تفسير سورة الفجر

تفسير النسفي
تفسير سورة سورة الفجر من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي .
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
سورة الفجر مكية وهى تسع وعشرون آية

وَالْفَجْرِ (١)
﴿والفجر﴾ أقسم بالفجر وهو الصبح كقوله والصبح إذا أسفر أو بصلاة الفجر
وَلَيَالٍ عَشْرٍ (٢)
﴿وَلَيالٍ عَشْرٍ﴾ عشر ذي الحجة أو العشر الأول من المحرم أو الآخر من رمضان وإنما نكرت لزيادة فضيلتها
وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣)
﴿والشفع والوتر﴾ شفع كل الأشياء ووترها أو شفع هذه الليالي ووترها أو شفع الصلاة ووترهاأو يوم النحر لأنه اليوم العاشر ويوم عرفة لأنه التاسع أو الخلق والخالق والوتر حمزة وعلي بفتح الواو غيرهما وهما لغتان فالفتح حجازي والكسر تميمي وبعد ما أقسم بالليالي المخصوصة أقسم بالليالى على العموم فقال
وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (٤)
﴿والليل﴾ وقيل أريد ليلة القدر ﴿إِذَا يَسْرِ﴾ إذا يمضي وياء يَسْرِ تحذف في الدرج اكتفاء عنها بالكسرة وأما فى الوقف فتحذف مع الكسر وسأل واحد الأخفش عن سقوط الياء فقال لا حتى تخدمني سنة فسأله بعد سنة فقال الليل لا يسر وإنما يسرى فيه
637
فلما عدل عن معناه عدل عن لفظه موافقة وقيل معنى يسري بسرى فيه كما يقال ليل نائم أي ينام فيه
638
هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (٥)
﴿هَلْ فِى ذَلِكَ﴾ أي فيما أقسمت به من هذا الأشياء ﴿قَسَمٌ﴾ أي مقسم به ﴿لِّذِى حِجْرٍ﴾ عقل سمى به لأنه يحجر عن النهافت فيما لا ينبغي كما سمي عقلاً ونهية لأنه يعقل وينهى يريد هل تحقق عنده أن تعظم هذه الأشياء بالإقسام بها أو هل فى أقسامى بها أقسام الذى حجر أي هل هو قسم عظيم يؤكد بمثله المقسم عليه أو هل في القسم بهذه الأشياء قسم منع لذي عقل ولب والمقسم عليه محذوف وهو قوله ليعذبن يدل عليه قوله أَلَمْ تَرَ إلى قوله فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ثم ذكر تعذيب الأمم التي كذبت الرسل فقال
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (٧)
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذاتِ العماد﴾ أي ألم تعلم يا محمد علماً يوازي العيان في الإيقان وهو استفهام تقرير قيل لعقب عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عاد كما يقال لبني هاشم هاشم ثم قيل للأولين منهم عاد الأولى والإرم تسمية لهم باسم جدهم ولمن بعدهم عاد الاخيرة فارم عطف بيان لعاد وإيذان بأنهم عاد الأولى القديمة وقيل إرم بلدتهم وأرضهم التي كانوا فيها ويدل عليه قراءة ابن الزبير بِعَادٍ إِرَمَ على الإضافة وتقديره بعاد أهل ارم كقوله واسأل القرية ولم تنصرف قبيلة كانت أو أرضاً للتعريف والتأنيث وذات العماد إذا كانت صفة للقبيلة فالمعنى أنهم كانوا بدويين أهل عمد أو طوال الأجسام على تشبيه قدودهم بالأعمدة وإن كانت صفة البلدة فالمعنى أنها ذات أساطين ورُوي أنه كان لعاد ابنان شداد وشديد فملكا وقهرا ثم مات
شديد وخلص الأمر لشداد فملك الدنيا ودانت له ملوكها فسمع بذكر الجنة فقال أبني مثلها فبنى إرم في بعض صحارى عدن فى ثلاثمائة وكان عمره تسعمائة سنة وهي مدينة عظيمة قصورها من الذهب والفضة وأساطينها من الزبر جد والياقوت وفيها أصناف الأشجار والأنهار ولما ثم
638
بناؤها سار إليها بأهل مملكته فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا وعن عبد الله بن قلانة أنه خرج في طلب إبل له فوقع عليها فحمل ما قدر عليه مما ثم وبلغ خبر معاوية فاستحضره فقص عليه فبعث إلى كعب فسأله فقال هي إرم ذات العماد وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عقبه خال يخرج في طلب إبل له ثم التفت فأبصر ابن قلابة فقال هذا والله ذلك الرجل
639
الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (٨)
﴿التى لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى البلاد﴾ أي مثل عاد في قوتهم وطول قامتهم كان طول الرجل منهم أربعمائة ذراع أو لم يخلق مثل مدينة شداد في جميع بلاد الدنيا
وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (٩)
﴿وَثَمُودَ الذين جَابُواْ الصخر﴾ قطعوا صخر الجبال واتخذوا فيها بيوتا قيل أول من تحت الجبال والصخور ثمود وبنوا ألفاً وسبعمائة مدينة كلها من الحجارة ﴿بالواد﴾ بوادي القرى
وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (١٠)
﴿وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد﴾ أي ذي الجنود الكثيرة وكانت لهم مضارب كثيرة يضربونها إذا نزلوا وقيل كان له أوتاد يعذب الناس بها كما فعل بآسية
الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (١١)
﴿الذين﴾ في محل النصب على الذم أو الرفع على هم الذين أو الجر على وصف المذكورين عاد وثمود وفرعون طَغَوْاْ فِى البلاد تجاوزوا الحد
فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (١٢)
﴿فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الفساد﴾ بالكفر والقتل والظلم
فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (١٣)
﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ﴾ مجاز عن إيقاع العذاب بهم على أبلغ الوجود إذا الصب يشعر بالدوام والسواط بزيادة الإيلام أي عذبوا عذاباً مؤلماً دائماً
إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (١٤)
﴿إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد﴾ وهو المكان الذي يترقب فيه الرصد مفعال من رصده وهذا مثل لإرصاده العباد وأنهم لا يفوتونه وأنه عالم بما يصدر منهم وحافظه فيخازيهم عليه ان خيرا فخيروان شرا فشر
فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (١٦)
﴿فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابتلاه رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبّى أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابتلاه فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ﴾ أي ضيق عليه وجعله بمقدار بلغته فَقَدَرَ شامي ويزيد ﴿فَيَقُولُ رَبّى أَهَانَنِ﴾ أي الواجب لمن ربه بالمرصاد أن يسعى للعاقبة ولا تهمه العاجلة وهو قد عكس فإنه إذا امتحنه ربه بالنعمة والسعة ليشكر قال ربي أكرمني أي فضلني بما أعطاني فيرى الإكرام في كثرة الحظ من الدنيا وإذا امتحنه بالفقر فقدر عليه رزقه ليصبر قال ربي أهانني فيرى الهوان في قلة الحظ من الدنيا لأنه لا تهمه إلا العاجلة وما يلذه وينعمه فيها فرد عليه زعمه بقوله
كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧)
﴿كَلاَّ﴾ أي ليس الإكرام
والإهانة في كثرة المال وقلته بل الإكرام في توفيق الطاعة والإهانة في الخذلان وقوله تعالى فَيَقُولُ خبر المبتدأ الذي هو الإنسان ودخول الفاء لما في أما من معنى الشرط والظرف المتوسط بين المبتدأ أو الخبر في تقدير التأخير كأنه قيل فأما الإنسان فقائل ربي أكرمن وقت الابتلاء وكذا فَيَقُولُ الثاني خبر لمبتدأ تقديره وأما هو إذا ما ابنلاه ربه وسمى كلا الأمرين من بسط الرزق وتقديره ابتلاء لأن كل واحد منهما أختيار للعبد فإذا بسط له فقد اختبر حاله أيشكر أم يكفر وإذا قدر عليه فقد اختبر خاله أيصبر أم يجزع ونحوه قوله تعالى وبنلوكم بالشر والخير فتنة وإنما أنكر قوله رَبّى أَكْرَمَنِ مع أنه أثبته بقوله فَأَكْرَمَهُ لأنه قاله على قصد خلاف
640
ما صححه الله عليه وأثبته وهو قصده إن الله أعطاه ما أعطاه إكراماً له لاستحقاقه كقوله إِنَّمَا أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عندى وإنما أعطاه الله تعالى ابتلاء من غير استحقاق منه ﴿بَل لاَّ تُكْرِمُونَ اليتيم﴾
641
وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (١٨)
﴿وَلاَ تَحَآضُّونَ على طَعَامِ المسكين﴾ أي بل هناك شر من هذا القول وهو أن الله يكرمهم بالغنى فلا يؤدون ما يلزمهم فيه من إكرام اليتيم بالمبرة وحض أهله على طعام المسكين
وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (١٩)
﴿وَتَأْكُلُونَ التراث﴾ أي الميراث ﴿أَكْلاً لَّمّاً﴾ ذا لم وهو الجمع بين الحلال والحرام وكانوا لا يورثون النساء ولا الصبيان ويأكلون تراثهم مع تراثهم
وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠)
﴿وَتُحِبُّونَ المال﴾ يقال حبه وأحبه بمعنى ﴿حُبّاً جَمّاً﴾ كثيراً شديداً مع الحرص ومنع الحقوق ربى حجازى وأبو عمرو يكومون وَلاَ يحضون وَيَأْكُلُونَ وَّيُحِبُّونَ بصري
كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١)
﴿كَلاَّ﴾ ردع لهم عن ذلك وإنكار لفعلهم ثم أتى بالوعيد وذكر تحسرهم على ما فر طوافيه حين لا تنفع الحسرة فقال ﴿إِذَا دُكَّتِ الأرض﴾ إذا زلزلت ﴿دكا دكا﴾ دكا بعددك أي كرر عليها الدك حتى عادت هباء منبئا
وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢)
﴿وَجَآءَ رَبُّكَ﴾ تمثيل لظهور آيات اقتداره وتبيين آثار قهره وسلطانه فإنه واحداً من الملوك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من آثار الهببة ما لا يظهر بحضور عساكره وخواصه وعن ابن عباس أمره وقضاؤه ﴿والملك صَفّاً صَفّاً﴾ أي ينزل ملائكة كل سماء فيصطفون صفاً بعد صف محدقين بالجن والإنس
وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (٢٣)
﴿وجيء يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ﴾ قيل إنها برزت لأهلها كقوله وبرزت الجسيم للغاوين وقيل هو مجرى على حقيقة ففي الحديث يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنسان﴾ أي يتعظ ﴿وأنى لَهُ الذكرى﴾ ومن
641
أين له منفعة الذكرى
642
يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (٢٤)
﴿يقول يا ليتني قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى﴾ هذه وهي حياة الآخرة أي ياليتنى قدمت الأعمال الصالحة في الحياة الفانية لحياتي الباقية
فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (٢٥)
﴿فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ﴾ أي لا يتولى عذاب الله أحد لأن الأمر لله وحده في ذلك اليوم
وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (٢٦)
﴿وَلاَ يُوثِقُ﴾ بالسلاسل والأغلال ﴿وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾ قال صاحب الكشف لا يعذب أحدا حد كعذاب الله ولا يوثق
{يا أيتها النفس المطمئنة {
سورة البلد

