ﰡ
﴿الحمد للَّهِ﴾ حمد ذاته تعليماً وتعظيماً ﴿فَاطِرِ السماوات﴾ مبتدئها ومبتدعها قال ابن عباس رضى الله عنهما ما كنت أدري معنى الفاطر حتى اختصم إليّ أعرابيان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها أي ابتدأتها ﴿والأرض جَاعِلِ الملائكة رُسُلاً﴾ إلى عباده ﴿أُوْلِى﴾ ذوي اسم جمع لذو وهو بدل من رسلا أونعت له ﴿أَجْنِحَةٍ﴾ جمع جناح ﴿مثنى وثلاث وَرُبَاعَ﴾ صفات لأجنحة وإنما لم تنصرف لتكرر العدل فيها وذلك أنها عدلت عن ألفاظ الأعداد عن صيغ
فاطر (٤ - ١)
إلى صيغ أخرخ كما عدل عمر عن عامر وعن تكرير إلى غير تكرير وقيل للعدل والوصف والتعويل عليه والمعنى أن الملائكة طائفة أجنحتهم اثنان اثنان أي لكل واحد منهم جناحان وطائفة أجنحتهم ثلاثة ثلاثة ولعل الثالث يكون في وسط الظهر بين الجناحين يمدهما بقوة وطائفة أجنحتهم أربعة أربعة ﴿يَزِيدُ فِى الخلق﴾ أي يزيد في خلق الأجنحة وغيره ﴿مَا يَشَآءُ﴾ وقيل هو الوجه الحسن والصوت الحسن والشعر الحسن والخط الحسن والملاحة في العينين والآية مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق من طول قامة واعتدال صورة وتمام في الأعضاء وقوة في البطش وحصافة في العقل وجزالة في الرأي وذلاقة في اللسان ومحبة في قلوب المؤمنين وما أشبه ذلك ﴿إِنَّ الله على كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾ قادر
﴿مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ﴾ نكرت الرحمة للإشاعة والإبهام كأنه قال من أية رحمة رزق أو مطر أو صحة أو غير ذلك ﴿فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا﴾ فلا أحد يقدر على إمساكها وحبسها واستعير الفتح للإطلاق والارسال ألاترى إلى قوله ﴿وَمَا يُمْسِكُ﴾ يمنع ويحبس ﴿فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ﴾ مطلق له ﴿مِن بَعْدِهِ﴾ من بعد أمساكه وأنت الضمير الراجع إلى الاسم المتضمن معنى الشرط على معنى الرحمة ثم ذكره حملاً على اللفظ المرجع إليه إذلا تأنيث فيه لأن الأول فسر بالرحمة فحسن اتباع الضمير التفسير ولم يفسر الثاني فترك على أصل التذكير وعن معاذ مرفوعاً لا نزال يد الله مبسوطة على هذه الأمة مالم يرفق خيارهم بشرارهم ويعظم برهم فاجرهم وتعن قراؤهم أمراءهم على معصية الله فإذا فعلوا ذلك نزع الله يده عنهم ﴿وَهُوَ العزيز﴾ الغالب القادر على الإرسال والإمساك ﴿الحكيم﴾ الذي يرسل ويمسك ما تقتضي الحكمة إرساله وإمساكه
﴿يا أيها الناس اذكروا﴾ باللسان والقلب ﴿نعمة الله عَلَيْكُمْ﴾ وهي التي تقدمت من بسط الأرض كالمهاد ورفع السماء بلا عماد وإرسال الرسل لبيان السبيل دعوة إليه وزلفة لديه والزيادة في الخلق وفتح أبواب الرزق ثم نبه على رأس النعم وهو اتحاد المنعم بقوله ﴿هَلْ مِنْ خالق غَيْرُ الله﴾ برفع غَيْرُ على الوصف لأن خالق مبتدأ خبره محذوف أي لكم وبالجر علي وحمزة على الوصف لفظاً ﴿يَرْزُقُكُمْ﴾ يجوز أن يكون مستأنفاً ويجوز أن يكون صفة لخالق ﴿مِّنَ السمآء﴾ بالمطر ﴿والأرض﴾ بأنواع النبات ﴿لآ إله إِلاَّ هُوَ﴾ جملة مفصولة لا محل لها ﴿فأنى تُؤْفَكُونَ﴾ فبأي وجه تصرفون عن التوحيد إلى الشرك
﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ﴾ نعى به على قريش سوء تلقيهم لآيات الله وتكذيبهم بها
فاطر (٨ - ٤)
وسلى رسوله بأن له في الأنبياء قبله أسوة ولهذا نكر رُسُل أي رسل ذوو عدد كثير وأولو آيات ونذر وأهل اعمار طوال وأصحاب صبر وعزم لأنه أسلى له وتقدير الكلام وإن يكذبوك فتأس بتكذيب الرسل من قبلك لأن الجزاء يتعقب الشرط ولو أجرى على الظاهر يكوو سابقاً عليه ووضع فَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قبلك موضع فتأس استغناء بالسبب عن السبب أى بالتكذيب عن التأسي ﴿وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور﴾ كلام يشتمل على الوعد والوعيد من رجوع الأمور إلى حكمه ومجازاة المكذّب والمكذّب بما يستحقانه ترجع بفتح التاء شامي وحمزة وعلي ويعقوب وخلف وسهل
