تفسير سورة المسد

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة المسد من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة اللهب
مكيّة وهى خمس آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ روى الشيخان فى الصحيحين انه لما نزلت قوله تعالى وانذر عشيرتك الأقربين جمع رسول الله - ﷺ - أقاربه فانذرهم وفى رواية عند البخاري وغيره صعد على الصفا فنادى فاجتمعت اليه قريش ارايتم لو أخبرتكم ان العدو مصبحكم او ممسيكم اما كنتم مصدقى قالوا بلى قال فانى نذير لكم بين يدى عذاب شديد فقال ابو لهب تبا لك ألهذا جمعتنا وأخذ حجرا ليرميه فنزلت
تَبَّتْ التباب خسران يودى الى الهلاك اى هلكت يَدا أَبِي لَهَبٍ اى نفسه كما فى قوله تعالى ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة وقيل انما خصتا بالذكر لما أخذ حجر الرمي وقيل أراد بها دنياه وآخرته وقيل أراد ماله وملكه يقال فلان قليل ذات يد قرأ ابن كثير ابى لهب بإسكان الهاء والباقون بفتحها واسمه عبد العزى بن عبد المطلب قال مقاتل كنى باللهب لحسنه واشراق وجهه وانما ذكر هاهنا بالكنية لاستكراه ذكر اسمه ولانه لما كان من اصحاب النار كانت الكنية أوفق بحاله وبمجانسة قوله ذات لهب وَتَبَّ ط اخبار بعد اخبار للتاكيد او الاولى دعائية والثاني اخبارية والتعبير بالماضي لتحقق وقوعه قال ابن مسعود لما دعا رسول الله - ﷺ - أقرباءه الى الله عز وجل قال ابو لهب ان كان ما يقول ابن أخي حقا فاننى افتدى نفسى بمالى وولدي فانزل الله تعالى.
ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ ما نافية او استفهامية للانكار يعنى ما يدفع عنه عذاب ما جمع من المال او اى شىء يغنى عنه ماله وكان صاحب مال ومواش وَما كَسَبَ ط من المال والولد عن عائشة مرفوعا أطيب ما أكلتم من كسبكم وان أولادكم كسبكم رواه البخاري فى التاريخ والترمذي وقد افترس ولده عتبة اسد فى طريق الشام كما ذكرنا فى سورة عبس ومات ابو لهب بالعدس بعد وقعة بدر بايام معدودة وترك ثلثا حتى أنتن ثم استاجروا بعض السودان حتى دفنوه أوعده الله تعالى بالنار فقال.
سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ اى تلتهب جملة مستانفة او فى مقام التعليل لقوله ما اغنى اتفق القراءة على فتحة هاء لهب هاهنا لرعاية القوافي.
وَامْرَأَتُهُ ط عطف على المستكن فى سيصلى سوغه الفصل او مبتداء بعده خبره وهى أم جميل بنت حرب بن امية اخت ابى سفيان حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ج قرأ عاصم بالنصب على الذم والشتم والباقون بالرفع على انه خبر مبتداء اخرج ابن جرير عن ابن اسحق عن رجل من همدان يقال له
يزيد ان امرأة ابى لهب كانت تلقى فى طريق النبي ﷺ الشوك والعضاة لتعقرهم فنزلت وكذا روى عن الضحاك واخرج ابن المنذر عن عكرمة مثله وهى رواية عطية عن ابن عباس وقال قتادة ومجاهد والسدى كانت تمشى بالنميمة وتنقل الحديث فتلقى العداوة بين الناس وتوقد نارا كما توقد الحطب نارا وقال سعيد بن جبير حمالة الخطايا قال الله تعالى وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم.
