تفسير سورة الشعراء

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الشعراء من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة الشّعراء
مكيّة الّا اربع آيات من اخر السّورة من قوله والشّعراء يتّبعهم الغاوون وهى مائتان وسبع وعشرون اية روى الحاكم فى المستدرك عن معقل بن يسار قال قال رسول الله ﷺ أعطيت طه والطواسين والحواميم من الواح موسى ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
طسم قرأ حمزة «وخلف- ابو محمد» والكسائي وابو بكر هاهنا وفى القصص والنمل بامالة الطاء واهل المدينة بين بين والباقون بالفتح واظهر النون عند الميم هاهنا وفى القصص ابو «١» جعفر وحمزة «بل قرأ هل المدينة بابا الفتح ابو محمد» وادعمها الباقون- قال البغوي روى عكرمة عن ابن عباس انه قال طسمّ عجزت العلماء عن تفسيرها وروى على بن طلحة الوالبي عن ابن عباس انه قسم وهو اسم من اسماء الله عز وجل وقال قتادة اسم من اسماء القران وقال مجاهد اسم للسورة وقال محمد بن كعب القرظي اقسم الله بطوله وسنانه ومجده والحق انه رمز بين الله وبين رسوله.
تِلْكَ اشارة الى السورة او القران آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ الظاهر اعجازه وصحته او المظهر للاحكام وسبيل الهدى.
لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ اى قاتل نفسك غمّا يقال بخع نفسه كمنع قتلها غمّا واصل البخع ان يبلغ الذبح البخاع بالفتح وهو عرق فى الصلب ويجرى فى أعظم الرقبة وذلك حد الذبح وهو غير النخاع بالنون فيما زعم الزمخشري ثم استعمل فى كل مبالغة أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ اى لئلا يومنوا او كراهة الا يكونوا مومنين نزلت هذه الاية حين كذّبه اهل مكة وشق ذلك عليه لما كان يحرص على ايمانهم وجاز ان يكون شدة غمه صلى الله وسلم على عد
(١) قرأ ابو جعفر بالسكت على المقطعات فى جميع القران والا لمار فى السكت لازم. ابو محمد عفا الله عنه
ايمانهم خوفا من الله تعالى ان يعاقب لاجل انكار قومه فهذه الاية تسلية للنبى ﷺ وكلمة لعل للترجى وهاهنا للاشفاق يعنى اشفق على نفسك ولا تغتم فانّك ان تغنم فلعلك تقتل نفسك غمّا فانا لم نشأ ايمانهم فانه.
إِنْ نَشَأْ ايمانهم نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً اى دالة ملجئة الى الايمان او بلية قاصرة عليه فَظَلَّتْ عطف على تنزل ومعناه فنظل أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ او منقادين قال قتادة لو شاء الله لانزل عليهم اية يذلّون بها فلا يلوى أحد منهم بعده معصية لا نزول عليهم وقال ابن جريح معناه لو شاء الله لانزل بهم امرا من أموره لا يعمل أحد منهم بعده معصية أورد خاضعين موضع خاضعة لوفاق رؤس الاى وقيل أصله فظلوا لها خاضعين فزيدت الأعناق مقحما لبيان موضع الخضوع وترك الخبر على أصله وقيل أصله ظلت اصحاب الأعناق لها خاضعين فحذف الاصحاب واقام الأعناق مقامهم لان الأعناق إذا خضعت فاربابها خاضعون فجعل الفعل اولا للاعناق ثم جعل خاضعين للرجال وقال الأخفش رد الخضوع على المضمر الّذى أضاف الأعناق اليه وقيل لما وصفت الأعناق بالخضوع وهو من صفات العقلاء أجريت مجراهم وقال قوم ذكر الصفة لمجاورتها المذكر وهو قوله هم على عادة العرب فى تذكير المؤنث إذا أضافوه الى المذكر وتأنيث المذكر إذا أضافوه الى المؤنث وقيل أراد بالعنق جميع البدن كما فى قوله تعالى ذلك بما قدّمت يداك وألزمناه طائره فى عنقه والمعنى فظلوا خاضعين وقال مجاهد أراد بالأعناق الرؤساء الكبراء والمعنى فظلت كبراؤهم لها خاضعين وقيل أراد بالأعناق الجماعات يقال جاء القوم عنقا عنقا اى جماعات وطوائف.
وَما يَأْتِيهِمْ اى كفار مكة عطف على مضمون جملة سابقة او حال مِنْ ذِكْرٍ موعظة او طائفة من القران يذكر الله سبحانه من زائدة فى محل الرفع مِنَ الرَّحْمنِ من الابتداء صفة للذكر اى منزل منه على نبيه مُحْدَثٍ انزاله وان كان قديما فى الوجود إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ استثناء مفرغ حال من الضمير المنصوب فى يأتيهم او المرفوع يعنى ما يأتيهم فى حال الا فى حال اعراضهم عن الايمان به.
فَقَدْ كَذَّبُوا بالذكر بعد اعراضهم وأمعنوا فى تكذيبه بحيث ادى بهم الى الاستهزاء المخبر به عنهم ضمنا فى قوله تعالى فَسَيَأْتِيهِمْ إذا نزل بهم العذاب يوم بدر او يوم القيامة أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ من انه كان حقا او باطلا كان حقيقا بان يصدّق ويعظم قدره او يكذب فيستخف امره ويستهزا به.
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ الاستفهام للانكار وابو او للعطف على محذوف والتقدير أيطلبون اية على ما يدعيه
محمد ﷺ من التوحيد والبعث بعد الموت ولم ينظروا الى الأرض يعنى لا ينبغى لهم طلب الاية وقد نظروا الى الأرض وهى اية فان انكار النفي اثبات كَمْ أَنْبَتْنا فِيها بدل اشتمال من الأرض وكم خبرية يعنى الم ينظروا الى كثرة أنبأتنا فيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ صنف من النبات كَرِيمٍ حسن محمود كثير المنفعة غذاء للناس او الدواب ودواء مفيدة فائدة ما اما وحده او مع غيره وايضا كرم كل زوج من نبات الأرض دلالته على قدرة الخالق على إيجاده وإعادته بعد الاعدام وتوحده وصفات كماله وكل لاحاطة الافراد وكم لكثرتها.
إِنَّ فِي ذلِكَ اى فى إنبات تلك الأصناف او فى واحد منها لَآيَةً حوالة على فاعل واجب لذاته تام القدرة والحكمة سابغ النعمة والرحمة وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ فى علم الله وقضائه فلذلك لم ينفعهم تلك الآيات العظام وقال سيبويه كان هاهنا زائدة والمعنى وما كان أكثرهم مؤمنين بعد مشاهدة الآيات.
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب القادر على انتقام من الكفرة الرَّحِيمُ حيث امهلهم او العزيز فى انتقامه ممن كفر الرحيم لمن تاب وأمن..
وَاذكر إِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى حين راى الشجرة والنار معطوف على مضمون قوله لعلّك باخع نفسك فان التقدير لا تحزن على كفر قومك ولا تبخع نفسك واذكر وقت نداء ربك موسى وفيه تسلية للنبى ﷺ وجاز ان يكون كلاما مستانفا والظرف متعلق بقوله قال رب ان ائت ان مفسرة لنادى او مصدرية اى ايت او بان ايت الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ بالكفر واستعباد بنى إسرائيل وسومهم سوء العذاب من ذبح الأبناء وغير ذلك.
قَوْمَ فِرْعَوْنَ بدل او عطف بيان لما سبق ولعل الاقتصار على القوم للعلم بان فرعون كان اولى بذلك أَلا يَتَّقُونَ استفهام للانكار والتّوبيخ ومعناه الأمر اى ليتقوا أنفسهم عن عذاب الله بطاعته ويحتمل ان يكون التقدير ألا يا قوم اتقون فهو بتقدير القول حال من فاعل ايت يعنى ايت قائلا لهم من الله الا يا قوم اتقون نظيره الا يسجدوا بتقدير الا يا قوم اسجدوا.
قالَ موسى رَبِّ إِنِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ وَيَضِيقُ صَدْرِي قرأ الجمهور بالرفع عطفا على أخاف ويعقوب بالنصب عطفا على يكذّبون وكذا الخلاف فى قوله وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي لاجل عقدة كانت فيه ويضيق صدرى لاجل عدم مساعدة اللسان لبيان المرام فى اقامة الحجة الدافعة
للتكذيب وقال البغوي اى يضيق صدرى من تكذيبهم فَأَرْسِلْ الوحى او أرسل جبرئيل بالوحى إِلى هارُونَ الفاء للسببيّة قال البيضاوي رتّب استدعاء ضم أخيه اليه واشراكه له فى الأمر على الأمور الثلاثة خوف التكذيب وضيق القلب انفعالا عنه اى عن التكذيب وازدياد الحبسة فى اللسان بانقباض الروح الى باطن القلب عند ضيقه بحيث لا ينطلق لانها إذا اجتمعت الأمور مست الحاجة الى معين يقوى قلبه ويتوب منابه متى يعتريه الحبسة حتى لا يحمل دعوته وليس ذلك تعللا منه وتوقفا فى امتثال الأمر بل طلبا لما يكون معونة على امتثاله.
وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ على حذف المضاف اى تبعه ذنب او دعوى ذنب والمراد قتل القبطي سماه ذنبا عمل زعمهم والا فهو كان مباح الدم غير معصوم لاجل كفره وهذا اختصار قصة مبسوطة فى غير هذا الموضع فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ اى أخاف ان يقتلونى قبل أداء الرسالة وهذا ايضا ليس تعللا وعدم امتثال الأمر بالتبليغ لخوف القتل بل استدفاعا للبلية المتوقعة المانعة من التبليغ.
قالَ الله تعالى كَلَّا فَاذْهَبا اجابة الى الطلبين بوعده للدفع اللازم لروعة وضم أخيه اليه فى الإرسال والخطاب فى فاذهبا على تغليب الحاضر وهو معطوف على الفعل الذي دل عليه كلّا كانه قال ارتدع يا موسى عن توهم قتلك فاذهب أنت ومن طلبت ضمه إليك بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ يعنى مع موسى وهارون ومن تبعهما بالنصر او معكما ومن عاداكما بالعلم مُسْتَمِعُونَ اى سامعون ما جرى بينكم من الكلام فاظهر كما عليهم خبر ثان او هو الخبر وحده ومعكم ظرف لغو.
ْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ
أفرد الرسول لانه هاهنا بمعنى الرّسالة وهو مشترك بين المرسل والرسالة فى القاموس الاسم الرسالة بالكسر والفتح وكصبور وامير والرسول ايضا المرسل قال البيضاوي لذلك ثنى تارة وأفرد اخرى يعنى إذا أريد به المرسل مثنى وإذا أريد به الرسالة أفرد والمعنى هاهنا انا ذو رسالة رب العلمين او لان الفعول يطلق على الواحد والجمع قال فى القاموس لم يقل انّا رسل ربّ العالمين لان مفعولا وفعيلا تستوى فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع وقال ابو عبيدة يجوز ان يكون الرسول بمعنى اثنين والجمع يقول العرب هذا رسولى ووكيلى وهذان رسولى ووكيلى كما قال الله تعالى وهم لكم عدوّ وقيل أفرد لاتحادهما للاخوة او لوحدة المرسل به او أراد ان كل واحد منا رسول رب العلمين.
أَنْ مفسرة لتضمن الرسول معنى الإرسال المتضمن معنى القول أَرْسِلْ اى خل مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ تذهب الى الشام ولا تستعبدهم قال البغوي كان فرعون استعبدهم اربع مائة
سنة وكانوا فى ذلك الوقت سة مائه وثمانين الفا- فانطلق موسى الى مصر وهارون بها فاخبره وفى القصة ان موسى رجع الى مصر وعليه جبة صوف وفى يده عصاه والمكتل معلق فى راس العصا وفيه زاده فدخل وار نفسه واخبر هارون بان الله أرسلني الى فرعون وأرسل إليك حتى ندعو فرعون فخرجت أمهما وصاحت وقالت ان فرعون يطلبك ليقتلك ولو ذهبتما اليه تقصا فلم يمتنع لقولها وذهبا الى باب فرعون ليلا ودقا الباب ففزع البوابون وقالوا من بالياب وروى انه اطلع البواب عليهما فقال من أنتما فقال موسى انّا رسول ربّ العالمين فذهب البواب الى فرعون وقال ان مجنونا بالباب ويقول انه رسول ربّ العالمين فترك حتى أصبح ثم دعاهما وروى انهما انطلقا جميعا الى فرعون فلم يوذن لهما سنة فى الدخول وليه فدخل البواب وقال لفرعون هاهنا انسان يزعم ان رسول ربّ العالمين فقال فرعون ايذن له لعلنا نضحك منه فدخلا عليه واد يا رسالة الله عزّ وجلّ فعرف فرعون موسى لانه نشأ فى بيته و.
قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا فى منازلنا وَلِيداً طفلا سمى به لقربه من الولادة وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ قيل لبث فيهم ثلاثين سنة ثم خرج الى مدين عشر سنين ثم عاد إليهم ودعاهم الى الله ثلاثين سنة ثم بقي بعد الغرق خمسين سنة.
وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ يعنى قتل القبطي وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ اى من الجاحدين بنعمتي وحق بزبيتى حتى عمدتّ الى قتل خواصى كذا روى العوفى عن ابن عباس رض وهو قول اكثر المفسرين وقال ان فرعون لم يكن يعلم ما الكفر بالله وقال الحسن والسدى أراد وأنت كنت من الكافرين بإلهك الذي تدعو اليه الان وتعبده حيث كنت معنا على ديننا والجملة وحال من احدى التاءين ويجوز ان يكون حكما مبتدا عليه بانه من الكافرين بالوهيته او بنعمته لما عاد عليه بالمخالفة او من الذين كانوا يكفرون فى دينهم.
