تفسير سورة سورة فاطر من كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون
المعروف بـالدر المصون
.
لمؤلفه
السمين الحلبي
.
المتوفي سنة 756 هـ
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: ﴿فَاطِرِ السماوات﴾ : إنْ جَعَلْتَ إضافتَه مَحْضَةً كان نعتاً لله، وإنْ جَعَلْتَها غيرَ محضةٍ كان بدلاً. وهو قليلٌ من حيث إنه مشتقٌّ. وهذه قراءةُ العامَّةِ: «فاطر» اسمَ فاعلٍ. والزهريُّ والضحَّاك «فَطَر» فعلاً ماضياً. وفيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنه صلةٌ لموصولٍ محذوفٍ أي: الذي فَطَر، كذا قَدَّره أبو الفضل. ولا يَليق بمذهب البصريين؛ لأنَّ حَذْفَ الموصولِ الاسميِّ لا يجوزُ. وقد تقدَّمَ هذا الخلافُ مُسْتَوْفَى في البقرة. الثاني: أنه حال على إضمار «قد» قاله أبو الفضل أيضاً. الثالث: أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي: هو فَطَر. وقد حكى الزمخشري قراءةً تؤيِّد ما ذَهَبَ إليه الرازيُّ فقال: «وقُرِئَ الذي فَطَر وجعل» فصَرَّح بالموصولِ.قوله: «جاعل» العامَّةُ أيضاً على جَرِّه نعتاً أو بدلاً. والحسن بالرفعِ
209
والإِضافةِ، وروي عن أبي عمروٍ كذلك، إلاَّ أنَّه لم يُنَوِّنْ، ونَصَبَ «الملائكة»، وذلك على حَذْفِ التنوينِ لالتقاء الساكنين، كقولِه:
وابن يعمر وخليد بن مشيط «جَعَلَ» فعلاً ماضياً بعد قراءة «فاطر» بالجر، وهذه كقراءةِ ﴿فَالِقُ الإصباح، وَجَعَلَ الليل﴾ [الأنعام: ٩٦]. والحسن وحميد «رُسْلاً» بسكونِ السين، وهي لغةُ تميم. وجاعل يجوز أَنْ يكونَ بمعنى مُصَيِّر أو بمعنى خالق. فعلى الأول يجري الخلاف: هل نَصْبُ الثاني باسم الفاعل، أو بإضمار فعلٍ، هذا إن اعْتُقِد أنَّ جاعلاً غيرُ ماضٍ، أمَّا إذا كان ماضياً تَعَيَّن أن يَنتصبَ بإضمار فعلٍ. وقد حُقِّق ذلك في الأنعام. وعلى الثاني ينتصِبُ على الحالِ. و ﴿مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ﴾ صفةٌ ل «أجنحة». و «أُوْلي» صفة ل «رُسُلاً». وقد تقدَّم تحقيقُ الكلامِ في «مَثْنى» وأختيها في سورة النساء مستوفى. قال الشيخ: «وقيل:» أُوْلي أجنحة «معترضٌ و» مَثْنَى «حالٌ، والعاملُ فعلٌ محذوفٌ يَدُلُّ عليه» رسلاً «أي: يُرْسَلون مَثْنى وثلاثَ ورباع» وهذا لا يُسَمَّى اعتراضاً لوجهين، أحدهما: أنَّ «أُولي» صفةٌ ل «رُسُلاً»، والصفةُ لا يُقال فيها معترضةٌ. والثاني: أنها لَيسَتْ حالاً من «رُسُلاً» بل من محذوفٍ فكيف يكون ما قبلَه معترضاً؟ ولو
٣٧٥٨ -....................... | ولا ذاكرَ اللَّهَ إلاَّ قليلاً |
210
جعله حالاً من الضمير في «رسلاً» لأنه مشتقٌّ لَسَهُلَ ذلك بعضَ شيءٍ، ويكون الاعتراضُ بالصفةِ مَجازاً، مِنْ حيث إنه فاضلٌ في السورة.
قوله: «يزيدُ» مستأنَفٌ. وما «يَشاء» هو المفعولُ الثاني للزيادة، والأولُ لم يُقْصَدْ، فهو محذوفٌ اقتصاراً، لأنَّ ذِكْرَ قولِه: «في الخَلْق» يُغْني عنه.
قوله: «يزيدُ» مستأنَفٌ. وما «يَشاء» هو المفعولُ الثاني للزيادة، والأولُ لم يُقْصَدْ، فهو محذوفٌ اقتصاراً، لأنَّ ذِكْرَ قولِه: «في الخَلْق» يُغْني عنه.
211
قوله: ﴿مِن رَّحْمَةٍ﴾ : تبيينٌ أو حالٌ مِنْ اسمِ الشرطِ، ولا يكون صفةً ل «ما» ؛ لأنَّ اسمَ الشرط لا يُوْصَفُ. قال الزمخشري: «وتنكيرُ الرحمة للإِشاعةِ والإِبهامِ، كأنه قيل: أيَّ رحمةٍ كانت سماويةً أو أرضيَّةً». قالَ الشيخ: «والعمومُ مفهومُ من اسمِ الشرطِ و» مِنْ رحمة «بيانٌ لذلك العامِّ من أي صنف هو، وهو مِمَّا اجْتُزِئَ فيه بالنكرة المفردة عن الجمعِ المعرَّفِ المطابِقِ في العمومِ لاسمِ الشرطِ، وتقديرُه: مِنَ الرَّحَمات. و» من «في موضع الحال». انتهى.
قوله: «وما يُمْسِكْ» يجوز أَنْ يكونَ على عمومه، أي: أيَّ شيءٍ أَمْسَكه، مِنْ رحمةٍ أو غيرِها. فعلى هذا التذكيرُ في قوله: / «له» ظاهرٌ؛ لأنه عائدٌ على ما يُمْسِك. ويجوزُ أَنْ يكونَ قد حُذِفَ المبيَّن من الثاني لدلالةِ الأولِ عليه تقديرُه: وما يُمْسِكْ مِنْ رحمةٍ. فعلى هذا التذكيرُ في قولِه: «له» على لفظِ «ما» وفي قولِه أولاً ﴿فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا﴾ التأنيثُ فيه حُمِل على معنى «ما»، لأنَّ المرادَ به الرحمةُ فحُمِل أولاً على المعنى، وفي الثاني على اللفظِ. والفتحُ والإِمساكُ استعارةٌ حسنةٌ.
قوله: «وما يُمْسِكْ» يجوز أَنْ يكونَ على عمومه، أي: أيَّ شيءٍ أَمْسَكه، مِنْ رحمةٍ أو غيرِها. فعلى هذا التذكيرُ في قوله: / «له» ظاهرٌ؛ لأنه عائدٌ على ما يُمْسِك. ويجوزُ أَنْ يكونَ قد حُذِفَ المبيَّن من الثاني لدلالةِ الأولِ عليه تقديرُه: وما يُمْسِكْ مِنْ رحمةٍ. فعلى هذا التذكيرُ في قولِه: «له» على لفظِ «ما» وفي قولِه أولاً ﴿فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا﴾ التأنيثُ فيه حُمِل على معنى «ما»، لأنَّ المرادَ به الرحمةُ فحُمِل أولاً على المعنى، وفي الثاني على اللفظِ. والفتحُ والإِمساكُ استعارةٌ حسنةٌ.
قوله: ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله﴾ : قرأ الأخَوان «غيرِ» بالجر نعتاً ل «خالقٍ» على اللفظِ. و «مِنْ خالق» مبتدأٌ مُزادٌ فيه «مِنْ». وفي خبرِه قولان، أحدُهما: هو الجملةُ مِنْ قوله: «يَرْزُقُكم». والثاني: أنه محذوفٌ تقديرُه: لكم ونحوُه، وفي «يَرْزُقكم» على هذا وجهان، أحدهما: أنَّه صفةٌ أيضاً ل «خالق» فيجوزُ أن يُحْكَمَ على موضعِه بالجرِّ اعتباراً باللفظ، وبالرفعِ اعتباراً بالموضع. والثاني: أنه مستأنفٌ.