﴿يا أيها الناس إِنَّ وَعْدَ الله﴾ بالبعث والجزاء ﴿حَقٌّ﴾ كائن ﴿فلا تغرنكم الحياة الدنيا﴾ فلا تجدعنكم الدنيا ولا يذهلنكم التمتع بها والتلذذ بمنافعها عن العمل للآخرة وطلب ما عند الله ﴿وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله الغرور﴾ أي الشيطان فإنه يمنِّيكم الأمانيّ الكاذبة ويقول إن الله غني عن عبادتك وعن تكذيبك
﴿إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ ظاهر العداوة فعل بأبيكم ما فعل وأنتم تعاملونه معاملة من لا علم له بأحواله ﴿فاتخذوه عَدُوّاً﴾ في عقائدكم وأفعالكم ولا يوجَدنّ منكم إلا ما يدل على معاداته في سركم وجهركم ثم لخص سر أمره وخطأ من اتبعه بأن غرضه الذي يؤمه في دعوة شيعته هو أن يوردهم مورد الهلاك بقوله ﴿إنما يدعو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أصحاب السعير﴾ ثم كشف الغطاء فبنى الأمر كله على الإيمان وتركه فقال
﴿الذين كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ أي فمن أجابه حين دعاه فله عذاب شديد لأنه صار من حزبه
﴿أفمن زين له سوء عمله فرآه حَسَناً﴾ بتزيين الشيطان كمن لم يزين له فكأن رسول الله ﷺ قال لا فقال ﴿فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حسرات﴾ وذكر الزجاج أن المعنى أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك عليه حسرة فحرف الجواب لدلالة فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عليه أو أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله فحذف لدلالة فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء عليه فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ يزيد أى لاتهلكها حسرات مفعول له يعنى
فاطر (١٠ - ٨)
فلا تهلك نفسك للحسرات وعليهم صلة تَذْهَبْ كما تقول هلك عليه حباً ومات عليه حزناً ولا يجوز أن يتعلق بحسرات لأن المصدر لا تتقدم عليه صلته ﴿إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ وعيد لهم بالعقاب على سوء صنيعهم
﴿والله الذي أرسل الرياح﴾ ارياح مكي وحمزة وعلي ﴿فَتُثِيرُ سحابا فَسُقْنَاهُ إلى بَلَدٍ مَّيِّتٍ﴾ بالتشديد مدني وحمزة وعلي وحفص بالتخفيف غيرهم ﴿فَأَحْيَيْنَا بِهِ﴾ بالمطر لتقدم ذكره ضمناً ﴿الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ يبسها وإنما قيل فَتُثِيرُ لتحكي الحال التي تقع فيها إثارة الرياح السحاب وتستحضر تلك الصورة الدالة على القدرة الربانية وهكذا يفعلون بفعل فيه نوع تمييز وخصوصية بحال تستغرب وكذلك سوق السحاب إلى البلد الميت وإحياء الأرض بالمطر بعد موتها لما كان من الدليل على القدرة الباهرة قيل فسقنا وأحياينا معدولا بهما عن لفظ العيبة إلى ما هو أدخل في الاختصاص وأدل عليه ﴿كَذَلِكَ النشور﴾ الكاف في محل الرفع أى مثل احياء الموات نشور
﴿مَن كَانَ يُرِيدُ العزة فَلِلَّهِ العزة جَمِيعاً﴾ أي العزة كلها مختصة بالله عزة الدنيا وعزة الآخرة وكان الكافرون يتعززون بالأصنام كما قال وآتخذو من دون الله آلهة ليكونوالهم عزا والذين آمنوا بألسنتهم من غير مواطأة قلوبهم كانوا يتعززون بالمشركين كما قال الذين يَتَّخِذُونَ الكافرين أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المؤمنين أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ العزة فان العزة لله جميعا فبين أن لا عزة إلا بالله والمعنى فليطلبها عند الله فوضع قوله لِلَّهِ العزة جَمِيعاً موضعه استغناء عنه به لدلالته