قالَ فَعَلْتُها إِذاً يعنى إذا فعلتها وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ الجملة حال من التاء فى فعلت يعنى فعلت ما فعلت وانا من الضّالّين إذا فعلت من الجحلين لم يأتنى من الله شىء او الجاهلين بان ذلك يؤدى الى قتله لانه أراد به التأديب دون القتل وقيل من الضّالين عن طريق الصواب من غير تعمد يعنى من المخطئين وقيل من الفاعلين فعل اولى الجهل والسفه وقيل من الناسين من قوله ان تضلّ أحدهما فتذكّر إحداهما الاخرى.
فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ الى مدين لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً اى حكمة علما وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَتِلْكَ مبتدا اشارة الى تربيته وليدا نِعْمَةٌ بدل من اسم الاشارة او خبر منه تَمُنُّها عَلَيَّ سفة لنعمة أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ مرفوع على انه خبر مبتدا محذوف اى هى او على انه بدل من
نعمة او مجرور بإضمار الباء وهو خبر المبتدا يعنى بمقابلة جفائك او بسبب جفائك والتي هى ان عبدت او النصب بحذف الباء او على الظرف بتقدير الوقت او على الحال وقيل تلك اشارة الى خصلة شنعاء صهمة وان عبّدتّ عطف بيان لها ومعنى عبّدتّ اتخذتهم عبيدا لك يقال عبّدت فلانا وأعبدته استعبدته وتعبّدته اتخذته عبدا اختلف المفسرون فى تاويل هذه الاية قال بعضهم هو اقرار عدّها موسى نعمة منه عليه حيث رباه ولم يقتله كما قتل سائر غلمان بنى إسرائيل فكانّه قال بلى وتلك نعمة تمنّها علىّ ان عبّدتّ بنى إسرائيل وتركتنى ولم تستعبد فى وقال بعضهم هو اقرار ظاهرا وانكار معنى رد موسى اولا ما وبّخه به قدحا فى نبوته ثم كر على ما عدّه من النعمة ولم يصرح بانكاره لانه كان صادقا فى دعواه بل نبه على انه كان فى الحقيقة نعمة لكونه فى مقابلة الجفاء او مسببا عنه فقال وتلك نعمة تمنّها علىّ ان عبّدتّ بنى إسرائيل فتلك النعمة مقابلة بالجفاء او بسبب الجفاء فانه بسبب استعبادك بنى إسرائيل وقتلك أبناءهم رفعت إليك حتى ربّيتنى وكفلتنى ولو لم نستعبد هم كان لى من أهلي من يربينى ولم يلقونى فى اليم فتضمن هذا الإقرار الإنكار. وقيل هو انكار وهمزة الاستفهام للانكار مقدرة تقديره أتلك التربية نعمة لك على ان عبّدتّ بنى إسرائيل يعنى أتربيتك ايّاى نعمة وقت تعبدك بنى إسرائيل او الحال انك عبدّتّ بنى إسرائيل فتعبيدك قومى بنى إسرائيل اهبط إحسانك الىّ- وانما وحّد الخطاب فى تمنها وجمع فيما قبله لان المنة كانت منه وحده والخوف والفرار منه ومن قومه ولمّا سمع فرعون جواب ما طعن فى موسى وراى انه ثم يرعو بذلك شرع فى الاعتراض على دعواه فبدا بالاستفسار عن حقيقة المرسل و.
قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ ولمّا كان بيان حقيقة الواجب تعالى مستحيلا بما هو داخل فيه لاستحالة التركيب فى ذاته والامتناع تعريف الافراد الا بذكر الخواص والافعال ذكر موسى اظهر خواصه واثاره و.
قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا خبر مبتدأ محذوف اى يعنى ربّ العالمين ربّ السّموت والأرض وما بينهما من الكائنات إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ بثبوت حقائق الأشياء فاستدلوا بها على خالقها فانها إحرام محسوسة ممكنة لتركمها وتعددها وتغير أحوالها فلا بد لها من مبدا واجب لذاته وذلك المبدا لا بد ان يكون مبد السائر الممكنات ما يمكن ان يحس بها وما لا يمكن وإلا لزم تعدد الواجب او استغناء بعض الممكنات عنه وكلاهما محالان اما التعدد فلا ستلزامه تركبهما مما فيه اشتراكهما وما به امتياز كل منهما عن الاخر والتركب دليل الحدوث مناف للوجوب واما الاستغناء فهو مناف للامكان. ثم ذلك لا يمكن تعريفه
الا بلوازمه الخارجية لامتناع التعريف بنفسه وبما هو داخل فيه لاستحالة التركيب فى ذاته وهذا شرط مستغن عن الجزاء بما مضى ولمّا كان فرعون غبيّا لم يدرك حسن الجواب.
قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ تعجبا أَلا تَسْتَمِعُونَ جوابه يعنى انّى سالته عن حقيقته وهو يذكر أفعاله او يزعم ان للسموت ربّا وهى قديمة واجبة لذواتها كما هو مذهب الدهرية او غير معلوم افتقارها الى مؤثر.
فحينئذ.
قالَ موسى رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ عدولا الى ما لا يمكن توهم القدم والوجوب ولا يشك فى افتقارها الى مصور حكيم ويكون اقرب للناظر وأوضح عند التأمل.
قالَ فرعون إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ اسئله عن شىء يعنى عن حقيقته ويجيبنى عن اخر وسماه رسولا على السخرية.
قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما تشاهدون كل يوم انه يأتي بالشمس من المشرق ويحركها على مدار غير المدار اليوم الذي قبله حتى يبلغها الى المغرب على وجه نافع ينتظم به امور الكائنات إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ يعنى ان كان لكم عقل أدركتم انه لا جواب لكم فوق ذلك لاينهم اولا ثم لما راى شكيمتهم «١» اى شدتهم خاشنهم وعارضهم بمثل مقالهم.
قالَ فرعون عدولا عن المحاجة بعد الانقطاع الى التهديد كما هو دأب الجاهل المحجوج لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي جواب قسم محذوف لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ اى من المحبوسين واللام للعهد اى ممن عرفت حالهم فى سجنى قال الكلبي كان سجنه أشد من القتل لانه كان يأخذ الرجل يطرجه فى مكان وحده فردا لا يسمع ولا يبصر فيه شيئا يهوى به فى الأرض- استدل فرعون بقدرته على التعذيب على ألوهيته وإنكاره للصانع وكان قوله الا تستمعون صادرا منه تعجبا من نسبة الربوبية الى غيره ولعله كان دهريا يعتقد ان من الملك قطرا من الأرض وتولى امره بقوة طالعه استحق العبادة من اهله.
قالَ موسى فى جواب تهديده أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ الهمزة للاستفهام للتوبيخ والإنكار والواو للحال بعد حذف الفعل تقديره أتجعلني من المسجونين ولو جئتك بشئ مبين توبيخ على الاساءة حال فجيئة بالحجة الواضحة على صدقه وقيل الواو للعطف على شرطية محذوفة والشرطيتان حال من فاعل فعل محذوف تقديره أتجعلني من المسجونين لو لم أجبك لى دعوائى بحجة ولو جئتك بشئ مبين حجة والمال واحد.
قالَ فرعون فَأْتِ بِهِ اى بشئ مبين إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فى ان ذلك بينة او فى دعواك فان مدعى
(١) الشكيمة الانفة يقال فلان شديد الشكيمة انف ابى قاموس منه رح
النبوة لا بد له من حجة.
فَأَلْقى موسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ ظاهر ثعبانيته او مبين اى مظهر لصدق دعواه عطف على قال.
وَنَزَعَ موسى يَدَهُ إذا قال فرعون وهل غيرها فَإِذا هِيَ اى يدها بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ لها شعاع يكاد يغشى الابصار ويسد الأفق فتحير فرعون وعجز.
وقالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ اى مستقرين حوله ظرف وقع موقع الحال إِنَّ هذا يعنى موسى لَساحِرٌ عَلِيمٌ فائق فى علم السحر.
يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ لمّا غلب عليه سلطان للمعجزة حطة عن دعوى الربوبية الى الاستظهار من القوم وجعلهم أمراء على نفسه وتنفيرهم عن موسى واظهار الخوف عن ظهوره واستيلائه على ملكه.
قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ يعنى اخر أمرهما وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ ناسا يحشرون اى يجمعون السحرة.
يَأْتُوكَ مجزوم فى جواب الأمر بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ يفضلون عليه فى السحر امال سحّار ابن عامر «١» وابو عمرو والكسائي.
فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ عطف على جمل محذوفة تقديره فبعث حشرين فذهبوا فحشروا السحرة لما وقت به من ساعات يوم معين وهو وقت الضحى من يوم الزينة قال البغوي روى عن ابن عباس قال وافق ذلك يوم السبت فى أول يوم السنة وهو النيروز.
وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ استفهام بمعنى الام وفيه استبطاء لهم فى الاجتماع حثّا على عدم الاستبطاء والمبادرة اليه.
لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ يعنون موسى وهارون وقومهما اى نتبعهم فى دينهم قلت وجاز انهم يعنون به السحرة الذين طلبهم اى لعلنا نتبع السحرة فى ابطال امر موسى إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ والترجي يناسب التأويل الثاني واما على التأويل الاول فالترجى باعتبار الغلبة المقتضية للاتباع ومقصودهم الأصلي ان لا يتبعو امر موسى.
فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ استفهام للتقرير.
قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ عطف على مضمون نعم يعنى ان لكم اجرا وانكم إِذاً اى إذا كان لكم الغلبة متعلق بما بعده لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ التزم لهم القربة زيادة على ما طلبوا من الاجر عند الغلبة- فقال السحرة لموسى امّا ان تلقى وامّا ان نكون نحن الملقين كما مرّة فى الأعراف فحينئذ.
قالَ لَهُمْ
(١) والصحيح امال سحّار ابو عمرو والدوري عن الكسائي والصوري عن ابن ذكوان وقال الأزرق عن ورش واما لاخفش عن ابن ذكوان فبا الفتح بلا خلاف وهى طريق التيسر والشاطبية وقرا هشام وابو الحارث بالفتح بلا خلاف- ابو محمد عفا الله عنه
مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ لم يرد به الأمر بالسحر بل أراد به الاذن فى تقديم ما هم فاعلون لا محالة توسلا الى اظهار امره فلا يرد عليه ان الأمر بالمعصية حرام او يقال هذا الأمر للتحقير اى لتحقير سحرهم فى مقابلة المعجزة فليس من باب الطلب فى شىء.
فَأَلْقَوْا اى السحرة حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ تبرّكوا بعزة فرعون لفرط اعتقادهم انه من السعداء او اقسموا بعزته على إتيانهم بأقصى ما يمكن ان يؤتى به من السحر.
فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ اى تبتلع قرأ حفص بالتخفيف والباقون بالتشديد ما يَأْفِكُونَ ما موصولة يعنى ما يقلبونه عن وجهه بتمويههم وتزويرهم فيخيّل حبالهم وعصيهم انها حيات تسعى او مصدرية اى تبتلع إفكهم تسمية للمافوك به مبالغة.
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ يعنى انهم لمّا راو ما راوا لم يتمالكوا أنفسهم لعلمهم بان مثله لا يتاتى بالسحر فطرحوا على وجوههم وانه تعالى ألقاهم بما وفقهم للتوبة وفيه دليل على ان منتهى السحر تمويه وتزوير يخيّل شيئا لا حقيقة له.
قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ بدل من القى بدل اشتمال او حال بإضمار قد.
رَبِّ مُوسى وَهارُونَ ابدال للتوضيح ودفع التوهم والاشعار على ان الموجب لايمانهم ما اجرى على أيديهما من المعجزة.
قالَ فرعون تعنتا ليلبس على قومه كيلا يعتقدوا انهم أمنوا عن بصيرة وظهور حق آمَنْتُمْ لَهُ قرأ حمزة والكسائي وابو بكر وروح ءامنتم بالهمزتين والباقون بهمزة واحدة «١» وحذف همزة الاستفهام الإنكاري قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فعلّمكم شيئا دون شىء ولذلك غلبكم او المعنى انه وادعكم ذلك وتواطئتم عليه فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ تهديد اجمالا ثم فصله بقوله لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ.
قالُوا لا ضَيْرَ اى لا ضرر علينا فى ذلك لاستلزامه الشهادة والاجر الجزيل الذي يتلاشى فى مقابلته المصائب الدنيوية إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ بما توعّدنا به او بسبب اخر من اسباب الموت وقتلك أنفعها وارجلها تعليل لنفى الضير.
إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا اى لان كنّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ من اتباع فرعون او من اهل المشهد قلت والظاهر ان معناه ان كنّا
(١) والصحيح انه قرأ فالون والأزرق عن ورش وابن كثير وابو عمرو وابن ذكوان وابو جعفر وهشام بخلف عنه ءامنتم بهمزة محققة فمسهلة ثم الف وقرأ ابو بكر وحمزة والكسائي وخلف وروح وهشام بوجهه الثاني بهمزتين محققتين ثم الف وقرأ الباقون وهم الاصبهانى عن ورش وحفص ورويس بهمزة واحدة محققة والف على الخبر ١٢ ابو محمد عفا الله عنه
من أول المؤمنين وأول المؤمنين هم الذين يقتدى بهم غيرهم والجملة تعليل ثان لنفى الضير او تعليل للعلة المتقدمة او بدل اشتمال لها.
