين يخرج بسم الله الذي خلقني فهو يهدين هداه الله تعالى للصواب
ولفظ ابن مردويه- لصواب الأعمال والذي هو يطعمني ويسقين أطعمه الله تعالى من طعام الجنة وسقاه من شراب الجنة وإذا مرضت فهو يشفين شفاه الله تعالى وجعل مرضه كفارة لذنوبه والذي يميتني ثم يحيين أحياه الله تعالى حياة السعداء وأماته ميتة الشهداء والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين غفر الله تعالى له خطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين وهب الله تعالى له حكما وألحقه بصالح من مضى وصالح من بقي واجعل لي لسان صدق في الآخرين كتب في ورقة بيضاء أن فلان بن فلان من الصادقين ثم يوفقه الله تعالى بعد ذلك للصدق واجعلني من ورثة جنة النعيم جعل الله تعالى له القصور والمنازل في الجنة»
وكان الحسن رضي الله تعالى عنه يزيد فيه واغفر لوالدي كما ربياني صغيرا وكأنه أخذ من قوله: وَاغْفِرْ لِأَبِي قال ابن عباس كما أخرج عنه ابن أبي حاتم أي امنن عليه بتوبة يستحق بها مغفرتك، وحاصله وفقه للإيمان كما يلوح به تعليله بقوله: إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ وهذا ظاهر إذا كان هذا الدعاء قبل موته وإن كان بعد الموت فالدعاء بالمغفرة على ظاهره وجاز الدعاء بها لمشرك والله تعالى لا يغفر أن يشرك به لأنه لم يوح إليه عليه السلام بذلك إذ ذاك والعقل لا يحكم بالامتناع، وفي شرح مسلم للنووي (١) أن كونه عز وجل لا يغفر الشرك مخصوص بهذه الأمة وكان قبلهم قد يغفر وفيه بحث، وقيل: لأنه كان يخفي الإيمان تقية من نمروذ ولذلك وعده بالاستغفار فلما تبين عداوته للإيمان في الدنيا بالوحي أو في الآخرة تبرأ منه.
وقوله على هذا: مِنَ الضَّالِّينَ بناء على ما ظهر لغيره من حاله أو معناه من الضالين في كتم إيمانه وعدم اعترافه بلسانه تقية من نمروذ، والكلام في هذا المقام طويل وقد تقدم شيء منه فتذكر وَلا تَحْزَنِي بتعذيب أبي أو ببعثه في عداد الضالين بعدم ترفيقه للإيمان أو بمعاتبتي على ما فرطت أو بنقص رتبتي عن بعض الوراث أو بتعذيبي.
وحيث كانت العاقبة مجهولة وتعذيب من لا ذنب له جائز عقلا صح هذا الطلب منه عليه السلام، وقيل: يجوز أن يكون ذلك تعليما لغيره وهو من الخزي بمعنى الهوان أو من الخزاية بفتح الخاء بمعنى الحياء يَوْمَ يُبْعَثُونَ أي الناس كافة، والإضمار وإن لم يسبق ذكرهم لما في عموم البعث من الشهرة الفاشية المغنية عنه، وقيل: الضمير للضالين والكلام من تتمة الدعاء لأبيه كأنه قال: لا تخزني يوم يبعث الضالون وأبي فيهم، ولا يخفى أنه يجوز على الأول أن يكون من تتمة الدعاء لأبيه أيضا، واستظهر ذلك لأن الفصل بالدعاء لأبيه بين الدعوات لنفسه خلاف الظاهر، وعلى ما ذكر يكون قد دعا لأشد الناس التصاقا به بعد أن فرغ من الدعاء لنفسه.
يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ بدل من يَوْمَ يُبْعَثُونَ جيء به تأكيدا لتهويل ذلك اليوم وتمهيدا لما يعقبه من الاستثناء وهو إلى قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً إلخ من كلام إبراهيم عليه السلام، وابن عطية بعد أن أعرب الظرف بدلا من الظرف الأول قال: إن هذه الآيات عندي منقطعة عن كلام إبراهيم عليه السلام وهي أخبار من الله عز وجل تتعلق بصفة ذلك اليوم الذي طلب إبراهيم أن لا يخزيه الله تعالى فيه، ولا يخفى عدم صحة ذلك مع البدلية،
(١) نقله الشهاب اهـ منه.
98
والمراد بالنون معناه المتبادر، وقيل: المراد بهم جميع الأعوان، وقيل: المعنى يوم لا ينفع شيء من محاسن الدنيا وزينتها، واقتصر على ذكر المال والبنين لأنهما معظم المحاسن والزينة، وقوله تعالى: إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ استثناء من أعم المفاعيل، ومَنْ محل نصب أي يوم لا ينفع مال وإن كان مصروفا في الدنيا إلى وجوه البر والخيرات ولا بنون وإن كانوا صلحاء مستأهلين للشفاعة أحدا إلا من أتى الله بقلب سليم عن مرض الكفر والنفاق ضرورة اشتراط نفع كل منهما بالإيمان، وفي هذا تأييد لكون استغفاره عليه السلام لأبيه طلبا لهدايته إلى الإيمان لاستحالة طلب مغفرته بعد موته كافرا مع علمه عليه السلام بعدم نفعه لأنه من باب الشفاعة، وقيل: هو استثناء من فاعل يَنْفَعُ ومن في محل رفع بدل منه والكلام على تقدير مضاف إلى من أي لا ينفع مال ولا بنون إلا مال وبنون من أتى الله بقلب سليم حيث أنفق ماله في سبيل البر وأرشد بنيه إلى الحق وحثهم على الخير وقصد بهم أن يكونوا عبادا لله تعالى مطيعين شفعاء له يوم القيامة، وقيل: هو استثناء مما دل عليه المال والبنون دلالة الخاص على العام أعني مطلق الغنى والكلام بتقدير مضاف أيضا كأنه قيل: يوم لا ينفع غنى إلا غنى من أتى الله بقلب سليم وغناه سلامة قلبه وهو من الغنى الديني وقد أشير إليه في بعض الأخبار.
أخرج أحمد والترمذي: وابن ماجة عن ثوبان قال: لما نزلت وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ [التوبة: ٣٤] الآية قال بعض أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لو علمنا أي المال خير اتخذناه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفضله لسان ذاكر وقلب شاكر وزوجة صالحة تعين المؤمن على إيمانه»
وقيل: هو استثناء منقطع من مالٌ والكلام أيضا على تقدير مضاف أي لا ينفع مال ولا بنون إلا حال من أتى الله بقلب سليم، والمراد بحاله سلامة قلبه، قال الزمخشري: ولا بد من تقدير المضاف ولو لم يقدر لم يحصل للاستثناء معنى، ومنع ذلك أبو حيان بأنه لو قدر مثلا لكن من أتى الله بقلب سليم يسلم أو ينتفع يستقيم المعنى. وأجاب عنه في الكشف بأن المراد أنه على طريق الاستثناء من مال لا يتحصل المعنى بدون تقدير المضاف، وما ذكره المانع استدراك من مجموع الجملة إلى جملة أخرى وليس من المبحث في شيء، ولما لم يكن هذا مناسبا للمقام جعله الزمخشري مفروغا عنه فلم يلم عليه بوجه، وقد جوز اتصال الاستثناء بتقدير الحال على جعل الكلام من باب:
تحية بينهم ضرب وجيع ومثاله أن يقال: هل لزيد مال وبنون فقال ماله وبنوه سلامة قلبه تريد نفي المال والبنين عنه وإثبات سلامة القلب بدلا عن ذلك، هذا وكون المراد من القلب السليم القلب السليم عن مرض الكفر والنفاق هو المأثور عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن سيرين وغيرهم، وقال الإمام: هو الخالي عن العقائد الفاسدة والميل إلى شهوات الدنيا ولذاتها ويتبع ذلك الأعمال الصالحات إذ من علامة سلامة القلب تأثيرها في الجوارح.
وقال سفيان: هو الذي ليس فيه غير الله عز وجل، وقال الجنيد قدس سره: هو اللديغ من خشية الله تعالى القلق المنزعج من مخافة القطيعة وشاع إطلاق السليم في لسان العرب على اللديغ، وقيل: هو الذي سلّم من الشرك المعاصي وسلّم نفسه لحكم الله تعالى وسالم أولياءه وحارب أعداءه وأسلم حيث نظر فعرف واستسلم وانقاد لله تعالى وأذعن لعبادته سبحانه، والأنسب بالمقام المعنى المأثور وما ذكر من تأويلات الصوفية، وقال في الكشاف فيما نقل عن الجنيد قدس سره وما بعده: إنه من بدع التفاسير وصدقه أبو حيان بذلك في شأن الأول.
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ عطف على لا يَنْفَعُ وصيغة الماضي فيه وفيما بعده من الجمل المنتظمة معه
أخرج أحمد والترمذي: وابن ماجة عن ثوبان قال: لما نزلت وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ [التوبة: ٣٤] الآية قال بعض أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لو علمنا أي المال خير اتخذناه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفضله لسان ذاكر وقلب شاكر وزوجة صالحة تعين المؤمن على إيمانه»
وقيل: هو استثناء منقطع من مالٌ والكلام أيضا على تقدير مضاف أي لا ينفع مال ولا بنون إلا حال من أتى الله بقلب سليم، والمراد بحاله سلامة قلبه، قال الزمخشري: ولا بد من تقدير المضاف ولو لم يقدر لم يحصل للاستثناء معنى، ومنع ذلك أبو حيان بأنه لو قدر مثلا لكن من أتى الله بقلب سليم يسلم أو ينتفع يستقيم المعنى. وأجاب عنه في الكشف بأن المراد أنه على طريق الاستثناء من مال لا يتحصل المعنى بدون تقدير المضاف، وما ذكره المانع استدراك من مجموع الجملة إلى جملة أخرى وليس من المبحث في شيء، ولما لم يكن هذا مناسبا للمقام جعله الزمخشري مفروغا عنه فلم يلم عليه بوجه، وقد جوز اتصال الاستثناء بتقدير الحال على جعل الكلام من باب:
تحية بينهم ضرب وجيع ومثاله أن يقال: هل لزيد مال وبنون فقال ماله وبنوه سلامة قلبه تريد نفي المال والبنين عنه وإثبات سلامة القلب بدلا عن ذلك، هذا وكون المراد من القلب السليم القلب السليم عن مرض الكفر والنفاق هو المأثور عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن سيرين وغيرهم، وقال الإمام: هو الخالي عن العقائد الفاسدة والميل إلى شهوات الدنيا ولذاتها ويتبع ذلك الأعمال الصالحات إذ من علامة سلامة القلب تأثيرها في الجوارح.
وقال سفيان: هو الذي ليس فيه غير الله عز وجل، وقال الجنيد قدس سره: هو اللديغ من خشية الله تعالى القلق المنزعج من مخافة القطيعة وشاع إطلاق السليم في لسان العرب على اللديغ، وقيل: هو الذي سلّم من الشرك المعاصي وسلّم نفسه لحكم الله تعالى وسالم أولياءه وحارب أعداءه وأسلم حيث نظر فعرف واستسلم وانقاد لله تعالى وأذعن لعبادته سبحانه، والأنسب بالمقام المعنى المأثور وما ذكر من تأويلات الصوفية، وقال في الكشاف فيما نقل عن الجنيد قدس سره وما بعده: إنه من بدع التفاسير وصدقه أبو حيان بذلك في شأن الأول.
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ عطف على لا يَنْفَعُ وصيغة الماضي فيه وفيما بعده من الجمل المنتظمة معه
99
في سلك العطف للدلالة على تحقق الوقوع وتقرره كما أن صيغة المضارع في المعطوف عليه للدلالة على الاستمرار وهو متوجه إلى النفع فيدل الكلام على استمرار انتفاء النفع واستمراره حسبما يقتضيه مقام التهويل أي قربت الجنة للمتقين عن الكفر، وقيل: عنه وعن سائر المعاصي بحيث يشاهدونها من الموقف ويقفون على ما فيها من فنون المحاسن فيبتهجون بأنهم المحشرون إليها.
وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ الضالين عن طريق الحق وهو التقوى والإيمان أي جعلت بارزة لهم بحيث يرونها مع ما فيها من أنواع الأحوال الهائلة ويتحسرون على أنهم المسوقون إليها، وفي اختلاف الفعلين على ما ذكره بعض المحققين ترجيح لجانب الوعد لأن التعبير بالإزلاف وهو غاية التقريب يشير إلى قرب الدخول وتحققه ولذا قدم لسبق رحمته تعالى بخلاف الإبراز وهو الإراءة ولو من بعد فإنه مطمع في النجاة كما قيل من العمود إلى العمود فرج، وقال ابن كمال: في اختلاف الفعلين دلالة على أن أرض الحشر قريبة من الجحيم، وحاصله أن الجنة بعيدة من أرض المحشر بعدا مكانيا والنار قريبة منها قربا مكانيا فلذا سند الإزلاف أي التقريب إلى الجنة دون الجحيم، قيل: ولعله مبني على أن الجنة في السماء وأن النار تحت الأرض وأن تبديل الأرض يوم القيامة بمدها وإذهاب كريتها إذ حينئذ يظهر أمر البعد والقرب لكن لا يخفى أن كون الجنة في السماء مما يعتقده أهل السنة وليس في ذلك خلاف بينهم يعتد به وأما كون النار تحت الأرض ففيه توقف، قال الجلال السيوطي في إتمام الدراية: نعتقد أن الجنة في السماء ونقف عن النار ونقول: محلها حيث لا يعلمه إلا الله تعالى فلم يثبت عندي حديث أعتمده في ذلك، وقيل تحت الأرض انتهى، وكون تبديل الأرض بمدها وإذهاب كريتها قول لبعضهم، واختار الإمام القرطبي بعد أن نقل في التذكرة أحاديث كثيرة أن تبديل الأرض بمعنى أن الله سبحانه يخلق أرضا أخرى بيضاء من فضة لم يسفك عليها دم حرام ولا جرى فيها ظلم قط، والأولى أن يقال في بعد الجنة وقرب النار من أرض المحشر: إن الوصول إلى الجنة بالعبور على الصراط وهو منصوب على متن جهنم كما نطقت به الأخبار فالوصول إلى جهنم أولا وإلى الجنة آخرا بواسطة العبور وهو ظاهر في القرب والبعد، ثم إن ظاهر الآية يقتضي أن الجنة تنقل عن مكانها اليوم يوم القيامة إذ التقريب يستدعي النقل وليس في الأحاديث على ما نعلم ما يدل على ذلك نعم جاء فيها ما يدل على نقل النار.
ففي التذكرة أخرج مسلم عن عبد الله بن مسعود قال: «قال رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم: يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك»
، والظاهر أن معنى يؤتى بها يجاء بها من المحل الذي خلقها الله تعالى فيه وقد صرح بذلك في التذكرة، وقال أبو بكر الرازي في أسئلته فإن قيل: قال الله تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ أي قربت والجنة لا تنتقل عن مكانها ولا تحول قلنا: معناه وأزلفت المتقون إلى الجنة وهذا كما يقال الحاج إذا دنوا إلى مكة قربت مكة منا، وقيل: معناه أنها كانت محجوبة عنهم فلما رفعت الحجب بينها وبينهم كان ذلك تقريبا انتهى، ويرد على الأخير أنه يمكن أن يقال مثله في الجحيم وحينئذ يسأل عن وجه اختلاف الفعلين.
ويرد على القول بأن الجنة لا تنتقل عن مكانها أنه خلاف ظاهر الآية ولا يلزم لصحة القول به نقل حديث يدل على نقلها يومئذ فلا مانع من القول به وتفويض الكيفية إلى علم من لا يعجزه شيء وهو بكل شيء عليم وإذا أريد التأويل فليكن ذلك بحمل التقريب على التقريب بحسب الرؤية وإن لم يكن هناك نقل فقد يرى الشيء قريبا وإن كان في نفس الأمر في غاية البعد كما يشاهد ذلك في النجوم، وقد يقرب البعيد في الرؤية بواسطة المناظر والآلات الموضوعة لذلك وقد ينعكس الحال بواسطتها أيضا فيرى القريب بعيدا ومتى جاز وقوع ذلك بواسطة الآلات في هذه النشأة جاز أن يقع في النشأة الأخرى بما لا يعلمه إلا اللطيف الخبير فتأمل والله تعالى أعلم.
وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ الضالين عن طريق الحق وهو التقوى والإيمان أي جعلت بارزة لهم بحيث يرونها مع ما فيها من أنواع الأحوال الهائلة ويتحسرون على أنهم المسوقون إليها، وفي اختلاف الفعلين على ما ذكره بعض المحققين ترجيح لجانب الوعد لأن التعبير بالإزلاف وهو غاية التقريب يشير إلى قرب الدخول وتحققه ولذا قدم لسبق رحمته تعالى بخلاف الإبراز وهو الإراءة ولو من بعد فإنه مطمع في النجاة كما قيل من العمود إلى العمود فرج، وقال ابن كمال: في اختلاف الفعلين دلالة على أن أرض الحشر قريبة من الجحيم، وحاصله أن الجنة بعيدة من أرض المحشر بعدا مكانيا والنار قريبة منها قربا مكانيا فلذا سند الإزلاف أي التقريب إلى الجنة دون الجحيم، قيل: ولعله مبني على أن الجنة في السماء وأن النار تحت الأرض وأن تبديل الأرض يوم القيامة بمدها وإذهاب كريتها إذ حينئذ يظهر أمر البعد والقرب لكن لا يخفى أن كون الجنة في السماء مما يعتقده أهل السنة وليس في ذلك خلاف بينهم يعتد به وأما كون النار تحت الأرض ففيه توقف، قال الجلال السيوطي في إتمام الدراية: نعتقد أن الجنة في السماء ونقف عن النار ونقول: محلها حيث لا يعلمه إلا الله تعالى فلم يثبت عندي حديث أعتمده في ذلك، وقيل تحت الأرض انتهى، وكون تبديل الأرض بمدها وإذهاب كريتها قول لبعضهم، واختار الإمام القرطبي بعد أن نقل في التذكرة أحاديث كثيرة أن تبديل الأرض بمعنى أن الله سبحانه يخلق أرضا أخرى بيضاء من فضة لم يسفك عليها دم حرام ولا جرى فيها ظلم قط، والأولى أن يقال في بعد الجنة وقرب النار من أرض المحشر: إن الوصول إلى الجنة بالعبور على الصراط وهو منصوب على متن جهنم كما نطقت به الأخبار فالوصول إلى جهنم أولا وإلى الجنة آخرا بواسطة العبور وهو ظاهر في القرب والبعد، ثم إن ظاهر الآية يقتضي أن الجنة تنقل عن مكانها اليوم يوم القيامة إذ التقريب يستدعي النقل وليس في الأحاديث على ما نعلم ما يدل على ذلك نعم جاء فيها ما يدل على نقل النار.
ففي التذكرة أخرج مسلم عن عبد الله بن مسعود قال: «قال رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم: يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك»
، والظاهر أن معنى يؤتى بها يجاء بها من المحل الذي خلقها الله تعالى فيه وقد صرح بذلك في التذكرة، وقال أبو بكر الرازي في أسئلته فإن قيل: قال الله تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ أي قربت والجنة لا تنتقل عن مكانها ولا تحول قلنا: معناه وأزلفت المتقون إلى الجنة وهذا كما يقال الحاج إذا دنوا إلى مكة قربت مكة منا، وقيل: معناه أنها كانت محجوبة عنهم فلما رفعت الحجب بينها وبينهم كان ذلك تقريبا انتهى، ويرد على الأخير أنه يمكن أن يقال مثله في الجحيم وحينئذ يسأل عن وجه اختلاف الفعلين.
ويرد على القول بأن الجنة لا تنتقل عن مكانها أنه خلاف ظاهر الآية ولا يلزم لصحة القول به نقل حديث يدل على نقلها يومئذ فلا مانع من القول به وتفويض الكيفية إلى علم من لا يعجزه شيء وهو بكل شيء عليم وإذا أريد التأويل فليكن ذلك بحمل التقريب على التقريب بحسب الرؤية وإن لم يكن هناك نقل فقد يرى الشيء قريبا وإن كان في نفس الأمر في غاية البعد كما يشاهد ذلك في النجوم، وقد يقرب البعيد في الرؤية بواسطة المناظر والآلات الموضوعة لذلك وقد ينعكس الحال بواسطتها أيضا فيرى القريب بعيدا ومتى جاز وقوع ذلك بواسطة الآلات في هذه النشأة جاز أن يقع في النشأة الأخرى بما لا يعلمه إلا اللطيف الخبير فتأمل والله تعالى أعلم.
100
وقرأ الأعمش «فبرزت» بالفاء، وقرأ مالك بن دينار «وبرزت» بالفتح والتخفيف «والجحيم» بالرفع على الفاعلية وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ في الدنيا تَعْبُدُونَ تستمرون على عبادته مِنْ دُونِ اللَّهِ أي أين آلهتكم الذين كنتم تزعمون أنهم شفعاؤكم في هذا الموقف هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ بدفع ما تشاهدون من الجحيم وما فيها من العذاب أَوْ يَنْتَصِرُونَ بدفع ذلك عن أنفسهم، وهذا سؤال تقريع لا يتوقع له جواب ولذلك قيل: فَكُبْكِبُوا فِيها أي ألقوا في الجحيم على وجوههم مرة بعد أخرى إلى أن يستقروا في قعرها فالكبكبة تكرير الكب وهو مما ضوعف فيه الفاء كما قال الزجاج وجمهور البصريين، وذهب الكوفيون إلى أن الثالث بدل من مثل الثاني فأصل كبكب عندهم كبب فأبدل من الباء الثانية كاف وضمير الجمع لما يعبدون من دون الله وهم الأصنام وأكد بالضمير المنفصل أعني هُمْ وكلا الضميرين للعقلاء واستعملا في الأصنام تهكما أو بناء على إعطائها الفهم والنطق أي كبكب فيها الأصنام وَالْغاوُونَ الذين عدوها.
والتعبير عنهم بهذا العنوان دون العابدون للتسجيل عليهم بوصف الغواية، وفي تأخير ذكرهم عن ذكر آلهتهم رمز إلى أنهم يؤخرون في الكبكبة عنها ليشاهدوا سوء حالها فينقطع رجاؤهم قبل دخول الجحيم.
وعن السدي أن ضمير (كبكبوا) ومؤكده لمشركي العرب والغاوون سائر المشركين وقيل: الضمير للمشركين مطلقا ويراد بهم التبعة والغاوون هم القادة المتبعون، وقيل: الضمير لمشركي الإنس مطلقا والْغاوُونَ الشياطين والكل كما ترى ويبعد الأخير. قوله تعالى: وَجُنُودُ إِبْلِيسَ فإن الظاهر أن المراد منه الشياطين وإنه عطف على ما قبله والعطف يقتضي المغايرة بالذات في الأغلب ولا حاجة إلى تخريجه على الأقل وجعله من باب:
إلى الملك الندب وابن الهمام وقيل: المراد بجنود إبليس متبعوه من عصاة الثقلين، واختار بعض الأجلة الأول وادعى أنه الوجه لأن السياق والسباق في بيان سوء حال المشركين في الجحيم وقد قال ذلك إبراهيم عليه السلام لقومه المشركين فلا وجاهة لذكر حال قوم آخرين في هذا الحال بل لا وجود لهم في القصة وذكر الشياطين مع المشركين لكونهم المسولين لهم عبادة الأصنام، ولا يخفى أن للتعميم وجها أيضا من حيث إنّ فيه مزيد تهويل لذلك اليوم، وقوله تعالى: أَجْمَعُونَ تأكيد للضمير وما عطف عليه.
وقوله سبحانه: قالُوا إلخ استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ عما قبله كأنه لما قيل كبكب الآلهة والغاوون عبدتها والشياطين الداعون إليها قيل: فما وقع؟ فقيل: قالوا أي العبدة الغاوون وَهُمْ أي الغاوون فِيها يَخْتَصِمُونَ أي يخاصمون من معهم من الأصنام والشياطين، والجملة في موضع الحال، والمراد قالوا معترفين بخطئهم وانهماكهم في الضلالة متحسرين معيرين لأنفسهم والحال أنهم بصدد مخاصمة من معهم مخاطبين لآلهتهم حيث يجعلها الله تعالى أهلا للخطاب تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِنْ مخففة من المثقلة واسمها على ما قيل ضمير الشأن محذوف واللام فارقة بينها وبين النافية كما ذهب إليه البصريون أي إنه أي الشأن كنا في ضلال مبين، وذهب الكوفيون إلى أن أن نافية واللام بمعنى إلا أي ما كنا إلا في ضلال واضح لا خفاء فيه، ووصفهم له بالوضوح للمبالغة في إظهار ندمهم وتحسرهم وبيان خطئهم في رأيهم مع وضوح الحق كما ينبىء عنه تصديرهم قسمهم بحرف التاء المشعرة بالتعجب على ما قيل.
وقوله سبحانه: إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ ظرف لكونهم في ضلال مبين، وقيل: لمحذوف دل عليه الكلام أي ضللنا، وقيل: للضلال المذكور وإن كان فيه ضعف صناعي من حيث إن المصدر الموصوف لا يعمل بعد
والتعبير عنهم بهذا العنوان دون العابدون للتسجيل عليهم بوصف الغواية، وفي تأخير ذكرهم عن ذكر آلهتهم رمز إلى أنهم يؤخرون في الكبكبة عنها ليشاهدوا سوء حالها فينقطع رجاؤهم قبل دخول الجحيم.
وعن السدي أن ضمير (كبكبوا) ومؤكده لمشركي العرب والغاوون سائر المشركين وقيل: الضمير للمشركين مطلقا ويراد بهم التبعة والغاوون هم القادة المتبعون، وقيل: الضمير لمشركي الإنس مطلقا والْغاوُونَ الشياطين والكل كما ترى ويبعد الأخير. قوله تعالى: وَجُنُودُ إِبْلِيسَ فإن الظاهر أن المراد منه الشياطين وإنه عطف على ما قبله والعطف يقتضي المغايرة بالذات في الأغلب ولا حاجة إلى تخريجه على الأقل وجعله من باب:
إلى الملك الندب وابن الهمام وقيل: المراد بجنود إبليس متبعوه من عصاة الثقلين، واختار بعض الأجلة الأول وادعى أنه الوجه لأن السياق والسباق في بيان سوء حال المشركين في الجحيم وقد قال ذلك إبراهيم عليه السلام لقومه المشركين فلا وجاهة لذكر حال قوم آخرين في هذا الحال بل لا وجود لهم في القصة وذكر الشياطين مع المشركين لكونهم المسولين لهم عبادة الأصنام، ولا يخفى أن للتعميم وجها أيضا من حيث إنّ فيه مزيد تهويل لذلك اليوم، وقوله تعالى: أَجْمَعُونَ تأكيد للضمير وما عطف عليه.
وقوله سبحانه: قالُوا إلخ استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ عما قبله كأنه لما قيل كبكب الآلهة والغاوون عبدتها والشياطين الداعون إليها قيل: فما وقع؟ فقيل: قالوا أي العبدة الغاوون وَهُمْ أي الغاوون فِيها يَخْتَصِمُونَ أي يخاصمون من معهم من الأصنام والشياطين، والجملة في موضع الحال، والمراد قالوا معترفين بخطئهم وانهماكهم في الضلالة متحسرين معيرين لأنفسهم والحال أنهم بصدد مخاصمة من معهم مخاطبين لآلهتهم حيث يجعلها الله تعالى أهلا للخطاب تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِنْ مخففة من المثقلة واسمها على ما قيل ضمير الشأن محذوف واللام فارقة بينها وبين النافية كما ذهب إليه البصريون أي إنه أي الشأن كنا في ضلال مبين، وذهب الكوفيون إلى أن أن نافية واللام بمعنى إلا أي ما كنا إلا في ضلال واضح لا خفاء فيه، ووصفهم له بالوضوح للمبالغة في إظهار ندمهم وتحسرهم وبيان خطئهم في رأيهم مع وضوح الحق كما ينبىء عنه تصديرهم قسمهم بحرف التاء المشعرة بالتعجب على ما قيل.
وقوله سبحانه: إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ ظرف لكونهم في ضلال مبين، وقيل: لمحذوف دل عليه الكلام أي ضللنا، وقيل: للضلال المذكور وإن كان فيه ضعف صناعي من حيث إن المصدر الموصوف لا يعمل بعد
101
الوصف، ويهون أمر ذلك كون المعمول ظرفا، وقيل: ظرف لمبين، وجوز أن تكون إِذْ تعليلية كما قيل به في قوله تعالى: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ [الزخرف: ٣٩] وصيغة المضارع لاستحضار الصورة الماضية أي تالله لقد كنا في غاية الضلال الفاحش وقت تسويتنا إياكم أو لأنا سويناكم أيها الأصنام في استحقاق العبادة برب العالمين الذي أنتم أدنى مخلوقاته وأذلهم وأعجزهم وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ الظاهر بناء على ما تقدم من أن الاختصام مع الأصنام والشياطين أن يكون المراد بالمجرمين الشياطين ليكون ذلك من الاختصام معهم وإن لم يورد على وجه الخطاب كما أن ما تقدم من الاختصام مع الأصنام، وكون المراد بهم ذلك مروي عن مقاتل، وفي إرشاد العقل السليم أنه بيان لسبب ضلالهم بعد اعترافهم بصدوره عنهم، والمراد بالمجرمين رؤساؤهم وكبراؤهم، وفي قوله تعالى: رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا
[الأحزاب: ٦٧]. وعن السدي هم الأولون الذين اقتدوا بهم، وقيل: من دعاهم إلى عبادة الأصنام من الجن والإنس. وعن ابن جريج أنهم إبليس وابن آدم القاتل لأنه أول من سن القتل والمعاصي، والقصر قيل بالنسبة إلى الأصنام، ولعلهم أرادوا بنفي الإضلال عنها إهانتها بأنها لا قدرة لها وفيه تأكيد لكونهم في ضلال مبين، ولعل الأولى كونه قصرا حقيقيا بادعاء أنهم الأوحديون في سببية الإضلال حتى إن سببية غيرهم له كلا سببية، وهذا واضح في الشياطين لأن إضلال غيرهم من الكبراء ونحوهم بواسطة إضلالهم لأنهم الذين يزينون الباطل المتبوع والتابع، ويمكن أن يعتبر في غيرهم بضرب من التأويل وذلك إذا أريد بالمجرمين غيرهم، ثم إن المشركين لا يزالون في حيرة يوم القيامة لا يدرون بم يتشبثون فلا يضر إسنادهم الإضلال تارة إلى شيء وأخرى إلى غيره على أن الإسناد إلى كل باعتبار هذا.
وجوز أن يكون الاختصام بين العبدة بعضهم مع بعض، والخطاب في نُسَوِّيكُمْ للأصنام من غير التزام القول بجعلهم أهلا له بل هو كخطاب المضطر للحجر والشجر، وفيه مبالغة في التحسر والندامة، والمعنى أن العبدة مع تخاصم بعضهم مع بعض بأن يقول أحدهم للآخر: أنت مبدأ ضلالي ولولا أنت لكنت مؤمنا اعترفوا بجرمهم وتعجبوا وبينوا سببه، وجوز أيضا أن يكون من الأصنام ينطقهم الله تعالى فيخاصمون العبدة فضمير هُمْ عائد عليهم، والمعنى قال العبدة معترفين بضلالهم متعجبين منه مبينين سببه: إن كنا إلخ والحال إن الأصنام يخاصمونهم قائلين: نحن جمادات متبرئون عن جميع المعاصي وأنتم اتخذتمونا إلهة فألقيتمونا في هذه الورطة. وهذا كله على تقدير كون جملة قالُوا مستأنفة كما هو الظاهر، وجوز أن يكون جُنُودُ إِبْلِيسَ مبتدأ وجملة قالُوا إلخ خبره وضمير قالُوا وكذا ما بعده عائد عليه.
وأنت تعلم أنه مع كونه خلاف الظاهر لا يتسنى على تقدير أن يراد بجنود إبليس الشياطين لما أن المقول المذكور لا يصح أن يكون منهم وإذا أريد بهم متبعوه من عصاة الثقلين عبادة الأصنام وغيرهم يرد أن المقول المذكور قول فرقة منهم وهي العبدة فإسناده إلى الجميع خلاف الظاهر ويبعد كل البعد بل لو قيل بفساده لم يبعد احتمال كون كل شخص سواء كان من عبدة الأصنام أو غيره يخاصم مع كل من يصادفه من غير صلاحية الآخر للاختصام ويقول ما ذكر للأصنام لغاية الحيرة والضجرة، نعم لو أريد بجنود إبليس على تقدير كونه مبتدأ ورجوع الضمائر إليه الغاوون بعينهم وتكون الإضافة للعهد، والتعبير عنهم بهذا العنوان بعد التعبير عنهم بالعنوان السابق لتذليلهم لم يبعد جدا. ومن الناس من جوز الابتدائية والخبرية المذكورتين وفسر الجنود بالعصاة مطلقا. وجعل ضمير قالُوا للغاوون وضمير هُمْ ويَخْتَصِمُونَ للجنود أو للأصنام وفيه مع خروج الآية عليه عن حسن الانتظام ما لا يخفى على ذوي الأفهام.
[الأحزاب: ٦٧]. وعن السدي هم الأولون الذين اقتدوا بهم، وقيل: من دعاهم إلى عبادة الأصنام من الجن والإنس. وعن ابن جريج أنهم إبليس وابن آدم القاتل لأنه أول من سن القتل والمعاصي، والقصر قيل بالنسبة إلى الأصنام، ولعلهم أرادوا بنفي الإضلال عنها إهانتها بأنها لا قدرة لها وفيه تأكيد لكونهم في ضلال مبين، ولعل الأولى كونه قصرا حقيقيا بادعاء أنهم الأوحديون في سببية الإضلال حتى إن سببية غيرهم له كلا سببية، وهذا واضح في الشياطين لأن إضلال غيرهم من الكبراء ونحوهم بواسطة إضلالهم لأنهم الذين يزينون الباطل المتبوع والتابع، ويمكن أن يعتبر في غيرهم بضرب من التأويل وذلك إذا أريد بالمجرمين غيرهم، ثم إن المشركين لا يزالون في حيرة يوم القيامة لا يدرون بم يتشبثون فلا يضر إسنادهم الإضلال تارة إلى شيء وأخرى إلى غيره على أن الإسناد إلى كل باعتبار هذا.
وجوز أن يكون الاختصام بين العبدة بعضهم مع بعض، والخطاب في نُسَوِّيكُمْ للأصنام من غير التزام القول بجعلهم أهلا له بل هو كخطاب المضطر للحجر والشجر، وفيه مبالغة في التحسر والندامة، والمعنى أن العبدة مع تخاصم بعضهم مع بعض بأن يقول أحدهم للآخر: أنت مبدأ ضلالي ولولا أنت لكنت مؤمنا اعترفوا بجرمهم وتعجبوا وبينوا سببه، وجوز أيضا أن يكون من الأصنام ينطقهم الله تعالى فيخاصمون العبدة فضمير هُمْ عائد عليهم، والمعنى قال العبدة معترفين بضلالهم متعجبين منه مبينين سببه: إن كنا إلخ والحال إن الأصنام يخاصمونهم قائلين: نحن جمادات متبرئون عن جميع المعاصي وأنتم اتخذتمونا إلهة فألقيتمونا في هذه الورطة. وهذا كله على تقدير كون جملة قالُوا مستأنفة كما هو الظاهر، وجوز أن يكون جُنُودُ إِبْلِيسَ مبتدأ وجملة قالُوا إلخ خبره وضمير قالُوا وكذا ما بعده عائد عليه.
وأنت تعلم أنه مع كونه خلاف الظاهر لا يتسنى على تقدير أن يراد بجنود إبليس الشياطين لما أن المقول المذكور لا يصح أن يكون منهم وإذا أريد بهم متبعوه من عصاة الثقلين عبادة الأصنام وغيرهم يرد أن المقول المذكور قول فرقة منهم وهي العبدة فإسناده إلى الجميع خلاف الظاهر ويبعد كل البعد بل لو قيل بفساده لم يبعد احتمال كون كل شخص سواء كان من عبدة الأصنام أو غيره يخاصم مع كل من يصادفه من غير صلاحية الآخر للاختصام ويقول ما ذكر للأصنام لغاية الحيرة والضجرة، نعم لو أريد بجنود إبليس على تقدير كونه مبتدأ ورجوع الضمائر إليه الغاوون بعينهم وتكون الإضافة للعهد، والتعبير عنهم بهذا العنوان بعد التعبير عنهم بالعنوان السابق لتذليلهم لم يبعد جدا. ومن الناس من جوز الابتدائية والخبرية المذكورتين وفسر الجنود بالعصاة مطلقا. وجعل ضمير قالُوا للغاوون وضمير هُمْ ويَخْتَصِمُونَ للجنود أو للأصنام وفيه مع خروج الآية عليه عن حسن الانتظام ما لا يخفى على ذوي الأفهام.
102
وقوله تعالى: فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ مرتب على ما اعترفوا به من عظم الجناية وظهور الضلالة. والمراد التلهف والتأسف على فقد شفيع يشفع لهم مما هم فيه أو صديق شفيق يهمه ذلك وقد ترقوا لمزيد انحطاط حالهم في التأسف حيث نفوا أولا أن يكون لهم من ينفعهم في تخليصهم من العذاب بشفاعته ونفوا ثانيا أن يكون لهم من يهمه أمرهم ويشفق عليهم ويتوجع لهم وإن لم يخلصهم وأتى بالشافع في سياق النفي جمعا وإن كان حكم هذا الجمع في الاستغراق لمكان من الزائدة حكم المفرد بلا خلاف إنما الخلاف فيما إذا لم تزد من بعد النفي داخلة على الجمع رعاية لما كانوا يأتون به في الإثبات من الجمع.
وقال في الكشاف: جمع الشافع لكثرة الشفعاء ووحد الصديق لقلته ألا ترى أن الرجل إذا امتحن بإرهاق ظالم نهضت جماعة وافرة من أهل بلدة رحمة له وحسبة إن لم تسبق له بأكثرهم معرفة وأما الصديق الصادق في ودادك الذي يهمه ما يهمك فهو أعز من بيض الأنوق، ويجوز أن يريد بالصديق الجمع أي فإنه يطلق عليه لما أنه على زنة المصدر بخلاف الشافع. وذكر البيضاوي في توحيد الصديق وجها آخر أيضا، وهو أن الصديق الواحد يسعى أكثر مما يسعى الشفعاء، وحاصله أن الواحد في معنى الجمع بحسب العادة فلذا اكتفي به لما فيه من المطابقة المعنوية كما قيل:
وقال بعض الكلمة: إن إيراد الشافعين بصيغة الجمع لمجرد مصلحة الفاصلة، وأما إيراد الصديق مفردا فلأن المقام مقام المفرد ومصلحة الفاصلة حصلت قبله وهو كما ترى، وقال سعد أفندي: لا يبعد أن يكون جمع الأول وإفراد الثاني إشارة إلى أنه لا فرق بين الاستغراقين، وفيه أن إيثار صيغة لإفادة مسألة عربية ليس من دأب القرآن المجد، والذي أميل إليه أن الإفراد على الأصل والجمع وإن أدى مؤداه على سنن ما كانوا يقولونه ويزعمونه في الدنيا من تعدد الشفعاء ولا يضر في ذلك كون المنفي هنا أعم من المثبت هناك من حيث شموله للأصنام والكبراء والملائكة والأنبياء عليهم السلام كما هو المتبادر إلى الفهم، وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة عن ابن جريج أن المعنى فما لنا من شافعين من أهل السماء ولا صديق حميم من أهل الأرض.
وزعم بعضهم أنهم عنوا بالشافعين هنا ما عنوا بالمجرمين من كبرائهم وساداتهم وفرعوا النفي على قولهم ما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ فكأنهم قالوا: سادتنا وكبراؤنا الذين أضلونا مجرمون معذبون مثلنا فلم يقدروا على السعي في نفعنا والشفاعة لنا، وفي الكشاف فما لنا من شافعين كما نرى المؤمنين لهم شفعاء من الملائكة والنبيين ولا صديق كما نرى لهم أصدقاء فإنه لا يتصادق في الآخرة إلا المؤمنون قال تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف: ٦٧] أو فما لنا من شافعين ولا صديق حميم من الذين كنا نعدهم شفعاء وأصدقاء لأنهم كانوا يعتقدون في أصنامهم أنهم شفعاؤهم عند الله تعالى وكان لهم الأصدقاء من شياطين الإنس أو أرادوا أنهم وقعوا في مهلكة علموا أن الشفعاء والأصدقاء لا ينفعونهم ولا يدفعون عنهم فقصدوا بنفيهم نفي ما يتعلق بهم من النفع لأن ما لا ينفع حكمه حكم المعدوم انتهى.
والظاهر على هذا الأخير أن الكلام كناية عن شدة الأمر بحيث لا ينفع فيه أحد ولو أدنى نفع وهو وجه وجيه، والوجه الأول لا يكاد يتسنى على مذهب المعتزلة الذين لا يجوزون الشفاعة في الخلاص من النار بعد دخولها أو قبله لأن الظاهر من قولهم فما لنا من شافعين كما نرى المؤمنين لهم شفعاء من الملائكة والنبيين فما لنا من شافعين
وقال في الكشاف: جمع الشافع لكثرة الشفعاء ووحد الصديق لقلته ألا ترى أن الرجل إذا امتحن بإرهاق ظالم نهضت جماعة وافرة من أهل بلدة رحمة له وحسبة إن لم تسبق له بأكثرهم معرفة وأما الصديق الصادق في ودادك الذي يهمه ما يهمك فهو أعز من بيض الأنوق، ويجوز أن يريد بالصديق الجمع أي فإنه يطلق عليه لما أنه على زنة المصدر بخلاف الشافع. وذكر البيضاوي في توحيد الصديق وجها آخر أيضا، وهو أن الصديق الواحد يسعى أكثر مما يسعى الشفعاء، وحاصله أن الواحد في معنى الجمع بحسب العادة فلذا اكتفي به لما فيه من المطابقة المعنوية كما قيل:
الناس ألف منهمو كواحد | وواحد كالألف إن أمر عنا |
وزعم بعضهم أنهم عنوا بالشافعين هنا ما عنوا بالمجرمين من كبرائهم وساداتهم وفرعوا النفي على قولهم ما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ فكأنهم قالوا: سادتنا وكبراؤنا الذين أضلونا مجرمون معذبون مثلنا فلم يقدروا على السعي في نفعنا والشفاعة لنا، وفي الكشاف فما لنا من شافعين كما نرى المؤمنين لهم شفعاء من الملائكة والنبيين ولا صديق كما نرى لهم أصدقاء فإنه لا يتصادق في الآخرة إلا المؤمنون قال تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف: ٦٧] أو فما لنا من شافعين ولا صديق حميم من الذين كنا نعدهم شفعاء وأصدقاء لأنهم كانوا يعتقدون في أصنامهم أنهم شفعاؤهم عند الله تعالى وكان لهم الأصدقاء من شياطين الإنس أو أرادوا أنهم وقعوا في مهلكة علموا أن الشفعاء والأصدقاء لا ينفعونهم ولا يدفعون عنهم فقصدوا بنفيهم نفي ما يتعلق بهم من النفع لأن ما لا ينفع حكمه حكم المعدوم انتهى.
والظاهر على هذا الأخير أن الكلام كناية عن شدة الأمر بحيث لا ينفع فيه أحد ولو أدنى نفع وهو وجه وجيه، والوجه الأول لا يكاد يتسنى على مذهب المعتزلة الذين لا يجوزون الشفاعة في الخلاص من النار بعد دخولها أو قبله لأن الظاهر من قولهم فما لنا من شافعين كما نرى المؤمنين لهم شفعاء من الملائكة والنبيين فما لنا من شافعين
103
يخلصونا من النار كما نرى المؤمنين لهم شفعاء من الملائكة والنبيين يخلصونهم منها فارتضاء الزمخشري لهذا الوجه غريب اللهم إلا أن يقال: المراد التشبيه باعتبار مطلق الشفاعة والمعتزلة يجوزون بعض أصنافها كالشفاعة في زيادة الدرجات في الجنة لكن لا يخلو عن بعد والله تعالى أعلم، و (لو) في قوله تعالى: فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً مستعملة في التمني بدليل نصب قوله سبحانه: فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ في جوابها وأصلها لو الامتناعية وحيث إن التمني يكون لما يمتنع أريد بها ذلك مجازا مرسلا أو استعارة تبعية ثم شاع حتى صارت كالحقيقة في ذلك، وقيل: هي حقيقة فيما ذكر وقيل: أصلها المصدرية وليس بشيء.