عليه لأن الشيء لا يطلب إلا عند صاحبه ومالكه ونظيره قولك من أراد النصيحة فهي عند الأبرار تريد فليطلبها عندهم إلا أنك أقمت ما يدل عليه مقامه وفي الحديث إن ربكم يقول كل يوم أنا العزيز فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز ثم عرف أن ما يطلب به العزة هو الإيمان والعمل الصالح بقوله ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ﴾ ومعنى قوله إِلَيْهِ إلى محل القبول والرضا وكل ما اتصف بالقبول وصف بالرفعة والصعود أو إلى حيث لا ينفذ فيه إلا حكمه والكلم الطيب كلمات التوحيد أي لا إله إلا الله وكان القياس الطيبة ولكن كل جمع ليس بينه وبين واحده إلا التاء يذكر ويؤنث والعمل الصالح العبادة الخالصة يعني والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب فالرافع الكلم والمرفوع العمل لأنه لا يقبل عمل إلا من موحد وقيل الرافع الله والمرفوع العمل أي العمل الصالح يرفعه الله وفيه إشارة إلى أن العمل يتوفق على الرفع والكلم الطيب يصعد بنفسه وقيل العمل الصالح يرفع
فاطر (١٢ - ١٠)
العامل ويشرفه أي من أراد العزة فليعمل عملاً صالحاً فإنه هو الذي يرفع العبد ﴿والذين يَمْكُرُونَ السيئات﴾ هي صفة لمصدر محذوف أى
﴿والله خَلَقَكُمْ﴾ أي أباكم ﴿مّن تُرَابٍ ثُمَّ﴾ أنشأكم ﴿مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أزواجا﴾ أصنافاً أو ذكراناً وإناثاً ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ﴾ هو في موضع الحال أى إلا معلومة له ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ﴾ أي وما يعمر من أحد وإنما سماه معمراً بما هو صائر إليه ﴿وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عمره إلا في كتاب﴾ يعنى الوح أو صحيفة الإنسان ولا ينقص زيد فإن قلت الإنسان إما معمر أي طويل العمر أو منقوص العمر أي قصيره فأما أن يتعاقب عليه التعمير وخلافه فمحال فكيف صح قوله وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ قلت هذا من الكلام المتسامح فيه ثقة في تأويله بأفهام السامعين واتكالاً على تسديدهم معناه بعقولهم وأنه لا يلتبس عليهم إحالة الطول والقصر في عمر واحد وعليه كلام الناس يقولون لا يثيب الله عبدا ولا يعاقيه إلا بحق أو تأويل الآية أنه يكتب في الصحيفة عمره كذا كذا سنة ثم يكتب في أسفل ذلك ذهب يوم ذهب يومان حتى يأتى على آخر فذلك نقصان عمره وعن قتادة المعمر من يبلغ ستين سنة والمنقوص من عمره من يموت قبل ستين سنة ﴿إِنَّ ذلك﴾ أي إحصاءه أو زيادة العمر ونقصانه ﴿عَلَى الله يسير﴾ سهل
﴿وَمَا يَسْتَوِى البحران هذا﴾ أي أحدهما ﴿عَذْبٌ فُرَاتٌ﴾ شديد العذوبة وقيل هو الذي يكسر العطش ﴿سائغ شرابه﴾ مرى وسهل الانحدار لعذوبته وبه يرتفع شرّابه ﴿وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾ شديد الملوحة وقيل هو الذى يحرق بلموحته ﴿وَمِن كُلِّ﴾ ومن كل واحد منهما ﴿تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً﴾ وهو السمك ﴿وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ وهى
فاطر (١٥ - ١٢)
الؤلؤ والمرجان ﴿وَتَرَى الفلك فِيهِ﴾ في كل ﴿مَوَاخِرَ﴾ شواقّ للماء بجريها يقال مخرت السفينة الماء أى شقته وهى ماخرة ﴿لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ﴾ من فضل الله ولم يجر له ذكر في الآية ولكن فيما قبلها ولولم يجر لم يشكل لدلالة المعنى عليه ﴿وَلَعَلَّكُمْ تشكرون﴾ الله على ماآتاكم من فضله ضرب البحرين العذب والملح مثلين للمؤمن والكافر ثم قال على سبيل الاستطراد في صفة البحرين وما علّق بهما من نعمته وعطائه ويحتمل غير طريقة الاستطراد وهو أن يشبه الجنسين بالبحرين ثم يفضّل البحر الأجاج على الكافر بأنه قد شارك العذب في منافع من السمك واللؤلؤ وجري الفلك فيه والكافر خلو من النفع فهو في طريقة قوله تعالى ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مّن بَعْدِ ذلك فَهِىَ كالحجارة أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ثم قال وَإِنَّ مِنَ الحجارة لما يتفجر منهالانهار وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الماء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خشية الله