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى بعد ما اقام بين أظهرهم سنين يدعوهم الى الحق ويريهم الآيات فلم يزيدوا الا عتوّا وفسادا أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي قرأ نافع «وابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء والباقون بإسكانها إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ يتبعكم فرعون وقومه ليحولوا بينكم وبين الخروج من مصر تعطيل للاسراء قال البغوي روى عن ابن عباس قال اوحى الله الى موسى عليه السلام ان اجمع بنى إسرائيل اهل كل اربعة أبيات فى بيت ثم اذبحوا أولاد الضأن فاضربوا بدمائها على أبوابكم فانى سامر الملائكة فلا تدخل بيننا على بابه دم وسامرها فيقتل أبكار ال فرعون من أنفسهم وأموالهم. ثم اخبزوا خبزا فطيرا فانه اسرع لكم ثم اسر بعبادي حتى تنتهى الى البحر فيأتيك امرى ففعل ذلك فلمّا أصبحوا قالوا لفرعون «اى طرى قريب حديث العمل- نهاية منه رح» هذا عمل موسى واتباعه قتلوا ابكارنا من أنفسنا وأموالنا فارسل فى اثره الف الف وخمس مائة الف ملك سود مع كل ملك الف وخرج فرعون فى الكرسي العظيم لكن قلت عدد جنوده بهذه للمثابة مما يستبعده العقل ولم يرو من النقل ما يوجب العلم به.
فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ معطوف على محذوف تقديره فاسرى موسى قومه فبلغ الخبر فرعون وأراد ان يتبعهم فارسل فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يعنى الشرط ليحشروا اى ليجمعوا الجيش قلت لعله بعث ناسا ليجمعوا اهل المدائن المتصلة بمصر بحيث يمكن اجتماعهم فى تلك الليلة الى الصباح قائلا لهم.
إِنَّ هؤُلاءِ يعنى بنى إسرائيل لَشِرْذِمَةٌ بالكسر القليل من الناس كذا فى القاموس ثم أكده بقوله قَلِيلُونَ لاشعاره غاية القلة فهذه الاية تدل على بطلان ما روى انهم كانوا ست مائة وسبعين الفا وانما استقلهم بالاضافة الى جنوده على ما قيل فى عدد جنوده انه كانت مقدمته سبع مائة الف والساقة والجناحين والقلب على قياس ذلك فانه لا يجوزه العقل نظرا الى أجياد ملوك الأرض لا سيما ملك مصر. قلت لعل إيراد الشرذمة لبيان قلتهم بالنسبة الى جنود فرعون وإيراد قليلون لبيان قلتهم فى نفس الأمر.
وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ لنا متعلق بغائظون والمغني انهم اصحاب غيظ وعداوة لنا يعنى مبغضون لنا او المعنى انهم لفاعلون بنا ما يغيظنا.
وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ قرأ اهل الحجاز والبصرة حذرون وفرهين بغير الف ووافقهم هشام فى حذرون والباقون خاذرون وفارهين بالألف فيهما والاول للثبات والثاني للتجدد وهذا معنى ما قال الفراء الحاذر الذي يحذرك الان والحذر المخاوف وقيل حاذرون مؤدون مفوّون اى ذووا ازاءة وقوة اى مستعدون شاوا السلاح كذا قال الزجاج ومعنى حذرون خائفون مستيقظون اى غير غافلين.
فَأَخْرَجْناهُمْ تقديره فاجتمعوا واتفقوا على الاتباع فاخرجناهم يعنى انهم خرجوا بتقديرنا ومشيتنا مِنْ جَنَّاتٍ اى بساتين وَعُيُونٍ انهار.
وَكُنُوزٍ اى اموال من الذهب والفضة وَمَقامٍ كَرِيمٍ اى منازل حسنة ومجالس بهيّة يعنى مجالس الأمراء والرؤساء تحفها الاتباع.
كَذلِكَ اى الأمر كذلك وَأَوْرَثْناها يعنى تلك الجنات والعيون والكنوز والمقام الكريم بَنِي إِسْرائِيلَ وذلك بان الله تعالى ردّ بنى إسرائيل الى مصر بعد ما أغرق فرعون وقومه وأعطاهم جميع ما كان لفرعون وقومه من الأموال والمساكن.
فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ اى داخلين فى وقت شروق الشمس.
فَلَمَّا تَراءَا قرأ حمزة بامالة فتحة الراء فاذا وقف اتبعها الهمزة فاما لها مع جعلها بين بين على أصله فيصير بين الفين ممالتين الاولى أميلت لامالة فتحة الراء والثانية أميلت لامالة فتحة الهمزة وهذا بحكم المشابهة غير ان هذا حقيقته على مذهبه والباقون يخلصون فتحة الراء والهمزة فى حال الوصل فاما الوقت فالكسائى يقف بامالة فتحة الهمزة فيميل الالف التي بعدها المنقلبة من الباء لامالتها وورش يجعلها فيه بين بين على أصله فى ذوات الياء والباقون يقفون بالفتح الْجَمْعانِ اى تقاربا بحيث يرى كل فريق من قوم موسى وقوم فرعون آخرين قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ يعنى سيد ركنا قوم فرعون ولا طاقة لنا بهم.
قالَ موسى ثقة بوعد الله كَلَّا لن يدركونا إِنَّ مَعِي قرأ حفص بفتح الياء والباقون بإسكانها رَبِّي بالعون والحفظ سَيَهْدِينِ اى يدلنى على طريق النجاة-.
فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ مفسرة لاوحينا لما فيه معنى القول اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ عطف على محذوف تقديره فضرب موسى عصاه على البحر فانفلق البحر اى النيل فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ من الماء كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ كالجبل الضخم الثابت فى مقره فدخل كل سبط فى شعب من شعابها.
وَأَزْلَفْنا اى قربنا ثمّ فى ذلك المكان الْآخَرِينَ يعنى قوم فرعون.
وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ بحبس البحر عن الجريان الى ان عبروا.
ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ يعنى قوم فرعون.
إِنَّ فِي ذلِكَ اى إنجاء موسى ومن معه وإهلاك فرعون وقومه لَآيَةً حجة واضحة على صدق موسى عليه السلام وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ اى اكثر اتباع فرعون مُؤْمِنِينَ قيل لم يكن أمن لموسى من ال فرعون الا آسية امراة فرعون وحزئيل مومن ال فرعون الذي يكتم إيمانه وامرأته ومريم بنت ناموسيا التي دلت على قبر يوسف عليه السّلام.
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ فى الانتقام
من أعدائه الرَّحِيمُ باوليائه..
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ اى على اهل مكة عطف قوله إذ نادى ربّك موسى لكونه مقدرا باذكر نَبَأَ إِبْراهِيمَ إِذْ قالَ ابراهيم متعلق بمحذوف اى اذكر إذ قال بدل من قوله اتل عليهم لِأَبِيهِ آزر سماه الله أبا لكونه عما ومربيا له وَقَوْمِهِ «١» ما تَعْبُدُونَ سالهم ليريهم ان ما يعبدونه لا يستحق العبادة.
قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ أطالوا فى الجواب تبجحا به وافتخارا ونظلّ هاهنا بمعنى ندوم وقال البغوي كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل.
قالَ ابراهيم هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ اى هل يسمعون دعاءكم وقال ابن عباس معناه هل يسمعون لكم إِذْ تَدْعُونَ أورد صيغة المضارع مع إذ على حكاية الحال الماضية.
أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ على عبادتكم لها أَوْ يَضُرُّونَ من اعرض عنها.
قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ يعنون انها لا تسمع قولا ولا تنفع نفعا ولا تدفع ضرّا بل اقتدينا بآبائنا يفعلون مفعول ثان لوجدنا وكذلك صفة لمصدر محذوف ليفعلون يعنى بل وجدنا آباءنا يفعلون فعلا كذلك الفعل اى كفعلنا ذلك.
قالَ ابراهيم أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ همزة الاستفهام للتقرير اى حمل المخاطب على الإقرار والفاء للعطف على محذوف وما استفهامية والجملة الاستفهامية قائمة مقام مفعولى رايتم او موصولة وهى مع صلتها أول مفعولى رايتم والثاني مقدر وتقدير الكلام أتأملتم فرايتم اىّ شىء تعبدون يعنى تعبدون ما لا ينفعكم ولا يضركم تقليدا لابائكم عبثا. او تقديره أتأملتم فرايتم الذي تعبدونه شىء لا ينفعكم ولا يضركم ووصف الآباء بالتقدم للاشعار بان التقدم لا يدل على الصحة ولا ينقلب به الباطل حقا.
فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي قرأ نافع وابو عمره وورش «٢» بفتح الياء والباقون بإسكانها يعنى ان عبدتهم فانهم عدولى أسند عداوتهم الى نفسه تعريضا واشعارا بانهم اعداء لكم حيث يتضررون بعبادتها فوق ما يتضرر الرجل من عدوه. وهذا دأب الناصح الكريم يبدأ بنفسه والتعريض انفع من التصريح ونظيره قوله تعالى وما لى لا اعبد الّذى فطرنى يعنى ما لكم لا تعبدونه واطلاق العدو على الجمادات مبنى على التجوز اما لوصول الضرر من جهتها او باعتبار ما يؤل الأمر اليه يوم القيامة قال الله سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدّا وافراد العدو لانه فى الأصل مصدر على
(١) وليس فى الأصل وقومه
(٢) لا وجه لذكر الورش بعد ذكر نافع لعله من سباق القلم- ابو محمد
وزن فعول كالقبول او على معنى ان كل معبود لكم فهو عدولى وقيل يجوز اطلاق العدو والصديق على الواحد والجمع لان كلّ صفة على وزن فعول او فعيل يستعمل كذلك يقال رجل عدو وقوم عدو قال الله تعالى فان كان من قوم عدوّ لّكم وهو مؤمن وقال الله تعالى وكذلك جعلنا لكلّ نبىّ عدوّا شياطين الانس والجنّ إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ استثناء منقطع كانه قال فانّهم عدوّ لّى لكن ربّ العلمين وليّي وقيل انهم كانوا يعبدون الأصنام مع الله تعالى فقال ابراهيم كل من تعبدونه عدوّ لّى الّا ربّ العلمين او يقال كان من ابائهم من يعبد الله.
الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ فانه يهدى كل مخلوق لما خلق له من امور المعاش والمعاد قال الله والّذى قدّر فهدى هداية مدرجة من مبدا الإيجاد الى منتهى اجله يتمكن بها من جلب المنافع ودفع المضار مبداها بالنسبة الى الإنسان هداية الجنين الى امتصاص دم الطمث من سرة ومنتهاها الى طريق الجنة ولذائذها الموصول مع صلتها صفة لرب العلمين او خبر مبتدا محذوف اى هو الّذى خلقنى او منصوب على المدح والفاء للعطف واختلاف النظم لتقدم الخلق واستمرار الهداية وللموصولات الثلاثة معطوفات عليه او الموصول مبتدا خبره فهو يهدين والفاء للسببيه وقوله.
وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ على هذا مبتدا محذوف الخبر لدلالة ما قبله عليه وكذا الذان بعده وتكرير الموصول على الوجوه كلها للدلالة على ان كل واحد من الصلات مستقلة لاقتضاء الحكم.
وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ عطفه على يطعمنى ويسقين لكونها من روادفها فان الصحة والمرض فى الغالب يتبعان المأكول والمشروب ولم ينسب المرض الى الله تعالى مع ان المرض والشفاء كلّا منهما بخلقه سبحانه رعاية لحسن الأدب كما قال خضر فاردت ان أعيبها وقال فاراد ربّك ان يّبلغا أشدّهما وأسند الى نفسه هضما ونظرا ال ان ما أصاب الإنسان من مصيبة فيما كسبت يداه ولان المقصود تعديد النعم. وأسند الموت الى الله سبحانه لان الموت من حيث انه لا يحس به لا ضرر فيه وانما الضرر فى مقدماته وهى المرض ولان الموت لاهل الكمال خلاص من انواع المحن ووصلة الى نيل النعم التي يستحقر دونها الحيوة الدنيوية كما قيل الموت جسر يوصل الحبيب الى الحبيب وفى الحديث موت الفجاءة راحة للمؤمن واخذة الأسف للفاجر. رواه احمد والبيهقي بسند حسن عن عائشة مرفوعا وفى الحديث الموت كفارة لكل مسلم. رواه ابو نعيم فى الحلية والبيهقي بسند ضعيف عن انس ولان المريض فى الغالب يحدث بتفريط الإنسان فى مطاعمه ومشاربه ولما بين الاخلاط والأركان من التنافي والتنافر
والصحة انما يحصل باستحفاظ اجتماعها والاعتدال المحفوظ عليها قهرا بقدرة العزيز الحكيم.
وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ فى الاخرة.
وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ذكر ذلك «١» هضما لنفسه او تعليما لامته ان يجتنبوا المعاصي ويكونوا على حذر منها ويطلبوا المغفرة لما صدر عنهم او استغفارا لما فات منه العزيمة وعمل بالرخصة شفقة على أمته كيلا يضيق عليهم نطاق الأمر وحمل الخطيئة على كلماته الثلاث قوله انّى سقيم وقوله بل فعله كبيرهم وقوله لسارة هذه أختي كما قال به مجاهد وقوله للكوكب هذا ربى كما قال الحسن زائدا على الثلاث ضعيف لانها معاريض وليست بخطايا والله اعلم روى البغوي عن مسروق عن عائشة انها قالت يا رسول الله ابن جدعان فى الجاهلية كان يصل الرحم ويطعم المساكين فهل كان نافعه قال لا ينفعه ان لم يقل يوما ربّ اغفر لى خطيئتى يوم الدّين- وهذا كله احتجاج من ابراهيم على قومه واشعار بانه من لا يستطيع ان يفعل هذا لا يصلح للالوهية.
رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً اى كمالا فى العلم والعمل بحيث يستعد خلافة الحق ورياسة الخلق وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ووفقني الكمال فى العمل حتى انتظم فى سلك الصالحين الّذين لا يشوبهم فساد أصلا وهم الأنبياء المعصومون.
وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ يعنى ثناء حسنا وذكرا جميلا مطابقا للواقع وقبولا
(١) قال الامام فخر الدين الرازي فى التفسير الكبير هذا ضعيف لانه ان كان صادقا فى هذا التواضع لزم الاشكال يعنى كون النبي غير معصوم وان كان كاذيا يرجع الجواب الى الحاق المعصية به لاجل تنزهه عن المعصية وايضا لا يجوز ان يكذب نعرض تعليم الامة- قلت قول الرازي هذا ضعيف لانه انما يلزم الكذب والمعصية إذا يرى نفسه بريّا من الذّنب ويقول بلسانه انى مذنب خاطئى وليس كذلك بل الأمر ان الصوفي إذا تم فقره وفناؤه يرى وجوده وكمالاته مستعارة من الله ويرى نفسه عدما محضا منشا للشر حيث قال الله تعالى ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيّئة فمن نفسك فحينئذ إذا قال انى مذنب لا يسمى كاذبا سهى رسول الله ﷺ فسلّم على رأس الركعتين من الظهر فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسمت يا رسول الله قال كل ذلك لم يكن قال ذو اليدين بعض ذلك قد كان فحاشا ان يكون قوله ﷺ كل ذلك لم يكن كذبا او ذنبا لما كان على نسيان فكذا قال المعصوم ربّ اغفر لى خطيئتى بل اولى لانه إنشاء لا يحتمل الكذب ومعنى قولنا هضما لنفسه اى لاجل انهضام نفسه وحال كون نفسه منهضما منكسرا عند شعسعان جلال ربه لا انه يقول ذلك تواضعا مع ما يرى نفسه غير مذنب فيكون كذبا وسنذكر بعض هذا المقال فى سورة محمد ﷺ فى تفسير قوله تعالى واستغفر لذنبك ١٢ منه برد الله مضجعه-
عامّا فى الأمم اللاتي يأتين من بعدي والمعنى يكون لسان الآخرين فى ثنائى صادقا.
وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ فى الآخرين.
وَاغْفِرْ لِأَبِي قرأ نافع وابو عمرو وورش «١» بفتح الياء والباقون بإسكانها يعنى اغفره بالهداية والتوفيق للايمان.
إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ عن طريق الحق وكان هذا الدعاء قبل ان يتبين له انه عدو لله ولم يقدر له الهداية والايمان قال الله تعالى وكان استغفار ابراهيم لابيه الّا عن مّوعدة وّعدها ايّاه فلمّا تبيّن له انّه عدوّ لله تبرّا منه او لانه لم يمنع بعد الاستغفار للكفار.
وَلا تُخْزِنِي اى لا تفضحنى بمعاتبتي على ما فرطت او ينقص مرتبتى عن مرتبة الصالحين من الخزي بمعنى الهوان او من الخزاية بمعنى الحياء يَوْمَ يُبْعَثُونَ الضمير للعباد لكونهم معلومين او للضالين اخرج الشيخان فى الصحيحين عن ابن عمر انه سئل كيف سمعت رسول الله ﷺ يقول فى النجوى قال يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقول عملت كذا وكذا فيقول نعم ثم يقول نعم ثم يقول انى سترتها عليك فى الدنيا وانا أغفرها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه واما الكافر والمنافق فينادى به على رؤس الاشهاد هؤلاء الّذين كذّبوا على ربّهم الا لعنة الله على الظّالمين.
يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ اى خالص من الشرك والشك فاما الذنوب فليس يسلم منها أحد قال البغوي هذا قول اكثر المفسرين قال سعيد بن جبير القلب السليم قلب المؤمن وقلب الكافر والمنافق مريض قال ابو عثمان النيشابوري هو القلب الخالي عن البدعة المطمئن الى السنة يعنى اهل السنة والجماعة يعنى لا ينفع مال ولا بنون أحدا الا مؤمنا فالمستثنى مفرغ فى محل النصب اولا ينفع مال ولا بنون الآمال مومن وبنوه فالمستثنى فى محل الرفع على البدلية والحاصل ان الكافر وان بذل ماله فى صلة الرحم واطعام المساكين لا ينفعه لعدم إسلامه وكذا بنوه وان كانوا صلحاء او أنبياء لا ينفعون آباءهم بالشفاعة او الاستغفار ما كان للنّبىّ والّذين أمنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولى قربى روى البخاري عن ابى هريرة عن النبي ﷺ قال يلقى ابراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة فيقول له ابراهيم الم اقل لك لا تعصنى فيقول له أبوه فاليوم لا أعصيك فيقول ابراهيم يا رب انك وعدتني ان لا تخزنى يوم يبعثون فاى خزى اخزى من ابى الأبعد فيقول الله انى حرمت الجنة على الكافرين ثم يقال يا ابراهيم انظر ما تحت رجليك فينظر فاذا بذيخ «٢»
(١) ذكر الورس هنا ايضا من سياق قلم. ابو محمد عفا الله عنه-
(٢) قوله بذيخ بكسر المعجمة وسكون التحتانية والمعجمة ذكر الضبع الكثير الشعر ١٢ الفقير الدهلوي.
متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى فى النار فيتبرا منه يومئذ انتهى. واما المؤمن فينفعه ماله الذي أنفقه فى الطاعة وولده بالشفاعة والاستغفار وقيل الاستثناء منقطع والمعنى ولكن سلامة من اتى الله بقلب سليم ينفعه.
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ بحيث يرونها من الموقف فيتججون بانهم للمحشورون.
وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ فيرونها مكشوفة ويرون انهم يساقون إليها قال البيضاوي وفى اختلاف القولين ترجيح لجانب الوعد.
وَقِيلَ لَهُمْ اى للغاوين أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ يعنى اين الذين كنتم تعبدونها وترجون شفاعتها.
مِنْ دُونِ اللَّهِ حال من الضمير المنصوب هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ الاستفهام للانكار والتوبيخ اى هل يمنعونكم من العذاب أَوْ يَنْتَصِرُونَ اى يدفعون العذاب عن أنفسهم بل هم وما يعبدون من دون الله حصب جهنم.
فَكُبْكِبُوا فِيها قال البغوي قال ابن عباس اى جمعوا وقال مجاهد دهوروا وقال مقاتل قذفوا وقال الزجاج طرح بعضهم على بعض وقال القتيبي القوا على رؤسهم وفى القاموس كبه اى قلّبه وصرحه كاكّبه وكبكبه فاكب وهو لازم يعنى كبّ وكبكب بمعنى واحد وقال البيضاوي كبكب تكرير الكب لتكرير معناه كانّ من القى فى النار ينكب مرّة بعد اخرى حتى يستقر فى قعرها هم يعنى الالهة الباطلة وَالْغاوُونَ اى عابدوها.
وَجُنُودُ إِبْلِيسَ اى متبعوه من عصاة الثقلين ويقال ذريته أَجْمَعُونَ تأكيد للجنود ان جعل مبتدا خبره ما بعده او للضمير المرفوع فى كبكبوا مع ما عطف عليه.
قالُوا يعنى الغاوون للشياطين والمعبودين وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ حال من فاعل قالوا والضمير المرفوع المنفصل يعود الى العابدين والمعبودين جميعا ينطق الله الأصنام فيخاصمون العبدة.
تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ان مخففة من الثقيلة واللام فارقة والجملة مقولة قالوا.
إِذْ نُسَوِّيكُمْ ايها المعبودون فى استحقاق العبادة بِرَبِّ الْعالَمِينَ إذ نسوّيكم متعلق بقوله كنا ويجوز ان يكون الضمير المنفصل وما يعود اليه راجعا الى العبدة فحسب كما فى قالوا بناء على عدم صلاحية الاختصام فى الأصنام والخطاب الى الأصنام وفائدة الخطاب المبالغة فى التحسر والندامة والمعنى انهم مع تخاصمهم فى مبدا ضلالهم معترفون بانهماكهم فى الضلالة فيتحسرون عليها.
وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ قال مقاتل يعنون الشياطين وقال الكلبي الأولين الذين اقتدو بهم
فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ كما ان للمؤمنين شفعاء من النبيين والملائكة وإخوانهم الصالحين.
وَلا صَدِيقٍ اى صادق فى المؤدة جمع الشافع ووحّد الصديق لكثرة الشفعاء فى العادة وقلة الصديق ولان الصديق الواحد يسعى اكثر مما يسعى الشفعاء ولاطلاق الصديق على الجمع كالعدو
كما ذكرنا ان وزن فعول وفعيل يجىء فى الجمع والواحد ولانه فى الأصل مصدر كالجنين والصهيل حَمِيمٍ اى قريب فى القاموس حميم كامير القريب جمعه احماء وقد يكون الحميم للجمع والمؤنث يعنون انه ليس لنا صديق ولا قريب يشفع لنا فان الاخلّاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ الّا المتّقين روى البغوي عن جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله ﷺ يقول ان الرجل ليقول فى الجنة ما فعل صديقى فلان وصديقه فى الجحيم فيقول الله تعالى اخرجوا له صديقه الى الجنة فيقول من بقي فما لنا من شافعين ولا صديق حميم قال الحسن استكثروا من الأصدقاء المؤمنين فان لهم شفاعة يوم القيامة
فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً اى رجعة الى الدنيا بتمني للرجعة أقيم فيه لو مقام ليت لاشتراكهما فى معنى التقدير او شرط حذف جوابه يعنى لكان خيرا فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ جواب للتمنى او عطف على كرّة
إِنَّ فِي ذلِكَ اى فيما ذكر من قصة ابراهيم لَآيَةً اى لحجة واضحة لمن أراد ان يستبصر بها ويعتبر فانها جاءت على الظم ترتيب واحسن تقرير يتفطن المتأمل فيها لغزارة علمه لما فيها من الاشارة الى اصول العلوم الدينية والتنبيه على دلائلها وحسن دعوته للقوم وحسن مخالفته معهم وكمال اشفاقه عليهم وتصوير الأمر فى نفسه واطلاق الوعد والوعيد على سبيل الحكاية تعريضا وايقاظا ليكون ادعى لهم الى الاستماع والقبول وايضا فيه حجة واضحة على صدق دعوى محمد ﷺ وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ اى اكثر قومه مُؤْمِنِينَ به
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ القادر على الانتقام الرَّحِيمُ باهمال الكفار لكى يؤمنوا به هم او واحد من ذريتهم. وانعام المؤمنين.
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ القوم مؤنث ولذلك تصغر على قويمة أورد المرسلين بصيغة الجمع والمراد به الجنس يقال يركب فلان الخيل وان لم يكن له إلا فرس واحد او لانهم كانوا ينكرون بعث الرسل وروى عن الحسن البصري انه قيل له يا أبا سعيد ارايت قوله تعالى كذّبت قوم نوح ن المرسلين كذّبت عاد ن المرسلين كذّبت ثمود المرسلين وانما أرسل إليهم رسول واحد قال ان الاخر جاء بما جاء الاول فاذا كذّبوا واحدا كذّبوا الرسل
إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ فى النسب لا فى الدين نُوحٌ عطف بيان للاخ أَلا تَتَّقُونَ الله فتتركون عبادة غيره
إِنِّي لَكُمْ لهدايتكم الى ما هو خير لكم رَسُولٌ من الله أَمِينٌ على وحيه مشهور فيكم بالصدق والامانة
فَاتَّقُوا اللَّهَ اجتنبوا من عذابه وَأَطِيعُونِ فيما أمركم به من التوحيد والعبادة لله وحده
وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ اى على دعائكم الى الله والنصح مِنْ أَجْرٍ حتى تتّهمونى
فى النصح بالطمع إِنْ أَجْرِيَ قرأ نافع وابن عامر وابو عمرو وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ كرره للتاكيد والتنبيه على ان دلالة كل واحد من أمانته وعدم طبعه مستقلة على وجوب طاعته فيما يدعوهم اليه فكيف إذا اجتمعا
قالُوا يعنى قومه إنكارا عليه أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ حال بتقدير قد قرأ يعقوب اتباعك جمع تابع كشاهد وإشهاد او تبع كبطل وابطال الْأَرْذَلُونَ جمع أرذل على وزن اعور على السلامة فى القاموس وهو الدون الخسيس قال البيضاوي الأقل جاها ومالا قال البغوي السفالة وعن ابن عباس الصاغة قال عكرمة الحاكة والاساكفة وهذا من سخافة عقلهم وقصور رأيهم على حطام الدنيوية حتى جعلوا اتباع المقلين فيها مانعا عن اتباعهم وايمانهم بما يدعوهم اليه ودليلا على بطلانه واشاروا بذلك الى ان اتّباعهم ليس عن نظر وبصيرة وانما هو لتوقع مال ورفعة فلذلك
قالَ نوح وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ يعنى انى لا اعلم انهم عملوا ذلك الاتباع إخلاصا لله او طمعا فى رفعة فى الدنيا وما علىّ الا اعتبار الظاهر
إِنْ حِسابُهُمْ يعنى ما حسابهم على بواطنهم إِلَّا عَلى رَبِّي فانّه المطلع عليها لَوْ تَشْعُرُونَ يعنى لو كان لكم شعور لادركتم ذلك ولكن الله عطل مشاعركم عن درك الحق وأعمى بصائركم قال البغوي يعنى لو علمتم ذلك عبدتم لصنائعهم قال الزجاج الصناعات لا يضر فى الديانات
وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ جواب لما او هم قولهم من استدعاء طردهم
إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ كالعلة لعدم الطرد يعنى ما انا الا مبعوث لانذار الناس من عذاب الله ومنعهم عن الكفر والمعاصي ودعوة الخلق الى الله تعالى سواء كانوا أعزاء او أذلاء فكيف يسوغ لى طرد الفقراء لاستتباع الأغنياء إذ ما علىّ الا انذاركم قال الضحاك انذارا بينا بالبرهان الواضح فلا علىّ ان اطردهم لاسترضائكم
قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ عما نقول لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ من المشتومين كذا قال الضحاك او من المقتولين بالحجارة كذا قال مقاتل والكلبي
قالَ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ اظهار لما يدعو الى دعائه عليهم وهو تكذيب الحق لا تخويفهم إياه واستخفافهم به
فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً من الفتاحة وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ قرا ورش وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ من قصدهم او شوم عملهم
فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ المملو
ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ اى بعد انجائه والمؤمنين الْباقِينَ من قومه وهم الكافرون
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً شاعت وتواترت وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ
مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ انثه باعتبار القبيلة وهو فى الأصل اسم أبيهم
إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ فى النسب لا فى الدين هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ عذاب الله بالتوحيد وترك الإشراك