وقرأ الباقون بالرفع. وفيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنه خبرُ المبتدأ. والثاني: أنه صفةٌ ل «خالق» على الموضعِ. والخبرُ: إمَّا محذوفٌ، وإمَّا «يَرْزُقُكم». والثالث: أنه مرفوعٌ باسم الفاعل على جهةِ الفاعليةِ؛ لأنَّ اسمَ الفاعلِ قد اعْتَمَدَ على أداةِ الاستفهام. إلاَّ أنَّ الشيخَ تَوَقَّفَ في مثلِ هذا؛ من حيث إنَّ اسم الفاعل وإن اعتمدَ، إلاَّ أنه لم تُحْفَظْ فيه زيادةُ «مِنْ» قال: «فيُحتاج مثلُه إلى سَماعٍ» ولا يَظهرُ التوقُّف؛ فإنَّ شروط الزيادةِ والعملِ موجودةٌ. وعلى هذا الوجهِ ف «يَرْزُقُكم» : إمَّا صفةٌ أو مستأنَفٌ. وجَعَل الشيخُ استئنافَه أَوْلَى قال: «لانتفاءِ صِدْقِ» خالق «على» غير الله «بخلافِ كونِه صفةً فإنَّ الصفةَ تُقَيِّد، فيكون ثَمَّ خالقٌ غيرُ اللَّهِ لكنه ليس برازق».
وقرأ الفضل بن إبراهيم النَّحْوِيُّ «غيرَ» بالنصبِ على الاستثناء. والخبر «
وقرأ الباقون بالرفع. وفيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنه خبرُ المبتدأ. والثاني: أنه صفةٌ ل «خالق» على الموضعِ. والخبرُ: إمَّا محذوفٌ، وإمَّا «يَرْزُقُكم». والثالث: أنه مرفوعٌ باسم الفاعل على جهةِ الفاعليةِ؛ لأنَّ اسمَ الفاعلِ قد اعْتَمَدَ على أداةِ الاستفهام. إلاَّ أنَّ الشيخَ تَوَقَّفَ في مثلِ هذا؛ من حيث إنَّ اسم الفاعل وإن اعتمدَ، إلاَّ أنه لم تُحْفَظْ فيه زيادةُ «مِنْ» قال: «فيُحتاج مثلُه إلى سَماعٍ» ولا يَظهرُ التوقُّف؛ فإنَّ شروط الزيادةِ والعملِ موجودةٌ. وعلى هذا الوجهِ ف «يَرْزُقُكم» : إمَّا صفةٌ أو مستأنَفٌ. وجَعَل الشيخُ استئنافَه أَوْلَى قال: «لانتفاءِ صِدْقِ» خالق «على» غير الله «بخلافِ كونِه صفةً فإنَّ الصفةَ تُقَيِّد، فيكون ثَمَّ خالقٌ غيرُ اللَّهِ لكنه ليس برازق».
وقرأ الفضل بن إبراهيم النَّحْوِيُّ «غيرَ» بالنصبِ على الاستثناء. والخبر «
212
يَرزُقكم» أو محذوفٌ و «يَرْزُقكم» مستأنفٌ، أو صفةٌ. وقوله: ﴿لاَ إله إِلاَّ هُوَ﴾ مستأنفٌ.
213
قوله: ﴿الغرور﴾ : العامَّةُ بالفتح، وهو صفةُ مبالغةٍ كالصَّبورِ والشَّكورِ. وأبو السَّمَّال وأبو حيوةَ بضمِّها: إمَّا جمع غارّ كقاعِد وقُعود، وإمَّا مصدرٌ كالجُلوس.
قوله: ﴿الذين كَفَرُواْ﴾ : يجوزُ رَفْعُه ونصبُه وجَرُّه. فرفعُه مِنْ وجهين، أقواهما: أَنْ يكونَ مبتدأً. والجملةُ بعده خبرُه. والأحسنُ أَنْ يكونَ «لهم» هو الخبرَ، و «عذابٌ» فاعلَه. الثاني: أنه بدلٌ مِنْ واوِ «ليكونوا». ونصبُه مِنْ أوجهٍ: البدلِ مِنْ «حزبَه»، أو النعتِ له، وإضمارِ فعلِ «أَذُمُّ» ونحوِه.
وجرُّه مِنْ وجهَين: النعتِ أو البدليةِ من «أصحابِ». وأحسنُ الوجوهِ: الأولُ لمطابقةِ التقسيم. واللامُ في «ليكونوا» : إمَّا للعلَّةِ على المجازِ، مِنْ إقامةِ المُسَبَّبِ مُقام السببِ، وإمَّا للصيروة.
وجرُّه مِنْ وجهَين: النعتِ أو البدليةِ من «أصحابِ». وأحسنُ الوجوهِ: الأولُ لمطابقةِ التقسيم. واللامُ في «ليكونوا» : إمَّا للعلَّةِ على المجازِ، مِنْ إقامةِ المُسَبَّبِ مُقام السببِ، وإمَّا للصيروة.
قوله: ﴿أَفَمَن﴾ : موصولٌ مبتدأٌ. وما بعدَه صلتُه، والخبرُ محذوفٌ. فقدَّره الكسائيُّ ﴿تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ لدلالةِ «فلا تَذْهَبْ» عليه. وقَدَّره الزجَّاجُ وأضلَّه اللَّهُ كمَنْ هداه. وقَدَّره غيرُهما: كمن لم يُزَيَّن
213
له، وهو أحسنُ لموافقتِه لفظاً ومعنىً. ونظيرُه: ﴿أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ [هود: ١٧]، ﴿أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحق كَمَنْ هُوَ أعمى﴾ [الرعد: ١٩].
والعامَّةُ على «زُيِّن» مبنياً للمفعولِ «سوءُ» رُفِعَ به. وعبيد بن عمير «زَيَّنَ» مبنياً للفاعلِ وهو اللَّهُ تعالى، «سُوْءَ» نُصِبَ به. وعنه «أَسْوَأُ» بصيغةِ التفضيلِ منصوباً. وطلحة «أمَنْ» بغيرِ فاءٍ.
قال أبو الفضل: «الهمزةُ للاستخبارِ بمعنى العامَّةِ، للتقرير. ويجوزُ أَنْ يكونَ بمعنى حرفِ النداء، فَحَذَفَ التمامَ كما حَذَفَ مِن المشهورِ الجوابَ. يعني أنه يجوزُ في هذه القراءةِ أَنْ تكونَ الهمزةُ للنداء، وحُذِف التمامُ، أي: ما نُوْدي لأَجْلِه، كأنه قيل: يا مَنْ زُيِّن له سوءُ عملِه ارْجِعْ إلى الله وتُبْ إليه. وقوله:» كما حُذِفَ الجوابُ «يعني به خبرَ المبتدأ الذي تقدَّم تقريرُه.
قوله:» فلا تَذْهَبْ «العامَّة على فتح التاءِ والهاءِ مُسْنداً ل» نفسُك «مِنْ بابِ» لا أُبَيْنَّك ههنا «أي: لا تَتَعاطَ أسبابَ ذلك. وقرأ أبو جعفر وقتادة والأشهبُ بضمِّ التاء وكسرِ الهاء مُسْتداً لضميرِ المخاطب» نَفْسَك «مفعولٌ به.
قوله:» حَسَراتٍ «/ فيه وجهان، أحدُهما: أنه مفعولٌ مِنْ أجلِه أي: لأجلِ الحَسَرات. والثاني: أنه في موضعِ الحالِ على المبالغةِ، كأنَّ كلَّها
والعامَّةُ على «زُيِّن» مبنياً للمفعولِ «سوءُ» رُفِعَ به. وعبيد بن عمير «زَيَّنَ» مبنياً للفاعلِ وهو اللَّهُ تعالى، «سُوْءَ» نُصِبَ به. وعنه «أَسْوَأُ» بصيغةِ التفضيلِ منصوباً. وطلحة «أمَنْ» بغيرِ فاءٍ.