﴿يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل﴾ يدخل من ساعات أحدهما في الآخر حتى يصير الزائد منهما خمس عشرة ساعة والناقص تسعا ﴿وسخر الشمس والقمر﴾ أى ذال أضواء صوره لاستواء سيره ﴿كُلٌّ يَجْرِى لأَِجَلٍ مُّسَمًّى﴾ أي يوم القيامة ينقطع جريهما ﴿ذلكم﴾ مبتدأ ﴿الله رَبُّكُمْ لَهُ الملك﴾ أخبار مترادفة أو الله ربكم خبر ان وله الملك جملة مبتدأة
﴿إِن تَدْعُوهُمْ﴾ أي الأصنام ﴿لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ﴾ لأنهم جماد ﴿وَلَوْ سَمِعُواْ﴾ على سبيل الفرض ﴿ما استجابوا لكم﴾ لأنهم لا يدعون لهم من الإلهية ويتبرءون منها ﴿وَيَوْمَ القيامة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ بإشراككم لهم وعبادتكم إياهم ويقولون ما كنتم إيانا تعبدون ﴿وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خبير﴾ ولا ينبئك أيها المفترون بأسباب الغرور كما ينبئك الله الخبير بخبايا الأمور وتحقيقه ولا يخبرك بالأمر مخبر هو مثل خبير عالم به يريدان الخبير بالأمر وحده هو الذي يخبرك بالحقيقة دون سائر المخبرين به والمعنى أن هذا الذي أخبرتكم به من حال الأوثان هو الحق لانى خبير بما أخبرت به
﴿يا أيها الناس أَنتُمُ الفقرآء إِلَى الله﴾ قال ذو النون الخلق محتاجون إليه
فاطر (١٨ - ١٥)
في كل نفس وخطرة ولحظة وكيف لا ووجودهم به وبقاؤهم به ﴿والله هُوَ الغنى﴾ عن الاشياء أو جمع ﴿الحميد﴾ المحمود بكل لسان ولم يسمهم بالفقراء للتحقير بل للتعريض على الاستغناء ولهذا وصف نفسه بالغني الذي هو مطعم الأغنياء وذكر الحميد ليدل به على أنه الغني النافع بغناه خلقه والجواد المنعم عليهم إذ ليس كل غني نافعاً بغناه إلا إذا كان الغني جواداً منعماً وإذا جاد وأنعم حمده المنعم عليهم قال سهل لما خلق الله الخلق حكم لنفسه بالغنى ولهم بالفقر فمن ادعى الغنى حجب عن الله ومن أظهر فقره أوصله فقره إليه فينبغي للعبد أن يكون مفتقراً بالسر إليه ومنقطعاً عن الغير إليه حتى تكون عبوديته محضة فالعبودية هي الذل
﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ كلكم إلى العدم فإن غناه بذاته لابكم في القدم ﴿وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ وهو بدون حمدكم حميد
﴿وَمَا ذلك﴾ الأنشاء والإفناء ﴿عَلَى الله بِعَزِيزٍ﴾ بممتنع وعن ابن عباس يخلق بعدكم من يعبده لا يشرك به شيئاً
﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى﴾ ولا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى والوزر والوقر أخوان ووزر الشيء إذا حمله والوازرة صفة للنفس والمعنى أن كل نفس يوم القيامة لا تحمل إلا وزرها الذي اقترفته لا تؤاخذ نفس بذنب نفس كما تأخذ جبابرة الدنيا الولي بالولي والجار بالجار وإنما قيل وازرة ولم يقل ولا تزر نفس وزر أخرى لأن المعنى أن النفوس الوازرات لا ترى منهن واحدة إلا حاملة وزرها لا وزر غيرها وقوله ليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وارد في الضالين المضلين فإنهم يحملون أثقال إضلال الناس مع أثقال ضلالهم وذلك كله أوزارهم ما فيها شيء من وزر غيرهم ألا ترى كيف كذبهم الله تعالى في قولهم اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم بقوله وماهم بحاملين من خطاياهم من شىء ﴿وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ﴾ أي نفس مثقلة بالذنوب أحداً ﴿إلى حِمْلِهَا﴾ ثقلها أي ذنوبها ليتحمل عنها بعض ذلك