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ أمين على الرسالة قال الكلبي أمين فيكم قبل الرسالة يعنى ما كنتم تتهمونى قبل ذلك فكيف تتهمونى اليوم
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ قرأ نافع «وابو جعفر- ابو محمد» وابن عامر وابو عمرو وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ فان أداء الرسالة طاعة لله تعالى فاجره عليه مسئله لا يجوز أخذ الاجرة على الطاعة والا لا يكون الطاعة طاعة لله تعالى ولا يستحق الاجر من الله تعالى
أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ الاستفهام للتوبيخ او التقرير والاستغراق فى كل ريع غير حقيقى بل المراد به الكثير بالكثرة فى نفسها دون الكثرة بالاضافة قال الوالبي عن ابن عباس اى بكل شرف يعنى بكل مكان مرتفع وريع الأرض لنمائها وقال الضحاك ومقاتل بكل طريق وهو رواية العوفى عن ابن عباس وعن مجاهد هو الفج بين الجبلين وعنه ايضا المنظر وفى القاموس الريع بالكسر والفتح المرتفع من الأرض او الطريق المنفرج فى الجبل او الجبل المرتفع او مسيل الوادي من كل مكان مرتفع وبالكسر الصومعة وبرج الحمام آيَةً اى علامة مذكرة للبساتى تَعْبَثُونَ اى تفعلون فعلا لا يفيدكم فى الاخرة بل فى الدنيا ايضا او معنى الاية علامة للمارّة تعبثون ببنائها إذ كانت المارّة يهتدون بالنجوم فى أسفارهم فلا يحتاجون إليها وقيل انهم كانوا يبنون المواضع المرتفعة ليشرفوا على المارّة والسابلة فيسخرون منهم ويعبثون بهم وعن سعيد بن جبير هذا فى بروج الحمام أنكر عليهم هود اتخاذها بدليل قوله تعبثون اى تلعبون وهم كانوا يلعبون بالحمام قلت والظاهر انهم كانوا يبنون قصورا وبروجا وقلاعا تبقى على وجه الأرض بمر الدهور تكون ذلك علامة مذكرة لمن بناه كما هو داب اهل الدنيا يدل عليه قوله تعالى الم تر كيف فعل ربّك بعاد ارم ذات العماد الّتى لم يخلق مثلها فى البلاد وكل ذلك عبث فانكر عليهم هود عليه السلام كما أنكر النبي ﷺ حيث قال إذا أراد الله بعبد شرّا حصر له فى اللبن والطين حتى يبنى. رواه الطبراني بسند جيد من حديث جابر ورواه فى الأوسط من حديث ابى البشر الأنصاري بلفظ إذا أراد الله بعبد هوانا أنفق ماله فى البنيان وقال ﷺ كل بنيان وبال على صاحبه الا ما كان هكذا. وأشار بكفه رواه الطبراني بسند حسن عن واثلة بن الأسقع وعن انس ان رسول الله ﷺ خرج يوما ونحن معه فراى قبة مشرفة فقال ما هذه قال أصحابه هذه لفلان رجل من الأنصار فكت وحملها
فى نفسه حتى إذا جاء صاحبها رسول الله صلى الله عليه واله وسلّم سلّم عليه فى الناس فاعرض عنه صنع ذلك مرارا حتى عرف الرجل الغضب منه والاعراض عنه فشكى ذلك الى أصحابه فقال والله انى لانكر رسول الله ﷺ قالو اخرج فراى قبتك فرجع الرجل الى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض فخرج رسول الله ﷺ ذات يوم فلم يرها قال ما فعلت القبة قالوا شكى إلينا صاحبها اعراضك عنه فاخبرناه فهدمها فقال اما ان كل بناء وبال على صاحبه الا مالا الا مالا- رواه ابو داود واللفظ له يعنى الا ما لا بد منه وروى احمد وابن ماجة عن انس عنه ﷺ اما ان كل بناء فهو وبال على صاحبه يوم القيامة الا ما كان فى مسجد او دار ويدل على ما ذكرت قوله تعالى
وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ ماخذ الماء وقصورا مشيدة وحصونا عطف على تبنون لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ كانكم تبقون فيها ابدا فتحكمون بنائها (مسئلة) يكره طول الأمل ويستحب قصره عن ابن عمر قال أخذ رسول الله ﷺ ببعض جسدى فقال كن فى الدنيا كانك غريب او عابر سبيل وعدّ نفسك من اصحاب القبور رواه البخاري وعن عبد الله بن عمرو قال مرّ بنا رسول الله ﷺ وانا وأمي نطين شيئا فقال ما هذا يا عبد الله قلت شىء نصلحه قال الأمر اسرع من ذلك- رواه احمد والترمذي وقال هذا حديث غريب وعن ابن عباس ان رسول الله ﷺ كان يهريق الماء فيتيمم بالتراب فاقول يا رسول الله ان الماء منك قريب فيقول ما يدرينى لعلى لا أبلغه. رواه البغوي فى شرح السنة وابن الجوزي فى كتاب الوفاء
وَإِذا بَطَشْتُمْ أخذتم أخذا بالعنف تعذيبا الظرف متعلق بقوله بَطَشْتُمْ معطوف على تبنون جَبَّارِينَ قتّالين فى غير حق بلا رأفة فى القاموس الجبار المتكبر وقلب لا يدخله رحمة والقتال فى غير حق
فَاتَّقُوا اللَّهَ بترك هذه الأشياء وَأَطِيعُونِ فيما أدعوكم اليه فانه انفع لكم
وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ كرر الأمر بالتقوى مرتبا على امداد الله إياهم بما يعرفونه من انواع النعم تعليلا له وتغبيها على الواعد بدوام الامداد والوعيد على تركه بالانقطاع ثم فصّل بعض تلك النعم كما فصل بعض مساويهم المدلول عليها اجالا بالإنكار فى الا تتّقون مبالغة فى الاتعاظ والحث على التقوى فقال
أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ بدل من امدّكم السابق ثمّ أوعدهم فقال
إِنِّي فتح الياء حرميان وابو عمرو والباقون يسكنونها أَخافُ عَلَيْكُمْ ان عصيتمونى كذا قال ابن عباس عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ فى الدنيا او الاخرة فان القادر على الانعام قادر على الانتقام والجملة فى مقام التعليل.
قالُوا يعنى قوم هود فى جوابه سَواءٌ عَلَيْنا مصدر بمعنى المفعول غير مقدم لقوله أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ مبتدا بتأويل المصدر يعنى مستو عندنا وعظك إيانا وعدمه لا نترك ما نحن عليه بوعظك والوعظ كلام يلين القلب بذكر الوعد والوعيد غيّر شق النفي عما يقتضيه المقابلة حيث لم يقل او عظت أم لم تعظ للمبالغة فى عدم اعتدادهم لوعظه
إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ قرأ ابو جعفر وابو عمرو والكسائي ويعقوب بفتح الخاء وسكون اللام يعنى ما هذا الذي جئتنا به من الوعظ الا كذب الأولين واختلاقهم كما فى قوله تعالى وتخلقون إفكا او المعنى ما خلقنا هذا الا خلق الأولين نحيى ونموت مثلهم لا بعث ولا حساب وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة وابن كثير «١» بضمتين اى ما هذ الّذى جئتنا به إلا عادة الأولين كانوا يكذبون مثله او ما هذا الّذى نحن عليه من الدين الا خلق الأولين وعادتهم ونحن بهم مقتدون او ما هذا الذي نحن عليه من الحيوة والموت الا عادة قديمة لم يزل الناس عليها
وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ على ما نحن عليه
فَكَذَّبُوهُ تأكيد وتقرير لما سبق من قوله ان هذا الّا خلق الأولين على بعض التأويلات فَأَهْلَكْناهُمْ السبب التكذيب بريح صرصر كما ذكر فى غير هذا الموضع إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ فيه اشارة الى انه لو أمن أكثرهم او شطرهم لما أخذوا بالعذاب وان قريشا انما عصموا عن مثله ببركة من أمن منهم قال الله تعالى ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنت الى قوله لعذّبنا الّذين كفروا منهم عذابا أليما
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ قرأ نافع وابن عامر وابو عمرو وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا انكار لتركهم فيما انعموا فى الدنيا او تذكير بالنعمة فى تخلية الله إياهم فى اسباب التنعم آمِنِينَ غير خائفين من العذاب ثم فسر ما هاهنا بقوله.
فِي جَنَّاتٍ مع ما عطف عليه بدل من قوله فيما هاهنا وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها اى ثمرتها هَضِيمٌ قال ابن عباس اى لطيف ومنه هضيم الكشح إذا كان لطيفا وروى عطية عنه نافع نضيج وقال عكرمة هو اللين وقال الحسن هو الرخو وقال مجاهد منهشم متفمّت إذا يبس وذلك انه مادام رطبا فهو هضيم فاذا يبس فهو هشيم وقال الضحاك ومقاتل قد ركب
(١) قرأ ابن كثير بفتح الخاء وسكون اللام فعدها فى هذه القراءة سهو ١٢ ابو محمد عفا الله عنه
بعضها بعضا اى كثير وقال اهل اللغة هو المنضم بعضه الى بعض فى دعائه قبل ان يظهر قال الأزهري هو الداخل بعضه فى بعض وقيل هضيم اى هاضم يهضم الطعام وكل هذا للطافة
وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً عطف على قوله امنين لتضمنه معنى الفعل على طريقة فالق الإصباح وجعل اللّيل سكنا والتقدير تأمنون وتنحتون او حال من ضمير امنين بتقدير وأنتم تنحتون فارِهِينَ قرأ نافع «وابو جعفر ويعقوب- ابو محمد» وابن كثير وابو عمرو فرهين وهو ابلغ لانه صفة مشبهة يدل على الدوام والباقون فارهين يعنى حاذقين بنحتها من قولهم فره الرجل فراهة فهو فاره وقال عكرمة معناه ناعمين وقال قتادة معجبين بصنيعكم وقال السدىّ متحيرين وقال الأخفش فرحين والعرب يعاقب بين الحاء والهاء مثل مدحته ومدهته وقال اى شرهبين يعنى حريصين والشّره غلبة الحرص وقال ابو عبيدة مرحين أشرين بطرين وهو الطغيان بالنعمة وعدم قبول الحق تكبرا
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ قال ابن عباس اى المشركين وقال مقاتل هم التسعة الذين عقر والناقة
الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بالمعاصي وَلا يُصْلِحُونَ ولا تطيعون الله فيما أمرهم به-
قالُوا يعنى ثمود إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ اى من المسحورين المخذوعين كذا قال مجاهد وقتادة وقال الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس من المخلوقين المعللين بالطعام والشراب يقال سحره اى علله بالطعام والشراب يعنى انك تأكل الطعام والشراب ولست بملك بل
ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فلا أنت بنبي او المعنى انك ذو سحر وهى الرية اى انسان فحينئذ ما أنت الّا بشر مثلنا تأكيد له فَأْتِ بِآيَةٍ دليل على صحة قولا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فى دعواك- فاخرج الله سبحانه ناقة من الصخرة بدعائه على ما اقترحوا اية على صدقه حتى.
قالَ صالح هذِهِ ناقَةٌ اية صدقى لَها شِرْبٌ اى حظ ونصيب من الماء صفة لناقة وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ فاقتصروا على شربكم ولا تزاحموها فى شربها والجملة حال عن الضمير المستكن فى لها شرب. فكانت الناقة تشرب الماء كله فى يوم نوبتها ولا تشرب أصلا فى يوم نوبتهم وهذا دليل على جواز المهاياة
وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ اى بضرب وعقر عطف على هذه ناقة فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ اى يوم عظيم عذابه وهو ابلغ من تعظيم العذاب لان الوقت إذا عظم بسببه كان وقعه من العظمة أشد
فَعَقَرُوها عطف على قال نسب العقر الى الكل مع صدوره من بعضهم لامرهم ورضائهم به وكذلك أخذوا فى العذاب كلهم فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ على عقرها خوفا من نزول العذاب لا توبة او عند معائنة العذاب حين لا ينفعهم
فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ الموعود
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ قرأ نافع وابو عمرو وابن عامر وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها «١» إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ جملة أتأتون بيان او بدل لقوله الا تتقون يعنى أتأتون من دون من عداكم من العلمين الذكر ان تجامعونهم لا يشارككم فيه غيركم او اتأتون الذكر ان بالجماع دون النساء من العلمين من أولاد آدم عليه السلام مع كثرتهم وغلبة النساء فيهم فالمراد بالعلمين على الاول كل من ينكح وعلى الثاني الناس
وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ لاجل استمتاعكم مِنْ أَزْواجِكُمْ من للبيان ان أريد بما جنس الإناث وللتبعيض ان أريد به العضو المباح منهن فانهم كانوا يفعلون ذلك بنسائهم ايضا كما تفعله الرافضة- وفيه دليل على حرمة ادبار الزوجات وللملوكات بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ مجاوزون من حد الحلال الى الحرام فى قضاء الشهوة زدتم فى قضائها على سائر الناس بل على الحيوانات او مفرطون فى المعاصي وهذا من جملة ذلك او أحقاء بان توصفوا بالعدوان لارتكاب هذه اللائمة-
قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ جواب قسم محذوف يلوط عما تدعيه او عن فهينا بقبيح أمرنا لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ من قريتنا
قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ من المبغضين فابة البغض لا أبالي من الإخراج وهو ابلغ من ان يقول انّى لعملكم قال لدلالته على انه معدود فى زمرتهم مشهور بانه من جملتهم وكذلك قوله بل أنتم قوم عادون مكان تعدون ثم لمّا ظهر عند لوط عدم تأثير دعوته فيهم دعا ربه ان ينجوه من مصاحبتهم ويعافيهم عما يلحقهم من العذاب فقال
رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ اى من شومه وعذابه
فَنَجَّيْناهُ عطف على قال المقدر قبل قوله ربّ نجّنى وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ اى اهل بيته ومتبعيه فى دينه بإخراجهم من بينهم وحلول العذاب بهم دونه
إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ مقدرة فى الباقين فى العذاب والهلاك أصابها حجر فى الطريق فاهلكها لانها كانت مائلة الى القوم راضبة بفعلهم وقيل كانت فيمن بقي فى القرية ولم يخرج مع لوط عليه السلام
ثُمَّ دَمَّرْنَا اى أهلكنا الْآخَرِينَ
وَ
(١) وفى الأصل بياض لقدر ربع الصفحة بعد الا تتّقون وكذا بعد وما اسئلكم وكذا بعد بإسكانها ١٢ [.....]
أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً قال وهب بن منبه الكبريت والنار
فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ اللام فيه للجنس حتى يصح وقوع المضاف اليه فاعل ساء والمخصوص بالذم محذوف وهو ممطرهم
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ قرأ ابو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي الأيكة هاهنا فى سورة ص بالهمزة وسكون اللام وكسر التاء والحرميان وابن عامر ليكة بفتح اللام والتاء غير مهموز وهو اسم بلد غير منصرف ولم يختلفوا فى سورة الحجر «١» وق فانهما مهموزتان مكسورتان مع سكون اللام غير ان ورشا يلقى حركة الهمزة على اللام على أصله والايكة الغيضة من الشجر الملتف كانت غيضة بقرب مدين يسكنها طائفة فبعث الله تعالى إليهم شعيبا كما بعثه الى مدين وكان شعيب من اهل مدين ولم يكن من اصحاب الايكة وكذلك قال
إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ ولم يقل أخوهم شعيب كما قال فى ذكر مدين أخاهم شعيبا لانه كان منهم نسبا
أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ قرأ نافع «وابو جعفر- ابو محمد» وابو عمرو وابن عامر وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ انما كانت دعوة هؤلاء الأنبياء كلهم فيما حكى الله عنهم على صيغة واحدة لاتفاقهم على الأمر بالتقوى والطاعة والإخلاص فى العبادة والامتناع من طلب الاجر على الدعوة وتبليغ الرسالة ومن ثم قال الله تعالى انّا أوحينا إليك كما أوحينا الى نوح والنّبيّين من بعده وقال الله تعالى اقيموا الدّين ولا تتفرّقوا فيه
أَوْفُوا الْكَيْلَ يعنى اتموه الجملة مع ما عطف عليه بيان للتقوى وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ الناقصين لحقوق الناس بالتطفيف
وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ قرا مرّة «وحفص وخلف ابو محمد» والكسائي بكسر القاف والباقون بضمها وهو الميزان وهو ان كان عربيا فان كان من القسط بمعنى العدل ففعلاع بتكرير العين والا فهو فعلال رباعى الْمُسْتَقِيمِ المستوي الذي لا تطفيف فيه
وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ اى لا تنقصوا شيئا من حقوقهم وَلا تَعْثَوْا اى لا تفسدوا فِي الْأَرْضِ بالقنل والغارة وقطع الطريق والنهب وغير ذلك مُفْسِدِينَ يعنى قاصدين الفساد فمن وقع منه نوع فساد بنية الإصلاح كمن رمى كافرا (تترّس بأسير مسلم) بنية الكافر وأصاب الأسير المسلم فلا غرم عليه ومن وقع منه فساد خطأ من غير قصد فهو غير مفسد
وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ اى ذوى الجبلة الأولين
(١) وفى للاصل فى سورة الحج وف وهو من سبق قلم لا شك فيه- ابو محمد عفا الله عنه-
يعنى من تقدمهم من الخلائق.
قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا الواو للعطف على ما سبق للدلالة على انه جامع بين وصفين متنافيين للوسلة مبالغة فى تكذيبه وجاز ان يكون حالا مما سبق وَإِنْ نَظُنُّكَ يعنى وانا فظنك لَمِنَ الْكاذِبِينَ فى دعواك
فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً قرأ حفص هاهنا وفى سبأ بفتح السين والباقون بسكونها اى قطعة مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فى دعواك
قالَ شعيب رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ من نجس الكيل والوزن وغير ذلك وهو يجازيكم عليه إنشاء وليس العذاب الىّ وما علىّ الا الدعوة
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ وذلك انه أخذهم حر شديد وكانوا يدخلون الا سراب فاذا دخلوها وجدوها أشد حرّا فاظلهم سحابة وهى الظلة فاجتمعوا إليها فامطرت عليهم نارا فاحترقوا وقد ذكر القصة فى سورة هود إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ هذا اخر القصص السبع المذكورة على الاختصار تسلية لرسول الله ﷺ وتهديدا للمكذبين به.
وَإِنَّهُ اى القران لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ مصدر بمعنى المفعول يعنى منزل من رب العالمين عطف على قوله تلك آيات الكتاب المبين
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ حال بتقدير قد او تأكيد لما سبق او علة لكونة تنزيلا من الله قرأ اهل الحجاز وابو عمرو وحفص نزل بالتخفيف والرّوح الامين بالرفع على الفاعلية يعنى نزل بالقران الرّوح الامين يعنى جبرائيل عليه السلام وهو أمين الله على الوحى الى الأنبياء وقرأ ابن عامر وابو بكر «خلف ويعقوب ابو حمد» وحمزة والكسائي بتشديد الزاء ونصب الروح الامين على المفعولية يعنى نزّل الله جبرئيل بالقران
عَلى قَلْبِكَ يا محمد حتى وعيته والمراد بالقلب هو القلب الصنوبري دون اللطيفة الربانية اللامكانية التي أصلها فوق العرش وبرزتها فى القلب الصنوبري لانه من عالم الأمر وهو لا يحتمل اعياء الوحى والنبوة بل الحامل لها هو القلب الصنوبري الجامع للعناصر والنقش وبرزات عالم الأمر ومن ثم لم يوجد الإيحاء الا بعد كمال البدن او بلوغه أشدّه عند أربعين سنة لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ اى المخوفين عمّا يؤدى الى العذاب من فعل او ترك
بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ واضح المعنى قال ابن عباس يعنى بلسان قريش لئلا يكون لهم عذر بانا لم نفهم ما اوحى إلينا متعلق بنزل او بالمنذرين قيل معناه
نزل به على قلبك بلسان عربى ولو كان اعجميّا لكان نازلا على سمعك دون قلبك لانك حينئذ تسمع صوتا لا تضهم معناه وقد يكون الرجل عارفا بعدة لغات فاذا كلمه أحد بلغة نشا عليها أحاط قلبه اولا بمعاني الكلام وان كلمه بغيرها كان قلبه اولا متوجها الى ألفاظها ثم فى معانيها فيقول بلسان عربىّ تقرير لقوله نزل على قلبك
وَإِنَّهُ اى ذكر إنزال القران كذا قال اكثر المفسرين وقال مقاتل اى ذكر محمد ﷺ وقيل معناه اى القران لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ اى كتبهم وهذه الجملة معطوفة على ما سبق او حال وعلى التأويل الأخير قال بعض الحنفية القران اسم للمعنى فقط لانه لم يكن فى الزبر السابقة بهذا اللفظ العربي قطعا ومن أجل ذلك أجاز ابو حنيفة القراءة فى الصلاة بالفارسي وهذا القول مردود بل القران اسم للنظم والمعنى جميعا حيث قال الله تعالى قرءانا عربيّا فان العربي صفة للنظم ولان القران معجز والاعجاز من خواص النظم ومن أجل ذلك جاز للمجنب ان يقرا ترجمة القران بالفارسي وانما أجاز ابو حنيفة القراءة بالفارسي فى حق جواز الصلاة خاصة لجعله النظم ركنا غير لازم فى الصلاة خاصة رعاية للخضوع وقد رجع ابو حنيفة عن هذا القول وقال بعدم جواز القراءة بالفارسي كما قال صاحباه واكثر الائمة وبه يفتى
أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً الهمزة للانكار والواو للعطف على محذوف تقديره الم يعرفوا رسولهم ولم يكن لّهم اية على رسالته- قرا ابن عامر تكن بالتاء الفوقانية واية بالرفع على انه اسم كان وخبره لهم وان يعلمه بدل من اية او خبر مبتدا محذوف وجاز ان يكون لم تكن تامة فاعله اية ولهم حال منه وان يعلمه بدل من الفاعل او خبر مبتدا محذوف او يكون فى لم تكن ضمير القصة وان يعلمه مبتدا واية خبره مقدم عليه ولهم حال من اية والعامل معنى الثبوت المستفاد من الحمل والجملة خبر كان- وقرأ الباقون بالياء التحتانية واية منصوب على الخبرية واسمه ان يعلمه ولهم حال من اية أَنْ يَعْلَمَهُ يعنى محمدا ﷺ بنعته المذكورة فى التورية كما يعرفون أبناءهم او يعلمون القران انه منزل من الله عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ قال عطية كانوا خمسة عبد الله بن سلام وابن يامين وثعلبة واسد وأسيد وقال ابن عباس بعث اهل مكة الى اليهود وهم بالمدينة فسالوهم عن محمد ﷺ فقالوا ان هذا لزمانه وانا لنجد فى التورية نعته وصفته
وَلَوْ نَزَّلْناهُ اى القران عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ هو جمع أعجم وهو الّذى لا يفصح ولا يحسن العربية وان كان عربيّا فى النسب
والعجمي هو المنسوب الى العجم وان كان فصيحا بالعربية ومعنى الاية ولو نزّلناه على رجل غير فصيح اللسان بالعربية وقال البيضاوي هو جمع أعجمي على التخفيف ولذالك جمع جمع السلامة يعنى لو كان جمع أعجم لما جاز جمعه للسلامة لان مؤنثه عجماء فان افعل فعلاء لا يجمع جمع السلامة ونظيره اشعرون جمع اشعرى على التخفيف أصله اشعريون والمعنى ولو نزّلنا القران عربيّا كما هو على بعض الأعجمين زيادة فى الاعجاز او بلغة العجم
فَقَرَأَهُ اى الأعجمي عَلَيْهِمْ اى على اهل مكة ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ أفرط عنادهم واستكبارهم واستنكافهم من اتباع الأعجمي او لعدم فهمهم يقولون ما نفقه ما تقول نظيره قوله تعالى ولو جعلناه قرءانا اعجميّا لّقالوا لولا فصّلت آياته
كَذلِكَ فى محل النصب بفعل مضمر يفسره ما بعده سَلَكْناهُ الضمير عائد الى الشرك التكذيب المدلول عليه بقوله ما كانوا به مؤمنين كذا قال ابن عباس والحسن ومجاهد يعنى أدخلنا الشرك والتكذيب فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ فيدل الاية على انه بخلق الله تعالى وقيل الضمير للقران اى أدخلنا القران فى قلوبهم فعرفوا معانيه واعجازه ومع ذلك لم يؤمنوا به عنادا
لا يُؤْمِنُونَ بِهِ اى بالقران بيان لقوله كذلك سلكناه او حال او دليل على ما سبق وفى الاية اخبار بحال من علم الله موته على الشرك حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ الملجئ الى الايمان وذلك بعد الموت فى القبور
فَيَأْتِيَهُمْ العذاب بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بإتيانه
فَيَقُولُوا حينئذ تحسرا وناسف هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ الاستفهام للتمنى يتمنون الرجعة والنظرة قال مقاتل لمّا أوعدهم الله سبحانه على لسان نبيه ﷺ بالعذاب قالوا الى متى ما توعدنا به ومتى هذا العذاب قال الله تعالى
أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ الهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره ابوعيدنا لا يستيقنون فبعذابنا يستعجلون وحالهم عند نزول العذاب طلب النظرة وقيل هذا كناية عن قولهم انزل علينا حجارة من السّماء او ائتنا بعذاب اليم وقولهم فاتنا بما تعدنا ولمّا كان استعجالهم العذاب بناء على اعتقادهم انه غير كائن وانهم يتمتعون أعمارا طوالا فى سلامة وأمن أنكر الله تعالى على استعجالهم ثم قال على تقدير التسليم
أَفَرَأَيْتَ الاستفهام للتقرير والفاء للعطف على المحذوف تقديره أتفكرت فرايت يعنى فعلمت إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ كثيرة ولو مدة حيوة الدنيا.
ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ والمعنى انهم إذا راوا العذاب الأليم حين يأتيهم بغتة يقولون هل نحن منظرون ولكنهم لا ينظرون اى لا يمهلون ولو سلمنا إهمالهم فلو تفكرت علمت انا ان متعناهم سنين كثيرة ثم جاءهم ما كانوا يوعدون به من العذاب ما اغنى عنهم تمتيعهم وإهمالهم المتطاول فى دفع العذاب وتخفيفه بل صار التمتع نسيا منسيّا كانهم لم يكونوا فى نعيم قط
وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا قرية لَها مُنْذِرُونَ اى رسل انذروا أهلها فلم ير تدعوا
ذِكْرى اى تذكرة ومحلها النصب على العلة او المصدرية لانها فى معنى الانذار او الرفع لانّها صفة منذرون بإضمار ذووا او بجعلهم ذكرى مبالغة لامعائهم فى التذكرة او خبر مبتدا محذوف والجملة اعتراضية وَما كُنَّا ظالِمِينَ
وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ عطف على نزل به الرّوح الامين يعنى ليس كما زعمت المشركون ان الشياطين يلقون القران على محمد صلى الله عليه وسلم.