قال أبو الفضل: «الهمزةُ للاستخبارِ بمعنى العامَّةِ، للتقرير. ويجوزُ أَنْ يكونَ بمعنى حرفِ النداء، فَحَذَفَ التمامَ كما حَذَفَ مِن المشهورِ الجوابَ. يعني أنه يجوزُ في هذه القراءةِ أَنْ تكونَ الهمزةُ للنداء، وحُذِف التمامُ، أي: ما نُوْدي لأَجْلِه، كأنه قيل: يا مَنْ زُيِّن له سوءُ عملِه ارْجِعْ إلى الله وتُبْ إليه. وقوله:» كما حُذِفَ الجوابُ «يعني به خبرَ المبتدأ الذي تقدَّم تقريرُه.
قوله:» فلا تَذْهَبْ «العامَّة على فتح التاءِ والهاءِ مُسْنداً ل» نفسُك «مِنْ بابِ» لا أُبَيْنَّك ههنا «أي: لا تَتَعاطَ أسبابَ ذلك. وقرأ أبو جعفر وقتادة والأشهبُ بضمِّ التاء وكسرِ الهاء مُسْتداً لضميرِ المخاطب» نَفْسَك «مفعولٌ به.
قوله:» حَسَراتٍ «/ فيه وجهان، أحدُهما: أنه مفعولٌ مِنْ أجلِه أي: لأجلِ الحَسَرات. والثاني: أنه في موضعِ الحالِ على المبالغةِ، كأنَّ كلَّها
214
صارَتْ حَسَراتٍ لفَرْطِ التحسُّرِ، كما قال:
يريد: رَجَعْنَ كَلاكِلاً وصدوراً، أي: لم تَبْقَ إلاَّ كلاكلُها وصدورها كقولِه:
وكَوْنُ كلاكِل وصدور حالاً قولُ سيبويه، وجَعَلهما المبردُ تمييزَيْنِ منقولَيْنِ من الفاعلية.
٣٧٥٩ - مَشَقَ الهَواجِرُ لَحْمَهُنَّ مع السُّرى | حتى ذَهَبْنَ كَلاكِلاً وصُدورا |
٣٧٦٠ - فعلى إثْرِهِمْ تَسَاقَطُ نَفْسي | حَسَراتٍ وذكْرُهُمْ لي سَقامُ |
215
قوله: ﴿فَتُثِيرُ﴾ : عَطْفٌ على «أَرْسَلَ» ؛ لأنَّ أَرْسَلَ بمعنى المستقبل، فلذلك عَطَفَ عليه، وأتى بأَرْسَلَ لتحقُّقِ وقوعِه و «تُثير» لتصوُّرِ الحالِ واستحضارِ الصورة البديعةِ كقوله: ﴿أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً﴾ [الحج: ٦٣] كقول تأَبَّط شرَّاً:
215
٣٧٦١ - ألا مَنْ مُبْلِغٌ فِتْيانَ فَهْمٍ | بما لاقَيْتُ عند رَحا بِطانِ |
بأنِّي قد لَقِيْتُ الغُوْلَ تَهْوِيْ | بسَهْبٍ كالصحيفةِ صَحْصَحانِ |
كِلانا نَضْوُ أرضٍ | أخو سَفَرٍ فَخَلِّي لي مكانِي |
فشَدَّتْ شَدَّةً نَحْوي فأهْوَتْ | لها كَفِّي بمَصْقولٍ يَمانِ |
فأَضْرِبُها بلا دَهْشٍ فَخَرَّتْ | صَريعاً لليدَيْن وللجِرانِ |
وقوله: «فَسُقْناه» و «أَحْيَيْنا» مَعْدولاً بهما عن لفظِ الغيبة إلى ما هو أَدْخَلُ في الاختصاصِ وأَدَلُّ عليه.
قوله: «كذلك النُّشورُ» مبتدأٌ، وخبرُه مقدَّمٌ عليه، والإِشارةُ إلى إحياءِ الأرضِ بالمطرِ، والتشبيهُ واضحٌ بليغٌ.
216
قوله: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ﴾ : شرطٌ جوابُه مقدرٌ، ويختلف تقديرُه باختلافِ التفسير في قوله: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ العزة﴾ فقال مجاهد: «معناه مَنْ كان يريد العزَّةَ بعبادةِ الأوثان، فيكونُ تقديرُه: فَلْيَطْلبها». وقال قتادة: «مَنْ كان يريد العزَّة وطريقه القويم ويحب نيْلَها على وجهِها، فيكون تقديره
216
على هذا: فليطلبها». وقال الفراء: «من كان يريد عِلمَ العزة، فيكون التقدير: فليَنْسُبْ ذلك إلى الله تعالى». وقيل: مَنْ كان يريد العزة التي لا تَعْقُبها ذِلَّةٌ، فيكونُ التقديرُ: فهو لا يَنالُها. ودَلَّ على هذه الأجوبةِ قولُه: «فَلِلَّهِ العِزَّةُ» وإنما قيل: إن الجوابَ محذوفٌ، وليس هو هذه الجملةَ لوجهين، أحدهما: أنَّ العزَّةَ لله مطلقاً، مِنْ غيرِ ترتُّبِها على شرطِ إرادةِ أحدٍ. الثاني: أنَّه لا بُدَّ في الجواب مِنْ ضميرٍ يعودُ على اسم الشرط، إذا كان غيرَ ظرف، ولم يُوْجَدْ هنا ضميرٌ. و «جميعاً» حالٌ، والعاملُ فيها الاستقرارُ.
قوله: «إليه يَصْعَدُ» العامَّةُ على بنائِه للفاعل مِنْ «صَعِد» ثلاثياً، «الكَلِمُ الطيِّبُ» برفعِهما فاعِلاً ونعتاً. وعلي وابن مسعود «يُصْعِدُ» مِنْ أَصْعَدَ، «الكلمَ الطيبَ» منصوبان على المفعولِ والنعت. وقُرئ «يُصْعَدُ» مبنيَّاً للمفعول. وقال ابنُ عطية: «قرأ الضحَّاك» يُصْعد «بضم الياء» لكنه لم يُبَيِّن كونَه مبنيَّاً للفاعلِ أو للمفعول.
قوله: «والعملُ الصالحُ» العامَّةُ على الرفعِ. وفيه وجهان، أحدهما: أنَّه معطوفٌ على «الكلمُ الطيبُ» فيكون صاعداً أيضاً. و «يَرْفَعُه» على هذا استئنافُ إخبارٍ من اللَّهِ تعالى بأنه يرفعُهما، وإنِّما وُحِّد الضميرُ، وإنْ كان المرادُ الكَلِمَ والعملَ ذهاباً بالضميرِ مَذْهَبَ اسمِ الإِشارة، كقوله: ﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذلك﴾ [البقرة: ٦٨]. وقيل: لاشتراكِهما في صفةٍ واحدةٍ، وهي الصعودُ. والثاني: أنه مبتدأٌ،
قوله: «إليه يَصْعَدُ» العامَّةُ على بنائِه للفاعل مِنْ «صَعِد» ثلاثياً، «الكَلِمُ الطيِّبُ» برفعِهما فاعِلاً ونعتاً. وعلي وابن مسعود «يُصْعِدُ» مِنْ أَصْعَدَ، «الكلمَ الطيبَ» منصوبان على المفعولِ والنعت. وقُرئ «يُصْعَدُ» مبنيَّاً للمفعول. وقال ابنُ عطية: «قرأ الضحَّاك» يُصْعد «بضم الياء» لكنه لم يُبَيِّن كونَه مبنيَّاً للفاعلِ أو للمفعول.