والمعنى فليت لنا رجعة إلى الدنيا فإن نكون من المؤمنين فلا ينالنا إذا متنا فبعثنا مثل ما نحن فيه من العذاب الذي لا ينفع فيه أحد، وجوز كون لو شرطية وجوابها محذوف والتقدير لفعلنا من الخيرات كيت وكيت أو لخلصنا من العذاب أو لكان لنا شفعاء وأصدقاء أو ما أضلنا المجرمون، والتقدير الأول أجزل، ويقدر المحذوف بعد فَنَكُونَ إلخ لأن المصدر المتحصل منه معطوف على كَرَّةً أي فلو أن لنا كرة فنكونا من المؤمنين لفعلنا إلخ.
وتعقب شيخ الإسلام ذلك بأنه إنما يفيد تحقق مضمون الجواب على تقدير تحقق كرتهم وإيمانهم معا من غير دلالة على استلزام الكرة للإيمان أصلا مع أنه المقصود حتما، وفي قوله: من غير دلالة إلخ بحث على ما قيل حيث يمكن أن يقال: حاصل الآية إن تيسر لنا الرجعة والإيمان المتعقب إياها لفعلنا من عبادات أهل الإيمان ما يقصر عنه العبارة، والتزام ثمرات الإيمان التزام للإيمان أولا، ومقصودهم بيان استلزام الرجعة لفعل الخيرات كلها، وأما نفس الإيمان بعد هذه المشاهدة فلا يحتاج إلى البيان.
وقال بعض الناس: إن قولهم فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بمعنى فنكون من المقبول إيمانهم وقبول الله تعالى إيمانهم لا يترتب على رجعتهم البتة بل يجوز أن يتخلف فلا بد أن يكون مرادهم إن تيسر لنا الرجعة وإن قبل إيماننا لفعلنا إلخ فليس المقصود الدلالة على استلزام الكرة للإيمان كما زعم شيخ الإسلام، ونوقش فيه بأن تيسر الرجعة إنما يكون لرحمة الله تعالى وعفوه وهي تستلزم قبول إيمانهم، والحق أنه لا ينبغي الالتفات إلى احتمال شرطية لو والتكلف له مع جزالة المعنى الظاهر المتبادر، والكلام في قوله تعالى:
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ قد تقدم آنفا فلا حاجة إلى إعادته وقد علمت مختارنا في ذلك فتذكر فما في العهد من قدم، ولشيخ الإسلام كلام في هذه الآية لا يخفى ما فيه على المتأمل فتأمل كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ القوم كما في المصباح يذكر ويؤنث وكذلك كل اسم جمع لا واحد له من لفظه نحو رهط ونفر ولذا يصغر على قويمة، وقيل: هو مذكر ولحقت فعله علامة التأنيث على إرادة الأمة والجماعة منه وتكذيبهم المرسلين باعتبار إجماع الكل على التوحيد وأصول الشرائع التي لا تختلف باختلاف الأزمنة والإعصار، وجوز أن يراد بالمرسلين نوح عليه السلام بجعل اللام للجنس فهو نظير قولك: فلان يركب الدواب ويلبس البرود وما له إلا دابة واحدة وبرد واحد، وإِذْ في قوله تعالى: إِذْ قالَ لَهُمْ ظرف للتكذيب على أنه عبارة عن زمان مديد وقع فيه ما وقع من الجانبين إلى تمام الأمر كما أن تكذيبهم عبارة عما صدر منهم من حين ابتداء دعوته عليه السلام إلى انتهائها، وزعم بعضهم أن إِذْ للتعليل أي كذبت لأجل أن قال لهم: أَخُوهُمْ نُوحٌ أي نسيبهم كما يقال: يا أخا العرب ويا أخا تميم، وعلى ذلك قوله:
والمعنى فليت لنا رجعة إلى الدنيا فإن نكون من المؤمنين فلا ينالنا إذا متنا فبعثنا مثل ما نحن فيه من العذاب الذي لا ينفع فيه أحد، وجوز كون لو شرطية وجوابها محذوف والتقدير لفعلنا من الخيرات كيت وكيت أو لخلصنا من العذاب أو لكان لنا شفعاء وأصدقاء أو ما أضلنا المجرمون، والتقدير الأول أجزل، ويقدر المحذوف بعد فَنَكُونَ إلخ لأن المصدر المتحصل منه معطوف على كَرَّةً أي فلو أن لنا كرة فنكونا من المؤمنين لفعلنا إلخ.
وتعقب شيخ الإسلام ذلك بأنه إنما يفيد تحقق مضمون الجواب على تقدير تحقق كرتهم وإيمانهم معا من غير دلالة على استلزام الكرة للإيمان أصلا مع أنه المقصود حتما، وفي قوله: من غير دلالة إلخ بحث على ما قيل حيث يمكن أن يقال: حاصل الآية إن تيسر لنا الرجعة والإيمان المتعقب إياها لفعلنا من عبادات أهل الإيمان ما يقصر عنه العبارة، والتزام ثمرات الإيمان التزام للإيمان أولا، ومقصودهم بيان استلزام الرجعة لفعل الخيرات كلها، وأما نفس الإيمان بعد هذه المشاهدة فلا يحتاج إلى البيان.
وقال بعض الناس: إن قولهم فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بمعنى فنكون من المقبول إيمانهم وقبول الله تعالى إيمانهم لا يترتب على رجعتهم البتة بل يجوز أن يتخلف فلا بد أن يكون مرادهم إن تيسر لنا الرجعة وإن قبل إيماننا لفعلنا إلخ فليس المقصود الدلالة على استلزام الكرة للإيمان كما زعم شيخ الإسلام، ونوقش فيه بأن تيسر الرجعة إنما يكون لرحمة الله تعالى وعفوه وهي تستلزم قبول إيمانهم، والحق أنه لا ينبغي الالتفات إلى احتمال شرطية لو والتكلف له مع جزالة المعنى الظاهر المتبادر، والكلام في قوله تعالى:
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ قد تقدم آنفا فلا حاجة إلى إعادته وقد علمت مختارنا في ذلك فتذكر فما في العهد من قدم، ولشيخ الإسلام كلام في هذه الآية لا يخفى ما فيه على المتأمل فتأمل كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ القوم كما في المصباح يذكر ويؤنث وكذلك كل اسم جمع لا واحد له من لفظه نحو رهط ونفر ولذا يصغر على قويمة، وقيل: هو مذكر ولحقت فعله علامة التأنيث على إرادة الأمة والجماعة منه وتكذيبهم المرسلين باعتبار إجماع الكل على التوحيد وأصول الشرائع التي لا تختلف باختلاف الأزمنة والإعصار، وجوز أن يراد بالمرسلين نوح عليه السلام بجعل اللام للجنس فهو نظير قولك: فلان يركب الدواب ويلبس البرود وما له إلا دابة واحدة وبرد واحد، وإِذْ في قوله تعالى: إِذْ قالَ لَهُمْ ظرف للتكذيب على أنه عبارة عن زمان مديد وقع فيه ما وقع من الجانبين إلى تمام الأمر كما أن تكذيبهم عبارة عما صدر منهم من حين ابتداء دعوته عليه السلام إلى انتهائها، وزعم بعضهم أن إِذْ للتعليل أي كذبت لأجل أن قال لهم: أَخُوهُمْ نُوحٌ أي نسيبهم كما يقال: يا أخا العرب ويا أخا تميم، وعلى ذلك قوله:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم | في النائبات على ما قال برهانا |
قد يدرك المجد الفتى ورداؤه | خلق وجيب قميصه مرقوع |
وليس على عبد تقي نقيصة | إذا صحح التقوى وإن حاك أو حجم |
(١) في الأصل قوله في الجواب «وما علمي» والتلاوة قال وما علمي فصححناه.
105
ومثلها صفة النسب فقد قيل:
وما ذكره الفقهاء في باب الكفاءة مبني على عرف العامة لانتظام أمر المعاش ونحوه على أنه روي عن الإمام مالك عدم اعتبار شيء من ذلك أصلا وأن المسلمين كيفما كانوا أكفاء بعضهم لبعض، وأل على هذه الأقوال للعهد.
والجواب بما ذكر عما أشاروا إليه بقولهم ذلك من أن إيمانهم لم يكن عن نظر وبصيرة وإنما كان لحظ نفساني كحصول شوكة بالاجتماع ينتظمون بها في سلك ذوي الشرف ويعدون بها في عدادهم، وحاصله وما وظيفتي إلا اعتبار الظواهر دون الشق عن القلوب والتفتيش عما في السرائر فما يضرني عدم إخلاصهم في إيمانهم كما تزعمون وجوز أن يقال: إنهم لما قالوا: وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ وعنوا الذين لا نصيب لهم من الدنيا أو الذين اتضعت أنسابهم أو كانوا من أهل الصنائع الدنيئة تغابى عليه السلام عن مرادهم وخيل لهم أنهم عنوا بالأرذلين من لا إخلاص له في العمل ولم يؤمن عن نظر وبصيرة فأجابهم بما ذكر كأنه ما عرف من الأرذلين إلا ذلك، ولو جعل هذا نوعا من الأسلوب الحكيم لم يبعد عندي، وفيه من لطف الرد عليهم وتقبيح ما هم عليه ما لا يخفى، وزعم بعضهم أنهم عنوا بالأرذلين نساءه عليه السلام وبنيه وكناته وبني بنيه واسترذالهم لعضة النسب لا يتصور في جميعهم حقيقة كما لا يخفى فلا بد عليه من اعتبار التغليب ونحوه، وقرأ الأعرج وأبو زرعة وعيسى بن عمر الهمداني «يشعرون» بياء الغيبة وقوله تعالى:
وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ جواب عما أوهمه كلامهم من استدعاء طردهم وتعليق إيمانهم بذلك حيث جعلوا أتباعهم مانعا عنه، وقد نزلوا لذلك منزلة من يدعي أنه عليه السلام ممن يطرد المؤمنين وأنه ممن يشترك معه فيه فقدم المسند إليه وأولى حرف النفي لإفادة أن ذلك ليس شأنه بل شأن المخاطبين.
وجوز أن يكون التقديم للتقوى وهو أقل مؤنة كما لا يخفى، وقيل: إنهم طلبوا منه عليه السلام طردهم فأجابهم بذلك كما طلب رؤساء قريش من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرد من آمن به من الضعفاء فنزلت وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ [الأنعام: ٥٢] الآية، وقوله تعالى: إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ كالعلة له أي ما أنا إلا رسول مبعوث لإنذار المكلفين وزجرهم عما لا يرضيه سبحانه وتعالى سواء كانوا من الأشرفين أو الأرذلين فكيف يتسنى لي طرد من زعمتم أنهم أرذلون.
وحاصله أنا مقصور على إنذار المكلفين لا أتعداه إلى طرد الأرذلين منهم أو ما عليّ إلا إنذاركم بالبرهان الواضح وقد فعلته وما عليّ استرضاء بعضكم بطرد الآخرين، وحاصله أنا مقصور على إنذاركم لا أتعداه إلى استرضائكم.
وقيل: إن مجموع الجملتين جواب وإن إيلاء الضمير حرف النفي يدل على أنهم زعموا أنه عليه السلام موصوف بصفتين، إحداهما اتباع أهوائهم بطرد المؤمنين لأجل أن يؤمنوا، وثانيتهما أنه نذير مبين فقصر الحكم على الثاني دون الأول ولا يخلو عن بحث قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ عما أنت عليه لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ أي المرميين بالحجارة كما روي عن قتادة، وهو توعد بالقتل كما روي عن الحسن، وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي أن المعنى من المشتومين على أن الرجم مستعار للشتم كالطعن، وفي إرشاد العقل السليم أنهم قاتلهم الله تعالى قالوا ذلك في أواخر الأمر، ومعنى قوله تعالى: قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ استمروا على تكذيبي وأصروا عليه بعد ما دعوتهم هذه الأزمنة المتطاولة ولم يزدهم دعائي إلا فرارا. وهذا ليس بإخبار بالاستمرار على التكذيب لعلمه عليه السلام أن
أبي الإسلام لا أب لي سواه | إذا افتخروا بقيس أو تميم |
والجواب بما ذكر عما أشاروا إليه بقولهم ذلك من أن إيمانهم لم يكن عن نظر وبصيرة وإنما كان لحظ نفساني كحصول شوكة بالاجتماع ينتظمون بها في سلك ذوي الشرف ويعدون بها في عدادهم، وحاصله وما وظيفتي إلا اعتبار الظواهر دون الشق عن القلوب والتفتيش عما في السرائر فما يضرني عدم إخلاصهم في إيمانهم كما تزعمون وجوز أن يقال: إنهم لما قالوا: وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ وعنوا الذين لا نصيب لهم من الدنيا أو الذين اتضعت أنسابهم أو كانوا من أهل الصنائع الدنيئة تغابى عليه السلام عن مرادهم وخيل لهم أنهم عنوا بالأرذلين من لا إخلاص له في العمل ولم يؤمن عن نظر وبصيرة فأجابهم بما ذكر كأنه ما عرف من الأرذلين إلا ذلك، ولو جعل هذا نوعا من الأسلوب الحكيم لم يبعد عندي، وفيه من لطف الرد عليهم وتقبيح ما هم عليه ما لا يخفى، وزعم بعضهم أنهم عنوا بالأرذلين نساءه عليه السلام وبنيه وكناته وبني بنيه واسترذالهم لعضة النسب لا يتصور في جميعهم حقيقة كما لا يخفى فلا بد عليه من اعتبار التغليب ونحوه، وقرأ الأعرج وأبو زرعة وعيسى بن عمر الهمداني «يشعرون» بياء الغيبة وقوله تعالى:
وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ جواب عما أوهمه كلامهم من استدعاء طردهم وتعليق إيمانهم بذلك حيث جعلوا أتباعهم مانعا عنه، وقد نزلوا لذلك منزلة من يدعي أنه عليه السلام ممن يطرد المؤمنين وأنه ممن يشترك معه فيه فقدم المسند إليه وأولى حرف النفي لإفادة أن ذلك ليس شأنه بل شأن المخاطبين.
وجوز أن يكون التقديم للتقوى وهو أقل مؤنة كما لا يخفى، وقيل: إنهم طلبوا منه عليه السلام طردهم فأجابهم بذلك كما طلب رؤساء قريش من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرد من آمن به من الضعفاء فنزلت وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ [الأنعام: ٥٢] الآية، وقوله تعالى: إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ كالعلة له أي ما أنا إلا رسول مبعوث لإنذار المكلفين وزجرهم عما لا يرضيه سبحانه وتعالى سواء كانوا من الأشرفين أو الأرذلين فكيف يتسنى لي طرد من زعمتم أنهم أرذلون.
وحاصله أنا مقصور على إنذار المكلفين لا أتعداه إلى طرد الأرذلين منهم أو ما عليّ إلا إنذاركم بالبرهان الواضح وقد فعلته وما عليّ استرضاء بعضكم بطرد الآخرين، وحاصله أنا مقصور على إنذاركم لا أتعداه إلى استرضائكم.
وقيل: إن مجموع الجملتين جواب وإن إيلاء الضمير حرف النفي يدل على أنهم زعموا أنه عليه السلام موصوف بصفتين، إحداهما اتباع أهوائهم بطرد المؤمنين لأجل أن يؤمنوا، وثانيتهما أنه نذير مبين فقصر الحكم على الثاني دون الأول ولا يخلو عن بحث قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ عما أنت عليه لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ أي المرميين بالحجارة كما روي عن قتادة، وهو توعد بالقتل كما روي عن الحسن، وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي أن المعنى من المشتومين على أن الرجم مستعار للشتم كالطعن، وفي إرشاد العقل السليم أنهم قاتلهم الله تعالى قالوا ذلك في أواخر الأمر، ومعنى قوله تعالى: قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ استمروا على تكذيبي وأصروا عليه بعد ما دعوتهم هذه الأزمنة المتطاولة ولم يزدهم دعائي إلا فرارا. وهذا ليس بإخبار بالاستمرار على التكذيب لعلمه عليه السلام أن
106
عالم الغيب والشهادة أعلم ولكنه أراد إظهار ما يدعو عليهم لأجله وهو تكذيب الحق لا تخويفهم له واستخفافهم به في قولهم: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ تلطفا في فتح باب الإجابة، وقيل: لدفع توهم الخلق فيه المتجاوز أو الحدة، وقيل: إنه خبر لم يقصد منه الإعلام أصلا وإنما أورد لغرض التحزن والتفجع كما في قوله:
ويبعد ذلك في الجملة تفريع الدعاء عليهم بقوله تعالى: فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً على ذلك أي أحكم بيننا بما يستحقه كل واحد منا من الفتاحة بمعنى الحكومة، وفَتْحاً مصدر، وجوز أن يكون مفعولا به على أنه بمعنى مفتوحا وهذه حكاية إجمالية لدعائه عليه السلام المفصل في سورة نوح وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي من قصدهم أو شؤم أعمالهم، وفيه إشعار بحلول العذاب بهم فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ على حسب دعائه عليه السلام فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ أي المملوء بهم وبما يحتاجون إليه حالا كالطعام أو مالا كالحيوان.
والفلك يستعمل واحدا وجمعا، وحيث أتى في القرآن الكريم فاصلة استعمل مفردا أو غير فاصلة استعمل جمعا كما في البحر ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ أي بعد إنجائهم، وثُمَّ للتفاوت الرتبي، ولذا قال سبحانه بعد الْباقِينَ أي من قومه.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ الكلام فيه نظير الكلام فيما تقدم، وكذا الكلام في قوله تعالى كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ بيد أن تأنيث الفعل هنا باعتبار أن المراد بعاد القبيلة وهو اسم أبيهم الأقصى، وكثيرا ما يعبر عن القبيلة إذا كانت عظيمة بالأب وقد يعبر عنها ببني أو بآل مضافا إليه فيقال:
بنو فلان أو آل فلان، وكذا الكلام في قوله سبحانه:
إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ وحكاية الأمر بالتقوى والإطاعة ونفي سؤال الأجر في القصص الخمس وتصديرها بذلك للتنبيه على أن مبنى البعثة هو الدعاء إلى معرفة الحق والطاعة فيما يقرب المدعو إلى الثواب ويبعده من العقاب وأن الأنبياء عليهم السلام مجتمعون على ذلك وإن اختلفوا في بعض فروع الشرائع المختلفة باختلاف الأزمنة والإعصار وأنهم عليهم السلام منزهون عن المطامع الدنيوية بالكلية.
ولعله لم يسلك هذا المسلك في قصتي موسى وإبراهيم عليهما السلام تفننا مع ذكر ما يشعر بذلك، وقيل: إن ما ذكر ثمة أهم وكانت منازل عاد بين عمان وحضرموت وكانت أخصب البلاد وأعمرها فجعلها الله تعالى مفاوز ورمالا، ويشير إلى عمارتها قوله تعالى أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ أي طريق كما روي عن ابن عباس وقتادة.
وأخرج ابن جرير وجماعة عن مجاهد أن الريع الفج بين الجبلين وعن أبي صخر أنه الجبل والمكان المرتفع عن الأرض وعن عطاء أنه عين الماء والأكثرون على أنه المكان المرتفع وهو رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ومنه ريع النبات وهو ارتفاعه بالزيادة والنماء.
وقرأ ابن أبي عبلة «ريع» بفتح الراء آيَةً أي علما كما روى عن الحبر رضي الله تعالى عنه، وقيل: قصرا عاليا مشيدا كأنه علم وإليه ذهب النقاش وغيره واستظهره ابن المنير ويمكن حمل ما روي عن الحبر عليه وحينئذ فقوله تعالى: تَعْبَثُونَ على معنى تعبثون ببنائها لما أنهم لم يكونوا محتاجين إليها وإنما بنوها للفخر بها. والبعث مالا فائدة فيه حقيقة أو حكما، وقد ذم رفع البناء لغير غرض شرعي في شريعتنا أيضا، وقيل: إن عبثهم في ذلك من حيث إنهم
قومي هم قتلوا أميم أخي | فلئن رميت يصيبني سهمي |
والفلك يستعمل واحدا وجمعا، وحيث أتى في القرآن الكريم فاصلة استعمل مفردا أو غير فاصلة استعمل جمعا كما في البحر ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ أي بعد إنجائهم، وثُمَّ للتفاوت الرتبي، ولذا قال سبحانه بعد الْباقِينَ أي من قومه.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ الكلام فيه نظير الكلام فيما تقدم، وكذا الكلام في قوله تعالى كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ بيد أن تأنيث الفعل هنا باعتبار أن المراد بعاد القبيلة وهو اسم أبيهم الأقصى، وكثيرا ما يعبر عن القبيلة إذا كانت عظيمة بالأب وقد يعبر عنها ببني أو بآل مضافا إليه فيقال:
بنو فلان أو آل فلان، وكذا الكلام في قوله سبحانه:
إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ وحكاية الأمر بالتقوى والإطاعة ونفي سؤال الأجر في القصص الخمس وتصديرها بذلك للتنبيه على أن مبنى البعثة هو الدعاء إلى معرفة الحق والطاعة فيما يقرب المدعو إلى الثواب ويبعده من العقاب وأن الأنبياء عليهم السلام مجتمعون على ذلك وإن اختلفوا في بعض فروع الشرائع المختلفة باختلاف الأزمنة والإعصار وأنهم عليهم السلام منزهون عن المطامع الدنيوية بالكلية.
ولعله لم يسلك هذا المسلك في قصتي موسى وإبراهيم عليهما السلام تفننا مع ذكر ما يشعر بذلك، وقيل: إن ما ذكر ثمة أهم وكانت منازل عاد بين عمان وحضرموت وكانت أخصب البلاد وأعمرها فجعلها الله تعالى مفاوز ورمالا، ويشير إلى عمارتها قوله تعالى أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ أي طريق كما روي عن ابن عباس وقتادة.
وأخرج ابن جرير وجماعة عن مجاهد أن الريع الفج بين الجبلين وعن أبي صخر أنه الجبل والمكان المرتفع عن الأرض وعن عطاء أنه عين الماء والأكثرون على أنه المكان المرتفع وهو رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ومنه ريع النبات وهو ارتفاعه بالزيادة والنماء.
وقرأ ابن أبي عبلة «ريع» بفتح الراء آيَةً أي علما كما روى عن الحبر رضي الله تعالى عنه، وقيل: قصرا عاليا مشيدا كأنه علم وإليه ذهب النقاش وغيره واستظهره ابن المنير ويمكن حمل ما روي عن الحبر عليه وحينئذ فقوله تعالى: تَعْبَثُونَ على معنى تعبثون ببنائها لما أنهم لم يكونوا محتاجين إليها وإنما بنوها للفخر بها. والبعث مالا فائدة فيه حقيقة أو حكما، وقد ذم رفع البناء لغير غرض شرعي في شريعتنا أيضا، وقيل: إن عبثهم في ذلك من حيث إنهم
107
بنوها ليهتدوا بها في أسفارهم والنجوم تغني عنها. واعترض بأن الحاجة تدعو لذلك لغيم مطبق أو ما يجري مجراه.
وأجيب بأن الغيم نادر لا سيما في ديار العرب مع أنه لو احتيج إليها لم يحتج إلى أن تجعل في كل ريع فيكون بناؤها كذلك عبثا.
وقال الفاضل اليمني: إن أماكنها المرتفعة تغني عنها فهي عبث، وقيل: كانوا يبنون ذلك ليشرفوا على المارة والسابلة فيسخروا منهم ويعبثوا بهم: وروي ذلك عن الكلبي والضحاك، وعن مجاهد وابن جبير أن الآية برج الحمام كانوا يبنون البروج في كل ريع ليلعبوا بالحمام ويلهوا به، وقيل: بيت العشار يبنونه بكل رأس طريق فيجلسون فيه ليعشروا مال من يمر بهم. وله نظير في بلادنا اليوم، ولا مستعان إلا بالله العلي العظيم.
والجملة في موضع الحال وهي حال مقدرة على بعض الأقوال وَتَتَّخِذُونَ أي تعملون مَصانِعَ أي مآخذ للماء ومجاري تحت الأرض كما روي عن قتادة، وفي رواية أخرى عنه أنها برك الماء. وعن مجاهد أنها القصور المشيدة، وقيل: الحصون المحكمة. وأنشدوا قول لبيد:
وتبقى جبال بعدنا ومصانع وليس بنص في المدعي لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ أي راجين أن تخلدوا في الدنيا أو عاملين عمل من يرجو الخلود فيها فلعل على بابها من الرجاء، وقيل: هي للتعليل وفي قراءة عبد الله كي تخلدون.
وقال ابن زيد: هي للاستفهام على سبيل التوبيخ والهزء بهم أي هل أنتم تخلدون، وكون لعل للاستفهام مذهب كوفي، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: المعنى كأنكم خالدون وقرىء بذلك كما روي عن قتادة، وفي حرف أبي «كأنكم تخلدون» وظاهر ما ذكر أن لعل هنا للتشبيه، وحكي ذلك صريحا الواقدي عن البغوي.
وفي البرهان هو معنى غريب لم يذكره النحاة. ووقع في صحيح البخاري أن لعل في الآية للتشبيه انتهى.
وقرأ قتادة «تخلدون» مبنيا للمفعول مخففا ويقال: خلد الشيء وأخلده غيره، وقرأ أبي وعلقمة «تخلّدون» مبنيا للمفعول مشددا كما قال الشاعر:
وَإِذا بَطَشْتُمْ أي أردتم البطش بسوط أو سيف بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ مسلطين غاشمين بلا رأفة ولا قصد تأديب ولا نظر في العاقبة. وأول الشرط بما ذكر ليصح التسبب وتقييد الجزاء بالحال لا يصححه لأن المطلق ليس سببا للمقيد، وقيل: لا يضر الاتحاد لقصد المبالغة، وقيل: الجزائية باعتبار الإعلام والأخبار وهو كما ترى. ونظير الآية قوله:
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة ودل توبيخه عليه السلام إياهم بما ذكر على استيلاء حب الدنيا والكبر على قلوبهم حتى أخرجهم ذلك عن حد العبودية فَاتَّقُوا اللَّهَ واتركوا هذه الأفعال وَأَطِيعُونِ فيما أدعوكم إليه فإنه أنفع لكم وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ أي بالذي تعرفونه من النعم فما موصولة والعائد محذوف والعلم بمعنى المعرفة، وقوله تعالى: أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ منزل منزلة بدل البعض كما ذكره غير واحد من أهل المعاني، ووجهه عندهم أن المراد التنبيه على نعم الله تعالى والمقام يقتضي اعتناء بشأنه لكونه مطلوبا في نفسه أو ذريعة إلى غيره من الشكر بالتقوى، وقوله سبحانه:
وأجيب بأن الغيم نادر لا سيما في ديار العرب مع أنه لو احتيج إليها لم يحتج إلى أن تجعل في كل ريع فيكون بناؤها كذلك عبثا.
وقال الفاضل اليمني: إن أماكنها المرتفعة تغني عنها فهي عبث، وقيل: كانوا يبنون ذلك ليشرفوا على المارة والسابلة فيسخروا منهم ويعبثوا بهم: وروي ذلك عن الكلبي والضحاك، وعن مجاهد وابن جبير أن الآية برج الحمام كانوا يبنون البروج في كل ريع ليلعبوا بالحمام ويلهوا به، وقيل: بيت العشار يبنونه بكل رأس طريق فيجلسون فيه ليعشروا مال من يمر بهم. وله نظير في بلادنا اليوم، ولا مستعان إلا بالله العلي العظيم.
والجملة في موضع الحال وهي حال مقدرة على بعض الأقوال وَتَتَّخِذُونَ أي تعملون مَصانِعَ أي مآخذ للماء ومجاري تحت الأرض كما روي عن قتادة، وفي رواية أخرى عنه أنها برك الماء. وعن مجاهد أنها القصور المشيدة، وقيل: الحصون المحكمة. وأنشدوا قول لبيد:
وتبقى جبال بعدنا ومصانع وليس بنص في المدعي لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ أي راجين أن تخلدوا في الدنيا أو عاملين عمل من يرجو الخلود فيها فلعل على بابها من الرجاء، وقيل: هي للتعليل وفي قراءة عبد الله كي تخلدون.
وقال ابن زيد: هي للاستفهام على سبيل التوبيخ والهزء بهم أي هل أنتم تخلدون، وكون لعل للاستفهام مذهب كوفي، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: المعنى كأنكم خالدون وقرىء بذلك كما روي عن قتادة، وفي حرف أبي «كأنكم تخلدون» وظاهر ما ذكر أن لعل هنا للتشبيه، وحكي ذلك صريحا الواقدي عن البغوي.
وفي البرهان هو معنى غريب لم يذكره النحاة. ووقع في صحيح البخاري أن لعل في الآية للتشبيه انتهى.
وقرأ قتادة «تخلدون» مبنيا للمفعول مخففا ويقال: خلد الشيء وأخلده غيره، وقرأ أبي وعلقمة «تخلّدون» مبنيا للمفعول مشددا كما قال الشاعر:
وهل يعمن إلا سعيد مخلد | قليل هموم ما يبيت بأوجال |
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة ودل توبيخه عليه السلام إياهم بما ذكر على استيلاء حب الدنيا والكبر على قلوبهم حتى أخرجهم ذلك عن حد العبودية فَاتَّقُوا اللَّهَ واتركوا هذه الأفعال وَأَطِيعُونِ فيما أدعوكم إليه فإنه أنفع لكم وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ أي بالذي تعرفونه من النعم فما موصولة والعائد محذوف والعلم بمعنى المعرفة، وقوله تعالى: أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ منزل منزلة بدل البعض كما ذكره غير واحد من أهل المعاني، ووجهه عندهم أن المراد التنبيه على نعم الله تعالى والمقام يقتضي اعتناء بشأنه لكونه مطلوبا في نفسه أو ذريعة إلى غيره من الشكر بالتقوى، وقوله سبحانه:
108
أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ إلخ أو في بتأدية ذلك المراد لدلالته على النعم بالتفصيل من غير إحالة على علم المخاطبين المعاندين فوزانه وزان- وجهه- في أعجبني زيد وجهه لدخول الثاني في الأول لأن ما تَعْلَمُونَ يشمل الأنعام وما بعدها من المعطوفات، ولا يخفى ما في التفصيل بعد الإجمال من المبالغة، وفي البحر إن قوله تعالى: بِأَنْعامٍ على مذهب بعض النحويين بدل من قوله سبحانه: بِما تَعْلَمُونَ وأعيد العامل كقوله تعالى: اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً [يس: ٢٠، ٢١] والأكثرون لا يجعلون مثل هذا أبدالا وإنما هو عندهم من تكرار الجمل وإن كان المعنى واحدا ويسمى التتبيع، وإنما يجوز أن يعاد العامل عندهم إذا كان حرف جر دون ما يتعلق به نحو مررت بزيد بأخيك انتهى.
ونقل نحوه عن السفاقسي، وقال أبو حيان: الجملة مفسرة لما قبلها ولا موضع لها، وبدأ بذكر الأنعام لأنها تحصل بها الرياسة والقوة على العدو والغنى الذي لا تكمل اللذة بالبنين وغيرهم في الأغلب إلا به وهي أحب الأموال إلى العرب ثم بالبنين لأنهم معينوهم على الحفظ والقيام عليها ومن ذلك يعلم وجه قرنهما، ووجه قرن الجنات والعيون في قوله تعالى: وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ظاهر وكذا وجه قرنهما مع الأنعام، وقوله سبحانه: إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ إلخ في موضع التعليل أي إني أخاف عليكم إن لم تتقوا وتقوموا بشكر هذه النعم: عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ في الدنيا والآخرة فإن كفران النعمة مستتبع للعذاب كما أن شكرها مستلزم لزيادتها قال تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم: ٧] وعلل بما ذكر دون استلزام التقوى للزيادة لأن زوال النعمة يحزن فوق ما تسر زيادتها ودرء المضار مقدم على جلب المنافع:
قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ فإنا لا نرعوي عما نحن عليه قالوا ذلك على سبيل الاستخفاف وعدم المبالاة بما خوفهم به عليه السلام، وعدلوا عن أم لم تعظ الذي يقتضيه الظاهر للمبالغة في بيان قلة اعتدادهم بوعظه عليه السلام لما في كلامهم على ما في النظم الجليل من استواء وعظه والعدم الصرف البليغ وهو عدم كونه من عداد الواعظين وجنسهم، وقيل: في وجه المبالغة إفادة كان الاستمرار والْواعِظِينَ الكمال واعتبارهما بقرينة المقام بعد النفي أي سواء علينا أوعظت أم استمر انتفاء كونك من زمرة من يعظ انتفاء كاملا بحيث لا يرجى منك نقيضه، وقال في البحر: إن المقابلة بما ذكر لأجل الفاصلة كما في قوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ [الأعراف: ١٩٣] وكثيرا ما يحسن مع الفواصل ما لا يحسن دونه وليس بشيء كما لا يخفى. وروي عن أبي عمرو والكسائي إدغام الظاء في التاء في «وعظت» وبالإدغام قرأ ابن محيصن. والأعمش إلا أن الأعمش زاد ضمير المفعول فقرأ «أوعظتنا» وينبغي أن يكون إخفاء لأن الظاء مجهورة مطبقة والتاء مهموسة منفتحة فالظاء أقوى منها والإدغام إنما يحسن في المتماثلين أو في المتقاربين إذا كان الأول أنقص من الثاني.
وأما إدغام الأقوى في الأضعف فلا يحسن، وإذا جاء شيء من ذلك في القرآن بنقل الثقات وجب قبوله وإن كان غيره أفصح وأقيس. وقوله تعالى: إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ تعليل لما ادعوه من المساواة أي ما هذا الذي جئتنا به الإعادة الأولين يلفقون مثله ويدعون إليه أو ما هذا الذي نحن عليه من الحياة والموت إلا عادة قديمة لم يزل الناس عليها أو ما هذا الذي نحن عليه من الدين إلا عادة الأولين الذين تقدمونا من الآباء وغيرهم ونحن بهم مقتدون، وقرأ أبو قلابة والأصمعي عن نافع «خلق» بضم الخاء وسكون اللام، والمعنى عليه كما تقدم.
وقرأ عبد الله وعلقمة والحسن وأبو جعفر وأبو عمرو وابن كثير والكسائي «خلق» بفتح الخاء وسكون اللام أي ما
ونقل نحوه عن السفاقسي، وقال أبو حيان: الجملة مفسرة لما قبلها ولا موضع لها، وبدأ بذكر الأنعام لأنها تحصل بها الرياسة والقوة على العدو والغنى الذي لا تكمل اللذة بالبنين وغيرهم في الأغلب إلا به وهي أحب الأموال إلى العرب ثم بالبنين لأنهم معينوهم على الحفظ والقيام عليها ومن ذلك يعلم وجه قرنهما، ووجه قرن الجنات والعيون في قوله تعالى: وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ظاهر وكذا وجه قرنهما مع الأنعام، وقوله سبحانه: إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ إلخ في موضع التعليل أي إني أخاف عليكم إن لم تتقوا وتقوموا بشكر هذه النعم: عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ في الدنيا والآخرة فإن كفران النعمة مستتبع للعذاب كما أن شكرها مستلزم لزيادتها قال تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم: ٧] وعلل بما ذكر دون استلزام التقوى للزيادة لأن زوال النعمة يحزن فوق ما تسر زيادتها ودرء المضار مقدم على جلب المنافع:
قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ فإنا لا نرعوي عما نحن عليه قالوا ذلك على سبيل الاستخفاف وعدم المبالاة بما خوفهم به عليه السلام، وعدلوا عن أم لم تعظ الذي يقتضيه الظاهر للمبالغة في بيان قلة اعتدادهم بوعظه عليه السلام لما في كلامهم على ما في النظم الجليل من استواء وعظه والعدم الصرف البليغ وهو عدم كونه من عداد الواعظين وجنسهم، وقيل: في وجه المبالغة إفادة كان الاستمرار والْواعِظِينَ الكمال واعتبارهما بقرينة المقام بعد النفي أي سواء علينا أوعظت أم استمر انتفاء كونك من زمرة من يعظ انتفاء كاملا بحيث لا يرجى منك نقيضه، وقال في البحر: إن المقابلة بما ذكر لأجل الفاصلة كما في قوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ [الأعراف: ١٩٣] وكثيرا ما يحسن مع الفواصل ما لا يحسن دونه وليس بشيء كما لا يخفى. وروي عن أبي عمرو والكسائي إدغام الظاء في التاء في «وعظت» وبالإدغام قرأ ابن محيصن. والأعمش إلا أن الأعمش زاد ضمير المفعول فقرأ «أوعظتنا» وينبغي أن يكون إخفاء لأن الظاء مجهورة مطبقة والتاء مهموسة منفتحة فالظاء أقوى منها والإدغام إنما يحسن في المتماثلين أو في المتقاربين إذا كان الأول أنقص من الثاني.
وأما إدغام الأقوى في الأضعف فلا يحسن، وإذا جاء شيء من ذلك في القرآن بنقل الثقات وجب قبوله وإن كان غيره أفصح وأقيس. وقوله تعالى: إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ تعليل لما ادعوه من المساواة أي ما هذا الذي جئتنا به الإعادة الأولين يلفقون مثله ويدعون إليه أو ما هذا الذي نحن عليه من الحياة والموت إلا عادة قديمة لم يزل الناس عليها أو ما هذا الذي نحن عليه من الدين إلا عادة الأولين الذين تقدمونا من الآباء وغيرهم ونحن بهم مقتدون، وقرأ أبو قلابة والأصمعي عن نافع «خلق» بضم الخاء وسكون اللام، والمعنى عليه كما تقدم.
وقرأ عبد الله وعلقمة والحسن وأبو جعفر وأبو عمرو وابن كثير والكسائي «خلق» بفتح الخاء وسكون اللام أي ما
109
ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ
ﲍ
ﭺﭻﭼﭽ
ﲎ
ﭿﮀﮁ
ﲏ
ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ
ﲐ
ﮐﮑﮒﮓﮔ
ﲑ
ﮖﮗﮘ
ﲒ
ﮚﮛﮜﮝ
ﲓ
ﮟﮠﮡﮢﮣ
ﲔ
ﮥﮦﮧ
ﲕ
ﮩﮪﮫﮬ
ﲖ
ﮮﮯﮰﮱﯓﯔ
ﲗ
ﯖﯗﯘﯙﯚ
ﲘ
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ
ﲙ
ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ
ﲚ
ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ
ﲛ
ﯺﯻﯼ
ﲜ
ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ
ﲝ
ﰋﰌﰍﰎﰏ
ﲞ
ﭑﭒﭓﭔ
ﲟ
ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ
ﲠ
ﭞﭟﭠﭡ
ﲡ
ﭣﭤﭥ
ﲢ
ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ
ﲣ
ﭴﭵﭶﭷ
ﲤ
ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ
ﲥ
ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ
ﲦ
ﮏﮐﮑﮒﮓ
ﲧ
ﮕﮖﮗﮘﮙ
ﲨ
ﮛﮜﮝ
ﲩ
ﮟﮠﮡﮢ
ﲪ
ﮤﮥﮦ
ﲫ
ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ
ﲬ
ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ
ﲭ
ﯛﯜﯝﯞﯟ
ﲮ
ﯡﯢﯣﯤ
ﲯ
ﯦﯧﯨﯩﯪﯫ
ﲰ
ﯭﯮﯯﯰ
ﲱ
ﯲﯳﯴ
ﲲ
ﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ
ﲳ
ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ
ﲴ
ﰋﰌﰍ
ﲵ
ﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗ
ﲶ
ﭑﭒﭓﭔﭕ
ﲷ
ﭗﭘﭙﭚﭛ
ﲸ
ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ
ﲹ
ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ
ﲺ
ﭱﭲﭳﭴﭵ
ﲻ
ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ
ﲼ
ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ
ﲽ
ﮍﮎﮏﮐﮑ
ﲾ
ﮓﮔﮕﮖ
ﲿ
ﮘﮙﮚﮛ
ﳀ
ﮝﮞﮟﮠﮡ
ﳁ
ﮣﮤﮥ
ﳂ
ﮧﮨﮩﮪ
ﳃ
ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ
ﳄ
ﯗﯘﯙﯚﯛ
ﳅ
ﯝﯞﯟﯠﯡﯢ
ﳆ
ﯤﯥﯦﯧﯨ
ﳇ
ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ
ﳈ
ﯲﯳﯴﯵﯶ
ﳉ
ﯸﯹﯺﯻ
ﳊ
ﯽﯾ
ﳋ
ﰀﰁﰂﰃ
ﳌ
ﰅﰆﰇﰈﰉ
ﳍ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ
ﳎ
ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ
ﳏ
ﭠﭡﭢﭣ
ﳐ
ﭥﭦﭧﭨ
ﳑ
ﭪﭫﭬﭭﭮ
ﳒ
ﭰﭱﭲﭳ
ﳓ
هذا إلا اختلاق الأولين وكذبهم، ويؤيد هذا المعنى ما روى علقمة عن عبد الله أنه قرأ «إلا اختلاق الأولين» ويكون هذا كقول سائر الكفرة أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الأنعام: ٢٥ وغيرها] أو ما خلقنا هذا إلا خلق الأولين نحيي كما حيوا ونموت كما ماتوا، ومرادهم إنكار البعث والحساب المفهوم من تهديدهم بالعذاب، ولعل قولهم: وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ أي على ما نحن عليه من الأعمال أصرح في ذلك فَكَذَّبُوهُ أي أصروا على تكذيبه عليه السلام فَأَهْلَكْناهُمْ بسببه بريح صرصر.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ هو اسم عجمي عند بعض والأكثرون على أنه عربي وترك صرفه لأنه اسم قبيلة، وهو فعول من الثمد وهو الماء القليل الذي لا مادة له ومنه قيل فلان مثمود ثمدته النساء أي قطعن مادة مائة لكثرة غشيانه لهن ومثمود إذا كثر عليه السؤال حتى نفد مادة ماله أو ما يبقى في الجلد أو ما يظهر في الشتاء ويذهب في الصيف. وفي القاموس ثمود قبيلة ويصرف وتضم الثاء وقرىء به أيضا. وفي سبائك الذهب أنه في الأصل اسم لأبي القبيلة ثم نقل وجعل اسما لها، ووجه تأنيث الفعل هنا نظير ما تقدم في قوله تعالى: «كذبت عاد» وكذا الكلام في قوله سبحانه:
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ هو اسم عجمي عند بعض والأكثرون على أنه عربي وترك صرفه لأنه اسم قبيلة، وهو فعول من الثمد وهو الماء القليل الذي لا مادة له ومنه قيل فلان مثمود ثمدته النساء أي قطعن مادة مائة لكثرة غشيانه لهن ومثمود إذا كثر عليه السؤال حتى نفد مادة ماله أو ما يبقى في الجلد أو ما يظهر في الشتاء ويذهب في الصيف. وفي القاموس ثمود قبيلة ويصرف وتضم الثاء وقرىء به أيضا. وفي سبائك الذهب أنه في الأصل اسم لأبي القبيلة ثم نقل وجعل اسما لها، ووجه تأنيث الفعل هنا نظير ما تقدم في قوله تعالى: «كذبت عاد» وكذا الكلام في قوله سبحانه:
110
إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ كالكلام فيما تقدم وقوله تعالى: أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ إنكار لأن يتركوا فيما هم فيه من النعمة آمنين عن عذاب يوم عظيم فالاستفهام مثله في قوله تعالى السابق: أَتَبْنُونَ وقوله تعالى اللاحق: أَتَأْتُونَ وكأن القوم اعتقدوا ذلك فأنكره عليه السلام عليهم، وجوز أن يكون الاستفهام للتقرير تذكيرا للنعمة في تخليته تعالى إياهم وأسباب نفعهم آمنين من العدو ونحوه واستدعاء لشكر ذلك بالإيمان.
وفي الكشف أن هذا أوفق في هذا المقام، وما موصولة وهاهُنا إشارة إلى المكان الحاضر القريب أي أتتركون في الذي استقر في مكانكم هذا من النعمة، وقوله تعالى: فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ بدل من- ما هاهنا- بإعادة الجار كما قال أبو البقاء وغيره، وفي الكلام إجمال وتفصيل نحو ما تقدم في قصة عاد.
وفي الكشف أن هذا أوفق في هذا المقام، وما موصولة وهاهُنا إشارة إلى المكان الحاضر القريب أي أتتركون في الذي استقر في مكانكم هذا من النعمة، وقوله تعالى: فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ بدل من- ما هاهنا- بإعادة الجار كما قال أبو البقاء وغيره، وفي الكلام إجمال وتفصيل نحو ما تقدم في قصة عاد.
111
وجوز أن يكون ظرفا لآمنين الواقع حالا وليس بذاك، والهضيم الداخل بعضه في بعض كأنه هضم أي شدخ.
وسأل عنه نافع بن الأزرق بن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال له: المنضم بعضه إلى بعض فقال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم أما سمعت قول امرئ القيس:
وقال الزهري: هو اللطيف أول ما يخرج، وقال الزجاج: هو الذي رطبه بغير نوى وروي عن الحسن. وقيل:
هو المتدلي لكثرة ثمره، وقيل: هو النضيج من الرطب وروي عن عكرمة، وقيل: الرطب المذنب وروى عن يزيد بن أبي زياد، فوصف الطلع بالهضيم إما حقيقة أو مجاز وهو حقيقة وصف لثمره، وجعل بعضهم على بعض الأقوال الطلع مجازا عن الثمر لأوله إليه، والنخل اسم جنس جمعي يذكر كما في قوله تعالى: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [القمر: ٢٠] ويؤنث كما هنا، وليس ذلك لأن المراد به الإناث فإنه معلوم بقرينة المقام ولو ذكر الضمير.