وَما يَنْبَغِي لَهُمْ اى للشياطين ان يلقوا القران على محمد فان القران هداية والشياطين انماهم دعاة الى الضلال وَما يَسْتَطِيعُونَ ان يلقوا الاخبار بالمغيبات المذكورة فى القران
إِنَّهُمْ اى الشياطين عَنِ السَّمْعِ لكلام الملائكة من السماء لَمَعْزُولُونَ اى محجوبون مرجومون بالشهب
فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ تهييج لازدياد الإخلاص ولطف لسائر المكلفين قال ابن عباس رض يحذر به خيره يقول أنت أكرم الخلق علىّ ولو اتخذت الها غيرى لعذبتك
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ الأقرب منهم فالاقرب فانهم اولى باهتمام شأنهم او لنفى التهمة فان الإنسان يساهل قرابته او ليعلموا انه لا يغنى عنهم من الله شيئا وان النجاة فى اتباعه- قال البغوي روى محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس رض عن على بن ابى طالب رضى الله عنهم انه قال لما نزلت هذه الاية على رسول الله ﷺ دعانى رسول الله ﷺ فقال يا على ان الله أمرني ان انذر عشيرتى الأقربين فضقت بذلك ذرعا وعرفت انى متى انذرهم واناديهم بهذا الأمر ارى منهم ما اكره فصمتّ عليها حتى جاءنى جبرئيل فقال يا محمد ان لم تفعل ما تؤمر بعذبك ربك فاصنع لنا صاما من طعام واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عسا من لبن ثم اجمع لى بنى عبد المطلب حتى أبلغهم ما أمرت
86
به ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا او ينقصون فيهم أعمامه ابو طالب وحمزة والعباس وابو لهب فلمّا اجتمعوا له دعا بالطعام الذي صنعت فجئت به فلمّا وضعته تناول رسول الله ﷺ حذية «١» من اللحم فشقها بأسنانه ثم القاها فى نواحى الصحفة ثم قال خذوا بسم الله فاكل القوم حتى ما بهم حاجة وايم الله وان كان الرجل الواحد ليأكل مثل ما قدمت لجميعهم ثم قال اسق القوم فجئتهم بذلك العش فشربوا حتى رووا جميعا وايم الله الرجل او أحد يشرب مثله فلما راى رسول الله ﷺ ان يكلمهم «اى سبقه- منه رح» بدره ابو لهب فقال سحركم صاحب كم فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله ﷺ فقال لغديا على ان هذا الرجل قد سبق الى ما علمت من القول فتفرق القوم قبل ان أكلمهم فعدلنا بمثل ما صنعت ثم اجمعهم ففعلت ثم جمعتهم ثم دعانى بالطعام فقربته ففعل كما فعل بالأمس فاكلوا وشربوا ثم تكلم رسول الله ﷺ فقال يا بنى عبد المطلب انى قد جئتكم بخير الدنيا والاخرة وقد أمرني الله ان أدعوكم اليه فأيّكم يوازرنى على امرى ويكون أخي ووصيي وخليفتى فاحجم القوم عنها جميعا فقلت وانا أحدثهم سنّا انا يا نبى الله انا وزيرك عليه فاخذ برقبتى ثم قال ان هذا أخي ووصيي وخليفتى فيكم فاسمعوا له وأطيعوا فقام القوم يضحكون أمرنا ان نسمع لعلى ونطيع وفى الصحيحين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت وانذر عشيرتك الأقربين صعد النبي ﷺ على الصفا فجعل ينادى يا بنى فهر يا بنى عدى لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع ان يخرج أرسل رسولا فينظر ما هو فجاء ابو لهب وقريش فقال ارايتكم لو أخبرتكم ان خيلا بالوادي يريد ان يغير عليكم أكنتم مصدقى قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال فانّى نذير لّكم بين يدى عذاب شديد قال ابو لهب تبّا لك سائر اليوم الهذا جمعتنا فنزلت تبّت يدا ابى لهب وتبّ ما اغنى عنه ماله وما كسب الى اخر السورة. وفى الصحيحين عن ابى هريرة قال قام رسول الله ﷺ حين انزل الله وانذر عشيرتك الأقربين قال يا معشر قريش او كلمة نحوها اشتروا أنفسكم لا اغنى عنكم من الله شيئا يا بنى عبد مناف لا اغنى عنكم من الله شيئا يا عباس بن عبد المطلب لا اغنى عنك من الله شيئا يا صفية عمة رسول الله لا اغنى عنك من الله
(١) وفى القاموس الحذية بالحاء المهملة المكسورة والذال المعجمة الساكنة فالياء ما قطع طولا او القطعة الصغيرة ١٢ الفقير الدهلوي
87
شيئا يا فاطمة بنت محمد سلينى ما شئت من مالى لا اغنى عنك من الله شيئا. وذكر البغوي حديث ابن عباس بلفظ لما نزلت وانذر عشيرتك الأقربين خرج رسول الله ﷺ حتى صعد على الصفا فهتف يا صباحاه فقالوا من هذا فاجتمعوا اليه فقال ارايتم ان أخبرتكم ان خيلا يخرج من صفح هذا الجبل أكنتم مصدقى قالوا ما جربنا عليك كذبا قال انى نذير لّكم بين يدى عذاب شديد قال ابو لهب تبّا لك ما جمعتنا الا لهذا ثم قام فنزلت تبّت يدا ابى لهب قد تبّ هكذا قرأ الأعمش يومئذ. وروى البغوي عن عبد الله بن حمار المجاشعي رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ ان الله امر فى ان أعلمكم ما جهلتم عما علمنى يومى هذا وانه قال كل مال نحلته عبادى فهو لهم حلال وانى خلقت عبادى خفاء كلهم فاتتهم الشياطين فاحتالهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وامرتهم ان لا يشركوا بي ما لم انزل به سلطانا وان الله نظر الى اهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم الا بقايا من اهل الكتاب وان الله أمرني ان أخوف قريشا فقلت يا رب إذا يثلغوا رأسى حتى يدعوه خبزة فقال بعثت لابتليك وابتلى بك قد أنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقراه فى المنام واليقظة فاغزهم تغزك وأنفق تنفق عليك وابعث جيشا غددك بخمسة أمثاله وقاتل بمن أطاعك من عصاك ثم قال اهل الجنة ثلاثة امام مقسط ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذى قربى ومسلم ورجل غنى عفيف متعفف متصدق واهل النار خمسة الضعيف الذي لا زبر «١» له الذين هم فيكم تبع لا يبتغون بذلك أهلا ولا مالا ورجل ان أصبح أصبح يخادعك «٢» عن أهلك ومالك ورجل لا يخفى له طمع وان دق الا ذهب به والشنظير «٣» وذكر البخل والكذب والله اعلم اخرج ابن جرير عن ابن جريح قال لما نزلت وانذر عشيرتك الأقربين بدا باهل بيته فشقّ ذلك على المسلمين فانزل الله تعالى
وَاخْفِضْ جَناحَكَ اى لئنّ جانبك لِمَنِ اتَّبَعَكَ مستعار من خفض الطائر جناحه إذا أراد ان ينحط مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بيان لمن اتّبعك لان من اتّبع أعم ممن اتبع الدين او غيره او للتبعيض على ان المراد بمن اتبعك كمال الاتباع وبالمؤمنين أعم منهم ومن عصاة المؤمنين كما يدل عليه قوله
فَإِنْ عَصَوْكَ فى بعض الأمور فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ يعنى برئ مما تعملون من المعاصي والسيئات وليس فيه براءة من أنفسهم
وَتَوَكَّلْ قرأ اهل المدينة والشام فتوكّل بالفاء وكذا فى مصاحفهم على انه بدل من قوله فقل انّى برئ ممّا تعملون والباقون بالواو عطفا على قوله واخفض جناحك والتوكل تفويض امره الى غيره
(١) لا زبر له اى لا عقل له يزبره وينهاه عن الاقدام على ما لا ينبغى وروى بعضهم لا زبر لهم بالياء المثناة من تحت فسرده انه لا راى له والمحفوظ بالباء الموحدة ١٢ منه رحمه الله
(٢) وفى الأصل ورجل ان أصبح مخادعك إلخ ولا يستقيم ١٢ الفقير الدهلوي؟.
(٣) وفى مجمع البحار الشنظير بكسر شين وسكون نون الفحاش وهو السيئ الخلق ١٢ الفقير الدهلوي
وذالا يجوز عقلا وشرعا الا على من كان قادرا على نفعه ودفع الضرر عنه سميعا بأقواله بصيرا بأحواله عليما بعاقبة امره رقيبا عليه ولذلك قال عَلَى الْعَزِيزِ اى الغالب الذي يقدر على قهر أعدائه ونصر أوليائه الرَّحِيمِ الذي يرحم عليك وعلى اتباعك
الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ
داعيا للناس الى التوحيد ومجاهدا فى سبيل الله او المراد حين تقوم الى الصلاة كذا قال المفسرون
وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ عطف على الضمير المنصوب فى يراك يعنى ويرى تقلبك فى صلاتك فى حال قيامك وركوعك وسجودك وقعودك او فى محل تقوم يعنى يراك حين تقوم وحين تقلبك وقال عطية وعكرمة عن ابن عباس فى الساجدين اى فى المصلين وقال مقاتل اى ومع المصلين فى الجماعة يعنى يراك حين تصلى وحدك وحين تصلى مع المصلين فى الجماعة وقال مجاهد يرى تقلب بصرك فى المصلين فانه كان يبصر من خلفه كما كان تبصر من امامه. روى البغوي عن ابى هريرة ان رسول الله صل الله عليه وسلم قال هل ترون قبلتى هاهنا فو الله لا يخفى على خضوعكم انى لاراكم من وراء ظهرى وقال الحسن تقلبك فى الساجدين اى تصرفك فى ذهابك ومجيئك فى أصحابك المؤمنين وقال سعيد بن جبير يعنى وتصرفك فى أحوالك كما كانت الأنبياء من قبلك والساجدون هم الأنبياء وقيل معناه ترودك فى تصفح احوال المتهجدين قال البيضاوي روى انه لما نسخ فرض قيام الليل طاف تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون حرصا على كثرة طاعتهم فوجدها كبيوت الزنابير لما سمع لها من دندنتهم بذكر الله والتلاوة وانما ذكر تقلبه فى الساجدين من أحواله لكونه من اسباب الرحمة المقتضية للتوكل على من يتصف به- وقال عطاء عن ابن عباس أراد تقلبك فى أصلاب الآباء من نبى الى نبى لكن فى هذا التأويل ليس كمال المدح لاشتراك قريش بل جميع الناس فيه بل الاولى ان يقال المراد منه تقلبك من أصلاب الطاهرين الساجدين لله الى أرحام الطاهرات الساجدات ومن أرحام السجدات الى أصلاب الطاهرين اى الموحدين والموحدات حتى يدل على ان اباء النبي ﷺ كلهم كانوا مؤمنين كذا قال السيوطي وقال الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي (شعر) :-
وينقل أحد نورا عظيما تلألا فى وجوه الساجدين
تقلب فيهم قرنا فقرنا الى ان جاء خير المرسلين
وممّا يؤيد هذا التأويل ما رواه البخاري فى الصحيح عنه ﷺ قال بعثت من خير قرون بنى آدم قرنا فقرنا حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه-
وروى مسلم من حديث واثلة بن الا سقع قوله ﷺ ان الله اصطفى من ولد ابراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بنى كنانة واصطفى من بنى كنانة قريشا واصطفى من قريش بنى هاشم واصطفائى من بنى هاشم وروى البيهقي فى دلائل النبوة من حديث انس قال ما افترق الناس فرقتين الا جعلنى الله من خيرهما فاخرجت من بين ابوىّ ولم يصبنى شىء من عهد الجاهلية خرجت من نكاح لم اخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت الى ابى وأمي فانا خيركم نفسا وخيركم أبا- وقد صنف السيوطي رحمه الله فى اثبات ايمان اباء النبي ﷺ اجمالا وتفصيلا كتابا وذكر فيه ما له وما عليه ولخصلت منه رسالة فليرجع إليها
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ بأقواله الْعَلِيمُ بأفعاله ونيّاته وعواقب أموره فهو الحقيق بالتوكل.