قوله: «والعملُ الصالحُ» العامَّةُ على الرفعِ. وفيه وجهان، أحدهما: أنَّه معطوفٌ على «الكلمُ الطيبُ» فيكون صاعداً أيضاً. و «يَرْفَعُه» على هذا استئنافُ إخبارٍ من اللَّهِ تعالى بأنه يرفعُهما، وإنِّما وُحِّد الضميرُ، وإنْ كان المرادُ الكَلِمَ والعملَ ذهاباً بالضميرِ مَذْهَبَ اسمِ الإِشارة، كقوله: ﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذلك﴾ [البقرة: ٦٨]. وقيل: لاشتراكِهما في صفةٍ واحدةٍ، وهي الصعودُ. والثاني: أنه مبتدأٌ،
217
و «يرفَعُه» الخبرُ، ولكن اختلفوا في فاعل «يَرْفَعُه» على ثلاثةِ أوجهٍ، أحدُها: أنه ضميرُ اللَّهِ تعالى أي: والعملُ الصالحُ يرفعه اللَّهُ إليه. والثاني: أنه ضميرُ العملِ الصالحِ. وضميرُ النصبِ على هذا فيه وجهان، أحدُهما: أنه يعودُ على صاحب العمل، أي يَرْفَعُ صاحبَه. والثاني: أنه ضميرُ الكلمِ الطيبِ أي: العمل الصالح يرفع الكلمَ الطيبَ. ونُقِلَ عن ابن عباس. إلاَّ أنَّ ابنَ عطية منع هذا عن ابن عباس، وقال: «لا يَصِحُّ؛ لأنَّ مَذْهَبَ أهلِ السنَّة أنَّ الكلمَ الطيبَ مقبولٌ، وإنْ كان صاحبُه عاصياً». والثالث: أنَّ ضميرَ الرفعِ للكَلِمِ، والنصبِ للعملِ، أي: الكَلِمُ يَرْفَعُ العملَ.
وقرأ ابن أبي عبلة وعيسى بنصبِ «العمل الصالح» على الاشتغالِ، والضميرُ المرفوعُ للكلم أو للَّهِ تعالى، والمنصوبُ للعملِ.
قوله: «يَمْكُرون السَّيِّئات» يمكرون أصلُه قاصِرٌ فعلى هذا ينتصِبُ «السيِّئاتِ» على نعتِ مصدرٍ محذوفٍ أي: المَكَراتِ/ السيئاتِ، أو نعتٍ لمضافٍ إلى المصدر أي: أصناف المَكَراتِ السيئاتِ. ويجوزُ أَنْ يكونَ «يَمْكُرون» مضمَّناً معنى يَكْسِبُون «فينتصِبُ» السيئاتِ «مفعولاً به.
قوله:» هو يَبُوْرُ «» هو «مبتدأٌ و» يبورُ «خبرُه. والجملةُ خبرُ قولِه:» ومَكْرُ أولئك «. وجَوَّزَ الحوفيُّ وأبو البقاء أَنْ يكونَ» هو «فَصْلاً بين المبتدأ وخبرِه. وهذا مردودٌ: بأنَّ الفَصْلَ لا يقعُ قبل الخبرِ إذا كان فعلاً، إلاَّ أن الجرجاني
وقرأ ابن أبي عبلة وعيسى بنصبِ «العمل الصالح» على الاشتغالِ، والضميرُ المرفوعُ للكلم أو للَّهِ تعالى، والمنصوبُ للعملِ.
قوله: «يَمْكُرون السَّيِّئات» يمكرون أصلُه قاصِرٌ فعلى هذا ينتصِبُ «السيِّئاتِ» على نعتِ مصدرٍ محذوفٍ أي: المَكَراتِ/ السيئاتِ، أو نعتٍ لمضافٍ إلى المصدر أي: أصناف المَكَراتِ السيئاتِ. ويجوزُ أَنْ يكونَ «يَمْكُرون» مضمَّناً معنى يَكْسِبُون «فينتصِبُ» السيئاتِ «مفعولاً به.
قوله:» هو يَبُوْرُ «» هو «مبتدأٌ و» يبورُ «خبرُه. والجملةُ خبرُ قولِه:» ومَكْرُ أولئك «. وجَوَّزَ الحوفيُّ وأبو البقاء أَنْ يكونَ» هو «فَصْلاً بين المبتدأ وخبرِه. وهذا مردودٌ: بأنَّ الفَصْلَ لا يقعُ قبل الخبرِ إذا كان فعلاً، إلاَّ أن الجرجاني
218
جَوَّز ذلك. وجَوَّز أبو البقاء أيضاً أَنْ يكونَ» هو «تأكيداً. وهذا مَرْدودٌ بأنَّ المضمرَ لا يُؤَكِّدُ الظاهرَ.
219
قوله: ﴿مِنْ أنثى﴾ :«مِنْ» مزيدةٌ في «أُنْثى» وكذلك في «مِنْ مُعَمَّر» إلاَّ أنَّ الأولَ فاعلٌ، وهذا مفعولٌ قام مَقامَه و «إلاَّ بعِلْمِه» حالٌ. أي: إلاَّ ملتبسةً بعلمه.
قوله: «مِنْ عُمُرِه» في هذا الضميرِ قولان، أحدهما: أنه يعودُ على مُعَمَّرٍ آخرَ؛ لأنَّ المرادَ بقوله: «مِنْ مُعَمَّر» الجنسُ فهو يعودُ عليه لفظاً، لا معنى، لأنه بعدَ أَنْ فَرَضَ كونَه معمَّراً، استحال أَنْ يَنْقُصَ مِنْ عمرِه نفسِه، كقول الشاعر:
ومنه «عندي درهمٌ ونصفُه» أي: ونصفُ درهمٍ آخرَ. الثاني: أنه يعودُ على «مُعَمَّر» لفظاً. ومعنى ذلك: أنه إذا مضى مِنْ عُمُره حَوْلٌ أُحْصِيَ وكُتِبَ، ثم حَوْلٌ آخرُ كذلك، فهذا هو النَّقْصُ. وإليه ذهب ابنُ عباس وابن جبير وأبو مالك. ومنه قولُ الشاعرِ:
قوله: «مِنْ عُمُرِه» في هذا الضميرِ قولان، أحدهما: أنه يعودُ على مُعَمَّرٍ آخرَ؛ لأنَّ المرادَ بقوله: «مِنْ مُعَمَّر» الجنسُ فهو يعودُ عليه لفظاً، لا معنى، لأنه بعدَ أَنْ فَرَضَ كونَه معمَّراً، استحال أَنْ يَنْقُصَ مِنْ عمرِه نفسِه، كقول الشاعر:
٣٧٦٢ - وكلُّ أناسٍ قارَبُوا قَيْدَ فَحْلِهم | ونحن خَلَعْنا قيدَه فهو ساربُ |
219
٣٧٦٣ - حياتُك أَنْفاسٌ تُعَدُّ فكلَّما | مضى نَفَسٌ منكَ انْتَقَصْتَ به جُزْءا |
220
قوله: ﴿سَآئِغٌ شَرَابُهُ﴾ : يجوزُ أَنْ يكونا مبتدأً وخبراً. والجملةُ خبرٌ ثانٍ، وأَنْ يكونَ «سائغٌ» خبراً، وشرابُه فاعلاً به، لأنه اعتمد. وقرأ عيسى - وتُرْوى عن أبي عمروٍ وعاصمٍ - «سَيِّغٌ» مثلُ سَيِّد ومَيِّت. وعن عيسى بتخفيف يائِه، كما يُخَفَّف هَيْن ومَيْت.
وقرأ طلحةُ وأبو نهيك «مَلِحٌ» بفتح الميمِ وكسرِ اللام. فقيل: هو مقصورٌ مِنْ مالِح، ومالِحٌ لُغَيَّةٌ شاذةٌ. وقيل: «مَلِحٌ» بالفتحِ والكسرِ لغةٌ في «مِلْحٌ» بالكسرِ والسكون.