بسم الله الرحمن الرحيم

أحد أحداً كوثاق الله لاَّ يُعَذِّبُ وَلاَ يوثق على وهى قراءة رسول الله ﷺ ورجع إليها أبو عمرو في آخر عمره والضمير يرجع إلى الإنسان الموصوف وهو الكافر وقيل هو أبي بن خلف أي لا يعذب أحد مثل عذابه ولا يوثق بالسلاسل مثل وثاقه لتناهيه في كفره وعناده ثم يقول الله تعالى للمؤمن
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧)
﴿يا أيتها النفس﴾ إكراماً له كما كلم موسى عليه السلام أو يكون على لسان ملك ﴿المطمئنة﴾ الآمنة التي لا يستفزها خوف ولا حزن وهى النفس المؤمنة أو المطئنة إلى الحق التي سكّنها ثلج اليقين فلا يخالجها شك ويشهد للتفسير الأول قراءة أبي يا أيتها النفس الآمنة المطئنة وإنما يقال لها عند الموت أو عند الموت أو عند البعث أو عند دخول الجنة
ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨)
﴿ارجعى إلى﴾ موعد ﴿رَبِّكِ﴾ أو ثواب ربك ﴿رَّاضِيَةٍ﴾ من الله بما أوتيت ﴿مَّرْضِيَّةً﴾ عند الله بما عملت
فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩)
﴿فادخلى فِى عِبَادِى﴾ في جملة عبادي الصالحين فانتظمي في سلكهم
وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)
﴿وادخلى جَنَّتِى﴾ معهم وقال أبو عبيدة أي مع عبادى أوبين عبادي أي خواصي كما قال وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فى عبادك الصالحين وقيل النفس الروح ومعناه فادخلى فى أجسام عبادي كقراءة عبد الله بن مسعود فِي جسد عبدى ولما مات بن عباس بالطائف جاء طائر لم ير على خلقته فدخل في نعشه فلما دفن تليت هذه الآية على شفير الفبر ولم يدر من تلاها قيل نزلت في حمزة بن عبد المطلب وقيل في خبيب بن عدي الذي صلبه أهل مكة وجعلوا وجهه إلى المدينة فقال اللهم إن كان لي عندك خير فحول وجهي نحو قبلتك فحول الله وجهه نحوها فلم يستطع أحد أن يحوله وقيل هي عامة في المؤمنين إذ العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب
642
سورة البلد مكية وهى عشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

643
Icon