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ متصل بقوله وما تنزّلت به الشّياطين جوابا عن قولهم تنزل عليه شيطان. ثم بين فقال
تَنَزَّلُ فى الموضعين مضارع من التفعل بإسقاط احدى التاءين عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ كثير الافك اى الكذب أَثِيمٍ كثير الإثم غير مطيع لله تعالى ففيه بيان ان محمدا لا يصح ان يكون من يتنزل عليه شيطان بوجهين أحدهما انه انما يتنزل على شرير كذاب كثير الإثم لاشتراط التناسب بين المفيض والمستفيض ومحمد ﷺ ليس كذلك وثانيهما قوله
يُلْقُونَ السَّمْعَ الى الشياطين فيتلقون منهم أشياء فيضمون إليها أشياء على حسب تخيلاتهم لا يطابق أكثرها الواقع وذلك قوله تعالى وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ ومحمد ﷺ ليس كذلك فانه يخبر عن مغيبات كثيرة لا تحصى وكلما يخبر بشئ يطابق الواقع لا محالة والجملة صفة لا ثيم او استيناف عن عائشة قالت سال أناس رسول الله ﷺ عن الكهان فقال لهم رسول الله ﷺ انهم ليسوا بشئ قالوا يا رسول الله فانهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا فقال رسول الله ﷺ تلك الكلمة من الحق يخطفها الجنّى فيقرها «١» فى اذن وليه قر الدجاجة فيخلطون فيها اكثر من مائة كذبة متفق عليه وعنها قالت سمعت رسول الله ﷺ يقول ان الملائكة تنزل فى العنان وهو السحاب فيذكر الأمر الذي قضى فى السماء فتسترق الشياطين السمع فيسمعه
(١) فيقرها قال فى مجمع البخار القرر وبدك الكلام فى اون المخاطب حتى يفهمه وقر الدجاجة صوتها إذا قطعته فان ردّدت قلت قرقرت ١٢ فهو مضاعف من باب النصر الفقير الدهلوي
فيوحيه الى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم رواه البخاري وعن ابى هريرة ان نبى الله ﷺ قال إذا قضى الله الأمر فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كانه سلسلة على صفوان فاذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم قالوا للذى قال الحقّ وهو العلىّ الكبير فسمعها مسترفوا السمع ومسترقا لسمع هكذا بعضه فوق بعض (ووصفه سفيان يكفه فحرفها وبدر بين أصابعه) فيسمع الكلمة فيلقيها الى من تحته ثم يلقيها الاخر الى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر او الكاهن فربما أدرك الشهاب قبل ان يلقيها وربما يلقيها قبل ان يدركه فيكذب معها مائة كذبه فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا كذا ويوم كذا كذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء رواه البخاري وعن ابن عباس رض عن رجل من الأنصار انهم بيناهم جاوس ليلة مع رسول الله ﷺ رمى بنجم واستنار فقال لهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما كنتم تقولون فى الجاهلية إذا رمى مثل هذا قالوا الله ورسوله اعلم كنا نقول ولد الليلة رجل عظيم فقال رسول الله ﷺ فانها لا ترمى لموت أحد ولا لحياته ولكن ربنا تبارك وتعالى اسمه إذا قضى امرا سبح جملة العرش ثم سالج اهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح اهل هذه السماء الدنيا ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش ماذا قال ربّكم فيخبرونهم عمّا قال فيستخبر بعض اهل السماوات بعضا حتى يبلغ هذه السماء الدنيا فيخطف الجنّ السمع فيقذفون الى أوليائهم ويرمون فما جاءوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يقذفون فيه ويزيدون- رواه مسلم والله اعلم- اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم من طريق العوفى عن ابن عباس قال تهاجا رجلان على عهد رسول الله ﷺ أحدهما من الأنصار والاخر من قوم آخرين وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه وهم السفهاء فانزل الله تعالى
وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ كذا ذكر البغوي عن الضحاك قال وهى رواية عطية عن ابن عباس واخرج ابن ابى حاتم عن عكرمة نحوه وقال اكثر المفسرين أراد به شعراء الكفار الذين كانوا يهجون رسول الله ﷺ وذكر مقاتل أسماءهم فقال عبد الله بن زبير السهمي وهبيرة بن ابى وهب المخزومي وشافع بن عبد مناف وابو عزة عبد الله بن عمر الجمحي وامية بن ابى الصّلت الثقفي فتكلموا بالكذب والباطل وقالوا نحن نقول مثل ما يقول محمد ويقولون اشعار او يجمع إليهم غواة قومهم يسمعون أشعارهم حين يهجون نبى الله ﷺ وأصحابه فيروون عنهم فذلك قوله تعالى والشّعراء يتّبعهم الغاوون هم الرواة الذين يروون هجاء رسول الله ﷺ والمسلمين وقال قتادة ومجاهد الغاوون هم الشياطين وهذه الجملة مستانفة لابطال
كون النبي ﷺ شاعرا ويقرره قوله تعالى
أَلَمْ تَرَ ايها المخاطب أَنَّهُمْ اى الشعراء فِي كُلِّ وادٍ من اودية الكلام كالمدح والذم والافتخار وبيان الحب والبغض وغيره الك- والوادي نوع من انواع الكلام يقال انا فى واد وأنت فى واد اخر يَهِيمُونَ جملة الم تر تعليل لما سبق والهائم الذاهب على وجهه بحيث لا يقف على حد يعنى يبالغون فى الكلام كل المبالغة لا يبالون الكذب واكثر مقدماتهم خيالية لا حقيقة لها قال قتادة يمدحون بالباطل ويهجون بالباطل وقيل فى كل واد يهيمون اى على كل حرف من حروف الهجاء يصوغون القوافي.
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ اى يكذبون كثيرا فى أشعارهم ولمّا كان اعجاز القران من جهة النظم والمعنى وكانوا يقدحون فى المعنى بانه ممّا تنزّلت به الشّياطين وفى اللفظ بانه من جنس الشعر رد الله سبحانه قولهم ببيان المباينة والمضادة بين حال رسول الله ﷺ وحال الكهنة والشعراء عن ابى هريرة رضى الله عنه عن النبي ﷺ قال لان يمتلى جوف قيحا حتى يفسده خيرا له من ان يمتلى شعرا رواه البخاري ومسلم واحمد وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وروى عن ابى سعيد الخدري قال بينا نحن نسير مع رسول الله ﷺ بالعرج «١» إذ عرض شاعر ينشد فقال رسول الله ﷺ خذوا الشيطان او أمسكوا الشيطان لان يمتلى جوف رجل قيحا خير له من ان يمتلى شعرا عن ابن مسعود قال قال رسول الله ﷺ هلك المتنطعون «٢» قالها ثلاثا. رواه مسلم يعنى الغالون فى الكلام وعن ابى ثعلبة الخشتى ان رسول الله ﷺ قال ان أحبكم الى وأقربكم منى يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وان أبغضكم الىّ وأبعدكم منى مساويكم أخلاقا الثرثارون المتشدقون المتفيهقون. رواه البيهقي فى شعب الايمان قال فى النهاية الثرثارون الذين يكثرون الكلام تكلفا وخروجا عن الحق والمتشدقون المتوسعون فى الكلام من غير احتياط واحتراز قلت وهذا صفة الشعراء وروى الترمذي عن جابر نحوه وفى رواية قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتقيهقون قال المتكبرون وعن انس قال قال رسول الله ﷺ مررت ليلاة اسرى بي بقوم يقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت يا جبرئيل من هؤلاء قال خطباء أمتك الّذى يقولون ما لا يفعلون رواه الترمذي
(١) بالعرج قال فى مجمع البحار العرج بفتح فسكون جبل بطريق مكة وهو أول تهامة ١٢ الفقير الدهلوي
(٢) المتنطعون قال فى مجمع البحار هم المتعمقون الغالون فى الكلام المتكلمون بأقصى حلوقهم من النطع وهو الغار الأعلى من الفم ثم استعمل فى كل تعمق قولا وفعلا ١٢ الفقير دهلوى
وقال هذا حديث غريب والله اعلم اخرج ابن ابى حاتم عن عروة قال لما نزلت والشّعراء يتّبعهم الغاوون الى قوله ما لا يفعلون قال عبد الله بن رواحة قد علم الله انى منهم فانزل الا الّذين أمنوا الى اخر السورة واخرج هو وابن جرير والحاكم عن ابى الحسن البراد «١» قال لما نزلت والشعراء يتّبعهم الغاوون الاية جاء عبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وحسان بن ثابت فقالوا يا رسول الله والله لقد انزل الله هذه الاية وهو يعلم انا شعراء هلكنا فانزل الله الّا الّذين أمنوا الاية فدعاهم رسول الله ﷺ وتلا عليهم
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً «٢» اى لم يشغلهم الشعر عن الإكثار فى الذكر ويكون اكثر أشعارهم فى الذكر والتوحيد والثناء على الله والحث على طاعته قال ابو يزيد الذكر الكثير ليس بالعدد لكنه بالحضور وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا ولو كان فى كلامهم هجو لاحد أرادوا به الانتصار مما هجاهم ومكافحة هجاء المسلمين روى البغوي فى شرح السنة والمعالم عن كعب بن مالك انه قال للنبى ﷺ ان الله تعالى قد انزل فى الشعر ما انزل قال النبي ﷺ ان المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه والّذى نفسى بيده لكانّما ترمونهم به نضح النبل. وفى الاستيعاب لابن عبد البر انه قال يا رسول الله ماذا ترى فى الشعر قال ان المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه وروى البغوي عن انس ان النبي ﷺ دخل مكة فى عمرة القضاء وابن رواحة يمشى بين يدى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وفى حرم الله يقول الشعر فقال النبي ﷺ خل عنه يا عمر فلمى اسرع فيهم من نضح النبل وفى الصحيحين عن البراء بن عازب قال قال النبي ﷺ يوم قريظة لحسان بن ثابت اهج المشركين فان جبرئيل معك- وكان رسول الله ﷺ يقول لحسان أجب عنى اللهم أيده بروح القدس- وروى مسلم عن عائشة ان رسول الله ﷺ قال اهجوا قريشا فانه أشد عليهم من رشق النبل. وروى عنها ايضا قالت سمعت رسول الله ﷺ يقول لحسان ان روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله وقالت سمعت رسول الله ﷺ يقول هجاهم حسان فشفا وأشفي. وروى البخاري عن عائشة قالت كان رسول الله ﷺ يضع لحسان منبرا فى المسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول الله ﷺ او ينافح ويقول رسول الله ﷺ ان
(١) هكذا فى الأصل وفى تهذيب التهذيب ابو الحسن مولى بنى نوفل. ابو محمد عفا الله عنه
(٢) عن ابن عباس الّا الّذين أمنوا وعملو الصّلحت وذكروا الله كثيرا قال ابو بكر وعمر وعبد الله بن رواحة ١٤ منه رحمة الله
93
الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح او فاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- وروى البغوي عن عائشة ان رسول الله ﷺ قال اهجوا قريشا فانها أشد عليهم من رشق النبل فارسل الى ابن رواحة فقال اهجهم وهاجهم فلم يرض فارسل الى كعب ثم أرسل الى حسان بن ثابت فلمّا دخل عليه حسان قال قد ان لكم ان ترسلوا الى هذا الأسد الضارب بذنبه ثمّ اولع لسانه يحركه فقال والذي بعثك بالحق لافرينهم بلساني فرى الأديم فقال رسول الله ﷺ لا تعجل فان أبا بكر اعلم قريش بانسابها وان لى فيهم نسبا حتى يلخص لك فيهم نسبى فاتاه حسان ثم رجع فقال يا رسول الله قد لخص لى نسبك فالّذى بعثك بالحق لاسلنك كما يسلى الشعر من العجين قال حسان شعر
هجوت محمّدا فاجبت عنه... وعند الله فى ذاك الجزاء
هجوت محمّدا برّا حنيفا «١»... رسول الله شيمته الوفاء
فان ابى ووالده وعرضى... لعرض محمد منكم وفاء
أمن يهجو رسول الله منكم... ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول الله فينا... وروح القدس ليس له كفاء
وعن ابن سيرين مرسلا قال رسول الله ﷺ لكعب بن مالك هبه فانشده فقال لهو أشد عليهم عن وقع النيل.
(فائدة) :- ثبت من هذه الأحاديث ان الشعر لا بأس به ما اجتنب الكذب وأشباهه من المحرمات روى الدار قطنى عن عائشة قالت ذكر عند رسول الله ﷺ الشعر فقال رسول الله ﷺ هو كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح. ورواه الشافعي عن عروة مرسلا وذكر البغوي انه قالت عائشة الشعر كلام فمنه حسن ومنه قبيح فخذ الحسن ودع القبيح- عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ اصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد الا كلّ شىء ما خلا الله باطل. متفق عليه وعن عمرو بن الشريد عن أبيه قال ردفت رسول الله ﷺ يوما فقال هل معك من شعر امية بن الصلت شىء قال نعم قال هيه فانشدته بيتا فقال هيه ثم أنشدته بيتا فقال هيه حتى أنشدته مائة بيت. رواه مسلم وعن جندب ان النبي ﷺ كان فى بعض المشاهد وقد دميت إصبعه فقال
(١) وفى تفسير البغوي تفيا ١٢ الفقير الدهلوي
94
هل أنت الا إصبع دميت. وفى سبيل الله ما لقيت متفق عليه وعن الشعبي قال كان ابو بكر يقول الشعر وكان عمر يقول الشعر وكان على أشعر الثلاثة- وروى عن ابن عباس انه كان ينشد الشعر فى المسجد ويستنشد فروى انه دعا عمرو بن ربيعة فاستنشده القصيدة أولها شعر
أمن ال نعمى أنت غاد ومبكر غدة غدام رائح فمهجر
فانشد ابن ابى ربيعة القصيدة الى آخرها وهى قريب من سبعين بيتا ثم ان ابن عباس أعاد القصيدة جميعا وكان يحفظها بمرة واحدة (فائده) :- الشعر طاعة ان كان فيه ذكر الله او علما من علوم الدين او نصحا ووعظا للمسلمين عن ابى بن كعب قال قال رسول الله ﷺ ان من الشعر حكمة رواه البخاري وعن الصخر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله ﷺ يقول ان من البيان سحرا وان من العلم جهلا وان من الشعر حكما واف من القول عيالا رواه ابو داؤد وعن ابن عباس انّ من البيان سحرا وانّ من الشّعر حكما. رواه ابو داود واحد وقد مرّ فيما سبق ان المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه- وروى ابو داود والنسائي والدارمي عن انس عن النبي ﷺ قال جاهدوا المشركين باموالكم وأنفسكم والسنتكم. وبعد ما ذكر الله سبحانه شعراء المشركين والمسلمين أوعد شعراء المشركين فقال وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا اى أشركوا وهجوا رسول الله ﷺ أَيَّ مُنْقَلَبٍ مصدر او ظرف منصوب بما بعده قدمه لاقتضاء الاستفهام صدر الكلام والجملة الاستفهامية قائم مقام المفعولين لسيعلم والاستفهام للتهديد يَنْقَلِبُونَ يعنى اى رجوع اى مرجع يرجعون بعد الموت قال ابن عباس الى جهنم والسعير قال البيضاوي تهديد شديد لما فى سيعلم من الوعيد البليغ وفى الّذين ظلموا من الإطلاق والتعميم وفى اىّ منقلب من الإيهام والتهويل- والمعنى ان الظالمين يطمعون ان ينقلبوا من عذاب وسيعلمون ان ليس لهم وجه من وجوه الانقلاب اخرج ابن ابى حاتم عن عائشة رضى الله عنها قالت كتب ابى فى وصية سطرين بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اوصى ابو بكر بن ابى قحافة عند خروجه من الدنيا حين يومن الكافر ويتقى الفاجر ويصدق الكاذب انى استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فان يعدل فذاك ظنى به ورجائى فيه وان يجر ويبدّل فلا اعلم الغيب
95
وسيعلم الّذين ظلموا اىّ منقلب ينقلبون ٥ الحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد واله أصحابه أجمعين. قد وقع الفراغ من تفسير سورة الشعراء من التفسير المظهرى يوم الخميس رابع رجب من السنة الخامسة بعد الف ومائتين من الهجرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام والتحية ونتلوه سورة النمل ان شاء الله تعالى.
96
Icon