وقرأ طلحةُ وأبو نهيك «مَلِحٌ» بفتح الميمِ وكسرِ اللام. فقيل: هو مقصورٌ مِنْ مالِح، ومالِحٌ لُغَيَّةٌ شاذةٌ. وقيل: «مَلِحٌ» بالفتحِ والكسرِ لغةٌ في «مِلْحٌ» بالكسرِ والسكون.
قوله: ﴿ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ﴾ :«ذلكمْ» مبتدأٌ و «اللَّهُ» خبرُه، و «ربُّكم» خبرٌ ثانٍ أو نعتٌ لله. وقال الزمخشري: «ويجوز في حكم الإِعرابِ إيقاعُ اسمِ الله صفةً لاسمِ الإِشارةِ، أو عطفَ بيانٍ، و» رَبُّكم «خبرٌ،
220
لولا أنَّ المعنَى يَأْباه». ورَدَّه الشيخُ: بأنَّ اللَّهَ عَلَمٌ لا جنس فلا يُوْصَفُ به. ورَدَّ قولَه: «إن المعنى يَأْباه» قال: «لأنه يكونُ قد أَخْبر عن المشارِ إليه بتلك الصفاتِ والأفعالِ أنَّه مالِكُكُمْ ومُصْلِحُكم».
قوله: «والذين تَدْعُوْن» العامَّةُ على الخطاب في «تَدْعُون» لقوله: «ربُّكم». وعيسى وسلام ويعقوب - وتُرْوى عن أبي عمرٍو - بياءِ الغَيْبة: إمَّا على الالتفاتِ، وإمَّا على الانتقال إلى الإِخبارِ. والفرقُ بينهما: أنه في الالتفاتِ يكون المرادُ بالضميرَيْن واحداً بخلافِ الثاني؛ فإنهما غَيْران. و «ما يَمْلِكون» هو خبرُ الموصولِ. و «مِنْ قِطْمير» مفعولٌ به، و «مِنْ» فيه مزيدةٌ.
والقِطْميرُ: المشهورُ فيه أنَّه لُفافَةُ النَّواةِ. وهو مَثَلٌ في القِلَّة، كقوله:
وقيل: هو القُمْعُ. وقيل: ما بين القُمْعِ والنَّواةِ. وقد تقدَّم أنَّ في النَّواةِ أربعةَ أشياءَ يُضْرَبُ بها المَثَلُ في القِلَّة: الفَتِيلُ، وهو ما في شِقِّ النَّواةِ، والقِطْميرُ: وهو اللُّفافَةُ، والنَّقِيْرُ، وهو ما في ظهرها، والثُّفْروقُ، وهو ما بين القُمْع والنَّواة.
قوله: «والذين تَدْعُوْن» العامَّةُ على الخطاب في «تَدْعُون» لقوله: «ربُّكم». وعيسى وسلام ويعقوب - وتُرْوى عن أبي عمرٍو - بياءِ الغَيْبة: إمَّا على الالتفاتِ، وإمَّا على الانتقال إلى الإِخبارِ. والفرقُ بينهما: أنه في الالتفاتِ يكون المرادُ بالضميرَيْن واحداً بخلافِ الثاني؛ فإنهما غَيْران. و «ما يَمْلِكون» هو خبرُ الموصولِ. و «مِنْ قِطْمير» مفعولٌ به، و «مِنْ» فيه مزيدةٌ.
والقِطْميرُ: المشهورُ فيه أنَّه لُفافَةُ النَّواةِ. وهو مَثَلٌ في القِلَّة، كقوله:
٣٧٦٤ - وأبوكَ يَخْصِفُ نَعْلَه مُتَوَرِّكاً | ما يَمْلك المِسْكينُ مِنْ قِطْميرِ |
221
قوله: ﴿بِشِرْكِكُمْ﴾ : مصدرٌ مضافٌ لفاعلِه.
قوله: ﴿وَازِرَةٌ﴾ : أي: نفسٌ وازِرَةٌ، فحذف الموصوفَ للعِلْم [به]. ومعنى تَزِرُ: تَحْمِلُ أي: لا تحملُ نَفْسٌ حامِلَةٌ حِمْلَ نفسٍ أخرى.
221
قوله: ﴿وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ﴾ أي: نفسٌ مُثْقَلَةٌ بالذنوب نفساً إلى حِمْلِها. فحذف المفعولَ به للعِلْم به. والعامَّةُ «لا يُحْمَلُ» مبنياً للمفعولِ و «شيءٌ» قائمٌ مَقامَ فاعلِه. وأبو السَّمَّال وطلحة - وتُرْوى عن الكسائي - بفتح التاءِ مِنْ فوقُ وكسرِ الميم. أَسْنَدَ الفعلَ إلى ضميرِ النفسِ المحذوفةِ التي جعلها مفعولةً ل «تَدْعُ» أي: لا تَحْمِل تلكَ النفسُ المدعوَّةُ. «شيئاً» مفعولٌ ب «لا تَحْمِل».
قوله: ﴿وَلَوْ كَانَ ذَا قربى﴾ [أي:] ولو كان المَدْعُوُّ ذا قُرْبى. وقيل: التقديرُ: ولو كان الداعِي ذا قُرْبى. والمعنيان حسنان. وقُرِئ «ذو» بالرفعِ، على أنها التامَّةُ أي: ولو حَضَرَ/ ذو قُرْبى نحو: «قد كان مِنْ مطْر»، ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠]. قال الزمخشري: «ونَظْمُ الكلامِ أحسن ملاءَمةً للناقصةِ؛ لأنَّ المعنى: على أنَّ المُثْقَلَةَ إذا دَعَتْ أحداً إلى حِمْلِها لا يُحْمَلُ منه شيءٌ، ولو كان مَدْعُوُّها ذا قُرْبى، وهو مُلْتَئِمٌ. ولو قلت: ولو وُجِد ذو قُرْبى لخَرَج عن التئامِه». قال الشيخ: «وهو ملْتَئِمٌ على المعنى الذي ذكَرْناه». قلت: والذي قاله هو «أي: ولو حَضَرَ إذ ذاك ذُو قربى» ثم قال: «وتفسيرُ الزمخشريِّ» كان «- وهو مبنيٌّ للفاعل» يُوْجَدُ «وهو مبنيٌّ للمفعول - تفسيرُ معنى، والذي يفسِّر النحويُّ به» كان «التامَّةَ هو حَدَث وحَضَر ووقَعَ».
قوله: بالغَيْب «حالٌ من الفاعل أي: يَخْشَوْنه غائبين عنه، أو من المفعول أي: غائباً عنهم.
قوله:» ومَنْ تَزَكَّى «قرأ العامَّةُ» تَزَكَّى «تَفَعَّل،» فإنما يَتَزَكَّى «يتفعَّل. وعن
قوله: ﴿وَلَوْ كَانَ ذَا قربى﴾ [أي:] ولو كان المَدْعُوُّ ذا قُرْبى. وقيل: التقديرُ: ولو كان الداعِي ذا قُرْبى. والمعنيان حسنان. وقُرِئ «ذو» بالرفعِ، على أنها التامَّةُ أي: ولو حَضَرَ/ ذو قُرْبى نحو: «قد كان مِنْ مطْر»، ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠]. قال الزمخشري: «ونَظْمُ الكلامِ أحسن ملاءَمةً للناقصةِ؛ لأنَّ المعنى: على أنَّ المُثْقَلَةَ إذا دَعَتْ أحداً إلى حِمْلِها لا يُحْمَلُ منه شيءٌ، ولو كان مَدْعُوُّها ذا قُرْبى، وهو مُلْتَئِمٌ. ولو قلت: ولو وُجِد ذو قُرْبى لخَرَج عن التئامِه». قال الشيخ: «وهو ملْتَئِمٌ على المعنى الذي ذكَرْناه». قلت: والذي قاله هو «أي: ولو حَضَرَ إذ ذاك ذُو قربى» ثم قال: «وتفسيرُ الزمخشريِّ» كان «- وهو مبنيٌّ للفاعل» يُوْجَدُ «وهو مبنيٌّ للمفعول - تفسيرُ معنى، والذي يفسِّر النحويُّ به» كان «التامَّةَ هو حَدَث وحَضَر ووقَعَ».