وإفراده بالذكر مع دخوله في الجنات لفضله على سائر أشجارها أو لأن المراد بها غيره من الأشجار.
وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ أي أشرين بطرين كما روي عن ابن عباس ومحمد بن العلاء، وجاء في رواية أخرى عن ابن عباس تفسيره بنشطين مهتمين، وقال أبو صالح: أي حاذقين وبذلك فسره الراغب.
وقال ابن زيد: أي أقوياء، وأنت تعلم أن هذه الجملة داخلة في حيز الاستفهام السابق والأوفق به على القول الأول وعلى القول الثاني كل من الأقوال الباقية وكلها سواء في ذلك إلا أنه يفهم من كلام بعضهم أن الفراهة حقيقة في النشاط مجاز في غيره وعليه يترجح تفسيره بنشطين إذا أريد التذكير.
وقرأ أبو حيوة وعيسى والحسن «تنحتون» بفتح الحاء. وقرىء «تنحاتون» بألف بعد الحاء إشباعا، وعن عبد الرحمن بن محمد عن أبيه أنه قرأ «ينحتون» بالياء آخر الحروف وكسر الحاء، وعن أبي حيوة والحسن أيضا أنهما قرآ بالياء التحتية وفتح الحاء وقرأ عبد الله وابن عباس وزيد بن علي والكوفيون وابن عامر «فارهين» بألف بعد الفاء، وقراءة الجمهور أبلغ لما ذكروا في حاذر وحذر وقرأ مجاهد «متفرهين» فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ كأنه عنى بالخطاب جمهور قومه بالمسرفين كبراءهم وأعلامهم في الكفر والإضلال وكانوا تسعة رهط ونسبة الإطاعة إلى الأمر مجاز وهي للآمر حقيقة وفي ذلك من المبالغة ما لا يخفى وكونه لا يناسب المقام فيه بحث. ويجوز أن تكون الإطاعة مستعارة للامتثال لما بينهما من الشبه في الإفضاء إلى فعل ما أمر به أو مجازا مرسلا عنه للزومه له.
ويحتمل أن يكون هناك استعارة مكنية وتخييلية، وجوز عليه أن يكون الأمر واحد الأمور وفيه من البعد ما فيه والإسراف تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر، والمراد به هنا زيادة الفساد وقد أوضح ذلك على ما قيل بقوله تعالى: الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ولعل المراد ذمهم بالضلال في أنفسهم بالكفر والمعاصي وإضلالهم غيرهم بالدعوة لذلك، وللإيماء إلى عدم اختصاص شؤم فعلهم بهم حثا على امتثال النهي قيل فِي الْأَرْضِ والمراد بها أرض ثمود، وقيل: الأرض كلها ولما كان يُفْسِدُونَ لا ينافي إصلاحهم أحيانا أردف بقوله تعالى: وَلا يُصْلِحُونَ لبيان كمال إفسادهم وأنه لم يخالطه إصلاح أصلا قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ أي الذين سحروا كثيرا حتى غلب على عقولهم، وقيل: أي من ذوي السحر أي الرئة فهو كناية عن كونه من الأناسي فقوله تعالى: ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا على هذا تأكيد له وعلى الأول هو مستأنف للتعليل أي أنت مسحور لأنك بشر مثلنا لا تميز لك علينا فدعواك إنما هي لخلل في عقلك فَأْتِ بِآيَةٍ أي بعلامة على صحة دعواك إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فيها قالَ هذِهِ ناقَةٌ أي بعد ما أخرجها الله تعالى بدعائه.
وسأل عنه نافع بن الأزرق بن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال له: المنضم بعضه إلى بعض فقال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم أما سمعت قول امرئ القيس:
دار لبيضاء العوارض طفلة | مهضومة الكشحين ريا المعصم |
هو المتدلي لكثرة ثمره، وقيل: هو النضيج من الرطب وروي عن عكرمة، وقيل: الرطب المذنب وروى عن يزيد بن أبي زياد، فوصف الطلع بالهضيم إما حقيقة أو مجاز وهو حقيقة وصف لثمره، وجعل بعضهم على بعض الأقوال الطلع مجازا عن الثمر لأوله إليه، والنخل اسم جنس جمعي يذكر كما في قوله تعالى: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [القمر: ٢٠] ويؤنث كما هنا، وليس ذلك لأن المراد به الإناث فإنه معلوم بقرينة المقام ولو ذكر الضمير.
وإفراده بالذكر مع دخوله في الجنات لفضله على سائر أشجارها أو لأن المراد بها غيره من الأشجار.
وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ أي أشرين بطرين كما روي عن ابن عباس ومحمد بن العلاء، وجاء في رواية أخرى عن ابن عباس تفسيره بنشطين مهتمين، وقال أبو صالح: أي حاذقين وبذلك فسره الراغب.
وقال ابن زيد: أي أقوياء، وأنت تعلم أن هذه الجملة داخلة في حيز الاستفهام السابق والأوفق به على القول الأول وعلى القول الثاني كل من الأقوال الباقية وكلها سواء في ذلك إلا أنه يفهم من كلام بعضهم أن الفراهة حقيقة في النشاط مجاز في غيره وعليه يترجح تفسيره بنشطين إذا أريد التذكير.
وقرأ أبو حيوة وعيسى والحسن «تنحتون» بفتح الحاء. وقرىء «تنحاتون» بألف بعد الحاء إشباعا، وعن عبد الرحمن بن محمد عن أبيه أنه قرأ «ينحتون» بالياء آخر الحروف وكسر الحاء، وعن أبي حيوة والحسن أيضا أنهما قرآ بالياء التحتية وفتح الحاء وقرأ عبد الله وابن عباس وزيد بن علي والكوفيون وابن عامر «فارهين» بألف بعد الفاء، وقراءة الجمهور أبلغ لما ذكروا في حاذر وحذر وقرأ مجاهد «متفرهين» فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ كأنه عنى بالخطاب جمهور قومه بالمسرفين كبراءهم وأعلامهم في الكفر والإضلال وكانوا تسعة رهط ونسبة الإطاعة إلى الأمر مجاز وهي للآمر حقيقة وفي ذلك من المبالغة ما لا يخفى وكونه لا يناسب المقام فيه بحث. ويجوز أن تكون الإطاعة مستعارة للامتثال لما بينهما من الشبه في الإفضاء إلى فعل ما أمر به أو مجازا مرسلا عنه للزومه له.
ويحتمل أن يكون هناك استعارة مكنية وتخييلية، وجوز عليه أن يكون الأمر واحد الأمور وفيه من البعد ما فيه والإسراف تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر، والمراد به هنا زيادة الفساد وقد أوضح ذلك على ما قيل بقوله تعالى: الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ولعل المراد ذمهم بالضلال في أنفسهم بالكفر والمعاصي وإضلالهم غيرهم بالدعوة لذلك، وللإيماء إلى عدم اختصاص شؤم فعلهم بهم حثا على امتثال النهي قيل فِي الْأَرْضِ والمراد بها أرض ثمود، وقيل: الأرض كلها ولما كان يُفْسِدُونَ لا ينافي إصلاحهم أحيانا أردف بقوله تعالى: وَلا يُصْلِحُونَ لبيان كمال إفسادهم وأنه لم يخالطه إصلاح أصلا قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ أي الذين سحروا كثيرا حتى غلب على عقولهم، وقيل: أي من ذوي السحر أي الرئة فهو كناية عن كونه من الأناسي فقوله تعالى: ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا على هذا تأكيد له وعلى الأول هو مستأنف للتعليل أي أنت مسحور لأنك بشر مثلنا لا تميز لك علينا فدعواك إنما هي لخلل في عقلك فَأْتِ بِآيَةٍ أي بعلامة على صحة دعواك إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فيها قالَ هذِهِ ناقَةٌ أي بعد ما أخرجها الله تعالى بدعائه.
112
روي أنهم اقترحوا عليه ناقة عشراء تخرج من صخرة عينوها ثم تلد سقبا فقعد عليه السلام يتذكر فقال له:
جبريل عليه السلام صل ركعتين وسل ربك ففعل فخرجت الناقة وبركت بين أيديهم ونتجت سقبا مثلها في العظم فعند ذلك قال لهم: هذه ناقة
لَها شِرْبٌ أي نصيب مشروب من الماء كالسقي وألقيت للنصيب من السقي والقوت وكان هذا الشرب من عين عندهم.
وفي مجمع البيان عن علي كرّم الله تعالى وجهه أن تلك العين أول عين نبعت في الأرض وقد فجرها الله عز وجل لصالح عليه السلام
وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ فاقتنعوا بشربكم ولا تزاحموها على شربها.
وقرأ ابن أبي عبلة «شرب» بضم الشين فيهما، واستدل بالآية على جواز قسمة ماء نحو الآبار على هذا الوجه وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ كضرب وعقر فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ وصف اليوم بالعظم لعظم ما يحل فيه وهو أبلغ من عظم العذاب وهذا من المجاز في النسبة، وجعل عَظِيمٍ صفة عَذابُ والجر للمجاورة نحو هذا جحر ضب خرب ليس بشيء فَعَقَرُوها نسب العقر إليهم كلهم مع أن عاقرها واحد منهم وهو قدار بن سالف وكان نساجا على ما ذكره غير واحد،
وجاء في رواية أن مسطعا ألجأها إلى مضيق في شعب فرماها بسهم فأصاب رجلها فسقطت ثم ضربها قدار
لما
روي أن عاقرها قال: لا أعقرها حتى ترضوا أجمعين فكانوا يدخلون على المرأة في خدرها فيقول: أترضين؟ فتقول: نعم وكذلك الصبيان فرضوا جميعا
، وقيل: لأن العقر كان بأمرهم ومعاونتهم جميعا كما يفصح عنه قوله تعالى: فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ [القمر: ٢٩] وفيه بحث فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ خوفا من حلول العذاب كما قال جمع، وتعقب بأنه مردود بقوله تعالى: وَقالُوا أي بعد ما عقروها: يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، وأجيب بأن قوله بعد ما عقروها في حيز المنع إذ الواو لا تدل على الترتيب فيجوز أن يريدوا بما تعدنا من المعجزة أو الواو حالية أي والحال أنهم طلبوها من صالح ووعدوه الإيمان بها عند ظهورها مع أنه يجوز ندم بعض وقول بعض آخر ذلك بإسناد ما صدر من البعض إلى الكل لعدم نهيهم عنه أو نحو ذلك أو ندموا كلهم أولا خوفا ثم قست قلوبهم وزال خوفهم أو على العكس، وجوز أن يقال: إنهم ندموا على عقرها ندم توبة لكنه كان عند معاينة العذاب وعند ذلك لا ينفع الندم، وقيل: لم ينفعهم ذلك لأنهم لم يتلافوا ما فعلوا بالإيمان المطلوب منهم.
وقيل: ندموا على ترك سقبها ولا يخفى بعده، ومثله ما قيل: إنهم ندموا على عقرها لما فاتهم به من لبنها،
فقد روي أنه إذا كان يوما أصدرتهم لبنا ما شاؤوا
فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ الموعود وكان صيحة خمدت لها أبدانهم وانشقت قلوبهم وماتوا عن آخرهم وصب عليهم حجارة خلال ذلك.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ وكانوا من أصهاره عليه السلام أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ إنكار وتوبيخ والإتيان كناية عن الوطء. والذُّكْرانَ جمع ذكر مقابل الأنثى، والظاهر أن مِنَ الْعالَمِينَ متصل به أي أتأتون الذكران من أولاد بني آدم على فرط كثرتهم وتفاوت أجناسهم وغلبة إناثهم على ذكرانهم كأن الإناث قد أعوزتكم فالمراد بالعالمين الناس لأن المأتي الذكور منهم خاصة والقرينة إيقاع الفعل والجمع بالواو والنون من غير نظر إلى تغليب. وأما خروج الملك والجن فمن الضرورة العقلية. ويجوز أن يكون متصلا بتأتون أي أتأتون من بين من عداكم من العالمين الذكران لا يشارككم فيه غيركم فالمراد بالعالمين كل من يتأتى منه الإتيان. والعالم على هذا ما يعلم به الخالق سبحانه
جبريل عليه السلام صل ركعتين وسل ربك ففعل فخرجت الناقة وبركت بين أيديهم ونتجت سقبا مثلها في العظم فعند ذلك قال لهم: هذه ناقة
لَها شِرْبٌ أي نصيب مشروب من الماء كالسقي وألقيت للنصيب من السقي والقوت وكان هذا الشرب من عين عندهم.
وفي مجمع البيان عن علي كرّم الله تعالى وجهه أن تلك العين أول عين نبعت في الأرض وقد فجرها الله عز وجل لصالح عليه السلام
وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ فاقتنعوا بشربكم ولا تزاحموها على شربها.
وقرأ ابن أبي عبلة «شرب» بضم الشين فيهما، واستدل بالآية على جواز قسمة ماء نحو الآبار على هذا الوجه وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ كضرب وعقر فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ وصف اليوم بالعظم لعظم ما يحل فيه وهو أبلغ من عظم العذاب وهذا من المجاز في النسبة، وجعل عَظِيمٍ صفة عَذابُ والجر للمجاورة نحو هذا جحر ضب خرب ليس بشيء فَعَقَرُوها نسب العقر إليهم كلهم مع أن عاقرها واحد منهم وهو قدار بن سالف وكان نساجا على ما ذكره غير واحد،
وجاء في رواية أن مسطعا ألجأها إلى مضيق في شعب فرماها بسهم فأصاب رجلها فسقطت ثم ضربها قدار
لما
روي أن عاقرها قال: لا أعقرها حتى ترضوا أجمعين فكانوا يدخلون على المرأة في خدرها فيقول: أترضين؟ فتقول: نعم وكذلك الصبيان فرضوا جميعا
، وقيل: لأن العقر كان بأمرهم ومعاونتهم جميعا كما يفصح عنه قوله تعالى: فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ [القمر: ٢٩] وفيه بحث فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ خوفا من حلول العذاب كما قال جمع، وتعقب بأنه مردود بقوله تعالى: وَقالُوا أي بعد ما عقروها: يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، وأجيب بأن قوله بعد ما عقروها في حيز المنع إذ الواو لا تدل على الترتيب فيجوز أن يريدوا بما تعدنا من المعجزة أو الواو حالية أي والحال أنهم طلبوها من صالح ووعدوه الإيمان بها عند ظهورها مع أنه يجوز ندم بعض وقول بعض آخر ذلك بإسناد ما صدر من البعض إلى الكل لعدم نهيهم عنه أو نحو ذلك أو ندموا كلهم أولا خوفا ثم قست قلوبهم وزال خوفهم أو على العكس، وجوز أن يقال: إنهم ندموا على عقرها ندم توبة لكنه كان عند معاينة العذاب وعند ذلك لا ينفع الندم، وقيل: لم ينفعهم ذلك لأنهم لم يتلافوا ما فعلوا بالإيمان المطلوب منهم.
وقيل: ندموا على ترك سقبها ولا يخفى بعده، ومثله ما قيل: إنهم ندموا على عقرها لما فاتهم به من لبنها،
فقد روي أنه إذا كان يوما أصدرتهم لبنا ما شاؤوا
فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ الموعود وكان صيحة خمدت لها أبدانهم وانشقت قلوبهم وماتوا عن آخرهم وصب عليهم حجارة خلال ذلك.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ وكانوا من أصهاره عليه السلام أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ إنكار وتوبيخ والإتيان كناية عن الوطء. والذُّكْرانَ جمع ذكر مقابل الأنثى، والظاهر أن مِنَ الْعالَمِينَ متصل به أي أتأتون الذكران من أولاد بني آدم على فرط كثرتهم وتفاوت أجناسهم وغلبة إناثهم على ذكرانهم كأن الإناث قد أعوزتكم فالمراد بالعالمين الناس لأن المأتي الذكور منهم خاصة والقرينة إيقاع الفعل والجمع بالواو والنون من غير نظر إلى تغليب. وأما خروج الملك والجن فمن الضرورة العقلية. ويجوز أن يكون متصلا بتأتون أي أتأتون من بين من عداكم من العالمين الذكران لا يشارككم فيه غيركم فالمراد بالعالمين كل من يتأتى منه الإتيان. والعالم على هذا ما يعلم به الخالق سبحانه
113
والجمع للتغليب وخروج غيره لما مر. ولا يضر كون الحمار والخنزير يأتيان الذكور في أمر الاختصاص للندرة أو لإسقاطهما عن حيز الاعتبار، وجوز أن يراد بالعالمين على الوجه الثاني الناس أيضا، وإذا قيل بشمولهم لمن تقدم من العالمين تفيد الآية أنهم أول من سن هذه السنة السيئة كما يفصح عنه قوله تعالى: ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ [الأعراف: ٨٠، العنكبوت: ٢٨].
وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ لأجل استمتاعكم، وكلمة مِنْ في قوله تعالى: مِنْ أَزْواجِكُمْ للبيان إن أريد بما جنس الإناث، ولعل في الكلام حينئذ مضافين محذوفين أي وتذرون إتيان فروج ما خلق لكم أو للتبعيض إن أريد بما العضو المباح من الأزواج. ويؤيده قراءة ابن مسعود «ما أصلح لكم ربكم من أزواجكم» وحينئذ يكتفي بتقدير مضاف واحد أي وتذرون إتيان ما خلق ويكون في الكلام على ما قيل تعريض بأنهم كانوا يأتون نساءهم أيضا في محاشهن ولم يصرح بإنكاره كما صرح بإنكار إتيان الذكران لأنه دونه في الإثم.
وهو على المشهور عند أهل السنة حرام بل كبيرة، وقيل: هو مباح، وقد تقدم الكلام (١) في ذلك مبسوطا عند الكلام في قوله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة: ٢٢٣] وقيل: ليس في الكلام مضاف محذوف أصلا، والمراد ذمهم بترك ما خلق لهم وعدم الالتفات إليه بوجه من الوجوه فضلا عن الإتيان، وأنت تعلم أن المعنى ظاهر على التقدير، وقوله تعالى: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ إضراب انتقالي والعادي المتعدي في ظلمه المتجاوز فيه الحد ومتعلقه مقدر وهو إما عام أو خاص أي بل أنتم قوم متعدون متجاوزون الحد في جميع المعاصي وهذا من جملتها أو متجاوزون عن حد الشهوة حيث زدتم على سائر الناس بل أكثر الحيوانات.
وقيل: متجاوزون الحد في الظلم حيث ظلمتم بإتيان ما لم يخلق للإتيان وترك إتيان ما خلق له، وفي البحر أن تصدير الجملة بضمير الخطاب تعظيما لفعلهم وتنبيها على أنهم مختصمون بذلك كأنه قيل: بل أنتم قوم عادون لا غيركم قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ عن توبيخنا وتقبيح أمرنا أو عما أنت عليه من دعوى الرسالة ودعوتنا إلى الإيمان وإنكار ما أنكرته من أمرنا لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ أي من المنفيين من قريتنا المعهودين، وكأنهم كانوا يخرجون من غضبوا عليه بسبب من الأسباب، وقيل: بسبب إنكار تلك الفاحشة من بينهم على عنف وسوء حال، ولهذا هددوه عليه السلام بذلك، وعدلوا عن لنخرجنك الأخصر إلى ما ذكر ولا يخفى ما في الكلام من التأكيد.
قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ أي من المبغضين غاية البغض، قال الراغب: يقال قلاه ويقليه فمن جعله من الواو فهو من القلو أي الرمي من قولهم: قلت الناقة براكبها قلوا وقلوت بالقلة إذا رميتها فكأن المقلو بقذفه القلب من بغضه فلا يقبله. ومن جعله من الياء فهو من قليت السويق على المقلاة فكأن شدة البغض تقلي الفؤاد والكبد
وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ لأجل استمتاعكم، وكلمة مِنْ في قوله تعالى: مِنْ أَزْواجِكُمْ للبيان إن أريد بما جنس الإناث، ولعل في الكلام حينئذ مضافين محذوفين أي وتذرون إتيان فروج ما خلق لكم أو للتبعيض إن أريد بما العضو المباح من الأزواج. ويؤيده قراءة ابن مسعود «ما أصلح لكم ربكم من أزواجكم» وحينئذ يكتفي بتقدير مضاف واحد أي وتذرون إتيان ما خلق ويكون في الكلام على ما قيل تعريض بأنهم كانوا يأتون نساءهم أيضا في محاشهن ولم يصرح بإنكاره كما صرح بإنكار إتيان الذكران لأنه دونه في الإثم.
وهو على المشهور عند أهل السنة حرام بل كبيرة، وقيل: هو مباح، وقد تقدم الكلام (١) في ذلك مبسوطا عند الكلام في قوله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة: ٢٢٣] وقيل: ليس في الكلام مضاف محذوف أصلا، والمراد ذمهم بترك ما خلق لهم وعدم الالتفات إليه بوجه من الوجوه فضلا عن الإتيان، وأنت تعلم أن المعنى ظاهر على التقدير، وقوله تعالى: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ إضراب انتقالي والعادي المتعدي في ظلمه المتجاوز فيه الحد ومتعلقه مقدر وهو إما عام أو خاص أي بل أنتم قوم متعدون متجاوزون الحد في جميع المعاصي وهذا من جملتها أو متجاوزون عن حد الشهوة حيث زدتم على سائر الناس بل أكثر الحيوانات.
وقيل: متجاوزون الحد في الظلم حيث ظلمتم بإتيان ما لم يخلق للإتيان وترك إتيان ما خلق له، وفي البحر أن تصدير الجملة بضمير الخطاب تعظيما لفعلهم وتنبيها على أنهم مختصمون بذلك كأنه قيل: بل أنتم قوم عادون لا غيركم قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ عن توبيخنا وتقبيح أمرنا أو عما أنت عليه من دعوى الرسالة ودعوتنا إلى الإيمان وإنكار ما أنكرته من أمرنا لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ أي من المنفيين من قريتنا المعهودين، وكأنهم كانوا يخرجون من غضبوا عليه بسبب من الأسباب، وقيل: بسبب إنكار تلك الفاحشة من بينهم على عنف وسوء حال، ولهذا هددوه عليه السلام بذلك، وعدلوا عن لنخرجنك الأخصر إلى ما ذكر ولا يخفى ما في الكلام من التأكيد.
قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ أي من المبغضين غاية البغض، قال الراغب: يقال قلاه ويقليه فمن جعله من الواو فهو من القلو أي الرمي من قولهم: قلت الناقة براكبها قلوا وقلوت بالقلة إذا رميتها فكأن المقلو بقذفه القلب من بغضه فلا يقبله. ومن جعله من الياء فهو من قليت السويق على المقلاة فكأن شدة البغض تقلي الفؤاد والكبد
(١) بيد أني وقفت عند كتابتي في هذا الموضع على كلام العز بن عبد السلام في أماليه في هذا المبحث حاصله أن حرمة إتيان الزوجة في المحل المكروه ليست إجماعية إلا أن معظم أهل الإسلام على تحريمه كما قال الطرسوسي والخلاف فيه يسير جدا كالذي لا عبرة به. ويذكر أن ابن عبد الحكم نقل حله عن الشافعي وأن الربيع قال: كذب والله ابن عبد الحكم. وقد نص الإمام على تحريمه في ست كتب ولم يحفظ عن مالك شيء في إباحته البتة ونقله من كتاب السر غير صحيح بل في كتاب البيان والتحصيل لابن رشد الأندلسي النص على خلاف ذلك. ورواية الطحاوي عن أبي الفرج عن ابن القاسم حله لا يعول عليها ولا تصح. وأما إباحة زيد ابن أسلم ونافع لذلك فلا يؤخذ بها فنافع إمام في القراءات وليس معدودا في الفقهاء أهل الحل والعقد، وأما زيد فصاحب تفسير لا يعتد لخلافه فليحفظ اه منه.
114
وتشويهما، فقول أبي حيان: إن قلى بمعنى أبغض يائي، والذي بمعنى طبخ وشوى واوي ناش من قلة الاطلاع، والعدول عن قالي إلى ما في النظم الجليل لأنه أبلغ فإنه إذا قيل: قالي لم يفد أكثر من تلبسه بالفعل بخلاف قوله: مِنَ الْقالِينَ إذ يفيد أنه مع تلبسه من قوم عرفوا واشتهروا به فيكون راسخ القدم عريق العرف فيه، وقد صرح بذلك ابن جني وغيره، واللام في «لعملكم» قيل للتبيين كما في سقيا لك فهو متعلق بمحذوف أعني- أعني. ، وقيل: هي للتقوية ومتعلقها عند من يرى تعلق حرف التقوية محذوف أي إني من القالين لعملكم من القالين. وقيل: هي متعلقة بالقالين المذكور ويتوسع في الظروف ما لا يتوسع في غيرها فتقدم حيث لا يقدم غيرها، والمراد بعملهم إما ما أنكره عليه السلام عليهم من إتيان الذكران وترك ما خلق ربهم سبحانه لهم وإما ما يشمل ذلك وسائر ما نهاهم عنه وأمرهم بضده من الأعمال القلبية والقالبية، وقابل عليه السلام تهديدهم ذلك بما ذكر تنبيها على عدم الاكتراث به وأنه راغب في الخلاص من سوء جوارهم لشدة بغضه لعملهم ولذلك أعرض عن محاورتهم وتوجه إلى الله تعالى قائلا: رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ أي من شؤم عملهم أو الذي يعملونه وعذابه الدنيوي. وقيل: يحتمل أن يكون دعاء بالنجاة من التلبس بمثل عملهم وهو بالنسبة إلى الأهل دونه عليه السلام إذ لا يخشى تلبسه بذلك لمكان العصمة. واعترض بأن العذاب كذلك إذ لا يعذب من لم يجن وفيه منع ظاهر. كيف وقد قال سبحانه: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال: ٢٥]. وقيل: قد يدعو المعصوم بالحفظ عن الوقوع فيما عصم عنه كما يدل عليه قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ [إبراهيم: ٣٥] وهو مسلم إلا أن الظاهر أن المراد النجاة مما ينالهم بسبب عملهم من العذاب الدنيوي. ويؤيده ظاهر قوله تعالى: فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ.
والظاهر أن المراد بأهله أهل بيته. وجوز أن يكون المراد بهم من تبع دينه مجازا فيشمل أهل بيته المؤمنين وسائر من آمن به. وقيل: لا حاجة إلى هذا التعميم إذ لم يؤمن به عليه السلام إلا أهل بيته. والمراد بهذه العجوز امرأته عليه السلام وكانت كافرة مائلة إلى القوم راضية بفعلهم. والتعبير عنها بالعجوز للإيماء إلى أنه مما لا يشق أمر هلاكها على لوط عليه السلام وسائر أهله بمقتضى الطبيعة البشرية. وقيل: للإيماء إلى أنها قد عسيت في الكفر ودامت فيه إلى أن صارت عجوزا، والغابر الباقي بعد مضي من معه. وأنشد ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في ذلك قول عبيد بن الأبرص:
والمراد فنجيناه وأهله من العذاب بإخراجهم من بينهم ليلا عند مشارفة حلوله بهم إلا عجوزا مقدرة في الباقين في العذاب بعد سلامة من خرج. وإنما اعتبر البقاء في العذاب دون البقاء في الدار لما روي أنها خرجت مع لوط عليه السلام فأصابها حجر في الطريق فهلكت، وقيل: المراد من الباقين في الدار بناء على أنها لهلاكها كأنها ممن بقي فيها أو أنها خرجت ثم رجعت فهلكت كما في بعض الروايات أو أنها لم تخرج مع لوط عليه السلام أصلا كما في البعض الآخر منها. وقيل: الغابر طويل العمر وكأنه إنما أطلق عليه ذلك لبقائه مع مضي من كان معه. والمراد وصف العجوز بأنها طاعنة في السن وقرأ عبد الله كما روى عنه مجاهد «وواعدنا أن نؤتيه أهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين» ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ أهلكناهم أشد إهلاك وأفظعه وكان ذلك الائتفاك. والظاهر العطف على (نجينا) والتدمير متراخ عن التنجية من مطلق العذاب فلا حاجة إلى القول بأن المراد أردنا تنجيته أو حكمنا بها أو معنى فَنَجَّيْناهُ فاستجبنا دعاءه في تنجيته وكل ذلك خلاف الظاهر.
والظاهر أن المراد بأهله أهل بيته. وجوز أن يكون المراد بهم من تبع دينه مجازا فيشمل أهل بيته المؤمنين وسائر من آمن به. وقيل: لا حاجة إلى هذا التعميم إذ لم يؤمن به عليه السلام إلا أهل بيته. والمراد بهذه العجوز امرأته عليه السلام وكانت كافرة مائلة إلى القوم راضية بفعلهم. والتعبير عنها بالعجوز للإيماء إلى أنه مما لا يشق أمر هلاكها على لوط عليه السلام وسائر أهله بمقتضى الطبيعة البشرية. وقيل: للإيماء إلى أنها قد عسيت في الكفر ودامت فيه إلى أن صارت عجوزا، والغابر الباقي بعد مضي من معه. وأنشد ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في ذلك قول عبيد بن الأبرص:
ذهبوا وخلفني المخلف فيهم | فكأنني في الغابرين غريب |
115
وجوز الطيبي كون ثُمَّ للتراخي في الرتبة وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً أي نوعا من المطر غير معهود فقد كان حجارة من سجيل كما صرح به في قوله تعالى: فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ [هود: ٨٢].
وجمع الأمران لهم زيادة في إهانتهم. وقيل: كان الائتفاك لطائفة والأمطار لأخرى منهم. وكانت هذه على ما روى عن مقاتل للذين كانوا خارجين من القرية لبعض حوائجهم ولعله مراد قتادة بالشذاذ فيما روي عنه فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ اللام فيه للجنس وبه يتسنى وقوع المضاف إليه فاعل ساء بناء على أنها بمعنى بئس. والمخصوص بالذم محذوف وهو مطرهم وإذا لم تكن ساء كذلك جاز كونها للعهد.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ الأيكة الغيضة التي تنبت ناعم الشجر وهي غيضة من ساحل البحر إلى مدين يسكنها طائفة وكانوا ممن بعث إليهم شعيب عليه السلام وكان أجنبيا منهم ولذلك قيل. إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ ولم يقل أخوهم، وقيل: الْأَيْكَةِ الشجر الملتف وكان شجرهم الدوم وهو المقل، وعلى القولين أَصْحابُ الْأَيْكَةِ غير أهل مدين، ومن غريب النقل عن ابن عباس أنهم هم أصحاب مدين.
وقرأ الحرميان وابن عامر «ليكة» بلام مفتوحة بعدها ياء بغير ألف ممنوع الصرف هنا، وفي ص قال أبو عبيدة:
وجدنا في بعض كتب التفسير أن «ليكة» اسم للقرية والْأَيْكَةِ البلاد كلها كمكة وبكة، ورأيتها في الإمام مصحف عثمان رضي الله تعالى عنه في [الحجر: ٧٨] و [ق: ١٤] الْأَيْكَةِ وفي [الشعراء: ١٧٦، وص: ١٣] ليكة واجتمعت مصاحف الأمصار كلها بعد ذلك ولم تختلف، وفي الكشاف من قرأ بالنصب، وزعم أن ليكة بوزن ليلة اسم بلد فتوهم قاد إليه خط المصحف حيث وجدت مكتوبة هنا وفي «ص» بغير ألف، وفي المصحف أشياء كتبت على خلاف الخط المصطلح عليه وإنما كتبت في هاتين السورتين على حكم لفظ اللافظ كما يكتب أصحاب النحو الآن لأن والأولى لولى لبيان لفظ المخفف. وقد كتبت في سائر القرآن على الأصل والقصة واحدة على أن «ليكة» اسم لا يعرف انتهى، وتعقب بأنه دعوى من غير ثبت وكفى ثبتا للمخالف ثبوت القراءة في السبعة وهي متواترة كيف وقد انضم إليه ما سمعت عن بعض كتب التفسير. وإن لم تعول عليه فما روى البخاري في صحيحه الْأَيْكَةِ وليكة الغيضة، هذا وإن الأسماء المرتجلة لا منع منها، وفي البحر أن كون مادة ل ي ك مفقودة في لسان العرب كما تشبث به من أنكر هذه القراءة المتواترة إن صح لا يضر وتكون الكلمة عجمية ومواد كلام العجم مخالفة في كثير مواد كلام العرب فيكون قد اجتمع على منع صرفها العلمية والعجمة والتأنيث، وبالجملة إنكار الزمخشري صحة هذه القراءة يقرب من الردة والعياذ بالله تعالى. وقد سبقه في ذلك المبرد وابن قتيبة والزجاج والفارسي والنحاس، وقرىء «ليكة» بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام والجر بالكسرة وتكتب على حكم لفظ اللافظ بدون همزة وعلى الأصل بالهمزة وكذا نظائرها.
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ أَوْفُوا الْكَيْلَ أي أتموه وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ أي حقوق الناس بالتطفيف ولعل المبالغة المستفادة من التركيب متوجهة إلى النهي أو أنه لا يعتبر المفهوم لنحو ما قيل في قوله تعالى: لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً [آل عمران: ١٣٠] وأيا ما كان ففي النهي المذكور تأكيد للأمر السابق عليه وَزِنُوا الموزونات.
وجمع الأمران لهم زيادة في إهانتهم. وقيل: كان الائتفاك لطائفة والأمطار لأخرى منهم. وكانت هذه على ما روى عن مقاتل للذين كانوا خارجين من القرية لبعض حوائجهم ولعله مراد قتادة بالشذاذ فيما روي عنه فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ اللام فيه للجنس وبه يتسنى وقوع المضاف إليه فاعل ساء بناء على أنها بمعنى بئس. والمخصوص بالذم محذوف وهو مطرهم وإذا لم تكن ساء كذلك جاز كونها للعهد.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ الأيكة الغيضة التي تنبت ناعم الشجر وهي غيضة من ساحل البحر إلى مدين يسكنها طائفة وكانوا ممن بعث إليهم شعيب عليه السلام وكان أجنبيا منهم ولذلك قيل. إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ ولم يقل أخوهم، وقيل: الْأَيْكَةِ الشجر الملتف وكان شجرهم الدوم وهو المقل، وعلى القولين أَصْحابُ الْأَيْكَةِ غير أهل مدين، ومن غريب النقل عن ابن عباس أنهم هم أصحاب مدين.
وقرأ الحرميان وابن عامر «ليكة» بلام مفتوحة بعدها ياء بغير ألف ممنوع الصرف هنا، وفي ص قال أبو عبيدة:
وجدنا في بعض كتب التفسير أن «ليكة» اسم للقرية والْأَيْكَةِ البلاد كلها كمكة وبكة، ورأيتها في الإمام مصحف عثمان رضي الله تعالى عنه في [الحجر: ٧٨] و [ق: ١٤] الْأَيْكَةِ وفي [الشعراء: ١٧٦، وص: ١٣] ليكة واجتمعت مصاحف الأمصار كلها بعد ذلك ولم تختلف، وفي الكشاف من قرأ بالنصب، وزعم أن ليكة بوزن ليلة اسم بلد فتوهم قاد إليه خط المصحف حيث وجدت مكتوبة هنا وفي «ص» بغير ألف، وفي المصحف أشياء كتبت على خلاف الخط المصطلح عليه وإنما كتبت في هاتين السورتين على حكم لفظ اللافظ كما يكتب أصحاب النحو الآن لأن والأولى لولى لبيان لفظ المخفف. وقد كتبت في سائر القرآن على الأصل والقصة واحدة على أن «ليكة» اسم لا يعرف انتهى، وتعقب بأنه دعوى من غير ثبت وكفى ثبتا للمخالف ثبوت القراءة في السبعة وهي متواترة كيف وقد انضم إليه ما سمعت عن بعض كتب التفسير. وإن لم تعول عليه فما روى البخاري في صحيحه الْأَيْكَةِ وليكة الغيضة، هذا وإن الأسماء المرتجلة لا منع منها، وفي البحر أن كون مادة ل ي ك مفقودة في لسان العرب كما تشبث به من أنكر هذه القراءة المتواترة إن صح لا يضر وتكون الكلمة عجمية ومواد كلام العجم مخالفة في كثير مواد كلام العرب فيكون قد اجتمع على منع صرفها العلمية والعجمة والتأنيث، وبالجملة إنكار الزمخشري صحة هذه القراءة يقرب من الردة والعياذ بالله تعالى. وقد سبقه في ذلك المبرد وابن قتيبة والزجاج والفارسي والنحاس، وقرىء «ليكة» بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام والجر بالكسرة وتكتب على حكم لفظ اللافظ بدون همزة وعلى الأصل بالهمزة وكذا نظائرها.
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ أَوْفُوا الْكَيْلَ أي أتموه وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ أي حقوق الناس بالتطفيف ولعل المبالغة المستفادة من التركيب متوجهة إلى النهي أو أنه لا يعتبر المفهوم لنحو ما قيل في قوله تعالى: لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً [آل عمران: ١٣٠] وأيا ما كان ففي النهي المذكور تأكيد للأمر السابق عليه وَزِنُوا الموزونات.
116
بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ أي بالميزان السوي، وقيل: القسطاس القبان وروي ذلك عن الحسن، وهو عند بعض معرب رومي الأصل ومعناه العدل وروي ذلك عن مجاهد وعند آخرين عربي فقيل: هو من القسط ووزنه فعلاع بتكرير العين شذوذا إذ هي لا تكرر وحدها مع الفصل باللام، وقيل: من قسطس وهو رباعي ووزنه فعلال، والمراد الأمر بوفاء الوزن وإتمامه والنهي عن النقص دون النهي عن الزيادة، والظاهر أنه لم ينه عنها ولم يؤمر بها في الكيل والوزن، وكأن ذلك دليل على أن من فعلها فقد أحسن ومن لم يفعلها فلا عليه.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن معنى وَزِنُوا إلخ وعدلوا أموركم كلها بميزان العدل الذي جعله الله تعالى لعباده، والظاهر إذ عادل سبحانه به أَوْفُوا الْكَيْلَ
[الأنعام: ١٥٢] ما تقدم.
وقرأ أكثر السبعة «بالقسطاس» بضم القاف وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ أي لا تنقصوهم شيئا من حقوقهم أي حق كان فإضافة أشياء جنسية ويجوز أن تكون للاستغراق، والمراد مقابلة الجمع بالجمع فيكون المعنى لا تبخسوا أحدا شيئا، وجوز أن يكون الجمع للإشارة إلى الأنواع فإنهم كانوا يبخسون كل شيء جليلا كان أو حقيرا، وهذا تعميم بعد تخصيص بعض المراد بالذكر لغاية انهماكهم فيه، وقيل: المراد بأشيائهم الدراهم والدنانير وبخسها بالقطع من أطرافها ولولاه لم يجمع. وبخس مما يتعدى إلى اثنين فالمنصوبان مفعولاه، وقيل هو متعد لواحد فالثاني بدل اشتمال وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ بالقتل والغارة وقطع الطريق ونحو ذلك، والعثو الفساد أو أشده و «مفسدين» حال مؤكدة، وجوز أن يكون المراد مفسدين آخرتكم فتكون حالا مؤسسة وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ أي وذوي الجبلة أي الخلقة والطبيعة أو والمجبولين على أحوالهم التي بنوا عليها وسبلهم التي قيضوا لسلوكها المتقدمين عليكم من الأمم، وجاء في رواية عن ابن عباس أن الجبلة الجماعة إذا كانت عشرة آلاف كأنها شبهت على ما قيل بالقطعة العظيمة من الجبل، وقيل: هي الجماعة الكثيرة مطلقا كأنها شبهت بما ذكر أيضا.
وقرأ أبو حصين والأعمش والحسن بخلاف عنه «الجبلّة» بضم الجيم والباء وشد اللام وقرأ السلمي «الجبلة» بكسر الجيم وسكون الباء كالخلقة، وفي نسخة عنه بفتح الجيم وسكون الباء قيل وتشديد اللام في القراءتين للمبالغة قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا الكلام فيه نظير ما تقدم في قصة ثمود بيد أنه أدخل الواو بين الجملتين هنا للدلالة على أن كلا من التسحير والبشرية مناف للرسالة فكيف إذا اجتمعا وأرادوا بذلك المبالغة في التكذيب، ولم تدخل هناك حيث لم يقصد إلا معنى واحد وهو كونه مسحرا ثم قرر بكونه بشرا مثلهم كذا في الكشاف، وفي الكشف أن فيه ما يلوح إلى اختصاص كل بموضعه وإن الكلام هنالك في كونه مثلهم غير ممتاز بما يوجب الفضيلة ولهذا عقبوه بقولهم: فَأْتِ بِآيَةٍ [الشعراء: ١٥٤] فدل على أنهم لم يجعلوا البشرية منافية للنبوة وإنما جعلوا الوصف تمهيدا للاشتراك وأنه أبدع في دعواه، وهاهنا ساقوا ذلك مساق ما ينافي النبوة فجعلوا كل واحد صفة مستقلة في المنافاة ليكون أبلغ. وجعلوا إنكار النبوة أمرا مفروغا ولذا عقبوه بقولهم: وَإِنْ نَظُنُّكَ إلخ، وقال النيسابوري في وجه الاختصاص: إن صالحا عليه السلام قلل في الخطاب فقللوا في الجواب وأكثر شعيب عليه السلام في الخطاب ولهذا قيل له: خطيب الأنبياء فأكثروا في الجواب، ولعله أراد أن شعيبا عليه السلام بالغ في زجرهم فبالغوا في تكذيبه ولا كذلك صالح عليه السلام مع قومه فتأمل، وإِنْ في قوله سبحانه: وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ هي المخففة من الثقيلة واللام في لَمِنَ هي الفارقة، وقال الكوفيون: إن نافية واللام بمعنى إلا وهو خلاف مشهور أي وإن الشأن نظنك من الكاذبين في الدعوى أو ما نظنك إلا من الكاذبين فيها، ومرادهم أنه عليه السلام وحاشاه راسخ القدم في الكذب في دعواه الرسالة أو فيها وفي دعوى نزول العذاب الذي يشعر به الأمر بالتقوى من التهديد.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن معنى وَزِنُوا إلخ وعدلوا أموركم كلها بميزان العدل الذي جعله الله تعالى لعباده، والظاهر إذ عادل سبحانه به أَوْفُوا الْكَيْلَ
[الأنعام: ١٥٢] ما تقدم.
وقرأ أكثر السبعة «بالقسطاس» بضم القاف وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ أي لا تنقصوهم شيئا من حقوقهم أي حق كان فإضافة أشياء جنسية ويجوز أن تكون للاستغراق، والمراد مقابلة الجمع بالجمع فيكون المعنى لا تبخسوا أحدا شيئا، وجوز أن يكون الجمع للإشارة إلى الأنواع فإنهم كانوا يبخسون كل شيء جليلا كان أو حقيرا، وهذا تعميم بعد تخصيص بعض المراد بالذكر لغاية انهماكهم فيه، وقيل: المراد بأشيائهم الدراهم والدنانير وبخسها بالقطع من أطرافها ولولاه لم يجمع. وبخس مما يتعدى إلى اثنين فالمنصوبان مفعولاه، وقيل هو متعد لواحد فالثاني بدل اشتمال وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ بالقتل والغارة وقطع الطريق ونحو ذلك، والعثو الفساد أو أشده و «مفسدين» حال مؤكدة، وجوز أن يكون المراد مفسدين آخرتكم فتكون حالا مؤسسة وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ أي وذوي الجبلة أي الخلقة والطبيعة أو والمجبولين على أحوالهم التي بنوا عليها وسبلهم التي قيضوا لسلوكها المتقدمين عليكم من الأمم، وجاء في رواية عن ابن عباس أن الجبلة الجماعة إذا كانت عشرة آلاف كأنها شبهت على ما قيل بالقطعة العظيمة من الجبل، وقيل: هي الجماعة الكثيرة مطلقا كأنها شبهت بما ذكر أيضا.