فاطر (٢٥ - ١٨)
المدعو بعض قرابتها ﴿إِنَّمَا تُنذِرُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ أي إنما ينتفع بإنذارك هؤلاء ﴿بالغيب﴾ حال من الفاعل أو المفعول أي يخشون ربهم غائبين عن عذابه أو يخشون عذابه غائباً عنهم وقيل بالغيب في السر حيث لا اطلاع للغير عليه ﴿وأقاموا الصلاة﴾ في مواقيتها ﴿وَمَن تزكى﴾ تطهر بفعل الطاعات وترك المعاصي ﴿فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ﴾ وهو اعتراض مؤكد لخشيتهم وإقامتهم الصلاة لأنهما من جملة التزكي ﴿وإلى الله المصير﴾ المرجع وهو وعد للمتزكى بالثواب
﴿وَمَا يَسْتَوِى الأعمى والبصير﴾ مثل للكافر والمؤمن أو للجاهل والعالم
﴿وَلاَ الظلمات﴾ مثل للكفر ﴿وَلاَ النور﴾ للإيمان
﴿وَلاَ الظل وَلاَ الحرور﴾ الحق والباطل أو الجنة والنار والحرور الريح الحار كالسموم إلا أن السموم تكون بالنهار والحرور بالليل والنهار عن الفراء
﴿وما يستوي الأحياء ولا الأموات﴾ مثل الذين دخلوا في الإسلام والذين لم يدخلوا فيه وزيادة لا لتأكيد معنى النفي والفرق بين هذه الواوات أن بعضها ضمت شفعاً إلى شفع وبعضها وتراً إلى وتر ﴿إِنَّ الله يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى القبور﴾ يعني أنه قد علم من يدخل في الإسلام ممن لا يدخل
﴿إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ﴾ أي ما عليك إلا أن تبلغ وتنذر فإن كان المنذر ممن يسمع الإنذار نفع وإن كان من المصرين فلا عليك
﴿إِنَّا أرسلناك بالحق﴾ حال من أحد الضميرين يعني محقاً أو محقين أو صفة للمصدر أي إرسالاً مصحوباً بالحق ﴿بَشِيراً﴾ بالوعد ﴿وَنَذِيرًا﴾ بالوعيد ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ﴾ وما من أمة قبل أمتك والأمة الجماعة الكثيرة وجد عليه أمة من الناس ويقال لأهل كل عصر أمة والمراد هنا أهل العصر وقد كانت آثار الذارة باقية فيما بين عيسى ومحمد عليهما السلام فلم تخل تلك الأمم من نذير وحين اندرست آثار نذارة عيسى عليه السلام بعث محمد عليه السلام ﴿إِلاَّ خَلاَ﴾ مضى ﴿فِيهَا نذير﴾ يخوفهم وخاصة الطغيان وسوء عاقبة الكفران واكتفى بالنذير عن البشير فى آخر الآية بعد ما ذكرهما لأن النذارة مشفوعة بالبشارة فدل ذكر النذارة على ذكر البشارة
﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾
فاطر (٢٨ - ٢٥)
رسلهم ﴿جاءتهم رسلهم﴾ حال وقد مضمرة ﴿بالبينات﴾ بالمعجزات ﴿وبالزبر﴾ وبالصحف ﴿وبالكتاب المنير﴾ أى التوراة والانجيل والزبور لما كانت هذه الأشياء في جنسهم أسند المجيء بها إليهم إسناداً مطلقاً وإن كان بعضها في جميعهم وهي البينات وبعضها في بعضهم وهي الزبر والكتاب وفيه مسلاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
﴿ثُمَّ أَخَذْتُ﴾ عاقبت ﴿الذين كَفَرُواْ﴾ بأنواع العقوبة ﴿فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ إنكاري عليهم وتعذيبي لهم
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ﴾ بالماء ﴿ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا﴾ أجناسها من الرمان والتفاح والتين والعنب وغيرها مما لا يحصر أو هيآتها من الحمرة والصفرة والخضرة ونحوها ﴿وَمِنَ الجبال جدد﴾ طرق مختلفة اللون جمع جدة كمدة ومدد ﴿بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ ألوانها وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾ جمع غربيب وهو تأكيد للأسود يقال أسود غربيب وهو الذي أبعد في السواد وأغرب فيه ومنه الغراب وكان من حق التأكيد أن يتبع المؤكد كقولك أصفر فاقع إلا أنه ضمر المؤكد قبله والذي بعده تفسير للمضمر وإنما يفعل ذلك لزيادة التوكيد حيث يدل على المعنى الواحد من طريقي الإظهار والإضمار جميعاً ولا بد من تقدير حذف المضاف في قوله وَمِنَ الجبال جُدَدٌ أي ومن الجبال ذو جدد بيض وحمر وسود حتى يؤل إلى قولك ومن الجبال مختلف ألوانه كما قال ثمرات مختلفاً ألوانها