قوله: بالغَيْب «حالٌ من الفاعل أي: يَخْشَوْنه غائبين عنه، أو من المفعول أي: غائباً عنهم.
قوله:» ومَنْ تَزَكَّى «قرأ العامَّةُ» تَزَكَّى «تَفَعَّل،» فإنما يَتَزَكَّى «يتفعَّل. وعن
222
أبي عمروٍ» ومَنْ يَزَّكِّى «» فإنما يَزَّكَّى «والأصلُ فيهما: يَتَزَكَّى فأُدْغِمَتْ التاءُ في الزايِ كما أُدْغِمت في الذال نحو:» يَذَّكَّرون «في» يتذكَّرون «وابنُ مَسْعود وطلحة» ومَنْ ازَّكَّى «والأصلُ: تَزَكَّى فَأُدْغِمَ باجتلابِ همزةِ الوصلِ،» فإنما يَزَّكَّى «أصلُه يَتَزَكَّى فأُدْغِمَ، كأبي عمروٍ في غيرِ المشهورِ عنه.
223
قوله: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأعمى والبصير﴾ : استوى من الأفعال التي لا يُكْتَفَى فيها بواحدٍ لو قلت: «استوى زيدٌ» لم يَصِحَّ، فمِنْ ثَمَّ لَزِمَ العطفُ على الفاعلِ أو تعدُّدُه.
و «لا» في قوله: «ولا الظلماتُ» إلى آخره مكررةٌ لتأكيدِ النفيِ. وقال ابنُ عطية: «دخولُ» لا «إنما هو على نيةِ التَّكْرارِ، كأنه قال: ولا الظلماتُ والنورُ، ولا النورُ والظلماتُ، فاسْتُغْني بذِكْرِ الأوائل عن الثواني، ودَلَّ مذكورُ الكلامِ على مَتْروكِه». قال الشيخ: «وهذا غير مُحْتاجٍ إليه؛ لأنه إذا نُفِي اسْتواؤُهما أولاً فأيُّ فائدةٍ في نَفْي اسْتوائِهما ثانياً» وهو كلامٌ حَسَنٌ إلاَّ أنَّ الشيخَ هنا قال: «فدخولُ» لا «في النفيِ لتأكيدِ معناه، كقوله: ﴿وَلاَ تَسْتَوِي الحسنة وَلاَ السيئة﴾ [فصلت: ٣٤]. قلت: وللناسِ في هذه الآيةِ قولان، أحدهما: ما ذُكِر. الثاني: أنها غيرُ مؤكِّدة؛ إذ يُراد بالحسنةِ الجنسُ، وكذلك» السيئة «فكلُّ واحدٍ منهما متفاوتٌ في جنسِه؛ لأنَّ الحسناتِ درجاتٌ متفاوتةٌ، وكذلك السَّيئاتُ، وسيأتي لك تحقيقُ هذا إنْ شاء اللَّهُ تعالى. فعلى هذا يمكنُ أَنْ يُقالَ بهذا هنا: وهو أنَّ المرادَ نَفْيُ استواءِ الظلماتِ ونَفْيُ استواءِ جنسِ النورِ، إلاَّ أنَّ هذا غيرُ
و «لا» في قوله: «ولا الظلماتُ» إلى آخره مكررةٌ لتأكيدِ النفيِ. وقال ابنُ عطية: «دخولُ» لا «إنما هو على نيةِ التَّكْرارِ، كأنه قال: ولا الظلماتُ والنورُ، ولا النورُ والظلماتُ، فاسْتُغْني بذِكْرِ الأوائل عن الثواني، ودَلَّ مذكورُ الكلامِ على مَتْروكِه». قال الشيخ: «وهذا غير مُحْتاجٍ إليه؛ لأنه إذا نُفِي اسْتواؤُهما أولاً فأيُّ فائدةٍ في نَفْي اسْتوائِهما ثانياً» وهو كلامٌ حَسَنٌ إلاَّ أنَّ الشيخَ هنا قال: «فدخولُ» لا «في النفيِ لتأكيدِ معناه، كقوله: ﴿وَلاَ تَسْتَوِي الحسنة وَلاَ السيئة﴾ [فصلت: ٣٤]. قلت: وللناسِ في هذه الآيةِ قولان، أحدهما: ما ذُكِر. الثاني: أنها غيرُ مؤكِّدة؛ إذ يُراد بالحسنةِ الجنسُ، وكذلك» السيئة «فكلُّ واحدٍ منهما متفاوتٌ في جنسِه؛ لأنَّ الحسناتِ درجاتٌ متفاوتةٌ، وكذلك السَّيئاتُ، وسيأتي لك تحقيقُ هذا إنْ شاء اللَّهُ تعالى. فعلى هذا يمكنُ أَنْ يُقالَ بهذا هنا: وهو أنَّ المرادَ نَفْيُ استواءِ الظلماتِ ونَفْيُ استواءِ جنسِ النورِ، إلاَّ أنَّ هذا غيرُ
223
مُرادً هنا في الظاهر، إذ المرادُ مقابَلَةُ هذه الأجناسِ بعضِها ببعضٍ لا مقابلةُ بعضِ أفرادِ كلِّ جنسٍ على حِدَتِه. ويُرَجِّح هذا الظاهرَ التصريحُ بهذا في قوله أولاً: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأعمى والبصير﴾ حيث لم يُكرِّرْها. وهذا من المواضعِ الحسنةِ المفيدة.
والحَرُوْرُ: شدةُ حَرِّ الشمس. وقال الزمخشري:» الحَرورُ السَّمُوم، إلاَّ أنَّ السَّمومَ بالنهارِ، والحَرورَ فيه وفي الليل «. قلت: وهذا مذهبُ الفراءِ وغيرِه. وقيل: السَّمومُ بالنهار، والحَرورُ بالليل خاصةً، نقله ابنُ عطية عَن رؤبةَ. وقال:» ليس بصحيحٍ، بل الصحيحُ ما قاله الفراءُ «. وهذا عجيبٌ منه كيف يَرُدُّ على أصحاب اللسانِ بقولِ مَنْ يأخذُ عنهم؟ وقرأ الكسائي في روايةِ زاذانَ عنه» وَمَا تَسْتَوِي الأحيآء «بالتأنيث على معنى الجماعة.
وهذه الأشياءُ جيْءَ بها على سبيلِ الاستعارةِ والتمثيلِ، فالأعمى والبصيرُ، الكافرُ والمؤمنُ، والظلماتُ والنورُ، الكفرُ والإِيمان، والظلُّ والحَرورُ، الحقُّ والباطلُ، والأحياء والأمواتُ، لمَنْ دَخَل في الإِسلامِ لَمَّا ضَرَبَ الأعمى والبصيرَ مَثَلَيْن للكافرِ والمؤمنِ عَقَّبَه بما كلٌّ منها فيه، فالكافرُ في ظلمةٍ، والمؤمنُ في نورٍ؛ لأنَّ البصيرَ وإن كان حديدَ النظر لا بُدَّ له مِنْ ضوءٍ
والحَرُوْرُ: شدةُ حَرِّ الشمس. وقال الزمخشري:» الحَرورُ السَّمُوم، إلاَّ أنَّ السَّمومَ بالنهارِ، والحَرورَ فيه وفي الليل «. قلت: وهذا مذهبُ الفراءِ وغيرِه. وقيل: السَّمومُ بالنهار، والحَرورُ بالليل خاصةً، نقله ابنُ عطية عَن رؤبةَ. وقال:» ليس بصحيحٍ، بل الصحيحُ ما قاله الفراءُ «. وهذا عجيبٌ منه كيف يَرُدُّ على أصحاب اللسانِ بقولِ مَنْ يأخذُ عنهم؟ وقرأ الكسائي في روايةِ زاذانَ عنه» وَمَا تَسْتَوِي الأحيآء «بالتأنيث على معنى الجماعة.