وقرأ أبو حصين والأعمش والحسن بخلاف عنه «الجبلّة» بضم الجيم والباء وشد اللام وقرأ السلمي «الجبلة» بكسر الجيم وسكون الباء كالخلقة، وفي نسخة عنه بفتح الجيم وسكون الباء قيل وتشديد اللام في القراءتين للمبالغة قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا الكلام فيه نظير ما تقدم في قصة ثمود بيد أنه أدخل الواو بين الجملتين هنا للدلالة على أن كلا من التسحير والبشرية مناف للرسالة فكيف إذا اجتمعا وأرادوا بذلك المبالغة في التكذيب، ولم تدخل هناك حيث لم يقصد إلا معنى واحد وهو كونه مسحرا ثم قرر بكونه بشرا مثلهم كذا في الكشاف، وفي الكشف أن فيه ما يلوح إلى اختصاص كل بموضعه وإن الكلام هنالك في كونه مثلهم غير ممتاز بما يوجب الفضيلة ولهذا عقبوه بقولهم: فَأْتِ بِآيَةٍ [الشعراء: ١٥٤] فدل على أنهم لم يجعلوا البشرية منافية للنبوة وإنما جعلوا الوصف تمهيدا للاشتراك وأنه أبدع في دعواه، وهاهنا ساقوا ذلك مساق ما ينافي النبوة فجعلوا كل واحد صفة مستقلة في المنافاة ليكون أبلغ. وجعلوا إنكار النبوة أمرا مفروغا ولذا عقبوه بقولهم: وَإِنْ نَظُنُّكَ إلخ، وقال النيسابوري في وجه الاختصاص: إن صالحا عليه السلام قلل في الخطاب فقللوا في الجواب وأكثر شعيب عليه السلام في الخطاب ولهذا قيل له: خطيب الأنبياء فأكثروا في الجواب، ولعله أراد أن شعيبا عليه السلام بالغ في زجرهم فبالغوا في تكذيبه ولا كذلك صالح عليه السلام مع قومه فتأمل، وإِنْ في قوله سبحانه: وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ هي المخففة من الثقيلة واللام في لَمِنَ هي الفارقة، وقال الكوفيون: إن نافية واللام بمعنى إلا وهو خلاف مشهور أي وإن الشأن نظنك من الكاذبين في الدعوى أو ما نظنك إلا من الكاذبين فيها، ومرادهم أنه عليه السلام وحاشاه راسخ القدم في الكذب في دعواه الرسالة أو فيها وفي دعوى نزول العذاب الذي يشعر به الأمر بالتقوى من التهديد.
117
وظاهر حالهم أنهم عنوا بالظن الإدراك الجازم، وقوله عز وجل: فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ من الاقتراح الذي تحته كل الإنكار على نحو إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ [الأنفال: ٣٢] ولعلهم قابلوا به ما أشعر به الأمر بالتقوى مما ذكرنا، وكِسَفاً أي قطعا كما روي عن ابن عباس وقتادة جمع كسفة كقطعة.
وقرأ الأكثرون «كسفا» بكسر الكاف وسكون السين وهو أيضا جمع كسفة مثل سدرة وسدر، وقيل: الكسف والكسفة كالريع والريعة وهي القطعة، والمراد بالسماء إما المظلة وهو الظاهر وإما السحاب، والظاهر أن الجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع صفة لما قبله وتعلقه بأسقط في غاية السقوط، وجوز عليه أن يراد بالسماء جهة العلو، وجواب أن محذوف دل عليه فأسقط، ومن جوز تقدم الجواب جعله الجواب.
قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ أي هو تعالى أعلم بأعمالكم من الكفر والمعاصي وبما تستوجبون عليها من العذاب فسينزله عليكم حسبما تستوجبون في وقته المقدر له لا محالة فَكَذَّبُوهُ فاستمروا على تكذيبه وكذبوه تكذيبا بعد تكذيب فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ وذلك على ما أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس أن الله تعالى بعث عليهم حرا شديدا فأخذ بأنفاسهم فدخلوا أجواف البيوت فدخل عليهم فخرجوا منها هرابا إلى البرية فبعث الله تعالى عليهم سحابة فأظلتهم من الشمس وهي الظلة فوجدوا لها بردا ولذة فنادى بعضهم بعضا حتى إذا اجتمعوا تحتها أسقطها الله عز وجل عليهم نارا فأكلتهم جميعا. وجاء في كثير من الروايات أن الله عز وجل سلط عليهم الحر سبعة أيام ولياليهن ثم كان ما كان من الخروج إلى البرية وما بعده وكان ذلك على نحو ما اقترحوه لا سيما على القول بأنهم عنوا بالسماء السحاب، وفي إضافة العذاب إلى يوم الظلة دون نفسها إيذان بأن لهم عذابا آخر غير عذاب الظلة وفي ترك بيانه تعظيم لأمره.
وقد أخرج ابن جرير والحاكم وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: من حدثك من العلماء ما عذاب يوم الظلة فكذبه، وكأنه أراد بذلك مجموع عذاب الظلة الذي ذكر في الخبر السابق والعذاب الآخر الذي آذنت به الإضافة إلى اليوم إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ أي في الشدة والهول وفظاعة ما وقع فيه من الطامة والداهية التامة.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ هذا آخر القصص السبع التي سيقت لما علمته سابقا، ولعل الاقتصار على هذا العدد على ما قيل لأنه عدد تام وأنا أفوض العلم بسر ذلك وكذا العلم بسر ترتيب القصص على هذا الوجه لحضرة علام الغيوب جل شأنه، وقوله سبحانه: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ إلخ عود لما في مطلع السورة الكريمة من التنويه بشأن القرآن، العظيم، ورد ما قال المشركون فيه فالضمير راجع إلى القرآن، وقيل: هو تقرير لحقية تلك القصص وتنبيه على إعجاز القرآن ونبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم فإن الأخبار عنها ممن لم يتعلمها لا يكون إلا وحيا من الله عز وجل، فالضمير لما ذكر من الآيات الكريمة الناطقة بتلك القصص المحكية، وجوز أن يكون للقرآن الذي هي من جملته والإخبار عن ذلك بتنزيل للمبالغة والمراد أنه لمنزل من الله تعالى ووصفه سبحانه بربوبية العالمين للإيذان بأن تنزيله من أحكام تربيته عز وجل ورأفته بالكل نَزَلَ بِهِ أي أنزله على أن الباء للتعدية.
وقال أبو حيان وابن عطية: هي للمصاحبة والجار والمجرور في موضع الحال كما في قوله تعالى: وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ [المائدة: ٦١] أي نزل مصاحبا له الرُّوحُ الْأَمِينُ يعني جبرائيل عليه السلام، وعبر عنه بالروح
وقرأ الأكثرون «كسفا» بكسر الكاف وسكون السين وهو أيضا جمع كسفة مثل سدرة وسدر، وقيل: الكسف والكسفة كالريع والريعة وهي القطعة، والمراد بالسماء إما المظلة وهو الظاهر وإما السحاب، والظاهر أن الجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع صفة لما قبله وتعلقه بأسقط في غاية السقوط، وجوز عليه أن يراد بالسماء جهة العلو، وجواب أن محذوف دل عليه فأسقط، ومن جوز تقدم الجواب جعله الجواب.
قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ أي هو تعالى أعلم بأعمالكم من الكفر والمعاصي وبما تستوجبون عليها من العذاب فسينزله عليكم حسبما تستوجبون في وقته المقدر له لا محالة فَكَذَّبُوهُ فاستمروا على تكذيبه وكذبوه تكذيبا بعد تكذيب فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ وذلك على ما أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس أن الله تعالى بعث عليهم حرا شديدا فأخذ بأنفاسهم فدخلوا أجواف البيوت فدخل عليهم فخرجوا منها هرابا إلى البرية فبعث الله تعالى عليهم سحابة فأظلتهم من الشمس وهي الظلة فوجدوا لها بردا ولذة فنادى بعضهم بعضا حتى إذا اجتمعوا تحتها أسقطها الله عز وجل عليهم نارا فأكلتهم جميعا. وجاء في كثير من الروايات أن الله عز وجل سلط عليهم الحر سبعة أيام ولياليهن ثم كان ما كان من الخروج إلى البرية وما بعده وكان ذلك على نحو ما اقترحوه لا سيما على القول بأنهم عنوا بالسماء السحاب، وفي إضافة العذاب إلى يوم الظلة دون نفسها إيذان بأن لهم عذابا آخر غير عذاب الظلة وفي ترك بيانه تعظيم لأمره.
وقد أخرج ابن جرير والحاكم وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: من حدثك من العلماء ما عذاب يوم الظلة فكذبه، وكأنه أراد بذلك مجموع عذاب الظلة الذي ذكر في الخبر السابق والعذاب الآخر الذي آذنت به الإضافة إلى اليوم إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ أي في الشدة والهول وفظاعة ما وقع فيه من الطامة والداهية التامة.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ هذا آخر القصص السبع التي سيقت لما علمته سابقا، ولعل الاقتصار على هذا العدد على ما قيل لأنه عدد تام وأنا أفوض العلم بسر ذلك وكذا العلم بسر ترتيب القصص على هذا الوجه لحضرة علام الغيوب جل شأنه، وقوله سبحانه: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ إلخ عود لما في مطلع السورة الكريمة من التنويه بشأن القرآن، العظيم، ورد ما قال المشركون فيه فالضمير راجع إلى القرآن، وقيل: هو تقرير لحقية تلك القصص وتنبيه على إعجاز القرآن ونبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم فإن الأخبار عنها ممن لم يتعلمها لا يكون إلا وحيا من الله عز وجل، فالضمير لما ذكر من الآيات الكريمة الناطقة بتلك القصص المحكية، وجوز أن يكون للقرآن الذي هي من جملته والإخبار عن ذلك بتنزيل للمبالغة والمراد أنه لمنزل من الله تعالى ووصفه سبحانه بربوبية العالمين للإيذان بأن تنزيله من أحكام تربيته عز وجل ورأفته بالكل نَزَلَ بِهِ أي أنزله على أن الباء للتعدية.
وقال أبو حيان وابن عطية: هي للمصاحبة والجار والمجرور في موضع الحال كما في قوله تعالى: وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ [المائدة: ٦١] أي نزل مصاحبا له الرُّوحُ الْأَمِينُ يعني جبرائيل عليه السلام، وعبر عنه بالروح
118
لأنه يحيي به الخلق في باب الدين أو لأنه روح كله لا كالناس الذين في أبدانهم روح، ووصف عليه السلام بالأمين لأنه أمين وحيه تعالى وموصوله إلى من شاء من عباده جل شأنه من غير تغيير وتحريف أصلا. وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر وابن عامر نزل به الروح الأمين بتشديد الزاي ونصب الروح والْأَمِينُ أي جعل الله تعالى الروح الأمين نازلا به عَلى قَلْبِكَ متعلق بنزل لا بالأمين. والمراد بالقلب إما الروح وهو أحد إطلاقاته كما قال الراغب:
وكون الإنزال عليه على ما قال غير واحد لأنه المدرك والمكلف دون الجسد. وقد يقال: لما كان له صلّى الله عليه وسلّم جهتان جهة ملكية يستفيض بها وجهة بشرية يفيض بها جعل الإنزال على روحه صلّى الله عليه وسلّم لأنها المتصفة بالصفات الملكية التي يستفيض بها من الروح الأمين.
وللإشارة إلى ذلك قيل عَلى قَلْبِكَ دون عليك الأخصر. وقيل: إن هذا لأن القرآن لم ينزل في الصحف كغيره من الكتب، وأما العضو المخصوص وهو الإطلاق المشهور. وتخصيصه بالإنزال عليه قيل للإشارة إلى كمال تعقله صلّى الله عليه وسلّم وفهمه ذلك المنزل حيث لم تعتبر واسطة في وصوله إلى القلب الذي هو محل العقل كما يقتضيه ظاهر كثير من الآيات والأحاديث ويشهد له العقل على ما لا يخفى على من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وقد أطال في الانتصار لذلك الإمام في تفسيره.
ورد على من ذهب إلى أن الدماغ محل العقل، وقيل: للإشارة إلى صلاح قلبه عليه الصلاة والسلام وتقدسه حيث كان منزلا لكلامه تعالى ليعلم منه حال سائر أجزائه صلّى الله عليه وسلّم فإن القلب رئيس جميع الأعضاء وملكها ومتى صلح الملك صلحت الرعية
وفي الحديث: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب»
، وقد يقال: يجوز أن يكون التخصيص لأن الله تعالى جعل لقلب رسوله صلّى الله عليه وسلّم سمعا مخصوصا يسمع به ما ينزل عليه من القرآن تمييزا لشأنه على سائر ما يسمعه ويعيه على حد ما قيل وذكره النووي في شرح صحيح مسلم في قوله تعالى: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى [النجم: ١١] من أن الله عز وجل جعل لفؤاده عليه الصلاة والسلام بصرا فرآه به سبحانه ليلة المعراج. وهذا كله على القول بأن جبرائيل عليه السلام ينزل بالألفاظ القرآنية المحفوظة له بعد أن نزل القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة أو التي يحفظها من اللوح عند الأمر بالإنزال أو التي يوحى بها إليه أو التي يسمعها منه سبحانه على ما قاله بعض أجلة السلف عنده فيلقيها إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم على ما هي عليه من غير تغيير أصلا. وكذا على القول بأن جبرائيل عليه السلام ألقى عليه المعاني القرآنية وأنه عبر عنها بهذه الألفاظ العربية ثم نزل بها كذلك فألقاها إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم. وأما على القول بأنه عليه السلام إنما نزل بالمعاني خاصة إلى النبي عليه الصلاة والسلام وأنه عليه الصلاة والسلام علم تلك المعاني وعبر عنها بلغة العرب فقيل: إن القلب بمعنى العضو المخصوص لا غير وتخصيصه لأن المعاني إنما تدرك بالقوة المودعة فيه، وقيل: يجوز أن يراد به الروح وروحه عليه الصلاة والسلام لغاية تقدسها وكمالها في نفسها تدرك المعاني من غير توسط آلة. ومن الناس من ذهب إلى هذا القول وجعل الآية دليلا له وهو قول مرجوح. ومثله القول بأن جبرائيل عليه السلام ألقى عليه المعاني فعبر عنها بألفاظ فنزل بما عبر هو به. والقول الراجح أن الألفاظ منه عز وجل كالمعاني لا مدخل لجبرائيل عليه السلام فيها أصلا. وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يسمعها ويعيها بقوى إلهية قدسية لا كسماع البشر إياها منه عليه الصلاة والسلام وتنفعل عند ذلك قواه البشرية، ولهذا يظهر على جسده الشريف صلّى الله عليه وسلّم ما يظهر ويقال لذلك: برجاء الوحي حتى يظن في بعض الأحايين أنه أغمي عليه عليه الصلاة والسلام. وقد يظن أنه صلّى الله عليه وسلّم أغفي.
وعلى هذا
يخرج ما رواه مسلم عن أنس قال: «بينا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم بين أظهرنا إذ أغفى
وكون الإنزال عليه على ما قال غير واحد لأنه المدرك والمكلف دون الجسد. وقد يقال: لما كان له صلّى الله عليه وسلّم جهتان جهة ملكية يستفيض بها وجهة بشرية يفيض بها جعل الإنزال على روحه صلّى الله عليه وسلّم لأنها المتصفة بالصفات الملكية التي يستفيض بها من الروح الأمين.
وللإشارة إلى ذلك قيل عَلى قَلْبِكَ دون عليك الأخصر. وقيل: إن هذا لأن القرآن لم ينزل في الصحف كغيره من الكتب، وأما العضو المخصوص وهو الإطلاق المشهور. وتخصيصه بالإنزال عليه قيل للإشارة إلى كمال تعقله صلّى الله عليه وسلّم وفهمه ذلك المنزل حيث لم تعتبر واسطة في وصوله إلى القلب الذي هو محل العقل كما يقتضيه ظاهر كثير من الآيات والأحاديث ويشهد له العقل على ما لا يخفى على من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وقد أطال في الانتصار لذلك الإمام في تفسيره.
ورد على من ذهب إلى أن الدماغ محل العقل، وقيل: للإشارة إلى صلاح قلبه عليه الصلاة والسلام وتقدسه حيث كان منزلا لكلامه تعالى ليعلم منه حال سائر أجزائه صلّى الله عليه وسلّم فإن القلب رئيس جميع الأعضاء وملكها ومتى صلح الملك صلحت الرعية
وفي الحديث: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب»
، وقد يقال: يجوز أن يكون التخصيص لأن الله تعالى جعل لقلب رسوله صلّى الله عليه وسلّم سمعا مخصوصا يسمع به ما ينزل عليه من القرآن تمييزا لشأنه على سائر ما يسمعه ويعيه على حد ما قيل وذكره النووي في شرح صحيح مسلم في قوله تعالى: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى [النجم: ١١] من أن الله عز وجل جعل لفؤاده عليه الصلاة والسلام بصرا فرآه به سبحانه ليلة المعراج. وهذا كله على القول بأن جبرائيل عليه السلام ينزل بالألفاظ القرآنية المحفوظة له بعد أن نزل القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة أو التي يحفظها من اللوح عند الأمر بالإنزال أو التي يوحى بها إليه أو التي يسمعها منه سبحانه على ما قاله بعض أجلة السلف عنده فيلقيها إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم على ما هي عليه من غير تغيير أصلا. وكذا على القول بأن جبرائيل عليه السلام ألقى عليه المعاني القرآنية وأنه عبر عنها بهذه الألفاظ العربية ثم نزل بها كذلك فألقاها إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم. وأما على القول بأنه عليه السلام إنما نزل بالمعاني خاصة إلى النبي عليه الصلاة والسلام وأنه عليه الصلاة والسلام علم تلك المعاني وعبر عنها بلغة العرب فقيل: إن القلب بمعنى العضو المخصوص لا غير وتخصيصه لأن المعاني إنما تدرك بالقوة المودعة فيه، وقيل: يجوز أن يراد به الروح وروحه عليه الصلاة والسلام لغاية تقدسها وكمالها في نفسها تدرك المعاني من غير توسط آلة. ومن الناس من ذهب إلى هذا القول وجعل الآية دليلا له وهو قول مرجوح. ومثله القول بأن جبرائيل عليه السلام ألقى عليه المعاني فعبر عنها بألفاظ فنزل بما عبر هو به. والقول الراجح أن الألفاظ منه عز وجل كالمعاني لا مدخل لجبرائيل عليه السلام فيها أصلا. وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يسمعها ويعيها بقوى إلهية قدسية لا كسماع البشر إياها منه عليه الصلاة والسلام وتنفعل عند ذلك قواه البشرية، ولهذا يظهر على جسده الشريف صلّى الله عليه وسلّم ما يظهر ويقال لذلك: برجاء الوحي حتى يظن في بعض الأحايين أنه أغمي عليه عليه الصلاة والسلام. وقد يظن أنه صلّى الله عليه وسلّم أغفي.
وعلى هذا
يخرج ما رواه مسلم عن أنس قال: «بينا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم بين أظهرنا إذ أغفى
119
إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ فقال: أنزل عليّ آنفا سورة فقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر: ١- ٣]
ولا يحتاج من قال: إن الأشبه أن القرآن كله نزل في اليقظة إلى تأويل هذا الخبر بأنه عليه الصلاة والسلام خطر له في تلك الإغفاءة سورة الكوثر التي نزلت قبلها في اليقظة أو عرض عليه الكوثر الذي أنزلت فيه السورة فقرأها عليهم، ثم إنه على ما قيل من أن بعض القرآن نزل عليه عليه الصلاة والسلام وهو نائم استدلالا بهذا الخبر يبقى ما قلناه من سماعه عليه الصلاة والسلام ما ينزل إليه صلّى الله عليه وسلّم ووعيه إياه بقوى إلهية قدسية ونومه عليه الصلاة والسلام لا يمنع من ذلك كيف
وقد صح عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «تنام عيني ولا ينام قلبي».
وقد ذكر بعض المتصدرين في محافل الحكمة من المتأخرين في بيان كيفية نزول الكلام وهبوط الوحي من عند الله تعالى بواسطة الملك على قلب النبي صلّى الله عليه وسلّم أن الروح الإنساني إذا تجرد عن البدن، وخرج عن وثاقة من بيت قالبه وموطن طبعه مهاجرا إلى ربه سبحانه لمشاهدة آياته الكبرى وتطهر عن درن المعاصي واللذات والشهوات والوساوس العادية والمتعلقات لاح له نور المعرفة والإيمان بالله تعالى وملكوته الأعلى وهذا النور إذا تأكد وتجوهر كان جوهرا قدسيا يسمى في لسان الحكمة النظرية بالعقل الفعال وفي لسان الشريعة النبوية بالروح القدسي وبهذا النور الشديد العقلي يتلألأ فيه أسرار ما في الأرض والسماء ويتراءى منه حقائق الأشياء كما يتراءى بالنور الحسي البصري الأشباح المثالية في قوة البصر إذا لم يمنع حجاب، والحجاب هاهنا هو آثار الطبيعة وشواغل هذه الأولى فإذا عريت النفس عن دواعي الطبيعة والاشتغال بما تحتها من الشهوة والغضب والحس والتخيل وتوجهت بوجهها شطر الحق وتلقاء عالم الملكوت الأعلى اتصلت بالسعادة القصوى فلاح لها سر الملكوت وانعكس عليها قدس اللاهوت ورأت عجائب آيات الله تعالى الكبرى، ثم إن هذه الروح إذا كانت قدسية شديدة القوى قوية الآثار لقوة اتصالها بما فوقها فلا يشغلها شأن عن شأن ولا يمنعها جهة فوقها عن جهة تحتها فتضبط الطرفين وتسع قوتها الجانبين لشدة تمكنها في الحد المشترك بين الملك والملكوت كالأرواح الضعيفة التي إذا مالت إلى جانب غاب عنها الجانب الآخر وإذا ركنت إلى مشعر من المشاعر ذهلت عن المشعر الآخر وإذا توجهت هذه الروح القدسية التي لا يشغلها شأن عن شأن ولا تصرفها نشأة عن نشأة وتلقت المعارف الإلهية بلا تعلم بشري بل من الله تعالى يتعدى تأثيرها إلى قواها ويتمثل لروحه البشري صورة ما شاهده بروحه القدسي وتبرز منها إلى ظاهر الكون فتتمثل للحواس الظاهرة سيما السمع والبصر لكونهما أشرف الحواس الظاهرة فيرى ببصره شخصا محسوسا في غاية الحسن والصباحة ويسمع بسمعه كلاما منظوما في غاية الجودة والفصاحة، فالشخص هو الملك النازل بإذن الله تعالى الحامل للوحي الإلهي، والكلام هو كلام الله تعالى وبيده لوح فيه كتاب هو كتاب الله تعالى، وهذا الأمر المتمثل بما معه أو فيه ليس مجرد صورة خيالية لا وجود لها في خارج الذهن والتخيل كما يقوله من لا حظ له من علم الباطن ولا قدم له في أسرار الوحي والكتاب كبعض أتباع المشائين معاذ الله تعالى عن هذه العقيدة الناشئة عن الجهل بكيفية الإنزال والتنزيل ثم قال: إنارة قلبية وإشارة عقلية عليك أن تعلم أن للملائكة ذوات حقيقية وذوات إضافية مضافة إلى ما دونها إضافة النفس إلى البدن الكائن في النشأة الآخرة فأما ذواتها الحقيقية فإنما هي أمرية قضائية قولية وأما ذواتها الإضافية فإنما هي خلقية قدرية تنشأ منها الملائكة اللوحية وأعظمهم إسرافيل عليه السلام وهؤلاء الملائكة اللوحية يأخذون الكلام الإلهي والعلوم اللدنية من الملائكة القلمية ويثبتونها في صحائف ألواحهم القدرية الكتابية، وإنما كان يلاقي النبي صلّى الله عليه وسلّم في معراجه الصنف الأول من الملائكة ويشاهد روح القدس في اليقظة فإذا اتصلت الروح النبوية بعالمهم عالم الوحي الرباني يسمع كلام الله تعالى
ولا يحتاج من قال: إن الأشبه أن القرآن كله نزل في اليقظة إلى تأويل هذا الخبر بأنه عليه الصلاة والسلام خطر له في تلك الإغفاءة سورة الكوثر التي نزلت قبلها في اليقظة أو عرض عليه الكوثر الذي أنزلت فيه السورة فقرأها عليهم، ثم إنه على ما قيل من أن بعض القرآن نزل عليه عليه الصلاة والسلام وهو نائم استدلالا بهذا الخبر يبقى ما قلناه من سماعه عليه الصلاة والسلام ما ينزل إليه صلّى الله عليه وسلّم ووعيه إياه بقوى إلهية قدسية ونومه عليه الصلاة والسلام لا يمنع من ذلك كيف
وقد صح عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «تنام عيني ولا ينام قلبي».
وقد ذكر بعض المتصدرين في محافل الحكمة من المتأخرين في بيان كيفية نزول الكلام وهبوط الوحي من عند الله تعالى بواسطة الملك على قلب النبي صلّى الله عليه وسلّم أن الروح الإنساني إذا تجرد عن البدن، وخرج عن وثاقة من بيت قالبه وموطن طبعه مهاجرا إلى ربه سبحانه لمشاهدة آياته الكبرى وتطهر عن درن المعاصي واللذات والشهوات والوساوس العادية والمتعلقات لاح له نور المعرفة والإيمان بالله تعالى وملكوته الأعلى وهذا النور إذا تأكد وتجوهر كان جوهرا قدسيا يسمى في لسان الحكمة النظرية بالعقل الفعال وفي لسان الشريعة النبوية بالروح القدسي وبهذا النور الشديد العقلي يتلألأ فيه أسرار ما في الأرض والسماء ويتراءى منه حقائق الأشياء كما يتراءى بالنور الحسي البصري الأشباح المثالية في قوة البصر إذا لم يمنع حجاب، والحجاب هاهنا هو آثار الطبيعة وشواغل هذه الأولى فإذا عريت النفس عن دواعي الطبيعة والاشتغال بما تحتها من الشهوة والغضب والحس والتخيل وتوجهت بوجهها شطر الحق وتلقاء عالم الملكوت الأعلى اتصلت بالسعادة القصوى فلاح لها سر الملكوت وانعكس عليها قدس اللاهوت ورأت عجائب آيات الله تعالى الكبرى، ثم إن هذه الروح إذا كانت قدسية شديدة القوى قوية الآثار لقوة اتصالها بما فوقها فلا يشغلها شأن عن شأن ولا يمنعها جهة فوقها عن جهة تحتها فتضبط الطرفين وتسع قوتها الجانبين لشدة تمكنها في الحد المشترك بين الملك والملكوت كالأرواح الضعيفة التي إذا مالت إلى جانب غاب عنها الجانب الآخر وإذا ركنت إلى مشعر من المشاعر ذهلت عن المشعر الآخر وإذا توجهت هذه الروح القدسية التي لا يشغلها شأن عن شأن ولا تصرفها نشأة عن نشأة وتلقت المعارف الإلهية بلا تعلم بشري بل من الله تعالى يتعدى تأثيرها إلى قواها ويتمثل لروحه البشري صورة ما شاهده بروحه القدسي وتبرز منها إلى ظاهر الكون فتتمثل للحواس الظاهرة سيما السمع والبصر لكونهما أشرف الحواس الظاهرة فيرى ببصره شخصا محسوسا في غاية الحسن والصباحة ويسمع بسمعه كلاما منظوما في غاية الجودة والفصاحة، فالشخص هو الملك النازل بإذن الله تعالى الحامل للوحي الإلهي، والكلام هو كلام الله تعالى وبيده لوح فيه كتاب هو كتاب الله تعالى، وهذا الأمر المتمثل بما معه أو فيه ليس مجرد صورة خيالية لا وجود لها في خارج الذهن والتخيل كما يقوله من لا حظ له من علم الباطن ولا قدم له في أسرار الوحي والكتاب كبعض أتباع المشائين معاذ الله تعالى عن هذه العقيدة الناشئة عن الجهل بكيفية الإنزال والتنزيل ثم قال: إنارة قلبية وإشارة عقلية عليك أن تعلم أن للملائكة ذوات حقيقية وذوات إضافية مضافة إلى ما دونها إضافة النفس إلى البدن الكائن في النشأة الآخرة فأما ذواتها الحقيقية فإنما هي أمرية قضائية قولية وأما ذواتها الإضافية فإنما هي خلقية قدرية تنشأ منها الملائكة اللوحية وأعظمهم إسرافيل عليه السلام وهؤلاء الملائكة اللوحية يأخذون الكلام الإلهي والعلوم اللدنية من الملائكة القلمية ويثبتونها في صحائف ألواحهم القدرية الكتابية، وإنما كان يلاقي النبي صلّى الله عليه وسلّم في معراجه الصنف الأول من الملائكة ويشاهد روح القدس في اليقظة فإذا اتصلت الروح النبوية بعالمهم عالم الوحي الرباني يسمع كلام الله تعالى
120
وهو إعلام الحقائق بالمكالمة الحقيقة وهي الإفاضة والاستفاضة في مقام قاب قوسين أو أدنى وهو مقام القرب ومقعد الصدق ومعدن الوحي والإلهام، وكذا إذا عاشر النبي الملائكة الأعلين يسمع صريف أقلامهم وإلقاء كلامهم وهو كلام الله تعالى النازل في محل معرفتهم وهي ذواتهم وعقولهم لكونهم في مقام القرب، ثم إذا نزل عليه الصلاة والسلام إلى ساحة الملكوت السماوي يتمثل له صورة ما عقله وشاهده في لوح نفسه الواقعة في عالم الأرواح القدرية السماوية ثم يتعدى منه الأثر إلى الظاهر، وحينئذ يقع للحواس شبه دهش ونوم لما أن الروح القدسية لضبطها الجانبين تستعمل المشاعر الحسية لكن لا في الأغراض الحيوانية بل في سبيل السلوك إلى الرب سبحانه فهي تشائع الروح في سبيل معرفته تعالى وطاعته فلا جرم إذا خاطبه الله تعالى خطابا من غير حجاب خارجي سواء كان الخطاب بلا واسطة أو بواسطة الملك واطلع على الغيب فانطبع في فص نفسه النبوية نقش الملكوت وصورة الجبروت تنجذب قوة الحس الظاهر إلى فوق ويتمثل لها صورة غير منفكة
عن معناها وروحها الحقيقي لا كصورة الأحلام والخيالات العاطلة عن المعنى فيتمثل لها حقيقة الملك بصورته المحسوسة بحسب ما يحتملها فيرى ملكا على غير صورته التي كانت له في عالم الأمر لأن الأمر إذا نزل صار خلقا مقدرا فيرى صورته الخلقية القدرية ويسمع كلاما مسموعا بعد ما كان وحيا معقولا أو يرى لوحا بيده مكتوبا فالموحى إليه يتصل بالملك أولا بروحه العقلي ويتلقى منه المعارف الإلهية ويشاهد ببصره العقلي آيات ربه الكبرى ويسمع بسمعه العقلي كلام رب العالمين من الروح الأعظم. ثم إذا نزل عن هذا المقام الشامخ الإلهي يتمثل له الملك بصورة محسوسة بحسبه ثم ينحدر إلى حسه الظاهر ثم إلى الهواء وهكذا الكلام في كلامه فيسمع أصواتا وحروفا منظومة مسموعة يختص هو بسماعها دون غيره فيكون كل من الملك وكلامه وكتابه قد تأدى من غيبه إلى شهادته ومن باطن سره إلى مشاعره، وهذه التأدية ليست من قبيل الانتقال والحركة للملك الموحي من موطنه ومقامه إذ كل له مقام معلوم لا يتعداه ولا ينتقل عنه بل مرجع ذلك إلى انبعاث نفسي النبي عليه الصلاة والسلام من نشأة الغيب إلى نشأة الظهور، ولهذا كان يعرض له شبه الدهش والغشي ثم يرى ويسمع ثم يقع منه الإنباء والإخبار فهذا معنى تنزيل الكتاب وإنزال الكلام من رب العالمين انتهى. وفيه ما تأباه الأصول الإسلامية مما لا يخفى عليك وقد صرح غير واحد من المحدثين والمفسرين وغيرهم بانتقال الملك وهو جسم عندهم ولم يؤول أحد منهم نزوله فيما نعلم، نعم أولوا نزول القرآن وإنزاله.
قال الأصفهاني في أوائل تفسيره: اتفق أهل السنة والجماعة على أن كلام الله تعالى منزل واختلفوا في معنى الإنزال، فمنهم من قال: إظهار القراءة، ومنهم من قال: إن الله تعالى الهم كلامه جبريل عليه السلام وهو في السماء وعلمه قراءته ثم جبريل أداه في الأرض وهو يهبط في المكان وفي ذلك طريقتان، إحداهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم انخلع من صورة البشرية إلى صورة الملكية وأخذه من جبريل عليه السلام، وثانيتهما أن الملك انخلع إلى البشرية حتى يأخذه النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم منه، والأولى أصعب الحالين انتهى وقال الطيبي: لعل نزول القرآن على الرسول عليه الصلاة والسلام أن يتلقفه الملك تلقفا روحانيا أو يحفظه من اللوح المحفوظ فينزل به إلى الرسول ويلقيه عليه.
وقال القطب في حواشي الكشاف الإنزال في اللغة الإيواء وبمعنى تحريك الشيء من علو إلى سفل وكلاهما لا يتحققان في الكلام فهو مستعمل بمعنى مجازي فمن قال: القرآن معنى قائم بذات الله تعالى فإنزاله أن توجد الكلمات والحروف الدالة على ذلك المعنى ويثبتها في اللوح المحفوظ. ومن قال: القرآن هو الألفاظ الدالة على المعنى القائم بذاته تعالى فإنزاله مجرد إثباته في اللوح المحفوظ، وهذا المعنى مناسب لكونه مجازا عن أول المعنيين اللغويين.
ويمكن أن يكون المراد بإنزاله إثباته في السماء الدنيا بعد الإثبات في اللوح المحفوظ وهذا مناسب للمعنى
عن معناها وروحها الحقيقي لا كصورة الأحلام والخيالات العاطلة عن المعنى فيتمثل لها حقيقة الملك بصورته المحسوسة بحسب ما يحتملها فيرى ملكا على غير صورته التي كانت له في عالم الأمر لأن الأمر إذا نزل صار خلقا مقدرا فيرى صورته الخلقية القدرية ويسمع كلاما مسموعا بعد ما كان وحيا معقولا أو يرى لوحا بيده مكتوبا فالموحى إليه يتصل بالملك أولا بروحه العقلي ويتلقى منه المعارف الإلهية ويشاهد ببصره العقلي آيات ربه الكبرى ويسمع بسمعه العقلي كلام رب العالمين من الروح الأعظم. ثم إذا نزل عن هذا المقام الشامخ الإلهي يتمثل له الملك بصورة محسوسة بحسبه ثم ينحدر إلى حسه الظاهر ثم إلى الهواء وهكذا الكلام في كلامه فيسمع أصواتا وحروفا منظومة مسموعة يختص هو بسماعها دون غيره فيكون كل من الملك وكلامه وكتابه قد تأدى من غيبه إلى شهادته ومن باطن سره إلى مشاعره، وهذه التأدية ليست من قبيل الانتقال والحركة للملك الموحي من موطنه ومقامه إذ كل له مقام معلوم لا يتعداه ولا ينتقل عنه بل مرجع ذلك إلى انبعاث نفسي النبي عليه الصلاة والسلام من نشأة الغيب إلى نشأة الظهور، ولهذا كان يعرض له شبه الدهش والغشي ثم يرى ويسمع ثم يقع منه الإنباء والإخبار فهذا معنى تنزيل الكتاب وإنزال الكلام من رب العالمين انتهى. وفيه ما تأباه الأصول الإسلامية مما لا يخفى عليك وقد صرح غير واحد من المحدثين والمفسرين وغيرهم بانتقال الملك وهو جسم عندهم ولم يؤول أحد منهم نزوله فيما نعلم، نعم أولوا نزول القرآن وإنزاله.
قال الأصفهاني في أوائل تفسيره: اتفق أهل السنة والجماعة على أن كلام الله تعالى منزل واختلفوا في معنى الإنزال، فمنهم من قال: إظهار القراءة، ومنهم من قال: إن الله تعالى الهم كلامه جبريل عليه السلام وهو في السماء وعلمه قراءته ثم جبريل أداه في الأرض وهو يهبط في المكان وفي ذلك طريقتان، إحداهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم انخلع من صورة البشرية إلى صورة الملكية وأخذه من جبريل عليه السلام، وثانيتهما أن الملك انخلع إلى البشرية حتى يأخذه النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم منه، والأولى أصعب الحالين انتهى وقال الطيبي: لعل نزول القرآن على الرسول عليه الصلاة والسلام أن يتلقفه الملك تلقفا روحانيا أو يحفظه من اللوح المحفوظ فينزل به إلى الرسول ويلقيه عليه.
وقال القطب في حواشي الكشاف الإنزال في اللغة الإيواء وبمعنى تحريك الشيء من علو إلى سفل وكلاهما لا يتحققان في الكلام فهو مستعمل بمعنى مجازي فمن قال: القرآن معنى قائم بذات الله تعالى فإنزاله أن توجد الكلمات والحروف الدالة على ذلك المعنى ويثبتها في اللوح المحفوظ. ومن قال: القرآن هو الألفاظ الدالة على المعنى القائم بذاته تعالى فإنزاله مجرد إثباته في اللوح المحفوظ، وهذا المعنى مناسب لكونه مجازا عن أول المعنيين اللغويين.
ويمكن أن يكون المراد بإنزاله إثباته في السماء الدنيا بعد الإثبات في اللوح المحفوظ وهذا مناسب للمعنى
121
الثاني، والمراد بإنزال الكتب على الرسل أن يتلقفها الملك من الله تعالى تلقفا روحانيا أو يحفظها من اللوح المحفوظ وينزل بها فيلقيها عليهم انتهى وفيه بحث لا يخفى، وعندي أن إنزاله إظهاره في عالم الشهادة بعد أن كان في عالم الغيب، ثم إن ظاهر الآية يقتضي أن جميع القرآن نزل به الروح الأمين على قلبه الشريف صلّى الله تعالى عليه وسلم وهذا ينافي ما قيل: إن آخر سورة البقرة كلمه الله تعالى بها ليلة المعراج حيث لا واسطة احتجاجا بما
أخرجه مسلم عن ابن مسعود «لما أسري برسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم انتهى إلى سدرة المنتهى» الحديث
وفيه: «فأعطى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصلوات الخمس وأعطى خواتيم سورة البقرة وغفر لمن لا يشرك من أمته بالله تعالى شيئا المقحمات»،
وأجيب بعد تسليم أن يكون ما ذكر دليلا لذلك يجوز أن يكون قد نزل جبريل عليه السلام بما ذكر أيضا تأكيدا وتقريرا أو نحو ذلك، وقد ثبت نزوله عليه السلام بالآية الواحدة مرتين لما ذكر، وجوز أن تكون الآية باعتبار الأغلب، واعتبر بعضهم كونها كذلك لأمر آخر وهو أن من القرآن ما نزل به إسرافيل عليه السلام وهو ما كان في أول النبوة وفيه أن ذلك لم يثبت أصلا.
وفي الإتقان أخرج الإمام أحمد في تاريخه من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي قال: أنزل على النبي صلّى الله عليه وسلّم النبوة وهو ابن أربعين سنة فقرن بنبوته إسرافيل عليه السلام ثلاث سنين فكان يعلمه الكلمة والشيء ولم ينزل عليه القرآن على لسانه فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل عليه فنزل عليه القرآن على لسانه عشر سنين انتهى، وهو صريح في خلاف ذلك وإن كان فيه ما يخالف الصحيح المشهور من أن جبريل عليه السلام هو الذي نزل عليه عليه الصلاة والسلام بالوحي من أول الأمر إلا أنه نزل عليه صلّى الله عليه وسلّم غيره عليه السلام من الملائكة أيضا ببعض الأمور، وكثيرا ما ينزلون لتشييع الآيات القرآنية مع جبريل عليه وعليهم السلام.
ومن الناس من اعتبر كونها باعتبار الأغلب لأن إنزال جبريل عليه السلام قد لا يكون على القلب بناء على ما ذكره الشيخ محيي الدين قدس سره في الباب الرابع عشر من الفتوحات من قوله: اعلم أن الملك يأتي النبي عليه الصلاة والسلام بالوحي على حالين تارة ينزل بالوحي على قلبه وتارة يأتيه في صورة جسدية من خارج فيلقى ما جاء به إلى ذلك النبي على أذنه فيسمعه أو يلقيه على بصره فيبصره فيحصل له من النظر ما يحصل من السمع سواء.
وتعقب بأنه لا حاجة إلى ما ذكر، وما نقل عن محيي الدين قدس سره لا يدل على أن نزول الوحي إلى كل نبي يكون على هذين الحالين فيجوز أن يكون نزول الوحي إلى نبينا صلّى الله عليه وسلّم على الحال الأولى فقط سلمنا دلالته على العموم وأن نزول الوحي إلى نبينا عليه الصلاة والسلام قد يكون بتمثل الملك بناء على بعض الأخبار الصحيحة في ذلك لكن لا نسلم أنه يدل على أن نزول الوحي إذا كان الموحى قرآنا يكون على الحال الثانية سلمنا دلالته على ذلك لكن لا نسلم صحة جعله مبنى لتأويل الآية، وكي يؤول كلام الله تعالى لكلام مناف لظاهره صدر من غير معصوم، ويكفي محيي الدين قدس سره من علماء الشريعة أن يؤولوا كلامه ليوافق كلام الله عز وجل فيسلم من الطعن، ولعل من يؤول في مثل ذلك يحسن الظن بمحيي الدين قدس سره ويقول: إنه لم يقل ذلك إلا لدليل شرعي فقد قال قدس سره في الكلام على الإذن من الفتوحات: اعلم أني لم أقرر بحمد الله تعالى في كتابي هذا ولا غيره قط أمرا غير مشروع وما خرجت عن الكتاب والسنة في شيء من تصانيفي، وقال في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الكتاب المذكور جميع ما أتكلم به في مجالسي وتأليفي إنما هو من حضرة القرآن العظيم فإني أعطيت مفاتيح العلم فيه فلا أستمد قط في علم من العلوم إلا منه كل ذلك حتى لا أخرج عن مجالسة الحق تعالى في مناجاته بكلامه أو بما تضمنه كلامه سبحانه إلى غير ذلك فالداعي للتأويل في الحقيقة ذلك الدليل لا نفس كلامه قدس سره العزيز وهو اللائق بالمسلمين الكاملين.
أخرجه مسلم عن ابن مسعود «لما أسري برسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم انتهى إلى سدرة المنتهى» الحديث
وفيه: «فأعطى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصلوات الخمس وأعطى خواتيم سورة البقرة وغفر لمن لا يشرك من أمته بالله تعالى شيئا المقحمات»،
وأجيب بعد تسليم أن يكون ما ذكر دليلا لذلك يجوز أن يكون قد نزل جبريل عليه السلام بما ذكر أيضا تأكيدا وتقريرا أو نحو ذلك، وقد ثبت نزوله عليه السلام بالآية الواحدة مرتين لما ذكر، وجوز أن تكون الآية باعتبار الأغلب، واعتبر بعضهم كونها كذلك لأمر آخر وهو أن من القرآن ما نزل به إسرافيل عليه السلام وهو ما كان في أول النبوة وفيه أن ذلك لم يثبت أصلا.
وفي الإتقان أخرج الإمام أحمد في تاريخه من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي قال: أنزل على النبي صلّى الله عليه وسلّم النبوة وهو ابن أربعين سنة فقرن بنبوته إسرافيل عليه السلام ثلاث سنين فكان يعلمه الكلمة والشيء ولم ينزل عليه القرآن على لسانه فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل عليه فنزل عليه القرآن على لسانه عشر سنين انتهى، وهو صريح في خلاف ذلك وإن كان فيه ما يخالف الصحيح المشهور من أن جبريل عليه السلام هو الذي نزل عليه عليه الصلاة والسلام بالوحي من أول الأمر إلا أنه نزل عليه صلّى الله عليه وسلّم غيره عليه السلام من الملائكة أيضا ببعض الأمور، وكثيرا ما ينزلون لتشييع الآيات القرآنية مع جبريل عليه وعليهم السلام.
ومن الناس من اعتبر كونها باعتبار الأغلب لأن إنزال جبريل عليه السلام قد لا يكون على القلب بناء على ما ذكره الشيخ محيي الدين قدس سره في الباب الرابع عشر من الفتوحات من قوله: اعلم أن الملك يأتي النبي عليه الصلاة والسلام بالوحي على حالين تارة ينزل بالوحي على قلبه وتارة يأتيه في صورة جسدية من خارج فيلقى ما جاء به إلى ذلك النبي على أذنه فيسمعه أو يلقيه على بصره فيبصره فيحصل له من النظر ما يحصل من السمع سواء.