فِي جِيدِها عنقها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ع خبر لامرأته بعد خبر على تقدير كونه مبتداء او حال منه على تقدير كونه فاعلا سيصلى قال ابن عباس وعروة بن الزبير المراد به سلسلة فتلت من حديد قتلا محكما ذرعها سبعون ذراعا يدخل فى فمها ويخرج من دبرها ويكون سائرها فى عنقها والمسد ما قتل واحكم من اى شىء كان وروى الأعمش عن مجاهد من مسد اى من حديد وقال الشعبي ومقاتل من ليف مقتول وذلك الليف هو الحبل الذي كانت تحتطب به فبينما هى ذات يوم حاملة حزمة فأعيت فقعدت على حجر تستريح فاتيها ملك فجذبها من خلفها فأهلكها وقال ابن زيد حبل من شجر ينبت باليمن يقال له مسد وقال قتادة هى قلادة قال الحسن كانت خرزات فى عنقها وقال سعيد بن المسيب كانت لها قلادة فى عنقها فأخرة فقالت لانفقها فى عداوة محمد - ﷺ - قلت فان كان المراد بثبوت حبل كائنا من مسد اى حديد فى جيدها فى الاخرة فهى اما خبر لامرأته بعد خبر ان كان مبتداء او حال منه إن كان فاعلا سيصلى وحمالة الحطب على تقدير النصب يكون معترضة للذم ولا يجوز ان يكون فى جيدها حبل من مسد حالا من الضمير المستكن فى حمالة الحطب لعدم اتحاد زمان الحال حينئذ لان حمل الحطب كان فى الدنيا الا ان يقال معنى حمالة الحطب انها تحمل حطب جهنم كالزقوم والضريع او ما يوقد به جهنم جزاء لما كانت تحمل الحطب فى الدنيا بعداوة النبي - ﷺ - وأصحابه كذا ذكر البيضاوي لكن لم ينقل هذا التأويل من السلف وان المراد به ثبوت حبل فى عنقها فى الدنيا فحينئذ اما خبر مبتداء محذوف اى هى او خبر بعد خبر لامرأته او حال من الضمير المستكن فى حمالة الحطب بلا إشكال والظاهر على هذا التأويل ان يكون فى الكلام ترشيحا للمجازا وتصويرا لها بصورة الخطابة التي يحتمل لتحرمه وتربطها فى جيدها كيلا يسقط من راسها لتحقيرها ولا يكون الكلام على الحقيقة وما قال الشعبي فهو مستبعد جدا لكونها وزوجها فى بيت عز وثروة وجدة- والله تعالى اعلم.
368
سورة الإخلاص
مكيّة وهى اربع آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج الترمذي والحاكم وابن خزيمة من طريق ابى العالية عن ابى بن كعب ان المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم انسب من ربك فانزل الله تعالى قل هو الله أحد الى اخر السورة واخرج الطبراني وابن جرير مثله من حديث جابر بن عبد الله فبناء على هذين الروايتين قيل السورة مكية واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس ان اليهود جاءت الى النبي ﷺ منهم كعب بن الأشرف وحيى بن اخطب فقالوا يا محمد صف لنا ربك الذي بعثك فانزل الله قل هو الله أحد الى آخرها واخرج ابن جرير عن قتادة وابن المنذر عن سعيد بن جبير مثله وذكر البغوي قول الضحاك وقتادة ومقاتل جاء ناس من أحبار اليهود الى النبي ﷺ فقالوا صف لنا ربك لعلنا نومن بك فان الله انزل نعته فى التورية فأخبرنا من اى شىء هو وهل يأكل ويشرب ممن ورث ومن يرثه فانزل الله هذه السورة واخرج ابو شيخ فى كتاب العظمة من طريق ابان عن انس قال أتت يهود خيبر الى النبي ﷺ فقالوا يا أبا القاسم خلق الله الملائكة من نور الحجاب وآدم من حمأ مسنون وإبليس من لهب النار والسماء من دخان والأرض من زبد الماء فاخيرنا عن ربك فلم يجبهم فاتاه جبرئيل بهذه السورة وبناء على هذا الروايات قيل السورة مدنية واخرج ابن جرير عن ابى العالية قال قادة الأحزاب انسب لنا ربك فاتاه جبرئيل بهذه السورة وعلى هذا الرواية يرتفع التعارض ويظهر ان السورة مدنية والمراد بالمشركين من حديث ابى بن كعب هم قادة الأحزاب ولعل اليهود وقادة الأحزاب من المشركين كلا الفريقين سالوا عن الله تعالى حين نزلت السورة وذكر البغوي عن ابى الظبيان وابى صالح عن ابن عباس ان عامر بن الطفيل واربد بن ربيعة أتيا النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال عامر الى ما تدعونا يا محمد قال الى الله تعالى قال صفه لنا أمن ذهب هو
369
Icon