﴿وَمِنَ الناس والدوآب والأنعام مُخْتَلِفٌ ألوانه﴾ يعني ومنهم بعض مختلف ألوانه ﴿كذلك﴾ أي كاختلاف الثمرات والجبال ولما قال أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السماء مَاء وعدد آيات الله وأعلام قدرته وآثار صنعته وما خلق من الفطر المختلفة الأجناس وما يستدل به عليه وعلى صفاته ابتع ذلك ﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾ أي العلماء به الذين علموه بصفاته فعظموه ومن ازداد علماً به ازداد منه خوفاً ومن كان علمه به أقل كان آمن وفي الحديث أعلمكم بالله أشدكم له خشية وتقديم اسم الله تعالى وتأخير العلماء يؤذن ان معناه ان الذين يخشون من عباده العلماء دون غيرهم ولو عكس لكان المعنى أنهم لا يخشون إلا الله كقوله ولا يخشون
فاطر (٣٢ - ٢٨)
الله من عباده العلماء ﴿إِنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ تعليل لوجوب الخشية لدلالته على عقوبة العصاة وقهرهم وإثابة أهل الطاعة والعفو عنهم والمعاقب المنيب حقه أن يخشى
﴿إِنَّ الذين يَتْلُونَ كتاب الله﴾ يداومون على تلاوة القرآن ﴿وأقاموا الصلاة وأنفقوا من ما رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً﴾ أي مسرين النفل ومعلنين الفرض يعنى لا يقتنعون بتلاوته على حلاوة العمل به ﴿يرجون﴾ خبران ﴿تجارةً﴾ هي طلب الثواب بالطاعة لَّن ﴿تَبُورَ﴾ لن تكسد يعني تجارة ينتفى عنها الكساد وتنفق عند الله
﴿ليوفيهم﴾ متعلق بلن تَبُورَ أي ليوفيهم بنفاقها عنده أُجُورَهُمْ ثواب أعمالهم ﴿وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ﴾ بتفسيح القبور أو بتشفيعهم فيمن أحسن إليهم أو بتضعيف حسناتهم أو بتحقيق وعد لقائه أو يَرْجُونَ في موضع الحال أي راجين واللام في لِيُوَفّيَهُمْ تتعلق بيتلون وما بعده أى فعلوا جيمع ذلك من التلاوة وإقامة الصلاة والإنفاق لهذا الغرض وخبران إِنَّهُ ﴿غَفُورٌ﴾ لفرطاتهم ﴿شَكُورٍ﴾ أي غفورٌ لهم شكور لأعمالهم أي يعطي الجزيل على العمل القليل
﴿والذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الكتاب﴾ أي القرآن ومن التبين ﴿هُوَ الحق مُصَدّقاً﴾ حال مؤكدة لأن الحق لا ينفعك عن هذا التصديق ﴿لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾
﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب﴾ أي أوحينا إليك القرآن ثم أو رثناه من بعدك أي حكمنا بتوريثه ﴿الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا﴾ وهم أمته من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم إلى يوم القيامة لأن اصطفاهم على سائر الأمم وجعلهم أمة وسطاً ليكونوا شهداء على الناس واختصهم بكرامة الإنتماء إلى أفضل رسله ثم رتبهم على مراتب فقال ﴿فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ﴾ وهو المرجأ لأمر الله ﴿وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ﴾ هو الذي خلط عملاً صالحا وآخر سيا ﴿وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات﴾ وهذا التأويل يوافق التنزيل فإنه تعالى قال والسابقون الأولون مِنَ المهاجرين الآية وقال بعده وآخرون اعترفوا بذنوبهم الآية وقال بعده وآخرون مرجون لأمر الله الآية والحديث فقد روى عن عمر رضى الله عنه أنه قال على المنبر بعد قراءة هذه الآية قال رسول الله ﷺ سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا
فاطر (٣٥ - ٣٢)
مغفور له عليه السلام السابق يدخل الجنة بغير حساب والمقتصد يحاسب حساباً يسيراً ثم يدخل الجنة وأما الظالم نفسه فيحبس حتى يظن أنه لا ينجو ثم تناله الرحمة فيدخل الجنة رواه أبو الدراداء والأثر فعن ابن عباس رضى الله عنهما السابق المخلص والمقتصد المرائي والظالم الكافر بالنعمة غير الجاحد لها لأنه حكم الثلاثة بدخول الجنة
﴿جنات عدن﴾ خبر ثان لذلك أو خبر مبتدا محذوف أو مبتدأ أو الخبر ﴿يَدْخُلُونَهَا﴾ أي الفرق الثلاثة يَدْخُلُونَهَا أبو عمرو ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ﴾ جمع أسورة جمع سوار ﴿مّن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً﴾ أي من ذهب مرصع باللؤلؤ ولؤلؤا بالنصب والهمزة نافع وحفص عطفاً على محل من أساور أى يحلون اساور ولؤلؤ ﴿ولباسهم فيها حرير﴾ لما فيه من الذة والزينة
﴿وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي أَذْهَبَ عَنَّا الحزن﴾ خوف النار أو خوف الموت أو هموم الدنيا ﴿إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ﴾ يغفر الجنايات وإن كثرت ﴿شَكُورٌ﴾ يقبل الطاعات وإن قلت
﴿الذى أَحَلَّنَا دَارَ المقامة﴾ أي الإقامة لا نبرج ولا نقارقها يقال أقمت إقامة ومقاماً ومقامة ﴿مِن فَضْلِهِ﴾ من عطائه وأفضاله لا باستحقاقنا
فاطر (٣٩ - ٣٥)
﴿لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ﴾ تعب ومشقة ﴿وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾ إعياء من التعب وفترة وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي لغُوبٌ بفتح اللام وهو شيء يلغب منه أي لا نتكلف عملاً يلغبنا
﴿والذين كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ﴾ جواب النفي ونصبه بإضمار أن أي لا يقضى عليهم بموت ثانٍ فيستريحوا ﴿وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مّنْ عَذَابِهَا﴾ من عذاب نار جهنم كذلك مثل ذلك الجزاء ﴿نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾ يجزى كُلَّ كَفُورٍ أبو عمرو
﴿وهم يصطرخون فيها﴾ يسغيثون فهو يفتعلون من الصراخ وهو الصياح بجهد ومشقة واستعمل في الاستغائة لجهر صوت المستغيث ربنا يقولون بنا ﴿أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صالحا غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ﴾ أى أخرجنا من النار ردنا إلا الدنيا نؤمن بدل الكفر ونطع بعد المعصية فيجاوبون بعد قدر عمر الدنيا ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ﴾ يجوز أن يكون ما نكرة موصوفة أي تعميراً يتذكر فيه من تذكر وهو متناول لك عمر تمكن منه المكلف من إصلاح شأنه وإن قصر إلا أن التوبيخ في المتطاول أعظم ثم قيل هو ثمان عشرة سنة وقيل أربعون وقيل ستون سنة وَجَاءكُمُ النذير
﴿إن الله علم غَيْبِ السماوات والأرض﴾ ما غاب فيهما عنكم ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾ كالتعليل لأنه إذا علم ما في الصدور وهو أخفى ما يكون فقد علم كل غيب في العالم وذات الصدور ومضمراتها وهي تأنيث ذو في نحو قول أبي بكر رضى الله عنه ذو بطن خارجة جاريةٌ أي ما في بطنها من الحبل لأن يصحب البطن وكذا المضمرات تصحب الصدور وذو موضوع لمعنى الصحبة
﴿هُوَ الذى جَعَلَكُمْ خلائف فِى الأرض﴾ يقال للمستخلف خليفة ويجمع على خلالف والمعنى أنه جعلكم خلفاء في أرضه قد ملككم مقاليد التصرف فيها وسلطكم على ما فيها وأباح منافعها لتشكروه بالتوحيد والطاعة فَمَن كَفَرَ منكم وغمط مثل النعمة السنية فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ فوبال كفره راجع عليه وهو مقت الله وخسار الآخرة كما
فاطر (٤٢ - ٣٩)
قال ﴿وَلاَ يَزِيدُ الكافرين كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً﴾ وهو أشد البغض وَلاَ يَزِيدُ الكافرين كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً هلاكاً وخسراناً
﴿قل أرأيتم شركاءكم﴾ آلهتكم التى اشركتموهم في العبادة الذين تدعون من دون الله أردونى مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض أَرُونِىَ بدل من أرأيتم لأن معنى أرأيتم أخبروني كأنه قيل أخبروني عن هؤلاء الشركاء وعما استحقوا به الشركة
﴿إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ﴾ يمنعهما من أن تزولا لأن الإمساك منع ولئن زالتا على سبيل الفرض أن أمسكتهما ما أمسكهما مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ من بعد إمساكه ومن الأولى مزيدة لتأكيد النفي والثانية للابتداء ﴿إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ غير معاجل بالعقوبة حيث يمسكهما وكانتا جديرتين بأن تهداهد العظم كلمة الشرك كما قال تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض الآية
﴿وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم﴾ نصب على المصدر أي إقساماً بليغاً أو على الحال أي جاهدين في أيمانهم ﴿لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أهدى من إحدى الأمم﴾ بلغ قرشيا قبل مبعث النبي ﷺ أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم فقالوا لعن الله اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم فوالله لئن أتانا رسول لنكونن أهدى من إحدى الأمم أي من الأمة التي يقال فيها هي إحدى الأمم تفضيلالها على غيرها في الهدى والاستقامة كما يقال للداهية العظيمة هي إحدى الدواهي ﴿فَلَمَّا جَآءَهُمْ نذير﴾ فلما بعث رسول الله عليه وسلم ﴿مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً﴾ أي ما زادهم مجىء الرسول
فاطر (٤٥ - ٤٣)
صلى الله عليه وسلم إلا تباعداً عن الحق وهو إسناد مجازي
﴿استكبارا فِى الأرض﴾ مفعول له وكذا وَمَكْرَ السيىء والمعنى وما زادهم الا نفورا للاستكبار ومكر السيء أو حال يعنى مستكبرين وما كرين برسول الله ﷺ قوله ومر السيء وأن مكروا السيء أي المكر السيء ثم ومكرا السيء والدليل عليه قوله ولا يحيق يحيط وينزل المكر السيء إِلاَّ بِأَهْلِهِ ولقد حاق بهم يوم بدر وفي المثل من حفر لأخيه جباً وقع فيه مكبا ﴿فهل ينظرون إلا سنة الأولين﴾ وهو إنزال العذاب على الذين كذبوا برسلهم من الأمم قبلهم والمعنى فهل ينظرون بعد تكذيبك إلا أن ينزل بهم العذاب مثل الذي نزل عن قبلهم من مكذبى الرسل جعل است ٤ قبالهم لذلك انتظار له منهم ﴿فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تَحْوِيلاً﴾ بين أن سنته التي هي الانتقام من مكذبي الرسل سنة لا يبدلها في ذاتها ولا يحولها عن أوقاتها وأن ذلك مفعول لا محالة
﴿أَوَ لَمْ يَسِيرُواْ فِى الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ استشهد عليهم بما كانوا يشهدونه في مسايرهم إلى الشام واليمن والعراق من آثار الماضين علامات هلاكهم ودمارهم وَكَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ من أهل مكة قوة اقتدار فلم يتمكنوا من الفرار وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ ليسبقه ويفوته مِن شَىْءٍ أيّ شيء ﴿في السماوات ولا في الارض إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً﴾ بهم قَدِيراً قادراً عليهم
﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِمَا كَسَبُواْ﴾ بما اقترافوا من المعاصي ﴿مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا﴾ على ظهر الأرض لأنه جرى ذكر الأرض في قوله
الجزء الرابع
سورة يس مكية وهي ثلاث وثمانين آية
بسم الله الرحمن الرحيم