وتعقب بأنه لا حاجة إلى ما ذكر، وما نقل عن محيي الدين قدس سره لا يدل على أن نزول الوحي إلى كل نبي يكون على هذين الحالين فيجوز أن يكون نزول الوحي إلى نبينا صلّى الله عليه وسلّم على الحال الأولى فقط سلمنا دلالته على العموم وأن نزول الوحي إلى نبينا عليه الصلاة والسلام قد يكون بتمثل الملك بناء على بعض الأخبار الصحيحة في ذلك لكن لا نسلم أنه يدل على أن نزول الوحي إذا كان الموحى قرآنا يكون على الحال الثانية سلمنا دلالته على ذلك لكن لا نسلم صحة جعله مبنى لتأويل الآية، وكي يؤول كلام الله تعالى لكلام مناف لظاهره صدر من غير معصوم، ويكفي محيي الدين قدس سره من علماء الشريعة أن يؤولوا كلامه ليوافق كلام الله عز وجل فيسلم من الطعن، ولعل من يؤول في مثل ذلك يحسن الظن بمحيي الدين قدس سره ويقول: إنه لم يقل ذلك إلا لدليل شرعي فقد قال قدس سره في الكلام على الإذن من الفتوحات: اعلم أني لم أقرر بحمد الله تعالى في كتابي هذا ولا غيره قط أمرا غير مشروع وما خرجت عن الكتاب والسنة في شيء من تصانيفي، وقال في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الكتاب المذكور جميع ما أتكلم به في مجالسي وتأليفي إنما هو من حضرة القرآن العظيم فإني أعطيت مفاتيح العلم فيه فلا أستمد قط في علم من العلوم إلا منه كل ذلك حتى لا أخرج عن مجالسة الحق تعالى في مناجاته بكلامه أو بما تضمنه كلامه سبحانه إلى غير ذلك فالداعي للتأويل في الحقيقة ذلك الدليل لا نفس كلامه قدس سره العزيز وهو اللائق بالمسلمين الكاملين.
122
وقوله تعالى: لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ متعلق بنزل أي نزل به لتنذرهم بما في تضاعيفه من العقوبات الهائلة.
وإيثار ما في النظم الكريم للدلالة على انتظامه صلّى الله عليه وسلّم في سلك أولئك المنذرين المشهورين في حقية الرسالة وتقرر العذاب المنذر به، وكذا قوله سبحانه: بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ متعلق بنزل عند جمع من الأجلة ويكون حينئذ على ما قال الشهاب بدلا من بِهِ بإعادة العامل، وتقديم لِتَكُونَ إلخ للاعتناء بأمر الإنذار ولئلا يتوهم أن كونه عليه الصلاة والسلام من جملة المنذرين المذكورين متوقف على كون الإنزال بلسان عربي مبين، واستحسن كون الباء للملابسة والجار والمجرور في موضع الحال من ضمير بِهِ أي نزل به ملتبسا بلغة عربية واضحة المعنى ظاهرة المدلول لئلا يبقى لهم عذر، وقيل: بلغة مبينة لهم ما يحتاجون إليه من أمور دينهم ودنياهم على أن مُبِينٍ من أبان المتعدي، والأول أظهر.
وجوز أن تعلق الجار والمجرور بالمنذرين أي لتكون من الذين أنذروا بلغة العرب وهم هود وصالح وإسماعيل وشعيب ومحمد صلّى الله عليه وسلّم، وزاد بعضهم خالد بن سنان وصفوان بن حنظلة عليهما السلام. وتعقب بأنه يؤدي إلى أن غاية الإنذار كونه عليه السلام من جملة المنذرين باللغة العربية فقط من هود وصالح وشعيب عليهم السلام، ولا يخفى فساده كيف لا، والطامة الكبرى في باب الإنذار ما أنذره نوح وموسى عليهما السلام، وأشد الزواجر تأثيرا في قلوب المشركين ما أنذره إبراهيم عليه السلام لانتمائهم إليه وادعائهم أنهم على ملته عليه السلام، وذكر بعضهم أن المراد على هذا الوجه أنك أنذرتهم كما أنذر آباؤهم الأولون وأنك لست بمبتدع بهذا فكيف كذبوك، والحق أن الوجه المذكور دون الوجه السابق، وأما أنه فاسد معنى كما يقتضيه كلام المتعقب فلا.
وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ أي وإنّ ذكر القرآن لفي الكتب المتقدمة على أن الضمير للقرآن والكلام على حذف مضاف وهذا كما يقال: إن فلانا في دفتر الأمير. وقيل: المراد وإن معناه لفي الكتب المتقدمة وهو باعتبار الأغلب فإن التوحيد وسائر ما يتعلق بالذات والصفات وكثيرا من المواعظ والقصص مسطور في الكتب السابقة فلا يضران منه ما ليس في ذلك بحسب الظن الغالب كقصة الإفك وما كان في نكاح امرأة زيد وما تضمنه صدر سورة التحريم وغير ذلك. واشتهر عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه أنه جوز قراءة القرآن بالفارسية والتركية والهندية وغير ذلك من اللغات مطلقا استدلالا بهذه الآية. وفي رواية تخصيص الجواز بالفارسية لأنها أشرف اللغات بعد العربية لخبر لسان أهل الجنة العربي والفارسي الدري. وفي رواية أخرى أنها إنما تجوز بالفارسية إذا كان ثناء كسورة الإخلاص أما إذا كان غيره فلا تجوز، وفي أخرى أنها إنما تجوز بالفارسية في الصلاة إذا كان المصلي عاجزا عن العربية وكان المقروء ذكرا وتنزيها أما القراءة بها في غير الصلاة أو في الصلاة وكان القارئ يحسن العربية أو في الصلاة وكان القارئ عاجزا عن العربية لكن كان المقروء من القصص والأوامر والنواهي فإنها لا تجوز، وذكر أن هذا قول صاحبيه.
وكان رضي الله تعالى عنه قد ذهب إلى خلافه ثم رجع عنه إليه. وقد صحح رجوعه عن القول بجواز القراءة بغير العربية مطلقا جمع من الثقات المحققين. وللعلامة حسن الشر نبلالي رسالة في تحقيق هذه المسألة سماها النفحة القدسية في أحكام قراءة القرآن وكتابته بالفارسية فمن أراد التحقيق فليرجع إليها. وكان رجوع الإمام عليه الرحمة عما اشتهر عنه لضعف الاستدلال بهذه الآية عليه كما لا يخفى على المتأمل.
وفي الكشف أن القرآن كان هو المنزل للإعجاز إلى آخر ما يذكر في معناه فلا شك أن الترجمة ليست بقرآن وإن كان هو المعنى القائم بصاحبه فلا شك أنه غير ممكن القراءة، فإن قيل: هو المعنى المعبر عنه بأي لغة كان قلنا لا شك في اختلاف الأسامي باختلاف اللغات وكما لا يسمى القرآن بالتوراة لا يسمى التوراة بالقرآن فالأسماء لخصوص
وإيثار ما في النظم الكريم للدلالة على انتظامه صلّى الله عليه وسلّم في سلك أولئك المنذرين المشهورين في حقية الرسالة وتقرر العذاب المنذر به، وكذا قوله سبحانه: بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ متعلق بنزل عند جمع من الأجلة ويكون حينئذ على ما قال الشهاب بدلا من بِهِ بإعادة العامل، وتقديم لِتَكُونَ إلخ للاعتناء بأمر الإنذار ولئلا يتوهم أن كونه عليه الصلاة والسلام من جملة المنذرين المذكورين متوقف على كون الإنزال بلسان عربي مبين، واستحسن كون الباء للملابسة والجار والمجرور في موضع الحال من ضمير بِهِ أي نزل به ملتبسا بلغة عربية واضحة المعنى ظاهرة المدلول لئلا يبقى لهم عذر، وقيل: بلغة مبينة لهم ما يحتاجون إليه من أمور دينهم ودنياهم على أن مُبِينٍ من أبان المتعدي، والأول أظهر.
وجوز أن تعلق الجار والمجرور بالمنذرين أي لتكون من الذين أنذروا بلغة العرب وهم هود وصالح وإسماعيل وشعيب ومحمد صلّى الله عليه وسلّم، وزاد بعضهم خالد بن سنان وصفوان بن حنظلة عليهما السلام. وتعقب بأنه يؤدي إلى أن غاية الإنذار كونه عليه السلام من جملة المنذرين باللغة العربية فقط من هود وصالح وشعيب عليهم السلام، ولا يخفى فساده كيف لا، والطامة الكبرى في باب الإنذار ما أنذره نوح وموسى عليهما السلام، وأشد الزواجر تأثيرا في قلوب المشركين ما أنذره إبراهيم عليه السلام لانتمائهم إليه وادعائهم أنهم على ملته عليه السلام، وذكر بعضهم أن المراد على هذا الوجه أنك أنذرتهم كما أنذر آباؤهم الأولون وأنك لست بمبتدع بهذا فكيف كذبوك، والحق أن الوجه المذكور دون الوجه السابق، وأما أنه فاسد معنى كما يقتضيه كلام المتعقب فلا.
وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ أي وإنّ ذكر القرآن لفي الكتب المتقدمة على أن الضمير للقرآن والكلام على حذف مضاف وهذا كما يقال: إن فلانا في دفتر الأمير. وقيل: المراد وإن معناه لفي الكتب المتقدمة وهو باعتبار الأغلب فإن التوحيد وسائر ما يتعلق بالذات والصفات وكثيرا من المواعظ والقصص مسطور في الكتب السابقة فلا يضران منه ما ليس في ذلك بحسب الظن الغالب كقصة الإفك وما كان في نكاح امرأة زيد وما تضمنه صدر سورة التحريم وغير ذلك. واشتهر عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه أنه جوز قراءة القرآن بالفارسية والتركية والهندية وغير ذلك من اللغات مطلقا استدلالا بهذه الآية. وفي رواية تخصيص الجواز بالفارسية لأنها أشرف اللغات بعد العربية لخبر لسان أهل الجنة العربي والفارسي الدري. وفي رواية أخرى أنها إنما تجوز بالفارسية إذا كان ثناء كسورة الإخلاص أما إذا كان غيره فلا تجوز، وفي أخرى أنها إنما تجوز بالفارسية في الصلاة إذا كان المصلي عاجزا عن العربية وكان المقروء ذكرا وتنزيها أما القراءة بها في غير الصلاة أو في الصلاة وكان القارئ يحسن العربية أو في الصلاة وكان القارئ عاجزا عن العربية لكن كان المقروء من القصص والأوامر والنواهي فإنها لا تجوز، وذكر أن هذا قول صاحبيه.
وكان رضي الله تعالى عنه قد ذهب إلى خلافه ثم رجع عنه إليه. وقد صحح رجوعه عن القول بجواز القراءة بغير العربية مطلقا جمع من الثقات المحققين. وللعلامة حسن الشر نبلالي رسالة في تحقيق هذه المسألة سماها النفحة القدسية في أحكام قراءة القرآن وكتابته بالفارسية فمن أراد التحقيق فليرجع إليها. وكان رجوع الإمام عليه الرحمة عما اشتهر عنه لضعف الاستدلال بهذه الآية عليه كما لا يخفى على المتأمل.
وفي الكشف أن القرآن كان هو المنزل للإعجاز إلى آخر ما يذكر في معناه فلا شك أن الترجمة ليست بقرآن وإن كان هو المعنى القائم بصاحبه فلا شك أنه غير ممكن القراءة، فإن قيل: هو المعنى المعبر عنه بأي لغة كان قلنا لا شك في اختلاف الأسامي باختلاف اللغات وكما لا يسمى القرآن بالتوراة لا يسمى التوراة بالقرآن فالأسماء لخصوص
123
العبارات فيها مدخل لا أنها لمجرد المعنى المشترك اه، وفيه بحث فإن قوله تعالى: وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا [فصلت: ٤٤] يستلزم تسميته قرآنا أيضا لو كان أعجميا فليس لخصوص العبارة العربية مدخل في تسميته قرآنا، والحق أن قرآنا المنكر لم يعهد فيه نقل عن المعنى اللغوي فيتناول كل مقروء، أما القرآن باللام فالمفهوم منه العربي في عرف الشرع فلخصوص العبارة مدخل في التسمية نظرا إليه، وقد جاء كذلك في الآية الدالة على وجوب القراءة أعني قوله سبحانه: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل: ٢٠] وبذلك تم المقصود، وجعل من فيه للتبعيض وإرادة المعنى من هذا البعض لا يخفى ما فيه، وقيل: ضمير إِنَّهُ عائد على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وليس بواضح، وقرأ الأعمش «زبر» بسكون الباء.
أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً الهمزة للتقرير أو للإنكار والنفي والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام كأنه قيل:
أغفلوا عن ذلك ولم يكن لهم آية دالة على أنه تنزيل رب العالمين وإنه لفي زبر الأولين على أن لَهُمْ متعلق بالكون قدم على اسمه وخبره للاهتمام أو بمحذوف هو حال من آيَةً قدمت عليها لكونها نكرة وآيَةً خبر للكون قدم على اسمه الذي هو قوله تعالى: أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر، والعلم بمعنى المعرفة والضمير للقرآن أي ألم يكن لهم آية معرفة علماء بني إسرائيل القرآن بنعوته المذكورة في كتبهم، وعن قتادة أن الضمير للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وقيل: العلم على معناه المشهور والضمير للحكم السابق في قوله تعالى:
وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ إلخ وفيه بعد كما لا يخفى، وذكر الثعلبي عن ابن عباس أن أهل مكة بعثوا إلى أحبار يثرب يسألونهم عن النبي فقالوا: هذا زمانه وذكروا نعته وخلطوا في أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم فنزلت الآية في ذلك، وهو ظاهر في أن الضمير له عليه الصلاة والسلام ويؤيده كون الآية مكية. وقال مقاتل: هي مدنية، وعلماء بني إسرائيل عبد الله بن سلام ونحوه كما روي عن ابن عباس ومجاهد، وذلك أن جماعة منهم أسلموا ونصوا على مواضع من التوراة والإنجيل فيها ذكر الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وقيل: علماؤهم من أسلم منهم ومن لم يسلم، وقيل أنبياؤهم فإنهم نبهوا على ذلك وهو خلاف الظاهر، ولعل أظهر الأقوال كون المراد به معاصريه صلّى الله تعالى عليه وسلّم من علماء أهل الكتابين المسلمين وغيرهم.
وقرأ ابن عامر والجحدري «تكن» بالتأنيث و «آية» بالرفع وجعلت اسم تكن وأَنْ يَعْلَمَهُ خبرها. وضعف بأن فيه الإخبار عن النكرة بالمعرفة، ولا يدفعه كون النكرة ذات حال بناء على أحد الاحتمالين في لَهُمْ، وجوز أن يكون آيَةً الاسم ولَهُمْ متعلقا بمحذوف هو الخبر و «أن يعلمه» بدلا من الاسم أو خبر مبتدأ محذوف، وأن يكون الاسم ضمير القصة ولَهُمْ آيَةً مبتدأ وخبر والجملة خبر تكن وأَنْ يَعْلَمَهُ بدلا أو خبر مبتدأ محذوف وأن يكون الاسم ضمير القصة وآيَةً خبر أَنْ يَعْلَمَهُ والجملة خبر تكن وأن تكون تكن تامة. وآيَةً فاعلا وأَنْ يَعْلَمَهُ بدلا أو خبرا لمحذوف ولَهُمْ إما حالا أو متعلقا بتكن وقرأ ابن عباس «تكن» بالتأنيث وآيَةً بالنصب كقراءة من قرأ «ثم لم تكن» بالتأنيث فتنتهم بالنصب «إلا أن قالوا» وكقول لبيد يصف العير والأتان:
وذلك إما على تأنيث الاسم لتأنيث الخبر، وإما لتأويل «أن يعلمه» بالمعرفة وتأويل أن قالوا بالمقالة وتأويل الأقدام بالمتقدمة، ودعوى اكتساب التأنيث فيه من المضاف إليه ليس بشيء لفقد شرطه المشهور.
وقرأ الجحدري تعلمه بالتأنيث على أن المراد جماعة علماء بني إسرائيل وكتب في المصحف «علمؤا» بواو
أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً الهمزة للتقرير أو للإنكار والنفي والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام كأنه قيل:
أغفلوا عن ذلك ولم يكن لهم آية دالة على أنه تنزيل رب العالمين وإنه لفي زبر الأولين على أن لَهُمْ متعلق بالكون قدم على اسمه وخبره للاهتمام أو بمحذوف هو حال من آيَةً قدمت عليها لكونها نكرة وآيَةً خبر للكون قدم على اسمه الذي هو قوله تعالى: أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر، والعلم بمعنى المعرفة والضمير للقرآن أي ألم يكن لهم آية معرفة علماء بني إسرائيل القرآن بنعوته المذكورة في كتبهم، وعن قتادة أن الضمير للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وقيل: العلم على معناه المشهور والضمير للحكم السابق في قوله تعالى:
وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ إلخ وفيه بعد كما لا يخفى، وذكر الثعلبي عن ابن عباس أن أهل مكة بعثوا إلى أحبار يثرب يسألونهم عن النبي فقالوا: هذا زمانه وذكروا نعته وخلطوا في أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم فنزلت الآية في ذلك، وهو ظاهر في أن الضمير له عليه الصلاة والسلام ويؤيده كون الآية مكية. وقال مقاتل: هي مدنية، وعلماء بني إسرائيل عبد الله بن سلام ونحوه كما روي عن ابن عباس ومجاهد، وذلك أن جماعة منهم أسلموا ونصوا على مواضع من التوراة والإنجيل فيها ذكر الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وقيل: علماؤهم من أسلم منهم ومن لم يسلم، وقيل أنبياؤهم فإنهم نبهوا على ذلك وهو خلاف الظاهر، ولعل أظهر الأقوال كون المراد به معاصريه صلّى الله تعالى عليه وسلّم من علماء أهل الكتابين المسلمين وغيرهم.
وقرأ ابن عامر والجحدري «تكن» بالتأنيث و «آية» بالرفع وجعلت اسم تكن وأَنْ يَعْلَمَهُ خبرها. وضعف بأن فيه الإخبار عن النكرة بالمعرفة، ولا يدفعه كون النكرة ذات حال بناء على أحد الاحتمالين في لَهُمْ، وجوز أن يكون آيَةً الاسم ولَهُمْ متعلقا بمحذوف هو الخبر و «أن يعلمه» بدلا من الاسم أو خبر مبتدأ محذوف، وأن يكون الاسم ضمير القصة ولَهُمْ آيَةً مبتدأ وخبر والجملة خبر تكن وأَنْ يَعْلَمَهُ بدلا أو خبر مبتدأ محذوف وأن يكون الاسم ضمير القصة وآيَةً خبر أَنْ يَعْلَمَهُ والجملة خبر تكن وأن تكون تكن تامة. وآيَةً فاعلا وأَنْ يَعْلَمَهُ بدلا أو خبرا لمحذوف ولَهُمْ إما حالا أو متعلقا بتكن وقرأ ابن عباس «تكن» بالتأنيث وآيَةً بالنصب كقراءة من قرأ «ثم لم تكن» بالتأنيث فتنتهم بالنصب «إلا أن قالوا» وكقول لبيد يصف العير والأتان:
فمضى وقدمها وكانت عادة | منه إذا هي عردت إقدامها |
وقرأ الجحدري تعلمه بالتأنيث على أن المراد جماعة علماء بني إسرائيل وكتب في المصحف «علمؤا» بواو
124
بين الميم والألف ووجه ذلك بأنه على لغة من يميل ألف علماء إلى الواو كما كتبوا الصلوات والزكات والربو بالواو على تلك اللغة وَلَوْ نَزَّلْناهُ أي القرآن كما هو بنظمه الرائق المعجز عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ الذين لا يقدرون على التكلم بالعربية، وهو جمع أعجمي كما في التحرير وغيره إلا أنه حذف ياء النسب منه تخفيفا. ومثله الأشعرين جمع أشعري في قول الكميت:
وقد قرأه الحسن وابن مقسم بياء النسب على الأصل، وقال ابن عطية: هو جمع أعجم وهو الذي لا يفصح وإن كان عربي النسب والعجمي هو الذي نسبته في العجم خلاف العرب وإن كان أفصح الناس انتهى.
واعترض بأن أعجم مؤنثة عجماء وفعل فعلاء لا يجمع جمع سلامة، وأجيب بأن الأعجم في الأصل البهيمة العجماء لعدم نطقها ثم نقل أو تجوز به عما ذكر وهو بذلك المعنى ليس له مؤنث على فعلاء فلذلك جمع جمع السلامة، وتعقب بأنه قد صرح العلامة محمد بن أبي بكر الرازي في كتابه غرائب القرآن بأن الأعجم هو الذي لا يفصح والأنثى العجماء ولو سلّم أنه ليس له بذلك المعنى مؤنث فالأصل مراعاة أصله. وفيه أن كون ارتفاع المانع لعارض مجوزا مما صرح به النحاة. ثم إن كون أفعل فعلاء لا يجمع جمع سلامة مذهب البصريين والفراء وغيره من الكوفيين يجوزونه فلعل من قال: إنه جمع أعجم قاله بناء على ذلك. وظاهر الجمع المذكور يقتضي أن يكون المراد به العقلاء، وعن بعضهم أنه جمع أعجم مرادا به ما لا يعقل من الدواب العجم وجمع جمع العقلاء لأنه وصف بالتنزيل عليه وبالقراءة في قوله تعالى: فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ فإن الظاهر رجوع ضمير الفاعل إلى بعض الأعجمين وهما من صفات العقلاء، والمراد بيان فرط عنادهم وشدة شكيمتهم في المكابرة كأنه قيل: ولو نزلناه بهذا النظم الرائق المعجز على من لا يقدر على التكلم بالعربية أو على ما ليس من شأنه التكلم أصلا من الحيوانات العجم فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ قراءة صحيحة خارقة للعادة ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ مع انضمام إعجاز القراءة إلى إعجاز المقروء، وقيل: المراد بالأعجمين جمع أعجم أعم من أن يكون عاقلا أو غيره، ونقل ذلك الطبرسي عن عبد الله بن مطيع، وذكر أنه روي عن ابن مسعود أنه سئل عن هذه الآية وهو على بعير فأشار إليه وقال: هذا من الأعجمين. والطبري على ما في البحر يروي نحو هذا عن ابن مطيع، والمراد أيضا بيان فرط عنادهم، وقيل: هو جمع أعجم مرادا به ما لا يعقل وضمير الفاعل في (قرأه) للنبي صلّى الله عليه وسلّم وضمير عَلَيْهِمْ لبعض الأعجمين وكذا ضمير كانُوا والمعنى لو نزلنا هذا القرآن على بعض البهائم فقرأه محمد صلّى الله عليه وسلّم على أولئك البهائم ما كانوا أي أولئك البهائم مؤمنين به فكذلك هؤلاء لأنهم كالأنعام بل هم أضل سبيلا، ولا يخفى ما فيه، وقيل: المراد ولو نزلناه على بعض الأعجمين بلغة العجم فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين لعدم فهمهم ما فيه، وأخرج ذلك عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة وهو بعيد عما يقتضيه مقام بيان تماديهم في المكابرة والعناد. واستند بعضهم بالآية عليه في منع أخذ العربية في مفهوم القرآن إذ لا يتصور على تقدير أخذها فيه تنزيله بلغة العجم إذ يستلزم ذلك كون الشيء الواحد عربيا وعجميا وهو محال.
وأجيب بأن ضمير نزلناه ليس راجعا إلى القرآن المخصوص المأخوذ في مفهومه العربية بل إلى مطلق القرآن ويراد منه ما يقرأ أعم من أن يكون عربيا أو غيره، وهذا نحو رجوع الضمير للعام في ضمن الخاص في قوله تعالى: ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ [فاطر: ١١] الآية فإن ضمير عمره راجع إلى شخص بدون وصفه بمعمر إذ لا يتصور نقص عمر المعمر كما لا يخفى.
ولو جهزت قافية شرودا | لقد دخلت بيوت الأشعرينا |
واعترض بأن أعجم مؤنثة عجماء وفعل فعلاء لا يجمع جمع سلامة، وأجيب بأن الأعجم في الأصل البهيمة العجماء لعدم نطقها ثم نقل أو تجوز به عما ذكر وهو بذلك المعنى ليس له مؤنث على فعلاء فلذلك جمع جمع السلامة، وتعقب بأنه قد صرح العلامة محمد بن أبي بكر الرازي في كتابه غرائب القرآن بأن الأعجم هو الذي لا يفصح والأنثى العجماء ولو سلّم أنه ليس له بذلك المعنى مؤنث فالأصل مراعاة أصله. وفيه أن كون ارتفاع المانع لعارض مجوزا مما صرح به النحاة. ثم إن كون أفعل فعلاء لا يجمع جمع سلامة مذهب البصريين والفراء وغيره من الكوفيين يجوزونه فلعل من قال: إنه جمع أعجم قاله بناء على ذلك. وظاهر الجمع المذكور يقتضي أن يكون المراد به العقلاء، وعن بعضهم أنه جمع أعجم مرادا به ما لا يعقل من الدواب العجم وجمع جمع العقلاء لأنه وصف بالتنزيل عليه وبالقراءة في قوله تعالى: فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ فإن الظاهر رجوع ضمير الفاعل إلى بعض الأعجمين وهما من صفات العقلاء، والمراد بيان فرط عنادهم وشدة شكيمتهم في المكابرة كأنه قيل: ولو نزلناه بهذا النظم الرائق المعجز على من لا يقدر على التكلم بالعربية أو على ما ليس من شأنه التكلم أصلا من الحيوانات العجم فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ قراءة صحيحة خارقة للعادة ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ مع انضمام إعجاز القراءة إلى إعجاز المقروء، وقيل: المراد بالأعجمين جمع أعجم أعم من أن يكون عاقلا أو غيره، ونقل ذلك الطبرسي عن عبد الله بن مطيع، وذكر أنه روي عن ابن مسعود أنه سئل عن هذه الآية وهو على بعير فأشار إليه وقال: هذا من الأعجمين. والطبري على ما في البحر يروي نحو هذا عن ابن مطيع، والمراد أيضا بيان فرط عنادهم، وقيل: هو جمع أعجم مرادا به ما لا يعقل وضمير الفاعل في (قرأه) للنبي صلّى الله عليه وسلّم وضمير عَلَيْهِمْ لبعض الأعجمين وكذا ضمير كانُوا والمعنى لو نزلنا هذا القرآن على بعض البهائم فقرأه محمد صلّى الله عليه وسلّم على أولئك البهائم ما كانوا أي أولئك البهائم مؤمنين به فكذلك هؤلاء لأنهم كالأنعام بل هم أضل سبيلا، ولا يخفى ما فيه، وقيل: المراد ولو نزلناه على بعض الأعجمين بلغة العجم فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين لعدم فهمهم ما فيه، وأخرج ذلك عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة وهو بعيد عما يقتضيه مقام بيان تماديهم في المكابرة والعناد. واستند بعضهم بالآية عليه في منع أخذ العربية في مفهوم القرآن إذ لا يتصور على تقدير أخذها فيه تنزيله بلغة العجم إذ يستلزم ذلك كون الشيء الواحد عربيا وعجميا وهو محال.
وأجيب بأن ضمير نزلناه ليس راجعا إلى القرآن المخصوص المأخوذ في مفهومه العربية بل إلى مطلق القرآن ويراد منه ما يقرأ أعم من أن يكون عربيا أو غيره، وهذا نحو رجوع الضمير للعام في ضمن الخاص في قوله تعالى: ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ [فاطر: ١١] الآية فإن ضمير عمره راجع إلى شخص بدون وصفه بمعمر إذ لا يتصور نقص عمر المعمر كما لا يخفى.
125
وقال بعضهم في الجواب: إن الكلام على حذف مضاف، والمراد وَلَوْ نَزَّلْناهُ معناه بلغة العجم على بعض الأعجمين فتدبر وفي لفظ بَعْضِ على كل الأقوال إشارة إلى كون ذلك المفروض تنزيله عليه واحدا من عرض تلك الطائفة كائنا من كان وبِهِ متعلق بمؤمنين، ولعل تقديمه عليه للاهتمام وتوافق رؤوس الآي.
والضمير في قوله تعالى: كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ على ما يقتضيه انتظام الضمائر السابقة واللاحقة في سلك واحد للقرآن وإليه ذهب الرماني وغيره، والمعنى على ما قيل مثل ذلك السلك البديع المذكور سلكناه أي أدخلنا القرآن في قلوب المجرمين ففهموا معانيه وعرفوا فصاحته وأنه خارج عن القوى البشرية وقد انضم إليه علم أهل الكتابين بشأنه وبشارة الكتب المنزلة بإنزاله فقوله تعالى: لا يُؤْمِنُونَ بِهِ جملة مستأنفة مسوقة لبيان أنهم لا يتأثرون بأمثال تلك الأمور الداعية إلى الإيمان به بل يستمرون على ما هم عليه حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ الملجئ إلى الإيمان به وحينئذ لا ينفعهم ذلك.
والمراد بالمجرمين المشركون الذين عادت عليهم الضمائر من لَهُمْ وعَلَيْهِمْ وكانُوا وعدل عن ضميرهم إلى ما ذكر تأكيدا لذمهم، وقال الزمخشري في معنى ذلك: أي مثل هذا السلك سلكناه في قلوبهم وهكذا مكناه وقررناه فيها وعلى مثل هذه الحال وهذه الصفة من الكفر به والتكذيب له وضعناه فيها فكيف ما فعل بهم وصنع، وعلى أي وجه دبر أمرهم فلا سبيل إلى أن يتغيروا عما هم عليه من جحوده وإنكاره كما قال سبحانه: وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [الأنعام: ٧] وموقع قوله تعالى لا يُؤْمِنُونَ بِهِ إلخ مما قبله موقع الموضح والملخص لأنه مسوق لثباته مكذبا مجحودا في قلوبهم فاتبع ما يقرر هذا المعنى من أنهم لا يزالون على التكذيب به وجحوده حتى يعاينوا الوعيد. ويجوز أن يكون حالا أي سلكناه فيها غير مؤمن به اه.
وتعقب بأن الأول هو الأنسب بمقام بيان غاية عنادهم ومكابرتهم مع تعاضد أدلة الإيمان وتناجد مبادئ الهداية والإرشاد وانقطاع أعذارهم بالكلية، وقد يقال: إن هذا التفسير أوفق بتسليته صلّى الله عليه وسلّم التي هي كالمبنى لهذه السورة الكريمة وبها صدرت حيث قال سبحانه: لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشعراء: ٣] كأنه جل وعلا بعد أن ذكر فرط عنادهم وشدة شكيمتهم في المكابرة وهو تفسير واضح في نفسه فهو عندي أولى مما تقدم.
وفي المطلع أن الضمير للتكذيب والكفر المدلول عليه بقوله تعالى: ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ وبه قال يحيى بن سلام، وروى عن ابن عباس والحسن، والمعنى وكذلك سلكنا التكذيب بالقرآن والكفر به في قلوب مشركي مكة ومكناه فيها، وقوله تعالى: لا يُؤْمِنُونَ إلخ واقع موقع الإيضاح لذلك ولا يظهر على هذا الوجه كونه حالا ولا أرى لهذا المعنى كثرة بعد عن قول من قال أي على مثل هذا السلك سلكنا القرآن وعلى مثل هذه الحال وهذه الصفة من الكفر به والتكذيب له وضعناه في قلوبهم، وحاصل الأول كذلك سلكنا التكذيب بالقرآن في قلوبهم.
وحاصل هذا وكذلك سلكنا القرآن بصفة التكذيب به في قلوبهم فتأمل، وجوز جعل الضمير للبرهان الدال عليه قوله تعالى: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ
وهو بعيد لفظا ومعنى، هذا وذهب بعضهم إلى أن المراد بالمجرمين غير الكفرة المتقدمين الذين عادت عليهم الضمائر وهم مشركو مكة من المعاصرين لهم ومن يأتي بعدهم وذلك إشارة إلى السلك في قلوب أولئك المشركين أي مثل ذلك السلك في قلوب مشركي مكة سلكناه في قلوب المجرمين غيرهم لاشتراكهم في الوصف، وقوله سبحانه: لا يُؤْمِنُونَ بِهِ إلخ بيان لحال المشركين
والضمير في قوله تعالى: كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ على ما يقتضيه انتظام الضمائر السابقة واللاحقة في سلك واحد للقرآن وإليه ذهب الرماني وغيره، والمعنى على ما قيل مثل ذلك السلك البديع المذكور سلكناه أي أدخلنا القرآن في قلوب المجرمين ففهموا معانيه وعرفوا فصاحته وأنه خارج عن القوى البشرية وقد انضم إليه علم أهل الكتابين بشأنه وبشارة الكتب المنزلة بإنزاله فقوله تعالى: لا يُؤْمِنُونَ بِهِ جملة مستأنفة مسوقة لبيان أنهم لا يتأثرون بأمثال تلك الأمور الداعية إلى الإيمان به بل يستمرون على ما هم عليه حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ الملجئ إلى الإيمان به وحينئذ لا ينفعهم ذلك.
والمراد بالمجرمين المشركون الذين عادت عليهم الضمائر من لَهُمْ وعَلَيْهِمْ وكانُوا وعدل عن ضميرهم إلى ما ذكر تأكيدا لذمهم، وقال الزمخشري في معنى ذلك: أي مثل هذا السلك سلكناه في قلوبهم وهكذا مكناه وقررناه فيها وعلى مثل هذه الحال وهذه الصفة من الكفر به والتكذيب له وضعناه فيها فكيف ما فعل بهم وصنع، وعلى أي وجه دبر أمرهم فلا سبيل إلى أن يتغيروا عما هم عليه من جحوده وإنكاره كما قال سبحانه: وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [الأنعام: ٧] وموقع قوله تعالى لا يُؤْمِنُونَ بِهِ إلخ مما قبله موقع الموضح والملخص لأنه مسوق لثباته مكذبا مجحودا في قلوبهم فاتبع ما يقرر هذا المعنى من أنهم لا يزالون على التكذيب به وجحوده حتى يعاينوا الوعيد. ويجوز أن يكون حالا أي سلكناه فيها غير مؤمن به اه.
وتعقب بأن الأول هو الأنسب بمقام بيان غاية عنادهم ومكابرتهم مع تعاضد أدلة الإيمان وتناجد مبادئ الهداية والإرشاد وانقطاع أعذارهم بالكلية، وقد يقال: إن هذا التفسير أوفق بتسليته صلّى الله عليه وسلّم التي هي كالمبنى لهذه السورة الكريمة وبها صدرت حيث قال سبحانه: لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشعراء: ٣] كأنه جل وعلا بعد أن ذكر فرط عنادهم وشدة شكيمتهم في المكابرة وهو تفسير واضح في نفسه فهو عندي أولى مما تقدم.
وفي المطلع أن الضمير للتكذيب والكفر المدلول عليه بقوله تعالى: ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ وبه قال يحيى بن سلام، وروى عن ابن عباس والحسن، والمعنى وكذلك سلكنا التكذيب بالقرآن والكفر به في قلوب مشركي مكة ومكناه فيها، وقوله تعالى: لا يُؤْمِنُونَ إلخ واقع موقع الإيضاح لذلك ولا يظهر على هذا الوجه كونه حالا ولا أرى لهذا المعنى كثرة بعد عن قول من قال أي على مثل هذا السلك سلكنا القرآن وعلى مثل هذه الحال وهذه الصفة من الكفر به والتكذيب له وضعناه في قلوبهم، وحاصل الأول كذلك سلكنا التكذيب بالقرآن في قلوبهم.
وحاصل هذا وكذلك سلكنا القرآن بصفة التكذيب به في قلوبهم فتأمل، وجوز جعل الضمير للبرهان الدال عليه قوله تعالى: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ
وهو بعيد لفظا ومعنى، هذا وذهب بعضهم إلى أن المراد بالمجرمين غير الكفرة المتقدمين الذين عادت عليهم الضمائر وهم مشركو مكة من المعاصرين لهم ومن يأتي بعدهم وذلك إشارة إلى السلك في قلوب أولئك المشركين أي مثل ذلك السلك في قلوب مشركي مكة سلكناه في قلوب المجرمين غيرهم لاشتراكهم في الوصف، وقوله سبحانه: لا يُؤْمِنُونَ بِهِ إلخ بيان لحال المشركين
126
المتقدمين الذين اعتبروا في جانب المشبه به أو إيضاح لحال المجرمين وبيان لما يقتضيه التشبيه وهو كما ترى ونقل في البحر عن ابن عطية أنه أريد مجرمي كل أمة أي إن سنة الله تعالى فيهم أنهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب فلا ينفعهم الإيمان بعد تلبس العذاب بهم، وهذا على جهة المثال لقريش أي هؤلاء كذلك، وكشف الغيب بما تضمنته الآية يوم بدر انتهى، وكأنه جعل ضمير سَلَكْناهُ لمطلق الكفر لا للكفر بالقرآن، وضمير بِهِ لله تعالى أو لما أمروا بالإيمان به للقرآن وإلا فلا يكاد يتسنى ذلك، وعلى كل حال لا ينبغي أن يعول عليه.
فَيَأْتِيَهُمْ أي العذاب بَغْتَةً أي فجأة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أي بإتيانه فَيَقُولُوا أي تحسرا على ما فات من الإيمان وتمنيا للإمهال لتلافي ما فرطوه هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ أي مؤخرون، والفاء في الموضعين عاطفة وهي كما يدل عليه كلام الكشاف للتعقيب الرتبي دون الوجودي كأنه قيل: حتى يكون رؤيتهم للعذاب الأليم فما هو أشد منها وهو مفاجأته فما هو أشد منه وهو سؤالهم النظرة نظير ما في قولك إن أسأت مقتك الصالحون فمقتك الله تعالى، فلا يرد أن البغت من غير شعور لا يصح تعقبه للرؤية في الوجود، وقال سري الدين المصري عليه الرحمة في توجيه ما تدل عليه الفاء من التعقيب: إن رؤية العذاب تكون تارة بعد تقدم أماراته وظهور مقدماته ومشاهدة علاماته وأخرى بغتة لا يتقدمها شيء من ذلك فكانت رؤيتهم العذاب محتاجة إلى التفسير فعطف عليها بالفاء التفسيرية قوله تعالى:
فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وصح بينهما معنى التعقيب لأن مرتبة المفسر في الذكر أن يقع بعد المفسر كما فعل في التفصيل بالقياس إلى الإجمال كما يستفاد من تحقيقات الشريف في شرح المفتاح. ويمكن أن تكون الآية من باب القلب كما هو أحد الوجوه في قوله تعالى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا [الأعراف: ٤] للمبالغة في مفاجأة رؤيتهم العذاب حتى كأنهم رأوه قبل المفاجأة. والمعنى حتى يأتيهم العذاب الأليم بغتة فيروه انتهى. وجعلها بعضهم للتفصيل، واعترض على ما قال صاحب الكشاف بأن العذاب الأليم منطو على شدة البغت فلا يصح الترتيب والتعقيب الرتبي وهو وهم كما لا يخفى.
والظاهر أن جملة وهم لا يشعرون حال مؤكدة لما يفيده بَغْتَةً فإنها كما قال الراغب مفاجأة الشيء من حيث لا يحتسب.
ثم إن هذه الرؤية وما بعدها إن كانت في الدنيا كما قيل فإتيان العذاب الأليم فيها بغتة مما لا خفاء فيه لأنه قد يفاجئهم فيها ما لم يكن يمر بخاطرهم على حين غفلة. وإن كانت في الآخرة فوجه إتيانه فيها بغتة على ما زعمه بعضهم أن المراد به أن يأتيهم من غير استعداد له وانتظار فافهم، واختار بعضهم أن ذلك أعم من أن يكون في الدنيا أو في الآخرة.
وقرأ الحسن وعيسى «تأتيهم» بتاء التأنيث، وخرج ذلك الزمخشري على أن الضمير للساعة، وأبو حيان عن أنه للعذاب بتأويل العقوبة، وقال أبو الفضل الرازي: للعذاب وأنث لاشتماله على الساعة فاكتسى منها التأنيث وذلك لأنهم كانوا يسألون عذاب القيامة تكذيبا بها انتهى وهو في غاية الغرابة وكأنه اعتبر إضافة العذاب إلى الساعة معنى بناء على أن المراد بزعمه حتى يروا عذاب الساعة الأليم، وقال: باكتسائه التأنيث منها بسبب إضافته إليها لأن الإضافة إلى المؤنث قد تكسى المضاف المذكر التأنيث كما في قوله:
كما شرقت صدر القناة من الدم ولم أر أحدا سبقه إلى ذلك. وقرأ الحسن «بغتة» بالتحريك، وفي حرف أبي رضي الله تعالى عنه «ويروه بغتة»
فَيَأْتِيَهُمْ أي العذاب بَغْتَةً أي فجأة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أي بإتيانه فَيَقُولُوا أي تحسرا على ما فات من الإيمان وتمنيا للإمهال لتلافي ما فرطوه هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ أي مؤخرون، والفاء في الموضعين عاطفة وهي كما يدل عليه كلام الكشاف للتعقيب الرتبي دون الوجودي كأنه قيل: حتى يكون رؤيتهم للعذاب الأليم فما هو أشد منها وهو مفاجأته فما هو أشد منه وهو سؤالهم النظرة نظير ما في قولك إن أسأت مقتك الصالحون فمقتك الله تعالى، فلا يرد أن البغت من غير شعور لا يصح تعقبه للرؤية في الوجود، وقال سري الدين المصري عليه الرحمة في توجيه ما تدل عليه الفاء من التعقيب: إن رؤية العذاب تكون تارة بعد تقدم أماراته وظهور مقدماته ومشاهدة علاماته وأخرى بغتة لا يتقدمها شيء من ذلك فكانت رؤيتهم العذاب محتاجة إلى التفسير فعطف عليها بالفاء التفسيرية قوله تعالى:
فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وصح بينهما معنى التعقيب لأن مرتبة المفسر في الذكر أن يقع بعد المفسر كما فعل في التفصيل بالقياس إلى الإجمال كما يستفاد من تحقيقات الشريف في شرح المفتاح. ويمكن أن تكون الآية من باب القلب كما هو أحد الوجوه في قوله تعالى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا [الأعراف: ٤] للمبالغة في مفاجأة رؤيتهم العذاب حتى كأنهم رأوه قبل المفاجأة. والمعنى حتى يأتيهم العذاب الأليم بغتة فيروه انتهى. وجعلها بعضهم للتفصيل، واعترض على ما قال صاحب الكشاف بأن العذاب الأليم منطو على شدة البغت فلا يصح الترتيب والتعقيب الرتبي وهو وهم كما لا يخفى.
والظاهر أن جملة وهم لا يشعرون حال مؤكدة لما يفيده بَغْتَةً فإنها كما قال الراغب مفاجأة الشيء من حيث لا يحتسب.
ثم إن هذه الرؤية وما بعدها إن كانت في الدنيا كما قيل فإتيان العذاب الأليم فيها بغتة مما لا خفاء فيه لأنه قد يفاجئهم فيها ما لم يكن يمر بخاطرهم على حين غفلة. وإن كانت في الآخرة فوجه إتيانه فيها بغتة على ما زعمه بعضهم أن المراد به أن يأتيهم من غير استعداد له وانتظار فافهم، واختار بعضهم أن ذلك أعم من أن يكون في الدنيا أو في الآخرة.
وقرأ الحسن وعيسى «تأتيهم» بتاء التأنيث، وخرج ذلك الزمخشري على أن الضمير للساعة، وأبو حيان عن أنه للعذاب بتأويل العقوبة، وقال أبو الفضل الرازي: للعذاب وأنث لاشتماله على الساعة فاكتسى منها التأنيث وذلك لأنهم كانوا يسألون عذاب القيامة تكذيبا بها انتهى وهو في غاية الغرابة وكأنه اعتبر إضافة العذاب إلى الساعة معنى بناء على أن المراد بزعمه حتى يروا عذاب الساعة الأليم، وقال: باكتسائه التأنيث منها بسبب إضافته إليها لأن الإضافة إلى المؤنث قد تكسى المضاف المذكر التأنيث كما في قوله:
كما شرقت صدر القناة من الدم ولم أر أحدا سبقه إلى ذلك. وقرأ الحسن «بغتة» بالتحريك، وفي حرف أبي رضي الله تعالى عنه «ويروه بغتة»
127
أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ أي يطلبونه قبل أوانه وذلك قولهم: أمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. وقولهم:
فائتنا بما تعدنا ونحوهما أَفَرَأَيْتَ أي فاخبر إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ أي مدة من الزمان بطول الأعمال وطيب المعاش أو عمر الدنيا على ما روي عن عكرمة. وعبر عن ذلك بما ذكر إشارة إلى قلته ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ أي الذين كانوا يوعدونه من العذاب ما أَغْنى عَنْهُمْ أي أي شيء أو أي غناء أغنى عنهم ما كانُوا يُمَتَّعُونَ أي كونهم ممتعين ذلك التمتيع المديد على أن ما مصدرية كما هو الأولى أو الذي كانوا يمتعونه من متاع الحياة الدنيا على أنها موصولة حذف عائدها. وأيا ما كان فالاستفهام للنفي والإنكار.