وهذه الأشياءُ جيْءَ بها على سبيلِ الاستعارةِ والتمثيلِ، فالأعمى والبصيرُ، الكافرُ والمؤمنُ، والظلماتُ والنورُ، الكفرُ والإِيمان، والظلُّ والحَرورُ، الحقُّ والباطلُ، والأحياء والأمواتُ، لمَنْ دَخَل في الإِسلامِ لَمَّا ضَرَبَ الأعمى والبصيرَ مَثَلَيْن للكافرِ والمؤمنِ عَقَّبَه بما كلٌّ منها فيه، فالكافرُ في ظلمةٍ، والمؤمنُ في نورٍ؛ لأنَّ البصيرَ وإن كان حديدَ النظر لا بُدَّ له مِنْ ضوءٍ
224
يُبْصِرُ به، وقَدَّم الأعمى لأنَّ البصيرَ فاصلةٌ فَحَسُنَ تأخيره، ولمَّا تقدَّم الأعمى في الذكر ناسَبَ تقديمَ ما هو فيه، فلذلك قُدِّمَتِ الظلمةُ على النور، ولأنَّ النورَ فاصلةٌ، ثم ذَكَر ما لكلٍّ منهما فللمؤمنِ الظلُّ وللكافرِ الحَرورُ، وأخّر الحرورَ لأجلِ الفاصلةِ كما تقدَّم.
وقولي «لأجلِ الفاصلةِ» هنا وفي غيرِه من الأماكنِ أحسنُ مِنْ قولِ بَعْضِهم لأجلِ السَّجْع؛ لأنَّ القرآن يُنَزَّه عن ذلِك. وقد منع الجمهورُ/ أَنْ يُقال في القرآن سَجْعٌ، وإنما كرَّر الفعلَ في قوله: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأحيآء﴾ مبالغةً في ذلك؛ لأنَّ المنافاةَ بين الحياةِ والموتِ أتمُّ من المنافاةِ المتقدمةِ، وقدَّم الإِحياءَ لشرفِ الحياةِ ولم يُعِدْ «لا» تأكيداً في قولِه: «الأَعمى والبصير» وكرَّرها في غيره؛ لأنَّ منافاةَ ما بعدَه أتمُّ، فإن الشخصَ الواحدَ قد يكونُ بصيراً ثم يصيرُ أَعْمى، فلا منافاةَ إلاَّ من حيث الوصفُ بخلافِ الظلِّ والحرورِ، والظلماتِ والنور، فإنها متنافيةٌ أبداً، لا يَجْتمع اثنان منها في محلّ، فالمنافاةُ بين الظلِّ والحرورِ وبين الظلمةِ والنورِ دائمةٌ.
فإنْ قيل: الحياةُ والموتُ بمنزلةِ العمى والبصرِ، فإنَّ الجسمَ قد يكون مُتَّصفاً بالحياةِ ثم يتصفُ بالموت. فالجواب: أنَّ المنافاةَ بينهما أتمُّ من المنافاةِ بين الأعمى والبصيرِ؛ لأنَّ الأعمى والبصيرَ يشتركان في إدراكات كثيرةٍ، ولا كذلكَ الحيُّ والميت، فالمنافاةُ بينهما أتمُّ، وأفردَ الأعمى والبصيرَ لأنَّه قابلَ الجنسَ بالجنسِ، إذ قد يُوْجد في أفراد العُمْيان ما يُساوي بعضَ أفرادِ البُصَراءِ كأعمى ذكي له بصيرةٌ يُساوي بصيراً بليداً، فالتفاوتُ بين الجنسين مقطوعٌ به لا بين الأفراد.
وجَمَعَ الظلماتِ لأنها عبارةٌ عن الكفرِ والضلالِ، وطرقُهما كثيرةٌ متشعبةٌ، ووحَّد النورَ لأنه عبارةٌ عن التوحيدِ وهو واحدٌ، فالتفاوتُ بين كلِّ فردٍ مِنْ أفرادِ الظلمة، وبين هذا الفردِ الواحد. والمعنى: الظلماتُ كلُّها لا تجدُ فيها
وقولي «لأجلِ الفاصلةِ» هنا وفي غيرِه من الأماكنِ أحسنُ مِنْ قولِ بَعْضِهم لأجلِ السَّجْع؛ لأنَّ القرآن يُنَزَّه عن ذلِك. وقد منع الجمهورُ/ أَنْ يُقال في القرآن سَجْعٌ، وإنما كرَّر الفعلَ في قوله: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأحيآء﴾ مبالغةً في ذلك؛ لأنَّ المنافاةَ بين الحياةِ والموتِ أتمُّ من المنافاةِ المتقدمةِ، وقدَّم الإِحياءَ لشرفِ الحياةِ ولم يُعِدْ «لا» تأكيداً في قولِه: «الأَعمى والبصير» وكرَّرها في غيره؛ لأنَّ منافاةَ ما بعدَه أتمُّ، فإن الشخصَ الواحدَ قد يكونُ بصيراً ثم يصيرُ أَعْمى، فلا منافاةَ إلاَّ من حيث الوصفُ بخلافِ الظلِّ والحرورِ، والظلماتِ والنور، فإنها متنافيةٌ أبداً، لا يَجْتمع اثنان منها في محلّ، فالمنافاةُ بين الظلِّ والحرورِ وبين الظلمةِ والنورِ دائمةٌ.
فإنْ قيل: الحياةُ والموتُ بمنزلةِ العمى والبصرِ، فإنَّ الجسمَ قد يكون مُتَّصفاً بالحياةِ ثم يتصفُ بالموت. فالجواب: أنَّ المنافاةَ بينهما أتمُّ من المنافاةِ بين الأعمى والبصيرِ؛ لأنَّ الأعمى والبصيرَ يشتركان في إدراكات كثيرةٍ، ولا كذلكَ الحيُّ والميت، فالمنافاةُ بينهما أتمُّ، وأفردَ الأعمى والبصيرَ لأنَّه قابلَ الجنسَ بالجنسِ، إذ قد يُوْجد في أفراد العُمْيان ما يُساوي بعضَ أفرادِ البُصَراءِ كأعمى ذكي له بصيرةٌ يُساوي بصيراً بليداً، فالتفاوتُ بين الجنسين مقطوعٌ به لا بين الأفراد.
وجَمَعَ الظلماتِ لأنها عبارةٌ عن الكفرِ والضلالِ، وطرقُهما كثيرةٌ متشعبةٌ، ووحَّد النورَ لأنه عبارةٌ عن التوحيدِ وهو واحدٌ، فالتفاوتُ بين كلِّ فردٍ مِنْ أفرادِ الظلمة، وبين هذا الفردِ الواحد. والمعنى: الظلماتُ كلُّها لا تجدُ فيها
225
ما يساوي هذا الواحدَ كذا قيل. وعندي أنه ينبغي أَنْ يُقال: إن هذا الجمعَ لا يُساوي هذا الواحدَ فيُعْلَمُ انتفاءُ مساواةِ فردٍ منه لهذا الواحدِ بطريقِ الأَوْلى، وإنما جَمَع الأحياءَ والأمواتَ لأنَّ التفاوتَ بينهما أكثرُ؛ إذ ما من ميتٍ يُساوي في الإِدراك حيَّاً، فذكَرَ أنَّ الأحياءَ لا يُساوون الأموات سواءً قابَلْتَ الجنسَ بالجنسِ، أم الفردَ بالفرد.
226
قوله: ﴿بالحق﴾ : يجوزُ فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه حالٌ من الفاعلِ أي: أَرْسلناك مُحِقِّين، أو من المفعولِ أي: مُحِقًّا، أو نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ أي: إرسالاً مُلْتَبِساً بالحق، أو متعلقٌ ب بشير ونذير. قال الزمخشري: «على: بشيراً بالوعدِ الحقِّ، ونذيراً بالوعيد الحق» قال الشيخ: «ولا يمكن أَنْ يتعلَّقَ» بالحق «هذا ب» بشير ونذير «معاً، بل ينبغي أَنْ يُتَأوَّل كلامُه على أنه أراد أنَّ ثَمَّ محذوفاً. والتقدير: بشيراً بالوعد الحق، ونذيراً بالوعيد الحق». قلت: وقد صرَّحَ الرجلُ بهذا.