وقيل: ما نافية أي لم يغن عنهم ذلك في دفع العذاب أو تخفيفه، والأول أولى لكونه أوفق لصورة الاستخبار وأدل على انتفاء الإغناء على أبلغ وجه وآكده وفي ربط النظم الكريم ثلاثة أوجه كما في الكشاف، الأول أن قوله سبحانه: أَفَرَأَيْتَ إلخ متصل بقوله تعالى: هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ وقوله جل وعلا: أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ معترض للتبكيت وإنكار أن يستعجل العذاب من هو معرض لعذاب يسأل فيه النظرة والإمهال طرفة عين فلا يجاب إليها، والمعنى على هذا كما في الكشف أنه لما ذكر أنهم لا يؤمنون دون مشاهدة العذاب قال سبحانه: إن هذا العذاب الموعود وإن تأخر أياما قلائل فهو لاحق بهم لا محالة وهنالك لا ينفعهم ما كانوا فيه من الاغترار المثمر لعدم الإيمان، وأصل النظم الكريم لا يؤمنون حتى يروا العذاب وكيت وكيت فإن متعناهم سنين ثم جاءهم هذا العذاب الموعود فأي شيء أو فأي غناء يغني عنهم تمتيعهم تلك الأيام القلائل فجيء بفعل الرؤية والاستفهام ليكون في معنى أخبر إفادة لمعنى التعجب والإنكار وأن من حق هذه القصة أن يخبر بها كل أحد حتى يتعجب.
ووسط أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ للتبكيت والهمزة فيه للإنكار، وجيء بالفاء دلالة على ترتبه على السابق كأنه لما وصف العذاب قيل: أيستعجل هذا العذاب عاقل. وفي الإرشاد اختيار أن قوله تعالى: أَفَرَأَيْتَ متصل بقوله سبحانه: هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ وجعل الفاء لترتيب الاستخبار على ذلك القول وهي متقدمة على الهمزة معنى وتأخيرها عنها صورة لاقتضاء الهمزة الصدارة وإن أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ معترض للتوبيخ والتبكيت وجعل الفاء فيه للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أيكون حالهم كما ذكر من الاستنظار عند نزول العذاب الأليم فيستعجلون بعذابنا وبينهما من التنافي ما لا يخفى على أحد أو أيغفلون عن ذلك مع تحققه وتقرره فيستعجلون إلخ، وصاحب الكشف بعد أن قرر كما ذكرنا قال: إن العطف على مقدر في هذا الوجه لا وجه له، ولعل المنصف يقول: لكل وجهة.
والثاني أن قوله تعالى: أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ كلام يوبخون به يوم القيامة عند قولهم فيه هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ حكى لنا لطفا ويَسْتَعْجِلُونَ عليه في معنى استعجلتم إذ كذلك يقال لهم ذلك اليوم، وكأن أمر الترتيب أو العطف على مقدر، وارتباط أَفَرَأَيْتَ إلخ بقولهم: هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ على نحو ما تقدم في الوجه السابق.
والثالث أن قوله تعالى: أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ متصل بما بعده غير مترتب على ما قبله وذلك أن استعجالهم بالعذاب إنما كان لاعتقادهم أنه غير كائن ولا لاحق بهم وأنهم ممتعون بأعمار طوال في سلامة. وأمن فقال عز وجل:
أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ أشرا وبطرا واستهزاء واتكالا على الأمل الطويل ثم قال سبحانه: هب أن الأمر كما يعتقدون من تمتيعهم وتعميرهم فإذا لحقهم الوعيد بعد ذلك ما ينفعهم حينئذ ما مضى من طول أعمارهم وطيب معايشهم.
وعلى هذا يكون فَبِعَذابِنا إلخ عطفا على مقدر بلا خلاف نحو أيستهزئون فَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ.
فائتنا بما تعدنا ونحوهما أَفَرَأَيْتَ أي فاخبر إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ أي مدة من الزمان بطول الأعمال وطيب المعاش أو عمر الدنيا على ما روي عن عكرمة. وعبر عن ذلك بما ذكر إشارة إلى قلته ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ أي الذين كانوا يوعدونه من العذاب ما أَغْنى عَنْهُمْ أي أي شيء أو أي غناء أغنى عنهم ما كانُوا يُمَتَّعُونَ أي كونهم ممتعين ذلك التمتيع المديد على أن ما مصدرية كما هو الأولى أو الذي كانوا يمتعونه من متاع الحياة الدنيا على أنها موصولة حذف عائدها. وأيا ما كان فالاستفهام للنفي والإنكار.
وقيل: ما نافية أي لم يغن عنهم ذلك في دفع العذاب أو تخفيفه، والأول أولى لكونه أوفق لصورة الاستخبار وأدل على انتفاء الإغناء على أبلغ وجه وآكده وفي ربط النظم الكريم ثلاثة أوجه كما في الكشاف، الأول أن قوله سبحانه: أَفَرَأَيْتَ إلخ متصل بقوله تعالى: هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ وقوله جل وعلا: أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ معترض للتبكيت وإنكار أن يستعجل العذاب من هو معرض لعذاب يسأل فيه النظرة والإمهال طرفة عين فلا يجاب إليها، والمعنى على هذا كما في الكشف أنه لما ذكر أنهم لا يؤمنون دون مشاهدة العذاب قال سبحانه: إن هذا العذاب الموعود وإن تأخر أياما قلائل فهو لاحق بهم لا محالة وهنالك لا ينفعهم ما كانوا فيه من الاغترار المثمر لعدم الإيمان، وأصل النظم الكريم لا يؤمنون حتى يروا العذاب وكيت وكيت فإن متعناهم سنين ثم جاءهم هذا العذاب الموعود فأي شيء أو فأي غناء يغني عنهم تمتيعهم تلك الأيام القلائل فجيء بفعل الرؤية والاستفهام ليكون في معنى أخبر إفادة لمعنى التعجب والإنكار وأن من حق هذه القصة أن يخبر بها كل أحد حتى يتعجب.
ووسط أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ للتبكيت والهمزة فيه للإنكار، وجيء بالفاء دلالة على ترتبه على السابق كأنه لما وصف العذاب قيل: أيستعجل هذا العذاب عاقل. وفي الإرشاد اختيار أن قوله تعالى: أَفَرَأَيْتَ متصل بقوله سبحانه: هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ وجعل الفاء لترتيب الاستخبار على ذلك القول وهي متقدمة على الهمزة معنى وتأخيرها عنها صورة لاقتضاء الهمزة الصدارة وإن أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ معترض للتوبيخ والتبكيت وجعل الفاء فيه للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أيكون حالهم كما ذكر من الاستنظار عند نزول العذاب الأليم فيستعجلون بعذابنا وبينهما من التنافي ما لا يخفى على أحد أو أيغفلون عن ذلك مع تحققه وتقرره فيستعجلون إلخ، وصاحب الكشف بعد أن قرر كما ذكرنا قال: إن العطف على مقدر في هذا الوجه لا وجه له، ولعل المنصف يقول: لكل وجهة.
والثاني أن قوله تعالى: أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ كلام يوبخون به يوم القيامة عند قولهم فيه هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ حكى لنا لطفا ويَسْتَعْجِلُونَ عليه في معنى استعجلتم إذ كذلك يقال لهم ذلك اليوم، وكأن أمر الترتيب أو العطف على مقدر، وارتباط أَفَرَأَيْتَ إلخ بقولهم: هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ على نحو ما تقدم في الوجه السابق.
والثالث أن قوله تعالى: أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ متصل بما بعده غير مترتب على ما قبله وذلك أن استعجالهم بالعذاب إنما كان لاعتقادهم أنه غير كائن ولا لاحق بهم وأنهم ممتعون بأعمار طوال في سلامة. وأمن فقال عز وجل:
أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ أشرا وبطرا واستهزاء واتكالا على الأمل الطويل ثم قال سبحانه: هب أن الأمر كما يعتقدون من تمتيعهم وتعميرهم فإذا لحقهم الوعيد بعد ذلك ما ينفعهم حينئذ ما مضى من طول أعمارهم وطيب معايشهم.
وعلى هذا يكون فَبِعَذابِنا إلخ عطفا على مقدر بلا خلاف نحو أيستهزئون فَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ.
128
وقوله تعالى: أَفَرَأَيْتَ إلخ تعجبا من حالهم مترتبا على الاستهزاء والاستعجال، والكلام نظير ما تقول لمخاطبك: هل تغتر بكثرة العشائر والأموال فاحسب أنها بلغت فوق ما تؤمل أليس بعده الموت وتركهما على حسرة.
وهذا الوجه أظهر من الوجه الذي قبله، وأيا ما كان فقوله سبحانه: (بعذابنا) متعلق بيستعجلون قدم عليه للإيذان بأن مصب الإنكار والتوبيخ كون المستعجل به عذابه جل جلاله مع ما فيه على ما قيل من رعاية الفواصل.
وقرىء «يمتعون» من الامتاع وفي الآية موعظة عظيمة لمن له قلب. روي عن ميمون بن مهران أنه لقي الحسن في الطواف وكان يتمنى لقاءه فقال له: عظني فلم يزده على تلاوة هذه الآية فقال ميمون: لقد وعظت فأبلغت وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ من القرى المهلكة إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ قد أنذروا أهلها إلزاما للحجة، والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع خبرا مقدما ومُنْذِرُونَ مبتدأ، والجملة في موضع الحال من قَرْيَةٍ قاله أبو حيان ثم قال:
الأعراب أن يكون لَها في موضع الحال وارتفع مُنْذِرُونَ بالجار والمجرور أي إلا كائنا لها منذرون فيكون من مجيء الحال مفردا لا جملة، ومجيء الحال من المنفي كقولك ما مررت بأحد إلا قائما فصبح انتهى، وفي الوجهين مجيء الحال من النكرة. وحسن ذلك على ما قيل عمومها لوقوعها في حيز النفي مع زيادة من قبلها، وكأن هذا القائل جعل العموم مسوغا لمجيء الحال قياسا على جعلهم إياه مسوغا للابتداء بالنكرة لاشتراك العلة. وذهب الزمخشري إلى أن «لها منذرون» جملة في موضع الصفة لقرية ولم يجوز أبو حيان كون الجملة الواقعة بعد إلا صفة ثم قال:
مذهب الجمهور إنه لا تجيء الصفة بعد إلا معتمدة على أداة الاستثناء نحو ما جاءني أحد إلا راكب وإذا سمع خرج على البدل أي إلا رجل راكب. ويدل على صحة هذا المذهب أن العرب تقول: ما مررت بأحد إلا قائما ولا يحفظ من كلامها ما مررت بأحد إلا قائم فلو كانت الجملة في موضع الصفة للنكرة لورد المفرد بعد إلا صفة لها فإن كانت الصفة غير معتمدة على الأداة جاءت الصفة بعد إلا نحو ما جاءني أحد إلا زيد خير من عمرو فإن التقدير ما جاءني أحد خير من عمرو إلا زيد انتهى فتذكر. وايا ما كان فضمير «لها» للقرية التي هي لما سمعت في معنى الجمع فكأنه قيل وما أهلكنا القرى إلا لها منذرون على معنى أن للكل منذرين أعم من أن يكون لكل قرية منها منذر واحد أو أكثر.
وقوله تعالى: ذِكْرى منصوب على الحال من الضمير في مُنْذِرُونَ عند الكسائي وعلى المصدر عند الزجاج فعلى الحال إما أن يقدر ذوي ذكرى أو يقدر مذكرين أو يبقى على ظاهره اعتبارا للمبالغة. وعلى المصدر فالعامل مُنْذِرُونَ لأنه في معنى مذكرون فكأنه قيل: مذكرون ذكرى أي تذكرة. وأجاز الزمخشري أن يكون مفعولا له على معنى أنهم ينذرون لأجل الموعظة والتذكرة. وأن يكون مرفوعا على أنه خبر مبتدأ محذوف بمعنى هذه ذكرى، والجملة اعتراضية أو صفة بمعنى منذرون ذوو ذكرى أو مذكرين أو جعلوا نفس الذكرى مبالغة لإمعانهم في التذكرة وإطنابهم فيها، وجوز أيضا أن يكون متعلقا بأهلكنا على أنه مفعول له. والمعنى ما أهلكنا من قرية ظالمين إلا بعد ما ألزمناهم الحجة بإرسال المنذرين إليهم ليكون إهلاكهم تذكرة وعبرة لغيرهم فلا يعصوا مثل عصيانهم ثم قال:
وهذا هو الوجه المعول عليه. وبين ذلك في الكشف بقوله: لأنه وعيد للمستهزئين وبأنهم يستحقون أن يجعلوا نكالا وعبرة لغيرهم كالأمم السوالف حيث فعلوا مثل فعلهم من الاستهزاء والتكذيب فجوزوا بما جوزوا وحينئذ يتلاءم الكلام انتهى، وتعقب بأن مذهب الجمهور أن ما قبل إلا لا يعمل فيما بعدها إلا أن يكون مستثنى أو مستثنى منه أو تابعا له غير معتمد على الأداة والمفعول له ليس واحدا من هذه الثلاثة فلا يجوز أن يتعلق بأهلكنا. ويتخرج جواز ذلك على مذهب الكسائي والأخفش وإن كانا لم ينصبا على المفعول له هنا وكان ذلك لما في نصبه عليه من التكلف وأمر الالتئام سهل كما لا يخفى وَما كُنَّا ظالِمِينَ أي ليس شأننا أن يصدر عنا بمقتضى الحكمة ما هو في صورة الظلم لو صدر من
وهذا الوجه أظهر من الوجه الذي قبله، وأيا ما كان فقوله سبحانه: (بعذابنا) متعلق بيستعجلون قدم عليه للإيذان بأن مصب الإنكار والتوبيخ كون المستعجل به عذابه جل جلاله مع ما فيه على ما قيل من رعاية الفواصل.
وقرىء «يمتعون» من الامتاع وفي الآية موعظة عظيمة لمن له قلب. روي عن ميمون بن مهران أنه لقي الحسن في الطواف وكان يتمنى لقاءه فقال له: عظني فلم يزده على تلاوة هذه الآية فقال ميمون: لقد وعظت فأبلغت وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ من القرى المهلكة إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ قد أنذروا أهلها إلزاما للحجة، والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع خبرا مقدما ومُنْذِرُونَ مبتدأ، والجملة في موضع الحال من قَرْيَةٍ قاله أبو حيان ثم قال:
الأعراب أن يكون لَها في موضع الحال وارتفع مُنْذِرُونَ بالجار والمجرور أي إلا كائنا لها منذرون فيكون من مجيء الحال مفردا لا جملة، ومجيء الحال من المنفي كقولك ما مررت بأحد إلا قائما فصبح انتهى، وفي الوجهين مجيء الحال من النكرة. وحسن ذلك على ما قيل عمومها لوقوعها في حيز النفي مع زيادة من قبلها، وكأن هذا القائل جعل العموم مسوغا لمجيء الحال قياسا على جعلهم إياه مسوغا للابتداء بالنكرة لاشتراك العلة. وذهب الزمخشري إلى أن «لها منذرون» جملة في موضع الصفة لقرية ولم يجوز أبو حيان كون الجملة الواقعة بعد إلا صفة ثم قال:
مذهب الجمهور إنه لا تجيء الصفة بعد إلا معتمدة على أداة الاستثناء نحو ما جاءني أحد إلا راكب وإذا سمع خرج على البدل أي إلا رجل راكب. ويدل على صحة هذا المذهب أن العرب تقول: ما مررت بأحد إلا قائما ولا يحفظ من كلامها ما مررت بأحد إلا قائم فلو كانت الجملة في موضع الصفة للنكرة لورد المفرد بعد إلا صفة لها فإن كانت الصفة غير معتمدة على الأداة جاءت الصفة بعد إلا نحو ما جاءني أحد إلا زيد خير من عمرو فإن التقدير ما جاءني أحد خير من عمرو إلا زيد انتهى فتذكر. وايا ما كان فضمير «لها» للقرية التي هي لما سمعت في معنى الجمع فكأنه قيل وما أهلكنا القرى إلا لها منذرون على معنى أن للكل منذرين أعم من أن يكون لكل قرية منها منذر واحد أو أكثر.
وقوله تعالى: ذِكْرى منصوب على الحال من الضمير في مُنْذِرُونَ عند الكسائي وعلى المصدر عند الزجاج فعلى الحال إما أن يقدر ذوي ذكرى أو يقدر مذكرين أو يبقى على ظاهره اعتبارا للمبالغة. وعلى المصدر فالعامل مُنْذِرُونَ لأنه في معنى مذكرون فكأنه قيل: مذكرون ذكرى أي تذكرة. وأجاز الزمخشري أن يكون مفعولا له على معنى أنهم ينذرون لأجل الموعظة والتذكرة. وأن يكون مرفوعا على أنه خبر مبتدأ محذوف بمعنى هذه ذكرى، والجملة اعتراضية أو صفة بمعنى منذرون ذوو ذكرى أو مذكرين أو جعلوا نفس الذكرى مبالغة لإمعانهم في التذكرة وإطنابهم فيها، وجوز أيضا أن يكون متعلقا بأهلكنا على أنه مفعول له. والمعنى ما أهلكنا من قرية ظالمين إلا بعد ما ألزمناهم الحجة بإرسال المنذرين إليهم ليكون إهلاكهم تذكرة وعبرة لغيرهم فلا يعصوا مثل عصيانهم ثم قال:
وهذا هو الوجه المعول عليه. وبين ذلك في الكشف بقوله: لأنه وعيد للمستهزئين وبأنهم يستحقون أن يجعلوا نكالا وعبرة لغيرهم كالأمم السوالف حيث فعلوا مثل فعلهم من الاستهزاء والتكذيب فجوزوا بما جوزوا وحينئذ يتلاءم الكلام انتهى، وتعقب بأن مذهب الجمهور أن ما قبل إلا لا يعمل فيما بعدها إلا أن يكون مستثنى أو مستثنى منه أو تابعا له غير معتمد على الأداة والمفعول له ليس واحدا من هذه الثلاثة فلا يجوز أن يتعلق بأهلكنا. ويتخرج جواز ذلك على مذهب الكسائي والأخفش وإن كانا لم ينصبا على المفعول له هنا وكان ذلك لما في نصبه عليه من التكلف وأمر الالتئام سهل كما لا يخفى وَما كُنَّا ظالِمِينَ أي ليس شأننا أن يصدر عنا بمقتضى الحكمة ما هو في صورة الظلم لو صدر من
129
غيرنا بأن نهلك أحدا قبل إنذاره أو بأن نعاقب من لم يظلم. ولإرادة نفي أن يكون ذلك من شأنه عز شأنه قال: وَما كُنَّا دون وما نظلم وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ متعلق بقوله تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ إلخ وهو رد لقول مشركي قريش إن لمحمد صلّى الله عليه وسلّم تابعا من الجن يخبره كما تخبر الكهنة وأن القرآن مما ألقاه إليه عليه الصلاة والسلام.
والتعبير بالتفعيل لأن النزول لو وقع لكان بالاستراق التدريجي، وقرأ الحسن وابن السميقع «الشياطون» فقال أبو حاتم:
هو غلط من الحسن أو عليه، وقال النحاس: هو غلط عند جميع النحويين. وقال المهدوي: هو غير جائز في العربية، وقال الفراء: غلط الشيخ ظن أنها النون التي على هجائين، وقال النضر بن شميل: إن جاز أن يحتج بقول العجاج ورؤبة فهلا جاز أن يحتج بقول الحسن وصاحبه مع أنا نعلم أنهما لم يقرءا به إلا وقد سمعا فيه، وقال يونس بن حبيب.
سمعت أعرابيا يقول دخلت بساتين من ورائها بساتون فقلت: ما أشبه هذا بقراءة الحسن انتهى. ووجهت هذه القراءة بأنه لما كان آخره كآخر يبرين وفلسطين وقد قيل فيهما يبرون وفلسطون أجرى فيه نحو ما أجرى فيهما فقيل الشياطون.
وحقه على هذا على ما في الكشاف أن يشتق من الشيطوطة وهي الهلاك، وفي البحر نقلا عن بعضهم إن كان اشتقاقه من شاط أي احترق يشيط شوطة كان لقراءتهما وجه. قيل: ووجهها أن بناء المبالغة منه شياط وجمعه الشياطون فخففا الياء وقد روى عنهما التشديد وقرأ به غيرهما، وقال بعض: إنه جمع شياط مصدر شاط كخاط خياطا كأنهما ردا الوصف إلى المصدر بمعناه مبالغة ثم جمعا والكل كما ترى، وقال صاحب الكشف. لا وجه لتصحيح هذه القراءة البتة.
وقد أطنب ابن جني في تصحيحها ثم قال: وعلى كل حال فالشياطون غلط وأبو حيان لا يرضى بكونه غلطا ويقول:
قرأ به الحسن. وابن السميقع والأعمش ولا يمكن أن يقال. غلطوا لأنهم من العلم ونقل القرآن بمكان والله تعالى أعلم.
والذي أراه أنه متى صح رفع هذه القراءة إلى هؤلاء الأجلة لزم توجيهها فإنهم لا يقرؤون إلا عن رواية كغيرهم من القراء في جميع ما يقرؤنه عندنا، وزعم المعتزلة أن بعض القراءات بالرأي.
وَما يَنْبَغِي لَهُمْ أي وما يصح وما يستقيم لهم ذلك وَما يَسْتَطِيعُونَ أي وما يقدرون على ذلك أصلا.
إِنَّهُمْ أي الشياطين عَنِ السَّمْعِ لما يتكلم به الملائكة عليهم السلام في السماء لَمَعْزُولُونَ أي ممنوعون بالشهب بعد أن كانوا ممكنين كما يدل عليه قوله تعالى: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً [الجن: ٨، ٩] والمراد تعليل ما تقدم على أبلغ وجه لأنهم إذا كانوا ممنوعين عن سماع ما تتكلم به الملائكة في السماء كانوا ممنوعين من أخذ القرآن المجيد من اللوح المحفوظ أو من بيت العزة أو من سماعه إذ يظهره الله عز وجل لمن شاء في سمائه من باب أولى، وقيل: المعنى إنهم لمعزولون عن السمع لكلام الملائكة عليهم السلام لأنه مشروط بالمشاركة في صفات الذات وقبول فيضان الحق والانتقاش بالصور الملكوتية ونفوسهم خبيثة ظلمانية شريرة بالذات لا تقبل ذلك والقرآن الكريم مشتمل على حقائق ومغيبات لا يمكن تلقيها إلا من الملائكة عليهم السلام، وتعقب بأنه إن أراد أن السمع لكلام الملائكة عليهم السلام مطلقا مشروط بصفات هم متصفون بنقائضها فهو غير مسلم كيف وقد ثبت أن الشياطين كانوا يسترقون السمع وظاهر الآيات أنهم إلى اليوم يسترقونه ويخطفون الخطفة فيتبعهم شهاب ثاقب وأيضا لو كان ما ذكر شرطا للسمع وهو منتف فيهم فأي فائدة للحرس ومنعهم عن السمع بالرجوم.
وأيضا لو صح ما ذكر لم يتأت لهم سماع القرآن العظيم من الملائكة عليهم السلام سواء كان مشتملا على
والتعبير بالتفعيل لأن النزول لو وقع لكان بالاستراق التدريجي، وقرأ الحسن وابن السميقع «الشياطون» فقال أبو حاتم:
هو غلط من الحسن أو عليه، وقال النحاس: هو غلط عند جميع النحويين. وقال المهدوي: هو غير جائز في العربية، وقال الفراء: غلط الشيخ ظن أنها النون التي على هجائين، وقال النضر بن شميل: إن جاز أن يحتج بقول العجاج ورؤبة فهلا جاز أن يحتج بقول الحسن وصاحبه مع أنا نعلم أنهما لم يقرءا به إلا وقد سمعا فيه، وقال يونس بن حبيب.
سمعت أعرابيا يقول دخلت بساتين من ورائها بساتون فقلت: ما أشبه هذا بقراءة الحسن انتهى. ووجهت هذه القراءة بأنه لما كان آخره كآخر يبرين وفلسطين وقد قيل فيهما يبرون وفلسطون أجرى فيه نحو ما أجرى فيهما فقيل الشياطون.
وحقه على هذا على ما في الكشاف أن يشتق من الشيطوطة وهي الهلاك، وفي البحر نقلا عن بعضهم إن كان اشتقاقه من شاط أي احترق يشيط شوطة كان لقراءتهما وجه. قيل: ووجهها أن بناء المبالغة منه شياط وجمعه الشياطون فخففا الياء وقد روى عنهما التشديد وقرأ به غيرهما، وقال بعض: إنه جمع شياط مصدر شاط كخاط خياطا كأنهما ردا الوصف إلى المصدر بمعناه مبالغة ثم جمعا والكل كما ترى، وقال صاحب الكشف. لا وجه لتصحيح هذه القراءة البتة.
وقد أطنب ابن جني في تصحيحها ثم قال: وعلى كل حال فالشياطون غلط وأبو حيان لا يرضى بكونه غلطا ويقول:
قرأ به الحسن. وابن السميقع والأعمش ولا يمكن أن يقال. غلطوا لأنهم من العلم ونقل القرآن بمكان والله تعالى أعلم.
والذي أراه أنه متى صح رفع هذه القراءة إلى هؤلاء الأجلة لزم توجيهها فإنهم لا يقرؤون إلا عن رواية كغيرهم من القراء في جميع ما يقرؤنه عندنا، وزعم المعتزلة أن بعض القراءات بالرأي.
وَما يَنْبَغِي لَهُمْ أي وما يصح وما يستقيم لهم ذلك وَما يَسْتَطِيعُونَ أي وما يقدرون على ذلك أصلا.
إِنَّهُمْ أي الشياطين عَنِ السَّمْعِ لما يتكلم به الملائكة عليهم السلام في السماء لَمَعْزُولُونَ أي ممنوعون بالشهب بعد أن كانوا ممكنين كما يدل عليه قوله تعالى: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً [الجن: ٨، ٩] والمراد تعليل ما تقدم على أبلغ وجه لأنهم إذا كانوا ممنوعين عن سماع ما تتكلم به الملائكة في السماء كانوا ممنوعين من أخذ القرآن المجيد من اللوح المحفوظ أو من بيت العزة أو من سماعه إذ يظهره الله عز وجل لمن شاء في سمائه من باب أولى، وقيل: المعنى إنهم لمعزولون عن السمع لكلام الملائكة عليهم السلام لأنه مشروط بالمشاركة في صفات الذات وقبول فيضان الحق والانتقاش بالصور الملكوتية ونفوسهم خبيثة ظلمانية شريرة بالذات لا تقبل ذلك والقرآن الكريم مشتمل على حقائق ومغيبات لا يمكن تلقيها إلا من الملائكة عليهم السلام، وتعقب بأنه إن أراد أن السمع لكلام الملائكة عليهم السلام مطلقا مشروط بصفات هم متصفون بنقائضها فهو غير مسلم كيف وقد ثبت أن الشياطين كانوا يسترقون السمع وظاهر الآيات أنهم إلى اليوم يسترقونه ويخطفون الخطفة فيتبعهم شهاب ثاقب وأيضا لو كان ما ذكر شرطا للسمع وهو منتف فيهم فأي فائدة للحرس ومنعهم عن السمع بالرجوم.
وأيضا لو صح ما ذكر لم يتأت لهم سماع القرآن العظيم من الملائكة عليهم السلام سواء كان مشتملا على
130
ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ
ﳔ
ﭿﮀﮁ
ﳕ
ﮃﮄﮅﮆﮇﮈ
ﳖ
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ
ﳗ
ﮒﮓﮔﮕ
ﳘ
ﮗﮘﮙﮚ
ﳙ
ﮜﮝﮞ
ﳚ
ﮠﮡﮢﮣ
ﳛ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪ
ﳜ
ﮬﮭﮮﮯﮰ
ﳝ
ﯓﯔﯕﯖ
ﳞ
ﯘﯙﯚ
ﳟ
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ
ﳠ
ﯤﯥﯦﯧﯨ
ﳡ
ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ
ﳢ
الحقائق والمغيبات أم لا فما فائدة في قوله: والقرآن مشتمل إلخ إلى غير ذلك. وإن أراد أن السمع لكلام الملائكة عليهم السلام إذا كان وحيا منزلا على الأنبياء عليهم السلام مشروط بما ذكر فهو مع كونه خلاف ظاهر الكلام غير مسلم أيضا كيف وقد ثبت أن جبريل عليه السلام حين ينزل بالقرآن ينزل معه رصد حفظا للوحي من الشيطان وقد قال عز وجل: فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ [الجن: ٢٦- ٢٨] وأيضا ظاهر العزل عن السمع يقتضي أنهم كانوا ممكنين منه قبل ثم منعوا عنه فيلزم على ما ذكر أنهم كانوا يسمعون الوحي من قبل مع أن نفوسهم خبيثة ظلمانية شريرة بالذات فيبطل كون المشاركة المذكورة شرطا للسمع، فإن ادعى أن الشرط كان موجودا إذ ذاك ثم فقد والتزم القول بجواز تغير ما بالذات فهو مما لم يقم عليه دليل وقياس جميع الشياطين على إبليس عليه اللعنة مما لا يخفى حاله فتدبر.
وبالجملة الذي أميل إليه في معنى الآية ما ذكرته أولا. وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى ما يتعلق بذلك، وجوز كون ضمير إِنَّهُمْ للمشركين. والمراد أنهم لا يصغون للحق لعنادهم، وفي الآية شمة من قوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ [البقرة: ٢٥٧] وهو بعيد جدا.
فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ خوطب به النبي صلّى الله عليه وسلّم مع استحالة صدور المنهي عنه عليه الصلاة والسلام تهييجا وحثا لازدياد الإخلاص فهو كناية عن أخلص في التوحيد حتى لا ترى معه عز وجل سواه. وفيه لطف لسائر المكلفين ببيان أن الإشراك من القبح والسوء بحيث ينهي عنه من لم يمكن صدوره عنه فكيف بمن عداه.
وكأن الفاء فصيحة أي إذا علمت ما ذكر فلا تدع مع الله إلها آخر وَأَنْذِرْ العذاب الذي يستتبعه الشرك والمعاصي عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ أي ذوي القرابة القريبة أو الذين هم أكثر قربا إليك من غيرهم.
والعشيرة على ما قال الجوهري: رهط الرجل الأدنون. وقال الراغب هم أهل الرجل الذين يتكثر بهم أي يصيرون له بمنزلة العدد الكامل وهو العشرة. واشتهر أن طبقات الأنساب ست، الأولى الشعب بفتح الشين وهو النسب الأبعد كعدنان، الثانية القبيلة وهي ما انقسم فيه الشعب كربيعة ومضر الثالثة العمارة بكسر العين وهي ما انقسم فيه أنساب القبيلة كقريش وكنانة الرابعة البطن وهو ما انقسم فيه أنساب العمارة كبني عبد مناف وبني مخزوم الخامسة الفخذ وهو ما انقسم فيه أنساب البطن كبني هاشم وبني أمية السادسة الفصيلة وهي ما انقسم فيه أنساب الفخذ كبني العباس وبني عبد المطلب وليس دون الفصيلة إلا الرجل وولده.
وحكى أبو عبيد عن ابن الكلبي عن أبيه تقديم الشعب ثم القبيلة ثم الفصيلة ثم العمارة ثم الفخذ فأقام الفصيلة
وبالجملة الذي أميل إليه في معنى الآية ما ذكرته أولا. وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى ما يتعلق بذلك، وجوز كون ضمير إِنَّهُمْ للمشركين. والمراد أنهم لا يصغون للحق لعنادهم، وفي الآية شمة من قوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ [البقرة: ٢٥٧] وهو بعيد جدا.
فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ خوطب به النبي صلّى الله عليه وسلّم مع استحالة صدور المنهي عنه عليه الصلاة والسلام تهييجا وحثا لازدياد الإخلاص فهو كناية عن أخلص في التوحيد حتى لا ترى معه عز وجل سواه. وفيه لطف لسائر المكلفين ببيان أن الإشراك من القبح والسوء بحيث ينهي عنه من لم يمكن صدوره عنه فكيف بمن عداه.
وكأن الفاء فصيحة أي إذا علمت ما ذكر فلا تدع مع الله إلها آخر وَأَنْذِرْ العذاب الذي يستتبعه الشرك والمعاصي عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ أي ذوي القرابة القريبة أو الذين هم أكثر قربا إليك من غيرهم.
والعشيرة على ما قال الجوهري: رهط الرجل الأدنون. وقال الراغب هم أهل الرجل الذين يتكثر بهم أي يصيرون له بمنزلة العدد الكامل وهو العشرة. واشتهر أن طبقات الأنساب ست، الأولى الشعب بفتح الشين وهو النسب الأبعد كعدنان، الثانية القبيلة وهي ما انقسم فيه الشعب كربيعة ومضر الثالثة العمارة بكسر العين وهي ما انقسم فيه أنساب القبيلة كقريش وكنانة الرابعة البطن وهو ما انقسم فيه أنساب العمارة كبني عبد مناف وبني مخزوم الخامسة الفخذ وهو ما انقسم فيه أنساب البطن كبني هاشم وبني أمية السادسة الفصيلة وهي ما انقسم فيه أنساب الفخذ كبني العباس وبني عبد المطلب وليس دون الفصيلة إلا الرجل وولده.
وحكى أبو عبيد عن ابن الكلبي عن أبيه تقديم الشعب ثم القبيلة ثم الفصيلة ثم العمارة ثم الفخذ فأقام الفصيلة
131
مقام العمارة في ذكرها بعد القبيلة والعمارة مقام الفصيلة في ذكرها قبل الفخذ ولم يحك ما يخالفه ولم يذكر في الترتيبين العشيرة، وفي البحر أنها تحت الفخذ فوق الفصيلة، والظاهر أن ذلك على الترتيب الأول.
وحكى بعضهم بعد أن نقل الترتيب المذكور عن النووي عليه الرحمة أنه قال في تحرير التنبيه: وزاد بعضهم العشيرة قبل الفصيلة، ويفهم من كلام البعض أن العشيرة إذا وصفت بالأقرب اتخذت مع الفصيلة التي هي سادسة الطبقات، وأنت تعلم أن الأقربية إذا كانت مأخوذة في مفهومها كما يفهم من كلام الجوهري تستغني دعوى الاتحاد عن الوصف المذكور.
وفي كليات أبي البقاء كل جماعة كثيرة من الناس يرجعون إلى أب مشهور بأمر زائد فهو شعب كعدنان ودونه القبيلة وهي ما انقسمت فيها أنساب الشعب كربيعة ومضر، ثم العمارة وهي ما انقسمت فيها أنساب القبيلة كقريش وكنانة، ثم البطن وهي ما انقسمت فيها أنساب العمارة كبني عبد مناف. وبني مخزوم، ثم الفخذ وهي ما انقسمت فيها أنساب البطن كبني هاشم وبني أمية ثم العشيرة وهي ما انقسمت فيها أنساب الفخذ كبني العباس وبني أبي طالب والحي يصدق على الكل لأنه للجماعة المتنازلين بمربع منهم انتهى. ولم يذكر فيه الفصيلة وكأنه يذهب إلى اتحادها بالعشيرة، ووجه تخصيص عشيرته صلّى الله تعالى عليه وسلّم الأقربين بالذكر مع عموم رسالته عليه الصلاة والسلام دفع توهم المحاباة وأن الاهتمام بشأنهم أهم وأن البداءة تكون بمن يلي ثم من بعده كما قال سبحانه: قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ [التوبة: ١٢٣] وفي كيفية الإنذار أخبار كثيرة، منها ما
أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صعد النبي صلّى الله عليه وسلّم على الصفا فجعل ينادي يا بني فهر يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا فنزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ [المسد: ١، ٢] »
ومنها ما
أخرجه أحمد وجماعة عن أبي هريرة قال: «لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قريشا وعم وخص فقال: يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضرا ولا نفعا يا معشر بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضرا ولا نفعا يا معشر بني قصي أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضرا ولا نفعا يا معشر بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضرا ولا نفعا يا معشر بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضرا ولا نفعا يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لك ضرا ولا نفعا ألا إن لكم رحما وسأبلها ببلالها».
وجاء في بعض الروايات أنه صلّى الله تعالى عليه وسلّم لما نزلت الآية جمع عليه الصلاة والسلام بني هاشم فأجلسهم على الباب وجمع نساءه وأهله فأجلسهم في البيت ثم أطلع عليهم فأنذرهم
وجاء في بعض آخر منها أنه عليه الصلاة والسلام أمر عليا كرّم الله تعالى وجهه أن يصنع طعاما ويجمع له بني عبد المطلب ففعل وجمعهم وهم يومئذ أربعون رجلا فبعد أن أكلوا أراد صلّى الله عليه وسلّم أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال: لقد سحركم صاحبكم فتفرقوا ثم دعاهم من الغد إلى مثل ذلك ثم بدرهم بالكلام فقال: يا بني عبد المطلب إني أنا النذير إليكم من الله تعالى والبشير قد جئتكم بما لم يجىء به أحد جئتكم بالدنيا والآخرة، فأسلموا تسلموا وأطيعوا تهتدوا
إلى غير ذلك من الأخبار والروايات وإذا صح الكل فطريق الجمع أن يقال بتعدد الإنذار.
وحكى بعضهم بعد أن نقل الترتيب المذكور عن النووي عليه الرحمة أنه قال في تحرير التنبيه: وزاد بعضهم العشيرة قبل الفصيلة، ويفهم من كلام البعض أن العشيرة إذا وصفت بالأقرب اتخذت مع الفصيلة التي هي سادسة الطبقات، وأنت تعلم أن الأقربية إذا كانت مأخوذة في مفهومها كما يفهم من كلام الجوهري تستغني دعوى الاتحاد عن الوصف المذكور.
وفي كليات أبي البقاء كل جماعة كثيرة من الناس يرجعون إلى أب مشهور بأمر زائد فهو شعب كعدنان ودونه القبيلة وهي ما انقسمت فيها أنساب الشعب كربيعة ومضر، ثم العمارة وهي ما انقسمت فيها أنساب القبيلة كقريش وكنانة، ثم البطن وهي ما انقسمت فيها أنساب العمارة كبني عبد مناف. وبني مخزوم، ثم الفخذ وهي ما انقسمت فيها أنساب البطن كبني هاشم وبني أمية ثم العشيرة وهي ما انقسمت فيها أنساب الفخذ كبني العباس وبني أبي طالب والحي يصدق على الكل لأنه للجماعة المتنازلين بمربع منهم انتهى. ولم يذكر فيه الفصيلة وكأنه يذهب إلى اتحادها بالعشيرة، ووجه تخصيص عشيرته صلّى الله تعالى عليه وسلّم الأقربين بالذكر مع عموم رسالته عليه الصلاة والسلام دفع توهم المحاباة وأن الاهتمام بشأنهم أهم وأن البداءة تكون بمن يلي ثم من بعده كما قال سبحانه: قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ [التوبة: ١٢٣] وفي كيفية الإنذار أخبار كثيرة، منها ما
أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صعد النبي صلّى الله عليه وسلّم على الصفا فجعل ينادي يا بني فهر يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا فنزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ [المسد: ١، ٢] »
ومنها ما
أخرجه أحمد وجماعة عن أبي هريرة قال: «لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قريشا وعم وخص فقال: يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضرا ولا نفعا يا معشر بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضرا ولا نفعا يا معشر بني قصي أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضرا ولا نفعا يا معشر بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضرا ولا نفعا يا معشر بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضرا ولا نفعا يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لك ضرا ولا نفعا ألا إن لكم رحما وسأبلها ببلالها».
وجاء في بعض الروايات أنه صلّى الله تعالى عليه وسلّم لما نزلت الآية جمع عليه الصلاة والسلام بني هاشم فأجلسهم على الباب وجمع نساءه وأهله فأجلسهم في البيت ثم أطلع عليهم فأنذرهم
وجاء في بعض آخر منها أنه عليه الصلاة والسلام أمر عليا كرّم الله تعالى وجهه أن يصنع طعاما ويجمع له بني عبد المطلب ففعل وجمعهم وهم يومئذ أربعون رجلا فبعد أن أكلوا أراد صلّى الله عليه وسلّم أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال: لقد سحركم صاحبكم فتفرقوا ثم دعاهم من الغد إلى مثل ذلك ثم بدرهم بالكلام فقال: يا بني عبد المطلب إني أنا النذير إليكم من الله تعالى والبشير قد جئتكم بما لم يجىء به أحد جئتكم بالدنيا والآخرة، فأسلموا تسلموا وأطيعوا تهتدوا
إلى غير ذلك من الأخبار والروايات وإذا صح الكل فطريق الجمع أن يقال بتعدد الإنذار.
132
ومن الروايات ما يتمسك به الشيعة فيما يدعونه في أمر الخلافة وهو مؤول أو ضعيف أو موضوع وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ورهطك منهم المخلصين وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أمر له صلّى الله تعالى عليه وسلّم بالتواضع على سبيل الاستعارة أو التمثيلية أو المجاز المرسل وعلاقته اللزوم، ويستعمل في التكبر رفع الجناح وعلى ذلك جاء قول الشاعر:
ومِنَ قيل: بيانية لأن من اتبع في أصل معناه أعم ممن اتبع لدين أو غيره ففيه إبهام وبذكر المؤمنين المراد بهم المتبعون للدين زال ذلك، وقيل: للتبعيض بناء على شيوع من اتبع فيمن اتبع للدين وحمل المؤمنين على من صدق باللسان ولو نفاقا ولا شك أن المتبعين للدين بعض المؤمنين بهذا المعنى، وجوز أن يحمل على من شارف وإن لم يؤمن ولا شك أيضا أن المتبعين المذكورين بعضهم وفي الآية على القولين أمر بالتواضع لمن اتبع للدين.
وقال بعضهم: على تقدير كونها بيانية أن المؤمنين يراد بهم الذين لم يؤمنوا بعد وشارفوا لأن يؤمنوا كالمؤلفة مجاز باعتبار الأول وكان- من اتبعك- شائعا في من آمن حقيقة. ومن آمن مجازا فبين بقوله تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إن المراد بهم المشارفون أي تواضع للمشارفين استمالة وتأليفا، وعلى تقدير كونها تبعيضية يراد بالمؤمنين الذين قالوا آمنا وهم صنفان: صنف صدق واتبع وصنف ما وجد منهم إلا التصديق فقيل: من المؤمنين وأريد بعض الذين صدقوا واتبعوا أي تواضع لبعض المؤمنين وهم الذين اتبعوك محبة ومودة. وعلى هذا يكون الذين أمر صلّى الله عليه وسلّم بالتواضع لهم على تقدير البيان غير الذي أمر عليه الصلاة والسلام بالتواضع لهم على تقدير التبعيض. وقال بعض الأجلة الاتباع والإيمان توأمان إذ المتبادر من اتباع عليه الصلاة والسلام اتباعه الديني وكذا المتبادر من الإيمان الإيمان الحقيقي، وذكر مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لإفادة التعميم كذكر يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ [الأنعام: ٣٨] بعد طائر في قوله تعالى: وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ وتفيد الآية الأمر بالتواضع لكل من آمن من عشيرته صلّى الله عليه وسلّم وغيرهم.
وقال الطيبي: الإجراء على أفانين البلاغة أن يحمل الكلام على أسلوب وضع المظهر موضع المضمر وإن الأصل وأنذر عشيرتك الأقربين. واخفض جناحك لمن اتبعك منهم فعدل إلى المؤمنين ليعم ويؤذن أن صفة الإيمان هي التي يستحق أن يكرم صاحبها ويتواضع لأجلها من اتصف بها سواء كان من عشيرتك أو غيرهم وليس هذا بالبعيد لكني أختار كون من بيانية وإن عموم من اتبعك باعتبار أصل معناه.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال: لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ بدأ صلّى الله عليه وسلّم بأهل بيته وفصيلته فشق ذلك على المسلمين فأنزل الله تعالى:
«واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين».
فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ الظاهر أن الضمير المرفوع في عَصَوْكَ عائد على من أنذر صلّى الله عليه وسلّم بإنذارهم وهم العشيرة أي فإن عصوك ولم يتبعوك بعد إنذارهم فقل: إني بريء من عملكم أو الذي تعملونه من دعائكم مع الله تعالى إلها آخر، وجوز أن يكون عائدا على الكفار المفهوم من السياق، وقيل: هو عائد على من اتبع من المؤمنين أي فإن عصوك يا محمد في الأحكام وفروع الإسلام بعد تصديقك والإيمان بك وتواضعك لهم فقل: إني بريء مما تعملون من المعاصي أي أظهر عدم رضاك بذلك وإنكاره عليهم. وذكر على هذا أنه صلّى الله عليه وسلّم لو أمر بالبراءة منهم ما بقي شفيعا للعصاة يوم القيامة، والآية على غير هذا القول منسوخة.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد أنه قال: أمره سبحانه بهذا ثم نسخه فأمره بجهادهم، وفي البحر هذه موادعة
وأنت الشهير بخفض الجناح | فلا تك في رفعه أجدلا |
وقال بعضهم: على تقدير كونها بيانية أن المؤمنين يراد بهم الذين لم يؤمنوا بعد وشارفوا لأن يؤمنوا كالمؤلفة مجاز باعتبار الأول وكان- من اتبعك- شائعا في من آمن حقيقة. ومن آمن مجازا فبين بقوله تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إن المراد بهم المشارفون أي تواضع للمشارفين استمالة وتأليفا، وعلى تقدير كونها تبعيضية يراد بالمؤمنين الذين قالوا آمنا وهم صنفان: صنف صدق واتبع وصنف ما وجد منهم إلا التصديق فقيل: من المؤمنين وأريد بعض الذين صدقوا واتبعوا أي تواضع لبعض المؤمنين وهم الذين اتبعوك محبة ومودة. وعلى هذا يكون الذين أمر صلّى الله عليه وسلّم بالتواضع لهم على تقدير البيان غير الذي أمر عليه الصلاة والسلام بالتواضع لهم على تقدير التبعيض. وقال بعض الأجلة الاتباع والإيمان توأمان إذ المتبادر من اتباع عليه الصلاة والسلام اتباعه الديني وكذا المتبادر من الإيمان الإيمان الحقيقي، وذكر مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لإفادة التعميم كذكر يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ [الأنعام: ٣٨] بعد طائر في قوله تعالى: وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ وتفيد الآية الأمر بالتواضع لكل من آمن من عشيرته صلّى الله عليه وسلّم وغيرهم.
وقال الطيبي: الإجراء على أفانين البلاغة أن يحمل الكلام على أسلوب وضع المظهر موضع المضمر وإن الأصل وأنذر عشيرتك الأقربين. واخفض جناحك لمن اتبعك منهم فعدل إلى المؤمنين ليعم ويؤذن أن صفة الإيمان هي التي يستحق أن يكرم صاحبها ويتواضع لأجلها من اتصف بها سواء كان من عشيرتك أو غيرهم وليس هذا بالبعيد لكني أختار كون من بيانية وإن عموم من اتبعك باعتبار أصل معناه.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال: لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ بدأ صلّى الله عليه وسلّم بأهل بيته وفصيلته فشق ذلك على المسلمين فأنزل الله تعالى:
«واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين».
فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ الظاهر أن الضمير المرفوع في عَصَوْكَ عائد على من أنذر صلّى الله عليه وسلّم بإنذارهم وهم العشيرة أي فإن عصوك ولم يتبعوك بعد إنذارهم فقل: إني بريء من عملكم أو الذي تعملونه من دعائكم مع الله تعالى إلها آخر، وجوز أن يكون عائدا على الكفار المفهوم من السياق، وقيل: هو عائد على من اتبع من المؤمنين أي فإن عصوك يا محمد في الأحكام وفروع الإسلام بعد تصديقك والإيمان بك وتواضعك لهم فقل: إني بريء مما تعملون من المعاصي أي أظهر عدم رضاك بذلك وإنكاره عليهم. وذكر على هذا أنه صلّى الله عليه وسلّم لو أمر بالبراءة منهم ما بقي شفيعا للعصاة يوم القيامة، والآية على غير هذا القول منسوخة.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد أنه قال: أمره سبحانه بهذا ثم نسخه فأمره بجهادهم، وفي البحر هذه موادعة
133
نسختها آية السيف وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ فهو سبحانه يقهر من يعصيك منهم ومن غيرهم بعزته وينصرك برحمته، وتقديم وصف العزة قيل لأنه أوفق بمقام التسلي عن المشاق اللاحقة من القوم إليه صلّى الله عليه وسلّم، وجوز أن يكون ذلك لأن العزة كالعلة المصححة للتوكل والرحمة كالعلة الداعية إليه، وفسره غير واحد بتفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره ويقدر على أن ينفعه ويضره. وقالوا: المتوكل من إن دهمه أمر لم يحاول دفعه عن نفسه بما هو معصية لله تعالى، وذكر بعضهم أن هذا من أحط مراتب التوكل وأدناها، ونقل عن بعض العارفين أنه فيما بين الناس على ثلاث درجات.
الأولى التوكل مع الطلب ومعاطاة السبب على نية شغل النفس ونفع الخلق وترك الدعوى، والثانية التوكل مع إسقاط الطلب وغض العين عن السبب اجتهادا في تصحيح التوكل وقمع تشرف النفس تفرغا إلى حفظ الواجبات والثالثة التوكل مع معرفة التوكل النازعة إلى الخلاص من علة التوكل. وذلك أن يعلم أن الله تعالى لم يترك أمرا مهملا بل فرغ من الأشياء كلها وقدرها وشأنه سبحانه سوق المقادير إلى المواقيت، فالمتوكل من أراح نفسه من كد النظر ومطالعة السبب سكونا إلى ما سبق من القسمة مع استواء الحالين وهو أن يعلم أن الطلب لا ينفع والتوكل لا يمنع ومتى طلع بتوكله عوضا كان توكله مدخولا وقصده معلولا وإذا خلص من رق الأسباب ولم يلاحظ في توكله سوى خالص حق الله تعالى كفاه الله تعالى كل مهم. وبين العلامة الطيبي إن في قوله تعالى: «وتوكل» إلخ إشارة إلى المراتب الثلاث بما فيه خفاء.
وفي مصاحف أهل المدينة والشام «فتوكل» بالفاء وبه قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر وشيبة وخرج على الإبدال من جواب الشرط. وجعل في الكشاف الفاء للعطف وما بعده معطوفا على فَقُلْ أو فَلا تَدْعُ وما ذكر أولا أظهر الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ
أي إلى الصلاة وَتَقَلُّبَكَ أي ويرى سبحانه تغيرك من حال كالجلوس والسجود إلى آخر كالقيام فِي السَّاجِدِينَ أي فيما بين المصلين إذا أممتهم، وعبر عنهم بالساجدين لأن السجود حالة مزيد قرب العبد من ربه عز وجل وهو أفضل الأركان على ما نص عليه جمع من الأئمة، وتفسير هذه الجملة بما ذكر مروي عن ابن عباس وجماعة من المفسرين إلا أن منهم من قال: المراد حين تقوم إلى الصلاة بالناس جماعة، وقيل: المعنى يراك حين تقوم للتهجد ويرى تقلبك أي ذهابك ومجيئك فيما بين المتهجدين لتتصفح أحوالهم وتطلع عليهم من حيث لا يشعرون وتستبطن سرائرهم وكيف يعملون لآخرتهم كما روى أنه لما نسخ فرض قيام الليل طاف صلّى الله تعالى عليه وسلّم تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون حرصا على كثرة طاعاتهم فوجدها كبيوت النحل لما سمع لها من دندنتهم بذكر الله تعالى والتلاوة. وعن مجاهد أن المراد بقوله سبحانه: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ تقلب بصره عليه الصلاة والسلام فيمن يصلي خلفه فإنه صلّى الله تعالى عليه وسلّم كان يرى من خلفه،
ففي صحيح البخاري عن أنس قال: «أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم وتراصوا فإني أراكم من وراء ظهري».
وفي رواية أبي داود عن أبي هريرة أن النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم كان يقول: «استووا استووا استووا والذي نفسي بيده إني لأراكم من خلفي كما أراكم من بين يدي»
ولا يخفى بعد حمل ما في الآية على ما ذكر.
وقيل: المراد بالساجدين المؤمنون، والمعنى يراك حين تقوم لأداء الرسالة ويرى تقلبك وترددك فيما بين المؤمنين أو معهم فيما فيه إعلان أمر الله تعالى وإعلاء كلمته سبحانه، وتفسير الساجدين بالمؤمنين مروي عن ابن عباس وقتادة إلا أن كون المعنى ما ذكر لا يخلو عن خفاء.
الأولى التوكل مع الطلب ومعاطاة السبب على نية شغل النفس ونفع الخلق وترك الدعوى، والثانية التوكل مع إسقاط الطلب وغض العين عن السبب اجتهادا في تصحيح التوكل وقمع تشرف النفس تفرغا إلى حفظ الواجبات والثالثة التوكل مع معرفة التوكل النازعة إلى الخلاص من علة التوكل. وذلك أن يعلم أن الله تعالى لم يترك أمرا مهملا بل فرغ من الأشياء كلها وقدرها وشأنه سبحانه سوق المقادير إلى المواقيت، فالمتوكل من أراح نفسه من كد النظر ومطالعة السبب سكونا إلى ما سبق من القسمة مع استواء الحالين وهو أن يعلم أن الطلب لا ينفع والتوكل لا يمنع ومتى طلع بتوكله عوضا كان توكله مدخولا وقصده معلولا وإذا خلص من رق الأسباب ولم يلاحظ في توكله سوى خالص حق الله تعالى كفاه الله تعالى كل مهم. وبين العلامة الطيبي إن في قوله تعالى: «وتوكل» إلخ إشارة إلى المراتب الثلاث بما فيه خفاء.
وفي مصاحف أهل المدينة والشام «فتوكل» بالفاء وبه قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر وشيبة وخرج على الإبدال من جواب الشرط. وجعل في الكشاف الفاء للعطف وما بعده معطوفا على فَقُلْ أو فَلا تَدْعُ وما ذكر أولا أظهر الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ
أي إلى الصلاة وَتَقَلُّبَكَ أي ويرى سبحانه تغيرك من حال كالجلوس والسجود إلى آخر كالقيام فِي السَّاجِدِينَ أي فيما بين المصلين إذا أممتهم، وعبر عنهم بالساجدين لأن السجود حالة مزيد قرب العبد من ربه عز وجل وهو أفضل الأركان على ما نص عليه جمع من الأئمة، وتفسير هذه الجملة بما ذكر مروي عن ابن عباس وجماعة من المفسرين إلا أن منهم من قال: المراد حين تقوم إلى الصلاة بالناس جماعة، وقيل: المعنى يراك حين تقوم للتهجد ويرى تقلبك أي ذهابك ومجيئك فيما بين المتهجدين لتتصفح أحوالهم وتطلع عليهم من حيث لا يشعرون وتستبطن سرائرهم وكيف يعملون لآخرتهم كما روى أنه لما نسخ فرض قيام الليل طاف صلّى الله تعالى عليه وسلّم تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون حرصا على كثرة طاعاتهم فوجدها كبيوت النحل لما سمع لها من دندنتهم بذكر الله تعالى والتلاوة. وعن مجاهد أن المراد بقوله سبحانه: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ تقلب بصره عليه الصلاة والسلام فيمن يصلي خلفه فإنه صلّى الله تعالى عليه وسلّم كان يرى من خلفه،
ففي صحيح البخاري عن أنس قال: «أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم وتراصوا فإني أراكم من وراء ظهري».
وفي رواية أبي داود عن أبي هريرة أن النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم كان يقول: «استووا استووا استووا والذي نفسي بيده إني لأراكم من خلفي كما أراكم من بين يدي»
ولا يخفى بعد حمل ما في الآية على ما ذكر.
وقيل: المراد بالساجدين المؤمنون، والمعنى يراك حين تقوم لأداء الرسالة ويرى تقلبك وترددك فيما بين المؤمنين أو معهم فيما فيه إعلان أمر الله تعالى وإعلاء كلمته سبحانه، وتفسير الساجدين بالمؤمنين مروي عن ابن عباس وقتادة إلا أن كون المعنى ما ذكر لا يخلو عن خفاء.
134
وعن ابن جبير أن المراد بهم الأنبياء عليهم السلام، والمعنى ويرى تقلبك كما يتقلب غيرك من الأنبياء عليهم السلام في تبليغ ما أمروا بتبليغه وهو كما ترى، وتفسير الساجدين بالأنبياء رواه جماعة منهم الطبراني والبزار وأبو نعيم عن ابن عباس أيضا إلا أنه رضي الله تعالى عنه فسر التقلب فيهم بالتنقل في أصلابهم حتى ولدته أمه عليه الصلاة والسلام، وجوز على حمل التقلب على التنقل في الأصلاب أن يراد بالساجدين المؤمنون، واستدل بالآية على إيمان أبويه صلّى الله تعالى عليه وسلّم كما ذهب إليه كثير من أجلة أهل السنة، وأنا أخشى الكفر على من يقول فيهما رضي الله تعالى عنهما على رغم أنف على القارئ وأضرابه بضد ذلك إلا أني لا أقول بحجية الآية على هذا المطلب، ورؤية الله تعالى انكشاف لائق بشأنه عز شأنه غير الانكشاف العلمي ويتعلق بالموجود والمعدوم الخارجي عند العارفين، وقالوا: إن رؤية الله تعالى للمعدوم نظير رؤية الشخص القيامة ونحوها في المنام وكثير من المتكلمين أنكروا تعلقها بالمعدوم، ومنهم من أرجعها إلى صفة العلم وتحقيق ذلك في محله، وفي وصفه تعالى برؤيته حاله صلّى الله عليه وسلّم التي بها يستأهل ولايته بعد وصفه بما تقدم تحقيق للتوكل وتوطين لقلبه الشريف عليه الصلاة والسلام عليه.
وقرأ جناح بن حبيش «ويقلّبك» مضارع قلب مشددا وخرج ذلك أبو حيان على العطف على يراك وجوز العطف على تَقُومُ
. وفي الكلام على هذه القراءة إشارة إلى وقوع تقلبه صلّى الله عليه وسلّم في الساجدين على وجه الكمال وكمال التقلب في الصلاة كونه بخشوع يغفل معه عما سوى الله تعالى إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ بكل ما يصح تعلق السمع به ويندرج فيه ما يقوله صلّى الله عليه وسلّم الْعَلِيمُ بكل ما يصح تعلق العلم به ويندرج فيه ما يعمله أو ينويه عليه الصلاة والسلام، وفي الجملة الاسمية إشارة إلى أنه سبحانه متصف بما ذكر أزلا وأبدا ولا توقف لذلك على وجود المسموعات والمعلومات في الخارج، والحصر فيها حقيقي أي هو تعالى كذلك لا غيره سبحانه وتعالى.
وكأن الجملة متعلقة بالجملتين الواقعتين في حيز الجزاء جيء بها للتح ريض على القول السابق والتوكل، وجوز أن تكون متعلقة بما في حيز الصلة والمراد منها التحريض على إيقاع الأقوال والأفعال التي في الصلاة على أكمل وجه فتأمل.
وقوله تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ إلخ مسوق لبيان استحالة تنزل الشياطين على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد بيان امتناع تنزلهم بالقرآن، وهذه الجملة وقوله تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ إلخ وقوله سبحانه:
وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ إلخ أخوات وفرق بينهن بآيات ليست في معناهن ليرجع إلى المجيء بهن وتطرية ذكر ما فيهن كرة بعد كرة فيدل بذلك على أن المعنى الذي نزلن فيه من المعاني التي اشتدت عناية الله تعالى بها، ومثاله أن يحدث الرجل بحديث وفي صدره اهتمام بشيء منه وفضل عناية فتراه يعيد ذكره ولا ينفك عن الرجوع إليه، والاستفهام للتقرير وعَلى مَنْ متعلق بتنزل قدم عليه لصدارة المجرور وتقديم الجار لا يضر كما بين في النحو، وقال الزمخشري في ذلك: إن من متضمنة معنى الاستفهام وليس معنى التضمن أن الاسم دل على معنيين معا معنى الاسم ومعنى الحرف وإنما معناه أن الأصل أمن فحذف حرف الاستفهام واستمر الاستعمال على حذفه كما حذف من هل والأصل أهل كما قال:
فإذا أدخلت حرف الجر على من فقدر الهمزة قبل حرف الجر في ضميرك كأنك تقول: أعلى من تنزل الشياطين كقولك: أعلى زيد مررت اه. وتعقبه صاحب الفرائد بقوله: يشكل ما ذكر بقولهم: من أين أنت ومن أين جئت وقوله تعالى: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [عبس: ١٨] وقوله فيم: وبم ومم وحتام ونحوها. وأجاب صاحب
وقرأ جناح بن حبيش «ويقلّبك» مضارع قلب مشددا وخرج ذلك أبو حيان على العطف على يراك وجوز العطف على تَقُومُ
. وفي الكلام على هذه القراءة إشارة إلى وقوع تقلبه صلّى الله عليه وسلّم في الساجدين على وجه الكمال وكمال التقلب في الصلاة كونه بخشوع يغفل معه عما سوى الله تعالى إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ بكل ما يصح تعلق السمع به ويندرج فيه ما يقوله صلّى الله عليه وسلّم الْعَلِيمُ بكل ما يصح تعلق العلم به ويندرج فيه ما يعمله أو ينويه عليه الصلاة والسلام، وفي الجملة الاسمية إشارة إلى أنه سبحانه متصف بما ذكر أزلا وأبدا ولا توقف لذلك على وجود المسموعات والمعلومات في الخارج، والحصر فيها حقيقي أي هو تعالى كذلك لا غيره سبحانه وتعالى.
وكأن الجملة متعلقة بالجملتين الواقعتين في حيز الجزاء جيء بها للتح ريض على القول السابق والتوكل، وجوز أن تكون متعلقة بما في حيز الصلة والمراد منها التحريض على إيقاع الأقوال والأفعال التي في الصلاة على أكمل وجه فتأمل.
وقوله تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ إلخ مسوق لبيان استحالة تنزل الشياطين على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد بيان امتناع تنزلهم بالقرآن، وهذه الجملة وقوله تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ إلخ وقوله سبحانه:
وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ إلخ أخوات وفرق بينهن بآيات ليست في معناهن ليرجع إلى المجيء بهن وتطرية ذكر ما فيهن كرة بعد كرة فيدل بذلك على أن المعنى الذي نزلن فيه من المعاني التي اشتدت عناية الله تعالى بها، ومثاله أن يحدث الرجل بحديث وفي صدره اهتمام بشيء منه وفضل عناية فتراه يعيد ذكره ولا ينفك عن الرجوع إليه، والاستفهام للتقرير وعَلى مَنْ متعلق بتنزل قدم عليه لصدارة المجرور وتقديم الجار لا يضر كما بين في النحو، وقال الزمخشري في ذلك: إن من متضمنة معنى الاستفهام وليس معنى التضمن أن الاسم دل على معنيين معا معنى الاسم ومعنى الحرف وإنما معناه أن الأصل أمن فحذف حرف الاستفهام واستمر الاستعمال على حذفه كما حذف من هل والأصل أهل كما قال:
سائل فوارس يربوع بشدتنا | أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم |
135
الكشف بأنه لا إشكال في نحو من أين أنت؟ لأن التقدير أمن البصرة أم من الكوفة مثلا ولا يخفى أنه لا يحتاج على ما حققه النحاة إلى جميع ذلك، وجملة عَلى مَنْ تَنَزَّلُ إلخ في موضع نصب بأنبئكم لأنه معلق بالاستفهام وهي إما سادة مسد المفعول الثاني إن قدرت الفعل متعديا لاثنين ومسد مفعولين إن قدرته متعديا لثلاثة، والمراد هل أعلمكم جواب هذا الاستفهام- أعني على من تنزل الشياطين- وأصل تنزل تتنزل فحذف إحدى التاءين. والكلام على معنى القول عند أبي حيان كأنه قيل: قل يا محمد هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أي كثير الإفك وهو الكذب أَثِيمٍ كثير الإثم، وكُلِّ للتكثير وجوز أن تكون للإحاطة ولا بعد في تنزلها على كل كامل في الإفك والإثم كالكهنة نحو شق بن رهم بن نذير وسطيح بن ربيعة بن عدي، والمراد بواسطة التخصيص في معرض البيان أو السياق أو مفهوم المخالفة عند القائل به قصر تنزلهم على كل من اتصف بما ذكر من الصفات وتخصيص له بهم لا يتخطاهم إلى غيرهم وحيث كانت ساحة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منزهة عن أن يحوم حولها شائبة شيء من تلك الأوصاف اتضح استحالة تنزلهم عليه عليه الصلاة والسلام يُلْقُونَ أي الأفاكون السَّمْعَ أي سمعهم إلى الشياطين، وإلقاء السمع مجاز عن شدة الإصغاء للتلقي فكأنه قيل: يصغون أشد إصغاء إلى الشياطين فيتلقون منهم ما يتلقون وَأَكْثَرُهُمْ أي الأفاكين كاذِبُونَ فيما يقولونه من الأقاويل، والأكثرية باعتبار أقوالهم على معنى أن هؤلاء قلما يصدقون في أقوالهم وإنما هم في أكثرها كاذبون ومآله وأكثر أقوالهم كاذبة لا باعتبار ذواتهم حتى يلزم من نسبة الكذب إلى أكثرهم كون أقلهم صادقين على الإطلاق ويلتزم لذلك كون الأكثر بمعنى الكل.
وليس معنى الأفاك من لا ينطق إلا بالإفك حتى يمتنع منه الصدق بل من يكثر الإفك فلا ينافيه أن يصدق نادرا في بعض الأحايين، وجوز أن يكون السمع بمعنى المسموع وإلقاؤه مجاز عن ذكره أن يلقى الأفاكون إلى الناس المسموع من الشياطين وأكثرهم كاذبون فيما يحكون عن الشياطين ولم يرتضه بعضهم لبعده أو لقلة جدواه على ما قيل. واختلف في سبب كون أكثر أقوالهم كاذبة فقيل: هو بعد البعثة كونهم يتلقون منهم ظنونا وأمارات إذ ليس لهم من علم الغيب نصيب وهم محجوبون عن خبر السماء ولعدم صفاء نفوسهم قلما تصدق ظنونهم مع ذلك يضم الأفاكون إليها لعدم وفائها بمرادهم على حسب تخيلاتهم أشياء لا يطابق أكثرها الواقع، وقبل البعثة إذ كانوا غير محجوبين عن خبر السماء وكانوا يسمعون من الملائكة عليهم السلام ما يسمعونه من الأخبار الغيبية يحتمل أن يكون كثرة غلط الأفاكين في الفهم لقصور فهمهم عنهم، ويحتمل أن يكون ضمهم إلى ما يفهمونه من الحق أشياء من عند أنفسهم لا يطابق أكثرها الواقع، ويحتمل أن يكون كثرة غلط الشياطين الذين يوجون إليهم في الفهم عن الملائكة عليهم السلام لقصور فهمهم عنهم، ويحتمل أن يكون ضم الشياطين إلى ما يفهمونه من الحق من الملائكة عليهم السلام أشياء من عند أنفسهم لا يطابق أكثرها الواقع، ويحتمل أن يكون مجموع ما ذكر. وقيل: هو قبل البعثة يحتمل أن يكون أحد هذه الأمور وأما بعد البعثة فهو كثرة خلطهم الكذب فيما تخطفه الشياطين عند استراقهم السمع من الملائكة ويلقونه إليهم.
فقد أخرج البخاري ومسلم وابن مردويه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «سأل أناس النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الكهان فقال: إنهم ليسوا بشيء فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا قال: تلك الكلمة من الحق (١) يحفظها الجني فيقذفها في أذن وليه فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة
، وقيل: هو قبل البعثة وبعدها كثرة
وليس معنى الأفاك من لا ينطق إلا بالإفك حتى يمتنع منه الصدق بل من يكثر الإفك فلا ينافيه أن يصدق نادرا في بعض الأحايين، وجوز أن يكون السمع بمعنى المسموع وإلقاؤه مجاز عن ذكره أن يلقى الأفاكون إلى الناس المسموع من الشياطين وأكثرهم كاذبون فيما يحكون عن الشياطين ولم يرتضه بعضهم لبعده أو لقلة جدواه على ما قيل. واختلف في سبب كون أكثر أقوالهم كاذبة فقيل: هو بعد البعثة كونهم يتلقون منهم ظنونا وأمارات إذ ليس لهم من علم الغيب نصيب وهم محجوبون عن خبر السماء ولعدم صفاء نفوسهم قلما تصدق ظنونهم مع ذلك يضم الأفاكون إليها لعدم وفائها بمرادهم على حسب تخيلاتهم أشياء لا يطابق أكثرها الواقع، وقبل البعثة إذ كانوا غير محجوبين عن خبر السماء وكانوا يسمعون من الملائكة عليهم السلام ما يسمعونه من الأخبار الغيبية يحتمل أن يكون كثرة غلط الأفاكين في الفهم لقصور فهمهم عنهم، ويحتمل أن يكون ضمهم إلى ما يفهمونه من الحق أشياء من عند أنفسهم لا يطابق أكثرها الواقع، ويحتمل أن يكون كثرة غلط الشياطين الذين يوجون إليهم في الفهم عن الملائكة عليهم السلام لقصور فهمهم عنهم، ويحتمل أن يكون ضم الشياطين إلى ما يفهمونه من الحق من الملائكة عليهم السلام أشياء من عند أنفسهم لا يطابق أكثرها الواقع، ويحتمل أن يكون مجموع ما ذكر. وقيل: هو قبل البعثة يحتمل أن يكون أحد هذه الأمور وأما بعد البعثة فهو كثرة خلطهم الكذب فيما تخطفه الشياطين عند استراقهم السمع من الملائكة ويلقونه إليهم.
فقد أخرج البخاري ومسلم وابن مردويه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «سأل أناس النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الكهان فقال: إنهم ليسوا بشيء فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا قال: تلك الكلمة من الحق (١) يحفظها الجني فيقذفها في أذن وليه فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة
، وقيل: هو قبل البعثة وبعدها كثرة
(١) ورواية من الجن بجيم ونون بدله رواية صحيحة اهـ منه بزيادة.
136
خلط الأفاكين الكذب فيما يتلقونه من الشياطين، أما كثرته قبل البعثة فلظاهر الخبر المذكور، وأما كثرته بعد البعثة فلما أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة أنه قال في هذه الآية: كانت الشياطين تصعد إلى السماء فتستمع ثم تنزل إلى الكهنة فتخبرهم فتحدث الكهنة بما أنزلت به الشياطين من السمع وتخلط به الكهنة كذبا كثيرا فيحدثون به الناس فأما ما كان من سمع السماء فيكون حقا وأما ما خلطوه به من الكذب فيكون كذبا، ولا يخفى أن القول بأن الشياطين بعد البعثة يلقون ما يسترقونه من السمع إلى الكهنة غير مجمع عليه، ومن القائلين به من يجوز أن يكون ضمير يُلْقُونَ في الآية راجعا إلى الشياطين، والمعنى يلقي الشياطين المسموع من الملأ الأعلى قبل أن يرجموا من بعض المغيبات إلى أوليائهم وأكثرهم كاذبون فيما يوحون به إليهم، إذ لا يسمعونهم على نحو ما تكلمت به الملائكة عليهم السلام لشرارتهم أو لقصور فهمهم أو ضبطهم أو إفهامهم، وقيل:
المعنى عليه ينصت الشياطين ويستمعون إلى الملأ الأعلى قبل الرجم وأكثرهم كاذبون فيما يوحون به إلى أوليائهم بعد لشرارتهم أو لأنهم لا يسمعون في أنفسهم أو لا يسمعون أولياءهم بعد ذلك السمع كلام الملائكة عليهم السلام على وجهه، وجملة يُلْقُونَ على تقدير كون الضمير للأفاكين صفة لِكُلِّ أَفَّاكٍ لأنه في معنى الجمع سواء أريد بإلقاء السمع الإصغاء إلى الشياطين أو إلقاء المسموع إلى الناس، وجوز أن تكون استئنافا إخبارا لحالهم على كلا التقديرين لما أن كلا من تلقيهم من الشياطين وإلقائهم إلى الناس يكون بعد التنزل، واستظهر تقدير المبتدأ على هذا، وأن تكون استئنافا مبنيا على السؤال كأنه قيل: ما يفعلون عند تنزل الشياطين أو ما يفعلون بعد تنزلهم؟ فقيل: يلقون إليهم أسماعهم ليحفظوا ما يوحون به إليهم أو يلقون ما يسمعونه منهم إلى الناس، وجوز أن تكون حالا منتظرة على التقديرين أيضا.
وهي على تقدير كون الضمير للشياطين، والمعنى ما سمعت أولا قيل: تحتمل أن تكون استئنافا مبينا للغرض من التنزل مبنيا على السؤال عنه كأنه قيل لم تنزل عليهم؟ فقيل: يلقون إليهم ما سمعوه، وأن تكون حالا منتظرة من ضمير الشياطين أي تنزل على كل أفاك أثيم ملقين ما يسمعونه من الملأ الأعلى إليهم وعلى ذلك التقدير والمعنى ما سمعت ثانيا قيل: لا يجوز أن تكون استئنافا نظير ما ذكر آنفا ولا أن تكون حالا أيضا لأن الفاء السمع بمعنى الإنصات مقدم على التنزل المذكور فكيف يكون غرضا منه أو حالا مقارنة أو منتظرة ويتعين كونها استئنافا للإخبار بحالهم.
وتعقب بأنه غير سديد لأن ذكر حالهم السابقة على تنزلهم المذكور قبله غير خليق بجزالة التنزيل، ومن هنا قيل: إن جعل الضمير للشياطين وحمل إلقاء السمع على إنصاتهم وتسمعهم إلى الملأ الأعلى مما لا سبيل إليه وفيه نظر، وجملة أَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ استئنافية أو تحتمل الاستئنافية والحالية، هذا واعلم أن هاهنا إشكالا واردا على بعض الاحتمالات في الآية لأنها عليه تفيد أن الشياطين يسمعون من الملائكة عليهم السلام ما يسمعونه ويلقونه إلى الأفاكين. وقد تقدم ما يدل على منعهم عن السمع أعني قوله تعالى: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ [الشعراء: ٢١٢].
وأجيب بأن المراد بالسمع فيما تقدم السمع المعتد به وفيما هاهنا السمع في الجملة ويراد به الخطفة المذكورة في قوله سبحانه: إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ [الصافات: ١٠] والكلمة المذكورة في خبر الصحيحين وابن مردويه السابق آنفا، واعترض بأن من خطف لا يبقى حيا إلى أن يوصل ما خطفه إلى وليه لظاهر قوله تعالى: إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ فإن ظاهره أنه يهلك بالشهاب الذي لحقه.
وأجيب بأن نفي بقائه حيا غير مسلم، ولا نسلم أن الآية ظاهرة فيما ذكر إذ ليس فيها أكثر من اتباع الشهاب
المعنى عليه ينصت الشياطين ويستمعون إلى الملأ الأعلى قبل الرجم وأكثرهم كاذبون فيما يوحون به إلى أوليائهم بعد لشرارتهم أو لأنهم لا يسمعون في أنفسهم أو لا يسمعون أولياءهم بعد ذلك السمع كلام الملائكة عليهم السلام على وجهه، وجملة يُلْقُونَ على تقدير كون الضمير للأفاكين صفة لِكُلِّ أَفَّاكٍ لأنه في معنى الجمع سواء أريد بإلقاء السمع الإصغاء إلى الشياطين أو إلقاء المسموع إلى الناس، وجوز أن تكون استئنافا إخبارا لحالهم على كلا التقديرين لما أن كلا من تلقيهم من الشياطين وإلقائهم إلى الناس يكون بعد التنزل، واستظهر تقدير المبتدأ على هذا، وأن تكون استئنافا مبنيا على السؤال كأنه قيل: ما يفعلون عند تنزل الشياطين أو ما يفعلون بعد تنزلهم؟ فقيل: يلقون إليهم أسماعهم ليحفظوا ما يوحون به إليهم أو يلقون ما يسمعونه منهم إلى الناس، وجوز أن تكون حالا منتظرة على التقديرين أيضا.
وهي على تقدير كون الضمير للشياطين، والمعنى ما سمعت أولا قيل: تحتمل أن تكون استئنافا مبينا للغرض من التنزل مبنيا على السؤال عنه كأنه قيل لم تنزل عليهم؟ فقيل: يلقون إليهم ما سمعوه، وأن تكون حالا منتظرة من ضمير الشياطين أي تنزل على كل أفاك أثيم ملقين ما يسمعونه من الملأ الأعلى إليهم وعلى ذلك التقدير والمعنى ما سمعت ثانيا قيل: لا يجوز أن تكون استئنافا نظير ما ذكر آنفا ولا أن تكون حالا أيضا لأن الفاء السمع بمعنى الإنصات مقدم على التنزل المذكور فكيف يكون غرضا منه أو حالا مقارنة أو منتظرة ويتعين كونها استئنافا للإخبار بحالهم.
وتعقب بأنه غير سديد لأن ذكر حالهم السابقة على تنزلهم المذكور قبله غير خليق بجزالة التنزيل، ومن هنا قيل: إن جعل الضمير للشياطين وحمل إلقاء السمع على إنصاتهم وتسمعهم إلى الملأ الأعلى مما لا سبيل إليه وفيه نظر، وجملة أَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ استئنافية أو تحتمل الاستئنافية والحالية، هذا واعلم أن هاهنا إشكالا واردا على بعض الاحتمالات في الآية لأنها عليه تفيد أن الشياطين يسمعون من الملائكة عليهم السلام ما يسمعونه ويلقونه إلى الأفاكين. وقد تقدم ما يدل على منعهم عن السمع أعني قوله تعالى: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ [الشعراء: ٢١٢].
وأجيب بأن المراد بالسمع فيما تقدم السمع المعتد به وفيما هاهنا السمع في الجملة ويراد به الخطفة المذكورة في قوله سبحانه: إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ [الصافات: ١٠] والكلمة المذكورة في خبر الصحيحين وابن مردويه السابق آنفا، واعترض بأن من خطف لا يبقى حيا إلى أن يوصل ما خطفه إلى وليه لظاهر قوله تعالى: إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ فإن ظاهره أنه يهلك بالشهاب الذي لحقه.
وأجيب بأن نفي بقائه حيا غير مسلم، ولا نسلم أن الآية ظاهرة فيما ذكر إذ ليس فيها أكثر من اتباع الشهاب
137
الثاقب إياه وهو يحتمل الزجر كما يحتمل الإهلاك فليرد اتباعه للزجر مع بقائه حيا فإن الخبر المذكور يقتضي بقاءه كذلك. وجاء عن ابن عباس أن الشياطين كانوا لا يحجبون عن السماوات وكانوا يدخلونها ويأتون بأخبارها فيلقون إلى الكهنة فلما ولد عيسى عليه السلام منعوا من ثلاث سماوات فلما ولد محمد صلّى الله عليه وسلّم منعوا من السماوات كلها فما منهم من أحد يريد استراق السمع إلا رمي بشهاب وهو الشعلة من النار فلا يخطىء أبدا فمنهم من يقتله ومنهم من يحرق وجهه ومنهم من يخبله فيصير غولا يضل الناس في البراري، وقيل: إن المراد بالسمع فيما تقدم سمع الوحي وفيما هنا سمع المغيبات غيره وهم غير ممنوعين عنه قبل البعثة وبعدها، وهذا مأخوذ من كلام عبد الرحمن بن خلدون في مقدمة تاريخه التي لم ينسج على منوالها وإن كان للطعن فيها مجال قال: إن الآيات إنما دلت على منع الشياطين من نوع واحد من أخبار السماء وهو ما يتعلق بخبر البعثة ولم يمنعوا مما سوى ذلك، بل ربما يقال: إن في كلامه بعد إشعارا ما بأن المنع إنما كان بين يدي النبوة فقط. لا قبل ذلك ولا بعده.
ولا يخفى أن الظواهر تشهد بمنعهم مطلقا إلى يوم القيامة، بل قد يدعي أن في الآيات ما يدل على أن حفظ السماء بالكواكب لم يحدث وإن خلقها لذلك وهو ظاهر في أنهم كانوا ممنوعين أيضا قبل ولادته صلّى الله تعالى عليه وسلّم من خبر السماء، ويشكل هذا على ظاهر العزل إلا أن يدعي أن المنع قبل لم يكن بمثابة المنع بعد فالعزل عما كان يجعل المنع شديدا بالنسبة إليه. وفي اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر لمولانا عبد الوهاب الشعراني عليه الرحمة الصحيح أن الشياطين ممنوعون من السمع منذ بعث رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم إلى يوم القيامة وبتقدير استراقهم فلا يتوصلون إلى الإنس ليخبروهم بما استرقوه بل تحرقهم الشهب وتفنيهم انتهى.
قيل ويلزم القائلين بهذا حمل ما في خبر الصحيحين على كهان كانوا قبل البعثة وقد أدركهم السائلون وهو الذي يقتضيه كلام القاضي أيضا. فقد نقل النووي عنه في شرحه صحيح مسلم أنه قال: كانت الكهانة في العرب ثلاثة أضرب، أحدها أن يكون للإنسان ولي من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء وهذا القسم بطل من حين بعث نبينا صلّى الله تعالى عليه وسلّم إلى آخر ما قال. وهو ظاهر كلام البوصيري حيث يقول:
وقد قيل في الجواب عن الإشكال نحو هذا وهو أن تنزل الشياطين وإلقاءهم ما يسمعونه من السماء إلى أوليائهم حسبما تفيده الآية المذكورة في أحد محاملها إنما كان قبل البعثة حيث لم يكن حينئذ منع أو كان لكنه لم يكن شديدا. والمنع من السمع الذي يفيده قوله تعالى: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ إنما كان بعد البعثة وكان على أتم وجه، وهذا مشكل عندي بابن الصياد وما كان منه فإنهم عدوه من الكهان، وقد صح أنه قال للنبي عليه الصلاة والسلام حين سأله عن أمره: يأتيني صادق وكاذب وأن النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم امتحنه فأضمر له آية الدخان وهي قوله تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ [الدخان: ١٠]
وقال صلّى الله عليه وسلم: خبأت لك خبأ
فقال ابن الصياد: هو الدخ أي الدخان وهي لغة فيه كما ذهب إليه الجمهور
فقال له النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم: «اخسأ فلن تعدو قدرك».
وقد قال القاضي كما نقل النووي عنه أيضا: أصح الأقوال إنه لم يهتد من الآية التي أضمرها النبي عليه الصلاة
ولا يخفى أن الظواهر تشهد بمنعهم مطلقا إلى يوم القيامة، بل قد يدعي أن في الآيات ما يدل على أن حفظ السماء بالكواكب لم يحدث وإن خلقها لذلك وهو ظاهر في أنهم كانوا ممنوعين أيضا قبل ولادته صلّى الله تعالى عليه وسلّم من خبر السماء، ويشكل هذا على ظاهر العزل إلا أن يدعي أن المنع قبل لم يكن بمثابة المنع بعد فالعزل عما كان يجعل المنع شديدا بالنسبة إليه. وفي اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر لمولانا عبد الوهاب الشعراني عليه الرحمة الصحيح أن الشياطين ممنوعون من السمع منذ بعث رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم إلى يوم القيامة وبتقدير استراقهم فلا يتوصلون إلى الإنس ليخبروهم بما استرقوه بل تحرقهم الشهب وتفنيهم انتهى.
قيل ويلزم القائلين بهذا حمل ما في خبر الصحيحين على كهان كانوا قبل البعثة وقد أدركهم السائلون وهو الذي يقتضيه كلام القاضي أيضا. فقد نقل النووي عنه في شرحه صحيح مسلم أنه قال: كانت الكهانة في العرب ثلاثة أضرب، أحدها أن يكون للإنسان ولي من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء وهذا القسم بطل من حين بعث نبينا صلّى الله تعالى عليه وسلّم إلى آخر ما قال. وهو ظاهر كلام البوصيري حيث يقول:
بعث الله عند مبعثه الشه | ب حراسا وضاق عنها الفضاء |
تطرد الجن عن مقاعد للسم | ع كما يطرد الذئب الرعاء |
فمحت آية الكهانة آيا | ت من الوحي ما لهن انمحاء |
وقال صلّى الله عليه وسلم: خبأت لك خبأ
فقال ابن الصياد: هو الدخ أي الدخان وهي لغة فيه كما ذهب إليه الجمهور
فقال له النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم: «اخسأ فلن تعدو قدرك».
وقد قال القاضي كما نقل النووي عنه أيضا: أصح الأقوال إنه لم يهتد من الآية التي أضمرها النبي عليه الصلاة
138
والسلام إلا لهذا اللفظ الناقص على عادة الكهان إذا ألقى الشيطان إليهم بقدر ما يخطف قبل أن يدركه الشهاب ويدل عليه
قوله صلّى الله تعالى عليه وسلم: «اخسأ فلن تعدو قدرك»
أي القدر الذي يدركه الكهان من الاهتداء إلى بعض الشيء وما لا يبين منه حقيقته ولا يصل به إلى بيان وتحقيق أمور الغيب، وقد يقال في دفع هذا الإشكال: إن ابن الصياد كان من الضرب الثاني من الكهان وهم الذين تخبرهم الشياطين بما يطرأ أو يكون في أقطار الأرض وما خفي عنهم مما قرب أو بعد، والصحيح جواز وجودهم بعد البعثة خلافا للمعتزلة وبعض المتكلمين حيث قالوا باستحالة وجود هذا الضرب، وكذا الضرب السابق آنفا، وأنه يحتمل أن يكون النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أسر إلى بعض أصحابه الذين كانوا معه ما أضمره أو كانت سورة الدخان مكتوبة في يده صلّى الله عليه وسلّم أو كتب الآية وحدها في يده عليه الصلاة والسلام، وكلا القولين الأخيرين حكاهما الداودي عن بعض العلماء كما في شرح صحيح مسلم.
وأيا ما كان يكون ابن الصياد قد أخبر بأمر طارئ تطلع عليه الشياطين بدون استراق السمع من السماء وليس ذلك من الإطلاع على ما في القلب في شيء، ومع ذلك لم يخبر به تاما بل أخبر به على نحو إخبار الكهان السابقين على زمن البعثة الذين هم من الضرب الأول في النقص.
ولعل مراد القاضي بقوله: إنه لم يهتد من الآية التي أضمرها صلّى الله عليه وسلّم إلا لهذا اللفظ الناقص على عادة الكهان إذا ألقى الشيطان إليهم بقدر ما يخطف إلخ تشبيه حاله مع أنه من الضرب الثاني بحال من تقدمه من الكهان الذين هم من الضرب الأول وإلا لأشكل كلامه هذا مع ما نقلناه عنه أولا كما لا يخفى، وكأنه يقول برجم المسترقين للسمع قبل البعثة أيضا إلا أنه لم يكن بمثابة ما كان بعد البعثة، وقد ذهب إلى هذا جمع من المحدثين.
ومن الناس من قال: إن الشيطان إذا خطف الخطفة فاتبعه شهاب ثاقب ألقى ما يخطفه إلى من تحته قبل أن يدركه الشهاب ثم إن من تحته يوصل ذلك إلى الكاهن ولا يكاد يصح ذلك، وقيل: إن ما يلقيه الشياطين إلى الكهنة بعد البعثة هو ما يسمعونه من الملائكة عليهم السلام في العنان وهو المراد بقوله تعالى: يُلْقُونَ السَّمْعَ وما هم ممنوعون عنه هو السمع من الملائكة عليهم السلام في السماء وهو المراد بقوله تعالى: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ واستدل لذلك بما
أخرجه البخاري وابن المنذر عن عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «الملائكة تحدث في العنان والعنان الغمام بالأمر في الأرض فيسمع الشيطان الكلمة فيقرها في أذن الكاهن كما يقر القارورة فيزيدون معها مائة كذبة
، ولا يخفى أنه ليس في الخبر تعرض للسمع من الملائكة عليهم السلام في السماء بالمعنى المعروف لا نفيا ولا إثباتا، وقد يختار القول بأن الشياطين إنما منعوا بعد البعثة عن سمع ما يعتد به من علم الغيب من ملائكة السماء أو العنان ومن خطف خطفة يعتد بها من ذلك اتبعه الشهاب وأهلكه ولم يدعه يوصلها بوجه من الوجوه إلى الكهنة، وأما سمع ما لا يعتد به فقد يقع لهم ويوصلونه إلى الكهنة فيخلطون به من الكذب ما يخلطون، فحيث حكم عليهم بالعزل عن السمع أريد بالسمع السمع الكامل المعتد به وحيث حكم عليهم بإلقاء السمع أريد بالسمع السمع في الجملة وأدنى ما يصدق عليه أنه سمع، والظاهر أن ما حصل لابن الصياد كان من هذا السمع ولا يكاد يعدل عن ذلك، ويقال: إنه كان من الضرب الثاني للكهانة إلا إن ثبت أحد الشقوق الثلاثة وفي ثبوت ذلك كلام، نعم
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «خبأت»
ظاهر في أن هناك ما يخبأ في كف أو كم أو نحوهما والآية ما لم تكتب لا تكون كذلك، ولهذا احتاج القائلون بأنه صلّى الله عليه وسلّم إنما أضمر له الآية في قلبه إلى تأويل خبأت بأضمرت. ويمكن أن يقال على بعد: إن الشياطين قد منعوا بعد البعثة عن السمع مطلقا بالشهب المحرقة لهم، وإرجاع ضمير يُلْقُونَ إلى الشياطين ضعيف لأن المقام في بيان من يتنزلون عليه لا بيان حالهم أو إلقاء سمعهم بمعنى إصغائهم إلى الملأ الأعلى وأَكْثَرُهُمْ
قوله صلّى الله تعالى عليه وسلم: «اخسأ فلن تعدو قدرك»
أي القدر الذي يدركه الكهان من الاهتداء إلى بعض الشيء وما لا يبين منه حقيقته ولا يصل به إلى بيان وتحقيق أمور الغيب، وقد يقال في دفع هذا الإشكال: إن ابن الصياد كان من الضرب الثاني من الكهان وهم الذين تخبرهم الشياطين بما يطرأ أو يكون في أقطار الأرض وما خفي عنهم مما قرب أو بعد، والصحيح جواز وجودهم بعد البعثة خلافا للمعتزلة وبعض المتكلمين حيث قالوا باستحالة وجود هذا الضرب، وكذا الضرب السابق آنفا، وأنه يحتمل أن يكون النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أسر إلى بعض أصحابه الذين كانوا معه ما أضمره أو كانت سورة الدخان مكتوبة في يده صلّى الله عليه وسلّم أو كتب الآية وحدها في يده عليه الصلاة والسلام، وكلا القولين الأخيرين حكاهما الداودي عن بعض العلماء كما في شرح صحيح مسلم.
وأيا ما كان يكون ابن الصياد قد أخبر بأمر طارئ تطلع عليه الشياطين بدون استراق السمع من السماء وليس ذلك من الإطلاع على ما في القلب في شيء، ومع ذلك لم يخبر به تاما بل أخبر به على نحو إخبار الكهان السابقين على زمن البعثة الذين هم من الضرب الأول في النقص.
ولعل مراد القاضي بقوله: إنه لم يهتد من الآية التي أضمرها صلّى الله عليه وسلّم إلا لهذا اللفظ الناقص على عادة الكهان إذا ألقى الشيطان إليهم بقدر ما يخطف إلخ تشبيه حاله مع أنه من الضرب الثاني بحال من تقدمه من الكهان الذين هم من الضرب الأول وإلا لأشكل كلامه هذا مع ما نقلناه عنه أولا كما لا يخفى، وكأنه يقول برجم المسترقين للسمع قبل البعثة أيضا إلا أنه لم يكن بمثابة ما كان بعد البعثة، وقد ذهب إلى هذا جمع من المحدثين.
ومن الناس من قال: إن الشيطان إذا خطف الخطفة فاتبعه شهاب ثاقب ألقى ما يخطفه إلى من تحته قبل أن يدركه الشهاب ثم إن من تحته يوصل ذلك إلى الكاهن ولا يكاد يصح ذلك، وقيل: إن ما يلقيه الشياطين إلى الكهنة بعد البعثة هو ما يسمعونه من الملائكة عليهم السلام في العنان وهو المراد بقوله تعالى: يُلْقُونَ السَّمْعَ وما هم ممنوعون عنه هو السمع من الملائكة عليهم السلام في السماء وهو المراد بقوله تعالى: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ واستدل لذلك بما
أخرجه البخاري وابن المنذر عن عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «الملائكة تحدث في العنان والعنان الغمام بالأمر في الأرض فيسمع الشيطان الكلمة فيقرها في أذن الكاهن كما يقر القارورة فيزيدون معها مائة كذبة
، ولا يخفى أنه ليس في الخبر تعرض للسمع من الملائكة عليهم السلام في السماء بالمعنى المعروف لا نفيا ولا إثباتا، وقد يختار القول بأن الشياطين إنما منعوا بعد البعثة عن سمع ما يعتد به من علم الغيب من ملائكة السماء أو العنان ومن خطف خطفة يعتد بها من ذلك اتبعه الشهاب وأهلكه ولم يدعه يوصلها بوجه من الوجوه إلى الكهنة، وأما سمع ما لا يعتد به فقد يقع لهم ويوصلونه إلى الكهنة فيخلطون به من الكذب ما يخلطون، فحيث حكم عليهم بالعزل عن السمع أريد بالسمع السمع الكامل المعتد به وحيث حكم عليهم بإلقاء السمع أريد بالسمع السمع في الجملة وأدنى ما يصدق عليه أنه سمع، والظاهر أن ما حصل لابن الصياد كان من هذا السمع ولا يكاد يعدل عن ذلك، ويقال: إنه كان من الضرب الثاني للكهانة إلا إن ثبت أحد الشقوق الثلاثة وفي ثبوت ذلك كلام، نعم
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «خبأت»
ظاهر في أن هناك ما يخبأ في كف أو كم أو نحوهما والآية ما لم تكتب لا تكون كذلك، ولهذا احتاج القائلون بأنه صلّى الله عليه وسلّم إنما أضمر له الآية في قلبه إلى تأويل خبأت بأضمرت. ويمكن أن يقال على بعد: إن الشياطين قد منعوا بعد البعثة عن السمع مطلقا بالشهب المحرقة لهم، وإرجاع ضمير يُلْقُونَ إلى الشياطين ضعيف لأن المقام في بيان من يتنزلون عليه لا بيان حالهم أو إلقاء سمعهم بمعنى إصغائهم إلى الملأ الأعلى وأَكْثَرُهُمْ
139
بمعنى كلهم والتعبير به للإشارة إلى أن الأكثرية المذكورة كافية في المقصود. والمراد يصغون ليسمعوا فلا يسمعون إلا أنه أقيم وأكثرهم كاذبون مقام لا يسمعون أو إلقاء السمع بمعنى إلقاء ما يسمعه الناس من الأفاكين إليهم ولا يلزم من ذلك أن يكونوا سمعوه من الملائكة عليهم السلام إذ يجوز أن يكونوا اخترعوه من عند أنفسهم ظنا وتخمينا وألقوه إلى أوليائهم ولا يبعد صدقهم في بعضه. والأمر في تسميته مسموعا هين. وما ورد في حديث الصحيحين وابن مردويه محمول على ما كان قبل البعثة، ويقال: إنهم كانوا يسمعون في الجملة وقد يحمل ما في الآية على ذلك وإليه ذهب بعضهم، وحمل خطف الكلمة فيه على حدسها بواسطة بعض الأوضاع الفلكية ونحو ذلك ليجوز اعتبار كونه بعد البعثة مما لا أظن أحدا يرتضيه، وليس في قصة ابن الصياد ما هو نص في أن ما قاله كان عن سمع من الملائكة عليهم السلام ألقاه الشيطان إليه. وكأني بك تستبعد تحدث الملائكة عليهم السلام في السماء بما أضمره صلّى الله تعالى عليه وسلّم وصعود الشياطين حين السؤال من غير ريث واستراقهم ونزولهم في أسرع وقت بما أجاب به ابن الصياد وما هو إلا ضرب من ضروب الكهانة.
وتحقيق أمرها على ما ذكره الفاضل عبد الرحمن بن خلدون أن للنفس الإنسانية استعدادا للانسلاخ عن البشرية إلى الروحانية التي فوقها. ويحصل من ذلك لمحة للبشر من صنف الأتقياء بما فطروا عليه من ذلك ولا يحتاجون فيه إلى اكتساب ولا استعانة بشيء من المدارك ولا من التصورات ولا من الأفعال البدنية كلاما أو حركة ولا بأمر من الأمور ويعطي التقسيم العقلي إن هاهنا صنفا آخر من البشر ناقصا عن رتبة هذا الصنف نقصان الضد عن ضده الكامل وهو صنف من البشر مفطور على أن تتحرك قوته العقلية حركتها الفكرية بالإرادة عند ما يتبعها النزوع لذلك وهي ناقصة عنه فيتشبث لأعمال الحيلة بأمور جزئية محسوسة أو متخيلة كالأجسام الشفافة وعظام الحيوان وسجع الكلام وما سنح من طير أو حيوان ويديم ذلك الإحساس والتخيل مستعينا به في ذلك الانسلاخ الذي يقصده ويكون كالمشيع له وهذه القوة التي هي مبدأ في هذا الصنف لذلك الإدراك هي الكهانة ولكون هذه النفوس مفطورة على النقص والقصور عن الكمال كان إدراكها الجزئيات أكثر من إدراكها الكليات وتكون مشتغلة بها غافلة عن الكليات ولذلك كثيرا ما تكون المتخيلة فيهم في غاية القوة وتكون الجزئيات عندها حاضرة عتيدة وهي لها كالمرآة تنظر فيها دائما ولا يقوى الكاهن على الكمال في إدراك المعقولات لأن نقصانه فطري ووحيه شيطاني، وأرفع أحوال هذا الصنف أن يستعين بالكلام الذي فيه السجع والموازنة ليشتغل به عن الحواس ويقوي في الجملة على ذلك الانسلاخ الناقص فيهجس في قلبه من تلك الحركة والذي يشيعها من ذلك الأجنبي ما يقذف على لسانه وربما صدق ووافق الحق وربما كذب لأنه يتمم أمر نقصه بأجنبي عن ذات المدارك ومباين لها غير ملائم فيعرض له الصدق والكذب جميعا ويكون غير موثوق به وربما يفزع إلى الظنون والتخمينات حرصا على الظفر بالإدراك بزعمه وتمويها على السائلين، ولما كان انسلاخ النبي عليه الصلاة والسلام عن البشرية واتصاله بالملأ الأعلى من غير مشيع ولا استعانة بأجنبي كان صادقا في جميع ما يأتي به وكان الصدق من خواص النبوة، ولهذا
قال صلّى الله عليه وسلّم لابن الصياد حين سأله كاشفا عن حاله بقوله عليه الصلاة والسلام: «كيف يأتيك هذا الأمر؟ فقال: يأتيني صادق وكاذب: خلط عليك الأمر»
يريد عليه الصلاة والسلام نفي النبوة عنه بالإشارة إلى أنها مما لا يعتبر فيه الكذب بحال، وإنما قيل: أرفع أحوال هذا الصنف السجع لأن معين السجع أخف من سائر المعينات من المرئيات والمسموعات وتدل خفة المعين على قرب ذلك الانسلاخ والاتصال والبعد فيه عن العجز في الجملة، ولا انحصار لعلوم الكهان فيما يكون من الشياطين بل كما تكون من الشياطين تكون من أنفسهم بانسلاخها انسلاخا غير تام واتصالها في الجملة بواسطة بعض الأسباب بعالم لا تحجب عنه الحوادث
وتحقيق أمرها على ما ذكره الفاضل عبد الرحمن بن خلدون أن للنفس الإنسانية استعدادا للانسلاخ عن البشرية إلى الروحانية التي فوقها. ويحصل من ذلك لمحة للبشر من صنف الأتقياء بما فطروا عليه من ذلك ولا يحتاجون فيه إلى اكتساب ولا استعانة بشيء من المدارك ولا من التصورات ولا من الأفعال البدنية كلاما أو حركة ولا بأمر من الأمور ويعطي التقسيم العقلي إن هاهنا صنفا آخر من البشر ناقصا عن رتبة هذا الصنف نقصان الضد عن ضده الكامل وهو صنف من البشر مفطور على أن تتحرك قوته العقلية حركتها الفكرية بالإرادة عند ما يتبعها النزوع لذلك وهي ناقصة عنه فيتشبث لأعمال الحيلة بأمور جزئية محسوسة أو متخيلة كالأجسام الشفافة وعظام الحيوان وسجع الكلام وما سنح من طير أو حيوان ويديم ذلك الإحساس والتخيل مستعينا به في ذلك الانسلاخ الذي يقصده ويكون كالمشيع له وهذه القوة التي هي مبدأ في هذا الصنف لذلك الإدراك هي الكهانة ولكون هذه النفوس مفطورة على النقص والقصور عن الكمال كان إدراكها الجزئيات أكثر من إدراكها الكليات وتكون مشتغلة بها غافلة عن الكليات ولذلك كثيرا ما تكون المتخيلة فيهم في غاية القوة وتكون الجزئيات عندها حاضرة عتيدة وهي لها كالمرآة تنظر فيها دائما ولا يقوى الكاهن على الكمال في إدراك المعقولات لأن نقصانه فطري ووحيه شيطاني، وأرفع أحوال هذا الصنف أن يستعين بالكلام الذي فيه السجع والموازنة ليشتغل به عن الحواس ويقوي في الجملة على ذلك الانسلاخ الناقص فيهجس في قلبه من تلك الحركة والذي يشيعها من ذلك الأجنبي ما يقذف على لسانه وربما صدق ووافق الحق وربما كذب لأنه يتمم أمر نقصه بأجنبي عن ذات المدارك ومباين لها غير ملائم فيعرض له الصدق والكذب جميعا ويكون غير موثوق به وربما يفزع إلى الظنون والتخمينات حرصا على الظفر بالإدراك بزعمه وتمويها على السائلين، ولما كان انسلاخ النبي عليه الصلاة والسلام عن البشرية واتصاله بالملأ الأعلى من غير مشيع ولا استعانة بأجنبي كان صادقا في جميع ما يأتي به وكان الصدق من خواص النبوة، ولهذا
قال صلّى الله عليه وسلّم لابن الصياد حين سأله كاشفا عن حاله بقوله عليه الصلاة والسلام: «كيف يأتيك هذا الأمر؟ فقال: يأتيني صادق وكاذب: خلط عليك الأمر»
يريد عليه الصلاة والسلام نفي النبوة عنه بالإشارة إلى أنها مما لا يعتبر فيه الكذب بحال، وإنما قيل: أرفع أحوال هذا الصنف السجع لأن معين السجع أخف من سائر المعينات من المرئيات والمسموعات وتدل خفة المعين على قرب ذلك الانسلاخ والاتصال والبعد فيه عن العجز في الجملة، ولا انحصار لعلوم الكهان فيما يكون من الشياطين بل كما تكون من الشياطين تكون من أنفسهم بانسلاخها انسلاخا غير تام واتصالها في الجملة بواسطة بعض الأسباب بعالم لا تحجب عنه الحوادث
140
المستقبلة وغيرها فانقطاع خبر السماء بعد البعثة عن الشياطين بالرجم إن سلم لا يدل على انقطاع الكهانة.
ثم إن هؤلاء الكهان إذا عاصروا زمن النبوة فإنهم عارفون بصدق النبي ودلالة معجزته لأن لهم بعض الوجدان من أمر النبوة ولا يصدهم عن الإيمان ويدعوهم إلى العناد إلا وساوس المطامع بحصول النبوة لهم كما وقع لامية ابن أبي الصلت فإنه كان يطمع أن يكون نبيا وكذا وقع لابن الصياد ومسيلمة وغيرهما، وربما تنقطع تلك الأماني فيؤمنون أحسن إيمان كما وقع لطليحة الأسدي. وقارب بن الأسود وكان لهما في الفتوحات الإسلامية من الآثار ما يشهد بحسن الإيمان، وذكر في بيان استعداد بعض الأشخاص أعم من أن يكونوا كهانا أو غيرهم للإخبار بالأمور الغيبية قبل ظهورها كلاما طويلا، حاصلة أن النفس الإنسانية ذات روحانية ولها بذاتها الإدراك من غير واسطة لكنها محجوبة عنه بالانغماس في البدن والحواس وشواغلها لأن الحواس أبدا جاذبة لها إلى الظاهر بما فطرت عليه من الإدراك الجسماني وربما تنغمس عن الظاهر إلى الباطن فيرتفع حجاب البدن لحظة إما بالخاصة التي هي للإنسان على الإطلاق مثل النوم أو بالخاصة الموجودة في بعض الأشخاص كالكهنة أهل السجع وأهل الطرق بالحصى والنوى والناظرين في الأجسام الشفافة من المرايا والمياه وقلوب الحيوانات وأكبادها وعظامها وقد يلحق بهم المجانين أو بالرياضة الدينية مثل أهل الكشف من الصوفية أو السحرية مثل أهل الكشف من الجوكية فتلتفت حينئذ إلى الذوات التي فوقها من الملأ الأعلى لما بين أفقها وأفقهم من الاتصال في الوجود وتلك الذوات إدراك محض وعقول بالفعل وفيها صور الموجودات وحقائقها كما قرر في محله فيتجلى فيها شيء من تلك الصور وتقتبس منها علما، وربما وقعت تلك الصور المدركة إلى الخيال فيصرفها في القوالب المتعادة ثم تراجع الحس بما أدركت إما مجردا أو في قوالبه فتخبر به انتهى، ولا يخفى أن فيه ذهابا إلى ما يقوله الفلاسفة في الملأ الأعلى وكثيرا ما يسمونه عالم المجردات وقد يسمونه عالم العقول وهي محصورة في المشهور عنهم في عشرة ولا دليل لهم على هذا الحصر ولذا قال بعض متأخريهم بأنها لا تكاد تحصى، وللمتكلمين والمحققين من السلف في ذلك كلام لا يتسع هذا الموضع لذكره، وأنا أقول ولا ينكره إلا جهول: لله عز وجل خواص في الأزمنة والأمكنة والأشخاص ولا يبعد بعد انقطاع خبر السماء عن الشياطين بالرجم أن يجعل لبعض النفوس الإنسانية خاصية التكلم بما يصدق كلا أو بعضا مع اطلاع وكشف يفيد العلم بما أخبر به أو بدون ذلك بأن ينطقه سبحانه بشيء فيتكلم به من غير علم بالمخبر به ويوافق الواقع.
وقد اتفق لي ذلك وعمري نحو خمس سنين وذلك أني رجعت من الكتاب إلى البيت وشرعت ألعب فيه على عادة الأطفال فنهتني والدتي رحمها الله تعالى عن ذلك وأمرتني بالنوم لأستيقظ صباحا فأذهب إلى الكتاب فقلت لها:
غدا يقتل الوزير ولا أذهب إلى الكتاب وهو مما لا يكاد يمر بفكر فلم تلتفت إلى ذلك وأنامتني فلما أصبحت تأهبت للذهاب فجاء ابن أخت لها وأسر إليها كلاما لم أسمعه فتغير حالها ومنعتني عن الذهاب ولا أدري لم ذلك فأردت الخروج إلى الدرب لألعب مع أمثالي فمنعتني أيضا فقعدت وهي مضطربة البال تطلب أحدا يخبرها عن حال والدي عليه الرحمة حيث ذهب قبيل طلوع الشمس إلى المدرسة فخرجت إلى الدرب على حين غفلة منها فوجدت الناس بين راكض ومسرع يتحدثون بأن الوزير قتله بعض خدمه وهو في صلاة الفجر فرجعت إليها مسرعا مسرورا بصدق كلامي وكنت قد أنسيته ولم يخطر ببالي حتى سمعت الناس يتحدثون بذلك. وفي اليواقيت والجواهر للشعراني عليه الرحمة في بحث الفرق بين المعجزة والكهانة أن الكهانة كلمات تجري على لسان الكاهن ربما توافق وربما تخالف وفيه شمة مما ذكرنا هذا والله تعالى أعلم.
والظاهر على ما قيل أن قوله تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ إلخ كلام مسوق منه تعالى لبيان تنزيه النبي صلّى الله عليه وسلّم عن أن
ثم إن هؤلاء الكهان إذا عاصروا زمن النبوة فإنهم عارفون بصدق النبي ودلالة معجزته لأن لهم بعض الوجدان من أمر النبوة ولا يصدهم عن الإيمان ويدعوهم إلى العناد إلا وساوس المطامع بحصول النبوة لهم كما وقع لامية ابن أبي الصلت فإنه كان يطمع أن يكون نبيا وكذا وقع لابن الصياد ومسيلمة وغيرهما، وربما تنقطع تلك الأماني فيؤمنون أحسن إيمان كما وقع لطليحة الأسدي. وقارب بن الأسود وكان لهما في الفتوحات الإسلامية من الآثار ما يشهد بحسن الإيمان، وذكر في بيان استعداد بعض الأشخاص أعم من أن يكونوا كهانا أو غيرهم للإخبار بالأمور الغيبية قبل ظهورها كلاما طويلا، حاصلة أن النفس الإنسانية ذات روحانية ولها بذاتها الإدراك من غير واسطة لكنها محجوبة عنه بالانغماس في البدن والحواس وشواغلها لأن الحواس أبدا جاذبة لها إلى الظاهر بما فطرت عليه من الإدراك الجسماني وربما تنغمس عن الظاهر إلى الباطن فيرتفع حجاب البدن لحظة إما بالخاصة التي هي للإنسان على الإطلاق مثل النوم أو بالخاصة الموجودة في بعض الأشخاص كالكهنة أهل السجع وأهل الطرق بالحصى والنوى والناظرين في الأجسام الشفافة من المرايا والمياه وقلوب الحيوانات وأكبادها وعظامها وقد يلحق بهم المجانين أو بالرياضة الدينية مثل أهل الكشف من الصوفية أو السحرية مثل أهل الكشف من الجوكية فتلتفت حينئذ إلى الذوات التي فوقها من الملأ الأعلى لما بين أفقها وأفقهم من الاتصال في الوجود وتلك الذوات إدراك محض وعقول بالفعل وفيها صور الموجودات وحقائقها كما قرر في محله فيتجلى فيها شيء من تلك الصور وتقتبس منها علما، وربما وقعت تلك الصور المدركة إلى الخيال فيصرفها في القوالب المتعادة ثم تراجع الحس بما أدركت إما مجردا أو في قوالبه فتخبر به انتهى، ولا يخفى أن فيه ذهابا إلى ما يقوله الفلاسفة في الملأ الأعلى وكثيرا ما يسمونه عالم المجردات وقد يسمونه عالم العقول وهي محصورة في المشهور عنهم في عشرة ولا دليل لهم على هذا الحصر ولذا قال بعض متأخريهم بأنها لا تكاد تحصى، وللمتكلمين والمحققين من السلف في ذلك كلام لا يتسع هذا الموضع لذكره، وأنا أقول ولا ينكره إلا جهول: لله عز وجل خواص في الأزمنة والأمكنة والأشخاص ولا يبعد بعد انقطاع خبر السماء عن الشياطين بالرجم أن يجعل لبعض النفوس الإنسانية خاصية التكلم بما يصدق كلا أو بعضا مع اطلاع وكشف يفيد العلم بما أخبر به أو بدون ذلك بأن ينطقه سبحانه بشيء فيتكلم به من غير علم بالمخبر به ويوافق الواقع.
وقد اتفق لي ذلك وعمري نحو خمس سنين وذلك أني رجعت من الكتاب إلى البيت وشرعت ألعب فيه على عادة الأطفال فنهتني والدتي رحمها الله تعالى عن ذلك وأمرتني بالنوم لأستيقظ صباحا فأذهب إلى الكتاب فقلت لها:
غدا يقتل الوزير ولا أذهب إلى الكتاب وهو مما لا يكاد يمر بفكر فلم تلتفت إلى ذلك وأنامتني فلما أصبحت تأهبت للذهاب فجاء ابن أخت لها وأسر إليها كلاما لم أسمعه فتغير حالها ومنعتني عن الذهاب ولا أدري لم ذلك فأردت الخروج إلى الدرب لألعب مع أمثالي فمنعتني أيضا فقعدت وهي مضطربة البال تطلب أحدا يخبرها عن حال والدي عليه الرحمة حيث ذهب قبيل طلوع الشمس إلى المدرسة فخرجت إلى الدرب على حين غفلة منها فوجدت الناس بين راكض ومسرع يتحدثون بأن الوزير قتله بعض خدمه وهو في صلاة الفجر فرجعت إليها مسرعا مسرورا بصدق كلامي وكنت قد أنسيته ولم يخطر ببالي حتى سمعت الناس يتحدثون بذلك. وفي اليواقيت والجواهر للشعراني عليه الرحمة في بحث الفرق بين المعجزة والكهانة أن الكهانة كلمات تجري على لسان الكاهن ربما توافق وربما تخالف وفيه شمة مما ذكرنا هذا والله تعالى أعلم.
والظاهر على ما قيل أن قوله تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ إلخ كلام مسوق منه تعالى لبيان تنزيه النبي صلّى الله عليه وسلّم عن أن
141
يكون وحاشاه ممن تنزل عليه الشياطين وإبطال لقولهم في القرآن إنه من قبيل ما يلقى إلى الكهنة، وفي البحر ما هو ظاهر في أنه على معنى القول أي قل يا محمد هل أنبئكم إلخ وهو مسوق للتنزيه والإبطال المذكورين، وقوله تعالى:
وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ مسوق لتنزيهه عليه الصلاة والسلام أيضا عن أن يكون وحاشاه من الشعراء وإبطال زعم الكفرة أن القرآن من قبيل الشعر. والمتبادر منه الكلام المنظوم المقفى ولذلك قال كثير من المفسرين: إنهم رموه عليه الصلاة والسلام بكونه آتيا بشعر منظوم مقفى حتى تأولوا عليه ما جاء في القرآن مما يكون موزونا بأدنى تصرف كقوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ [الإسراء: ٣٣] ويكون بهذا الاعتبار شطرا من الطويل وكقوله سبحانه:
إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى [القصص: ٧٦] ويكون من (١) المديد، وكقوله عز وجل: فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ [الأحقاف: ٢٥] ويكون من البسيط، وقوله تبارك وتعالى: أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ [هود: ٦٠] ويكون من الوافر، وقوله جل وعلا: صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب: ٥٦] ويكون من الكامل إلى غير ذلك مما استخرجوه منه من سائر البحور، وقد استخرجوا منهما يشبه البيت التام كقوله تعالى: وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ [التوبة: ١٤].
وتعقب ذلك بأنهم لم يقصدوا هذا المقصد فيما رموه به صلّى الله عليه وسلّم إذ لا يخفى على الأغبياء من العجم فضلا عن بلغاء العرب إن القرآن الذي جاء به صلّى الله عليه وسلّم ليس على أساليب الشعر وهم ما قالوا فيه عليه الصلاة والسلام شاعر إلا لما جاءهم بالقرآن واستخراج ما ذكر ونحوه منه ليس إلا لمزيد فصاحته وسلاسته ولم يؤت به لقصد النظم. ولو اعتبر في كون الكلام شعرا إمكان استخراج كلام منظوم منه لكان كثير من الأطفال شعرا. فإن كثيرا من كلامهم يمكن فيه ذلك، والظاهر أنهم إنما قصدوا رميه صلّى الله تعالى عليه وسلّم بأنه وحاشاه ثم حاشاه يأتي بكلام مخيل لا حقيقة له، ولما كان ذلك غالبا في الشعراء الذين يأتون بالمنظوم من الكلام عبروا عنه عليه الصلاة والسلام بشاعر وعما جاء به بالشعر، ومعنى الآية والشعراء يجاريهم ويسلك مسلكهم ويكون من جملتهم الغاوون الضالون عن السنن الحائرون فيما يأتون وما يذرون ولا يستمرون على وتيرة واحدة في الأفعال والأقوال والأحوال لا غيرهم من أهل الرشد المهتدين إلى طريق الحق الثابتين عليه، والحصر مستفاد من بناء يَتَّبِعُهُمُ إلخ على الشعراء عند الزمخشري كما قرره في تفسير قوله تعالى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة: ١٥] وقوله سبحانه: وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ [المزمل: ٢٠] ومن لا يرى الحصر في مثل هذا التركيب يأخذه من الوصف المناسب أعني أن الغواية جعلت علة للاتباع فإذا انتفت انتفى وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ استشهاد على أن الشعراء إنما يتبعهم الغاوون وتقرير له. والخطاب لكل من تتأتى منه الرؤية للإشارة إلى أن حالهم من الجلاء والظهور بحيث لا يختص برؤيته راء دون راء. وضمير الجمع للشعراء أي ألم تر أن الشعراء في كل واد من أودية القيل والقال وفي كل شعب من شعاب الوهم والخيال وفي كل مسلك من مسالك الغي والضلال يهيمون على وجوههم لا يهتدون إلى سبيل معين من السبل بل يتحيرون في سباسب الغواية والسفاهة ويتيهون في تيه الصلف والوقاحة ديدنهم تمزيق الأعراض المحمية والقدح في الأنساب الطاهرة السنية والنسيب بالحرم والغزل والابتهار والتردد بين طرفي الإفراط والتفريط في المدح والهجاء وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ من الأفاعيل غير مكترثين بما يستتبعه من اللوم فكيف يتوهم أن يتبعهم في مسلكهم ذلك ويلحق بهم وينتظم في سلكهم من تنزهت ساحته عن أن يحوم حولها شائبة الاتصاف بشيء من الأمور المذكورة
وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ مسوق لتنزيهه عليه الصلاة والسلام أيضا عن أن يكون وحاشاه من الشعراء وإبطال زعم الكفرة أن القرآن من قبيل الشعر. والمتبادر منه الكلام المنظوم المقفى ولذلك قال كثير من المفسرين: إنهم رموه عليه الصلاة والسلام بكونه آتيا بشعر منظوم مقفى حتى تأولوا عليه ما جاء في القرآن مما يكون موزونا بأدنى تصرف كقوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ [الإسراء: ٣٣] ويكون بهذا الاعتبار شطرا من الطويل وكقوله سبحانه:
إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى [القصص: ٧٦] ويكون من (١) المديد، وكقوله عز وجل: فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ [الأحقاف: ٢٥] ويكون من البسيط، وقوله تبارك وتعالى: أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ [هود: ٦٠] ويكون من الوافر، وقوله جل وعلا: صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب: ٥٦] ويكون من الكامل إلى غير ذلك مما استخرجوه منه من سائر البحور، وقد استخرجوا منهما يشبه البيت التام كقوله تعالى: وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ [التوبة: ١٤].
وتعقب ذلك بأنهم لم يقصدوا هذا المقصد فيما رموه به صلّى الله عليه وسلّم إذ لا يخفى على الأغبياء من العجم فضلا عن بلغاء العرب إن القرآن الذي جاء به صلّى الله عليه وسلّم ليس على أساليب الشعر وهم ما قالوا فيه عليه الصلاة والسلام شاعر إلا لما جاءهم بالقرآن واستخراج ما ذكر ونحوه منه ليس إلا لمزيد فصاحته وسلاسته ولم يؤت به لقصد النظم. ولو اعتبر في كون الكلام شعرا إمكان استخراج كلام منظوم منه لكان كثير من الأطفال شعرا. فإن كثيرا من كلامهم يمكن فيه ذلك، والظاهر أنهم إنما قصدوا رميه صلّى الله تعالى عليه وسلّم بأنه وحاشاه ثم حاشاه يأتي بكلام مخيل لا حقيقة له، ولما كان ذلك غالبا في الشعراء الذين يأتون بالمنظوم من الكلام عبروا عنه عليه الصلاة والسلام بشاعر وعما جاء به بالشعر، ومعنى الآية والشعراء يجاريهم ويسلك مسلكهم ويكون من جملتهم الغاوون الضالون عن السنن الحائرون فيما يأتون وما يذرون ولا يستمرون على وتيرة واحدة في الأفعال والأقوال والأحوال لا غيرهم من أهل الرشد المهتدين إلى طريق الحق الثابتين عليه، والحصر مستفاد من بناء يَتَّبِعُهُمُ إلخ على الشعراء عند الزمخشري كما قرره في تفسير قوله تعالى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة: ١٥] وقوله سبحانه: وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ [المزمل: ٢٠] ومن لا يرى الحصر في مثل هذا التركيب يأخذه من الوصف المناسب أعني أن الغواية جعلت علة للاتباع فإذا انتفت انتفى وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ استشهاد على أن الشعراء إنما يتبعهم الغاوون وتقرير له. والخطاب لكل من تتأتى منه الرؤية للإشارة إلى أن حالهم من الجلاء والظهور بحيث لا يختص برؤيته راء دون راء. وضمير الجمع للشعراء أي ألم تر أن الشعراء في كل واد من أودية القيل والقال وفي كل شعب من شعاب الوهم والخيال وفي كل مسلك من مسالك الغي والضلال يهيمون على وجوههم لا يهتدون إلى سبيل معين من السبل بل يتحيرون في سباسب الغواية والسفاهة ويتيهون في تيه الصلف والوقاحة ديدنهم تمزيق الأعراض المحمية والقدح في الأنساب الطاهرة السنية والنسيب بالحرم والغزل والابتهار والتردد بين طرفي الإفراط والتفريط في المدح والهجاء وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ من الأفاعيل غير مكترثين بما يستتبعه من اللوم فكيف يتوهم أن يتبعهم في مسلكهم ذلك ويلحق بهم وينتظم في سلكهم من تنزهت ساحته عن أن يحوم حولها شائبة الاتصاف بشيء من الأمور المذكورة
(١) قوله من المديد كذا بخطه وهو من الخفيف كما لا يخفى اه.
142
واتصف بمحاسن الصفات الجليلة وتخلق بمكارم الأخلاق الجميلة وحاز جميع الكمالات القدسية وفاز بجملة الملكات السنية الإنسية مستقرا على أقوم منهاج مستمرا على صراط مستقيم لا يرى له العقل السليم من هاج ناطقا بكل أمر رشيد داعيا إلى صراط الله تعالى العزيز الحميد مؤيدا بمعجزات قاهرة وآيات ظاهرة مشحونة بفنون الحكم الباهرة وصنوف المعارف الباهرة مستقلة بنظم رائق وأسلوب فائق أعجز كل منطيق ماهر وبكت كل مفلق ساحر، هذا وقد قيل في تنزيهه صلّى الله تعالى عليه وسلّم عن أن يكون من الشعراء: إن اتباع الشعراء الغاوون واتباعه عليه الصلاة والسلام ليسوا كذلك. وتعقب بأنه لا ريب في أن تعليل عدم كونه صلّى الله تعالى عليه وسلّم منهم بكون اتباعه عليه الصلاة والسلام غير غاوين مما لا يليق بشأنه العالي، وقيل: ضمير الجمع للغاوين، وتعقب بأن المحدث عنهم الشعراء، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الغاوين هم الرواة الذين يحفظون شعر الشعراء ويروونه عنهم مبتهجين به. وفي رواية أخرى عنه أنهم الذين يستحسنون أشعارهم وإن لم يحفظوها، وعن مجاهد وقتادة أنهم الشياطين.
وروي عن ابن عباس أيضا أن الآية نزلت في شعراء المشركين عبد الله بن الزبعري وهبيرة بن وهب المخزومي ومسافع بن عبد مناف وأبو عزة الجمحي وأمية بن أبي الصلت قالوا: نحن نقول مثل قول محمد وكانوا يهجونه ويجتمع إليهم الأعراب من قومهم يستمعون أشعارهم وأهاجيهم وهم الغاوون الذين يتبعونهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضا أنه قال: تهاجى رجلان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحدهما من الأنصار والآخر من قوم آخرين، وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه وهم السفهاء فأنزل الله تعالى وَالشُّعَراءُ الآيات وفي القلب من صحة الخبر شيء، والظاهر من السياق أنها نزلت للرد على الكفرة الذين قالوا في القرآن ما قالوا.
وقرأ عيسى بن عمرو «الشعراء» بالنصب على الاشتغال. وقرأ السلمي والحسن بخلاف عنه «يتبعهم» مخففا.
وقرأ الحسن وعبد الوارث عن أبي عمرو «يتّبعهم» بالتشديد وتسكين العين تخفيفا وقد قالوا: عضد بسكون الضاد فغيروا الضمة واقعة بعد الفتحة فلأن يغيروها واقعة بعد الكسرة أولى، وروى هارون فتح العين عن بعضهم، واستشكله أبو حيان، وقيل: إنه للتخفيف أيضا، واختياره على السكون لحصول الغرض به مع أن فيه مراعاة الأصل في الجملة لما بين الحركتين من المشاركة الجنسية ولا كذلك ما بين الضم والسكون وهو غريب كما لا يخفى.
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا استثناء للشعراء المؤمنين الصالحين الذين يكثرون ذكر الله عز وجل ويكون أكثر أشعارهم في التوحيد والثناء على الله سبحانه وتعالى والحث على الطاعة والحكمة والموعظة والزهد في الدنيا والترهيب عن الركون إليها والاغترار بزخارفها والافتتان بملاذها الفانية والترغيب فيما عند الله تعالى ونشر محاسن رسوله صلّى الله عليه وسلّم ومدحه وذكر معجزاته ليتغلغل حبه في سويداء قلوب السامعين وتزداد رغباتهم في اتباعه ونشر مدائح آله وأصحابه وصلحاء أمته لنحو ذلك ولو وقع منهم في بعض الأوقات هجو وقع بطريق الانتصار ممن هجاهم من غير اعتداء ولا زيادة كما يشير إليه قراءة بعضهم «وانتصروا بمثل ما ظلموا»، وقيل: المراد بالمستثنين شعراء المؤمنين الذين كانوا ينافحون عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويكافحون هجاة المشركين، واستدل لذلك بما أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة إن هذه الآية نزلت في رهط من الأنصار هاجوا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، منهم كعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت وعن السدي نحوه، وبما
أخرج جماعة عن أبي حسن سالم البراد أنه قال: لما نزلت وَالشُّعَراءُ الآية جاء عبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت
وروي عن ابن عباس أيضا أن الآية نزلت في شعراء المشركين عبد الله بن الزبعري وهبيرة بن وهب المخزومي ومسافع بن عبد مناف وأبو عزة الجمحي وأمية بن أبي الصلت قالوا: نحن نقول مثل قول محمد وكانوا يهجونه ويجتمع إليهم الأعراب من قومهم يستمعون أشعارهم وأهاجيهم وهم الغاوون الذين يتبعونهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضا أنه قال: تهاجى رجلان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحدهما من الأنصار والآخر من قوم آخرين، وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه وهم السفهاء فأنزل الله تعالى وَالشُّعَراءُ الآيات وفي القلب من صحة الخبر شيء، والظاهر من السياق أنها نزلت للرد على الكفرة الذين قالوا في القرآن ما قالوا.
وقرأ عيسى بن عمرو «الشعراء» بالنصب على الاشتغال. وقرأ السلمي والحسن بخلاف عنه «يتبعهم» مخففا.
وقرأ الحسن وعبد الوارث عن أبي عمرو «يتّبعهم» بالتشديد وتسكين العين تخفيفا وقد قالوا: عضد بسكون الضاد فغيروا الضمة واقعة بعد الفتحة فلأن يغيروها واقعة بعد الكسرة أولى، وروى هارون فتح العين عن بعضهم، واستشكله أبو حيان، وقيل: إنه للتخفيف أيضا، واختياره على السكون لحصول الغرض به مع أن فيه مراعاة الأصل في الجملة لما بين الحركتين من المشاركة الجنسية ولا كذلك ما بين الضم والسكون وهو غريب كما لا يخفى.
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا استثناء للشعراء المؤمنين الصالحين الذين يكثرون ذكر الله عز وجل ويكون أكثر أشعارهم في التوحيد والثناء على الله سبحانه وتعالى والحث على الطاعة والحكمة والموعظة والزهد في الدنيا والترهيب عن الركون إليها والاغترار بزخارفها والافتتان بملاذها الفانية والترغيب فيما عند الله تعالى ونشر محاسن رسوله صلّى الله عليه وسلّم ومدحه وذكر معجزاته ليتغلغل حبه في سويداء قلوب السامعين وتزداد رغباتهم في اتباعه ونشر مدائح آله وأصحابه وصلحاء أمته لنحو ذلك ولو وقع منهم في بعض الأوقات هجو وقع بطريق الانتصار ممن هجاهم من غير اعتداء ولا زيادة كما يشير إليه قراءة بعضهم «وانتصروا بمثل ما ظلموا»، وقيل: المراد بالمستثنين شعراء المؤمنين الذين كانوا ينافحون عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويكافحون هجاة المشركين، واستدل لذلك بما أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة إن هذه الآية نزلت في رهط من الأنصار هاجوا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، منهم كعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت وعن السدي نحوه، وبما
أخرج جماعة عن أبي حسن سالم البراد أنه قال: لما نزلت وَالشُّعَراءُ الآية جاء عبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت
143
وكعب بن مالك وهم يبكون فقالوا: يا رسول الله لقد أنزل الله تعالى هذه الآية وهو يعلم أنّا شعراء هلكنا فأنزل الله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا إلخ فدعاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتلاها عليهم.
وأنت تعلم أن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قرأ قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا إلى آخر الصفات فقال: هم أبو بكر وعمر وعلي وعبد الله بن رواحة ولعله من باب الاقتصار على بعض ما يدل عليه اللفظ فقد جاء عنه في بعض الروايات ما يشعر بالعموم، هذا واستدل بالآية على ذم الشعر والمبالغة في المدح والهجو وغيرهما من فنونه وجوازه في الزهد والأدب ومكارم الأخلاق وجواز الهجو لمن ظلم انتصارا كذا قيل. واعلم أن الشعر باب من الكلام حسنه حسن وقبيحه قبيح،
وفي الحديث: «إن من الشعر لحكمة»
وقد سمع رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم الشعر وأجاز عليه وقال عليه الصلاة والسلام لحسان رضي الله تعالى عنه:- اهجهم- يعني المشركين فإن روح القدس سيعينك،
وفي رواية «اهجهم وجبريل معك».
وأخرج ابن سعد عن ابن بريدة أن جبريل عليه السلام أعان حسانا على مدحته النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم بسبعين بيتا،
وأخرج أحمد والبخاري في التاريخ وأبو يعلى وابن مردويه عن كعب بن مالك أنه قال للنبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم إن الله تعالى أنزل في الشعراء ما أنزل فكيف ترى فيه؟ فقال: إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل
وأخرج ابن سعد عن محمد بن سيرين «قال: رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم ليلة وهم في سفر أين حسان بن ثابت فقال: لبيك يا رسول الله وسعديك قال: خذ فجعل ينشده ويصغي إليه حتى فرغ من نشيده فقال رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم: لهذا أشد عليهم من وقع النبل»
ويروى عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم بني لحسان بن ثابت منبرا في المسجد ينشد عليه الشعر
وأخرج الديلمي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه مرفوعا الشعراء الذين يموتون في الإسلام يأمرهم الله تعالى أن يقولوا شعرا يتغنى به الحور العين لأزواجهن في الجنة والذين ماتوا في الشرك يدعون بالويل والثبور في النار
، وقد أنشد كل من الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم أجمعين الشعر، وكذا كثير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فمن شعر أبي بكر رضي الله تعالى عنه:
وأنت تعلم أن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قرأ قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا إلى آخر الصفات فقال: هم أبو بكر وعمر وعلي وعبد الله بن رواحة ولعله من باب الاقتصار على بعض ما يدل عليه اللفظ فقد جاء عنه في بعض الروايات ما يشعر بالعموم، هذا واستدل بالآية على ذم الشعر والمبالغة في المدح والهجو وغيرهما من فنونه وجوازه في الزهد والأدب ومكارم الأخلاق وجواز الهجو لمن ظلم انتصارا كذا قيل. واعلم أن الشعر باب من الكلام حسنه حسن وقبيحه قبيح،
وفي الحديث: «إن من الشعر لحكمة»
وقد سمع رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم الشعر وأجاز عليه وقال عليه الصلاة والسلام لحسان رضي الله تعالى عنه:- اهجهم- يعني المشركين فإن روح القدس سيعينك،
وفي رواية «اهجهم وجبريل معك».
وأخرج ابن سعد عن ابن بريدة أن جبريل عليه السلام أعان حسانا على مدحته النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم بسبعين بيتا،
وأخرج أحمد والبخاري في التاريخ وأبو يعلى وابن مردويه عن كعب بن مالك أنه قال للنبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم إن الله تعالى أنزل في الشعراء ما أنزل فكيف ترى فيه؟ فقال: إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل
وأخرج ابن سعد عن محمد بن سيرين «قال: رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم ليلة وهم في سفر أين حسان بن ثابت فقال: لبيك يا رسول الله وسعديك قال: خذ فجعل ينشده ويصغي إليه حتى فرغ من نشيده فقال رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم: لهذا أشد عليهم من وقع النبل»
ويروى عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم بني لحسان بن ثابت منبرا في المسجد ينشد عليه الشعر
وأخرج الديلمي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه مرفوعا الشعراء الذين يموتون في الإسلام يأمرهم الله تعالى أن يقولوا شعرا يتغنى به الحور العين لأزواجهن في الجنة والذين ماتوا في الشرك يدعون بالويل والثبور في النار
، وقد أنشد كل من الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم أجمعين الشعر، وكذا كثير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فمن شعر أبي بكر رضي الله تعالى عنه:
أمن طيف سلمى بالبطاح الدمائث | أرقت وأمر في العشيرة حادث |
ترى من لؤي فرقة لا يصدها | عن الكفر تذكير ولا بعث باعث |
رسول أتاهم صادق فتكذبوا | عليه وقالوا لست فينا بماكث |
ولما دعوناهم إلى الحق أدبروا | وهروا هرير المجحرات اللواهث |
فكم قد مثلنا فيهم بقرابة | وترك التقى شيء لهم غير كارث |
فإن يرجعوا عن كفرهم وعقوقهم | فما طيبات الحل مثل الخبائث |
وإن يركبوا طغيانهم وضلالهم | فليس عذاب الله عنهم بلابث |
ونحن أناس من ذؤابة غالب | لنا العز منها في الفروع الأثائث |
فأولى برب الراقصات عشية | حراجيج تخدي في السريح الرثائث |
كأدم ظباء حول مكة عكف | يردن حياض البئر ذات النبائث |
لئن لم يفيقوا عاجلا من ضلالهم | ولست إذا آليت يوما بحانث |