قوله: ﴿إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ﴾ خبر «مِنْ أمةٍ» وحَذَفَ مِنْ هذا ما أثبته في الأول؛ إذ التقديرُ: إلاَّ خَلا فيها نذيرٌ وبشير.
قوله: ﴿إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ﴾ خبر «مِنْ أمةٍ» وحَذَفَ مِنْ هذا ما أثبته في الأول؛ إذ التقديرُ: إلاَّ خَلا فيها نذيرٌ وبشير.
قوله: ﴿فَأَخْرَجْنَا﴾ : هذا التفاتٌ من الغَيْبةِ إلى التكلم. وإنما كان ذلك لأنَّ المِنَّةَ بالإِخراج أبلغُ من إنزال الماءِ. و «مختلفاً» نعتٌ ل «ثمرات»، و «ألوانُها» فاعلٌ به، ولولا ذلك لأنَّث «مختلفاً»، ولكنه لمَّا أُسْند إلى جمعِ تكسيرٍ غيرِ عاقلٍ جاز تذكيرُه، ولو أنَّثَ فقيل: مختلفة، كما تقول: اختلفَتْ ألوانُها لجازَ، وبه قرأ زيد بن علي.
226
قوله: ﴿وَمِنَ الجبال جُدَدٌ﴾ العامَّةُ على ضمِّ الجيمِ وفتح الدالِ، جمعَ «جُدَّة» وهي الطريقةُ. قال ابن بحر: «قِطَعٌ، مِنْ قولك: جَدَدْت الشيءَ قَطَعْتُه». وقال أبو الفضل: «هي ما تخالَفَ من الطرائق لونُ ما يليها، ومنه جُدَّة الحِمارِ للخَطِّ الذي في ظهرِه. وقرأ الزهري» جُدُد «بضم الجيم والدال جمع جَدِيْدَة، يقال: جديدة وجُدُد وجَدائد. قال أبو ذُؤيب:
نحو: سفينة وسُفُن وسفائِن. وقال أبو الفضل:» جمع جديد بمعنى آثار جديدة واضحة الألوان «. وعنه أيضاً جَدَد بفتحهما. وقد رَدَّ أبو حاتمٍ هذه القراءةَ من حيثُ الأثرُ والمعنى، وقد صَحَّحهما غيرُه. وقال: الجَدَدُ: الطريق الواضح البيِّن، إلاَّ أنه وضع المفرَد موضعَ الجمعِ؛ إذ المرادُ الطرائقُ والخطوطُ.
قوله:» مختلِفٌ ألوانُها «» مختلف «صفةٌ ل» جُدَد «أيضاً. و» ألوانُها «فاعلٌ به كما تقدَّم في نظيره. ولا جائزٌ أَنْ يكونَ» مختلفٌ «خبراً مقدماً، و» ألوانُها «مبتدأٌ مؤخرٌ، والجملةُ صفةٌ؛ إذ كان يجبُ أَنْ يُقال: مختلفةٌ لتحمُّلِها ضميرَ
٣٧٦٥ -........................ | جَوْنُ السَّراةِ له جَدائدُ أربعُ |
قوله:» مختلِفٌ ألوانُها «» مختلف «صفةٌ ل» جُدَد «أيضاً. و» ألوانُها «فاعلٌ به كما تقدَّم في نظيره. ولا جائزٌ أَنْ يكونَ» مختلفٌ «خبراً مقدماً، و» ألوانُها «مبتدأٌ مؤخرٌ، والجملةُ صفةٌ؛ إذ كان يجبُ أَنْ يُقال: مختلفةٌ لتحمُّلِها ضميرَ
227
المبتدأ. وقوله: /» ألوانُها «يحتمل معنيين، أحدهما: أنَّ البياضَ والحمرةَ يتفاوتان بالشدة والضعفِ فرُبَّ أبيضَ أشدُّ من أبيضَ، وأحمرَ أشدُّ مِنْ أحمرَ، فنفسُ البياضِ مختلفٌ، وكذلك الحمرةُ، فلذلك جَمَع» ألوانها «فيكونُ من باب المُشَكَّل. الثاني: أن الجُدَدَ كلَّها على لونين: بياضٍ وحُمْرَةٍ، فالبياضُ والحُمْرَةُ وإنْ كانا لونَيْن إلاَّ أنهما جُمِعا باعتبارِ مَحالِّهما.
وقوله:» وغَرابيبُ سُوْدٌ «فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنه معطوفٌ على» حمرٌ «عَطْفَ ذي لون على ذي لون. الثاني: أنه معطوفٌ على» بِيضٌ «. الثالث: أنه معطوفٌ على» جُدَدٌ «. قال الزمخشري:» معطوف على «بيض» أو على «جُدَد»، كأنه قيل: ومن الجبالِ مخططٌ ذو جُدَد، ومنها ما هو على لونٍ واحد «ثم قال:» ولا بُدَّ من تقديرِ حذفِ المضافِ في قوله: ﴿وَمِنَ الجبال جُدَدٌ﴾ بمعنى: ومن الجبالِ ذو جُدَدٍ بيضٍ وحمرٍ وسُوْدٍ، حتى يَؤُول إلى قولِك: ومن الجبالِ مختلفٌ ألوانها، كما قال: ﴿ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا﴾.
ولم يذكُرْ بعد «غرابيب سود» «مختلفٌ ألوانُها» كما ذكر ذلك لك بعد بيض وحُمْر؛ لأنَّ الغِرْبيبَ هو المبالِغُ في السوادِ، فصار لوناً واحداً غيرَ متفاوتٍ بخلافِ ما تقدَّم «.
وغرابيب: جمعُ غِرْبيب وهو الأسودُ المتناهِي في السوادِ فهو تابعٌ للأسودِ كقانٍ وناصعٍ وناضِرٍ ويَقَق، فمِنْ ثَمَّ زعَم بعضُهم أنه في نيةِ التأخير، ومِنْ مذهبِ هؤلاءِ يجوز تقديمُ الصفةِ على موصوفِها، وأنشدوا:
وقوله:» وغَرابيبُ سُوْدٌ «فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنه معطوفٌ على» حمرٌ «عَطْفَ ذي لون على ذي لون. الثاني: أنه معطوفٌ على» بِيضٌ «. الثالث: أنه معطوفٌ على» جُدَدٌ «. قال الزمخشري:» معطوف على «بيض» أو على «جُدَد»، كأنه قيل: ومن الجبالِ مخططٌ ذو جُدَد، ومنها ما هو على لونٍ واحد «ثم قال:» ولا بُدَّ من تقديرِ حذفِ المضافِ في قوله: ﴿وَمِنَ الجبال جُدَدٌ﴾ بمعنى: ومن الجبالِ ذو جُدَدٍ بيضٍ وحمرٍ وسُوْدٍ، حتى يَؤُول إلى قولِك: ومن الجبالِ مختلفٌ ألوانها، كما قال: ﴿ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا﴾.
ولم يذكُرْ بعد «غرابيب سود» «مختلفٌ ألوانُها» كما ذكر ذلك لك بعد بيض وحُمْر؛ لأنَّ الغِرْبيبَ هو المبالِغُ في السوادِ، فصار لوناً واحداً غيرَ متفاوتٍ بخلافِ ما تقدَّم «.
وغرابيب: جمعُ غِرْبيب وهو الأسودُ المتناهِي في السوادِ فهو تابعٌ للأسودِ كقانٍ وناصعٍ وناضِرٍ ويَقَق، فمِنْ ثَمَّ زعَم بعضُهم أنه في نيةِ التأخير، ومِنْ مذهبِ هؤلاءِ يجوز تقديمُ الصفةِ على موصوفِها، وأنشدوا: